الواقع الأمني في الشمال السوري
تقرير تحليلي
مقدمة:
يُعد الموضوع الأمني أحد الركائز الأساسية التي يُستند إليها عند الحديث عن عملية الاستقرار والتعافي المبكر في أي منطقة، حيث إنه من المؤشرات الرئيسة التي تؤكّد انتهاء أو قرب انتهاء الصراع، وبداية عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتزامن مع قرب انطلاق عملية إعادة الإعمار.
يكثر الحديث عن مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي والتي تم تحريرها من أجل تشجيع السوريين على الاستقرار فيها بوصفها “مناطق آمنة”[1]، لاسيما وأنها سمحت للنازحين والمهجرين من كل المحافظات السورية بالاستقرار بعد موجات التهجير القسري؛ إلا أن ثمّة أحاديث أخرى كثيرة تنتقد الأوضاع الأمنية التي لم يطرأ عليها تحسُّن رغم مضي سنوات على تحريرها.
ومع هذه الادعاءات والادعاءات المضادة كان لا بد من طرح السؤال الآتي:
وهل تشهد هذه المنطقة تحسناً واستقراراً أمنياً يجعلها ملائمة لانطلاق مشاريع التعافي المبكر؛ لاسيما الاقتصادي منه؟
وللإجابة عن هذا السؤال كان لابد من دراسة ورصد شامل لواقع هذه المناطق بعد مضي عدة سنوات على استعادة السيطرة عليها، سواء من سيطرة “تنظيم الدولة – داعش”، أو من سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية -قسد”؛ وذلك لمعرفة إمكانيات هذه المناطق ومشاكلها.
اعتمد هذا التقرير على رصد أهم الأحداث الواقعة في أربع بلدات رئيسة، وهي عفرين واعزاز والباب وجرابلس، بالإضافة إلى “منطقة نبع السلام”[3] كنماذج للدراسة عن المنطقة كاملة، في الفترة ما بين 1/1/2021 وحتى 30/4/2022، وقد تم اختيار هذه البلدات كونها موزعة جغرافياً بشكل شبه منتظم على كامل المساحة المدروسة، بالإضافة إلى كونها بلدات تتجمع فيها النسبة الأكبر من السكان وتشكل قرابة نصف عدد السكان الكلي، كما أنها تخضع لإدارة مجالس محلية مركزية ومستقلة عن بعضها تتبع لولايات ومحافظات تركية.
وقد تم رصد واقع المدن الأربع المدروسة – دون ريفها – و”منطقة نبع السلام” من خلال دراسة الأخبار الواردة في المواقع والمعرفات الإعلامية الخاصة بالمنطقة، والتي تنقل عادة الأخبار اليومية والمحلية؛ نظراً لغياب أي إحصائيات رسمية حول الواقع الأمني، حيث تم اعتماد مجموعة من الصفحات الإعلامية بعد التأكد من مطابقتها لمعايير تتعلق بالمنهجية في صياغة الخبر والموثوقية في إدراجه والبعد عن التهويل، وإيراد الصور والفيديوهات التي توثق الحدث، بالإضافة إلى مقاطعة الأخبار الواردة من هذه الصفحات مع بعضها البعض للتأكد من صحتها وإحاطتها بمجمل الأحداث[4].
أولاً: لمحة عن مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي “المناطق الآمنة”
تشمل المناطق الخاضعة للإشراف التركي ثلاث مناطق رئيسة تُعرف بأسماء الحملات العسكرية السورية التركية التي أسهمت بتحريرها، وهي حسب أسبقية التحرير: منطقة درع الفرات، منطقة غصن الزيتون، منطقة نبع السلام، حيث تبلغ مساحتها الإجمالية 8400 كم2 تقريباً، ويقيم فيها قرابة 2.2 مليون نسمة وفقاً لتقديرات محلية (الجدول 1).
المنطقة | المساحة الإجمالية[5] | تاريخ التحرير | التقسمات الإدارية | عدد السكان[6] | أهم البلدات والقرى التي تضمها |
درع الفرات | 2402 كم2 | 2016-2017 تم تحريرها من سيطرة قوات داعش | الباب | 397755 | الباب، اعزاز، مارع، الراعي، جرابلس، صوران، أخترين، قباسين |
اعزاز | 618408 | ||||
جرابلس | 177761 | ||||
غصن الزيتون | 1890 كم2 | 2018-2019 تم تحريرها من سيطرة قوات قسد | عفرين | 507893 | عفرين، جندريس، راجو، بلبل، الشيخ حديد، معبطلي |
نبع السلام | 4095 كم2 | 2019 تم تحريرها من سيطرة قوات قسد | 235468 | تل أبيض، رأس العين | |
إجمالي مناطق الإشراف التركي | 8387 كم2 | 2236041 نسمة |
جدول 1: معلومات عن المناطق الخاضعة للإشراف التركي إدارياً
الشكل 1: خريطة توضح مناطق الإشراف التركي إدارياً[7]
تنتشر في مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي إدارياً ما يقارب 65 نقطة وقاعدة عسكرية تركية من أصل 119 قاعدة ونقطة عسكرية موجودة في سوريا، تتوزع بين نقاط عسكرية وقواعد عسكرية ونقاط مراقبة تركية، ويلاحظ استمرار تركيا في تعزيز وجودها العسكري ضمن المنطقة؛ حيث باتت النقاط والقواعد العسكرية تشكل خطوط صدّ أو دفاع على طول خطوط التماس مع النظام السوري أو مع قوات قسد[8].
الشكل 2 : خريطة توزع القواعد والنقاط العسكرية التركية في سوريا[9]
وترى تركيا أن وجودها في مناطق الشمال السوري ينبع من أهمية الحفاظ على الأمن القومي التركي؛ حيث إن الوجود -لاسيما في المناطق الحدودية الشمالية – قد أحبط العديد من العمليات الإرهابية التي كان من الممكن أن تضرب تركيا، فترى الحكومة التركية أن أمن تركيا يبدأ من هذه المناطق[10].
وفي هذه المناطق 18 مجلساً محلياً مركزياً، تتبع لها مجالس بلدية فرعية، وتتوزع هذه المجالس المركزية في كل من: رأس العين، وتل أبيص، وجرابلس، والباب، وبزاعة، وقباسين، والراعي، ومارع، واعزاز، وصوران ، وأخترين، وعفرين، وراجو، ومعبطلي، وجندريس، وشرّان، والشيخ حديد، وبلبل؛ وهي مجالس تختلف في بنيتها الإدارية وتبعيتها[11].
تقوم هذه المجالس بمهام تنظيمية وبتأمين الخدمات، من كهرباء ومياه وصرف صحي وطرق ومواصلات، وتنظيم عمل المنظمات والجمعيات والقطاع الخاص، وقد اعتمدت هذه المجالس المحلية في بداية تشكيلها على الدعم الخارجي الذي كانت تقدمه المنظمات الحكومية وغير الحكومية الإقليمية والدولية، إلى جانب الدعم التركي، خاصة في المراحل الأولى لتشكيلها؛ إلا أن المورد الرئيس للمجالس في الوقت الحالي من الأموال المخصصة لها من حصة المعابر الحدودية بين مناطقها وتركيا – الراعي وجرابلس وباب السلامة- بالإضافة إلى الضرائب والرسوم المحلية التي تفرضها المجالس على السكان المحليين، وهي ضرائب خدمية كالضرائب المفروضة على المياه والنظافة والترخيص التجاري والسجل المدني [12].
ثانياً: الحوادث الأمنية غير الاعتيادية في المناطق الخاضعة للإشراف التركي إدارياً:
تخضع مناطق الشمال السوري الواقعة تحت الإشراف التركي من الناحية الأمنية لسيطرة الجيش الوطني، والذي يضم عدة أجهزة أمنية، منها الشرطة العسكرية[13]، بالإضافة إلى قوات الشرطة المدنية والأمن العام الوطني والمقدر عددها بـ 10 آلاف عنصر تم تدريبهم في تركيا وتزويدهم بالعتاد والمعدات اللازمة[14].
وتُعرف المنطقة بحالة من الفلتان الأمني الذي لم يتراجع رغم مضي ما يتراوح بين 3-6 سنوات على السيطرة عليها؛ حيث تتعرض المنطقة للكثير من الحوادث الأمنية غير الاعتيادية في المناطق المستقرة، كالقصف والتفجيرات وعمليات الاغتيال والعبوات الناسفة، بالإضافة إلى حوادث الاقتتال الداخلي المسلح بين الفصائل أو حتى بين المدنيين؛ نتيجة الفوضى في انتشار وضبط السلاح.
تتضمن الحوادث الأمنية التي تم رصدها حوادث القصف الذي استهدف المنطقة وعمليات التفجير والعبوات الناسفة والاغتيالات الموجهة لأشخاص محددين، بالإضافة إلى الاقتتالات الداخلية التي حدثت في المدن والمنطقة المرصودة، والتي تمت الإشارة إليها من خلال المعرفات الإعلامية المحلية مدعمة بالصور والفيديوهات، بالإضافة إلى المعرفات الرسمية الخاصة بالجيش الوطني والدفاع المدني. |
وتشير نتائج الرصد والتحليل الذي قمنا به وشمل واقع أربع مدن رئيسة، وهي الباب وعفرين واعزاز وجرابلس بالإضافة إلى منطقة نبع السلام، منذ بداية عام 2021 وحتى نهاية الشهر الرابع من عام 2022 (فترة الرصد) إلى أن المشكلة الأمنية كانت المشكلة الأبرز في المنطقة، والتي تعرضت إلى 397 حادث أمني[15] خلال الفترة المرصودة، وقد تسببت في مقتل 224 شخصاً وجرح ما لا يقل عن 416 آخرين.
وقد كانت هذه الحوادث الأمنية حاضرة بشكل كبيرة في مدينة عفرين بالدرجة الأولى بواقع 110 حادثة أمنية، تليها منطقة نبع السلام بمعدل 89 حادثاً أمنياً، ثم مدينة الباب بمعدل 84 حادثاً أمنياً، تليها اعزاز بمعدل 72 حادثاً، ثم جرابلس بمعدل 42حادثً أمنياً (الشكل 3).
الشكل 3: توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية حسب المدن والبلدات
وقد تمركزت 28%من هذه الحوادث الأمنية في مدينة عفرين، بينما تمركزت 22% منها في منطقة نبع السلام، و21% منها في مدينة الباب، و18% في مدينة اعزاز، و11% في مدينة جرابلس (الشكل4).
الشكل 4: النسب المئوية لتوزع الانتهاكات والحوادث الأمنية بين المدن المرصودة
وبالنظر إلى طبيعة هذه الحوادث والانتهاكات الأمنية تسيطر حوادث تفجير العبوات الناسفة والمفخخات على المشهد في جميع المدن المرصودة، تليها عمليات القصف الخارجي؛ باستثناء القرى والبلدات المأهولة بالسكان في مناطق نبع السلام التي لم تتعرض لهذه العمليات لبعدها عن خطوط الاشتباكات والمدفعية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” (الشكل 5).
الشكل 5: توزع الحوادث والانتهاكات الأمنية بين المدن المرصودة وفقاً لنوع الانتهاك
وبالنظر إلى توزع هذه الحوادث والانتهاكات الأمنية وفقاً للشهور تظهر وتيرة الأحداث الأمنية في مدينة عفرين (الشكل 6) إلى أن هناك موجة من التصعيد الأمني بدأ مع بداية عام 2021، وشهد ذروته في شهر تموز 2021 بمعدل 13 حادثاً أمنياً، حيث تراجعت وتيرة الحوادث الأمنية في الأشهر الأربعة اللاحقة، ثم شهدت ارتفاعاً جديداً في شهر كانون الأول 2021، ثم عاود الارتفاع في شهرَي آذار ونيسان من عام 2022.
الشكل 6: توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية في مدينة عفرين حسب الشهور
وأما ما يتعلق بمدينة اعزاز فيشير الشكل 7 إلى أن الواقع الأمني لم يكن مستقراً، بل عانى في الأشهر الماضية من تزايد وتراجع في الحوادث الأمنية، حيث بلغت الحوادث الأمنية ذروتها في شهر آذار 2021 بمعدل 7 حوادث وشباط 2022 بمعدل 10 حوادث، فيما تراجعت وتيرة الحوادث لتبلغ حدودها الدنيا في أيار وتشرين الثاني لعام 2021 وآذار لعام 2022.
الشكل 7: توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية في مدينة اعزاز حسب الشهور
أما مدينة الباب فيشير الشكل رقم 8 إلى أن المدينة شهدت ذروة الحوادث الأمنية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2021، حيث تراجعت هذه الحوادث بشكل عام خلال الأشهر اللاحقة باستثناء شهر تموز 2021، الذي شهد ارتفاعاً مؤقتاً لهذه الحوادث الأمنية، ثم عاودت الارتفاع ابتداءً من شهر كانون الثاني 2021.
الشكل 8:توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية في مدينة الباب حسب الشهور
أما مدينة جرابلس فيوضح الشكل 9 إلى أن وتيرة الحوادث الأمنية التي شهدتها المدينة لم تكن وفق وتيرة واضحة، وإن كان حجم الحوادث الأمنية في ذروتها أقل من بقية المدن، حيث شهد شهر حزيران 2021 ذروة هذه الحوادث بمعدل 6 حوادث فيما لم تُسجل أية حادثة في شهرَي شباط وكانون الأول 2021.
الشكل 9:توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية في مدينة جرابلس حسب الشهور
وأما منطقة نبع السلام فقد شهدت المنطقة تصاعداً في وتيرة الحوادث الأمنية في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بلغ ذروته في آذار بمعدل 13 حادثاً أمنياً، لتتراجع لاحقاً في شهرَي نيسان وأيار الذي لم يسجل أية حادثة أمنية، ثم لترتفع في الأشهر اللاحقة (الشكل 10).
الشكل 10:توزع الانتهاكات والحوادث الأمنية في منطقة نبع السلام حسب الشهور
ومما سبق يمكن أن نلاحظ ما يلي:
- جميع المدن المرصودة لم تحافظ على نمط مستقر للوضع الأمني؛ حيث تشير الخطوط البيانية الواردة في الأشكال اللاحقة إلى أن الشهور الستة عشر المرصودة شهدت تزايداً بالأعمال الأمنية في شهور معينة وتراجعاً في شهور أخرى.
- تبدو حالة الفلتان الأمني حالة عامة في معظم المدن والمناطق المرصودة، وليست حالة خاصة بمدينة أو منطقة معينة، وإن كانت تبدو بوضوح في مدينة عفرين أكثر من غيرها.
- تُظهر الأشكال أن الحالة الأمنية لا تتجه نحو الاستقرار الأمني، بل هي حالة متغيرة قابلة للتصعيد المستقبلي أو التراجع.
ومن جهة أخرى تشير عملية الرصد التي قمنا بها إلى مجموعة من الإشكاليات الأمنية غير الاعتيادية، والتي كان من الواجب دراستها بعمق وتحليلها بشكل مفصل، ومن هذه الإشكاليات الأمنية غير الاعتيادية:
الشكل 11: مخطط للإشكالات الأمنية غير الاعتيادية التي تم رصدها
2- 1- إشكالية القصف الوارد من خارج المنطقة:
على الرغم من انتشار 114 قاعدة ونقطة عسكرية تركية في مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي التي يُطلق عليها ” مناطق أمنة”[16]، ووجود فيالق الجيش السوري الوطني الذي يصل قوامه إلى 80 ألف مقاتل[17]؛ فلا تزال المنطقة تتعرض لعمليات قصف من خارجها مصدرها مناطق سيطرة نظام الأسد[18]، أو القواعد الروسية في المنطقة[19]، أو مناطق سيطرة “قسد”[20]، حيث تتنوع أشكال القصف بين القذائف المدفعية والصواريخ[21] والغارات الجوية التي تنفذها طائرات روسية[22].
الشكل 12: إحصائيات القصف الوارد على المناطق والمدن المرصودة
وقد تعرضت المدن التي قمنا برصدها إلى 55 حادثة قصف؛ 42 حادثة تمت في عام 2021، و13 حادثة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022؛ حيث إن الحادثة الواحدة قد تتضمن القصف عدة مرات وبعدة صواريخ متلاحقة، وقد تسببت هذه الحوادث بسقوط 88 ضحية 94% منهم مدنيون، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 204 جريحاً 96% منهم مدنيون (الشكل 12).
وكانت مدينة عفرين الجهة الأكثر استهدافاً بحوادث القصف، بنسبة وصلت إلى 38% من إجمالي حوادث القصف المرصودة، تليها مدينة الباب بنسبة 25%، ثم مدينة اعزاز بنسبة 24%، ثم مدينة جرابلس بنسبة 13% (الشكل 12)، حيث استهدف القصف الأحياء السكنية والأسواق الشعبية والمشافي ومراكز الدفاع المدني بشكل أساسي.
وقد تكرر القصف بشكل مركز على السوق المخصص لبيع المشتقات النفطية قرب جرابلس والباب 5 مرات في عام 2021، وتم استهدافه أكثر من مرة بهدف إشعال حرائق وإلحاق أضرار واسعة[23].
2- 2- الاشتباكات الخارجية
على الرغم من أن مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي قد تم تحريرها منذ عدة سنوات إلا أن الجبهات على هذه المناطق ليست هادئة، بل تشهد اشتباكات متقطعة غير مباشرة وعمليات قنص متبادلة، لعل من أبرزها الاشتباكات مع “قسد”.
وقد شهدت المناطق المرصودة 73 حالة اشتباك بالأسلحة[24]، خلفت 18 ضحية و22 جريحاً كلهم من العسكريين، وعلى الرغم من أن هذه الاشتباكات لم تتم في المدن الرئيسة وإنما على خطوط التماس القريبة منها؛ إلا أن هذه الاشتباكات كانت تُسمع بوضوح في تلك المناطق، وقد تتعرض بعض هذه المدن للقصف المباشر الذي يستهدف المدنيين كنوع من الانتقام (الشكل 13).
ومن الملاحظ أن أكثر مناطق التماس التي شهدت هذه الاشتباكات كانت مناطق التماس في “منطقة نبع السلام” بنسبة وصلت إلى 49%من إجمالي هذه الاشتباكات[25]، تليها مناطق التماس المتاخمة لمدينة اعزاز بنسبة تصل إلى 36%، ثم مناطق التماس المتاخمة لمدينة الباب بنسبة 9 %، ومناطق التماس المتاخمة لكل من عفرين وجرابلس بنسبة تصل إلى 3% لكل منهما (الشكل 13).
الشكل 13: إحصائيات الاشتباكات الحاصلة مع قوات قسد على نقاط التماس القريبة من المناطق والمدن المرصودة
ومن جهة أخرى شهدت المناطق المرصودة 458 حادثة قصف معاكس باتجاه مناطق قوات “قسد” ونظام الأسد، مصدرها المدفعية التركية أو مدفعية الجيش الوطني (الشكل 14).
الشكل 14: القصف المعاكس من الجبهات المتاخمة للمناطق
وعلى الرغم من أن هذا النوع من القصف لم يدخل ضمن الرصد والحوادث الأمنية إلا أنه يشير بشكل واضح إلى أن الجبهات المتاخمة لهذه المناطق غير مستقرة، وأنها تحتاج للتصعيد في الكثير من الأحيان من أجل إبعاد تلك القوات ومنعها من التصعيد. وتبدو منطقة نبع السلام أكثر مناطق التماس قلقاً، حيث بلغت عدد حوادث القصف المعاكس[26] 331، تليها المناطق المتاخمة لمدينة عفرين بمعدل 93 حادثة، ثم المناطق المتاخمة لمدينة اعزاز.
ومن جهة أخرى شهدت المناطق والمدن المرصودة 67 حادثة تسلل[27] من مناطق التماس، بعضها تم إحباطها قبل إتمامها وبعضها تسبب بسقوط ضحايا من العسكريين على هذه الجبهات؛ حيث إن مناطق التماس المجاورة لمدينة عفرين قد شهدت 24 حادثة تسلل، تليها مناطق التماس المجاورة لمدينة عفرين بمعدل 23 حادثة، ثم مناطق التماس في “منطقة نبع السلام” بمعدل 20 حادثة (الشكل 15).
الشكل 15: عمليات التسلل المرصودة التي قامت بها قوات قسد
تشير حوادث القصف الذي يستهدف المنطقة والقصف المضاد الخارج منها بالإضافة إلى عمليات التسلل إلى أن مناطق الشمال السوري الواقعة تحت الإشراف التركي إدارياً ليست مناطق مستقرة من الناحية العسكرية، وإنما لا تزال تتعرض لعمليات عسكرية ومحاولات اختراق وتسلل، الأمر الذي قد يشير إلى أن الواقع العسكري الحالي ليس ثابتاً حتى الآن. |
2- 3- الاختراقات الداخلية الأمنية
يمكن القول: إن الاختراقات الأمنية الداخلية هي أبرز المشاكل الأمنية التي تعيشها المنطقة والتي تتركز بشكل أساسي وفق نمطين: الأول هو الاغتيالات الموجهة لأفراد وشخصيات معينة، والآخر هو العبوات الناسفة والمفخخات التي تستهدف الجميع دون تمييز.
وعلى الرغم من وجود حواجز للجيش الوطني، وانتشار قوات الشرطة المدنية إلا أنه لم يتم ضبط هذه الاختراقات أو التخفيف منها؛ حيث يرى البعض أن السبب وراء ذلك هو أن الكوادر المسؤولة عن الأمن غير مختصّين ولا يملكون أي دراية في العمل الأمني، ومعظمهم ليسوا ضباطاً أو عناصر شرطة ولا يملكون تأهيلاً تعليميا في هذا الجانب، فيما يرى آخرون أن المعابر التجارية ومعابر التهريب – سواء تلك التي تنقل البضائع من مناطق سيطرة “قسد” أو من مناطق سيطرة نظام الأسد – تُعد خاصرة أمنية رخوة يمكن من خلالها إدخال المفخخات والعبوات الناسفة[28].
فيما يرى بعض المطلعين من عناصر الجيش الوطني أن كلاً من نظام الأسد و”قسد” يملكان تاريخاً وأساليب متطورة في تنفيذ العمليات الإرهابية والتفجيرات واستهداف المدنيين، في مقدمتها تسخير النساء والأطفال وتجنيدهم لتنفيذ مثل هذه العمليات، بالإضافة إلى شراء ضعيفي النفوس والذمم[29].
ويرى بعض الباحثين أن ثمّة جملة أسباب للفلتان الأمني في الشمال السوري، أبرزها: الغياب الكلي للسلطة التنفيذية، وغياب وجود جسم أمني واحد يتسلم زمام السيطرة الأمنية في المنطقة، بالإضافة إلى ضعف جهاز “الشرطة الحرة” ومحدودية صلاحيته؛ كل ذلك أدى إلى حالة من الفوضى الأمنية وتضارب المهام والمصالح وسهولة الاختراق.
وبالعودة إلى أهم أشكال الاختراقات الأمنية الداخلية يمكن أن نجد:
الشكل 16: أنواع الاختراقات الأمنية الداخلية المرصودة
2- 3- 1- الاغتيالات:
تنتشر حوادث الاغتيال[30] بشكل كبير في مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي إدارياً؛ فقد تم رصد 41 حادثة اغتيال، 42% منها طالت شخصيات عسكرية في الجيش الوطني، و8% منها طالت شخصيات ضمن جهاز الشرطة، و50% منها طالت شخصيات مدنية أغلبهم من ذوي الهيئات الاعتبارية، كرؤساء المجالس المحلية أو العاملين في الجمعيات والمنظمات أو الصحفيين والناشطين (الشكل 17).
وقد تمت 63% (36 حادثة) من حوادث الاغتيال عن طريق إطلاق الرصاص، فيما تم 37% عن طريق العبوات الناسفة المزروعة ضمن سيارة الضحية أو المستهدف بالقتل، وفي 80% (33 حادثة) من حوادث الاغتيال استطاعت الوصول لهدفها وقتل الضحية، في حين فشل 20% من هذه الحوادث بقتل الضحية، واقتصرت الأضرار على جروح وأضرار جسدية لم تتسبب بالوفاة ( الشكل17).
الشكل 17: إحصائية حوادث الاغتيال في المناطق والمدن المرصودة
وقد أوقعت حوادث الاغتيال 37 ضحية؛ 59% من المدنيين (22 ضحية مدني)، و41% من العسكريين (15 ضحية عسكري)، كما تسببت بـ 16 جريحاً، 69% منهم من المدنيين ( 11 مدنياً)، و31% من العسكريين (15عسكرياً)، وقد مُنيت مدينة الباب بالعدد الأكبر من حوادث الاغتيال بنسبة 41%، تليها مدينة جرابلس بنسبة 21%، ثم “منطقة نبع السلام” بنسبة 17%، ثم مدينة اعزاز بنسبة 12%، وأخيراً مدينة عفرين بنسبة 10% (الشكل 17).
2- 3- 2- العبوات الناسفة
تأتي عمليات التفجير عن طريق العبوات الناسفة المزروعة في السيارات أو الصهاريج أو الدراجات النارية كأبرز الحوادث الأمنية المسجلة في المنطقة وأكثرها عدداً؛ فقد سُجلت 185حادثة تفجير باستخدام عبوات ناسفة تم فيها استهداف المدنيين بشكل عشوائي، حيث فُجرت ضمن الأسواق أو قرب بعض المراكز الخدمية، أو زُرعت ضمن صهاريج نقل المياه أو سيارات نقل الخبز بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا، فضلاً عن الألغام وبقايا الذخائر غير المنفجرة، بالإضافة إلى 15 عملية اغتيال تمت باستخدام عبوات متفجرة وأوقعت ضحايا إضافيين إلى جانب الشخص المستهدف ( الشكل 18).
وقد تسببت هذه العبوات والمفخخات بمقتل 57 شخصاً؛ 89% من المدنيين (51 شخصاً)، و11% من العسكريين (6 أشخاص)، كما أدت إلى جرح قرابة 152 شخصاً 95% منهم من المدنيين (145 مدنياً)، و5% منهم من العسكريين (7 عسكريين). وتصدرت مدينة عفرين النسبة الأعلى من العبوات الناسفة بنسبة وصلت إلى 37% من إجمالي هذه العبوات، تليها مدينة الباب بنسبة 20%، ثم “منطقة نبع السلام” بنسبة17 %، ثم اعزاز بنسبة 15%، ثم جرابلس بنسبة11% ( الشكل 18).
الشكل 18:إحصائية العبوات الناسفة والمفخخات في المناطق والمدن المرصودة
ومن الجدير بالذكر أن الجهات المحلية المعنية -لاسيما عناصر الجيش الوطني- تبذل جهودها في عملية المراقبة والتفتيش؛ فقد استطاعت القوى الأمنية في “منطقة نبع السلام” اكتشاف 56% من إجمالي العبوات الناسفة التي استهدفت المنطقة (18 عبوة من أصل 32) وتفجيرها بشكل آمن، فيما استطاعت الجهات المعنية في مدينة الباب اكتشاف 49% من إجمالي العبوات التي استهدفت المنطقة ( 18من أصل 37) وتم تفجيرها بشكل آمن. وجاءت في المرتبة الثالثة كل من مدينتَي عفرين واعزاز، حيث تمكنت الجهات المعنية من اكتشاف 46% من إجمالي العبوات الناسفة وتفجيرها بشكل آمن، بينما استطاعت الجهات المعنية في جرابلس اكتشاف 30% فقط من إجمالي العبوات التي استهدفت المنطقة (6 من أصل 20)، (الشكل 19)، وبالتالي فإن إجمالي عدد الضحايا الذين سقطوا جراء العبوات الناسفة كان نتيجة نصف عدد العبوات المزروعة فقط[31].
الشكل 19: إجمالي عدد العبوات الناسفة حسب النوع والمدينة
2- 3- 3- الاقتتالات الداخلية المسلحة:
تتجدد كل فترة حالة من التوترات الداخلية بين الفصائل المنتشرة في المنطقة؛ حيث تتنوع هذه التوترات من مجرد حشود إلى اقتتالات داخلية بالأسلحة الخفيفة وأحياناً المتوسطة، وقد تم رصد 43 حالة اشتباك داخلي مسلح بين الفصائل في المناطق المرصودة، أدت إلى سقوط 20 ضحية، 8 منهم مدنيون و12 عسكريون، بالإضافة إلى 27 جريحاً 22 منهم مدنيون و5 عسكريون ( الشكل 20).
وقد تركزت الاقتتالات الداخلية بشكل واضح في مدينة عفرين بنسبة 35% من إجمالي حوادث الاقتتال، تليها “منطقة نبع السلام” بنسبة 23%، ثم مدينة الباب بنسبة 23%، ثم مدينة جرابلس بنسبة 12%، ومدينة اعزاز بنسبة 7%( الشكل 20).
الشكل 20: إجمالي التوترات الداخلية المسلحة
ثالثاً: إجمالي الخسائر البشرية
أسفرت هذه الحوادث الأمنية – غير الاعتيادية في المناطق المستقرة – خلال الفترة المرصودة عن سقوط ما لا يقل عن 224 ضحية، 73% منهم من المدنيين و27% من العسكريين، سقط أغلبهم في مدينة عفرين بنسبة 42% من إجمالي عدد الضحايا، تليها مدينة الباب بنسبة 22% من الضحايا ، ثم اعزاز وجرابلس و”منطقة نبع السلام” بنسب 13% ، 12%، 11% على التوالي ( الشكل 21).
وقد سقط 39% من الضحايا نتيجة القصف الذي استُهدفت به المنطقة، في حين سقط 25% نتيجة انفجار عبوات ناسفة، و17% نتيجة حوادث اغتيال، و10% نتيجة اشتباكات مع قوات “قسد” و9% نتيجة اقتتالات داخلية بين الفصائل (الشكل 21).
الشكل 21: إحصائية عدد الضحايا نتيجة الحوادث الأمنية.
أما بالنسبة إلى الجرحى فقد تسببت الحوادث الأمنية في جرح ما لا يقل عن 416 شخصاً، 90% منهم من المدنيين، وتركز أغلب الجرحى في مدينة عفرين بنسبة تصل إلى 49%، تليها مدينة الباب بنسبة 18%، ثم اعزاز بنسبة 17%، ثم جرابلس بنسبة 10% ، ثم “منطقة نبع السلام” بنسبة 6% ، وقد كانت حوادث القصف السبب في إصابة 49% من إجمالي عدد الجرحى، تليها العبوات الناسفة بنسبة 37%، ثم الاشتباكات المسلحة بنسبة 6%، ثم الاغتيالات والاشتباكات مع قوات “قسد” بنسبة 4% لكل منهما (الشكل 22).
الشكل 22:إحصائية عدد الجرحى نتيجة الحوادث الأمنية
تمثل أعداد الضحايا والجرحى في المناطق المرصودة حجم الأضرار البشرية التي حدثت جراء حوادث أمنية غير اعتيادية لا يجب أن تقع في مناطق آمنة أو مستقرة – كالقصف والاغتيالات والعبوات المتفجرة والاقتتالات الداخلية- وتعكس هذه الأعداد حجم الضحايا في مناطق مرصودة تضم قرابة نصف عدد السكان في المنطقة بشكل تقريبي، أي أن الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك. وعلى الرغم من أن الخسائر البشرية التي وردت في نتيجة الرصد هي أقل من الخسائر التي كانت تحدث نتيجة العمليات العسكرية في السنوات السابقة إلا أنها ما تزال مرتفعة ولم تتراجع مع مرور الزمن، وبالتالي فهي لا تعكس وجود حالة أمن واستقرار حقيقي في المنطقة يمكن أن يشجع الناس على العودة، لاسيما وأن هذه الخسائر لم تشمل ضحايا الحوادث الاعتيادية والشجارات والسرقات والضحايا نتيجة الملاحقات الأمنية. |
رابعاً: انعكاسات الواقع الأمني على حالة الاستقرار
تعاني مناطق الشمال السوري الخاضعة للإشراف التركي التي تمتد على مساحة 8400 كم2 تقريباً وتضم ما يقارب 2 مليون نسمة من مشاكل جدّية أساسية لم يتم حلها أو التخفيف منها خلال السنوات الماضية؛ إذ تسببت هذه المشاكل بزعزعة الاستقرار وإضعاف عملية التعافي والاستقرار فيها، وأهمها غياب الأمن، وحالة الاختراق الأمني الداخلي التي تظهر بوصفها مشكلة عامة في جميع المدن والمناطق على حد سواء.
ولعل أبرز أشكال حالة عدم الاستقرار الأمني يظهر في حوادث القصف الخارجي الذي يخضع لتفاهمات سياسية، لاسيما وأن روسيا متورطة في العديد من هذه الحوادث رغم التفاهمات السياسية الروسية التركية في المنطقة، بالإضافة إلى أن قوات “سوريا الديمقراطية – قسد” وهي الحليف الأبرز لقوى التحالف الدولي المدعوم من أمريكا تتحمل مسؤولية أغلب عمليات القصف الصادر من مناطقها، والتي تتمركز فيها قوات روسية وفق تفاهمات إضافية.
وتركزت عمليات القصف على تجمعات المدنيين كالأسواق والأحياء السكنية، وتأتي في سياق عمليات انتقامية في بعض الأحيان أو تحذيرية استباقية في أحيان أخرى[32]، وهو ما يشير إلى أن التفاهمات الدولية بخصوص هذه المنطقة هي تفاهمات هشة، وأن هناك ضوءاً أخضر غير معلن لـ “قسد” للاستمرار بعملها، وهو ما يعني أن الوضع القائم غير دائم وغير مستقر حتى الآن، ويمكن أن ينهار في أية لحظة إذا تغيرت خريطة المصالح والتحالفات.
ومن جهة أخرى، ورغم الوجود التركي في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام-هتش” والاتفاقية الموقعة بين أنقرة وموسكو عام 2020[33] فما تزال منطقة إدلب تتعرض بشكل دوري للقصف والغارات الجوية التي أوقعت أعداداً كبيرة من المدنيين[34]، وما تزال الحشود العسكرية متمركزة على جبهاتها بالحجم والكثافة ذاتها، وبالتالي فإن التفاهمات الهشّة قد تنهار في أي وقت، لاسيما مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما يعني موجات نزوح داخلي كثيفة وضخمة يمكن أن تزعزع أمن المنطقة واستقرارها مجدداً.
وإلى جانب هذه المشكلة تعاني المنطقة من مشاكل في الحوكمة وتضارب الصلاحيات بين الهيئات الإدارية، بالإضافة إلى تدخل واضح من بعض الجهات العسكرية في الجانب الأمني والجانب المدني، الأمر الذي يعيق تطور عملية الاستقرار الأمني والخدمي.
فعلى سبيل المثال: تعاني الشرطة العسكرية من سيطرة بعض الفصائل التي قد تتضارب مصالحها؛ فقد يدعم فصيل الشرطة العسكرية في عملية ضبط الأمن ضمن منطقته فقط، في حين قد ترفض فصائل أخرى وجود أجهزة شرطة عسكرية في مناطقها -كمدينة مارع مثلاً- رغبة من هذه الفصائل بإدارة المنطقة بشكل كامل، خاصة الملف الأمني، كما أن التوترات بين الفصائل قد تؤدي في العديد من الأحيان إلى تجميد الكثير من أنشطة الشرطة والتوقف عن ملاحقة المطلوبين[35].
ومن الناحية المدنية تكررت الحملات والوقفات الاحتجاجية التي نفذتها جهات مدنية احتجاجاً على تغول بعض الفصائل العسكرية على مهامهم وإعاقة أدائهم لعملهم، كالاحتجاجات التي قام بها عناصر الشرطة المدنية في عفرين[36]، والاحتجاجات التي قام بها المحامون في اعزاز[37]، والاحتجاجات التي قام بها القضاة في رأس العين[38].
وإلى جانب هذه الحوادث الأمنية غير الاعتيادية تعاني المنطقة من حالة فوضى في انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين دون وجود رقابة أو ترخيص؛ فقد ازدادت ظاهرة اللجوء للسلاح عند أي شجار، وازدادت حالات الوفاة نتيجة الاستعمالات الخاطئة أو غير المقصودة[39]. وقد تكون حالة الفوضى في انتشار السلاح من أسباب تزايد عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات ناشطة أو موظفين في بعض المراكز المهمة؛ إذ تشير العديد من الأدلة إلى تورط خلايا تابعة لتنظيم “داعش” أو قوات “قسد” التي تنشط بعمليات الاغتيال والتفجير والتفخيخ، إضافة إلى الخطف مقابل الحصول على الفدية أو للمبادلة بأسرى التنظيم فيما بعد[40]، بالإضافة إلى وجود خلايا أخرى تعمل لصالح نظام الأسد وتقوم بإعطاء إحداثيات ومواقع الجيش الوطني[41].
يزيد الوضع الأمني المتردي من حالة عدم الاستقرار، ويدفع الناس للتفكير بالخروج من المنطقة، لاسيما وأن الحالة الأمنية تؤثر بشكل واضح في عملية التنمية الاقتصادية، وتقلل من حجم الاستثمارات في المنطقة، وهو ما يزيد من الوضع الاقتصادي السيئ، ويفاقم حالة الفقر الشديد التي يعاني منها غالبية السكان المقيمين حالياً، ويزيد معدلات البطالة[42].
يمكن القول: إن المشكلة الأمنية تُعد مشكلة جدّية يجب على القائمين عليها وعلى الإدارات التركية المشرفة على المنطقة إيلاؤها الأولوية؛ لأنها العامل الرئيس في تعزيز عملية الاستقرار، وجذب الاستثمارات الاقتصادية، وتشجيع المنظمات على العمل والمساهمة في تمويل مشاريع التعافي المبكر، كما أنها ستكون عاملاً رئيساً يشجع الكثير من اللاجئين السوريين ومن أبناء المنطقة وسكانها الأصليين على البقاء فيها أو العودة إليها.
لمشاركة التقرير:
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
3 تعليقات