أثر تغيّر قيادة حزب الشعب الجمهوري على خطاب المعارضة التركية تجاه السوريين والثورة السورية
تقرير صادر عن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري
كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية زلزالاً هز أركان المعارضة التركية، إذ بعد خسارة كمال كلتشدار أوغلو وتحالف الطاولة السداسية المعارض الانتخابات الماضية بدأت تتصاعد أصوات كثيرة داخل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، تطالب بالتغيير ومراجعة الأخطاء التي تسبّبت بهذه الخسارة، وكان على رأس حملة المطالبين بالتغيير رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو.
يدّعي من يُسمّون “أنصار التغيير” في حزب الشعب الجمهوري أنهم يطالبون بتغيير الأسماء كبيرة السن التي فشلت في عدة انتخابات بأسماء شابّة جديدة، وبتغيير سياسات التحالفات التي يتبعها الحزب في السنوات الأخيرة، وتغيير السياسات التنظيمية داخل الحزب. إلا أن الطرف المقابل وبعض المراقبين الخارجيين يتهمون أنصار التغيير بأنهم أتباع مصالح ولا يهمهم سوى تغيير رأس الحزب، وأنهم لم يغيروا أنفسهم بالأساس قبل أن يطالبوا بالتغيير[1].
وبين هذا الطرف وذاك، أجرى حزب الشعب الجمهوري المعارض مؤتمره العام الثامن والثلاثين الأسبوع الماضي، وجرت فيه انتخابات رئاسة الحزب وعملية اختيار مجلس قيادة الحزب للفترة المقبلة، والتي شهدت نجاح أنصار التغيير بقيادة أوزغور أوزال وأكرم إمام أوغلو بالإطاحة بكمال كلتشدار أوغلو من رئاسة الحزب بعد 13 عاماً قضاها في هذا المنصب، كما نجح أنصار التغيير بالحصول على أغلبية مقاعد مجلس قيادة الحزب.
يُعدّ حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، ويملك شعبية كبيرة قد تصل إلى ربع مواطني هذا البلد، كما أنه يملك تأثيراً كبيراً في رسم السياسات والضغط على الحكومة في العديد من القضايا، ما يجعل من المهم الاطّلاع على القيادة الجديدة للحزب من أجل توقّع مواقفها تجاه اللاجئين السوريين والثورة السورية.
الرئيس الجديد أوزغور أوزال
وُلِدَ أوزغور أوزال عام 1974 في ولاية مانيسا غرب تركيا لعائلة سنّية من أصول ترجع إلى مهاجري البلقان، وتخرّج من قسم الصيدلة وعمل صيدليّاً لمدة من الزمن قبل أن ينخرط في السياسة. بدأ أوزال حياته السياسية عام 2009 بترشّحه لرئاسة بلدية مانيسا الكبرى عن حزب الشعب الجمهوري، لكنه فشل في الفوز.
صعد اسم السياسي الشاب أوزال مع وصول كلتشدار أوغلو لرئاسة الحزب، وترشّح لعضوية مجلس الشعب عن ولايته عام 2011، واستمرّ بالترشح حتى الانتخابات الأخيرة عام 2023، كما ترشّح مرة أخرى لرئاسة بلدية مانيسا الكبرى عام 2014، وفشل في الفوز. صار أوزال أحد أعمدة حكم كلتشدار أوغلو داخل حزب الشعب الجمهوري، إذ استلم منصب نيابة رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب منذ 2015 وحتى هذا العام، كما يُعدّ من أقرب الأسماء لكلتشدار أوغلو طيلة هذه السنوات[2].
أعلن أوزغور أوزال ترشّحه لرئاسة الحزب بعد فشل كلتشدار أوغلو في الفوز بالانتخابات الرئاسية وتصاعد الدعوات داخل أعضاء الحزب المطالِبة بتغيير القيادات وسياسات التحالف والسياسات التنظيمية داخل الحزب، والتي كان يقودها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو. حظي أوزغور أوزال بدعم إمام أوغلو فور ترشّحه بشكل عدّه الكثيرون تفاهماً بينهما من أجل عدم خسارة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى التي ستجري بعد بضعة أشهر، وعدم ترك كلتشدار أوغلو في رئاسة الحزب لفترة جديدة. ونجح أوزال بتحقيق الفوز في الانتخابات بفارق كبير في الجولة الثانية، وصار كلتشدار أوغلو أول رئيس في تاريخ الحزب يُهزَم في الانتخابات الداخلية[3].
يرى بعض المحللين الأتراك أن أوزال لا يُعدّ شخصية قوية يمكنها فرض سياساتها على الحزب، كما أنه سيبقى مرتبطاً بأكرم إمام أوغلو، الذي له الفضل الأكبر بوصوله إلى هذا المنصب[4]. مشيرين إلى أن أكرم إمام أوغلو سيكون له تأثير كبير على قيادة الحزب، وسيبقى أوزغور أوزال مضطراً للتفاهم معه وتطبيق مقترحاته، وهذا ما تؤكده قائمة أعضاء مجلس قيادة الحزب التي ضمّت العديد من الأسماء التي تُصنّف على أنها من فريق أكرم إمام أوغلو[5].
مجلس قيادة الحزب الجديد
أعلن حزب الشعب الجمهوري عن قائمة أعضاء مجلس قيادة الحزب، الذين سيرسمون خارطة طريق الحزب للفترة المقبلة، وبدا ظاهراً من هذه القائمة وجود العديد من الأسماء الشابة مقابل الإطاحة بالعديد من الشخصيات البارزة في الحزب التي كانت حول كلتشدار أوغلو.
ويبدو في هذه القائمة وجود أسماء تُمثّل الأكراد، مثل المحامي الحقوقي سيزغين تانركولو (الذي لم تُؤكَّد عضويته في المجلس حتى الآن بسبب وجود اعتراضات قانونية قد تأخذ المزيد من الوقت لحين البت فيها)، وأسماء تُمثّل المحافظين، مثل المحامية سيفجي كلتش، وأسماء تُمثّل الأقلية المسيحية مثل سيلين سائق بوكيه التي كانت من أبرز الأسماء خلال فترة كلتشدار أوغلو أيضاً[6]. وهذا التنوع في أسماء مجلس القيادة يُعطي مؤشراً على محاولة الحزب إرضاء الشباب والفئات المختلفة من الشعب وكسب ثقتهم، وهذا قد يكون له أثر جيد على قضايا اللاجئين، إذ توجد بين هذه الأسماء شخصيات عُرفَت بمواقفها الداعمة للاجئين والرافضة للعنصرية مثل سيزغين تانركولو[7].
مواقف أوزال السابقة من اللاجئين والثورة السورية
لا يختلف أوزغور أوزال أيديولوجياً عن كمال كلتشدار أوغلو، إذ يصرّح بأنه من أتباع التيار الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط)، ويدّعي أتباع هذا التيار أنهم ليسوا ضد اللاجئين من ناحية إنسانية، لكنهم ضد السياسات التي تتسبّب بموجات اللجوء[8]. إلا أن أوزغور أوزال كانت له تصريحات ضد اللاجئين، إذ قال في الحملة الانتخابية بعد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إن تركيا تقع تحت وطأة “احتلال اللاجئين”[9].
بالنسبة لموقف أوزال من الثورة السورية ونظام الأسد، فهو لا يختلف عن كلتشدار أوغلو كثيراً، إذ يرفض التدخّل التركي في سوريا[10]، ويصف المعارضة السورية بأنها “عصابات من الجهاديّين” أو بأنهم من “المرتزقة”[11]، ويدعو لإعادة العلاقات مع نظام الأسد[12]، لكنه في الوقت نفسه له تصريحات وتغريدات سابقة تصف بشار الأسد بأنه ديكتاتور وظالم[13]، كما صرّح وقت حصار حلب عام 2016 بأنه مثلما يجب على تركيا التوقف عن دعم “الجهاديين” يجب عليها أيضًا ألا تقف صامتة أمام هذه المآسي وأن تعمل على إيجاد حلّ دبلوماسي يوقفها “من أجل حماية الأبرياء ومن أجل مصلحة تركيا”[14].
مستقبل تعامل حزب الشعب الجمهوري مع قضايا اللاجئين والثورة السورية
يضمّ حزب الشعب الجمهوري تيارات مختلفة، من أبرزها التيار الكمالي والتيار الديمقراطي الاجتماعي. كانت قيادة حزب الشعب الجمهوري منذ تأسيسه وحتى عام 2010 مائلة للتيار الكمالي الداعم للعسكر وللعلمانية المتطرفة، ويُمثّله حالياً محرم إنجه الذي استقال من الحزب، وتانجو أوزجان رئيس بلدية بولو الذي طُردَ من الحزب. بدأت موازين القوى داخل حزب الشعب الجمهوري تميل لصالح الديمقراطيين الاجتماعيين منذ وصول كمال كلتشدار أوغلو، ويُعدّ الرئيس الجديد أوزغور أوزال، وداعمه الأكبر رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو من أتباع هذا التيار. نظرياً يقف هذا التيار مع اللاجئين ويدعم حقوقهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تلتزم القيادة الجديدة بهذه المبادئ.
كانت مواقف أوزغور أوزال السابقة تجاه اللاجئين وسوريا متقلّبة وغير مستقرة، مثل مواقف كلتشدار أوغلو، ولهذا يصعب الجزم بأنه سيتخذ هذا الموقف أو ذاك بعد وصوله لرئاسة الحزب. وكانت المواقف المتقلبة خلال عهد كلتشدار أوغلو ناجمة عن مغازلته للأحزاب التي يحاول التحالف معها، إذ كانت مواقفه قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الماضية متعاطفة نسبياً مع اللاجئين وتتعهد بحل الازمة بشكل إنساني، وذلك مراعاةً لتحالفه داخل الطاولة السداسية، وبعد انتهاء الجولة الأولى وسعيه للتحالف مع حزب الظفر المعادي للاجئين أظهر الوجه العنصري بوضوح سعياً لكسب أصواته.
أما أكرم إمام أوغلو، الذي يُتوقّع أن يكون له التأثير الأكبر على قيادة الحزب، فكانت مواقفه تجاه اللاجئين معتدلة في الغالب، وإن كانت له بعض التصريحات المعادية التي لا يمكن تبريرها، مثل ادّعائه أن من أسباب الجفاف في إسطنبول هو وجود العديد من المهاجرين غير الشرعيّين في المدينة[15]. لكن بشكل عام بالنظر إلى فترة رئاسته للبلدية منذ عام 2019 لم يتخذ قرارات معادية للاجئين مثلما فعلت بلدية بولو أو بعض بلديات الأحياء التابعة لحزب الشعب الجمهوري، بل كانت لبلديته بعض البرامج والخدمات الداعمة للاجئين، وإن لم تكن بالحجم المطلوب[16].
يواجه حزب الشعب الجمهوري الآن مرحلة صعبة، إذ تفرّق تحالف الطاولة السداسية بسبب نقض كلتشدار أوغلو عهوده معهم، وكرر الحزب الجيد –ثاني أكبر أحزاب التحالف- عزمه خوض الانتخابات البلدية بمفرده أكثر من مرة[17]، كما لا تنوي الأحزاب المحافظة تكرار التحالف معه[18]، وعاد حزب الظفر المعادي للاجئين لمهاجمة حزب الشعب الجمهوري بلا هوادة، متهماً إياه بأنه حاد عن طريق أتاتورك[19]، فيما ابتعدت الأحزاب اليسارية المناصرة للأكراد عن حزب الشعب الجمهوري بسبب تحالفه مع حزب الظفر المعادي للاجئين في الانتخابات الماضية[20].
وفي أول لقاء صحفي بعد فوزه، قال أوزغور أوزال إنه يؤمن أن الحزب يجب أن يتجه لليسار أكثر من السابق، وهذا يعني -نظرياً في حال التزم بهذا الكلام- أن الحزب سيتخذ مواقف أفضل تجاه قضايا الأقليات وحقوق الإنسان، ما قد ينعكس إيجاباً على خطاب الحزب تجاه اللاجئين، أو ربما قصد أوزال بهذا الكلام التوجه يساراً باتجاه التيار الكمالي، والذي يعني اتخاذ سياسات أكثر تعصباً للعلمانية المتطرفة ومعادية المتديّنين، لكن هذا يبدو مستبعداً، لأن الحزب يسعى منذ سنوات لتحسين صورته أمام المحافظين، وكان أوزال جزءاً من الإدارة التي سعت لهذا الهدف. وأشار أوزال في هذا اللقاء إلى أنه سيعود لمناقشة قادة الأحزاب الأخرى، وبالأخص الحزب الجيد، من أجل التعاون في الانتخابات البلدية، لكن بصيغة مختلفة عن تحالف الطاولة السداسية، وستكون لنتيجة هذه المشاورات أثر مباشر على خطاب حزب الشعب الجمهوري تجاه اللاجئين[21].
من المرجح أن تكون مواقف قيادة حزب الشعب الجمهوري الجديدة غير نابعة من مبادئ وأيديولوجيات إذا كان أوزال مثل رئيسه السابق كلتشدار أوغلو براغماتياً يُغيّر مواقفه بناءً على الظروف المحيطة به. لذا قد يكون لسعيه في إعادة كسب التحالف مع الحزب الجيد أثر في استمرار الخطاب ضد اللاجئين السوريين، وذلك لحين انقضاء الانتخابات البلدية المقبلة، إلا أن الحزب الجيد لم يُعطِ إلى الآن أي بوادر انفتاح على إعادة التحالف أو حتى التعاون الجزئي مع حزب الشعب الجمهوري رغم تغيّر قيادته، وستُظهِر الأيام والأسابيع المقبلة تطورات حاسمة بشأن الشكل الأخير للتحالفات قبل الانتخابات البلدية.
قد يؤثر رفض الحزب الجيد التحالف مع حزب الشعب الجمهوري من جديد واستمرار حزب الظفر المعادي للاجئين بمهاجمة حزب الشعب الجمهوري في ابتعاد القيادة الجديدة عن الخطاب اليميني ومحاولتهم التوجه نحو قاعدة حزبهم الأساسية في يسار الوسط، والتقارب مع الأحزاب اليسارية الداعمة للأكراد والأقليات الأخرى، ما يعني تخفيف حدة الخطاب المعادي للاجئين وإعادة استخدام الخطاب الإنساني الذي يدعو لحل هذه المشكلة في إطار حقوق الإنسان. وقد يحدث هذا التغيير بشكل أوضح بعد الانتخابات البلدية التي ستجري في آخر شهر مارس/آذار المقبل.
الخلاصة
رغم تغيّر قيادة حزب الشعب الجمهوري بشكل كبير إلا أنه لا يُتوقّع أن يكون هناك تغيير في طريقة تعامل الحزب مع اللاجئين أو مع القضية السورية، وذلك حتى انتهاء الانتخابات البلدية على أقل تقدير، إذ سيحاول الحزب عدم إغضاب الناخبين القوميين، وهذا يعني أنه سيستمر على الأرجح في استخدام الخطاب المعادي للاجئين، وإن كان ذلك بنبرة أخف مما حدث بعد الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية الماضية.
قد يكون لموقف الحزب الجيد أثر كبير ومبكّر في هذه المسألة، إذ إن رفضه التحالف مع حزب الشعب الجمهوري سيدفع بالقيادة الجديدة للتوجه نحو حزب مساواة الشعوب والديمقراطية (HEDEP) الداعم للأكراد والأقليات، وهذا سيعني تحسن خطاب حزب الشعب الجمهوري تجاه اللاجئين بشكل طفيف واتخاذه مواقف أفضل مقارنة بالفترة السابقة.
يصعب التكهّن بمواقف الحزب التي سيتخذها بعد انتخابات البلديات، إذ ستحدد النتائج طبيعة سياسة الحزب خلال السنوات المقبلة، وسيبدأ بالتخطيط بشكل مختلف بناءً على هذه النتائج من أجل تحسين أدائه في انتخابات 2028.
وبشكل عام، سواء كان ذلك فيما قبل الانتخابات البلدية أو ما بعدها، لا يتوقع أن يتجاوز عداء حزب الشعب الجمهوري للاجئين عن التصريحات والخطابات الإعلامية، إذ ستضطر بلدياته للتعامل مع الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية من أجل الحصول على تمويل لمشاريعهم، وهذا يستلزم منهم الاعتدال في تعاملهم مع اللاجئين على أرض الواقع وعدم اتخاذ قرارات عنصرية تمييزية، وهو ما حدث فعلاً منذ عام 2019 بعد فوز الحزب بالعديد من البلديات الكبرى.
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري