أثر الشريعة الإسلامية على مرجعية التشريع نصاً وتطبيقاً- سوريا نموذجاً
أعادت الورقة طرح إشكالية “أثر الشريعة الإسلامية على التشريع” في سياق الوضع السوري بعد انطلاق الثورة، وفي ضوء المعطيات الواقعية سياسياً واجتماعياً وقانونياً، وما رافق ذلك من حوار سياسي وقانوني بين مختلف القوى والجهات السورية حول هذه القضية.
استعرضت الورقة بداية نماذج من دساتير الدول العربية والإسلامية والسورية المتعاقبة، والتي صدرت في غالبيتها عقب مرحلة الاحتلال الغربي (العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين الميلادي) من أجل تحديد توجهاتها بخصوص أثر الشريعة الإسلامية في مجال التشريع، حيث ظهر لنا ضعف هذا الأثر في معظم الدول العربية والإسلامية، وسوريا منها، على الرغم من وجود نصوص دستورية تؤكد على وجود أثر ما –يزداد وينقص- للشريعة في مجال البنيان التشريعي.
لدى الانتقال إلى سياق الحالة السورية عقب الثورة، وما رافقها من خطابات سياسية مختلفة ومتذبذبة تجاه هذه الإشكالية، استقر موقف القوى الثورية والمعارضة السياسي على ترك الأمور المتعلقة بمستقبل سوريا للشعب السوري، من دون إملاءات من أحد. أما من الناحية العملية، فقد اعتمدت القوى العسكرية على مرجعية الشريعة الإسلامية في الأحكام والقضاء في المناطق المحررة من باب “مرجعية الأمر الواقع”.
كان واضحاً من خلال استقراء الخطوط العامة للواقع القانوني والدستوري في جميع الدول العربية والإسلامية، أن أثر الشريعة الإسلامية على التشريع ليس مرتبطاً بالنصوص الدستورية فحسب، بل تؤثر فيه عدة عوامل لا تقل أهمية عن النصوص، أهمها: طبيعة الطبقة الحاكمة في مؤسسات الدولة- طبيعة تكوين النخب وأفكارها- الأقليات. حيث درست الورقة أثر هذه العوامل جميعاً –سواء أكان سلبياً أم إيجابياً- على مكانة الشريعة الإسلامية في التشريع.
ختاماً، بحثت الورقة الخيارات المتاحة أمام الثورة تجاه الإشكالية أعلاه في ضوء المقدمات الدستورية والسياسية المذكورة فيها، لتبين وجود مسارين اثنين: الأول تراكمي: يكرس الثوار فيه الواقع الحالي في المناطق المحررة دستورياً وقانونياً عبر النص على مرجعية الشريعة، وحسن التطبيق التشريعي والعملي لهذه النصوص، بما يؤدي إلى البناء على هذه المقدمة مستقبلاً. والثاني واقعي: يفترض بقاء الأمور على ما هي عليه حالياً، من خلال استمرار الاعتماد على الشريعة الإسلامية كمرجعية في المناطق المحررة عملياً من دون أي بعد قانوني أو دستوري.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة