المشاركات الإعلامية

حول هوية الأطفال السوريين في تركيا وأهم المخاطر التي تعتريها وسبل علاجها

خلال استضافته في مؤتمر “تعليم أطفال المهاجرين” الذي نظّمه مركز “أورسام” بالتعاون مع جامعة ماردين؛ قال الباحث في مركز الحوار السوري د. ياسين جمّول: إن الكثير من السوريين في تركيا يجهلون مفهوم الهوية ومخاطر ضياعها، وهذا من أثر عدم وضوح هويةٍ سوريةٍ متوافق عليها سابقاً، إضافة لأثر التهجير واللجوء.

وفي الجلسة استعرض “جمّول” دراسةً ميدانية تحليليةً أعدها حول هذا الموضوع؛ واستندت لاستبانة وُزعت في ولايتَي هاتاي وشانلي أورفا؛ وهما من أكثر الولايات في أعداد السوريين اللاجئين، وبلغت الاستجابات من الطلاب وأولياء الأمور 177، ولمقابلات شخصية مع عدد من مديري المدارس والمعاهد والمعنيين بالموضوع.

ولفت الباحث إلى أن الهوية هي عملية تمييز الإنسان لنفسه من غيره، مشيرًا إلى أن هوية الأطفال السوريين هي ما يجمع أبناء سوريا من المعتقدات والعادات والتقاليد، وأهم أركانها هي: اللغة والانتماء والتنشئة الاجتماعية والتاريخ، ويُعدّ التعليم أهم أُسس بناء الهوية.

وأوضح الدكتور جمّول بعض ما في الدراسة من التساؤلات المهمة حول الهوية وأثر إغلاق المدارس السورية في تركيا، وما يتهدد الأطفال السوريين بشكل خاص من ضياع لغتهم العربية واختلال هويتهم الثقافية، مع الحرص على إتقان اللغة التركية وتفريط كثير من الأهالي باللغة الأم لأبنائهم وتقصيرهم في تعويض الأطفال عما فقدوه في عملية الدمج من اللغة والتاريخ والانتماء؛ رغم خطورة ذلك على البناء المعرفي والهوياتي لأبنائهم، وعلى مستقبل سوريا إذا انصرف السوريون في دول اللجوء عما يربطهم ببلدهم وهويتهم.

وحول الدراسة ذكر جمّول أن أغلب الطلاب أجابوا بأنهم يقرؤون باللغة العربية عند سؤالهم عن اللغة المفضلة للقراءة، وذلك بالنسبة لطلاب الثانوية، كما كانت النسبة كبيرة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات باللغة العربية؛ لكنّ المؤشر الخطير ظهر في الانخفاض الشديد بنسبة القراءة خارج المقررات المدرسية، وهو ما يمكن أن يكون مدخلاً لاستمرار الطلاب بالاتصال بلغتهم وثقافتهم.

وبحسب الدراسة فإن قرابة 40% من الطلاب رأوا أن الثقافة العربية تتعارض مع الثقافة التركية، ونحو 20% رأوا أنها لا تتعارض؛ وهذا ما رآه جمّول يدلل على عدم وضوح الثقافة لديهم وما يعني تعلم لغة أخرى بالنسبة للطلاب السوريين في تركيا.

وكشفت الدراسة ضعف متابعة شريحة أن أقل من 30% هم مَن يتابعون جيداً الأخبار في سورية ونحو 40% من الاستجابات يكثر عندها الحديث عن العودة؛ ما يعني اضطراباً خطيراً في موضوع الانتماء، وهو من أهم أركان الهوية؛ مع أن كثيراً من السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية لا يشعرون بالانتماء لتركيا حسب الدراسة. مع الأثر السلبي الواضح للتهجير واللجوء في اضطراب التنشئة الاجتماعية للأطفال السوريين في تركيا؛ وهو ما يؤثّر كذلك سلباً كما ذكر الباحث في بناء هوية صحيحة لدى الأطفال.

وحول الخلاصة التي خرجت بها الدراسة ذكر جمول أن ثمّة اضطراباً واضحاً عند السوريين في دول اللجوء وتركيا خاصة في فهم الهوية ومعرفة أركانها وتحقيقها في النفوس، وأن أهداف دمج الطلاب السوريين في تركيا لم تتحقق ولم تكن تراعي هويتهم الثقافية بقدر ما تراعي مصالح المجتمع المضيف؛ مع أن اندماج الطلاب السوريين في المدارس التركية وتفوّقهم الدراسي يمثّل فرصة لبناء هوية ثقافية مشتركة.

ولذا أكّد الباحث في التوصيات أن الحديث عن هوية السوريين في تركيا لا يعني خلق كيانات خاصة بهم؛ لأن الانغلاق انتحار وإعداد للأطفال قنابل موقوتة، والمسؤولية على الطرفين السوري والتركي في بناء هوية مشتركة تحفظ للسوريين ثقافتهم ويحترم المجتمع المضيف تنوّعهم الخاص، لتعزيز “التبادلية” بفتح آفاق التبادل الثقافي والحضاري بين السوريين والأتراك، مع أهمية ترتيب تركيا الطرق القانونية الآمنة للزيارة والعودة الطوعية إلى سورية دون تحديدها بالعودة الدائمة والقسرية فقط.

وتؤكد الدراسة أن الحديث عن هوية ثقافية صحيحة للسوريين في تركيا يعني ألا يخرجوا عن هويتهم السورية، وألا يُخلق لهم هويات قاتلة داخل المجتمع المضيف؛ وإنما هي هوية ثقافية مشتركة تساعدهم على العودة الصحيحة التي تحقق مصالح تركيا وسوريا معاً.

للمزيد:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى