بلا أستار.. بلا حماية.. الجانب الخفيّ من حياة النساء في المخيمات
ورقة استكشافية
ملخص تنفيذي
يُقدَّر عدد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة بقرابة 6.7 مليون نسمة بشكل تقريبي، ويشكّل سكان المخيمات 23% من إجمالي عدد السكان؛ يعيش قرابة 68- 70% منهم في مخيمات نظامية تخضع لإشرافٍ ومتابعةٍ من قبل بعض المنظمات الإنسانية، ويعيش البقية وهم قرابة 30-32% في مخيمات عشوائية.
تشكّل الإناث 53% تقريباً من إجمالي عدد سكان المخيمات، حيث تبلغ نسبة النساء البالغات بين 27%-32% من عدد سكانها، وتضم مخيمات درع الفرات وغصن الزيتون نسبة أعلى من النساء والأطفال مقارنة بالمناطق الأخرى، فيما تبلغ نسبة الرجال في هذه المناطق نصف نسبتهم في مخيمات إدلب وريف حلب.
وإلى جانب المعاناة التي تُلقي بظلالها على عموم سكان المخيمات بسبب الفقر والحاجة والظروف المناخية الصعبة فإن النساء يعانين بشكل مضاعف من أمور قد تُعد غير مرئية أو لا يتم التنبّه إليها؛ فقد باتت المخيمات أقرب إلى تنظيمات اجتماعية وإدارية لها خصوصيتها، شكّلت لأفرادها أدواراً معينة ومراكز قوى مجتمعية برزت فيها مجموعة من الفئات بوصفها فئات هشّة، ومنها النساء؛ وبالتالي جعلت هذه البيئة الصعبة والأدوار والتنظيمات الاجتماعية الجديدة الحياة أصعب بالنسبة إليهنّ، لاسيما مع الاعتبارات المجتمعية والثقافية لأعباء رعاية الأسرة وتربية الأولاد في ظل غياب شبه تام لمقومات هذه الرعاية.
ولعل من أبرز المشاكل التي تعاني منها النساء فقدان الخصوصية داخل الخيمة وخارجها؛ فالعدد الكبير لأفراد الأسرة المقيمين في الخيمة ذاتها يجعل عملية الاحتفاظ بالخصوصية -ولو بأدنى درجاتها- أمراً شبه مستحيل للنساء خصوصاً، أو للكبار أو المراهقين، أو للأطفال بدرجة أقل؛ كما أن طبيعة الخيمة -سواءٌ أكانت خيماً قماشية أو حتى من البلوك بسقف قماشي- ليست عازلة للصوت، ولا تؤمّن الحماية المطلوبة للعائلة عموماً وللنساء خصوصاً.
ومن جهة أخرى تضطر غالبية النساء في المخيمات إلى استخدام المرافق الخدمية المشتركة كالمراحيض والحمامات، والتي فضلاً عن كونها غير كافية من ناحية العدد فهي تفتقد العديد من المعايير الدنيا المطلوبة والشروط الواجب مراعاتها لخصوصية النساء، كما أنها غير قادرة على أن تؤمّن احتياجات المرأة المطلوبة لرعاية نفسها أو عائلتها أو الحصول على النظافة أو الطهارة أو الاغتسال.
أما ما يتعلق بالواقع الصحي فإنّ بيئة المخيم بيئة غير صحية ولا صالحة للحياة لفترات طويلة، وتظهر آثارها بشكل أوضح على النساء؛ بسبب الاستخدام المتكرر للمرافق الصحية المشتركة، وقلة المياه المستخدمة للتنظيف والشرب، وعدم وجود غذاء صحي متوازن، والتعرض المتكرر لأماكن تُعد مراكز لنمو الجراثيم والطفيليات ولانتشار الأمراض ولدغ الحشرات والبعوض والقوارض والعقارب والأفاعي .
ومن جهة أخرى تعاني 37% من الأمهات في المخيمات من سوء التغذية، كما تؤثر ارتفاع معدلات الإنجاب الملاحظ في المخيمات وحالات الحمل المتكرر والمتقارب على صحة النساء، لاسيما مع عدم توفر أي رعاية طبية أو نسائية في المخيمات، وعدم قدرة المراكز الطبية على تقديم الخدمات على النحو المطلوب.
وتُعد المظاهر غير الأخلاقية من الظواهر التي بدأت تظهر وتتزايد بوضوح في بعض المخيمات النظامية والعشوائية، سواءٌ في مناطق إدلب وريف حلب أو المناطق الواقعة تحت الإشراف التركي، وتتنوع هذه المظاهر بين حالات تحرش بالنساء كالتحرش البصري والتحرش اللفظي والتحرش الجسدي والجنسي في بعض الأحيان، وحالات التحرش بالأطفال التي يغلب عليها التحرش الجنسي، كما تنتشر حالات تعاطي المخدرات -خاصة الحبوب- في بعض المخيمات، ويقع ضحيتها رجال ونساء من مختلف الأعمار، متعاطين بداية ثم مروّجين وبائعين؛ إذ يجد المتعاطون فيها فسحة للهروب من الواقع السيئ والصدمات السابقة.
ومع ارتفاع معدلات البطالة في الشمال السوري وقلة فرص العمل تُدفع كثير من النساء مع الحاجة إلى بعض الأعمال الموسمية المؤقتة، كالعمل في جني المحاصيل الزراعية بأجور زهيدة، أو العمل في مكبّات القمامة مع ما يكتنفها من مخاطر صحية يمكن أن تتسبب بالموت في بعض الأحيان أو الاستغلال في أحيان أخرى.
وحول أنماط التدخلات الإنسانية التي تقوم بها المنظمات في المخيمات النظامية والعشوائية تعمل غالبية المنظمات في مجالات الأمن الغذائي والإيواء والصحة والمياه والإصحاح والتعليم والحماية، وتحاول تأمين الاحتياجات الأساسية رغم تراجع حجم الدعم الخارجي سنوياً وارتفاع نسبة العجز في تغطية الخدمات المطلوبة للقطاعات
إلا أنه ومع هذه الجهود فإنه يمكن ملاحظة حالة من التجاهل تجاه أي احتياجات أخرى خارج هذه القطاعات، ويُلاحظ كذلك جوانب من التقصير وقعت فيها بعض المنظمات المحلية والدولية، ومنها: سوء إدارة ملف الإصحاح؛ إذ ما يزال العمل في هذا القطاع غير متوافق مع المعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية التي حددتها الأمم المتحدة، ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تعديل أو تطوير أو صيانة رغم تزايد عدد السكان وزيادة موجات النزوح، كما أنه لا يتوافق مع أي من المعايير الصحية أو البيئية أو المعايير الواجب مراعاتها عند الشرائح ذات الخصوصية.
ومن جهة أخرى تُوجَّه اتهامات لبعض العاملين في الشأن الإنساني في المنظمات -خاصة من الكوادر التنفيذية- بالفساد والاستغلال، ولاسيما للعائلات التي دون معيل أو للأرامل، مع غياب مشاريع يمكن أن تستثمر الخبرات والطاقات الموجودة في المخيمات لتمكين سكان المخيمات، خاصة عند النساء الأكثر احتياجاً.
كما يغيب أثر المنظمات النسائية أو النسوية أو المعنية بتمكين المرأة؛ فقد كان من المتوقع أن تُولي هذه المنظمات الأولوية لشريحة النساء في المخيمات؛ وهي الشريحة الأكثر احتياجاً والأكثر هشاشة من بين الشرائح التي تستهدفها، خاصة مع وجود دعم واهتمام من قبل الجهات الغربية؛ لكنها ركّزت عملها في مواضيع أقل أولوية، وتستهدف الشرائح الأكثر استقراراً وتمكيناً.
هذا وتتماشى سياسات معظم المنظمات الإنسانية في مشاريعها المقدَّمة مع رؤية الجهات الداعمة التي كانت تفرض قيوداً على تمويل مشاريع الإيواء، ولم تلعب هذه المنظمات بما يكفي على هوامش اهتمام الداعمين الغربيين وقضايا المرأة، ولم يتم إبراز النساء في المخيمات كشريحة هشّة تحتاج إلى تمكين معيشي ودعم وتحسين ظروف الحياة، ولم يتم توجيه اهتمام الداعمين العرب بما يكفي إلى قضايا تمسّ المرأة العربية والمسلمة وتخترق خصوصيتها وتؤثر في أخلاقها وأخلاق أولادها، لتشجيعهم على تمويل بعض المشاريع الموجهة التي كان بإمكانها تخفيف الآثار السلبية عن النساء.
وقد أسهم نمط الاستجابة الإنسانية المطبَّق حالياً في الشمال السوري في تعزيز شكل جديد من القيم والتصورات الاجتماعية، خاصة في مجتمع المخيمات، وتبدو هذه الظاهرة أوضح عند النساء؛ إذ اعتادت شريحة واسعة منهن على نمط الحياة السيئ واستسلمن للواقع الذي يَعشْنه، دون إبداء أية مقاومة أو محاولة للتغيير أو استغلال بعض الفرص التي قد تساعدهن على النهوض.
وتحمل هذه المشاكل والعقبات التي تظهر نتيجة الحياة في المخيمات الكثير من الآثار الاجتماعية المتوقعة أن تظهر والتي ستؤثر على المجتمع السوري عموماً وعلى النساء خصوصاً، خاصة في حال عدم وجود تدخلات سريعة تعالج المشاكل الاجتماعية الموجودة حالياً.
وبسبب واقع الحياة في المخيمات فإنه يُتوقع أن ترتفع معدلات الفقر والضعف واستغلال النساء، وأن تزداد أعداد العائلات الكبيرة دون معيل، إلى جانب ارتفاع معدلات الإنجاب مع الضعف في التربية والاهتمام، وقد تتسبب هذه الظروف القاسية بارتفاع نسبة العنف المنزلي، سواء العنف المطبق من الزوج على زوجته وأولاده أو العنف القائم من الزوجة على أطفالها، إلى جانب ازدياد حالات “زواج القُصّر” ذكوراً وإناثاً، وكذلك ارتفاع معدلات التسرب المدرسي وعمالة الأطفال وزيادة معدلات الفساد الأخلاقي ومعدلات الجريمة، كالاتجار بالمخدرات و”جرائم الشرف”، وارتفاع أعداد الأطفال مجهولي النسب في الشمال السوري.
ولا بد من الإشارة إلى أن معاناة النساء في المخيمات ليست طارئة، ولا تبدو تجربة الحياة فيها مؤقتة أو ستنتهي في وقت قريب؛ كما لا يبدو أن الوضع المعيشي تغير أو تحسن في السنوات السابقة، بل على العكس زاد الوضع سوءاً وأفرز مظاهر سلبية ومشاكل جديدة ومقعدة، وهو ما يشير بشكل واضح إلى أن طرق المعالجة السابقة للمشكلة لم تكن مجدية وتحتاج إلى مراجعة وتطوير .
وقد قدّمت الورقة مجموعة من التوصيات التي من شأنها معالجة المشاكل الطارئة، أو التخفيف من آثارها التي يجب ألا تُهمل فيها بقية الشرائح وإن كانت بعضها موجهة لما يخص النساء؛ فبقاء الوضع في المخيمات على ما هو عليه سيكون له آثار سلبية كبيرة ما لم يتم تصميم تدخلات مدروسة تحتوي المشاكل وتستفيد من الطاقات.
مقدمة
ترتبط صورة المخيمات في أذهان الجميع بالحاجة والفقر والبرد والشتاء والأقدام العارية الملطخة بالطين وبصور توزيع المساعدات الغذائية، ويثير الحديث عن المخيمات الشجون حول الحياة في الظروف الطبيعية القاسية كالبرد الشديد والمطر والثلوج والخيام الغارقة بسبب السيول.
إلا أن الحديث عن المخيمات يحتمل أبعاداً أخرى لا يتم عادةً التطرق إليها على النحو المطلوب، ويتعلق بتفاصيل الحياة اليومية وصعوباتها ومشاكلها؛ فمخيمات الشمال السوري التي تضمّ ربع عدد السكان في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة باتت تنظيمات اجتماعية وإدارية جديدة، تشكل أدواراً ومراكز قوة مجتمعية متفاوتة، وترتبط فيما بينها بأنماط علاقات جديدة، تبرز فيها بعض الشرائح كقوى ضعيفة ومهمشة تستدعي المزيد من الاهتمام والدعم.
ومن جهة أخرى أفرزت بيئة المخيمات بعد مضي سنوات على الإقامة فيها مجموعة من المشاكل التي بدأت تظهر بشكل واضح وتؤثر في كل سكانها، إلا أن تأثير هذه المشاكل على النساء يبدو مضاعفاً ويدعو لتسليط الضوء عليه؛ وذلك نظراً لخصوصية المجتمع السوري الثقافية ومركزية الأسرة ودور المرأة فيه أمّاً أو زوجة أو ابنة أو أختاً، وما يتبع ذلك من اعتبارات اجتماعية ودينية وثقافية ترسم أنماط العلاقة الاجتماعية لهذه الشريحة مع بقية أفراد المجتمع، حيث إن آثار هذه المشاكل مستقبلاً وتداعياتها على النساء خصوصاً ستكون بالغة السوء ما لم تتم معالجتها والتعامل معها مبكراً.
تحاول هذه الورقة الإضاءة على زاوية جديدة من الحياة في المخيمات، من خلال التركيز على واقع الحياة اليومية التي يعيشها قاطنو المخيمات، والنساء منهم بشكل خاص، وعلى احتياجاتهنّ الإنسانية الغائبة، لاسيما تلك التي تؤثّر في حياة النساء بوصفهنّ شريحة هشّة من جهة، وذات تأثير اجتماعي كبير من جهة أخرى.
وتسعى الورقة للإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وهي:
- ماهي المشاكل التي تعاني منها النساء في المخيمات والتي فرضتها التنظيمات والأدوار الاجتماعية الجديدة؟
- هل تمّت مراعاة احتياجات النساء وخصوصياتهنّ ضمن عملية الاستجابة الإنسانية؟
- وما هي التداعيات المتوقعة مستقبلاً على المجتمع نتيجة الظروف التي تعيشها النساء حالياً؟
وتأتي أهمية هذه الورقة من كونها ترصد الأوضاع المستجدة للحياة ضمن المخيمات وانعكاساتها على شريحة النساء خصوصاً والمجتمع بكامل شرائحه عموماً، كما أنها تحاول أن تستشرف أنماط التغيرات الاجتماعية السلبية التي يمكن أن تظهر مستقبلاً في المجتمع السوري نتيجة لذلك، وتنبّه المنظمات والجمعيات والجهات المعنية والقيادات المجتمعية لهذه التغييرات ولضرورة التحرك السريع لها بالبرامج والخطط.
وقد اعتمدت الورقة المنهج الوصفي التحليلي؛ من خلال دراسةٍ وتحليلٍ لمجموعةٍ من البيانات الثانوية التي تتضمن – من جهة أولى – المقالات والتقارير التي نُشرت من قبل الجهات الإعلامية، والتقارير والإحصائيات التخصصية التي نشرتها جهات معنية بعمليات الرصد والتقييم للاستجابة الإنسانية من جهة أخرى.
كما أنها استندت في بياناتها الأولية على تحليل واستمزاج لآراء أشخاص عايشوا واحتكوا بعيّنة الدراسة على فترات مختلفة، وهو ما يُعرف بـ “الملاحظة بالمشاركة”[1]، من خلال إجراء مقابلات معمقة مع عدد من العاملين والعاملات في قطاع المخيمات النظامية والعشوائية[2]على الأرض ضمن قطاعات الاستجابة الإنسانية المختلفة، وبعضهم يعيش في هذه المخيمات؛ في محاولةٍ لتلمس ورصد مشاهداتهم وتقييمهم المنصف للوضع على الأرض[3].
وقد اعتمدت المقابلات مع عاملين وعاملاتٍ في القطاع الإنساني بدلاً من مقابلة نساء قاطنات في المخيمات لعدة أسباب، منها:
- اطلاع العاملين والمتطوعين[4] في الشأن الإنساني على أنماط متنوعة من المخيمات (نظامية، وعشوائية، ومخيمات خاصة بالأرامل).
- إقامة بعض هؤلاء المتطوعين أو العاملين في المنظمات – ذكوراً وإناثاً – في بعض هذه المخيمات .
- اطلاع العاملين والمتطوعين على واقع الاستجابة الإنسانية بشكل موضوعي، وقدرتهم على تقديم توصيفات موضوعية لدرجة فعالية هذه الاستجابة.
- الاحتكاك الشخصي بين المتطوعات والنساء في المخيمات، والاستماع إلى مشاكلهن المتنوعة -خاصة المشاكل ذات الحساسية – خلال تقديم عدد من الأنشطة المتعلقة بمواضيع الصحة والحماية والتوعية.
وقد تم اختيار الأفراد الذين تمت مقابلتهم ممن يؤدون خدمات وأنشطة بشكل دوري في أكثر من مخيم، وعلى اطلاع دوري بالتغيرات وبأنماط الاستجابة والجهود التي تتم فيها، وبعض المتطوعات اللواتي يُقمْن ضمن هذه المخيمات؛ فقد قدّمت هذه المقابلات معلومات تغطي واقع المخيمات على اختلاف أنواعها، سواءٌ أكانت مخيمات نظامية أو عشوائية من حيث التنظيم، وسواءٌ من حيث موقعها في منطقة إدلب وريف حلب أو في مناطق الإشراف التركي.
وقد استعرضت الورقة في القسم الأول بعض المعلومات التي توضح واقع المخيمات في مناطق إدلب وريف حلب ومناطق الإشراف التركي (درع الفرات، وغصن الزيتون)، وفقاً للإحصائيات والبيانات المفتوحة التي تقدمها المنظمات المعنية، بينما تطرق القسم الثاني من الورقة إلى التركيز على معاناة المرأة خلال حياتها ضمن المخيمات، وهي الأمور التي تضطر للتعايش معها بشكل يوميّ.
تعاملت هذه الدراسة مع المخيمات بوصفها تنظيمات اجتماعية لها خصوصيتها وتنظيمها الاجتماعي والإداري، الذي شكّل لأفراده أدواراً معينة ومراكز قوى مجتمعية، برزت فيها مجموعة من الفئات فئاتٍ هشّة ومنها النساء، وبالتالي حاولت الدراسة الإضاءة على هذه الأدوار الجديدة مع التركيز بشكل أكبر على واقع المرأة ومشاكلها وإعطائها دائرة اهتمام أوسع لمركزية الأسرة في المجتمع السوري ومركزية المرأة في الأسرة |
ويركز القسم الثالث على أنماط التدخلات الإنسانية التي تقوم بها المنظمات المحلية والأجنبية في المخيمات في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، واستعراض بعض جوانب الخلل والتقصير في هذه التدخلات، بينما يبحث القسم الرابع في استشراف تداعيات هذه المشاكل الموجودة في المخيمات مستقبلاً على المرأة خصوصاً وعلى المجتمع عموماً، فيما يقدم القسم الأخير مجموعة من التوصيات للتعاطي مع المشاكل المجتمعية في هذه المخيمات والتخفيف من آثارها.
أولاً: واقع المخيمات في الشمال السوري
تغيب الإحصائيات الدقيقة عن واقع مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، خاصة المناطق الخاضعة للإشراف التركي كدرع الفرات وغصن الزيتون، في حين تبذل بعض الفرق الإحصائية التابعة لوحدة تنسيق الدعم[5] جهوداً واضحةً في تقديم تقارير دورية تساعد على تقييم دقيق للاحتياجات. ويقدَّر عدد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية بقرابة 6.7 مليون نسمة بشكل تقريبي؛ بينهم 4.2 مليون شخص في مناطق إدلب وريف حلب الخاضعة لـ(هيئة تحرير الشام-هتش) إدارياً[6] بنسبة تصل إلى 63% من إجمالي القاطنين في مناطق سيطرة المعارضة، و2 مليون شخص في منطقة درع الفرات[7] بنسبة تصل إلى 30%، ونصف مليون شخص في مناطق غصن الزيتون بنسبة تصل إلى 7 % وفق تقديرات تركية[8] (الشكل 1). | |
الشكل 1: النسب المئوية لتوزع السكان في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة |
وتُقسم هذه المخيمات قسمَين:
- مخيمات نظامية: وهي المخيمات التي أُنشئت من قبل إحدى الجهات أو المنظمات الإنسانية، وتم تشييد المخيم بشكل منظم، ويخضع إلى إشراف ومتابعة للاحتياجات من قبل هذه الجهة أو جهات أخرى مرتبطة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تركيا، ويقوم على إدارة شؤون المخيم أحد القاطنين فيه لقاء قيامه بالمسؤوليات المنوطة به[10]، كما تقوم المنظمات بتأمين الاحتياجات اللازمة من سلل غذائية وصحية ومياه صالحة للشرب وإزالة النفايات والمخلفات البشرية بشكل دوري، ويمكن أن تكون الخيم في هذه المخيمات خيماً قماشية بالكامل، أو غرفة مبنية من البلوك بسقف قماشي “شادر” أو سقف من صفائح معدنية رقيقة تُعرف باسم” التوتياء” أو سقف من إسمنت مسلح أو من مواد مسبقة الصنع[11].
صورة تظهر أحد المخيمات النظامية في منطقة أطمة
- مخيمات عشوائية أقيمت من قبل بعض النازحين، وغالباً ما تكون مقامة على أراضٍ زراعية وفي أماكن غير مناسبة[12]، تتألف من عدد من الخيم القماشية الموزعة بشكل عشوائي ضمن المخيم، وليس لها جهة إشرافية، ولا تتم تلبية احتياجاتها من قبل المنظمات إلا في بعض الحالات الطارئة وبشكل غير مستدام.
صورة لأحد المخيمات العشوائية
الشكل 2 : توزع السكان في مناطق سيطرة المعارضة وفقاً لمكان الإقامة
يبلغ عدد المخيمات السورية في كامل مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة 1489مخيماً؛ يتركز 1304مخيمات في مناطق إدلب وريف حلب، و185 مخيماً في مناطق الإشراف التركي[13] (الشكل3)، حيث تستوعب مخيمات إدلب وريف حلب 69% من إجمالي سكان المخيمات، فيما تستوعب مخيمات مناطق درع الفرات وغصن الزيتون 31% (الشكل4).
الشكل 3: نسب توزع المخيمات حسب المناطق | الشكل 4: نسب عدد المقيمين في المخيمات وفقا للمنطقة |
وتشكل المخيمات العشوائية قرابة 30% من إجمالي عدد المخيمات في منطقة إدلب وريف حلب (الشكل 5)، بينما تشكل قرابة 32% من إجمالي عدد المخيمات في منطقة درع الفرات وغصن الزيتون (الشكل 6)
الشكل 5 : نسبة المخيمات في منطقة إدلب وريف حلب حسب النوع | الشكل 6: نسبة المخيمات في منطقة الإشراف التركي حسب النوع |
وعلى الرغم من أن أعداد المخيمات الكلية في مناطق الإشراف التركي أقل من نظيرتها في مناطق إدلب وريف حلب إلا أن هذه المخيمات تستوعب أعداداً أكبر[14]، وتقدم خدمات وتحسينات في المخيمات بشكل أسرع، وتصل نسبة القاطنين في المخيمات تقريباً إلى 19% من إجمالي عدد السكان في مناطق الإشراف التركي، بينما يشكل القاطنون في المخيمات في مناطق إدلب وريف حلب 25% من إجمالي عدد السكان فيها.
وتضم هذه المخيمات بشكل عام فئات هشّة، كذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشكلون 2%، والأرامل الذين يشكلون قرابة 1% من إجمالي سكان المخيمات، حيث تتركز هذه الفئات بشكل أوضح في مخيمات إدلب وريف حلب (الجدول1).
| مخيمات إدلب وريف حلب[15] | مخيمات درع الفرات وغصن الزيتون[16] | المخيمات الكلية[17] |
عدد المخيمات كاملة | 1304 | 185 | 1489 |
عدد المخيمات النظامية | 911 | 126 | 1037 |
عدد المخيمات العشوائية | 393 | 59 | 452 |
عدد الأفراد في المخيمات كلها | 1043689 | 469075 | 1512764 |
عدد الذكور | 307829 | 70362 | 378191 |
عدد الإناث | 328292 | 125537 | 453829 |
عدد الأطفال | 408568 | 272176 | 680744 |
عدد القاطنين في المخيمات النظامية | 855925 | 423166 | 1279091 |
عدد القاطنين في المخيمات العشوائية | 187764 | 45909 | 233671 |
ذوي الاحتياجات الخاصة | 19102 | 4685 | 23787 |
الأرامل دون معيل | 10146 | 2972 | 13119 |
جدول 1: إحصائيات حول المخيمات الواقعة في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة وفقاً لبيانات منسقو الاستجابة العاجلة
ووفقاً لآخر تقرير صدر عن وحدة تنسيق الدعم في أيلول 2021 فإن النساء البالغات يشكّلن بين 27%-32% من إجمالي عدد سكان المخيمات؛ حيث تضم مخيمات درع الفرات وغصن الزيتون نسبة أعلى من النساء والأطفال، فيما تبلغ نسبة الرجال نصف نسبتهم في مخيمات إدلب وريف حلب (الشكل 7)، فيما تصل نسبة الإناث في المخيمات التي تشمل البالغات والفتيات قرابة 53%؛ تقع 94% منهن ضمن شريحة عمرية أقل من50 عاماً، بينهم 16% في سن المراهقة بين 13-17 سنة، و41% في سن الطفولة[18] (الشكل 8).
الشكل 7 : نسب توزع سكان المخيمات | الشكل 8 : توزع الإناث وفقاً للشرائح العمرية |
كما يشير التقرير السابق لوجود 1906 عائلة تحت مسؤولية مَن هم دون الثامنة عشر بنسبة 1.3% من إجمالي عدد العائلات المدروسة، و11921 ألف عائلة تُعيلها نساء بنسبة 8% من إجمالي عدد العائلات[19].
ثانياً: معاناة النساء غير المرئية في المخيمات:
بيئة المخيمات بيئة صعبة لا تتوفر فيها أدنى مقومات البقاء للجميع من مختلف الأعمار والأجناس، وتؤثّر بشكل مباشر في كل قاطنيها على اختلاف شرائحهم، وتُنتج لهم أدوراً اجتماعية جديدة ومراكز قوة وسلطة متفاوتة، بما يجعل انعكاسات هذه البيئة متفاوتة عليهم.
إلا أن هذه البيئة بما تحمله من مشاكل وصعوبات تصبح أقسى على النساء اللواتي يتوجب عليهن القيام بأعباء العناية والرعاية بالأسرة مع غياب شبه تام لمقومات هذه الرعاية، عدا مسؤولية تربية الأبناء وتوعيتهن في ظروف شديدة القسوة ضمن بيئة مفتوحة ودون أن تملك غالبيتهن الوعي أو الوسائل أو الأدوات للقيام بذلك.
ومن أبرز أنماط المشاكل وجوانب المعاناة التي تتعرض لها النساء في المخيمات وقد لا يهتم بها أحد:
2-1- غياب الخصوصية
تتراوح مساحة الخيمة القماشية أو الخيمة ذات الجدران من البلوك بين 10- 15 متر مربع على أبعد تقدير، أي أن حصة الفرد من هذه المساحة تتراوح بين 1-1.5 متراً مربعاً، كما أن المسافة بين الخيمة والأخرى تتراوح بين 0.5 متر حتى مترين في أغلب الأحوال، وبالتالي يمكن للمارّة في الطرقات الفرعية داخل المخيم معرفة ما يدور في الخيمة بسهولة. عضو فريق ميداني لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق إدلب وريف حلب |
تفتقد العائلات عامة والنساء خاصة حالة الخصوصية[20]؛ فالخيمة حيز صغير تضم أسرة كبيرة أو عدداً من الأسر في بعض الأحيان، وقد تضم الخيمة الواحدة القماشية أو الإسمنتية بين 12-20 شخصاً من مختلف الفئات العمرية وأكثر من زوجة، وتصبح فيها عملية تبديل الملابس أو حتى الاسترخاء أمراً بالغ التعقيد، ويصبح الاحتفاظ بأدنى درجات الخصوصية أمراً شبه مستحيل، سواء للكبار أو للمراهقين أو للأطفال.
وقد تقسم الأسرة الخيمة الصغيرة وتقوم بتزويج أحد أبنائها في ركن لا يفصله عن بقية الخيمة وأفرادها سوى ستار رقيق، وبالتالي فكل ما يحدث في الخيمة ليلاً ونهاراً يعلمه كل أفراد العائلة كباراً وصغاراً، وهو ما يفسح المجال لكشف عورات في بعض الأحيان والاطلاع على مواقف لا يجب أن يطلع عليها أحد.
يتحول المخيم شيئاً فشيئاً إلى أسرة كبيرة مكشوفة على بعضها، لا توجد خصوصية ولا ضوابط مجتمعية ولا حتى حدود؛ كل الأحاديث والثرثرات يمكن التنصت عليها وتناقلها، حتى الشخصية منها، ويصبح الأمر أوضح في الليل؛ فمن السهل معرفة ما يدور داخل الخيمة بتفاصيله الدقيقة والخاصة بمجرد الاقتراب منها، وتصبح يوميات العائلة حديثاً يتناوله سكان المخيم ذكوراً وإناثاً. مدير إحدى الفرق الإنسانية يعمل في المخيمات |
ومن جهة أخرى تفتقد هذه العائلات عامة والنساء خاصة خصوصيتها خارج نطاق العائلة؛ فالخيم القماشية ليست عازلة للصوت، كما أن بابها عبارة عن قطعة قماش يمكن تمزيقه لا يؤمّن حماية فعلية لساكنيها، ولا يؤمّن لهم الستر المطلوب، إذ يمكن أن تتلاعب به الرياح فتكشف عورة الخيمة ومَن بداخلها، حتى الخيم ذات الجدران المبنية من البلوك وسقفها قماشي ليست عازلة للصوت وإن كانت أفضل حالاً من القماشية؛ نظراً لأن هذه الغرف بُنيت بشكل متجاور دون مساحات محيطة للحفاظ على الخصوصية.
ومن جهة أخرى تواجه النساء حرجاً عند غسيل ملابسهن؛ حيث يضطررن في الكثير من الأحيان لنشرها داخل الخيمة، خاصة الملابس الداخلية، كما قد تواجه النساء الكثير من المواقف الحرجة؛ فقد تشاهد بعض الرجال أو الفتيان أو حتى الأطفال يقومون بقضاء حاجتهن في العراء، وهي حوادث تتكرر بشكل كبير بحيث أصبحت مشهداً مألوفاً.
عندما يقام عرس في المخيم يستنفر جميع سكان المخيم للاحتفال بالعروسين، ولكن وبعد انتهاء العرس تبدأ الأحاديث لاسيما بين المراهقين وهم يسرحون بخيالاتهم أو يحاولون التلصص خلسة على خيمة العروسين. مسؤولة قسم في إحدى المنظمات الإنسانية ولها زيارات متكررة على المخيمات |
ونتيجة لهذه الحالة تضطر غالبية النساء إلى ارتداء ملابس ساترة سميكة طوال الوقت، والحذر خلال المشي والحركة من انكشاف عوراتهن، ولارتداء الحجاب أو أغطية الرأس طوال النهار وحتى في الليل صيفاً وشتاءً، مع تجنُّب الحديث في كثير من الأحيان، أو الهمس حين الضرورة؛ فالكثير من المشاكل في المخيم تحدث نتيجة تناقل الكلام بقصد أو دون قصد[21].
وتواجه النساء الأرامل أو اللواتي يعشن دون معيل حالة مضاعفة من غياب الخصوصية؛ حيث تحيط بهن أعين جميع سكان المخيم وتراقب حركاتهن، وقد تنتشر العديد من الشائعات حولهن، خاصة مع حالة الفراغ التي يعيشها معظم سكان المخيم، وقد يمارس البعض – نساءً أو رجالاً – وصاية على هذه العائلات، في محاولةٍ للتدخل في خصوصيات العائلة وفرض بعض القيود، سواءٌ أكانوا من أقارب العائلة أو لا[22].
وإلى جانب ذلك يفتقد الطلاب عموماً والطالبات خصوصاً الخصوصية الدراسية؛ حيث إن بيئة الخيمة المكتظة لا توفر للطلاب والطالبات أي جو دراسي، لاسيما في مراحل الدراسة الإعدادية والثانوية، وإن كان بإمكان الطلاب الذكور الدراسة خارج الخيمة أو في الحديقة فإن الطالبات يفتقدن أي فرصة مماثلة، خاصة مع عدم وجود مكتبات عامة توفر للطلاب بيئة دراسية بديلة تساعدهم على متابعة تحصيلهم العلمي، واضطرار الكثير منهن لتحمُّل بعض مسؤوليات الرعاية المنزلية إلى جانب أمهاتهن، وبالتالي تفقد المراهقات واليافعات فرصة مهمة لتحسين واقعهن أو تغييره مستقبلاً.
2-2- عدم كفاية مرافق الخدمات العامة المشتركة
ومن أبرز أنماط المعاناة التي تعاني منها النساء استخدام مرافق خدمية عامة كالمراحيض والحمامات تخدم أعداداً كبيرة من الخيم والأفراد؛ وهي وإن كانت شكلاً من أشكال غياب الخصوصية إلا أنها تتضمن جوانب أخرى، كعدم الكفاية وغياب الحماية الصحية والاجتماعية[23]، وقد يكون استخدام المرافق المشتركة أمراً مقبولاً في أولى سنوات النزوح خلال عملية الاستجابة الطارئة؛ إلا أن استمراره على الشكل ذاته والإمكانيات واعتباره وضعاً طبيعياً أمرٌ من الصعب تقبُّله، لاسيما وأن المرافق الخدمية التي تم إنشاؤها في فترة النزوح بقيت ثابتة ولم تتغير ولم تتم صيانتها أو ترميمها أو توسعتها إلا نادراً.
ويمكن أن نلاحظ 3 أنماط للمرافق الخدمية (المراحيض والحمامات) في المخيمات[24]:
- كتل خدمية مشتركة مسبقة الصنع تم إنشاؤها منذ بداية إنشاء المخيم ولم يطرأ عليها أي تغيير، وهي في بعض الأحيان كتل مشتركة منفصلة بشكل كامل بعضها للذكور وبعضها للإناث. أو كتلة مشتركة لها مدخل واحد، تُقسم عند المنتصف بحاجز يفصل بين قسمَي الرجال والنساء. وفي أحيان أخرى تخدم مجموعات الخيام بمرحاض واحد مخصص للنساء ومرحاض آخر مخصص للرجال، وأحياناً مرحاض واحد مخصص لكامل المخيم ذكوراً وإناثاً[25].
- مرحاض خاص لكل عائلة، موجود بشكل أساسي ضمن بعض الخيم المبنية من البلوك بشكل كامل أو جزئي، أو تم استحداثه ملحقاً من قبل القاطنين على نفقتهم الخاصة، وغالباً ما تُلاحظ هذه الأنواع في المخيمات الأكثر تنظيماً، أو التي تتوفر شبكة صرف صحي تابعة لكل خيمة.
- مرحاض عشوائي يُلاحظ في المخيمات العشوائية، تم إنشاؤه من قبل السكان، وهو عبارة عن حفرة في الأرض محاطة بشوادر قماشية، أو بجدران من اللبن – الطين الجاف- على شكل غرفة دون سقف، حيث تصبّ المخلفات في حفرة صحية أكبر ملاصقة للمرحاض.
وتصب هذه الكتل الخدمية المخلفات في شبكة صرف صحي موصولة إلى الشبكات العامة في بعض الأحيان أو في حفرة فنية مجاورة يتم إفراغها من قبل بعض الجهات كل مدة، وتختلف هذه الحفر الفنية من حيث طريقة الإنشاء وشروطه، وقدرة الحفر على عزل الروائح والحماية من التلوث والأمراض.
|
وللإضاءة على واقع مرافق الخدمات العامة في المخيمات النظامية الخاضعة للإشراف والمتابعة من قبل المنظمات يشير التقرير التفاعلي لمراقبة المخيمات[26] إلى أن قرابة 147 ألف عائلة تُخدم من خلال 11737مرحاضاً، و2170 حجرة- كبينة مشتركة تستخدم للاستحمام، حيث إن هذه الكتل أُنشئت لتخديم كامل العائلات في المخيم؛ إلا أن هذه المرافق لا تتوافق مع معايير “دليل اسفير” وهو الميثاق الإنساني الناظم للمعايير الدنيا في الاستجابة الإنسانية الطارئة، ولا تتوافق أيضاً مع الشروط التي ذكرها بشكل خاص والتي تراعي خصوصية النساء في هذه الاستجابة[27].
وتنص المعايير الواردة في “دليل اسفير” فيما يتعلق بالمرافق الصحية أن الحد الأدنى لعدد المراحيض المشتركة المخصصة للسكان يجب ألا تقل عن مرحاض واحد لكل 20 شخص، وألا تتجاوز المسافة للوصول إلى المرحاض 50 متراً، وأن تحوي المراحيض على أقفال داخلية وإنارة مناسبة ومياه كافية للنظافة الشخصية، وألا تشكل مواقعها تهديدات أمنية على المستخدمين، وأن تحفظ خصوصيتهم وخاصة النساء والفتيات[28]، وأن تتوفر معها كل المواد اللازمة لاحتياجات المستخدمين؛ خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبالعودة إلى الإحصائيات الموجودة في التقييم الأخير لحاجة المخيمات[29] نلاحظ أن المراحيض المتوفرة حالياً والصالحة للخدمة غير كافية لتلبية احتياجات سكان المخيمات النظامية، حيث إن المرحاض الواحد يخدم 6 خيم على الأقل، أي ما يقارب 36 شخصاً على أدنى تقدير، وذلك بعد استبعاد العائلات التي تملك مراحيض خاصة بها، كما أن الحمام المشترك يخدم 22خيمة تقريباً، أي ما يقارب 120 شخصاً (الشكل 9).
المراحيض | كبائن الاستحمام | ||
عدد المراحيض الخاصة | 85156 | عدد الحمامات الخاصة | 100079 |
عدد المراحيض العامة (الكابينات) | 11737 | عدد الحمامات العامة (الكبائن) | 2170 |
عدد المراحيض العامة العاملة (الكابينات) | 10242 (87%) | عدد الحمامات العامة العاملة (الكبائن) | 1330 (61%) |
عدد الكتل والكرافانات | 2885 | عدد الكتل والكرفانات | 876 |
المراحيض التي لا تصلها المياه | 5164 (44%) | عدد الحمامات التي لا تصلها المياه | 857 (39%) |
عدد المراحيض المخصصة للإناث | 4003 (34%) | عدد الحمامات المخصصة للإناث | 862 (40%) |
جدول 2: واقع مرافق الخدمات المشتركة في المخيمات وفقاً لإحصائيات وحدة تنسيق الدعم / أيلول 2021
زرت أحد المخيمات العشوائية، وكان الوصول إلى المرحاض الوحيد الموجود في طرف المخيم يحتاج إلى مشي لمدة 10 دقائق على الأقل، وتصبح المدة أطول في فصل الشتاء نتيجة الطين والوحل، حيث لا تتوافر الإنارة، عدا عن إمكانية تعرض سكان المخيم إلى لدغ الحشرات والأفاعي والعقارب أو هجوم من قبل بعض الحيوانات خلال ذهابهم إلى هذا المرحاض في الظلام. متطوعة مع إحدى الفرق التطوعية التي تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
ومن جهة أخرى تفتقد غالبية المرافق المشتركة خدمات الصيانة وتزويدها بالاحتياجات؛ فقد خرجت 13% من المراحيض و39% من كبائن الاستحمام عن الخدمة، فيما تفتقد 44% من المراحيض و39 % من كبائن الاستحمام منها لوجود المياه اللازمة للنظافة الشخصية، وتفتقد 88% من الحمامات الإنارة، وتتوفر آلية لتسخين المياه في الحمامات العامة في 1.4% من المخيمات فقط (الشكل 9).
الشكل 9 : واقع المرافق الخدمية المشتركة في المخيمات النظامية وفقاً لبيانات وحدة تنسيق الدعم / أيلول 2021
إلى جانب أن المرافق المتاحة حالياً في المخيمات النظامية -التي يُفترض أن يكون وضعها أفضل من المخيمات العشوائية كونها تحت رقابة وتقييم دوري- لا تلبي شرط المسافة المطلوب؛ فغالباً ما تتجمع كتلة المرافق الصحية في أماكن بعيدة على أطراف المخيم، حيث تصبح هذه المشكلة أوضح في الليل وخلال الشتاء، خاصة عند النساء؛ إذ لا توجد طرقات مرصوفة توصل لهذه المرافق، ولا توجد إنارة للمخيم ولا حتى لهذه المرافق، وهو ما يضطر سكان المخيم -خاصة النساء- إلى استخدام المصابيح اليدوية أو الضوء الموجود في الهواتف النقالة أو ضوء القداحات.
ويمكن أن تتعرض النساء والفتيات للكثير من الإزعاج والتحرش خلال ذهابهن إلى المرافق الخدمية، والتي قد تتنوع بين التحديق المركّز، أو التحرش اللفظي أو حتى الجسدي، مع حالة من انتهاك الخصوصية، لاسيما مع وجود العديد من الرجال والمراهقين العاطلين عن العمل الذين لا يوجد ما يشغلهم سوى مراقبة الآخرين[30].
وإلى جانب ذلك لا تراعي هذه المراحيض أدنى معايير الحماية؛ حيث إن أغلبية الأقفال التي زُودت بها تم كسرها، وبالتالي يمكن أن يتم اقتحام المرحاض بسهولة، وهو أمر دفع بالعديد من العائلات إلى منع أفرادها من ارتياد المراحيض العامة ليلاً، خاصة النساء والأطفال، حيث يقوم بعض الرجال بمرافقة نسائهم ليلاً عند الحالات الطارئة، أو تقوم النساء بالذهاب بشكل جماعي وبشكل متفق عليه[31].
تتخوف الكثير من النساء من زيارة المراحيض العامة ليلاً، وقد يرفض الزوج في كثير من الأحيان مرافقة زوجته وأولاده، ويطلب منهم أن يتدبروا أمورهم، الكثير من حالات الطلاق حدثت عندما كانت المرأة تضطر لإيقاظ زوجها ليلاً ليرافقها أو يرافق أحد الأولاد إلى المرحاض، الأمر الذي دفع بعض النساء إلى قضاء حاجاتهن أو حاجات أطفالهن في العراء قرب الخيمة عند الضرورة. متطوعة مع إحدى الفرق التطوعية التي تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
كما يضطر سكان المخيم -خاصة النساء- في العديد من المخيمات إلى حمل المياه اللازمة للنظافة الشخصية معهم إلى هذه المراحيض التي قد لا تتوفر فيها المياه أصلاً، أو قد تنقطع نتيجة تخريب أو سرقة أو إهمال من قبل بعض الأطفال الذين قد يتركون صنبور المياه مفتوحاً، وهو ما يؤدي إلى تفريغ الخزان وحرمان بقية السكان من المياه المشتركة.
قابلت مجموعة من اليافعات في أحد المخيمات، كانت جل أحلامهن الحصول على حمام خاص نظيف وساخن ، يستطيعون فيه الاستحمام براحة. مسؤولة في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
وأما ما يتعلق بكبائن الاستحمام فلم تكن هذه الكبائن ذات فعالية في أغلبية المخيمات؛ فقد تحوّلت الخيمة السكنية في الكثير من الأحيان لمكان للاستحمام، تقوم فيه العائلة بإفراغ الخيمة من أجل أن تستحم فيها النساء واحدةً تلو الأخرى[32]، وبكمية محدودة جداً من المياه يتم تصريفها إلى خارج الخيمة، وقد تضطر النساء للاستغناء عن الاستحمام في أشهر الشتاء مع البرد القارص؛ فمن الصعب أن يتم إخراج العائلة خارج الخيمة تحت البرد والمطر.
عند الحديث عن المخيمات تصبح مواضيع مثل الوضوء والاغتسال والحفاظ على الطهارة أموراً ثانوية، من الصعب جداً أن يهتم بها هؤلاء الناس الذين يفتقدون أدنى الشروط الإنسانية للحياة، في بعض الأحيان قد يظل الرجل أو المرأة ينتظرون دورهم للاستحمام عدة أيام، العديد من سكان المخيم تقاعسوا عن أداء صلواتهم لهذا السبب. مدير إحدى الفرق التطوعية التي تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
وعليه: فإذا كانت المعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية التي يفترض “دليل اسفير” توفرها بالحد الأدنى غير موجودة – لا من حيث العدد لا من حيث الخدمة التي تُقدم ولا من حيث الحماية- حتى في أفضل المخيمات النظامية الخاضعة للإشراف والتقييم والمتابعة؛ فكيف يمكن أن نتخيل واقع الحياة اليومية في مجتمع له خصوصيته الإضافية التي تنبع من ثقافته الإسلامية واحتياجاته الإضافية لموضوع الطهارة والوضوء والغسل، وما يتعلق بها أيضاً من متطلبات الستر والحجاب، والتي تشكل حقوقاً أساسية معتبرة للإنسان يجب عدم التقليل من شأنها.
2-3- بيئة غير صحية وضعف الرعاية المخصصة للنساء
بيئة المخيم بيئة غير صحية للحياة لفترات طويلة، لاسيما الخيم القماشية التي لا تقي من الحرّ ولا البرد، ومع قلة المياه المستخدمة للتنظيف والشرب، وضعف إمكانية الحصول على غذاء صحي متوازن، وإمكانية انتشار الأمراض والعدوى بشكل جماعي وسريع[33].
لا يمكن تخيل حجم القذارة في المرافق المشتركة، نتيجة للأعداد الكبيرة من المستخدمين ولوجود الأطفال، ففي الكثير من الأحيان ينتشر” الغائط” على كامل أرضية الكتلة الصحية ويغطيها، لا يوجد سلال خاصة بفوط الأطفال، في حالات كثير يتوقف المرحاض عن العمل، ورغم أن إدارة المخيم قد وظفت سيدتين لتنظيف هذه الكتل إلا أنهما تركتا العمل رغم الحاجة، فالوضع لا يُحتمل. أما حال كبائن الاستحمام المشتركة فليست أفضل، فمكان الاستحمام في نفس المرحاض، حيث زودت بعض المراحيض بمرشات علوية، وإلى جانب ذلك فجدران هذه الكبائن مليئة بالبقع والعفن والحشرات الغريبة، لا يوجد فيها مكان نظيف لتعليق الملابس. مقيمة في إحدى المخيمات النظامية |
وإلى جانب هذا تظل هذه الحمامات المشتركة متسخة بشكل كبير؛ فالأعداد الكبيرة التي تستخدمها ووجود نسبة كبيرة من الأطفال يجعل إمكانية المحافظة على نظافتها أمراً شبه مستحيل، خاصة مع شح المياه؛ إلا أن بعض المخيمات النظامية قد وظّفت بعض الأشخاص للقيام بعمليات تنظيف دوري لهذه المراحيض، لكنها ما تزال غير كافية لاسيما في فصل الشتاء.
وبالعودة إلى واقع المخيمات التي أقيم 67% منها على أراضٍ زراعية، وإلى حياة النساء اللواتي هنّ أكثر فئة على تماسّ مع عناصر البيئة المحيطة خلال قيامهن بالتنظيف أو تحضير الطعام أو الرعاية بالأولاد؛ تصبح هذه الشريحة أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، لاسيما إذا تزامن هذا مع حالات سوء التغذية وقلة الرعاية الصحية.
ومع وجود المرافق الخدمية المشتركة كالمراحيض وكبائن الاستحمام، واتجاه بعض سكان المخيم والأطفال إلى قضاء حاجاتهم في العراء، ووجود الجور الصحية التي يتم تجميع المخلفات البشرية فيها والتي يمكن أن تسبب تلوث المياه الجوفية وقد تؤدي إلى تلوث مياه الآبار التي تعتمد عليها بعض المخيمات؛ فإن موضوع انتشار العدوى والأمراض يصبح أمراً شائعاً جداً، ومن السهل أن يتحول إلى عدوى تصيب أكثر سكان المخيم[34].
أقيم في مخيم نظامي، قامت فيه الكثير من العائلات ببناء جدران من البلوك مكان الخيمة القماشية على نفقتها الخاصة، جعلوا فيها مرحاضاً خاصاً يجمع المخلفات في جورة فنية قريبة، ورغم أن هذا الحل كان مناسباً لهذه العائلات للحفاظ على خصوصيتهم إلا أنه خلق مشكلة جديدة؛ فهذه الجور الفنية العميقة غالباً ما تُبنى بطريقة عشوائية ولا تراعي معايير السلامة، وقد أصبحت مصدر تهديد للأطفال، حيث تتكرر كل أسبوع حوادث سقوط الأطفال فيها ووفاتهم، عدا عن الروائح الكريهة التي تنبعث بين الخيم، وعن خروج المخلفات من الحفرة عندما تمتلئ ويتأخر أصحابها عن تفريغها أو عندما تحدث هطولات مطرية غزيرة. مقيمة في أحد المخيمات في منطقة درع الفرات |
كما أن انتشار الحشرات والبعوض والقوارض والعقارب والأفاعي في هذه البيئة يمكن أن يهدد سكانها، خاصة عند خروجهم مساءً إلى المراحيض دون وجود إنارة كافية، حيث إن آثار بعض اللدغات السامة يمكن أن تستمر لقرابة شهر، ويمكن أن يكون لها أثر سمّيّ مميت[35].
وتشير استبانة قام بها منسقو الاستجابة إلى أن الوضع في غالبية المخيمات متقارب من حيث العناية بالنظافة العامة وخدمات الإصحاح؛ فقد أشارت نتائج الاستبانة إلى أن 85% من المستجيبين اعتبروا أن واقع النظافة غير مقبول، فيما اعتبر 77% أن واقع المياه وخدمات الصرف الصحي غير مقبول، ولم يحصل 59% أبداً على سلال نظافة، فيما 20% لم يحصلوا عليها منذ مدة طويلة، ويرى 74% أن دورات المياه غير كافية، كذلك يرى 77% أن المنظمات مقصِّرة في موضوع خدمات النظافة[36].
تغيب سلال الكرامة – وهي سلال مخصصة لاحتياجات النساء الشخصية – عن معظم المخيمات، ونادراً ما يتم توزيعها، ولذلك تلجأ العديد من النساء إلى الخرق القماشية والبدائل المتاحة رغم كونها غير صحية. متطوعة في إحدى الفرق التطوعية التي تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
ومن جهة أخرى ترتفع معدلات الإنجاب في المخيمات رغم سوء الأوضاع المعيشية؛ إذ يوضح تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ومجموعة الأمن الغذائي في كانون الأول ٢٠٢٠ الحالة الإنسانية لشمال غرب سوريا: أن 42٪ من الأسر تضم على الأقل امرأة حاملاً ومرضعاً، و17 ٪ من الأسر لديها أطفال تقل أعمارهم عن ستة أشهر، و30 ٪ لديهم أطفال تتراوح أعمارهم بين سنة و٢٣ شهراً[37]، فيما يبلغ معدل الولادات سنويا 21.19 ولادة لكل ألف نسمة في الشمال السوري[38].
وتؤثر حالات الحمل المتكرر المتقارب في صحة النساء، لاسيما مع عدم توفر أية رعاية طبية أو نسائية؛ حيث إن 95% من المخيمات ليس فيها نقطة طبية وفقاً لتقرير هيئة تنسيق الدعم، وتضطر النساء إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب نقطة طبية أو قابلة نسائية، والانتظار لساعات في طابور طويل، لاسيما وأن هذه النقاط تخدم أعداداً كبيرة من المستفيدات بإمكانيات متواضعة.
أول ما يمكن أن تلاحظه في المخيمات وخاصة العشوائية هو ارتفاع معدلات الحوامل، وقد التقيت أمهات لم يتجاوزن الثامنة عشر عاماً ولديهن 4-5 أطفال، جميعهم في عمر الطفولة المبكرة، حيث تعاني بعض الأمهات وأطفالهن من سوء التغذية ومن فقر الدم، مع عدم القدرة على الإرضاع أو تأمين الحليب للرضع، أو حتى معالجة الأطفال المرضى. مسؤولة في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
وتنشط القابلات في العمل ضمن المخيمات، حيث افتتح بعضهن خيمة لمعاينة الحوامل ضمن المخيم؛ إلا أن هذه القابلات لا يستطعن متابعة الحالات الصعبة، والتي يتم تحويل الكثير منها إلى المشافي عند تعسُّر الولادة، ونتيجة لهذه الرعاية الطبية المتدنية ارتفعت معدلات الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال حديثي الولادة[39].
الشكل 10: لمحة عن الوضع الصحي في المخيمات وفقاً لبيانات وحدة تنسيق الدعم
الحصول على المياه النظيفة للشرب أو المياه المستخدمة للطبخ والتنظيف أمرٌ ليس سهلاً، يحتاج وسطياً عدة ساعات من الوقوف في الطابور نتيجة الازدحام، وقد تضطر بعض العائلات لشراء المياه على حسابها الشخصي. مقيمة في أحد المخيمات النظامية |
وقد أشار وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية الأممي في إحاطة قدمها لمجلس الأمن آخر عام 2020 إلى أن أكثر من واحد من كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة في شمال غربي سوريا يعانون من التقزم، وأن نسبة التقزم ارتفعت 5% في العام الأخير لتصل إلى 34% من أطفال الشمال الغربي من سوريا – ذكوراً وإناثاً – بحالات التقزم بسبب سوء التغذية، بينما تعاني 37% من الأمهات في مناطق النزوح من سوء التغذية[40].
2-4- انتشار المظاهر غير الأخلاقية
المشاكل الأخلاقية من الظواهر التي بدأت تظهر وتتزايد بوضوح في بعض المخيمات النظامية والعشوائية، سواءٌ في مناطق إدلب وريف حلب أو المناطق الواقعة تحت الإشراف التركي، رغم محاولات الإنكار والتجاهل من قبل بعض المشرفين على المخيم والادعاء بعدم وجود مثل هذه الظواهر؛ إلا أن وضع بعض المخيمات أفضل من بعضها الآخر، وهذا يعود لإدارة المخيم وقدرتها على ضبط الوضع من جهة وطبيعة سكانه من جهة أخرى.
ويمكن تقسيم هذه الظواهر عدة أقسام:
- حالات التحرش بالنساء: تغيب الإحصائيات عن تقييم نسبة انتشار حالات التحرش في المخيمات، وقد ينكر البعض حدوث حالات تحرش بالنساء، خاصة في المخيمات الصغيرة التي تتألف من مجموعة عائلات تعرف بعضها[41]؛ إلا أن هذا لا يعني عدم وجودها، إذ غالباً ما تكون هذه الحوادث من المسكوت عنها التي لا تجرؤ النساء على التصريح بها.
تكررت في المخيم حالات الطلاق نتيجة بعض حوادث التحرش التي تطورت إلى علاقات غير شرعية، وكان ضحيتها بعض النساء وخاصة من القاصرات، حيث كان من السهل خداعهن بالهدايا والكلام المعسول، واستغلال فترة غياب أزواجهن الطويلة في العمل. مقيمة في أحد المخيمات النظامية |
وتتنوع أشكال التحرش بالنساء بين التحرش البصري، والتحرش اللفظي، والتحرش الجسدي والجنسي في بعض الأحيان؛ حيث إن التحرش الجسدي غالباً ما يحدث في الليل وقرب الحمامات المشتركة، خاصة تلك التي تغيب فيها الإنارة، حيث يسهم الظلام في عدم معرفة هوية المتحرش وصعوبة محاسبته[42].
ومن جهة أخرى قد لا تتعرض المرأة في المخيم إلى تحرش بشكل مباشر، ولكنها قد تشهد بعض المناظر المحرجة أو غير المناسبة أو غير الأخلاقية في بعض الزوايا وخلف الخيم، وقد تكون هذه المناظر ذات آثار نفسية أكبر على النساء، خاصة في عمر المراهقة[43].
تكررت حالات دخول المراهقين أو الشباب إلى بعض الخيام القماشية ومحاولتهم التحرش بالأطفال الصغار، أو استدراجهم للخارج خلال فترة انشغال الأم في الطبخ أو الغسيل، وقد يكون المتحرش من معارف هذه العائلة وليس غريباً عنها. متطوعة تقوم بجولات ميدانية دورية على المخيمات |
– حالات التحرش بالأطفال: تنتشر حالات التحرش بالأطفال، خاصة في أعمار صغيرة، ويغلب عليها التحرش الجنسي؛ ويعود ذلك إلى قلة وعي الأهالي بهذه المواضيع[44]، وعدم توعيتهم لأطفالهم، وعدم القدرة على المتابعة أو ضبط الأطفال خارج الخيمة. وقد بدأ يُلاحظ انتشار بعض الممارسات اللا أخلاقية بين الأطفال – فيما بين الذكور مع بعضهم وبين الإناث مع بعضهنّ، أو بين الذكور والإناث – في بعض المخيمات، والتي قد تكون إحدى آثار تعرضهن لتحرش في فترة سابقة[45].
- انتشار المخدرات: تنتشر حالات تعاطي المخدرات -خاصة الحبوب- في بعض المخيمات[46]، ويقع ضحيتها رجال ونساء[47] من مختلف الأعمار؛ إذ يجد المتعاطون فيها فسحة للهروب من الواقع السيئ الذي يعيشونه ولنسيان ما تعرضوا له، إلا أن العديد من هؤلاء المتعاطين يتحولون لاحقاً إلى مروّجين وبائعين من أجل تأمين ثمن المخدرات[48].
قدمت الأسبوع الماضي جلسة توعية لعدد من المراهقات تتراوح أعمارهن بين 12-18 سنة، يتعاطين المخدرات والحبوب في أحد المخيمات النظامية في مناطق الإشراف التركي، حيث تجد هذه اليافعات في هذه الحبوب فرصة للهروب من الواقع، أخبرتني إحداهن وهي لم تتجاوز الـ17 من عمرها أن هذه الحبوب تساعدها على نسيان تجربة زواجها الفاشلة وحادثة استشهاد أخيها وحياتها الصعبة التي تعيشها حالياً. متطوعة تقوم بجولات ميدانية دورية على المخيمات |
ومما يساعد على انتشار هذه الظاهرة في المخيمات بشكل خاص حالة الفراغ واليأس التي يعيشها الناس في المخيمات، إضافة إلى غياب الرقابة والفوضى الأمنية، وانتشار الصيدليات غير المرخصة التي تبيع بعض أنواع الأدوية التي تنافس المخدرات في تأثيرها.
ويبدو التبرير حاضراً عند غالبية المتعاطيات من النساء؛ فعلى الرغم من أنهن يدركن خطورة تعاطي المخدرات إلا أنهن يعتبرنه مقبولاً، بل هو نتيجة طبيعة للحياة ضمن المخيم، وأنه الوسيلة الوحيدة للتخفيف من الضغط النفسي وللهروب من الواقع[49].
2-5- العمالة الرخيصة أو الخطرة
في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها سكان المخيمات، ومع ارتفاع معدلات البطالة في الشمال السوري وقلة فرص العمل تُدفع الكثير من النساء نتيجة الحاجة إلى بعض الأعمال الموسمية المؤقتة، كقطاف الزيتون أو بعض المحاصيل الزراعية[50]؛ حيث يرغب ربّ العمل غالباً باستخدام مجموعات من النساء في هذه الأعمال لتدني أجورهن، ولأن هؤلاء النسوة يرفضن أن يعملن في مجموعة تضمّ رجالاً.
تتراوح أجرة المرأة اليومية في الأعمال الزراعية بين 10 -20 ليرة تركية، أي ما يقارب 1-2.5 دولار يومياً، وتذهب النساء في مجموعات تضم العديد من المراهقات والأمهات اللواتي يضطررن لترك أولادهن في المخيم وحدهن قرابة 10 ساعات يومياً، منذ ساعات الصباح الباكر وحتى غياب الشمس. متطوعة تقوم بجولات ميدانية دورية على المخيمات |
ومع العمل في جني المحاصيل الزراعية بشكل موسمي تعمل بعض النساء والأطفال في جمع القمامة؛ حيث يتم التوجه إلى مكبات القمامة بهدف البحث عن نفايات تصلح للتدفئة، أو للبيع، أو البحث طعام، أو ملابس، وقد يصل ما يجنيه الفرد من هذه الأعمال يومياً إلى 30 ليرة تركية[51].
وإلى جانب خطورة هذا العمل وقذارته تتسبب هذه البيئة بالكثير من الأمراض الجلدية والليشمانيا والإسهال، بالإضافة إلى التعرض إلى لدغات البعوض أو القوارض، أو إلى الجروح نتيجة وجود آلات حادة ومعادن ذات حواف قاطعة وأدوات طبية متعددة كمشارط وإبر، أو تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت؛ فقد تكررت حالات وفاة الأطفال من الذكور والإناث خلال عملهم في مكبات القمامة نتيجة انزلاقهم أو سقوط تلال القمامة عليهم، لاسيما وأن العديد من الأطفال الذين يعملون في هذه المكبات هم بأعمار صغيرة[52].
هناك مكب قمامة قرب أحد المخيمات العشوائية في منطقة إدلب يقصده الأطفال من كافة الأعمار ذكوراً وإناثاً دون أي رقيب، هذا المكب لا يمكن الاقتراب منه بسبب رائحته الكريهة أولاً، وبسبب سوء أخلاق الأطفال الذين يرتادونه، حيث يمكن أن يهاجموا أياً من المارة إن كان يحمل في يده ربطة خبز، كما يمكنهم أن يؤذوا بعضهم أو غيرهم فهم يحملون السكاكين والعصي، وفي هذا المكب يحدث كل ما يمكن أن تتخيله. مسؤولة في إحدى المنظمات تقوم بجولات ميدانية دورية على المخيمات |
ثالثاً: أنماط التدخلات الإنسانية في المخيمات وجوانب التقصير
تعمل غالبية المنظمات في مجالات الأمن الغذائي والإيواء والصحة والمياه والإصحاح[53] والتعليم والحماية، في ظل احتياجات متزايدة وتراجع دوري في حجم الدعم المقدم لدعم هذه القطاعات وظروف طارئة واستثنائية، كتجدد موجات النزوح وجائحة كورونا والتمديد لدخول المساعدات عبر الحدود وفقاً لقرار مجلس الأمن.
ومن الملاحظ تراجُعُ حجم التدخلات الإنسانية التي تركز عليها المنظمات كمّاً ونوعاً في قطاعات الاستجابة التي تعمل بها، وهو ما يعود إلى تراجع حجم الدعم الخارجي سنوياً الذي تشرف على معظمه مكاتب الأمم المتحدة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة العجز في تغطية الخدمات المطلوبة للقطاعات؛ حيث يُظهر القطاع الصحي نسبة العجز الأعلى خلال العام الماضي بمعدل يتراوح بين 78% – 83%، يليه قطاع المياه والإصحاح (الصرف الصحي) بنسبة عجز تتراوح بين69% – 79%، فيما يُظهر قطاع الحماية نسبة عجز تتراوح بين 61% – 77%، وقطاع الأمن الغذائي بنسبة عجز تتراوح بين 52% – 59% (الشكل 11).
الشكل 11: نسبة العجز في الاستجابة الإنسانية وفقاً للقطاعات (بيانات فريق “منسقو الاستجابة العاجلة”)[54]
وعلى الرغم من تراجع الدعم المقدم إلا أن من الملاحظ وجود حالة من قلة الاهتمام تقع بها المنظمات الإنسانية تجاه أي احتياجات أخرى خارج هذه القطاعات الخمسة، أو أي ظواهر مجتمعية سلبية بدأت تظهر ويُفترض أن تتفاعل معها هذه المنظمات على اعتبارها الجهة الأكثر احتكاكاً بالواقع، من أجل تطوير أنماط الاستجابة التي تقدمها وابتكار مشاريع تخفف من الآثار السلبية للنزوح أو التهجير والتركيز على النساء والفئات الهشّة، لاسيما مع قدرة بعض المنظمات على الوصول إلى جهات أخرى قادرة على التمويل كبعض المنظمات العربية.
فانطلاقاً من تحديات إدارة الملف الإنساني في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، ولأن المنظمات الإنسانية هي الفاعل الرئيس والوحيد العامل في المخيمات حالياً، ولأنها تتحمل مسؤولية تطوير استجابتها الإنسانية والتفاعل مع بعض الآثار السلبية التي كانت النساء أبرز ضحاياها؛ فكان لابد من الإشارة إلى جوانب من التقصير وقعت بها المنظمات المحلية، ومساحات عمل مفقودة لم تستثمرها هذه المنظمات بشكل جيد انعكست آثارها بشكل واضح على النساء، ومنها :
3-1- سوء إدارة ملف الإصحاح
تشير البيانات والأرقام الواردة في الإحصائيات التي تمت الإشارة إليها مسبقاً إلى أن ما نُفذ حتى الآن في قطاع المياه والإصحاح على وجه الخصوص لا يتوافق مع المعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية التي حددتها الأمم المتحدة، ولا حتى مع المعايير الخاصة بالنساء والفتيات التي تَفترض أن تكون المرافق المخصصة للنساء 3 أضعاف تلك المخصصة للرجال؛ حيث إن ما تم إنجازه في بداية الاستجابة وإنشاء المخيمات – حيث كان يمكن تلمُّس الأعذار لمن أنشأها تحت ضغط طوارئ القصف والتهجير – لم يطرأ عليه أي تغيير أو تعديل رغم تزايد عدد السكان وزيادة موجات النزوح ورغم مضي عدد من السنوات على إنشائها، فكان من المفترض أن يتم الضغط استناداً إلى التقارير المرفوعة من أجل زيادة الدعم المقدم لهذا القطاع لِـمَا له من تأثير في قطاعات أخرى كالصحة والمأوى.
ويؤكد واقع المخيمات في العديد من المناطق أن تجربة المرافق الخدمية المشتركة لم تعد مجدية، ولا تتوافق مع أي من المعايير الصحية أو البيئية أو المعايير التي تحافظ على كرامة المستفيد، وقد خلقت العديد من الإشكاليات الإضافية التي تؤثر في كل الشرائح، لاسيما الشرائح الأكثر هشاشة كالنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن أن استمرار هذه المشكلة هو تجاهل صريح لما نص عليه “ميثاق اسفير” بضرورة إشراك المجتمع المحلي في تطوير عملية الإمداد والإصحاح بهدف الارتقاء بالصحة العامة والنهوض بالنظافة، والتحقق من المؤشرات الأساسية التي تساعد في تحديد الحد الأدنى للاحتياجات وتطويرها، ولاسيما تلك الخاصة بالنساء[55].
ومن الغريب أن بعض الجهات الإنسانية قد استطاعت استجلاب دعم لحل بعض المشاكل في المخيمات؛ إلا أن هذا الحل جاء بشكل ترقيعي ولا يراعي مصلحة المستفيد وأولوياته[56].
|
3-2- الفساد والإهمال واستغلال النساء
تُوجَّه اتهامات لبعض العاملين في الشأن الإنساني في المنظمات -خاصة من الكوادر التنفيذية- بالفساد؛ إذ لا يتم توزيع المساعدات بشكل عادل، وقد يقوم بعض العاملين أو الإداريين المشرفين على المخيم باستغلال مناصبهم لتحقيق منافع شخصية[57]، كاستغلال العائلات التي تتم إعالتها من قبل النساء أو عائلات الأرامل[58]، أو إيثار بعض الأقارب والمعارف بحصص أكبر من المساعدات[59].
تعرضت إحدى الأرامل التي أتابع حالتها إلى استغلال سابق من قبل أحد القائمين على إدارة المخيم الذي تعيش فيه (وهو مخيم غير مخصص للأرامل) وتورطت في سلوكيات غير أخلاقية، وعندما ظهرت المشكلة تدخلت إدارة المخيم التي تربطها مع الطرف الذي استغلها، فتم تحميلها المسؤولية كاملة وتبرئة المستغل، وتهديد الشهود الذين شهدوا لصالحها، ثم تم طردها من المخيم ومنعها من دخوله وإبعادها عن أطفالها الصغار الذين تُركوا وحدهم في الخيمة دون وجود من يرعاهم. مديرة حالة تعمل مع إحدى المنظمات الإنسانية |
وتشير بعض المقابلات إلى أن ثمّة شريحة من النساء ضمن المخيمات يمتلكن مؤهلات تساعدهن على تحسين وضعهن ووضع عائلاتهن في حال تلقين دعماً بسيطاً أو تم تأهيلهن أو استهدافهن بمشاريع تمكين تستثمر خبراتهن السابقة؛ إلا أنه لم تُلاحظ جهود واضحة لاكتشاف هذه الطاقات الكامنة، فعمليات تقييم الاحتياج الدورية التي تقوم بها المنظمات تدور حول إحصاء عدد الأفراد ولوازمهم العاجلة، ولم يتوفر الاهتمام على النحو المطلوب بمعرفة الخبرات والمواهب التي يتمتع بها سكان هذه المخيمات ودعمها واستثمارها للخروج بهذه الشريحة من دائرة الاحتياج[60].
تأتي العديد من المنظمات لتقييم الاحتياجات في المخيم، ويسألون دوماً نفس الأسئلة ويجمعون نفس المعلومات، لم يهتم أحد بأن يعرف أن جارتي في المخيم مهندسة تملك خبرة سابقة لكنها لا تجد عملاً، وجارتي الأخرى خياطة ماهرة تحتاج ثمن آلة خياطة لتحسن واقع حياتها، والأخرى مصففة شعر ينقصها بعض الأدوات لتمارس عملها. مقيمة في أحد مخيمات درع الفرات |
3-3- غياب أدوار المنظمات النسائية والنسوية الداعمة
قد تكون المنظمات الإنسانية مُستنزَفة ضمن قطاعات العمل الإنساني؛ إلا أنها خصصت جزءاً من استجابتها في قطاع الحماية لحملات توعية تستهدف النساء في المخيمات حول مخلفات الحرب[61]، ومواضيع التثقيف الصحي، ومواجهة الوباء، والتوعية تجاه التسرب المدرسي، والتوعية بالمهارات الوالدية، بالإضافة إلى بعض أنشطة الدعم النفسي الموجهة للأطفال والنساء.
هناك بعض التصورات المغلوطة عند البعض، بأن سكان المخيمات العشوائية هم من فئات اعتادت حياة التشرد من قبل، إلا أنني اكتشف خلال زياراتي المتكرر للعديد من هذه المخيمات أن العديد من هذه العائلات كانت تعيش في مدن وقرى متحضرة وبمستوى حياة جيد، حيث تتفاخر هذه النسوة بصور منازلهن السابقة وأثاثها الفاخر، والأدوات الكهربائية المتنوعة التي كانت بحوزتهم، وهم يتحدثون بالكثير من الحسرة أنهم تركوا تلك الحياة وهربوا بحثاً عن الأمان وخوفاً من الاعتقال، وأنهم مستعدون لتحمل هذه المشاق حرصاً على سلامة العائلة. متطوعة مع عدد من المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
إلا أن واقع المخيمات تغيب عنه أنشطة المنظمات الأخرى، لاسيما المنظمات النسائية أو النسوية[62] أو المعنية بتمكين المرأة؛ فقد كان من المتوقع أن تُولي هذه المنظمات الأولوية لشريحة النساء في المخيمات، وهي الشريحة الأكثر احتياجاً والأكثر هشاشة من بين الشرائح التي تستهدفها، لاسيما وأن واقع النساء وتمكينهن وتحسين ظروف حياتهن يشغل حيزاً من اهتمام الجهات الغربية الداعمة، إلا أن هذا الاهتمام لم يُستثمر عبر دراسات وتقارير تلفت الانتباه إلى واقع هذه الشريحة واحتياجاتها خارج نطاق الاستحابة العاجلة؛ بل على العكس ركزت معظم دراساتها وتقاريرها -وحتى مشاريعها- على مواضيع تتناسب مع المزاج الدولي الداعم[63].
أصنف نفسي كـ “نسوية”، وأحضر وأتابع وألتقي الكثير من القيادات النسوية ذات النفوذ خلال الاجتماعات، إلا أنني لم أشهد من أي منهن اهتماماً بزيارة أحد المخيمات أو الحديث مع النساء فيها، بل لم يكلفن أنفسهن العناء خلال مداخلاتهن وحديثهن في مجلس الأمن أو مع سفراء الدول الأجنبية بالمطالبة بحقوق هذه الشريحة، أو محاولة استجلاب دعم لمشاريع تساعدهن على تحسين أوضاعهن، كل اهتمامهن منصبّ على مواضيع المشاركة السياسية ولو كان ذلك على أنقاض ملايين النساء المظلومات. متطوعة مع عدد من المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
وبالنظر إلى اهتمامات المنظمات النسائية أو النسوية يُلاحظ أن أنماط مشاريعها تتراوح بين مواضيع التوعية السياسية والتمكين السياسي والتمكين الاقتصادي وأنشطة ودورات تنمية المهارات وبعض الدورات التعليمية أو الدينية؛ إلا أن الشريحة المستهدفة في غالبية هذه التدريبات هي الشريحة الأفضل حالاً والأكثر تمكيناً والتي تقيم خارج المخيمات، حتى لَتبدو المشاريع المقدمة وكأنها قائمة في بيئات مستقرة ومجتمعات راسخة حلت مشاكل النساء واحتياجاتهن الأساسية، ثم انتقلت إلى مساعدتهن في تأمين احتياجاتهن الأخرى في التمكين السياسي أو إثبات الذات.
كما يرى البعض أن أياً من هذه المنظمات المعنية بالنساء -خاصة النسوية منها- لم تتوجه نحو الشرائح الأكثر ضعفاً، ولم تستهدفها بأي من المشاريع التي تلبي احتياجاتها، ولم تفكر في تحسين واقعها وظروفها إلى ظروف أكثر إنسانية؛ مع أنها تمتلك هوامش أوسع للحركة، وتقوم عليها سيدات لهن صلات جيدة بالجهات الأوروبية المانحة أو حتى العربية، بل ربما رأت هذه المنظمات أن ما حصلت عليه النساء في تلك المخيمات من سلال غذائية وخيمة قماشية هو غاية ما يحتجن إليه.
يتذمر القائمون على المنظمات سواء الإنسانية أو النسوية عند الحديث عن واقع النساء في المخيمات، حيث إن الحجة دائماً ما تكون جاهزة، وهي أن الداعم ليس مهتماً بدعم مثل هذه الأنشطة، وحتى في مشاريع التمكين الاقتصادي المخصصة للنساء تقوم بعض المنظمات في بعض الأحيان بحذف بعض ملاحظات فريق الرقابة والتقييم على التقارير اليومية، لأنها تريد أن تظهر للداعم مدى نجاح هذه المشاريع من أجل ضمان استمرار الدعم، ولو كانت هذه المشاريع متعثرة، ولا تعطي الأثر المتوقع منها. متطوعة مع عدد من المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من انتشار النشاط الدعوي وكثرة المعاهد والمراكز الشرعية في مناطق الشمال السوري إلا أن هذه الأنشطة لم تركز على مناطق المخيمات على النحو المطلوب، حيث كانت هناك بعض المحاولات المتواضعة التي تستند إلى جهود تطوعية في بعض المخيمات النظامية[64]، فيما لم تلاحظ أي جهود ذات صلة في المخيمات العشوائية، وقد كان بالإمكان عبر الأنشطة الدينية والدعوية التأثير بشكل واضح في هذه البيئة، والتصدي للعديد من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة نظراً للخلفيات الثقافية والاجتماعية والدينية لقاطنيها.
3-4- ضعف استثمار الاهتمام بقضايا النساء والتماهي مع سياسات الداعمين:
عند الحديث عن واقع المخيمات واحتياجاتها يُوجَّه الحديث في معظم الأحيان إلى تناقص الدعم الموجه من قبل الجهات المانحة وتوجهاته التي تخدم سياسات خاصة بها، وهو أمر صحيح بالمجمل؛ إلا أنه ما زالت هناك هوامش للتحرك تقوم بها المنظمات لم يتم استثمارها على النحو الأمثل.
فقد استطاعت المنظمات في وقت سابق وعبر حملات مناصرة داخلية التأثير في توجهات الداعمين، والدفع باتجاه تقديم مشاريع قائمة على تقييم احتياجات حقيقي يتم تحديثه بشكل دوري على أرض الواقع، وفرض نفسها كلاعب موثر في المجال الإنساني وحتى السياسي[65].
ورغم كل السياسات الخارجية التي كانت تفرض قيوداً على تمويل مشاريع إيواء تراعي احتياجات السكان وكرامتهم بحجة أن هذه المخيمات ماهي إلا حل مؤقت، وأنه يجب عدم تشجيع الناس على الاستقرار خارج بيوتهم ومناطقهم[66]؛ فقد استطاعت بعض المنظمات الحصول على تمويل بناء عدد من القرى السكنية في وقت مبكر تحفظ كرامة السكان بالحد الأدنى.
هناك حالة استسلام واضحة لسياسات الداعم ورغباته عند العديد من المنظمات، والاكتفاء بما تقدمه، بل على العكس قد تتنازل بعض المنظمات في الشروط والجودة وبعض أساسيات المشروع من أجل المحافظة على رضا الداعم واستمرار الدعم. لم تبذل المنظمات الجهد المطلوب لتحسين واقع المخيمات، ولم تفكر بحلول مستقبلية تعالج هذا الواقع عندما يتوقف الدعم مستقبلاً، بل اكتفت غالبيتها بالتنفيذ دون البحث في حلول أكثر استدامة. مسؤولة في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
إلا أن هذه المنظمات لم تنشط بما يكفي للعب على هوامش اهتمام الداعمين الغربيين وقضايا المرأة، ولم يتم إبراز النساء في المخيمات كشريحة هشّة تحتاج إلى تمكين ودعم وتحسين ظروف الحياة، ولم يتم توجيه اهتمام الداعمين العرب إلى قضايا تمسّ المرأة العربية والمسلمة وتخترق خصوصيتها وتؤثر في أخلاقها وأخلاق أولادها، وتشجيعهم على تمويل بعض المشاريع الموجهة التي كان بإمكانها تخفيف الآثار السلبية عنها؛ لاسيما وأن هذه المواضيع تشكل اهتماماً كبيراً في المجتمعات العربية والمسلمة، ويمكن أن يتفاعل معها الكثير من المتبرعين من منطلق ديني وأخلاقي.
2-6- المساهمة في تغيير القيم والتصورات الاجتماعية
أسهم نمط الاستجابة الإنسانية المستمرة في الشمال السوري بتعزيز شكل جديد من القيم والتصورات الاجتماعية عند شريحة معتبرة من سكان مناطق قوى الثورة والمعارضة؛ فالعديد من المقابلات التي تم إجراؤها تشير إلى حالة من التغير في التصورات الذهنية عند القاطنين في المخيمات عموماً والنساء خصوصاً، حيث بدأت هذه الشريحة الاعتياد على نمط الحياة السيئ الذي يفتقد أدنى درجات الإنسانية، حتى فقدت هذه الشريحة قدرتها في بعض الأحيان على إدراك مدى سوء الواقع أو رغبتها في تصحيحه أو تحسينه، مع اتكالية واضحة على الآخرين[67].
هناك تغير واضح في نمط التفكير والسلوك عند النساء في مخيمنا؛ هناك شريحة من النساء بدأت تجنح نحو العنف في تصرفاتها، سواء مع عائلتها أو مع مجتمعها المحيط، بدأت ألحظ انتشار الفساد الأخلاقي وحالة من التهاون في بعض الضوابط والأعراف التي كانت سائدة في المجتمع، وخلال نقاشنا مع هذه النسوة دائماً ما تكون الحجة جاهزة بأننا نعيش في مخيم، لو كنا في بيوتنا وفي ظروف أكثر إنسانية لما حدث هذا. متطوعة تقيم في مخيم نظامي وتدير مركزاً لتحفيظ القرآن يستهدف الأطفال والنساء |
وتبدو هذه الظاهرة أوضح عند النساء اللواتي استسلمت شريحة كبيرة منهن للواقع الذي يعشنه دون إبداء أية مقاومة أو محاولة للتغيير أو استغلال لبعض الفرص، بل على العكس تمسكت شريحة من النساء – خاصة شريحة الأرامل – بالواقع السيئ، ورفضت العديد منهن التفاعل مع أي فرصة أو مشروع يساعدها على النهوض خوفاً من خسارة الدعم الذي تتلقاه[68].
وهذا يشير إلى تغيرات فكرية في التصورات الذهنية الاجتماعية التي حلت فيها بعض القيم الدخيلة على المجتمع السوري محل القيم الراسخة، وأصبح العوز والبطالة والفقر والاتكال على الآخرين أمراً مقبولاً بدل السعي والعمل ومحاولة التغيير؛ فمن الممكن جداً لهذه التصورات الذهنية الناشئة أن تتحول إلى تصورات دائمة وراسخة تعيد تشكيل منظومة الوعي المجتمعي، وتحول المجتمع الذي كان منتجاً في وقت سابق إلى مجتمع متواكل عاجز يعتقد أن مسؤولية القيام باحتياجاته يتحملها غيره، ويقبل أن يعيش في ظروف قاسية غير لائقة مقابل حصوله على المساعدة المجانية[69].
بدأنا نلاحظ من خلال الحالات التي نتابعها جنوح بعض النساء في المخيمات نحو ممارسات عنيفة لاسيما تجاه الأطفال حيث تابعت بعض الحالات التي تعرض فيها بعض الأطفال إلى إصابات متوسطة أو شديدة – تسببت بها بعض النساء (أم أو زوجة أب) – واستدعت تدخلاً طبياً فورياً، أدى بعضها إلى أذى جسدي دائم لا يمكن علاجه. مديرة حالة تعمل مع إحدى المنظمات الإنسانية |
ومن الواضح أن نمط التدخل الإنساني الحالي بدأ يشجع بعض العائلات غير المحتاجة أو الأفضل وضعاً على الانتقال للمخيمات – بشكل دائم أو متقطع – رغم قدرتهم على الحياة خارجها، وأن هذه المنظمات تفتقد للآلية التي تضبط فيها النازحين أو تضبط عملية توزيع المساعدات للمستحقين[70] (الشكل 12). ويشكل العمل ضمن المخيمات فرصة لاستمرارية الحصول على الدعم الخارجي الإنساني، وبالتالي قد تتهاون بعض المنظمات في إدراك الآثار الناتجة عن الاستمرار في شكل الاستجابة الإنسانية ذاته، طالما أن هذه الاستجابة ستؤمّن لها استمرارية الدعم والعمل في ظل التراجع والشحّ في الموارد. | |
الشكل 12: أسباب انتقال بعض العائلات إلى المخيمات |
رابعاً: انعكاسات المشاكل الحالية في المخيمات على المرأة والمجتمع
قد تبدو المشاكل التي استعرضتها الورقة للبعض مشاكل ثانوية ليست بذات أهمية وأولوية في ظل أوضاع سياسية وميدانية متقلبة، ففي الوقت الذي تعيش فيه 90% من الأسر في سوريا تحت خط الفقر[71] قد يكون فيها الحفاظ على حياة الناس هو الهدف المنشود، ولو بأدنى من أدنى المعايير الإنسانية المتعارف عليها.
إلا أن الاستمرار في نمط الاستجابة الحالي وتجاهل المشاكل الاجتماعية التي باتت أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم من شأنه إحداث تغيرات اجتماعية سلبية ستوثر في المجتمع عموماً وفي الشرائح الهشّة والنساء خصوصاً، وقد تكون جزءاً من المشهد العام ومن المشاكل التي تشهدها مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة كارتدادات وآثار للأحداث التي شهدتها خلال السنوات العشر الماضية، وتبدو هذه المشاكل وهذه التغييرات أوضح عند سكان المخيمات منها بين سكان القرى والبلدات؛ حيث إن واقع الحياة التي تعيشها النساء في المخيمات يشير إلى عدة مشاكل ستبدو أكثر وضوحاً في المستقبل[72]، وهي:
4-1-ارتفاع معدلات الفقر والضعف واستغلال النساء
تعيش النساء في بعض المخيمات حالة عزلة حقيقية عن العالم، حيث إن واقعها الصعب ومسؤولياتها الكثيرة تجعلها غائبة عن أي نشاط اجتماعي، وهنا قد نشاهد العديد من النساء اللواتي يتفاعلن معنا بشكل كبير خلال جلسات التوعية التي نقوم بها في المخيمات، بل قد ينظر بعضهن إلينا وكأننا نساء خارقات مختلفات عنهن. متطوعة مع بعض المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
يساعد نمط الحياة في المخيمات القائم على تأمين المساعدات على تشجيع حياة الكسل والتراخي، لاسيما وأن أغلب سكان المخيمات من شريحة الشباب، وأن سياسة المنظمات في عملية الاستجابة الإنسانية حالياً قائمة فيما يبدو على الاستمرار في نمط العمل السابق ذاته، دون وجود خطة ملموسة تسهم في انتقال واضح إلى المشاريع التنموية التي من شأنها أن تساعد هذه العائلات على الخروج من دائرة الاحتياج.
وبالتالي فإن بقاء هذه العائلات في دائرة الاحتياج والفقر سوف يسهم في زيادة معاناة سكان المخيمات عموماً و شريحة النساء خصوصاً؛ فهي تتأثر بشكل كبير بقلة الموارد وغياب الأساسيات وزيادة المسؤوليات والأعباء، وقد تتعرض للاستغلال من قبل الزوج العاطل عن العمل، أو من قبل رب العمل الذي بدأ يتجه إلى تشغيل النساء كعمالة رخيصة الأجر باتت مطلوبة في سوق الأعمال الموسمية والمؤقتة، لاسيما مع غياب المشاريع الموجهة لتمكين هذه الشريحة من النساء اقتصادياً أو تعليمياً، وهو ما يعني غرق النساء والفتيات أكثر في دائرة العوز وعدم قدرتها على إحداث تغيير حقيقي في حياتها.
4-2- ارتفاع معدلات العائلات الكبيرة من دون معيل
تضم المخيمات نسبة من العائلات دون معيل، كما تتخصص بعض المخيمات باستيعاب الأرامل وأطفالهن[73]، وبالتالي فإن غياب استجابة حقيقة تسعى إلى تمكين هذه الشريحة بما يتناسب مع احتياجاتها وإمكانياتها يعني المزيد من المعاناة، لاسيما إن توقف الدعم المقدم أو تراجع.
زرت إحدى الخيم التي يعاني فيها الزوج – 40 عاماً – من مشكلة صحية طارئة في العمود الفقري أدت إلى عدم قدرته على الحركة بشكل شبه كامل، هذا الرجل متزوج بثلاث زوجات أنجب من كل منهن، زوجته الأولى وزوجة أخيه الشهيد التي تزوجها حتى يتمكن من رعاية أطفالها، وزوجة جاره الذي تزوجها بعد أن اختفى جاره لفترة طويلة وتركها وحدها مع أطفاله. تعيش هذه العائلة الكبيرة التي تصل إلى قرابة 20 فرداً مع هذا العدد الكبير من الأطفال في خيمة واحدة، على المساعدات فقط وفي حالة صعبة بعد أن فقد الرجل قدرته على العمل وخسر بذلك الدخل الإضافي القليل الذي كان يستطيع من خلاله إعالة هذه العائلة. مسؤولة في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
ومن جهة أخرى، ومع انتشار ظاهرة تعدد الزوجات في المخيمات[74] ازدادت أعداد العائلات الكبيرة التي تعتمد على معيل واحد، والتي تعيش أساساً معتمدة على المساعدات، وهو ما يُدخل هذه العائلات في دائرة الفقر والعوز في كثير من الأحيان، خاصة عندما يتعرض هذا المعيل لظروف صحية أو اقتصادية طارئة يفقد عندها قدرته على الكسب وإعالة هذه العائلات.
4-3 ارتفاع معدلات الإنجاب مع ضعف في التربية والاهتمام
تتجه بعض البيئات السورية – لاسيما البيئات الريفية – عادة نحو كثرة الإنجاب؛ إلا أنه من الملاحظ ارتفاع هذه المعدلات بشكل أكبر في المخيمات من بقية القرى والمدن رغم سوء الواقع الحياتي فيها[75]، وتشير غالبية المقابلات إلى أن هذا الارتفاع يعود إلى مجموعة من العوامل، أهمها: حالة الفراغ واليأس الذي يعيشه السكان في المخيم، ورغبتهم في تعويض خسارتهم وتشكيل عائلة كبيرة تعوضهم عن فقدهم للعائلة التي اضطروا لتركها.
ومن جهة أخرى أصبحت عملية الإنجاب عند بعض العائلات شكلاً من أشكال الاستثمار الاقتصادي؛ حيث إن وجود عدد أكبر من الأطفال يعني الحصول على مساعدات غذائية أو مادية أكثر، والقدرة على الحصول على دخل مادي إضافي يدعم العائلة نتيجة عمل هؤلاء الأطفال[76].
من الصعب أن تتوقع أن يحصل الأطفال في المخيمات على تربية سليمة أو متوازنة؛ فغالباً ما يفتقر الوالدان للوعي أو أنهما مشغولان في العمل أو رعاية الأسرة وتأمين احتياجاتها الأساسية، عدا عن كون الأم في الكثير من الأحيان صغيرة في السن، لا تمتلك الوعي ولا الخبرة المطلوبة. هذا وتؤثر بيئة المخيم المفتوحة على تربية الأطفال، الذين يميلون لتقليد أقرانهم أو محاكاتهم، فيصبح من الصعب جداً على الوالدين المنهكين متابعة الأولاد أو تقويمهم. مسؤولة في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات |
ولكنّ من الملاحظ أن معدلات الإنجاب المرتفعة لم تترافق في غالبية الأحيان مع زيادة الوعي والاهتمام وتقديم التربية السليمة لهؤلاء الأطفال، بل على العكس ترافقت بحالة من الإهمال وسوء التربية الصحية والأخلاقية والدينية، خاصة مع قضاء هؤلاء الأطفال جل أوقاتهم في الشوارع أو خارج الخيم[77].
4-4-ارتفاع نسبة العنف المنزلي
أشارت المقابلات إلى أن حالات العنف المنزلي شائعة في المخيمات، خاصة العشوائية منها، سواءٌ العنف المطبق من الزوج على زوجته وأولاده أو العنف القائم من الزوجة على أطفالها؛ حيث إن الضغوطات الحياتية والمشاكل اليومية وغياب أي أفق لتحسن الواقع من شأنه أن يفقد العائلة استقرارها وتوازنها[78].
فعلى سبيل المثال: فقدَ غالبية الرجال أعمالهم السابقة، وتحولوا من أفراد منتجين يستثمرون طاقتهم وأوقاتهم لتحسين واقعهم إلى أفراد عاطلين يشاهدون عائلاتهم تغرق في دائرة الفاقة والاحتياج، ويعيشون في حالة فراغ ويأس دون وجود أي بوادر حل.
في العديد من الجلسات التوعية يبدو موضوع العنف الزوجي حاضراً وبقوة، حيث يمكن أن تلاحظ آثاره على النساء أو على الأطفال، وتطالب فيه المرأة بالسكوت والصبر دون تقديم أي دعم أو مساعدة حتى من قبل عائلتها التي تشاهد معاناتها دون تدخل. لقد طلبت منا الكثير من النساء المساعدة في هذا الخصوص، وتأمين مراكز خاصة بالمعنفات وبرامج لحمايتهن إلا أننا وللأسف لم نستطع مساعدتهن لعدم وجود جهات مهتمة بهذا الموضوع. متطوعة تعمل مع بعض المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات العشوائية |
كما أن واقع المخيم وغياب الخصوصية عن العائلات قد تكون أحد الأسباب؛ حيث إن وجود العديد من العائلات التي تعاني من العنف الأسري قد تدفع عائلات أخرى لمحاكاة البيئة، لاسيما عندما يصبح الأمر شائعاً عند الغالبية[79]. إذ تَعدّ نظرية التعلُّم الاجتماعي أن سلوك العنف هو سلوك مكتسب من البيئة، ويختلف باختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي للبيئة التي يمكن أن تُضعف أو تقوّي العناصر المساعدة للسلوك العدواني، فيمكن أن يتم تعلُّم العدوان من خلال الملاحظة أو التقليد[80].
5-4 ارتفاع معدلات “زواج القُصّر”[81]
تولّد الحياة في المخيمات مخاوفَ مرتفعة للعائلات تجاه أمان بناتهن؛ فمن جهة أولى يمكن أن تتسبب البيئة المفتوحة وغير المنضبطة بتعرُّض الفتيات لمخاطر كثيرة من شتى الأنواع، ومن جهة أخرى يشكل وجود فتاة أو امرأة عازبة أو أرملة في العائلة مطمعاً للكثير من ضعاف النفوس؛ إذ تصبح مُراقَبة من قبل غالبية سكان المخيم، خاصة من الرجال الذين أصبح شغلهم الشاغل في المخيم الزواج بأكثر من زوجة.
هربت فتاة صغيرة لم تتجاوز 13 من عمرها من أحد المخيمات العشوائية في منطقة درع الفرات بعد أن قام والدها بتزويجها لصديقه الذي يتجاوز عمره 45 عاماً، ولا تزال الفتاة مفقودة حتى الآن. متطوعة تعمل مع بعض المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات العشوائية |
وتدفع هذه المخاوف الكثير من العائلات إلى تزويج بناتهن مع أول فرصة سانحة، سواءٌ كانت هذه الفرصة مناسبة أم غير مناسبة[82]، بهدف التخفف من أعباء الفتاة المادية والاجتماعية، وترغب العديد من الفتيات الزواج بعُمر مبكر لاعتقادهن بأن الزواج قد يكون حلّاً مناسباً لانتشالها من الواقع السيئ الذي تعيش فيه.
وبالتالي ظهرت العديد من الزيجات التي تمت بشكل غير متكافئ عمرياً بين الزوجين – خاصة في المخيمات العشوائية – ودون أساس متين من مودة وقبول، ودون وجود وعي أو إدراك مسبق لحقوق الزوجين والأطفال، وقد تنتهي العديد من الزيجات بالطلاق نتيجة لغياب الوعي والأسس السليمة لبناء الأسرة، أو تغرق الأسرة ضمن مشاكل زوجية تؤثر في جميع أفرادها.
زرت خيمة تعود لإحدى الأرامل التي تعيش فيها مع أطفالها، وقد لفتني أن ابنها الأكبر وهو في 17 من عمره متزوج ولديه طفلان، وأقد أخبرني هذا الشاب أنه ينوي الزواج مرة ثانية وثالثة تطبيقاً للسُّنَّة، مع العلم أنني قضيت معهم طول النهار ولم يصلّ فيه أي فرض، ولم يقم حتى لمساعدة والدته التي تعول الأسرة كاملة أو تلبية احتياجاتها. مسؤولة في إحدى المنظمات تقوم بزيارات دورية للمخيمات العشوائية |
ولا يقتصر ارتفاع حالات زواج القُصر فقط على الإناث، بل امتد ليشمل الذكور أيضاً؛ فالعديد من العائلات لجأت لتزويج اليافعين فوراً خوفاً من وقوعهم في الحرام، وأسكنوهم معهم في الخيمة ذاتها في كثير من الأحيان، حيث بات أمراً مألوفاً أن تجد يافعاً دون الثامنة عشر عاطلاً عن العمل وأباً لعدد من الأطفال.
6-4- ارتفاع معدلات التسرُّب المدرسي وعمالة الأطفال
في ظل هذه الظروف التي تنعدم فيها الآفاق المستقبلية -خاصة عند الإناث- ومع الأوضاع التي تشجّع الزواج المبكر بوصفه حلّاً وحيداً لحماية النساء ترتفع معدلات التسرُّب المدرسي في المخيمات عند الذكور والإناث، إلا أنه عند الإناث أوضح؛ لاسيما وأن الكثير من العائلات تتوقف عن تعليم الفتيات من أجل أن تساعد الأمّهات في الأعمال المنزلية وتتعلم المهارات التي تنقصها والتي تساعدها خلال الزواج.
في زيارة لأحد المخيمات النظامية في منطقة درع الفرات وهو مخيم كبير يضم مئات العائلات، ويحوي مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية، لم يتجاوز عدد الطلاب في الصف الثاني عشر 6 طلاب فقط. متطوعة تقوم بزيارات دورية للمخيمات النظامية |
ومما يسهم في زيادة معدلات التسرب المدرسي ضعف العملية التعليمية في مدارس المخيمات، وافتقارها للكثير من الموارد والأدوات وللكوادر المؤهلة، أو عدم وجود مدارس إعدادية أو ثانوية خاصة بالإناث قريبة على المخيم؛ فتتخوف الكثير من العائلات من إرسال بناتها إلى مدارس بعيدة خوفاً من تعرضهنّ لأي خطر ممكن[83].
4-7- ارتفاع معدلات الفساد الأخلاقي ومعدلات الجريمة
توضح الفقرات السابقة التي استعرضت واقع الحياة في المخيم أن بيئة المخيم المفتوحة يمكن أن تسهّل وتشيع الفساد الأخلاقي، لاسيما مع غياب الرقابة من جهة والوازع الديني والتربوي من جهة أخرى، بالإضافة إلى حالة الفراغ عند شريحة واسعة من المراهقين والشباب والنساء والرجال الذين لا يجدون مَن يستثمر طاقاتهم ويوجهها في الطريق الصحيح.
ولعل أبرز العوامل التي تساعد على انتشار الفساد الأخلاقي بين النساء بشكل واضح: انتشار حالات التحرُّش، وغياب الخصوصية، واستخدام المرافق المشتركة، وانتشار المخدرات، وكذلك ارتفاع معدلات الجريمة أيضاً كالسرقة والاتجار بالمخدرات بالإضافة إلى “جرائم الشرف”[84]، كما أن بعض أنماط الأعمال التي يعمل بها الأطفال في الشوارع ومكبات القمامة تجعلهم عرضة لأن يكونوا ضحايا لهذه الجرائم[85]، أو يتم استثمارهم أو تجنيدهم أو توريطهم مستقبلاً.
قام أحد الأزواج وهو في حالة تعاطٍ للحبوب المخدرة بإطلاق النار على عروسه الجديدة وهي حامل في شهرها الثالث، وعندما أخطأتها الرصاصة الأولى أطلق على بطنها النار مرة أخرى مما تسبب في وفاتها فوراً. متطوعة تقوم بزيارات دورية للمخيمات النظامية |
وتتزايد في الآونة الأخيرة ظاهرة الأطفال مجهولي النسب في الشمال السوري[86]، والتي قد تكون إحدى انعكاسات الفساد الأخلاقي في المخيمات أو خارجها، أو إحدى تداعيات الفقر في الشمال السوري الذي يدفع العائلات للتخلي عن أطفالها، وقد تكون نتيجة ضياع بعض الأطفال خلال التنقل أو نتيجة إهمال العائلة[87].
8-4- ارتفاع معدلات الانتحار
تفاقم الحياة في المخيم من المشاكل النفسية والضغوط على السكان، خاصة المشاكل اليومية التي يضطر أصحابها لمواجهتها دون أن يكون هناك أي فرصة لحلها، وبالتالي قد تحاول شريحة التخلص من هذه الضغوط عبر إنهاء حياتها بالانتحار، والذي يعود إلى أسباب نفسية بالدرجة الأولى وأسباب مجتمعية تتعلق بالبيئة وحالة انسداد الأفق وعدم وجود ملامح لتغيير الوضع الآني، ويتأثر بواقع أسر مرتبكة غير مستقرة.
وتشير الإحصائيات القليلة حول هذا الموضوع إلى ارتفاع معدلات الانتحار في شمال غربي سوريا بنسبة 38% ما بين الربعَين الأول والثاني من عام 2020 وفق إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة؛ حيث أظهرت نتائج مسحٍ قامت به مجموعة عمل الصحة النفسية التقنية شمال غربي سوريا عام 2019 إلى تسجيل 751 محاولة انتحار فاشلة، و47 حالة انتحار انتهت بالوفاة، وأن 48% من المحاولات – الناجحة أو الفاشلة – قامت بها إناث[88].
وعلى الرغم من أن المسح السابق لم يُظهر مكان سكن المستجيبين؛ إلا أنه يمكن توقع أن معدلات الانتحار في المخيمات ستكون أعلى من بقية الأماكن نظراً للمشاكل الزوجية والمالية وصعوبة الأوضاع المعيشية التي يعيشها السكان، فقد أظهرت العديد من الحوادث التي جرت عام 2021 أن غالبية الضحايا كانوا من سكان المخيمات[89]، كما أنها ستلاحظ بشكل أكبر بين الأطفال الذين يعانون من أزمات نفسية قاتلة وفقاً لما تشير إليه بعض التقارير[90].
خامساً: نتائج وتوصيات
تُقارب بعض الدراسات المواضيع الخاصة بالنساء من زاوية تركز على المرأة فقط؛ سعياً لتخفيف المشاكل التي تعيشها أو لتقديم حلول لمساعدتها؛ إلا أننا في هذه الورقة تعاملنا مع المخيمات كتنظيم اجتماعي له خصوصيته وتنظيمه الاجتماعي والإداري، برزت فيها مجموعة من الفئات كقوى ضعيفة وهشّة ومنها النساء، فحاولت الدراسة الإضاءة على المشاكل التي تمسّ الجميع، مع تركيز أكبر على واقع المرأة ومشاكلها وإعطائها دائرة اهتمام أوسع.
ومن جهة أخرى نعتقد أن مقاربة مشاكل النساء في هذه البيئة واقتراح حلول مناسبة لها لا يمكن أن تتم بالتركيز على طرف وإهمال الأطراف الأخرى، لاسيما وأنها تشترك في المعاناة وتشترك في المشاكل، كما لا يمكن أن تتم هذه المقاربة دون فهم كامل للواقع الذي تعيشه، ودون إدراك لتشابك مشاكل النساء مع مشاكل الشرائح التي تتعامل معها.
وبالتالي فإن التعامل مع قضايا النساء شريحة منفصلة عن بقية شرائح المجتمع قد يؤدي بنا إلى معالجة عوارض المشكلة السطحية والظاهرة دون إيجاد حل للمشكلة من جذورها، وقد لا تكون الحلول المطروحة مقبولة أو فعّالة اجتماعياً لأنها تركز على طرف دون الآخر، وبالتالي فإن التحسين من واقع حياة النساء المعاشي في المخيمات لا يتم إلا من خلال تحسين البيئة التي يعيشون فيها وحل مشاكلها التي تُلقي بظلالها على الجميع، وإن كانت النساء إحدى الحلقات الأضعف في هذه المشكلة[91].
كما لابد من الإشارة إلى أن موضوع المعاناة في المخيمات ليست من المواضيع الجديدة، وأن المشاكل التي تم استعراضها هي مشاكل قائمة منذ سنوات، حاولنا مجدداً الإضاءة عليها من زوايا جديدة لأن الوضع المعيشي لم يتغير، بل على العكس بدأ يفرز مظاهر سلبية جديدة، وهو ما يشير إلى أن طرق المعالجة السابقة للمشكلة لم تكن ناجعة وتحتاج إلى المزيد من الدراسة.
ولا تبدو تجربة المخيمات في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة السورية ستنتهي في وقت قريب، ولم تعد هذه التجربة تجربة مؤقتة، بل يبدو أنها بدأت تتحول إلى مناطق استقرار قد تمتد فترة السكن فيها لسنوات على أقل تقدير، لاسيما مع انسداد أي حل سياسي في الأفق، ومن الضروري في هذه المرحلة دراسة هذا الواقع الجديد والتعرف على مشاكله بهدف التخفيف من آثارها السلبية على أفراده وعلى المجتمع.
ومما سبق يبدو أن بيئة المخيمات الحالية بدأت تفرز الكثير من المشاكل المجتمعية التي تُلقي بظلالها وأعبائها على الفئات الهشّة والضعيفة كالنساء والأطفال بشكل أكبر وأوضح من غيرها؛ حيث إنها تفتقد لأدنى الاحتياجات الإنسانية التي يمكن أن تحفظ للإنسان خصوصيته وكرامته وتساعده على أن ينمو بشكل سليم ويكون فرداً صالحاً في المجتمع.
كما تعزز هذه البيئة حالة الضعف عند الشرائح الهشّة كالنساء والأطفال، وتسمح باستغلالها بشكل كبير، وتسهم في إفراز ظواهر سلبية قد تكون لها آثار اجتماعية خطيرة، لاسيما وأن كل جهود الاستجابة الإنسانية ضمن المخيمات تركز على الاحتياجات الأساسية التي تضمن استمرار الفرد بالحياة، وتهمل عمليات التقييم الدقيق وقياس الأثر ومتابعة الظواهر الاجتماعية السلبية والتفاعل معها.
ويُتوقع أن تفرز هذه البيئة آثاراً سلبية ستكون النساء أكبر ضحاياها؛ حيث ستزيد من حالات الضعف والفقر عند النساء خصوصاً، لاسيما مع غياب المعيل والتعرض للاستغلال والعنف وارتفاع معدلات زواج القُصّر والتسرُّب المدرسي، وانتشار الجريمة والفساد الأخلاقي.
وتفتقد المنظمات العاملة في الشأن الإنساني -وهي الفاعل الحالي الأكثر تأثيراً في هذه البيئة – لوجود رؤية استراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى؛ إذ يغيب عنها وضع تصورات للتغيرات المستقبلية، خاصة التي تتوقع توقف أنماط الدعم، كما يغيب عنها الأدوار الإيجابية التي تحاول تجفيف منابع بعض المشاكل لا إدارتها. ورغم توجُّه المنظمات إلى مزيد من الحوكمة والمراجعات ومزيد من التشبيك فإن التصورات والخطط المستقبلية الاستراتيجية ما تزال غائبة أو غير واضحة.
وانطلاقاً من المقاربة التي تنتهجها الورقة في معالجة قضايا النساء تظهر أولوية إصلاح بيئة المخيمات وتحسين شروطها وسياسات الاستجابة الإنسانية فيها كخطوة أساسية ولازمة للتعاطي مع معظم مشاكل النساء والتخفيف منها، وبالتالي تتقدم الورقة بمجموعة من التوصيات[92]، منها:
توصيات تتعلق بتطوير واقع العمل الإنساني السوري:
- إنشاء هيئة تخطيط استراتيجية خاصة بالعمل الإنساني تقوم بوضع خطط قربية – متوسطة المدى تهدف إلى تقديم رؤى جديدة حول أنماط العمل الإنساني المطلوب.
- إعادة النظر في منظومة التعليم المقامة حالياً في مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة، وتقييمها بشكل دقيق وفعّال، واقتراح الحلول التي من شأنها النهوض ورفع مردود هذه العملية بما يشجّع الطلاب على الاستمرار بالتعليم، ويخفّف نسب التسرب التعليمي.
- إنشاء هيئة رقابية مدنية تضم بعض الخبراء والأكاديميين والقيادات المجتمعية يكون من شأنها تقييم عمل المنظمات الإنساني، ومتابعة المشاكل والمشاركة في إيجاد حلول لها.
- إعادة النظر في منظومة إدارة المخاطر التي تتبناها المنظمات الإنسانية، بحيث تسعى هذه المنظومة إلى منع حدوث المشكلة لا إدارتها.
- إنشاء وحدة رصد ومراقبة للظواهر المجتمعية الناشئة في الداخل السوري، وجمع الأرقام والإحصائيات التي تقوم بها المنظمات المتخصصة ودراستها.
- التوجه لإنجاز دراسات تخصصية معمقة لبعض المشاكل المجتمعية المعقدة، والعمل على إيجاد حلول واقعية تراعي الظروف والثقافة المجتمعية، وتحمي الناس من الاستغلال ومن الآثار السلبية التي قد تقع على بعض الفئات.
- إنجاز دراسات تتعلق بسوق العمل الموجود حالياً في مناطق قوى الثورة والمعارضة، واقتراح خطط ومشاريع لتطويره من جهة ولربطه بمنظومة التعليم العالي الموجودة حالياً في هذه المناطق.
- إنشاء خطة نهوض اقتصادي مرحلية لبعض مناطق الشمال السوري، والتفكير بأنماط مشاريع تنموية تُموَّل بأموال سورية يكون الهدف منها إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة.
- التفكير في خطة استجابة تدريجية تستفيد من الدعم الحالي المقدَّم للانتقال بسكان المخيمات من واقع الاحتياج المطلق إلى واقع التأهيل والقدرة على دخول سوق العمل.
- تطوير منظومة قياس الأثر، والتأكد من أن المشاريع الإنسانية والمجتمعية تحقق الأهداف المرجوة أو تقاربها.
- تطوير منظومة قيم اجتماعية مدعومة بمشاريع وأنشطة، تدعمها المنظمات الإنسانية وقادة المجتمع لترسيخ بعض القيم الاجتماعية الإيجابية التي بدأ يفتقدها المجتمع، كعزّة النفس والصبر والإيجابية والتمسك بالأمل وعدم الاستسلام لليأس والسعي للتغيير والمسؤولية المجتمعية.
- تصميم برامج دينية دعوية تقوم بالتصدّي لبعض المشاكل المجتمعية في المخيمات، كمشاكل العنف الأسري وزواج القُصّر والاستغلال، وتقديم خطاب دعوي يقارب هذه المشاكل من وجهة نظر شرعية يمكن أن تَلقَى قبولاً وتجاوباً من القاطنين في هذه المخيمات.
توصيات تتعلق بتحسين الاستجابة الإنسانية في المخيمات:
- إطلاق حملات مناصرة للتعريف بواقع قطاع المياه والإصحاح في المخيمات، وتقديم عدد من المشاريع تتضمن حلولاً متنوعة للتعاطي مع هذه المشكلة.
- الضغط باتجاه تأمين بنية تحتية لمشاريع الصرف الصحي يكون بإمكانها تخديم مناطق الشمال السوري والمخيمات الموجودة فيها، بحيث تُحل هذه المشكلة بشكل جذري.
- إطلاق حملات تبرع لإنشاء مرافق خدمات صحية (مراحيض) بجانب المرافق القديمة تستخدم طريقة التصريف الموجودة نفسها، أو إنشاء مرافق جديدة مع حفر صحية في أقسام جديدة من المخيمات.
- الضغط باتجاه تأمين مشاريع إيواء لائقة تراعي كرامة المستفيدين، والبحث عن جهات داعمة جديدة يمكن أن تموّل هذه المشاريع في حال استمر رفض الجهات الغربية الداعمة التي تمتنع عن دعم مثل مشاريع الإيواء تلك.
- إنشاء كرفانات متنقلة تضم كبائن نظيفة للاستحمام، يمكن أن تتنقل بشكل دوري وتخدم المخيمات العشوائية.
- العمل على الاستفادة من المساجد الموجودة في المخيمات كمراكز توعية وإرشاد لسكان المخيمات، تصمم برامج خاصة باليافعين واليافعات وبرامج أخرى خاصة بالنساء ومثلها للرجال؛ للتوعية الدينية والأخلاقية، وحقوق الزوج والزوجة والأطفال والواجبات نحوهم.
- تنمية المسؤولية المجتمعية لسكان المخيم، وتشجيعهم على انتخاب مجلس لإدارة شؤون المخيم وحل مشاكله يتم تدريبه ودعمه لمتابعة مشاكل المخيم والمساعدة في ضبطه، وتشكيل سلطة محلية يمكن لها أن تؤثر في سكانه.
- تخصيص منح دراسية للطلاب المتفوقين والطالبات المتفوقات بالمخيمات، وتشجيعهم على متابعة دراستهم وتأمين باصات لنقلهم إلى بعض المدارس البعيدة.
- تشجيع المنظمات العاملة على تحويل جزء من برامجها إلى برامج جوالة، لاسيما برامج تنمية القدرات، واستهداف المخيمات بمثل هذه البرامج.
- التفكير بمشاريع لإعادة تدوير القمامة ومياه الصرف الصحي، والاستفادة منها بشكل اقتصادي وبيئي، وإبعاد الأطفال والمراهقين عنها.
- إنشاء فرق تقييم مستقلة تتابع جودة تنفيذ المشاريع الإنسانية والتعليمية وتتأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها.
- إطلاق مشاريع صغيرة خاصة بكل مخيم تتناسب مع مهارات وخبرات السكان القاطنين فيه، مثل ورشات النجارة والحرف اليدوية الصغيرة للرجال، وورشات الخياطة والطبخ للنساء.
- إجراء عملية تقييم شامل للمخيمات بهدف الاطلاع على الخبرات والإمكانيات التي يتمتع بها سكان المخيمات، والتي يمكن استغلالها في مشاريع تنموية قادمة.
توصيات خاصة للنهوض بواقع النساء في المخيمات:
- تشجيع المنظمات المعنية بالنساء والأطفال على العمل في المخيمات، وتقديم مشاريع موجهة لتمكين النساء بشكل حقيقي وانطلاقاً من احتياجاتهن.
- دراسة احتياجات النساء في المخيمات كلّ على حِدة، وتصميم استجابة خاصة تعمل على تحسين واقع النساء فيها.
- إطلاق مشاريع توعية ومشاريع محو أمية تستهدف سكان المخيمات النظامية والعشوائية عموماً والنساء خصوصاً.
- إطلاق منح دراسية مرنة خاصة بالنساء تراعي ظروفهنّ وتساعدهنّ على تجاوزها.
- إقامة برامج مهنية خاصة بالنساء في المخيمات تتناسب مع قدرات هذه الشريحة وميولهن، كبرامج التدريب على أصول الخياطة والحلاقة النسائية، وتعليم بعض الحرف التقليدية كصناعة البسط والسجاد والمنسوجات التقليدية المشهورة.
- تكثيف أنشطة التوعية الصحية والدعم النفسي المخصصة للنساء في المخيمات، وإقامة بعض الفعاليات الترفيهية الموجهة التي تساعدهن على تفريغ الضغط وتحسين المزاج.
- إنشاء جهة تتلقى الشكاوى العامة حول مواضيع الاستغلال والتحرش والتعاطي، وتقدم الاستشارات الضرورية للضحايا.
- إقامة مراكز دراسات خاصة بالمرأة تركز على واقع النساء في منطقة الصراع وتأثير مواضيع النزوح والفقد والحياة في المخيمات عليها، وتقديم إحصائيات وأرقام دورية تقيس حجم المشاكل التي يتعرضن لها وطرق التدخل التي من شأنها تخفيف آثار الصراع عنهن.
- إقامة مكتبات عامة داخل المخيمات تسمح للطالبات بالدراسة، وتوفر الأجواء والإمكانيات المناسبة لذلك.
- إنشاء مساحات آمنة للنساء يمكن أن تقوم فيها النساء بأنشطة تتناسب مع قدراتهنّ، وتقدم فيها إرشادات تربوية ونفسية وأسرية تساعد النساء المعنَّفات أو اللواتي يواجهن مشاكل أسرية في الحصول على التوعية والدعم المطلوب.
- إقامة برامج تعافٍ من الإدمان تستهدف النساء والمراهقات، وتقدم لهن خطة عمل تتناسب مع احتياجاتهن وتساعدهن على الخروج من دوامة اليأس والإحباط.
- مدير أحد الفرق التطوعية العاملة في المجال الإنساني، ولاسيما في قطاع المأوى في مناطق إدلب وريف حلب.
- مدير أحد المخيمات في مناطق إدلب وريف حلب.
- عضو فريق ميداني لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق إدلب وريف حلب.
- مسؤولة إدارية في إحدى المنظمات الإنسانية تقوم بزيارات دورية للمخيمات في مناطق إدلب وريف حلب.
- متطوعة تعمل مع عدد من المنظمات الإنسانية بشكل غير دائم وتقوم بزيارات دورية للمخيمات العشوائية في مناطق الإشراف التركي لتنفيذ حملات توعية مختلفة.
- متطوعة تعمل مع عدد من المنظمات الإنسانية بشكل غير دائم وتقوم بزيارات دورية للمخيمات النظامية في مناطق الإشراف التركي لتنفيذ حملات توعية مختلفة.
- مقيمة في أحد المخيمات النظامية في مناطق الإشراف التركي، تعمل متطوعة حالياً مع بعض المنظمات الإنسانية.
- متطوعة تقيم في أحد المخيمات النظامية في مناطق إدلب وريف حلب، وتدير أنشطة تحفيظ القرآن للأطفال فيه.
- مديرة حالة تعمل مع إحدى المنظمات الإنسانية وتتابع بعض الحالات الحرجة التي تتعلق بالنساء والأطفال.
- خبير مطلع على العمل الإنساني في سوريا يقوم بزيارات دورية للداخل السوري وللمخيمات.
- استدامة الحياة والصحة والكرامة؛
- الوقاية من الجفاف المسبب للوفاة؛
- الحد من خطر الأمراض المرتبطة بالمياه والصحاح والنظافة؛
- وتمكين تحقيق المتطلبات المناسبة للاستهلاك والطهي والنظافة الشخصية والمنزلية.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
2 تعليقات