اضاءات على تطورات في الملف السوريالأبحاث والدراساتالإصداراتالقوى الدولية الفاعلة في الملف السوريوحدة تحليل السياسات

الزلزال يفتح لإيران ومليشياتها نوافذ تمدُّد جديدة في الأراضي السورية

تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

ملخّص:

  • شكّلت كارثة الزلزال المدمّر في سوريا فرصةً إضافية لإيران لتثبيت نفوذها السياسي في مناطق سيطرة نظام الأسد، وقد سارع بعض المسؤولين الإيرانيين للظهور في المناطق المتضررة كأنهم رعاة لشؤونها، وأمام سرعة توافد المساعدات والمسؤولين الإيرانيين للانتشار بحلب واللاذقية ظهر مسؤولو نظام الأسد -الذين تأخروا في الحضور- أشبه بموظفين تابعين للسفارة الإيرانية وقنصليتها في حلب.
  • استغلت طهران كارثة الزلزال لترويج دعاية “الإنسانية” لأنشطتها، وتلميع صورتها الدموية التي رسمتها على مدار سنوات بالحديد والنار والتهجير؛ فظهر المسؤولون الإيرانيون يُشرفون على عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا في أحياء حلب الشرقية التي دمّرها قبل نحو سبع سنوات قصف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
  • إضافة إلى الاستثمار السياسي والإنساني لمأساة السوريين وجدت إيران وأذرعها في الزلزال توقيتاً مناسباً لتكرار عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي في سوريا، عبر إلزام المدنيين ببيع بيوتهم بذريعة أنها “آيلة للسقوط”، أو عبر افتتاح مشاريع إسكان قد تكون في المستقبل مجرّد “مستوطنات” تقوم إيران بإيواء عناصر ميليشياتها فيها.
  • الجانب الآخر من استغلال إيران لكارثة الزلزال في سوريا هو استخدام طائرات “المساعدات الإنسانية” في نقل أسلحة إلى نظام الأسد ومليشيا حزب الله اللبناني، بعيداً عن رقابة الطائرات الأمريكية و”الإسرائيلية”، وهو الأمر الذي حذّرت منه “إسرائيل”، ثم ترجمت تحذيراتها على أرض الواقع باستئناف عمليات قصف مواقع مختلفة للمليشيات الإيرانية.
  • أثبتت كارثة الزلزال بما لا يدع مجالاً للشك أن إيران ليست موجودة في سوريا بشكل عرضي مؤقت ومرتبط بدعم بشار الأسد في قتاله ضد مَن يسميهم نظامه “الإرهابيين”، أو مرتبط بما تسميه “حماية المراقد المقدسة”؛ إنما تعمل إيران على مشروع إستراتيجي طويل وواسع جداً، قائم على ترسيخ جذور قواها الصلبة والناعمة في سوريا بحيث تواصل نفوذها هناك وإن أدت تسوية ما إلى إزاحة حليفها الأسد من السلطة.

مقدّمة:

بينما كان السوريون المنكوبون في المناطق التي ضربها زلزال “كهرمان مرعش” أو ما عُرف بزلزال 6 شباط المدمِّر يُحصون خسائرهم البشرية والمادية، سواءٌ في الشمال السوري أو في مناطق سيطرة نظام الأسد؛ ظهرت إيران ومِن ورائها حليفها في دمشق أبرز المستفيدين من عواقب الكارثة.

أما نظام الأسد فقد حصل على مساعدات تحت بند الإغاثة من عدة دول “صديقة” أو “محايدة”، إضافة إلى فتح باب التطبيع معه على مصراعيه تحت ذريعة “التضامن الإنساني” أولاً، ثم تحت عنوان إبعاده عن “الحضن الإيراني”. وأما إيران فظهرت مكاسبها على شكل زيادة ملحوظة في التغلغل السياسي والعسكري واللوجستي في سوريا، مستغلّة انشغال الحليف الروسي بالحرب في أوكرانيا.

يرصد هذا التقرير أبرز مظاهر الحراك الإيراني في سوريا بعد الزلزال؛ بدءاً بسعي إيران إلى ترويج قيامها بأعمال إنسانية، وصولاً إلى استغلالها واقعة الزلزال من أجل توريد الأسلحة إلى الأراضي السورية، وطبيعة الردود “الإسرائيلية” على ذلك، كما يحاول التقرير قراءة الموقف الإيراني وسط تحولات بعض المواقف العربية من خلال زيادة تطبيعها مع نظام الأسد.

كيف استغلّت إيران سياسياً كارثة الزلزال في سوريا؟

منذ اليوم الأول لزلزال 6 شباط/ فبراير 2023 كانت إيران أول دولة بادرت لإرسال طائرات مُحمّلة بمساعدات “إغاثية وإنسانية” للمتضرّرين من الزلزال في سوريا، وتحدثت وسائل إعلام نظام الأسد الرسمية عن وصول طائرات إيرانية تحمل أطناناً من “المساعدات” إلى مطارَي دمشق وحلب[1].

وفي سيناريو قائم على توزُّع مناطق النفوذ بين موسكو وطهران توجَّه الاهتمام الروسي نحو منطقة الساحل السوري، بينما قصدت إيران مناطق نفوذها في حلب لإبراز هيمنتها ونفوذها في تلك المناطق، ولكن على جانب غير عسكري هذه المرة؛ فبعد ساعات من وقوع الزلزال ظهر القنصل الإيراني في حلب “نواب نوري” وهو يتفقّد المناطق المتضررة في المدينة، ويُشرف على عمليات فرز مجموعات الإنقاذ والآليات الثقيلة، بينما تأخّر وصول المسؤولين المحليين التابعين لنظام الأسد في ظهور ذي دلالة على أن المسؤولين الإيرانيين باتوا رعاة شؤون المنطقة[2].

شكّلت كارثة الزلزال فرصةً إضافية لإيران لتثبيت نفوذها السياسي بسوريا، وأمام سرعة توافد المساعدات والمسؤولين الإيرانيين في الانتشار بحلب واللاذقية ظهر مسؤولو نظام الأسد -الذين تأخروا في الحضور- أشبه بموظفين تابعين للسفارة الإيرانية وقنصلية حلب.

بعد جولة “نوري” بساعات جاءت أيضاً زيارة زعيم “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني “إسماعيل قاآني” في 8 شباط إلى أحياء حلب الشرقية التي دمّرتها قبل نحو سبع سنوات نيران ميليشياته بمساندة الطائرات الروسية[3]. وفي استغلال سياسي صريح التقط الوفد المرافق له صوره وهو يُشرف على عمل الآليات الإيرانية في انتشال ضحايا الزلزال وإزالة الركام والأنقاض، ثم تبعتها زيارة أخرى إلى مدينة اللاذقية[4].

زيارة القنصل الإيراني لأحياء حلب التي تلتها زيارة قاآني لم تكن فيما يبدو رسالة موجَّهة على أي حال للداخل السوري أو لنظام الأسد؛ بل كانت فيما يبدو رسائل خارجية مفادها أن إيران ليست ذات نفوذ عسكري وميداني واسع في سوريا فحسب، إنما باتت تتحكم بمفاصل الإدارة والخدمات في ظل كارثة الزلزال التي بدا فيها وجود نظام الأسد بمظهر التابع أو الموظف لدى الوفود الإيرانية.

وفي هذا السياق لم تتأخر ميليشيا “الحشد الشعبي” العراقية المقرّبة من إيران عن استغلال كارثة الزلزال لإظهار “التضامن” مع نظام الأسد، والمشاركة في عمليات “الإغاثة” في مدينة حلب، وظهر ذلك من خلال لقاء بشار الأسد خلال زيارته إلى المدينة بـ “رئيس أركان الحشد الشعبي” عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ(أبو فدك)، كما زار “المحمداوي” مدينة اللاذقية والتقى محافظها عامر هلال “لبحث جهود الإغاثة للمتضررين من الزلزال”[5].

النتيجة الأوّلية لهذا الاهتمام الإيراني باستغلال الكارثة الإنسانية سياسياً ظهرت في زيارة لـ “نائب رئيس جمعية الصداقة البرلمانية الإيرانية السورية في مجلس الشورى الإسلامي” عباس كلرو على رأس وفد برلماني إلى “مجلس الشعب” التابع لنظام الأسد، ولقائه رئيس المجلس “حمودة صباغ” الذي عبّر عن “مشاعر الشكر والامتنان لإيران على وقوفها إلى جانب النظام في التخفيف من آثار الزلزال المدمّر”[6].

أما النتيجة الثانية فكانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق ولقاءه بشار الأسد، لتتويج هذا الاستغلال السياسي لكارثة الزلزال، وكان عبد اللهيان قبل وصوله إلى دمشق زار محافظة اللاذقية على الساحل السوري في “جولة تفقدية” للمناطق المنكوبة بالزلزال، وفق ما نشرت وكالة أنباء نظام الأسد “سانا”[7].

ترويج دعاية “الصورة الإنسانية” بين السوريين:

لم تكن زيادة التغلغل الإيراني في المشهد السوري[8] عقب الزلزال رسالة سياسية خارجية بأن طهران وأذرعها هي التي توجّه وتتولى جهود الإغاثة في مناطق نظام الأسد فحسب؛ فلهذا التغلغل الإيراني رسالة داخلية أيضاً موجّهة للسوريين في مناطق انتشار ميليشياتها، مفادها أننا لسنا مسؤولين عن “حمايتكم” من “الإرهابيين” وتأمين مناطقكم أمنياً وعسكرياً فحسب، إنما نحن أيضاً مسؤولون أكثر من نظامكم عن جهود إغاثتكم ومساعدتكم في مثل هذه الكارثة، فيما بدت أنها محاولةٌ لاستمالة مشاعر جُل السوريين الذين ارتبط اسم إيران في أذهانهم بعمليات القمع وقتل وتعذيب المتظاهرين أول الثورة، ثم بعمليات القتل الطائفي والمشاركة في تدمير المدن وتهجير أهلها، وهو ما يمكن أن يساعد أكثر في استمرار الأنشطة الإيرانية الأخرى، من التجنيد وأنشطة التشييع المختلفة باستخدام الأدوات التعليمية والثقافية[9].

 وظهر هذا جليّاً في أحياء مدينة حلب الشرقية، التي تُعدّ من أكثر المناطق التي خَبِرت دور ميليشيات إيران في القصف والقتل، ثم بعمليات التهجير التي حصلت عقب السيطرة على تلك الأحياء في كانون الأول ديسمبر 2016[10]، ثم من خلال عمليات “التشييع” بالترغيب والترهيب للأهالي الذين اختاروا البقاء في أحيائهم[11]؛ فقد حاولت إيران من خلال إرسال طائرات المساعدات[12]، ثم من مشاركتها بعمليات الإغاثة والبحث وانتشال الضحايا رسم صورة مختلفة لدى السوريين، واستغلت بشكل فجّ مأساتهم لترويج سرديتها بحرصها على أرواحهم واحتياجاتهم بعد الزلزال.

استغلت طهران كارثة الزلزال لترويج دعاية “الإنسانية” وتلميع تلك الصورة التي رسمتها على مدار سنوات بالحديد والنار والتهجير.

وفي هذا السياق تحدّث القنصل الإيراني العام في حلب “نواب نوري” عن إيواء 12 ألف سوري متضرر من الزلزال الأخير في المخيمات الإيرانية[13]، مدّعياً أنه “يتم طبخ 22 ألف وجبة طعام ساخن يومياً في مطبخ القنصلية ويتم توزيعها، إلى جانب 4 آلاف وجبة طعام بارد بين المتضررين من الزلزال”[14].

كما زار حلب رئيس جمعية الهلال الأحمر الإيراني “بير حسين كوليوند” مع شحنة مساعدات إغاثية بهدف “متابعة عملية الإغاثة والتواجد مع رجال الإغاثة في المناطق التي ضربها الزلزال في سوريا”[15]، ضمن مساعي المسؤولين الإيرانيين لتأكيد حضورهم وتوصيل رسائل بوجودهم الكبير على الأرض.

وفي دير الزور شرق سوريا قام “الحاج رسول” الإيراني مدير “المركز الثقافي الإيراني” في المحافظة بزيارة المركز الثقافي الإيراني، وجمع عدداً من النساء والأطفال بدعوى أنهم من الأيتام والأرامل بهدف تقديم معونات غذائية عليهم، والتقرّب من أبناء المنطقة[16].

التغيير الديمغرافي.. سلاح إيران القديم الجديد:

خلال السنوات التي أعقبت تدخّلها المباشر في دعم بشار الأسد والتغلغل في سوريا سعت إيران إلى قطف ثمار هذا التدخل عبر إكمال حلم ما يُسمّى “الهلال الشيعي” الممتدّ من إيران إلى ضاحية بيروت الجنوبية، مروراً بأراضٍ سورية عدة.

وفي سبيل تحقيق هذا المسعى استخدمت إيران وسائل الترهيب والترغيب؛ تارة عبر ارتكاب مجازر طائفية وتهجير السكان السنّة من مناطقهم، وتارة أخرى عبر تمويل بعض المناطق وإنشاء مشاريع فيها.

وجدت إيران وأذرعها في الزلزال توقيتاً مناسباً لتكرار عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي في سوريا، عبر إلزام المدنيين ببيع بيوتهم بذريعة أنها “آيلة للسقوط”، أو عبر افتتاح مشاريع إسكان قد تكون مستقبلاً مجرّد “مستوطنات”.

عقب الزلزال المدمّر لم تفوّت إيران وأذرعها الفرصة لإكمال هذا المشروع، لاسيما وأن عمليات القصف والمعارك توقفت، وليس ثمّة داعٍ لتهجير السكان من مناطقهم، وفي هذا السياق كشفت مصادر محلية أن آليات الحفر الخاصة بشركة “خاتم الأنبياء” الإيرانية التابعة للحرس الثوري بدأت يوم 9 شباط/ فبراير “عمليات هدم وتفكيك عدد من الأبنية السكنية في أحياء حلب الشرقية، بحجة أنها متصدعة جرّاء تعرضها للزلزال، وأنها قابلة للانهيار لعدم توفر المعايير الخاصة للبناء”[17].

وأضافت أن هذه العمليات شملت أحياء “الصالحين” و”الفردوس” و”القاطرجي” و”باب النيرب” و”الشعَّار”، “حيث تريد إيران تنفيذ مشاريع توطين وإسكان خاصة بمجموعات من الحرس الثوري الإيراني، وخاصة من الجنسيات الإيرانية والعراقية والأفغانية”[18]، مضيفة أن مكتب إعادة الإعمار التابع لشركة “خاتم الأنبياء” بسوريا عرض في 8 شباط/ فبراير على أصحاب البيوت والعقارات المتضررة وغير المتضررة في هذه الأحياء الشرقية من حلب شراء بيوتهم وعقاراتهم على وضعها، مع الإيحاء لهم بأنها آيلة للسقوط والهدم، وبذلك تقوم الشركة بشرائها بمبالغ أقل بكثير من ثمنها الحقيقي ويتم الدفع بالليرة السورية.

وعلى جانب آخر أعلن “الحشد الشعبي” العراقي عن بدء إنشاء مدينة سكنية مكوّنة من 500 شقة مسبقة الصنع في محافظة حلب[19]، حيث يضم المشروع 500 شقة ستُنشأ على خمس مراحل في كل مرحلة 100 شقة، مساحة كل منها 36 متراً مربعاً، في خطوةٍ تهدف بحسب مراقبين إلى الضغط على نظام الأسد لمنح “الحشد الشعبي” امتيازاً لبناء شقق في حلب، مما يُظهره بموقف ضعف جرّاء عجزه عن تقديم استجابة مشابهة لمتضرري الزلزال، مُرجعين تركيز “الحشد الشعبي” على حلب إلى الاهتمام الإيراني بها باعتبارها قاعدة لنفوذها في الشمال السوري، بالإضافة إلى أن مكانة المدينة التجارية والصناعية ووقوعها على طرق إستراتيجية يتيح للجهة المسيطرة عليها التمدد شرقاً وغرباً؛ وهو ما تسعى إليه إيران[20].

وليس ببعيد أن تقوم إيران وأذرعها بتكرار تجربة تلك المساكن على نطاق أوسع، لتكون بمثابة “مستوطنات” مُقنّنة من قبل نظام الأسد، تقوم بإسكان عناصر ميليشياتها وعوائلهم فيها.

الزلزال يفتح نافذة عسكرية جديدة لإيران في سوريا:

تُمثّل الجوانب السابقة “الذراع الناعمة” لإيران في مساعيها للاستفادة من كارثة الزلزال في سوريا، أما الجانب االآخر الذي لا يقل أهميةً فيتعلّق بإرسال أسلحة إلى مليشيا “حزب الله” اللبناني تحت قناع المساعدات.

فقد نقلت شبكة “فوكس نيوز” في تقرير عن مسؤولين “إسرائيليين” قولهم: إنهم يخشون من أن ترسل إيران إلى “حزب الله” أسلحة ومعدات من خلال المساعدات التي ترسلها إلى نظام الأسد.

وتنقل الشبكة عن خبير الاستخبارات والأمن “الإسرائيلي” العميد يوسي كوبرفاسر: أن إيران استغلّت في السابق مثل هذه “المآسي” لنقل الأسلحة؛ لذلك فإنها قد تحاول أن تقوم بذلك مجدداً وتنقل أسلحة متقدّمة إلى سوريا، كبطاريات دفاع جوي متطورة وذخائر مثل “طائرات كاميكازي بدون طيار”، ومكوّنات صواريخ بعيدة المدى، مضيفاً: أن إيران تواصل “استغلال الضعف السوري والاعتماد على المساعدات الخارجية لتعزيز الإستراتيجية الإيرانية للهيمنة الإقليمية ونشر الأسلحة بالقرب من “إسرائيل””[21].

هذه المخاوف “الإسرائيلية” لم تكن بعيدة عن الواقع والأحداث التي أعقبت الزلزال وإرسال “المساعدات” الإيرانية؛ إذ كشفت مصادر محلية سورية أن “الحرس الثوري الإيراني” و”الحشد الشعبي” العراقي عملوا على إدخال أكبر كمية من السلاح والعتاد والمحروقات إلى سوريا، بحجة إدخال مساعدات للمناطق المتضررة في محافظات حلب وحماة وطرطوس واللاذقية[22].

وبحسب تلك المصادر: فإنه خلال يومي 7 و8 شباط/ فبراير 2023 أدخل “الحشد الشعبي” العراقي أكثر من 300 آلية ثقيلة وسيارة إسعاف وصهريج محروقات وسيارات رباعية الدفع وحافلات تقلّ عناصر من الميليشيات العراقية من معبر البوكمال – القائم الحدودي بين سوريا والعراق[23].

الردّ “الإسرائيلي” على تحرّكات إيران في سوريا عقب الزلزال:

تنفيذاً للتهديدات التي أطلقها مسؤولون “إسرائيليون” عقب الزلزال حول استغلال إيران لغطاء المساعدات الإنسانية لإيصال أسلحة وذخائر لنظام الأسد و”حزب الله” شنّت “إسرائيل” فجر يوم 18شباط/ فبراير 2023 سلسلة غارات صاروخية في دمشق ومحيطها، استهدفت إحداها قيادياً كبيراً لدى الميليشيات الإيرانية داخل الحوزة الشيعية الإيرانية (المدرسة الإيرانية) بمنطقة “كفر سوسة”[24]، فيما شملت غارات أخرى مواقع للميليشيات الإيرانية ومستودعات ذخيرة في محيط منطقتي “صحنايا” و”السيدة زينب” جنوب العاصمة، وموقعاً تابعاً لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية في محيط الفرقة الأولى بمنطقة الكسوة بريف دمشق الغربي، إضافة إلى محيط مطار دمشق الدولي ومطار المزة العسكري[25].

وكان هذا القصف الأول من نوعه بعد وقوع الزلزال المدمّر، إصافة إلى أنه أول قصف “إسرائيلي” بعد حديث رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في 5 شباط/ فبراير عن توصّله إلى تسوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول المصالح “الإسرائيلية” في “الشرق الأوسط”[26].

تجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إيران تهمة نقل أسلحة وصواريخ إلى سوريا تحت ستار المساعدات؛ إذ كشفت مصادر إعلامية في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي أن “إسرائيل” تتّجه إلى زيادة ضرباتها في الداخل السوري، على خلفية قيام إيران بنقل أسلحة إلى سوريا عبر عدة محاور تحت غطاء نقل مواد إنسانية، مؤكدة أن “إسرائيل استهدفت مواقع سورية ساهمت بنقل أسلحة إيرانية إلى ميليشيات حزب الله”[27].

قراءة النشاط الإيراني وسط ردود الفعل العربية؛ استفزاز وفرض هيمنة:

لا يخفى ما قامت به بعض الدول العربية من خطوات تطبيعية مع نظام الأسد[28]، وقد ردّت إيران عملياً بطريقتها على هذه الرسائل، وتجاهلت تماماً الشروط العربية “القديمة” للتطبيع مع بشار، وأبرزها “الحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا”؛ إذ وصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية “ناصر كنعاني” الزيارات العربية الأخيرة إلى دمشق بـ”الخطوة الإيجابية”، وقال عبر تغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر”: “الانفتاحات الأخيرة في علاقات الدول العربية مع سوريا، وبينها زيارة وفد (اتحاد البرلمان العربي) لدمشق بهدف إعلان التضامن معها عقب الزلزال المدمر هي بمثابة خطوة واقعية وإيجابية على طريق التضامن الإسلامي”[29].

يُعد الردّ الإيراني استفزازاً للدول العربية، وهو ما أكده خبراء لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية؛ فقد ذكروا أن التصريح الإيراني “يزيد من تعقيد الوضع”، ونقلت الصحيفة عن السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق اعتباره تصريحات المتحدث الإيراني “تجاوزاً دبلوماسياً”، وأضاف: “لا يجوز لمتحدث طهران أن يتكلم بلسان سوريا”، مؤكداً أن الدول العربية تتحرك في علاقاتها مع دمشق “من منطلق مصالحها، ولا تنتظر مباركات إيرانية”، محذراً: “هذه التصريحات تنطوي على استفزاز لا يسهم إيجابياً في دفع العلاقات العربية – السورية”[30].

الخاتمة:

أثبتت كارثة الزلزال بما لا يدع مجالاً للشك أن إيران ليست موجودة في سوريا بشكل عرضي مؤقت ومرتبط بدعم بشار الأسد في قتاله ضد مَن يسميهم نظامه “الإرهابيين”، أو مرتبط بما تسميه إيران “حماية المراقد المقدسة”؛ إنما تعمل إيران على مشروع إستراتيجي طويل وواسع جداً، قائم على ترسيخ جذورها السياسية والعسكرية في سوريا، بحيث تُواصل نفوذها هناك وإن أدت تسوية ما إلى إزاحة حليفها الأسد من السلطة.

وفي سبيل هذا السعي كانت إيران أول الأطراف التي أعلنت وباشرت بإرسال المساعدات الإغاثية إلى سوريا، في تخطيطٍ مُحكَم قائم على استغلال أي ظرف يمكن أن يخدم مشروعها في سوريا على الوجه الأمثل.

وفي سياق قراءة الموقف الإيراني الموغل في زراعة نفوذه في سوريا تثير بعض المواقف العربية الاستغراب؛ فبدلاً من التركيز على دعم مناطق شمال غرب سوريا غير الخاضعة لنفوذ نظام الأسد، والتي كانت البقعة الأكثر تضرراً من الزلزال والأكثر حاجة إلى مدّ يد العون من الأشقاء العرب فقد بادرت بعض الدول العربية إلى إغاثة نظام الأسد بطائرات المساعدات، رغم التقارير التي أثبتت قيامه بسرقتها والمتاجرة بها وعدم إيصالها للمستحقين.


[1] طائرة مساعدات إيرانية تصل دمشق، وكالة سبوتنيك، 6/2/2023. 
[8] أصدر مركز الحوار السوري عدة أوراق عن التغلغل الثقافي الإيراني وأدواته؛ يُنظر: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا، مركز الحوار السوري.
[9] تمت الإضاءة فيما أشرنا إليه في الهامش السابق على الأدوات الدينية، والأدوات التعليمية والاجتماعية، والأدوات الإعلامية والديموغرافية؛ يُنظر: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا، مرجع سابق.
[12] تحدثت تقارير إعلامية ومواقع التواصل عن عدم استفادة السكان منها بشكل فعّال، وأن النظام باعها لأذرعه الاقتصادية والأمنية التي بدورها باعتها للمتضرّرين. يُنظر: قبل أن تصل إلى محتاجيها.. المساعدات تُباع في أسواق مناطق أسد، أورينت نت، 10/2/2023.
[14] بدا هذا التصريح كأن القنصل “نواب نوري” لا يتحدث بصفة ضيف أو ممثل دبلوماسي لدولة حليفة، إنما كمسؤول فعلي في حلب، إذ قال: “الأوضاع في مدينة حلب بعد أسبوع من الزلزال فيها متجهة نحو التحسن والهدوء”، مؤكداً أنه “رغم مضي أسبوع من الزلزال هناك مواطنون يساورهم الاضطراب بسبب هدم بيوتهم”. المرجع السابق.
[17] بحسب مصادر مطلعة: “كانت هنالك شكوى كبيرة على الأرض من قلة الآليات، والتي لم تظهر فيما يبدو إلا للهدم”. من إفادة باحثة متابعة للشأن السوري، 23/3/2023.
[20] مصادر نداء بوست: إيران تستولي على المزيد من الأبنية في حلب بذريعة الزلزال، مرجع سابق.
[23] أوضحت المصادر أن القسم الأكبر من هذه الآليات توجّه إلى مقرات المليشيات الإيرانية والعراقية في حي الجمعيات ومنطقة الكتف في مدينة البوكمال، ومنطقة حي التمو في مدينة الميادين شرقي دير الزور، فيما توجهت عشرات الآليات إلى محافظة حلب والساحل السوري، مشيرة إلى أن القيادي “أبو علي الكوفي” مدير الهندسة العسكرية في “الحشد الشعبي” أشرف بشكل شخصي على دخول آليات المليشيات العراقية والإيرانية، وطالب ضباط قوات النظام السوري في معبر البوكمال الحدودي بعدم تفتيشها وتأمين دخولها إلى سوريا، ونشرت شبكة “عين الفرات” فيديو يرصد دخول الآليات المذكورة تحت ستار المساعدات.
[25] المرجع السابق
[26]  قال نتنياهو لقناة LCI الفرنسية: إن “إيران تريد تشكيل جيش خاص، ونشره في سوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية”، لافتاً إلى أنه “وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام خيارين: الأول أن تكون روسيا وإسرائيل في حالة صراع، والثاني أن يجد البلدان لغة مشتركة تضمن تحقيق مصالحهما في الشرق الأوسط”، مشدداً على أنه “توصل إلى حلّ وسط يُرضي بوتين ولا يهدد المصالح الروسية، وفي ذات الوقت يضمن تحقيق المصالح الإسرائيلية”. يُنظر: نتنياهو: توصلت مع بوتين إلى حل وسط يرضي الطرفين في الشرق الأوسط! روسيا اليوم، 5/2/2023.

باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى