
الاتفاق بين السلطة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”: آمال كبيرة في مواجهة التحديات
تقرير صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري
تمهيد:
في ظل توترات مستمرة داخلياً وخارجياً جراء انفجار المشهد في مناطق الساحل السوري، واحتكاكات عسكرية في مدينة حلب بمحيط أحياء سيطرة “قسد” وعلى خط الجبهة المشتعلة في سد تشرين، أُعلن مساء يوم الاثنين 10/3/2025 عن اتفاق بين رئيس الجمهورية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي مؤلفاً من ثمانية بنود رئيسية، وهو ما وُصِف سريعاً بالاتفاق “التاريخي” أو أبرز الأحداث بعد التحرير، وأشعل موجة من الاحتفالات الواسعة في مختلف المناطق السورية بما فيها مناطق الجزيرة السورية.
قبل تحليل بنود الاتفاق وما يمكن أن يُبنى عليه يمكن الوقوف على الملامح الأساسية للسياق الداخلي والإقليمي والدولي بوصفه الإطار الأوسع المساعد على فهم التغيُّر الأخير وفرص نجاحه ودلالات ذلك والتحديات المختلفة.
سياق معقّد ومتغيّر:
بعد إسقاط نظام الأسد البائد، بدأت محاولات سياسية للوصول إلى اتفاق ما بين “إدارة العمليات العسكرية” من جهة وبين “قسد”، والتي راوحت بين طرحين اثنين؛ الأول: هو طرح الاندماج الكامل مع السلطة الجديدة وتحت راية وزارة الدفاع عسكرياً، والثاني: طرح بقاء “قسد” كتلة عسكرية داخل مؤسسات الدولة بما يُرسّخ ويشرعن الإدارة الذاتية[1]، بالتزامن؛ استضافت الأخيرة مؤتمراً للحوار بعد عدم اعترافها بمؤتمر الحوار الوطني، ضمّ قوى من السويداء والساحل تتشارك جميعها الموقف في رفض التجاوب مع خطوات السلطة الجديدة بعد مؤتمر النصر[2].
ليأتي التمرُّد المسلح لفلول نظام الأسد البائد في الساحل السوري مع ما رافقه من تصاعد خطاب الفلول “الطائفي”، وسعي من قبلهم لربط هذا التمرد بتحرك عسكري لـ “قسد”، وآخر في الجنوب من المجلس العسكري المتواصل مع “إسرائيل”، وهو ما عقّد الحسابات، وغطّى على الأنباء التي تصدر حول المفاوضات بين الطرفين، رغم إعلان “قسد” عن استبعادها للحل العسكري والتمسُّك بخيار التفاوض[3].
إقليمياً؛ كانت أبرز القضايا ذات الصلة مرتبطة بطبيعة الحال بتركيا التي استمرت في شنّ هجمات جوية عسكرية، خاصة على خطوط الاشتباك شرق حلب من جهة، وتوصّلت لاتفاق مع عبد الله أوجلان الذي وجَّه دعوات لترك السلاح بناءً على تغيُّر الظروف الداعية لذلك[4]، وهو ما شكلّ ضغطاً على مشروع “قسد” مع تلويح تركي مستمر بشن عملية واسعة إذا لم تستجب “قسد” لدعوات السلام.
ترافق ذلك مع تصريحات وتحرُّكات “إسرائيلية” في الجنوب السوري، تؤكد على وجود توجُّه لدى الأخيرة بإضعاف الحكومة المركزية في دمشق، وتعزيز أي تحرُّك ذي نزعة انفصالية يقف عائقاً أمام وحدة الأراضي السوري وتوحيد السلاح تحت قيادة وزارة الدفاع.
أما دولياً؛ لم تُظهر الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً واضحاً حول المفاوضات التي كانت مستمرة بين الإدارة الجديدة في دمشق و”قسد”، إلا أن التوقُّعات والتسريبات التي تحدثت عن وجود خطط لدى إدارة ترامب للانسحاب من شمال شرق سوريا باتجاه التنف شكّلت ضغطاً مهماً على “قسد”، في حين كانت المواقف الأوروبية عموماً والفرنسية على وجه الخصوص داعمة للتوصُّل لاتفاق ما.
إيجابيات الاتفاق ومضامينه: بين القضايا الحاضر ة والغائبة:
ثمة الكثير من الإيجابيات للاتفاق بين الإدارة الجديدة و”قسد”، من أبرزها:
- بدَّد الاتفاق ولو مرحلياً، فكرة تقسيم سوريا، وضرب المؤامرات التي كانت تُحاك بخصوص ذلك. مع ذلك لا يزال هناك عدم الوضوح بشأن تخلّي “قسد” عن مشروع الفدرلة خصوصاً أن بيان “الإدارة الذاتية” أشار إلى أن الاتفاق يحافظ على سوريا دولة موحَّدة لا مركزية.
- تحسُّن تدريجي لبعض الخدمات فيما لو عادت حقول النفط والغاز إلى سلطة دمشق، بينما لا يُعرف بعد موقف التحالف الدولي المسيطر الحقيقي على الحقول.
- انتزاع ورقة سجون “داعش” من “قسد”، حيث من المتوقع أن يتم إيكال تلك المهمة إلى السلطات السورية، بالتالي سحب أهم ورقة تملكها “قسد” حول ملفّ المقاتلين الأجانب، ما يُضعف أيَّ حجّة للتحالف الدولي في دعمها مستقبلاً.
- تعزيز شرعية الإدارة السورية الجديدة، بما سيُقوّي مطالبها برفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا.
- تقليص نفوذ القوى الخارجية التي كانت تحاول التأثير على سوريا عبر “قسد”، وخاصة “إسرائيل”، وكذلك إيران التي كان لها تأثير على بعض الأجنحة داخل حزب العمال الكردستاني.
أما فيما يتعلق بمضامين الاتفاق، فقد جاء أقرب إلى اتفاق مبادئ، وهو ما جعله مُركَّزاً ومختصراً على القضايا الكبرى من دون تفاصيل، وفق ما يلي:
1- أبرز القضايا الرئيسة الحاضرة في الاتفاق:
- القضايا العسكرية الرئيسية: وتشمل وقف إطلاق النار في جميع المناطق، ودمج القوة العسكرية لـ “قسد” مع الدولة، ودعم الجهود العسكرية للدولة في مكافحة فلول نظام الأسد البائد وكافة التهديدات التي تنال من وحدة الدولة وأمنها، وهو ما يفتح الباب أمام التعاون لمواجهة خلايا “داعش” وأيّ تحرُّكات انفصالية.
- القضايا الإدارية الرئيسية: والتي تشمل دمج مؤسسات الإدارة الذاتية في مؤسسات الدولة مع التركيز على المعابر والمطار وحقوق النفط والغاز، وهو ما يعني أن المرافق العامة ستكون ملكيتها وطنية، وتحت إدارة السلطة المركزية في دمشق.
- قضايا الحقوق الأساسية للسوريين الكرد، والتي تُركّز على ضمان المشاركة المتساوية في إدارة الدولة على أساس الكفاءة، مع التصريح بالحقوق الدستورية للمجتمع الكردي بصفته مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية، إلى جانب التأكيد على عودة المُهجَّرين، ويقصد بذلك مهجّرو مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض من جهة، والمهجرون من مناطق شمال شرق من جهة أخرى.
- التأطير الزمني، حيث وضع الاتفاق حداً زمنياً أقصى لتنفيذه ينتهي مع نهاية عام 2025، وتتولّى بموجبه لجان تنفيذية قيادة الخطوات العملية لوضع الاتفاق موضع التنفيذ.
2 – أبرز القضايا الرئيسية الغائبة عن الاتفاق:
- غابت التفاصيل عن الاتفاق، مما يسمح بدوره بالتأويل والتفسير. على سبيل المثال، لم يتم النص على طريقة دمج القوات العسكرية لـ “قسد” ضمن قوات وزارة الدفاع، هل ستدخل كتلة أم أفراداً؟ كذلك لم يوضح الاتفاق طريقة إدارة المنطقة وتوزيع الثروات.
- لم يقدم الاتفاق أي ضمانات لاستمرار الاتفاق وعدم الانقلاب عليه، وهو ما يمكن التوسُّع به في إطار التحديات المختلفة.
- لم يتطرق الاتفاق إلى قضية المقاتلين الأجانب في صفوف “قسد”.
- كان واضحاً غياب العنوان الرسمي للدولة السورية، وهو: الجمهورية العربية السورية، وهذا ما يشير إلى الحرص على الابتعاد عن القضايا الخلافية الكبرى وترحيلها للمستقبل[5].
نظرة على المواقف الأولية من الاتفاق:
- تركيّاً، مع غياب الموقف الرسمي في الساعات الأولى، يمكن القول: بأن ما حصل ليس بعيداً كلياً عن المصالح التركية، وهو ما ركّزت الكثير من الصحف والشخصيات على إبرازه مباشرة، والتي يظهر سبر العديد منها عن وجود تفاؤل حذر تجاه الاتفاق، وارتياح حول فكرة انتهاء أو تأجيل أخطار التقسيم في سوريا التي كانت تقف وراءها كل من “إسرائيل” وإيران، مع التشكيك في إمكانية تطبيق الاتفاق بشكل كامل وتخفيف حدة اللهجة الإعلامية في العديد من الصحف تجاه “قسد” مثل: عدم وصفها بالإرهاب[6]. أما ميدانياً، فقد استمرت بعض الغارات الجوية التركية على خطوط الاشتباك في سد تشرين.
- عربياً، أعلنت كلٌّ من قطر والمملكة العربية السعودية والأردن ترحيبها بالاتفاق بوصفه بوابة للأمن والاستقرار في سوريا، مع الإشارة إلى ضرورة احتكار الدولة للسلاح في جيش واحد.
- عبّرت الصحافة “الإسرائيلية” عن التغير الدراماتيكي والمفاجئ الذي أحدثه الاتفاق خصوصاً أن الأخيرة كانت تُعوّل على مشروع “قسد” في تنفيذ مصالحها في تقسيم سوريا. في الوقت الذي شنّ فيه سلاح الطيران “الإسرائيلي” هجمات على مواقع عسكرية في جنوب دمشق وريفها الغربي، مما يكشف عن امتعاض واضح ورد فعل عسكري[7].
- دولياً، كشفت التصريحات الأولى المتداولة عن رعاية أمريكية وفرنسية لجولة المفاوضات[8]، في مقابل تسريبات أخرى عن مساهمة تركية أيضاً.
التحديات الرئيسية لتنفيذ الاتفاق؛ بين العوامل الداخلية والخارجية:
على الرغم من موجة التفاؤل الكبيرة في صفوف السوريين، والتي رافقت الإعلان عن الاتفاق، خصوصاً أن الكثير منهم نظروا للأمر على أنه نهاية لخطر تقسيم سوريا، وإحباط المخططات الإيرانية -الإسرائيلية بهذا الخصوص، فإن العديد من التحدّيات تعترض تنفيذ هذا الاتفاق، من أبرزها:
- موقف التيار غير السوري في “قسد” وفي مقدمته تيار pkk، وقوى راديكالية أخرى كالشبيبة الثورية[9]، وإمكانية انقلابها على الاتفاق أو تفجير الموقف عملياً، وهو ما ظهرت بعض بوادره سريعاً عبر أنباء عن إنزال العلم السوري في الحسكة وفضّ احتفالية المواطنين بالاتفاق واعتقال بعضهم.
- القدرات الفعليّة على الاندماج في مؤسسة عسكرية واحدة بين قوى خاضت حروباً لفترة طويلة، وخاصة فصائل الجيش الوطني وتشكيلات “قسد”، ما يُشير إلى أن وحدة القرار العسكري لن تكون بالأمر السهل. والأمر ذاته ينطبق على المؤسسة الأمنية السورية، وإمكانية استيعاب الجهاز الأمني لـ “قسد” “الأسايش”؛ إذ إن تفكيك هذه الأجهزة ودمجها في مؤسسات الدولة كأفراد سيُضعف موقف “قسد” والمكتسبات التي حقّقتها على مدار السنوات السابقة، والقبول بإدخالها كتلاً خاصة في مناطقها سيُشجّع بقية المكونات مثل الدروز والعلويين والتركمان وغيرهم على المطالبة بالمعاملة نفسها، ما يُهدّد وحدة مؤسسات الدولة السورية.
- وقف خطاب الكراهية وتأثير اللوبيات والشبكات الإعلامية التي تستطيع شدّ العصب الهوياتي، مما قد يهدد بإمكانية تفجير الوضع في أي لحظة، خصوصاً أن هذه الشبكات الإعلامية، وفي كل الاتجاهين، تمتلك تاريخاً طويلاً من تبادل الخطاب الإقصائي والتخويني، وما تزال تعمل بعيداً عن سيطرة الإدارة الجديدة.
- تحقيق العدالة ورد الممتلكات وتسوية النزاعات والقضايا ذات البعد العشائري في مناطق عديدة شمال شرق سوريا.
- المواقف الإقليمية لجهة قبول تركيا بالاتفاق إذا تم تجاهل قضية الاندماج الكامل، وإبقاء التيار المسلح الأجنبي في “قسد”، وإمكانية استمرار العمليات العسكرية تبعاً لذلك، ومن جانب آخر انعكاس هذا التطور على خطط “إسرائيل” في تأسيس كانتون جنوب سوريا والمضي في مشروع “ممر داوود”.
الإجراءات المطلوبة لنجاح الاتفاق: خطوات تعزيز الثقة:
- تطبيق الاتفاق على نموذج مُصغَّر، كأن تكون مدينة حلب محلّه، خصوصاً أن المدينة تحتوي على أحياء ذات غالبية كردية، وفيها خطوط اشتباك، ووجود عسكري وأمني للقوات التابعة لـ “قسد”، وبالتالي يمكن اختبار إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق في تلك البقعة كنموذج، قبل الانتقال لتنفيذه بشكل شامل على كامل شمال شرق سوريا.
- البدء فعلياً بانسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا بما يُقوّي موقف الجناح السوري في “قسد” نحو دمشق، ويُضعف موقف التيار الأجنبي داخلها، والذي من الواضح أنه يُعارض الاتفاق، وسيسعى لإفشاله.
- فتح خط ساخن بين الطرفين من أجل احتواء أي تصعيد أو انتهاك لوقف إطلاق النار.
- إنهاء “قسد” لحملات التجنيد القسري، والعمل على إطلاق سراح الأطفال المجنّدين قسراً خلال الفترات الماضية والتي شكّلت استراتيجية للتيار القنديلي و”الشبيبة الثورية”.
- وضع خطة جزئية لإعادة بعض النازحين والمهجّرين قسراً إلى مناطق السيطرة المختلفة، كنوع من اختبار النوايا، وإعطاء إشارات إيجابية للسكان؛ سواء العرب أو الكرد على إمكانية تنفيذ الاتفاق.
- استلام أمن الحدود السورية التركية من قبل قوات وزارة الدفاع السورية كخطوة ذات أولوية يمكن أن تؤدي لإراحة أنقرة، ويعطي إشارات واضحة بُمضيّ “قسد” في تنفيذ الاتفاق.
- النص في الإعلان الدستوري المرتقب على ضمان الحقوق الثقافية لجميع المكوّنات السورية.
- تجريم خطاب الكراهية عبر عقوبات رادعة، وتنفيذ هذه النصوص بشكل صارم بما يُشكّل خطوات رادعة للتحريض الهوياتي في ثنائيات (عرب – كرد)، ويعيق التحريض الشامل من بعض اللوبيات المرتبطة بـ “قسد” ضد الإدارة الجديدة في أوروبا.
- تصريح “قسد” بإيقاف علاقتها مع “إسرائيل”، واتخاذ خطوات واضحة في هذا الصدد، بما يشير إلى اتخاذ “قسد” خطوات فعلية في اتجاه إيقاف دورها الوظيفي إقليمياً، وانخراطها الجاد في مشروع “الدولة السورية الموحدة”.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة