مآلات تعليق الدستورية وردود المعارضة: صخب ومناكفات دولية لا تشوش على جمود المسار السياسي
في 17 يوليو أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون تأجيل الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية التي كان من المقرر أن تبدأ في 25 من الشهر ذاته، وذلك بعد إعلان وفد نظام الأسد تعليق مشاركته في جولات اللجنة حتى تتم الموافقة على طلب حليفته روسيا بنقل مقر اجتماعاتها من جنيف إلى إحدى عواصم الدول التالية: عمان، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة.
خطوة متوقعة في سياق المناكفة:
طالما كان مسار اللجنة الدستورية الذي انطلق في أواخر عام 2019 يحتمل بطبيعته التأخير والتأجيل والمماطلة، وجدت روسيا فيه أحد الأوراق الذي تناكف به الغرب من زاوية الملف السوري الذي طالما كان وما يزال أحد صناديق البريد المتبادلة بين الأطراف الدولية الفاعلة، وذلك بعد اتخاذ غالبية الدول الأوروبية مواقف مضادة من الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالتالي كان الطلب الروسي بنقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية متوقعاً، حيث “فقدت جنيف وضعها المحايد، ولم تعد مكاناً مناسباً للحوار بين الأطراف السورية، ومن الضروري اختيار مكان جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية” بحسب تصريح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف.
إلى جانب ذلك، كشف الطلب الروسي مستوى التوافق الذي وصلته بعض الدول العربية مع الرؤية الروسية للحل السياسي، حيث أن اختيار هذه الدول لم يأت عبثاً، بل هو خطوة رمزية من قبل روسيا تظهر المواقف المرنة التي أبدتها هذه الدول لرؤيتها في سوريا، وبعد خطواتها المتتابعة للتطبيع مع نظام الأسد وتعويمه. بما قد يشير مستقبلاً إلى إمكانية تشكيل مجموعة من هذه الدول التي قد تقود جهود تعويم نظام الأسد، ليصبح لدينا مجموعة جديدة إلى جانب مجموعات: أستانا، والمصغرة.
ردود المعارضة: أخطاء سياسية ونصية
على الرغم من فداحة ما جاء في رسالة الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد “المعارضة”، والتي نقلت نصاً حرفياً من رسالة المبعوث الأممي التي وصف فيها وفد نظام الأسد بـ “وفد الحكومة”، إلا أن دلالات رد المعارضة سواء ما جاء في تلك الرسالة أو في تصريحات رئيس هيئة التفاوض السورية، لا تقل فداحة -برأيي- عن الخطأ الأول؛ حيث خلت جميع هذه الردود من الإشارة إلى بيان جنيف1 الذي يفترض أنه المرجعية الأساسية للحل السياسي في سوريا من وجهة نظر قوى الثورة والمعارضة لأنه نص على حصرية تحقيق الانتقال السياسي عبر هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، قد يرى البعض أن بيان جنيف1 قد أصبح من الماضي في ظل التوازنات والتوجهات الدولية الحالية، ولكن يبقى دور قوى الثورة والمعارضة التمسك به والتذكير به والمطالبة بالعودة له خصوصاً وأنه مؤيد بقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013.
أما من الناحية السياسية، فأظهرت ردود المعارضة أنها ما تزال في خانة “ردود الأفعال”، الموقف الذي تأبى السعي للخروج منه، فهي ردت على رفض النظام المشاركة في اجتماعات الدستورية، في وقت كان يطالبها فيه بعض السوريين باتخاذ مثل هذه الخطوة عقب انتشار فيديو مجزرة التضامن، وبعد فشل الجولات السابقة للجنة.
هل تتيح التغيرات الدولية المجال لإعادة تحريك مياه الحل السياسي السوري الراكدة:
ركزت الرئاسة المشتركة للجنة الدستورية في جوابها على مطالبة المبعوث الأممي بـ”ضرورة تقديم تقرير متكامل إلى مجلس الأمن عن أعمال اللجنة الدستورية منذ تأسيسها وإلى الآن، وتحديد المعوقات التي تواجهها”، و”إلزام اللجنة بتنفيذ اقتراحات المبعوث الخاص التي قدّمها لمنهجية نقاش مجدية تُحقق تقدمًا مستمرًا وملموسًا في أعمالها”، إلى جانب “ضرورة إلزام الأطراف كافة بجدول زمني لانعقاد اجتماعات اللجنة بشكل دوري منتظم في جنيف”، في حين ذهب رئيس هيئة التفاوض إلى إمكانية “الرجوع إلى مجلس الأمن لتطبيق القرار تحت البند السابع، في حال استمرار النظام بنهجه المعطّل لأي حلّ سياسي”.
لا تشكل هذه المطالبات أكثر من دعوات للدول التي يفترض أنها مناهضة للتوجهات الروسية في سوريا، من أجل مناكفة الروس، وتحريك مياه الحل السياسي التي ركدت في جولات اللجنة الدستورية. صحيح أن الخلافات المتصاعدة بين روسيا والغرب عقب الحرب على أوكرانيا، قد تمثل فرصة جيدة لبعض الدول الغربية لإعادة حساباتها في سوريا، ولكن على ما يبدو أن سياسة فصل الملفات، وتجميد الوضع السوري هي الثابت الوحيد لدى مختلف الفواعل الدولية، بما يتطلبه ذلك من مسايرة للرؤية الروسية في سوريا بحكم ثقلها العسكري والسياسي في هذا الملف، ولعل ما تم مؤخراً من رضوخ الغرب لطلبات روسيا في قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، يعطينا مثالاً واضحاً على ذلك.
بالتالي، على ما يبدو لا تغيير في سياسات الدول الغربية تجاه مسار الحل السياسي السوري حتى الآن، والتي في مجملها تساير الرؤية الروسية، بما يعنيه ذلك، من أن تحقيق شروط لتسوية سياسية عادلة في الملف السوري، من قبيل تماثل أوضاع “أطراف النزاع”، والتدخل الخارجي لصالح قوى الثورة والمعارضة الذي يمكن أن يكافئ التدخل الروسي لصالح نظام الأسد أقله سياسياً، وتمتع الأمم المتحدة بمكانة الطرف الثالث الضامن، ما تزال بعيدة عن الواقع. الواقع الذي تشير معطياته إلى استمرار المأساة السورية وفق قواعد الجمود التي أرستها تقاطعات الدول الفاعلة.
مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.