اضاءات على تطورات في الملف السوريالأبحاث والدراساتالإصداراتوحدة تحليل السياسات

جهود إعادة تأهيل النظام عربياً؛ تأملات في المحركات والأسباب والمآلات

تقرير تحليلي

ملخص تنفيذي:

ترتبط جذور محاولات تطبيع بعض الدول العربية مع نظام الأسد بالتغيرات الكبرى التي حصلت في الملف السوري في السنوات الأخيرة بعد التدخل الروسي أواخر عام 2015، والتي فرضت دوراً روسياً مركزياً في المنطقة تعزَّز بتوافقه مع المصالح “الإسرائيلية” في بيئة حضور أمريكي هشّ مضطرب؛ فقد شكَّل التوافق الروسي “الإسرائيلي” عنصراً جاذباً تدور  في فلكه قوى الإقليم المحيطية وتحاول مقاطعة أمنها الوطني مع توجهاته، فكان هذا عاملاً أساسياً في دفع بعض البلدان العربية للتطبيع مع نظام الأسد؛ إذ يشعر الفاعلون بثقل الحضور الروسي الذي يحاول ملء فراغ تراجُع الدور الأمريكي، ويسعى الروس بدورهم إلى تقديم أنفسهم ضامنين لأمن “إسرائيل” باعتباره مطلباً دولياً استراتيجياً متفقاً عليه، وقد لعب التوافق الروسي “الإسرائيلي” على حماية نظام الأسد دوراً مركزياً في حثّ ودفع بعض الدول العربية لترجمة هذا التوافق إلى تطبيع مع نظام الأسد، وذلك إلى جانب وجود دوافع ومصالح خاصة لكل دولة تتقاطع مع تلك التوافقات الروسية “الإسرائيلية”، كالمصالح الاقتصادية والرؤية الثقافية /الأيديولوجية لموجة الربيع العربي.

تُعد التوافقات الروسية الأمريكية ركيزة أساسية في سير عجلة التطبيع مع نظام الأسد سلباً أو إيجاباً؛ إذ غضّت الولايات المتحدة النظر عن تطبيق مقتضيات قانون “قيصر” على الدول التي اتخذت خطوات تطبيعية سياسية واقتصادية مع نظام الأسد بعد ظهور بوادر تشكُّل تقارُب مع روسيا في سوريا عقب التفاهم المبدئي على ملف تمديد المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى العام الماضي.

من جهة أخرى تحظى التحركات العربية للتطبيع مع نظام الأسد بقبول إيراني مبدئي؛ لـِمَا قد تجنيه إيران من فوائد على الصعيد الاقتصادي والسياسي، لاسيما وأنَّ الجهود العربية لا تمسّ جوهر الوجود الإيراني في سوريا، خاصة التغلغل الثقافي والاجتماعي والديني، وبذلك تستثمر ايران في فكّ عزلة النظام لتوسيع دائرة توغلها داخل المؤسسات السورية عبر أدواتها من “القوة الناعمة”.

مع ذلك، وبسبب حقيقة ارتباط النظام السوري بإيران ارتباطاً عضوياً وثيقاً، وعدم وجود توافق عربي عام حول التطبيع مع نظام الأسد، والموقف المعلن للسعودية وقطر وتركيا تجاه رفض التطبيع، وقابلية الموقف الأمريكي المضطرب للتغير بحسب السياق؛ يبدو أن عوائق التطبيع كثيرة، وتشكل في الوقت ذاته فرصاً لقوى الثورة والمعارضة الرسمية وغير الرسمية والمنظمات الحقوقية المؤيدة لحقوق الشعب السوري لإعادة تنظيم نفسها وتقديم الشرعية البديلة، أو لمنع توسع عملية إعادة تعويم نظام الأسد.

مقدمة:

شهدت الآونة الأخيرة تحركات عربية حثيثة لإعادة تطبيع العلاقات تدريجيّاً مع نظام الأسد وتأمين انخراطه مع المجتمع الدولي وإعادته إلى “الحضن العربي”، سواء عبر إعادة فتح السفارات أو عبر زيارات الرؤساء والمسؤولين لدمشق أو بناء اتفاقيات وتفاهمات اقتصادية متنوعة؛ فقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق ولقائه رأس النظام[1] تتويجاً للمسار الذي بدأته الإمارات عام 2018م بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق[2]، في محاولةٍ لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، بعد انقطاعها عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011م.

وتسارعت الخطوات التطبيعية العربية لتأخذ منحنىً تصاعدياً مع سير البحرين على خطى الإمارات في إعادة فتح سفارتها في دمشق[3]، ولقاء وزير الخارجية المصري وزير خارجية النظام على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك[4]. وهو ما تزامن مع تحرّك أردني مكثّف لتوحيد الجهود العربية والدولية لإعادة تأهيل نظام الأسد؛ إذ استطاع الملك الأردني الحصول على ضوء أخضر أمريكي لكسر الطوق المفروض سياسياً واقتصادياً على نظام الأسد بموجب قانون قيصر عقب الزيارة التي أجراها ملك الأردن إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي في تموز الماضي، والتي قدّم فيها مقترحاً للحل في سوريا يقوم على أساس فكّ العزلة عن نظام الأسد وتقليص العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه[5]، مع المباشرة في إعادة تسيير الرحلات الجوية بين عمان ودمشق[6]، وصولاً إلى الاتصال الهاتفي الأول منذ اندلاع الثورة السورية بين العاهل الأردني ورأس النظام “بشار الأسد”[7].

وفي السياق ذاته أعربت الجزائر عن رغبتها في مشاركة نظام الأسد في الدورة الرابعة والثلاثين من القمة العربية التي تستضيفها في آذار من العام 2022م، داعية إلى إعادة تفعيل عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية[8]، إلى غيرها من الإشارات الصادرة عن عدد من الدول العربية الداعية إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وطيّ صفحة القطيعة معه، في ظلّ تغاضي الولايات المتحدة[9]؛ التي هدّدت سابقاً بتطبيق عقوبات شاملة على الدول التي ترغب في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وفق “قانون قيصر”[10].

في المقابل تمنّعت بعض الدول العربية – على رأسها قطر والسعودية – عن الدخول في المسار التطبيعي مع النظام، وأعربت عن تحفّظها على عودة النظام إلى الجامعة العربية؛ فقد أشار وزير الخارجية القطري في وقت سابق إلى أنَّ “الأسباب التي استدعت تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة”[11]، وجاء موقف المملكة العربية السعودية الأخير على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة الذي شنّ هجوماً لاذعاً على نظام الأسد[12]؛ ليضع تكهّنات حول مآل مسار التطبيع العربي مع النظام ومساعي الدول العربية لإعادته إلى “الحضن العربي”.

تبحث هذه الورقة في دوافع المساعي العربية المتسارعة للتطبيع مع نظام الأسد، آخذةً بالحسبان العوامل المحلية والإقليمية التي تحفز هذه الجهود وتدعمها، ومواقف الفاعلين الدوليين في الملف السوري من هذه الجهود، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران، كما تحاول استشراف مآلات هذه الجهود ومستقبلها في ضوء دراسة النتائج المحتملة لإعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد عربياً ودولياً.

تعتمد الورقة المنهج الوصفي التحليلي، معتمدين على متابعة مواقف هذه الدول وتصريحاتها ورؤيتها لجهود التطبيع، مع الربط بينها وبين سياقاتها ومحاولة فهمها في ضوء مصالح الفاعلين محلياً ودولياً.

تطورات المواقف الدولية من نظام الأسد؛ من القطيعة حتى التماهي مع الرؤية الروسية:

مرّت المواقف الدولية من نظام الأسد بأطوار عديدة صعوداً ونزولاً، وقد ارتبطت طبيعة هذه المواقف بتغيّر خريطة المشهد العسكري على الأرض في سوريا، وبتغير التوازنات المحلية والإقليمية والدولية حول الملف السوري، إضافة إلى تعاظم الأعباء السياسية والأمنية والاقتصادية التي باتت تكلفة استمرار الأزمة السورية سبباً فيها.

من الممكن القول: إننا نشهد مؤشرات تدل على وجود مقاربة جديدة للتعاطي الدولي مع القضية السورية ومع مقتضيات الحل السياسي تختلف جذرياً عن طريقة التعاطي الدولي المرجوة تجاه الثورة السورية وتجاه نظام الأسد؛ فقد تمّ التخلي تدريجياً عن فكرة “الانتقال السياسي”، والتركيز بدلاً من ذلك على “تغيير سلوك النظام”، كما أصبحت الهواجس الأمنية والإنسانية أكثر حضوراً ضمن مقاربات القوى الدولية، بالتزامن مع ابتعادٍ ممنهجٍ عن الملف السياسي والقضايا المرتبطة به كمسار الحل السياسي، فضلاً عن تبلور توجُّه دولي عام – فيما يبدو – ينطلق من منح نظام الأسد الحوافز والمكافآت في مسار التعافي المبكر والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه مقابل قيامه ببعض الخطوات في مسار الحل السياسي، إلى غير ذلك من التحولات الكبيرة في التعاطي مع الملف السوري[13].

المحددات الأساسية لفهم جهود تطبيع الأنظمة العربية مع نظام الأسد:

لا يمكن فصل المساعي العربية الأخيرة للتطبيع مع نظام الأسد عن التبدلات السياسية والميدانية على الأرض السورية، وعن التغيرات ضمن أروقة الفاعلين السياسيين، ولعلَّ أبرز المحددات الأساسية التي يمكن أن تشكل دافعاً رئيساً لتلك الجهود هي كالآتي:

1.     التأثير “الإسرائيلي”، والتوافق الروسي/”الإسرائيلي”:

 يبدو أنَّ مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد يتوافق جزئياً مع الأهداف “الإسرائيلية” في سوريا[14]، من منطلق أنَّ مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا هو الهدف الأساسي المعلن من الخطوات العربية التطبيعية مع النظام؛ إذ لا يخفى أن الدول العربية التي تقود “قطار التطبيع العربي” مع نظام الأسد هي ذاتها التي تتمتع بعلاقات سياسية وأمنية قوية مع “إسرائيل”، وتُعد الإمارات والبحرين في طليعة الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، كما أن كلّاً من الأردن ومصر تربطهما بـ “إسرائيل” علاقات أمنية واقتصادية وسياسية قوية، مما يعني في محصلة الأمر أنه من الصعب فصل مساعي التطبيع العربي مع نظام الأسد عن المصالح والرغبات “الإسرائيلية”[15].

وفي السياق ذاته يُلاحظ أنَّ الدور “الإسرائيلي” في المسار التطبيعي حاضر بشكل كبير، وربما يرجع أثره إلى عدّة سنوات مضت، منذ أن بدأ بوتين بالتقرب إلى “الإسرائيليين” وإدخالهم في موضوع “الحل” في سوريا، عندما طلب من نتنياهو إعداد رؤيته للحل في سوريا قبل أكثر من ثلاث سنوات، فأعدّت الاستخبارات “الاسرائيلية” رؤية تتضمن بقاء نظام الأسد، وبعد ذلك كان لاجتماعات مؤسسات الأمن القومي الأمريكية “الإسرائيلية” الروسية ومناقشاتهم الوضع السوري أثرٌ في مسار الأوضاع في سوريا[16].

من الناحية الاقتصادية تتداخل المصالح “الإسرائيلية” إلى حد كبير مع مشروع خط الغاز العربي، الذي يُعد البوابة الاقتصادية التي دخلت منها بعض الدول العربية للتطبيع السياسي مع نظام الأسد؛ حيث إن الموافقة الأمريكية على هذا المشروع جاءت لمواجهة النفوذ الإيراني في لبنان الذي يعيش أزمة طاقة مرتفعة، ويسعى حزب الله إلى مدّه بالوقود الإيراني عبر الباخرات[17]. ولعلَّ دخول “إسرائيل” على خط الطاقة واستثمارها فيه جعلها تبحث عن أسواق ممكنة لتصريف فائضها من الغاز مع صعوبة التصدير للدول العربية المحيطة، في ظل الحديث عن أنَّ الغاز “الإسرائيلي” هو الذي سيصل إلى لبنان وليس الغاز المصري[18]، مما يعني أن التغاضي الأمريكي/ “الإسرائيلي” عن التطبيع العربي مع نظام الأسد يصبُّ في خدمة المصالح الأمريكية “الإسرائيلية”[19].

وفي ظل الترقب “الإسرائيلي” لمآلات المساعي العربية للتطبيع مع نظام الأسد وعدم التعجل نحو الموافقة أو الرفض[20]، ومع وجود التقارير التي تتحدث عن وجود مزاج  “إسرائيلي” يرى في بقاء نظام الأسد حاكماً لسوريا مصلحة لـ”إسرائيل”[21]؛ فإن من الممكن الحديث عن توجُّه روسي – إماراتي لعقد صفقة سلام بين “إسرائيل” ونظام الأسد تُحدث اختراقاً غير مسبوق في العلاقات بين الطرفين[22]، مع الأخذ بعين النظر معطيات أخرى مثل: أن مواجهةَ إيران في سوريا هدفٌ “إسرائيلي” مُعلَن[23] نتج عنه ضربات عسكرية وأمنية مستمرة تصاعدت مع تصاعد سخونة الأحداث في سوريا، وأن الإمارات التي تقود التطبيع العربي مع نظام الأسد هي راعية التطبيع العربي مع “إسرائيل”.

ومع ذلك فإن إعلان التصالح بين نظام الأسد و”إسرائيل” هو أمر غير وارد على المدى القريب، دون وجود تنازلات واضحة من نظام الأسد فيما يخص العلاقة مع إيران والموقف من هضبة الجولان السورية المحتلة[24]، ووفقاً للمعطيات السابقة فإن “إسرائيل” تسهم بشكل أو بآخر في موضوع إعادة تأهيل نظام الأسد من خلال توافقها مع الروس على ذلك؛ إذ يشكّل هذا التوافق أرضية مناسبة وعامل جذب للقوى والأطراف الدولية الهامشية بالتزامن مع التراخي والتراجع الأمريكي في المنطقة.

2.     إبعاد نظام الأسد عن النفوذ الإيراني: 

يرى مؤيدو جهود الدول العربية في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وإعادته إلى “الحضن العربي” أن هذا التوجه سيسهم في إبعاده عن المحور الإيراني، أو أنه قد يؤدي إلى إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا على أقل تقدير[25]،  وتنبني هذه المقاربة على أن التوجه الذي قام به نظام الأسد نحو إيران والتماهي مع مشروعها في المنطقة جاء نتيجة القطيعة العربية معه، والدعم الصريح الذي قدمته الدول العربية – وعلى رأسها دول الخليج – لقوى الثورة والمعارضة الساعية إلى الإطاحة بنظام الأسد؛ مما يعني أن إعادة الصلة مع النظام ستخفف من احتياجه للدعم الإيراني، وبالتالي تخفف من نفوذ إيران المتزايد في سوريا.

ويمكن الوقوف في الفرضية السابقة عند عدد من النقاط: حيث إن “تماهي النظام مع المشروع الإيراني كان نتيجة محاولة الأنظمة العربية إسقاطه عقب اندلاع الثورة” لا يبدو أمراً دقيقاً؛ فالتحالف الإيراني مع نظام الأسد ليس وليد الصراع في سوريا، وهو قديم ومبني على علاقات متشابكة ترجع إلى ما قبل عام 2011م بعقود[26]، كما أن المقاربة التي تعني التقارب مع نظام الأسد ودعمه واحتواءه في مقابل تخلّيه عن التحالف مع إيران هي استراتيجية غير فعالة، وقد جرى الاعتماد عليها تاريخياً في أكثر من مناسبة دون أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة[27]؛ مما شكّل قناعة لدى بعض الفاعلين العرب أن نظام الأسد يتعامل مع هذه المبادرات بطريقة براغماتية غير جدّية، ولا يتسجيب لمطالبها بشكل حقيقي[28].

ويبدو أنَّ إيران تنظر إيجابياً إلى الخطوات التطبيعية العربية مع نظام الأسد[29] من ناحية أنَّ تلك الخطوات تعدُّ استثماراً فعلياً في فكّ العزلة الاقتصادية والسياسية عن نظام الأسد لتحقيق مزيد من التغلغل والتوسع داخل أرقة المؤسسات السورية وزيادة حجم توسعها عبر أدواتها من “القوة الناعمة”[30]، لاسيما وأنَّ هذه التحركات لا تمسُّ جوهر الوجود الإيراني في سوريا، وهو ما يتضح من الترحيب الإيراني (الرسمي وعن طريق أذرعها في المنطقة) بالمساعي العربية لتعويم النظام؛ فقد صرّح وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان أن زيارة “بن زايد” إلى سوريا هي خطوة إيجابية[31]، كما رأى “حسن نصر الله” الأمين العام لـ”حزب الله اللبناني” ذراع إيران في لبنان “أن زيارة بن زايد إلى سوريا تعني اعترافاً عربياً ضمنياً بالهزيمة وانتصاراً لسوريا” حسب تعبيره[32]، ومن المرجّح – في المقابل – اتخاذ إيران موقفاً متشدداً حيال مسار التطبيع لو أنه أثّر بشكل مباشر في تمدُّدها ونشاطها في سوريا.

إضافة إلى ذلك تتعاطى “إسرائيل” فيما يبدو مع التمدد الإيراني في سوريا من منطلق منع إيران من اتخاذ سوريا قاعدة متقدِّمة لعملياتها – على غرار قاعدتها في الجنوب اللبناني – تستهدف بها مصالح “إسرائيل” في منطقة تُعدُّ منطقة حيوية بالنسبة إليها، لذا ركّزت “إسرائيل” على بناء استراتيجية فعّالة تمنع إيران ووكلاءها من بناء بنية تحتية عسكرية قادرة على استهداف المواقع الإسرائيلية وتهديدها عسكرياً[33]، والعمل على إبعاد أذرع إيران عن المناطق الحدودية في الجنوب السوري، عبر تكثيف هجماتها وتوسيع مسرح عملياتها ضد الانتشار الإيراني والميليشيات الموالية لها ليشمل عموم المناطق السورية[34]. وبالتالي فإنَّ تحرُّك إيران لنشر قواتها وإنشاء قواعد وبنى تحتية عسكرية، والتوغُّل داخل أروقة المؤسسات الأمنية والعسكرية والتسلُّل إلى مناطق قريبة من المواقع “الإسرائيلية” هو ما يشكّل عامل ضغط على”إسرائيل”، ولا يبدو أنَّ لـ “إسرائيل” مشكلة مباشرة مع التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا[35] ؛ مما يعني أن مقاربة الدول العربية للتطبيع مع إيران مقابل التضييق على إيران وإخراجها من سوريا تخدم المصالح “الإسرائيلية”، وتتوافق مع الرؤية “الإسرائيلية” في إطار التنافس الإقليمي المحموم بين إيران و”إسرائيل”.

في المجمل بات من الواضح أنَّ الوجود الإيراني في سوريا لم يعد يقتصر على قواعد ومواقع عسكرية، بل تشعّبَ ليشملَ جوانب متعددة اقتصادية وثقافية ومجتمعية وتعليمية وعسكرية وأمنية؛ لذا فإن الضغوط الاقتصادية أو السياسية أو حتى العسكرية (مثل: تكثيف “إسرائيل” ضرباتها الجوية على المواقع الإيرانية)، أو الضغط على نظام الأسد أو تعويمه مقابل إبعاده عن إيران وتقليص نفوذها المتزايد في سوريا لا يبدو أنها ستفي بالغرض؛ إذ إنَّ إيران كيّفت نفسها على تحمُّل مختلف أنواع الضغوط بشكل مستمر وطويل الأمد عبر تنويع أدوات المواجهة لديها، كتعزيز مواقعها العسكرية وتوسيع حجم تغلغلها داخل مؤسسات النظام العسكرية والأمنية[36]، من جهة؛ إضافة إلى مشروعها في التغلغل الثقافي متعدد الوجوه في سوريا بوصفه أخطر أدوات إيران لتحقيق وجودها طويل الأمد في سوريا من جهة أخرى[37].

3.     ملء الفراغ الأمريكي:

تُلقي السياسات الخارجية الأمريكية وتوجهاتها الاستراتيجية العالمية الجديدة بظلالها على قضايا المنطقة بشكل عام وعلى الملف السوري بشكل خاص[38]، ويبدو أن التوجه الأمريكي الجديد الرامي إلى الحدّ من ازدياد قوة الصين كدولة عظمى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً يعني إلى حد ما انخفاض الأهمية الجيوسياسية للمنطقة، والتركيز على مناطق اكثر أهمية في الصراع العالمي مع الصين، مما يعني انخراطاً عسكرياً وسياسياً أقل في قضايا المنطقة ومن بينها الملف السوري.

إنّ التحول في طريقة تعاطي إدارة بايدن الديمقراطية مع الملف السوري، والتي يشغل الجانب الإنساني (استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا “عبر الحدود”) حيزاً مهماً فيها؛ لـِمَا يُبديه الديمقراطيون الأمريكيون عادة من إظهار الالتزام بدعم الحلفاء والديمقراطية وحقوق الإنسان[39]، مع التركيز على ملفات أسياسية كمحاربة داعش والحدّ من النفوذ الإيراني، والانسحاب الجزئي من المنطقة والتوجّه شرقاً، إلى جانب الاعتراف بمحورية الدور الروسي في سوريا، والتركيز على فكرة “تغيير سلوك النظام” بدلاً من دعم “الانتقال السياسي”[40]؛ كل ذلك قد أدّى إلى حدوث تراخٍ أمريكي مع خطوات التطبيع العربي مع نظام الأسد، وغضّ النظر عن الهرولة المدروسة نحو إعادة تعويم النظام.

ويبدو أنَّ هذا التراخي يدخل ضمن المسار التفاهمي/التقاربي مع روسيا؛ فقد غضّت الولايات المتحدة الطرف عن تطبيق مقتضيات قانون “قيصر” على الدول التي اتخذت خطوات تطبيعية سياسية واقتصادية مع نظام الأسد، إضافة إلى سماحها بتنفيذ مشروع خط الغاز “العربي” واستثنائه من “عقوبات قيصر”[41]، على الرغم من إعلانها المتكرر رفضها فكرة تعويم الأسد[42]، وذلك عقب جولة دولية قام فيها الملك الأردني بزيارة واشنطن واللقاء مع بايدن[43]، وقدّم فيها ما يُعرف باسم “اللاورقة الأردنية” للحل في سوريا[44]، والتي تقترح التعامل مع نظام الأسد ضمن استراتيجية “خطوة – بخطوة” باعتبار أن “تغيير النظام أصبح هدفاً غير فعال”، وتتوافق محددات هذه المبادرة إلى حد كبير مع الأهداف المعلنة للتطبيع العربي مع نظام الأسد، ومنها: إيجادُ الحل السياسي الذي يُنهي معاناة السوريين، وتقليصُ النفوذ الإيراني، والتعاونُ مع روسيا للضغط على النظام، فضلاً عن معطيات أخرى تشير إلى وجود تفاهم روسي أمريكي يمنح نظام الأسد بعض الحوافز مقابل قيام روسيا ببعض النشاطات، منها الضغط على إيران وتقويض وجودها في سوريا[45].

4.     التقارب مع روسيا:

تسعى الدول العربية من خلال جهودها للتطبيع مع نظام الأسد إلى إيجاد مساحة من التفاهم والتقارب مع روسيا الحليف الأول للنظام، وقد كانت الإمارات من الدول التي أيدت ضمنياً التدخل العسكري الروسي في سوريا[46]، وعملت هي والأردن من خلال نفوذهما لدى فصائل الجبهة الجنوبية على تحييد تلك الفصائل ثم إيقاف الدعم عنها، مما سهّل في نهاية المطاف سقوط المنطقة بيد النظام وروسيا وإطلاق حملة المصالحات والتسوية[47].

وتُعد موسكو المستفيد الأول من تحركات التطبيع التي تقوم بها الدول العربية؛ حيث إن تعويم الأسد وإخراجه من عزلته السياسية والاقتصادية يُعد هدفاً روسياً أساسياً، كما أن إعادة التطبيع مع النظام قد يفتح الباب أمام تدفق أموال إعادة الإعمار التي تترقب موسكو الحصول عليها بشدة؛ ولذلك تسعى روسيا بشكل أو بآخر إلى عقد تفاهمات مع الإمارات على وجه التحديد[48].

من جهة أخرى استطاعت روسيا تجيير مسار الحل السياسي بأكمله لصالح حساباتها الاستراتيجية وأجندتها في سوريا؛ الذي ابتدأ مع بيان جنيف1 في العام 2012م[49]، مروراً بفكرة المجموعات الأربع وبيانَي فيينا 1+2 والقرار رقم 2254، وانتهاءً باللجنة الدستورية[50]، متكئةً على قدرتها في التواصل والتأثير على بقية الدول المعنية بالملف السوري، سواء بالنسبة لمجموعة أستانا (تركيا وإيران) أو للمجموعة المصغرة حول سوريا وحتى للأمم المتحدة؛ وهو ما جعل من الروس أصحاب الكلمة العليا، ومكّنهم في الوقت نفسه من فرض الجزء الأكبر من رؤيتهم للحل السياسي في سوريا[51].

ولأن روسيا باتت تمتلك أوراق قوة متعددة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري؛ بدأت مختلف القوى الدولية الفاعلة بالانجذاب نحو روسيا لتمرير مصالحها في سوريا والمنطقة، لاسيما بعد التراجع الأمريكي الواضح في المنطقة[52]، وهو ما ينطبق على الدول الساعية للتطبيع مع الأسد. ويبدو أن مصالح تلك الدول قد تلاقت مع الهدف الروسي الأساسي في تعجيل سير عملية تعويم الأسد للبدء في عملية إعادة الإعمار التي تشكّل جزءاً مهماً في الأهداف الاستراتيجية الروسية المرحلية في سوريا، كما نجحت روسيا في تقديم نفسها للمجتمع الدولي بوصفها ضامناً للتحركات الإيرانية في سوريا ولاعباً رئيساً في الحدِّ من نفوذ إيران وتمددها في الساحة السورية.

5.     الدوافع الاقتصادية:

ثمّة جملة من الدوافع الاقتصادية التي تدفع بعضاً من الدول العربية للتوجه نحو نظام الأسد كالأردن والإمارات؛ إذ يعاني الأردن من أزمة اقتصادية خانقة ومستمرة بسبب ما فرضته جائحة كورونا التي أثقلت كاهل الاقتصاد الأردني[53]، وجعلت صنّاع القرار فيه يبررون اتجاههم نحو التطبيع مع نظام الأسد بالمصالح الاقتصادية[54]، كما تسعى الإمارات فيما يبدو للفوز بعقود الاستثمار[55]، لاسيما وأن التنسيق الاقتصادي بين الطرفَين لم يغب طوال فترة العقد الماضي، فضلاً عن أنَّ الإمارات قد مثّلت وجهة مفضلة للعديد من رؤوس الأموال التابعة لنظام الأسد، إضافة إلى إمكانية الوصول إلى الموانئ السورية التي ربما قد توفر للإمارات مزيداً من النشاط التجاري في البحر المتوسط ومع الدول الأوروبية[56].

6.     الدوافع الأيديولوجية وسياسة الأمر الواقع:

تنطلق بعض الدول العربية في مسار تطبيعها مع نظام الأسد من منظور “برغماتي” يغضّ الطرف عن الانتهاكات والجرائم التي قام بها النظام ووثقتها منظمات دولية وحقوقية، ويستند إلى رؤية ” واقعية” بعد فرض نظام الأسد بدعم روسي إيراني كبيرين سيطرته على النسبة الأكبر من الجغرافية السورية، في ظل تشتُّت قوى الثورة والمعارضة سياسياً وعسكرياً.

ويبدو أنَّ جهود بعض الدول العربية لإعادة النظام إلى محيطه الإقليمي والعربي يدخل ضمن تحركاتها لضرب ثورات الربيع العربي وتعزيز حكم العسكر والاستبداد؛ فإعادة الاعتراف بشرعية نظام الأسد رغم كل الجرائم والانتهاكات من شأنه أن يُثبت انتصاراً جديداً لأنظمة “الثورات المضادة” التي تبنت موقفاً مسانداً للأنظمة السلطوية والعسكرية في المنطقة في مواجهة تطلعات الشعوب العربية[57].

على الرغم مما سبق فإنَّ سردية “انتصار النظام” و”التسليم للأمر الواقع” لا تبدو محقّة في طرحها، ويظهر عدم واقعيتها عند النظر بشيء من التعمّق إلى الوضع الداخلي والخارجي الذي وصل إليه حال نظام الأسد بعد عقد من عمر الثورة من: رهن اقتصاد سوريا وخيراتها لقوى أجنبية، وارتهان قراره السياسي والاستراتيجي لإيران وروسيا اللتين تتقاسمان النفوذ داخل مناطق سيطرة النظام وفي أروقة مؤسساته المختلفة، فضلاً عن حالة التدهور الأمني والعسكري والاقتصادي الذي يعصف بمناطق سيطرته[58].

مستقبل التطبيع مع نظام الأسد:

تتمثل سياسة نظام الأسد وحلفائه الروس كما يبدو بالتقدّم البطيء الهادئ في مسار التطبيع الدبلوماسي، ليصبح تدريجياً تطبيعاً شاملاً يحظى بقبول دولي وإقليمي على المدى البعيد، ويناور النظام ومن خلفه روسيا بأوراق سياسية واقتصادية وأمنية عديدة، كملف اللاجئين و”الإرهاب” لإغراء أو ترهيب القوى الدولية لطيّ صفحة الخلاف معه والقبول به ضمن المجتمع الدولي دون إحداث تغيير جذري حقيقي على صعيد بنيته وتركيبته العسكرية والأمنية، مستندين في ذلك إلى عامل الوقت وتململ القوى الدولية من طول أمد الصراع في سوريا.

ومن الواضح أنَّ مسار التطبيع يأخذ ـــ إلى الآن ـــ بعداً اقتصادياً وأمنياً بحسب اختلاف مصالح وتوجهات الدول المطبعة دون ذهابها بعيداً نحو التطبيع السياسي الشامل؛ لـِمَا في ذلك من عقبات لعلَّ أهمها: الموقف الأمريكي المعلن الرافض للتطبيع الشامل وإعادة تأهيل النظام دون تحقيق انتقال سياسي وفق القرار 2254[59]، وبقاء إمكانية تلويح الولايات المتحدة بقانون “قيصر” ضد الدول المطبعة، مع قيامها باستثناءات وفق طبيعة توجهاتها وتطور رؤيتها في سوريا.

وبالتالي فمن المرجّح أنَّ المسار التطبيعي مع نظام الأسد محكوم بدرجة أساسية بتجاذبات العلاقة الروسية ــــ الأمريكية في سوريا ومدى نجاح سياسية ما تُسمى “خطوة مقابل خطوة” التي يبدو أن الطرفين اعتمداها ضمن مسار تفاهمات مشتركة لإعادة تشكيل المشهد السوري وتقريب الرؤى حيال الملف السوري[60].

وفي المجمل فإنَّ خطوات التطبيع مع نظام الأسد يبدو أنها لن تؤدي إلى تغيير سلوكه أو تحفيزه من أجل القيام بخطوات أكثر جدية نحو تقديم تنازلات على صعيد الحل السياسي في سوريا[61]، أو على صعيد العلاقة مع إيران؛ وهو ما يشكل فرصة لقوى الثورة والمعارضة المهيكلة الرسمية (الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة) وغير الرسمية (المنظمات السورية الأمريكية، والمنظمات الحقوقية الداعمة للشعب السوري) لإعادة تنظيم نفسها والسعي لتقديم الشرعية البديلة، أو لمنع توسع عمليات التطبيع واستعادة شرعية نظام الأسد على الأقل[62].

خاتمة:

ازدادت مؤخراً جهود بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وإعادته إلى “الحضن العربي”، وتختلف دوافع تلك الدول فيما بينها؛ إلا أن التبرير الشائع هو أن إعادة احتواء النظام ستسهم في تقليص نفوذ إيران في سوريا وإبعاد النظام عن محورها، وتسير هذه العملية على ما يبدو حتى الآن وفق استراتيجية “خطوة – بخطوة” التي قدّمها ملك الأردن إلى الإدارة الأمريكية تحت مسمى “اللاورقة الأردنية”، والتي بُنيت بشكل أساسي على أن خيار تغيير نظام الأسد لم يعد فعالاً، وأنه ينبغي الآن التركيز على تغيير سلوكه عن طريق منحه بعض الحوافز في مقابل تنفيذ بعض الخطوات وبتنسيق كامل مع الطرف الروسي.

عملياً تبرز العديد من الدوافع التي تتحرك من خلالها الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، وأبرزها: التوافق “الاسرائيلي” الروسي الذي بات عامل جذب للفاعلين الإقليميين كونه يمكن أن يملأ الفراغ الأمريكي المحتمل، يضاف إلى ذلك دوافع اقتصادية وأيديولوجية، فضلاً عن التراخي الأمريكي النسبي مع تلك الخطوات.

وعلى الصعيد العربي فمع وجود المعارضة القطرية والسعودية المعلنة لهذه المساعي يبقى أمر تفعيل عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية هدفاً غير قابل للتحقق في القريب العاجل؛ إلا أن التطبيع معه وعودة العلاقات السياسية يُعد أمراً أكثر خطورة من قضية تفعيل عضويته في الجامعة العربية، وهذا التوجه لن يسهم بالتأكيد في تخفيف معاناة الشعب السوري داخل سوريا أو خارجها، بل على العكس من ذلك فإن التطبيع مع نظام الأسد يعني ضمنياً التغافل عن كل جرائمه وانتهاكاته بحق الشعب السوري، كما يعني الالتفاف على القوانين والقرارت الدولية التي صدرت بشأن الانتقال السياسي في سوريا. مع ذلك فلا تبدو الطريق معبدة للمضي في مسار التطبيع في ظل تعنُّت نظام الأسد وعدم استجابته للخطوات المقدمة له، وتحكم إيران وروسيا في مسار علاقاته؛ فما تزال الفرصة متاحة لقوى الثورة والمعارضة لإعادة تنظيم نفسها وتقديم الشرعية البديلة، أو لمنع استعادة شرعية نظام الأسد بالحد الأدنى.


كما يمكن الاطلاع على ورقة أخرى لمركز الحوار السوري تتناول خطوات التحول نحو التي مر بها المشهد السياسي في سوريا وصولاً إلى مسايرة الحل الروسي والتماهي معه، للمزيد: التقرير التحليلي ” تقاطع المصالح الدولية تجاه مفردات الحل السياسي في سوريا “، مركز الحوار السوري،  14/6/2020م.
[16] من مقابلة مع د. بشير زين العابدين، باحث ومدير المرصد الاستراتيجي، وهناك تصريحات لنتنياهو تؤكد وتتعاضد مع ما ذكره د. بشير؛ حيث صرّح نتياهو عام 2018 في رسالة لروسيا بأن”حليفها الرئيس السوري بشار الأسد سيكون في مأمن من “إسرائيل”، لكن على موسكو أن تشجع القوات الإيرانية على الخروج من سوريا”.
[19] زينب مصري وديانا رحمة وحسام المحمود، مصالح أمريكية- روسية- إسرائيلية تدفع بالطاقة عبر سوريا، عنب بلدي، 21/11/2021م.
[23] تؤدي العلاقة المعقدة والمتغيرة بين إيران من جهة والولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة أخرى إلى وقوع بعض النخب – فضلاً عن آراء الشارع العام –  في فخّ اختزال العلاقة بتوصيفات بسيطة لا تتناسب مع واقعها المركب المعقد، كالعداء أو التحالف السرّي أو التبعية؛ وهو خطأ ناتج عن عدم التعمق في تعقيدات السياسة وتناقضات وتغيرات المصالح الدولية، وانطلاقاً من أهمية أن ينطلق أي عمل لمواجهة النفوذ الإيراني (كأحد أهم الأعمال في سياق نصرة القضية السورية) من فهم عميق لتعقيدات تلك العلاقة التي تحددها ملفات أوسع وأشمل؛ فقد أصدر مركز الحوار السوري سلسلة “إضاءات على العلاقات الإيرانية مع  الولايات المتحدة وإسرائيل” في خمسة إصدارات، درست أبرز المحطات التي مرت بها تلك العلاقات؛ ابتداءً بفترة ما قبل الثورة الإيرانية، مروراً بانتصار الثورة الإيرانية وصعود نظام الخميني وما رافق ذلك من محاولات التصدير العنيف للثورة، إلى جانب ما شهدته العلاقة من عوامل جذب ودفع في ظل تقلبات السياسة الداخلية في كلٍّ من إيران والولايات المتحدة سلباً أو إيجاباً، وانتهاءً باستشراف مستقبل العلاقة مع عودة المحافظين إلى الحكم في إيران بعد فوز المحافظ (إبراهيم رئيسي) في الانتخابات الرئاسية لعام 2021م. وبعد ذلك درست السلسلة انعكاس التغيرات في العلاقات بين الطرفين على الملف السوري؛ لـِمَا لتلك العلاقات من تأثير واضح في الساحة السورية.
تُنظر الإصدارات:
تفاعلات العلاقات الإيرانية الأمريكية وتأثيراتها على الملف السوري، 22/ 12 / 2021م.
[24] هل تغادر دمشق “خندق الممانعة” وتطرق باب السلام مع إسرائيل؟، مرجع السابق.
[26] التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا  (1): الأدوات الدينية.  ياسين جمول مركز الحوار السوري، 2020م، ص7.
[27] من الأمثلة على ذلك: التقارب الخليجي مع النظام بعد توتر العلاقات بين الطرفين إثر عملية اغتيال “رفيق الحريري” وجراء الخلافات في المواقف في كل من الملفين العراقي والفلسطيني في تلك الفترة، والمعلومات التي تحدثت عن أموال وحوافز عربية وخليجية عرضت في بداية الاحتجاجات عام 2011م على النظام، مقابل قيامه بإصلاحات من شأنها تهدئة الأوضاع واحتوائه داخل “البيت العربي” بعيداً عن النفوذ الإيراني، فضلاً عن “اعتدال” موقف الدول الخليجية من نظام الأسد في الأشهر الأولى من الاحتجاجات وتفضيلها خيار إصلاح النظام بدلاً من إسقاطه.
يُنظر: العلاقات السعودية السورية، مرحلة مفصلية، مركز الجزيرة للدراسات، 15/11/2010م، وعمر الحسن، دول الخليج والأزمة السورية: مستويات التحرك وحصيلة المواقف، مركز الجزيرة للدراسات، 28/6/2012م.
[28] الحسن، دول الخليج والأزمة السورية، مرجع سابق.
[29] في وقت سابق تلقى وزير الخارجية الجزائري اتصالاً من نظيره الإيراني يحثّه على دعوة نظام الأسد إلى القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر. التقرير الاستراتيجي السوري العدد رقم 92 ــ 22، ص8، المرصد الاستراتيجي، 2021م.
[30] هل تنسحب القوات الإيرانية من سوريا، ص6، المرصد الاستراتيجي، 06/12/2021م.
[34] أمين العاصي، الغارات على سورية: استهداف الوجود الإيراني، العربي الجديد، 2020م.
[35] لا ينفكّ التأثير عبر أدوات القوة الناعمة عن التأثير بأدوات القوة الصلبة لأنه لولا القوة الصلبة لما كان لإيران أو غيرها التغلغل بالأدوات الناعمة، وهذا ما يُعرف اليوم بالقوة الذكية؛ فالتوازي بين نشاط إيران الصلب في سوريا ونشاطها الناعم واضح، وإلى مثل ذلك التأثير الناعم تتجه روسيا بعد تدخلها العسكري الصلب في سوريا وفرض وجودها بالقوة.
يُنظر: سماح عبد الحي، القوة الذكية في السياسة الخارجية (دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان 2005-2013)، دار البشير، مصر، 2014.
[36] سبق لمركز الحوار السوري أن أصدر سلسلة تحت عنوان “مليشيات المشروع الإيراني في سوريا”؛ عرضت الأدوار القتالية وغير القتالية التي لعبتها المليشيات خلال السنوات الماضية ومجالات النفوذ التي سعت إلى التغلغل والتأثير فيها، كما درست مستقبل تلك المليشيات محلياً وإقليمياً وتأثير وجودها على دول الجوار والدول المعنية بالقضية السورية.
يُنظر:
[37] سبق لمركز الحوار السوري إصدار دراسة تفصيلية حول التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا في أربعة إصدارات، مع بيان مخاطر ذلك التغلغل على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية السورية وتحقيقه أرضية لوجود إيراني طويل الأمد في سوريا.
يُنظر:
[38] كريستين ماكفان، إعادة النظر في وضع القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، معهد واشنطن للدراسات، 10/3/2021م.
[45] التطورات الأخيرة في مسار التطبيع مع نظام الأسد وجهود النشطاء والمنظمات السورية في الولايات المتحدة حياله، مرجع سابق.
[47] يمكن أيضاً الربط ما بين عمليات التسوية الجديدة والضغط الذي قامت به كل من روسيا والنظام في درعا البلد وأجزاء أخرى من محافظة درعا، ومشروع خط الغاز العربي الذي ستكون محطته الأولى في سوريا عبر بوابة درعا؛ مما يشير إلى وجود نوع من التفاهمات بين الدول العربية وروسيا حول التطبيع مع نظام الأسد.
[48] عبيدة عامر، ديناميات السياسة الخارجية الإماراتية تجاه الصراع السوري، نركز الجزيرة للدراسات، 31/12/2020م.
[49] Dmitri Trenin. The Mythical Alliance Russia’s Syria Policy. Carnegie Endowment for International Peace, P 20, 2013.
[51] يُنظر: التقرير التحليلي: تطورات الحل السياسي في سوريا: من هيئة الحكم الانتقاالية إلى اللجنة الدستورية، المرجع السابق، ص11.
[53] تقلص الاقتصاد الأردني بنسبة 1.6٪ في عام 2020، فيما وصلت نسبة البطالة إلى حوالي 25% في الربع الأول من العام 2021، فضلاً عن التدفق الهائل للاجئين على مدى العقد الماضي.
[54] بينما تشير التقارير والأرقام الفعلية إلى أن العوائد الاقتصادية المحتملة من إعادة العلاقات بين البلدين لا تشكل حلاً فعلياً لمشاكل البلاد.
يُنظر على سبيل المثال: أسامة قاضي، هل ينقذ معبر نصيب الاقتصاد الأردني؟، سوريا اليوم، 4/10/2021م.
[56] عامر، مرجع سابق.
[57] التطبيع الإماراتي مع النظام السوري: خلفياته وأهدافه، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، 16/11/2021م,
[61]  عُلا الرفاعي، هارون ي. زيلين، العواقب السياسية لتطبيع الدول العربية مع نظام الأسد، معهد واشنطن، 2/7/2021م.
[62] نشطت مجموعة من منظمات المجتمع المدني السورية الأمريكية مؤخراً في الضغط لمحاولة وقف التطبيع، وقد أقام مركز الحوار السوري ندوة استضاف فيها ناشطين سوريين من الولايات المتحدة حول الموضوع.

مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى