الإصداراتالتقارير الموضوعية

الحراك الشعبي ضد “هيئة تحرير الشام – هتش”: الديناميات والمآلات

تقرير تحليلي بُني على مدخلات مجموعة من الخبراء في ندوة لمركز الحوار السوري

مقدمة:

دخلت الاحتجاجات ضد “هيئة تحرير الشام-هتش” شهرها الثاني مع انخفاض نسبي في نقاط وعدد المتظاهرين ضمن مناطق إدلب وريف حلب الغربي، وسط تهديدات أطلقها قائد “هتش” أبو محمد الجولاني بعدم تجاوز ما سماها “الخطوط الحمراء”[1].

طرحت هذه الاحتجاجات أسئلة مهمة حول طبيعة المطالب التي خرجت بها، والشرائح والمناطق التي شاركت فيها، إلى جانب العوامل التي أثرت عليها، إلى جانب سيناريوهاتها في ظل سعي “هتش” لتطويقها وإبداء مرونة في التفاعل معها.

وكان مركز الحوار السوري قد أصدر تقريراً بعنوان: “المظاهرات ضد “هيئة تحرير الشام-هتش”.. محرّكاتها وآثارها ومستقبلها[2] بهدف تسليط الضوء على العوامل التي ساهمت في تصاعد الاحتجاجات الشعبية مع التركيز على العوامل الداخلية المرتبطة بالصراع داخل أجنحة “هتش” والعوامل الاقتصادية وعامل “الموقف التركي”، إلى جانب السعي إلى استشراف سيناريوهات هذا الحراك ومستقبله.

وسعياً لاستكمال النقاش حول الخلاصات التي خرج بها ذلك التقرير، أقام مركز الحوار السوري ندوة افتراضية بعنوان: “الحراك الشعبي ضد هيئة تحرير الشام “هتش”: الديناميات والمآلات” وذلك يوم السبت 6 رمضان 1445هـ، الموافق لـ 16 آذار/مارس 2024م ، بمشاركة واسعة من سياسيين وناشطين وصحفيين وباحثين وعاملين في مؤسسات المجتمع المدني، كما ضمّت الندوة ثلاثة خبراء متحدثين، إضافة لمداخلات مُجدولة بهدف تغطية جميع جوانب الحراك ومآلاته ومستقبله.

وقد أُعدّ هذا التقرير الموضوعي من خلال اتباع قاعدة “تشاتام هاوس”[3]، ومن دون التقيّد بالترتيب الزمني للعرض والمداخلات، وتم التقسيم الموضوعي للتقرير بقصد ترتيب الأفكار بطريقة سلسة وموضوعية تساعد القارئ- ما أمكن- على فهم المضمون.

ينقسم التقرير إلى أربع فقرات: تناقش الأولى العوامل المؤثرة في الحراك الشعبي ضد “هتش”، وتتناول الثانية الأسباب التي أدت إلى غياب المجتمع المدني ومؤسسات المعارضة الرسمية عن تأييد الحراك ودعمه، فيما أوضحت الثالثة إمكانية أن تساهم المظاهرات الحالية في سحب شرعية “هتش”، لتختم الرابعة بمواقف الهيئات الشرعية من الاحتجاجات.

أولاً: العوامل المؤثرة في الحراك ضد “هتش”.. بين المدّ والجزر: 

أشار أحد الباحثين إلى دور العامل الأمني في تأجيج الاحتجاجات ضد “هتش” خصوصاً ما لجأت إليه في السنوات الأخيرة من الحكم بقبضة من حديد، معتبراً أن التجاوزات طالت المقيمين والمهجّرين، ولذلك فإن الاحتجاجات الحالية ليست من أهل إدلب فقط بل من كل السوريين المُهجّرين في إدلب التي وصفها بـ”سوريا الصغرى”، معتبراً أن خروج مئة شخص في التظاهرات بمثابة خروج مئة ألف بسبب التحديات الأمنية، وهو ما أيّده ناشط في الحراك، موضحاً أن “هتش” تتحكم بأبسط تفاصيل المجتمع وتدقيقها على مجموعات “الواتس أب” الخاصة بالإعلام والمخيمات وغيرها، الأمر الذي يجعل من الصعب حشد الناس للتظاهر. يختلف أحد الصحفيين مع وجهة النظر المتقدمة، منتقداً ضعف التفاعل مع الحراك بالشكل اللازم من قبل ناشطي المنطقة، الأمر الذي انعكس -من وجهة نظره- بشكل سلبي على حجم الحراك.

إلى جانب عامل القبضة الأمنية، أشار أحد المشاركين إلى عامل داخلي مرتبط بالصراع داخل التيارات العسكرية ضمن “هتش”[4]، مبيناً أن بعض العسكريين فيها كان لهم دور في دعمها وتحريكها بسبب سخطهم من قيادة الجولاني، لاسيما من الذين لديهم امتدادات شعبية وعائلية وعشائرية، وهو ما أيده مشارك آخر مشيراً أنه “لولا الانقسام الداخلي في “هتش” لما تمكّن الحراك من الظهور والتوسّع والاستمرار، خصوصاً أن الناس استشعروا أن “هتش” تُعاني من ضعف يمكن استثماره”، وهنا أوضح باحث سياسي أن الجولاني لا يملك عصبة قوية تقف بجانبه، الأمر الذي قد يرجح تصاعد الصراع الداخلي في “هتش” الذي بدوره قد يساهم في زيادة الاحتجاجات أو على الأقل استمرارها.

وعند هذه النقطة، أشار أحد الناشطين المشاركين في الاحتجاجات إلى أن دوافع الحراك ليست الصراعات الداخلية في “هتش”، لكن الأخيرة أعطت المساحة للتحرُّك على الأرض، معتبراً أن الحراك انطلق من “لحظة عاطفية” تُذكّر ببدايات الثورة وتُذكّر بالمعتقلين، وذلك بعد استخراج جثة أحد المعتقلين الذين قُتِلوا تحت التعذيب في سجون “هتش”. وهذا ما أيّده أحد الباحثين مستدّلاً بأن حادثة أطفال درعا ليست سبب الثورة على نظام الأسد، بل كانت شرارة الثورة.

فضلاً عن العاملين السابقين، أشار أحد المشاركين إلى عامل الأفراد والعناصر والفصائل الذين طاردتهم “هتش” في الفترة الماضية مثل “جند الأقصى” و”حراس الدين”، وهنا يرى ناشط إعلامي أن التيار الأخير من أخطر التيارات لأنه قد يلجأ لخلط الأوراق من أجل الانتصار على الجولاني. مثل: القيام باستهداف المتظاهرين على اعتبار أن مثل تلك التنظيمات دعمت الحراك لأهدافها الخاصة وليس للأهداف التي خرج لأجلها السوريون.

إلى جانب العوامل المحفزة السابقة، ذكر المشاركون وجود عوامل أخرى من بينها: استحواذ أذرع الجولاني على المفاصل الاقتصادية، وكثرة الضرائب التي تفرضها “حكومة الإنقاذ” (الذراع المدني والإداري لـ”هتش”) على الأهالي، حتى إن الضرائب تطال ترميم البيوت وسط ارتفاع نسبة الفقر بالمنطقة[5].

أما بخصوص دور العامل الدولي في الاحتجاجات الحالية، رأى أحد المشاركين أنه يكاد يكون معدوماً في الوقت الحالي مع ضعف تأثير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الأرض في المنطقة، مرجعاً التأثير بشكل رئيسي -إن حصل- للعامل التركي بحكم وجود قوات عسكرية وأمنية لأنقرة في المنطقة، وارتباط الأخيرة بعدة اتفاقيات مع روسيا وإيران حول الهدنة الحالية في شمال غربي سوريا، وبالتالي تكون تركيا هي الدولة الأكثر ترجيحاً للتأثير على الحراك سلباً أو إيجاباً[6].

بالمقابل، اعتبر أحد المشاركين أن المظاهرات التي انطلقت ضد الجولاني في مناطق انتشار الجيش الوطني مثل أعزاز والباب كان لها أثر سلبي على الحراك؛ لأن الكثير من سكان المنطقة قد لا ينظرون بعين الرضا للقيادات ونموذج الحوكمة القائم هناك.

ثانياً: لماذا لم يُدعم الحراك من “مؤسسات المعارضة الرسمية” والنقابات ومنظمات المجتمع المدني؟

وبالرغم من مُضيّ نحو شهر على الحراك إلا أنه لوحظ عدم تلقيه الدعم اللازم من قبل النقابات والجامعات ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام، وهنا يشير صحفي مشارك في الندوة إلى ضعف تأثير الناشطين وغياب أدوار المنظمات والقوى السياسية والاجتماعية والعشائرية والسياسية عن دعم الحراك في منطقة إدلب وريف حلب الغربي، الأمر الذي يُدلّل على استنساخ “هتش” نموذج نظام الأسد في السيطرة على قوى المجتمع، لكنه حمّلّ، في الوقت ذاته، مؤسسات المعارضة الرسمية مسؤولية عدم إظهار التضامن والتعاطف مع الحراك في مناطق “هتش” على الأقل من الناحية السياسية للتواصل مع الدول وتبرير الحراك ودعمه.  بينما رأى آخرون أنه لا يجب المبالغة بالحديث عن عدم خروج الناس بكثافة أو عدم تأييد الحراك من قبل المنظمات والهيئات، وذلك لأن الناس قد تتحيّن الفرصة المتاحة لها كي تدخل الحراك مثلما حصل في بدايات الثورة ضد نظام الأسد عام 2011، حيث خرجت أعداد قليلة ثم لاحقاً توسعت الأعداد وشاركت النخب في الاحتجاجات أيضاً.

ويبدو أنه ليس من السهل -وفق باحث سياسي- دعوة الناس للخروج وتأييد الحراك ضد “هتش”، خاصة أن قسماً كبيراً من السوريين في المنطقة مهجّرون من مناطق أخرى، ويتخوفون من تكرار النزوح من جديد عند حصول تطورات عسكرية وأمنية غير محسوبة، موصِّفاً “هتش” بسلطة الأمر الواقع التي لا يمكن تجاوزها من خلال “الرغبات فحسب” دون الأخذ بعين الاعتبار طريقة تعاملها مع الخصوم في حال تصاعد المشهد الحالي.

وهنا أشار بعض المشاركين في الندوة إلى قضية البديل عن الجولاني في ظل الحراك الحالي؛ فكثير من السكان ربما يُحجمون عن الحراك لأنهم لا يرون برنامجاً واضحاً له يمكن البناء عليه للاستمرار به ودعمه[7].

ومع عدم تلقي الحراك الدعم اللازم إلى الآن فإن البعض يرى أن الجولاني قد يتمكن من تقويض الاحتجاجات عبر الاستجابة لمطالب فئات خرجت لأهداف خاصة بها، مثل: العسكريين الناقمين عليه، أو الفئات التي خرجت لأسباب اقتصادية فقط، وليس لمصلحة وطنية، وبالتالي فإن الحراك قد يواجِه استعصاءً لأن القوى الفاعلة فيه ربما تعود لحظيرة الجولاني، وسيجد الناشطون المشاركون في الحراك أنفسهم وحيدين بمواجهة “هتش”.

وتشير طريقة تعاطي “هتش” مع الاحتجاجات ولجوؤها إلى سيناريو الاحتواء إلى أنها استفادت بشكل أو بآخر من طريقة تعاطي نظام الأسد و”قسد” مع المظاهرات في مناطق سيطرتهما، إذ تبدو “هتش” مُقلّدة إلى حدٍ ما لنظام الأسد في استراتيجية التعاطي مع احتجاجات السويداء، ولا يعني ذلك أنها قد لا تلجأ للعنف مثلما فعلت “قسد” مثلاً في التعاطي مع انتفاضة العشائر ضدها، وفق رأي إحدى المشاركات في الندوة.

ثالثاً: هل يمكن للمظاهرات أن تسحب شرعية الفصائل العسكرية؟ 

منذ خروج التظاهرات ضد “هتش” وارتفاع سقفها إلى حد المطالبة بإسقاط الجولاني طفت إلى السطح الكثير من التساؤلات حول الجدوى من رفع ذلك الشعار، خصوصاً أن الشعب لم يمنح “هتش” الشرعية حتى يسحبها منها وفق ما يرى البعض.

وفي هذا السياق، يرى أحد الباحثين المشاركين في الندوة أن الشرعية السياسية وشرعية بناء السلطة في مرحلة الثورات يكتنفها الكثير من الإشكاليات والتحديات، والأصل أن الشعب السوري في شمال غرب البلاد لم يعطِ أي قوة من قوى الأمر الواقع أية مشروعية.

ومع فقدان “هتش” مشروعية الاعتراف الدولي وانعدام المشروعية القانونية باعتبار تصنيفها على لوائح “الإرهاب”، وانعدام المشروعية السياسية باعتبار أنها لم تأت ضمن عقد اجتماعي وتوافقات وطنية إنما جاءت بالتغلب يتم الحديث اليوم عن “مشروعية الإنجاز”، أي إنها ترفع شعارات بسط الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي للحصول على الشرعية، كما يتم الحديث باستمرار عن المقارنة بين إدلب وريف حلب (مناطق انتشار الجيش الوطني) من جهة أنه في حال ذهاب القوة المركزية (هتش)، فبديلها ستكون الفوضى الفصائلية[8].

إذن يمكن القول إن هناك أزمة شرعية في “هتش” من كل الجوانب؛ دينية وسياسية وقانونية ودولية، وباستطاعة الحراك الشعبي أن ينتزع شرعية “هتش”، ويُثبت أن هناك عملية تلبيس لديها خاصة مع المجالس الصورية التي أنشأتها وادّعت أنها منتخبة وممثلة للشعب من أجل أن تبني مشروعية وهمية، وبالتالي فإن دور المظاهرات إثبات أن ما يتم ممارسته باسم الشعب والمجتمع الأهالي والمدني في إدلب وريف حلب الغربي ليس له أي سند قانوني أو معنوي، وهذا ما يقود إلى نتيجة أن نزع الشرعية شيء وإسقاط السلطة شيء آخر، فإسقاط السطلة بحاجة لشروط ذاتية موضوعية معقّدة ربما غير متوفرة في السياق الحالي، وسط توافق دولي غير معلن على أن القوة الحالية “هتش” قادرة على أن تدير المنطقة بشكل مستقر بناء على مصالح الإقليم والمجتمع الدولي، وليس بالضرورة بناء على مصالح السوريين،

ومما يُلاحظ في ديناميات الحراك الثوري إلى الآن ضد “هتش” أنه لم يُصدِّر قيادات رمزية، في تكرار لإشكاليات الحراك في 2011، وعدم وجود خطة عمل واضحة أو طرح مشروع بديل مثل ورقة مكتوبة تُوصِّف الحالة السياسية في إدلب وتُعرِّف بهوية المنطقة التي يتم التحرك فيها، وذلك لأن الكثير من الناس لا يتظاهرون إذا لم يكن البديل واضحاً في ذهنهم، وبالتالي فإن الحراك قادر على نزع الشرعية إذا حقق هذه الشروط وأبرزَ شخصيات رمزية موثوقة لدى الشعب السوري محل أغلبية ولديها مشروع سياسي بديل ومقنع، واستطاع أن يُحدِث انقساماً ضمن الكتلة الصلبة في “هتش”.

رابعاً: موقف الهيئات الشرعية من الاحتجاجات ضد “هتش”:

يرى أحد الباحثين أنه وعلى الرغم من أن الفرصة سانحة في ظل نضوج الثورة في أذهان الناس، فإن الخطاب الشرعي إجمالاً لم يواكب الأحداث لأسباب كثيرة، منها عدم الاعتراف بالأخطاء وعدم التأصيل الحقيقي وعدم مواجهة الاستحقاقات التي جعلت “هتش” تتمدد، بينما اقتصر الخطاب في غالبه على أمرين، وهما: قضيتا “الظلم” و”العمالة”، وهما غير مؤثرين كثيراً لأن موضوع الظلم مثلاً وقعت به الكثير من الفصائل، كما إن “العمالة” لم تُبنَ على أدلة قضائية.

وتابع مفصِّلاً في مواقف الجهات الشرعية تجاه الحراك الشعبي، حيث أنها لم تكن مواقف واحدة، وانقسمت ما بين مؤيد ومناهض له، حيث يمكن التمييز بين أربعة اتجاهات:

  • الاتجاه الأول: داعم للحراك ومؤيد له؛ تبنى هذا الدعم كيانات شرعية كثيرة وكان صوتها الأعلى ولا يلزم أن يكون الأكثر تأثيراً، بالنظر إلى أن هذه الكيانات التي دعمت الحراك، كان لكل منها دوافعه الخاصة.
  • الاتجاه الثاني: داعم للحراك بتحفّظ خشية استغلاله من جهات أخرى مشبوهة، وهذا الاتجاه سلكته الجهات ذات الطابع الجامع الذي لا يغلب عليه تيار فكري معين، وهي ذات الوزن الأهم في الثورة حالياً ممثلة بالمجلس الإسلامي السوري.
  • الاتجاه الثالث: داعم للحراك جزئياً؛ حيث إنها تؤيد في بعض المطالب، وتتحفظ على أخرى، وهذا الاتجاه ذهب إليه بعض الدعاة والمشايخ ممن انخرط في العمل الدعوي تحت سلطة الأمر الواقع في إدلب رغم الاختلاف المنهجي مع فكر الهيئة، ويرون أن المطالب محقة فيما ما يتعلق بالحريات وتحسين الحالة المعيشية ودافعهم إلى ذلك الصورة القاتمة عن المناطق الموازية في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، بالإضافة إلى خشيتهم من الفوضى في حال سقوط “هتش”، ويرى هؤلاء أنه لابد من الإصلاح، حتى لو شمل ذلك تغيير قيادة “هتش” وسحب يدها من السيطرة على إدلب لكن يكون ذلك بخطوات مدروسة واثقة تمنع التشتت والفوضى.
  • الاتجاه الرابع: اتجاه مناهض للحراك داعم لـ”هتش”، ويرى أن الحراك غير شرعي ومخالف للشريعة. هذا الاتجاه سلكه بعض الدعاة الذين رأوا في “هتش” أفضل الخيارات المتاحة في الواقع وأن بديلها سيكون الفوضى.

أوضح الباحث في نهاية مداخلته أن المأمول من الجهات الشرعية على اختلاف مشاربها السعي في بناء مشروع جامع واقعي قابل للحياة بالشراكة مع مكونات الثورة دون أي وصاية من تيار أو فكر معين، مع بيان الموقف الشرعي من مفردات الدولة الحديثة التي كان مناطات التكفير والقتال بين فصائل الثورة، عندها يمكن أن تعود للكيانات الشرعية كلمتها وتأثيرها على الحراك الثوري وفق توزان يجعل الكل يشعر بأنه جزء من هذه الثورة.

خاتمة:

يمكن القول إن من أكثر النقاط التي يُركّز حولها الباحثون والناشطون السياسيون والميدانيون عموماً فيما يخص الحراك ضد “هتش” هي ضرورة تقديم مشروع بديل عن الجولاني، لأن غياب البديل وعدم وجود خطة واضحة سيؤدي إلى تشتُّت الجهود وانخفاض الروح المعنوية لدى الناشطين والمؤثرين بالحراك، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى تقويض الحراك تدريجياً دون أن يُحقّق أبرز المطالب التي خرج لأجلها.

ويبدو أن إنتاج مثل تلك الخطط يحتاج إلى تكثيف الجلسات والنقاشات الحوارية والتشبيك بين ناشطي الداخل والفعاليات السياسية في الخارج لإعطاء الحراك مزيداً من الشرعية وتشجيع النقابات والجامعات واتحادات الطلبة والناشطين الإعلاميين عموماً على تبنّي مطالب الحراك، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى بقاء زخم الاحتجاجات على غرار حراك السويداء مثلاً، والذي بات أكثر تنظيماً رغم مُضيّ أكثر من 6 أشهر على انطلاقه بغضِّ النظر عما حققه إلى الآن من مطالب.

ويبدو أن الجولاني يُسابق الزمن لاحتواء الحراك عبر استراتيجية الابتعاد عن العنف، واللجوء للتهديدات المبطّنة لتحييد الناشطين المؤثرين وإبعادهم عن دعم الحراك، وفي ذات الوقت عبر تكثيف “هتش” العمليات الانغماسية ضد قوات نظام الأسد على خطوط التماس[9]، ما قد يؤدي إلى إشعال الجبهات لفترة مؤقتة يُعوّل الجولاني على أن تكون كافية لإغلاق ملف الاحتجاجات القائمة ضده حالياً.


[3]  يقصد بقاعدة “تشاتام هاوس” بأنه: “حينما يعقد اجتماع أو جزء منه في إطار قاعدة تشاتام هاوس، فإن المشاركين يكونون أحراراً في استخدام المعلومات التي يحصلون عليها، لكن من دون كشف هوية المتحدث أو انتمائه أو أي شخص آخر؛ دفعاً للقارئ للتركيز على سياق الحوار ومضمونه بغضّ النظر عن أشخاصه.
[4] بحسب غالبية المداخلين تختلف المظاهرات الحالية عن تلك التي خرج بها أنصار “حزب التحرير” الذين كانوا يطالبون بمعتقليهم خلال الفترة الماضية.
[5] استشهد أحد المشاركين بحادثة إقدام “هتش” على قتل امرأة تُهرّب بضعة ليترات من الوقود من مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري لبيعه في إدلب بحكم ارتفاع أسعار المحروقات فيها.
[6] هذا ما يقود إلى نتيجة أخرى وهي استبعاد حصول هجوم موسَّع من قبل نظام الأسد والمليشيات الموالية لإيران على شمال غربي سوريا بسبب وجود القوات التركية في إدلب.  
[7] رأى أحد الباحثين المشاركين في الندوة أن وضع “هتش” كلّها في سلة واحدة في هذا التوقيت قرار غير حكيم، مشيراً إلى أن خطاب الشارع فيه جزء من الوعي بالواقع، وسعى لحصر المشكلة في الجولاني وجهاز “الأمن العام”.
[8] أشار الباحث كذلك إلى “الشرعية الدينية” التي يسعى “شرعيو “هتش””  لتوضيحها للناس من وجهة نظرهم، مبنية أساسياً على أسس تاريخية وليس نصية، مثل كلام بعضهم عن أن هنالك شرعية تغلب في عهد الدولتين الأموية والعباسية، و”أخطاء” كانت تصدر من أولي الأمر بما فيهم الصحابة رضوان الله عليهم زمن الخلافة الراشدة، من دون أن تؤثر على شرعية حكمهم أو تعطي مبرراً للناس للخروج عليهم.
[9] لوحظ مؤخراً تكثيف “هتش” عملياتها ضد قوات نظام الأسد على خطوط التماس، يُنظر مثلاً: “تحرير الشام” تهاجم مواقع لقوات النظام غربي حلب وتستحوذ على دبابة، تلفزيون سوريا، 17 / 3 / 2024، شوهد في: 24 / 3 / 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى