الاتفاق السعودي الإيراني وانعكاساته على الملف السوري
تقرير لندوة حوارية أقامها مركز الحوار السوري بحضور عدد من الباحثين والفاعلين
مقدمة:
أعلنت السعودية وإيران في العاشر من شهر آذار/مارس/ لعام 2023 عن التوصل إلى اتفاق لاستئناف علاقاتهم الدبلوماسية خلال مدة أقصاها شهران[1]، وذلك بعد مفاوضات بوساطة الصين. ومنذ ذلك الإعلان توالت ردود الأفعال العربية والأجنبية المرحبة بالاتفاق بين الدولتَين الإقليميتَين الأساسيتَين في المنطقة، والذي من المفترض أن يخفف حدّة التوتر القائم بينهما منذ سنوات.
في السياق السوري أثار هذا الاتفاق أسئلة متعددة حول آثاره على المعارضة السورية، في ظل تخوفات الأخيرة من تحوُّل الموقف السعودي لصالح نظام الأسد الحليف الأبرز لإيران. وبهدف تسليط الضوء على هذا الاتفاق وآثاره على المنطقة عموماً والملف السوري خصوصاً، ومن أجل محاولة استشراف أثر هذا الاتفاق على الموقف السعودي من نظام الأسد وما يمكن أن يطرأ على الملف السوري من تطورات، وما يمكن للمعارضة السورية أن تقوم به في ضوء هذا الاتفاق؛ فقد أقام مركز الحوار السوري ندوة حوارية[2] ركزت على مناقشة أسباب هذا ودوافعه وآثاره، إلى جانب مآلاته المتوقعة على الملف السوري.
قُسم هذا التقرير إلى محورَين أساسيين؛ الأول: يتضمن مداخلتَين للباحثَين: “محمد سالم” الباحث ومدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، و”عبد الوهاب عاصي” الباحث في مركز جسور للدراسات؛ ركّزت المداخلة الأولى للباحث “سالم” على السياق الزمني للعلاقات السعودية الإيرانية، ولا سيما منذ قطع العلاقات بين البلدين في العام 2016[3]، والموقف الأمريكي من العلاقة مع السعودية، وما تخلل هذا الموقف من الالتزام الأمريكي القوي سابقاً بأمن السعودية، وصولاً إلى التراجع الأمريكي النسبي عن هذا الالتزام، ورغبة الصين في الاستفادة من المناخ الدولي غير المستقر ومحاولتها إيجاد هوامش تأثير أكبر في الساحة الدولية. بينما ركّزت مداخلة الباحث “عاصي” على آثار الاتفاق على المدى المتوسط والبعيد في المشهد السوري، إضافة إلى أولويات السياسة الخارجية السعودية في المنطقة، وأهم القضايا والملفات التي تهمّ السعودية في الملف السوري، والأوراق التي ما زالت تمتلكها السعودية في سوريا.
فيما تضمن المحور الثاني مداخلاتٍ ومشاركاتٍ إثرائية لعدد من الناشطين السياسيين والكُتّاب والباحثين في الشأن السوري العام ممن حضروا الندوة، وردود الباحثَين على تلك المداخلات.
باستثناء مداخلتَي الباحثَين سالم وعاصي وردودهما فقد تم إيراد أهم مداخلات الحاضرين دون ذكر أسمائهم أو انتمائهم تطبيقاً لقاعدة “شاتام هاوس”[4].
أولاً: المحور الأول:
السياق الزمني للعلاقات السعودية الإيرانية والدوافع والمناخ الدولي المرافق لها:
بداية ركّز الباحث محمد سالم على ضرورة فهم دوافع كل دولة في القيام بالمفاوضات وعقد الاتفاقيات مع الدول الأخرى، وعلى صعيد العلاقات السعودية الإيرانية أكّد سالم أهمية دراسة المناخ الدولي المرافق لهذه المفاوضات، ومعرفة متى بدأ العمل عليها؛ لذلك، وفي معرض حديثه عن العلاقات الإيرانية السعودية ولفهم التحركات السعودية تجاه إيران استعرض المحطات الآتية:
الحملة العسكرية التي قادتها السعودية على اليمن عام 2015:
أشار سالم إلى الحملة العسكرية “عاصفة الحزم” التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن؛ حيث انطلقت الحملة ابتداءً بتحالفٍ واسع النطاق من الدول العربية، ومع استمرار المعارك واتساعها بدأت الدول المشاركة في هذا التحالف بالانسحاب منه نتيجة طول المعارك العسكرية مع الحوثيين، وكانت إحدى الأسباب التي أدت إلى خلافات بين الدول المشاركة في التحالف، خصوصاً بين السعودية والإمارات؛ وفي النتيجة لم تنجح السعودية في تحقيق هدف التحالف من هذه الحملة.
تراجع الالتزام الأمريكي تجاه السعودية وتغير معادلة النفط مقابل الأمن:
ألمح سالم إلى معادلة نشأت في الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة والغرب عموماً هي معادلة “الأمن مقابل النفط”؛ حيث كان جلّ اهتمام الإدارة الأمريكية في منطقة الخليج بالنفط لحاجة الولايات المتحدة الماسة إليه في تلك الفترة، لكن فيما بعد تغير هذا الأمر، ولاسيما بعد عام 2010 إبان ولاية أوباما الذي بدأ يقلّل من الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط والتركيز على الشرق الأسيوي والصين، خاصة بعد تراجع أهمية النفط الأوسطي بالنسبة إلى الولايات المتحدة وظهور النفط الصخري لديها.
بعد قدوم إدارة بايدن ازداد الأمر سوءاً بالنسبة إلى العلاقات الامريكية السعودية؛ فقد اتخذت الإدارة الجديدة مقاربات دبلوماسية مع إيران، ووضعت إستراتيجية جديدة للتعامل مع طهران، إضافة إلى إيقاف الولايات المتحدة جميع أشكال الدعم الاستخباراتي واللوجستي -ولو كان شكلياً- للتحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، كما قامت برفع اسم الحوثيين من قوائم الإرهاب، وأعاقت بيع الأسلحة للسعودية، وأثارت قضايا حقوق الانسان وانتهاكاتها في المملكة، خاصة في قضية خاشقجي.
كما أنه إبان ولاية ترامب المنتمي للحزب الجمهوري، والذي طبّق سياسة الضغط الأقصى تجاه إيران؛ كثيراً ما كانت تخرج منه تصريحات استفزازية تجاه السعودية، كتلك التي وصف بها السعودية بأنها “بقرة حلوب”، واعتباره الهجوم على شركة أرامكو السعودية هجوماً على السعودية وليس على الولايات المتحدة؛ الأمر الذي سبّب إحباطاً للسعودية.
الهجوم بالطائرات المسيرة عام 2019 على المنشآت النفطية السعودية:
ضرب الهجوم الذي شنّه الحوثيون على شركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة عصب الاقتصاد السعودي، وأدّى إلى خفض إنتاج النفط إلى النصف؛ وهو ما شكّل عاملاً مهماً في تغير توجهات المملكة العربية السعودية وسياساتها.
انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية:
تحدث سالم عن عودة الاهتمام الأمريكي بالسعودية، والعودة إلى مشهد من مشاهد الثمانينات من القرن المنصرم ولو بصورة أقل حدة؛ فقد طالبت الولايات المتحدة بشكل واضح السعودية برفع إنتاج النفط وتعويض النقص الحاصل في السوق العالمية نتيجة العقوبات على الاقتصاد الروسي وتخفيف الأعباء عن الغرب، لكن السعودية رفضت ذلك متذرعة بأسباب اقتصادية وفنية، وحقيقة هذا الرفض كان نتيجة الإحباط الناتج عن تراجع الالتزام الأمريكي بأمن السعودية والعلاقات السعودية الأمريكية التي لم تعد كما كانت سابقاً.
رغبة الصين في الصعود التدريجي وكسب الطرفين:
أشار سالم إلى سعي الصين للاستفادة من الحرب الدائرة في أوكرانيا؛ فهي تشكل فرصة للصين للصعود بشكل تدريجي لانشغال العالم بالصراع الحاصل في أوكرانيا بين روسيا والغرب، مع الإشارة إلى أن السعي السعودي للتوجه نحو الشرق كان في قمة الالتزام الأمريكي بحماية السعودية، كما حدث عندما طلبت السعودية عام 1985 أسلحة من الولايات المتحدة، فرفض الرئيس ريغان هذا الطلب بضغط من اللوبي الصهيوني، فتوجهت السعودية نحو الصين واشترت صواريخ باليستية، وكشف هذا الأمر في عام 1988؛ مما أدى إلى نوع من الأزمة بين الولايات المتحدة والسعودية.
حاجة السعودية لضامن وشاهد:
يمكن القول: إن السعودية شعرت أن إيران أصبحت ذات يد عليا في المنطقة، وتنفّذ -عبر ذراعها الحوثي- ضربات في عمق اقتصادها ومراكز النفط الحيوية فيها. فكان عام 2019 عام التهدئة مع إيران، فيما شكل عام 2021 عام التواصل بشكل مباشر مع إيران من خلال الوسطاء، كسلطنة عمان والعراق، ثم كانت محادثات بين الطرفين تُوجت فيما بعد في الصين باتفاق أُعلن عنه في بكين بين السعودية وإيران؛ فالسعودية تبحث عمن يضمن ويخفف من الرعناء الإيرانية في المنطقة، ولعلها وجدت في الصين ما يؤهلها للعب هذا الدور.
الرغبة السعودية بالنأي عن نفسها في أي صراع قد يحدث في المنطقة:
وفقاً لسالم: ترغب السعودية في تحييد نفسها عن أي صراع قد يحدث بين الغرب وإيران، ولاسيما بعد زيادة إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 83%، وزيادة قرع طبول الحل العسكري ضدها من قبل “إسرائيل”، وحتى من الإدارة الامريكية نفسها. وتخشى السعودية من استهدافها في حال حصول نزاع، كما حصل عندما استهدفها صدام حسين بالصواريخ في حرب الخليج الثانية.
رغبة إيرانية في تخفيف عزلتها:
في المقابل يرى سالم أن ثمّة رغبة إيرانية في الوصول إلى هذا الاتفاق، في محاولةٍ منها لتخفيف عزلتها وتقوية أوراقها أمام المعسكر الغربي، كما ترغب إيران في إضعاف معسكر المتشددين في “إسرائيل” الذي يرى أن هذا الاتفاق هو في حقيقته فشل لإسرائيل ونجاح لإيران على الرغم من أنه ما يزال في بداياته.
وفقاً لما سبق يرى سالم أن هذا الاتفاق تطور مرحلي مهم في مسار العلاقات الإيرانية السعودية، لكنه ليس نقطة تحول كبرى؛ ولذا سيكون له تأثير في الملف السوري، لكنه محدود وطويل الأمد، بينما سيكون الملف اليمني هو الأبرز.
بالمجمل: مَن يراقب الموقف السعودي من الملف السوري -بحسب سالم- يجد تراجعاً في حدة التصريحات مترافقاً مع تراجع الاهتمام بالملف السوري منذ بداية التدخل الروسي في سوريا؛ فقبل التدخل الروسي كثيراً ما كان وزير الخارجية السعودي في تلك الفترة عادل الجبير يصرّح بأن نظام الأسد سيرحل إما سياسياً وإما عسكرياً، وغابت هذه التصريحات تقريباً بعد التدخل الروسي.
كما يمكن اعتبار عودة التعددية القطبية أحياناً مفيدة للقوى الصغيرة لتحاول مقاطعة مصالحها مع الدول الأخرى، وباختصار: لا يعني هذا الاتفاق بين السعودية وإيران إنهاء الصراع البارد والتوتر بين الدولتَين.
أثر الاتفاق على الملف السوري على المديين المتوسط والبعيد:
من جهته انطلق الباحث عبد الوهاب عاصي من تأكيده أن الاتفاق ما يزال اختباراً بين الطرفين لإمكانية تطبيع العلاقات، وبالتالي سيكون هناك مسار اختباري لنوايا الطرفين، وربما يتمخض عنها مباحثات لاحقة.
بدايةً أكد عاصي أن الأولوية بالنسبة للسعودية هو الملف اليمني؛ فتحييد الخطر الحوثي يُعد من أولويات المملكة العربية السعودية، بينما في الملف السوري ثمة قضايا تَهُمّ المملكة على المديين القصير والمتوسط، ويُفترض أنها حضرت بشكل هامشي في الاتفاق من خلال بعض العبارات، وقد يتم نقاشها بشكل تفصيلي لاحقاً، أو يتم استخدامها أداة للضغط على السعودية، أو تبقى خارج سياق الاتفاق، وهي: مكافحة المخدرات، ونشاط المليشيات الإيرانية في سوريا، إضافة إلى موضوع لم يتم التطرق إليه وهو قضية العلاقة مع “إسرائيل”.
تحدّث عاصي عن قضية المخدرات التي أصبحت مؤرقاً واضحاً بالنسبة إلى السعودية؛ فقد نص الاتفاق بين الدولتَين على العودة للتفاهمات السابقة بينهما بموجب اتفاقية التعاون المشتركة التي تم توقيعها عام 2001، والتي تنصّ ضمناً على مكافحة المخدرات؛ فالمخدرات أصبحت أداة تستخدمها إيران ونظام الأسد للضغط على السعودية من أجل الانفتاح على نظام الأسد.
ووفق تصوّر عاصي فإنه في المرحلة المقبلة قد تُخفّف المليشيات الإيرانية من إنتاج الكبتاغون، لكن ليس بالضرورة أن يكون هناك التزام حقيقي بذلك، بل ربما تحاول السعودية التأكيد على ضرورة الانفتاح والحوار مع نظام الأسد استرضاءً لإيران في الملف السوري.
وأضاف عاصي أن القضية الأخرى التي تهم السعودية هي المليشيات الإيرانية في سوريا؛ فمن الواضح أن هناك حالة من التصالح مبدئياً أو حالة من التجميد لواقع المليشيات الإيرانية في سوريا، حتى رئيس نظام الأسد تحدّث سابقاً في إحدى تصريحاته عن أن الدول العربية أصبحت متفهّمة للوجود الإيراني في سوريا.
ومن المرجح أن المليشيات الإيرانية لن تخفض وجودها في سوريا، وسيكون بالتالي الاعتماد الرئيس على إمكانية الحضور العربي بالتنسيق وبضمانة من روسيا لتخفيف الوجود الإيراني، خصوصاً في الجنوب السوري؛ سواءٌ بنشر قوات نظام الأسد، أو بنشر وحدات من القوات العربية كوحدات سلام، أو بدعم انتشار الجيش الأردني على الحدود السورية الأردنية كآلية لمنع أية تهديدات؛ سواءٌ تعلق الأمر بالمخدرات أو بانتشار المليشيات الإيرانية.
ورأى عاصي أن التصور الأولي -سواءٌ للمملكة أو لدول الخليج العربي- هو احتواء إيران وليس مواجهتها، بمعنى أن ثمّة رؤية تتعلق بالانتقال من محاولة مواجهة إيران في سوريا إلى محاولة احتوائها، وهذا الاحتواء يتضمن الانفتاح أكثر على نظام الأسد، كما يتضمن التعاون والتنسيق مع إيران في الملفات التي تتعلق بأمن الحدود وبالعلاقة مع “إسرائيل”.
واعتبر عاصي أن النقطة الأخيرة هي قضية العلاقة مع “إسرائيل”؛ حيث إن إيران لن تمانع إطلاقاً أي توجُّه للمملكة العربية السعودية في لعب دور الوسيط أو طرح مبادرة السلام العربية التي اقترحها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية عام 2002 مرة ثانية مع “إسرائيل”، وذلك وفق الشروط التي تم تحديدها في إطار المبادرة ذاتها، والتي نصّت في أحد بنودها على الانسحاب “الإسرائيلي” من هضبة الجولان، ويمكن القول: إن المملكة العربية السعودية كانت أمام خيارَين؛ إما أن تتوجه لإيران، وإما أن تتوجه للتطبيع مع “إسرائيل”.
وأشار عاصي إلى تجربة السعودية مع إيران في المنطقة؛ ففي العراق شجّعت المملكة البحرين على فتح سفارتها عام 2008 في بغداد على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقليل الدعم الإيراني للمعارضة بشكل عام الموجودة في دول الخليج العربي، سواءٌ داخل السعودية أو حتى الموجودة في البحرين نفسها، إضافة إلى الانخراط داخل العراق في العملية السياسية آنذاك. لكن هذا الانفتاح العربي الذي بدأ في العراق عام 2008 من قبل البحرين وتبعته بقية الدول الخليجية تعثر في عام 2011، وتبين أن الإيرانيين غير جادّين إطلاقاً في الجهود الرامية لإحلال السلام في منطقة الخليج العربي ولا حتى في العراق. وأما في لبنان فقد كانت التجربة واضحة في إنشاء حكومة بناءً على اتفاق الطائف والابتعاد عن هيمنة “حزب الله” على الحكم في لبنان؛ ولكن انسحب سعد الحريري مرتين من رئاسة الحكومة، وعلّق مشاركة تيار المستقبل في العملية السياسية.
لفت عاصي إلى أن المملكة غالباً لن تعيد التجربة نفسها في سوريا، بمعنى أنها لن تُطبّع العلاقات مع نظام الأسد بناءً على مجرد وعود تُعطى لها، بل يمكن اعتبار الاتفاقية بمثابة حسن النية وخطوة أولى تبدأ بها دول الخليج أولا وليس نظام الأسد.
وأشار عاصي إلى أن المملكة من الممكن أن تخطو خطوة نحو النظام، باستثناء الاتصالات الأمنية التي لم تتوقف، بمعنى أنه يمكن إنهاء تهديد المخدرات عن طريق التواصل الأمني وعن طريق دعم الأردن والتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية.
وختم عاصي مداخلته بقوله: إن السعودية تأخذ بعين الاعتبار احتمال نشوب تصعيد أو مواجهة بين “إسرائيل” والغرب مع إيران على الساحة السورية، أو ربما على الساحة العراقية، وهي تريد أن تنأى بنفسها عن أية تداعيات في حال نشوب صراع بين الطرفين في المستقبل؛ لذلك يتطلب هذا الأمر تنسيقاً مع إيران وإظهار رغبة بالانفتاح على نظام الأسد، وحل الخلافات على المستوى الإقليمي، وليس على المستوى الدولي.
ثانياً: المحور الثاني: مداخلات الحضور:
رأى أحد الحضور أن لهذا الاتفاق انعكاسات على القضية السورية، وإن كانت على المديين المتوسط والبعيد، وبالتالي على المعارضة السورية أن تُبدي اهتماماً بهذا التطور الذي حصل بين السعودية وإيران؛ فلابد من البحث عن دوافع السعودية لعقد هذا الاتفاق، والواضح أن السعودية أرادت بالدرجة الأولى أن تنأى بنفسها عن أية ضربات جوية قد تتعرض لها إيران من طرف “إسرائيل” والولايات المتحدة الامريكية بسبب زيادة تخصيب اليورانيوم وملف البرنامج النووي الإيراني، واللافت في الفترة الأخيرة زيارات مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى كوزير الدفاع ورئيس الأركان إلى المنطقة، مما يوحي بقرب تحرُّك عسكري ضد إيران. وربما تسعى السعودية أيضاً من خلال هذا الاتفاق إلى ضمان أمن الشحنات النفطية التي تمر عبر الخليج العربي.
والنقطة الأهم برأي أحد المداخلين هي وضع حد للصراع مع الحوثيين في اليمن وصدّ الهجمات الحوثية على مواقع سعودية، كما أبدى المشارِك أسفه لكون لبنان في سلم أولويات المملكة يسبق الملف السوري ضمن الاتفاق مع الإيرانيين؛ فاهتمام المملكة بالملف السوري يأتي في ذيل القائمة.
وأشار المشارك إلى أن الاتفاق سيكون له تأثير على نظام الأسد؛ لأن الاتفاق عُقد مع حليف النظام الأبرز إيران، ومن المعروف أن هناك دولاً منها خليجية كانت تستعد للتطبيع مع نظام الأسد، مستوحياً ذلك من خلال عدة تصريحات لوزير الخارجية السعودي، ولكن الذي أوقف ذلك أمريكا.
ويرى أن على المعارضة السورية ترك العواطف جانباً، وإدراك أن السعودية دولة مستقلة لها سيادتها ومصالحها ولها الحق في أن تلتقي وتتشاور مع مَن تشاء، لذا يجب إدراك أنه يمكن لهذا الاتفاق أن تكون له آثار إيجابية، كما يمكن أيضاً أن يكون له آثار سلبية، بمعنى أنه يمكن أن تقوم السعودية بتقديم مساعدات إنسانية لنظام الأسد، ويمكن أن تدعم عودته لجامعة الدول العربية واستئناف العلاقات الدبلوماسية معه؛ ولكن يجب على المعارضة السورية ألا تكسب أعداءً آخرين، وأن تحافظ على الأصدقاء وقنوات الاتصال مع السعودية حتى تستطيع الدفاع عن قضيتها ومناصرتها، كما يمكن للمعارضة أن تحذر الدول العربية من التطبيع مع نظام الأسد مجاناً؛ لذلك يجب على السوريين أن يدركوا أن خلاصهم من الاستبداد والطائفية لن يكون إلا بنضالهم وتضحياتهم الخاصة.
فيما ركّز صحفي متابع على أن العلاقة بين السعودية وإيران لا يمكن فهمها خارج نطاق سياسة البلدَين؛ فإيران منذ أن شكّلت حكومة الخميني وهي تسعى إلى تصدير الثورة من خلال تصريحات كثير من مسؤوليها، وفي نظرة واقعية نجد فعلاً الثورة الإيرانية قد تم تصديرها؛ فهي الآن في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وبالتالي لا يمكن فهم هذا التطبيع إلا من خلال دراسة هذه السياسة.
فيما أشار أحد الناشطين إلى الفصل بين الملفات الثلاثة: الانفتاح على نظام الأسد، والانفتاح على إيران، والانفتاح على “إسرائيل”؛ فهي ملفات منفصلة، بمعنى أن الانفتاح على نظام الأسد ليس بوابته إيران.
ولفت الناشط إلى أنه بالنسبة للمعارضة السورية فقد أوضح هذا الاتفاق مقاربة جديدة بين المعارضة ودول الخليج بزعامة السعودية، وهي محاولة تهدئة المنطقة بشكل ما، مما يمكن أن يصبّ في مصلحة المعارضة السورية المنهكة أصلاً.
بينما أشار أحد الحضور إلى أن أمريكا لم تبدِ موقفاً متشدداً من السعودية بخصوص رعاية الصين لهذا الاتفاق مع السعودية وإيران، مع العلم أن أمريكا تعدّ الصين خصمها التقليدي في الوقت الحاضر، كما أشار إلى لمحات تاريخية متعلقة بذلك من خلال مراجعة كتاب التحالف السوري الإيراني لمؤلفه عبد الحليم خدام؛ فقد ذكر في كتابه أن إيران عند إسقاط نظام صدام حسين نسقت مع نظام الأسد الموقف الدولي بشكل خاص على أن يتم إسقاط الدولة العراقية، وأن تقع العراق بيد إيران، بمعنى أن توظف إيران جميع الفاعلين لتحقيق هدفها المنشود في إسقاط العراق والسيطرة عليه، وكان من الواضح بعد سقوط النظام العراقي كيف قام نظام الأسد بإحداث القلاقل للقوات الامريكية من خلال دعم “الإرهابين والإسلاميين” وغير ذلك، إلى أن تم نقل العراق بشكل غير رسمي للوصاية الإيرانية.
كما أشار إلى ما كتبه الدكتور أحمد داود أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي لتركيا؛ إذ ذكر أن تركيا وإيران ومصر دول تشكل ركيزة للاستقرار والتوازن في المنطقة، و عدّ نظام الأسد العمود الفقري فيما سمّاه محور المقاومة؛ لذلك يرى أن الدول العربية قادرة ويمكن أن تكون فاعلة فيما إذا كانت طرفاً في تحالف مع دول إقليمية أو قوى دولية، كما هو الحال مع السعودية أو نظام الأسد بتحالفه مع روسيا وإيران، ورأى أن الاتفاق السعودي الإيراني تتمثل خطورته في أنه قد ينعكس سلباً على الساحة السورية.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد