الموقف من منظومة الحقوق والحريات: توسيع الهوامش خيارا واقعيا
تقرير أُعدّ بناء على مدخلات قدَّمها عدد من الخبراء و الباحثين
مقدمة:
أعادت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة النقاشات حول قضية القانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان والحريات وجدواها، في ظل ارتكاب انتهاكات وُصِفت بالجسيمة على مدى عقد من الزمن بدأت في سوريا ثم أوكرانيا واليوم في غزة، حيث طغى توجُّه عام سلبيّ تجاه هذه المنظومة ومَن ينادي بتطبيقها، واعتبار الدفاع عنها نوعاً من المثالية المحضة الحالمة -إن صح التعبير- في واقعٍ يقوم على منطق القوة وسطوة الآلة العسكرية وازدواجية المعايير، خاصة من القوى العظمى، في حين يرى آخرون أن هذه المنظومة ليست منتجاً آنياً ولا أيديولوجياً خاصاً بفئة أو شعبٍ محددٍ أو حضارةٍ معينةٍ فالواجب ألا تسمح مختلف الظروف الحالية بالخلط بين المبدأ وتطبيقه، أو بين القيم المجردة وتوظيفها سياسياً؛ إذ إن الحقوق والحريات تمثل حياة أي فرد، ومن دونها يصبح سجيناً غير قادر على أداء دوره ورسالته في الحياة.
كل ما سبق يشير إلى وجود أسئلة جوهرية حول جدوى منظومة الحقوق والحريات، وفرص تدعيم تطبيقها بعيداً عن “ازدواجية المعايير”، والخطوات التي يمكن القيام بها من أجل تطبيقها على أرض الواقع.
وكان مركز الحوار السوري قد أصدر تقريراً تحليلياً بعنوان: “الحقوق والحريات: بين الرفض المحمَّل بتبعات ازدواجية المعايير والتشبُّث نتيجة الحاجة الفردية والمجتمعية”[1]، ناقش فيه: المسار التراكمي لحقوق الإنسان وحالة المزج بين السياسي والحقوقي في الممارسات وإشكالية الإلزام، وأوجه تسييس حقوق الإنسان عبر استحضار نماذج رئيسة، إلى جانب الحاجة الإنسانية لوجود منظومة حقوق الإنسان وإعمالها.
وسعياً لاستكمال النقاش حول الخلاصات التي خرج بها هذا التقرير أقام مركز الحوار السوري يوم الخميس 23 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 7 كانون الأول/ديسمبر 2023م ندوةً بعنوان: “جدوى منظومة الحقوق والحريات: بين الرفض والتعامل” بحضور عدد من الباحثين والخبراء والسياسيين والمهتمّين.
يأتي هذا التقرير ليضع القارئ في أجواء الندوة والنقاشات التي دارت فيها، مع إيضاح السياق العام الذي أُقيمت فيه الفعالية، وقد أُعدّ من خلال اتباع قاعدة “تشاتام هاوس”[2]، ومن دون التقيُّد بالترتيب الزمنيّ للعرض والمداخلات؛ فقد استخدم التقسيم الموضوعيّ بقصد ترتيب الأفكار بطريقة سلسة وموضوعيّة تساعد القارئ الكريم -قدر المستطاع- على متابعة الموضوع.
ينقسم التقرير إلى سبع فقرات: تتحدث الأولى عن النظرة إلى القانون الدولي بين الإفراط والتفريط، في حين تشير الثانية إلى التعامل مع القانون الدولي من باب “الواقعية”، بينما تتحدث الثالثة عن الحاجة إلى التعديلات التي يفترض إدخالها على منظومة القانون الدولي، لتخصص الرابعة والخامسة والسادسة للحديث عن “ازدواجية المعايير” من حيث خلفياتها والمتغيرات المرتبطة بها وأدوات مواجهتها، لنختم بالسابعة التي استعرضت أدوات إقناع الرأي العام في سوريا تحديداً بجدوى منظومة الحقوق والحريات.
أولاً: النظر إلى القانون الدولي بين الإفراط والتفريط
حذَّر أحد المشاركين من تعليق الأمل على القانون الدولي الذي فُصِّل على مقاس مصالح الدول المنتصرة في الحرب الثانية بعيداً عن قواعد العدالة، وفرض على الدول لاحقاً، والذي أتاح المجال وما يزال للدول العظمى التحكم بهذه المنظومة التي تنفذها أو تنتهكها وفقاً لمصالحها؛ كما فعلت الولايات المتحدة حينما غزت العراق، وكما تفعل روسيا في تبرير قصفها للمدنيين في سوريا بحجة “مكافحة الإرهاب”. منوّهاً في الوقت ذاته، بأن ذلك لا يمنع من العمل على استخدام الهوامش المتاحة من المناكفات التي تحصل بين تلك الدول من أجل تحصيل بعض المكاسب وصيانة بعض الحقوق، ولكن من دون المبالغة في التعويل على عدالة المنظومة، ومن دون استحضار أن مصادر قوة الدولة ذاتها هي العامل الأساس للحفاظ على حقوقها.
وفي تأكيد لوجهة النظر السابقة، أشار أحد الباحثين السوريين بأن الشرعة الدولية أثبتت فشلها على المستوى الدولي بعدما أصبحت أداة من أدوات الدول العظمى تنفذها وفقاً لتفسيراتها وبما يضمن مصالحها، وتنتهكها متى شاءت، خصوصاً الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي يفترض أنها هي من صاغت هذه القواعد. ووافقه في ذلك أحد الحقوقيين مشيراً بأن المنظومة الدولية هي منظومة نظرية وجدت لحماية مصالح الدول العظمى الخمس الكبار وحلفائها، وبأن الأمم المتحدة أضحت سيفاً للدول العظمى مسلطاً على الدول الضعيفة. خاتماً حديثه بأن ضعف آليات تنفيذ قواعد القانون الدولي جعلت من العدالة حالة استثنائية، وهي -في الوقت نفسه- كانت أحد أهم العوامل التي ساهمت في عدم وضع حد للجرائم المرتكبة في سوريا.
وتعقيباً على ذلك، أكد أحد الحقوقيين بأن إدانة “إسرائيل” الأمينَ العام للأمم المتحدة ودعوته للاستقالة[3]، وتصريحها برفض منح تأشيرات لموظفي المنظمة الأممية[4]، أكبر دليل على أن تلك القوانين أضحت أداة لتحقيق مصلحة الدول العظمى، والتي وضعتها على مقاسها.
ثانياً: التعامل مع القانون الدولي من “باب الواقعية”
أشار أحد الباحثين إلى أنه لابد من التسليم بصحة مختلف الانتقادات الموجَّهة لمنظومة القانون الدولي بصورة عامة، والحقوق والحريات بشكل خاص، من ضعف آليات التطبيق، وطغيان فكرة “المصلحة السياسية” على سلوك الدول في تعاملها مع هذه المنظومة بدلاً من مفهوم “العدالة والحق”، إلى جانب عدم عدالة القواعد ذاتها، والتي تجعل الدول ذاتها خصماً وحكماً، فإن هنالك هوامش متاحة من أجل تخفيف سلبيات المنظومة، سواء من خلال السعي لتغيير هذه القواعد أو بعضها، أو من خلال توظيف القواعد الجيدة فيها لحماية مصالح الضعفاء. فبقاؤنا في موقف الرافض للمنظومة من دون القدرة على تغييرها يعني سلبية تامة. في حال العمل على ذلك، قد ننجح تارة وقد نفشل أخرى، ولكن على الأقل لا نستكين للواقع. بالطبع كل ذلك لا يحول دون أن تسعى الدول الصغيرة والمستضعفة لتحصين بيتها الداخلي تجاه التدخلات والانتهاكات التي تصيبها، حيث يمكن العمل على المسارين بالتوازي ولا يوجد تعارض بينهما.
ثالثاً: الحاجة إلى تعديلات في منظومة القانون الدولي
أشار أحد طلبة الدراسات العليا على أن المنظومة الدولية “فاعلة”، ولكن يجب تطوير بعض المفاهيم الضرورية التي تولد نزاعات في وقتنا الحالي، أو تعطي الدولة القدرة على التملص من تطبيقها نتيجة عدم ضبطها وتعدد تفسيراتها، من هذه المبادئ التي يفترض تعديلها:
- مبدأ الضرورة العسكرية في القانون الدولي الإنساني[5]: في ظل التقدم التكنولوجي والطفرات الهائلة في مجال الاتصال، لابد من إعادة تعريف مفهوم الضرورة العسكرية، بحيث يتم تقييد سلوك الدول أثناء النزاعات بما يجعلها “أكثر أنسنة”؛ فمن دون تحديد مفهوم دقيق للضرورة والحالات المشرعة لاستخدامها، فإنه لا يمكن الحديث عما يسمى القانون الدولي الإنساني[6].
- مفهوم سيادة الدولة[7]: الذي غالباً ما تحتج الدول المستبدة به لتبرير ارتكابها الجرائم بحق شعوبها، ومنع بقية الدول من التدخّل لمنعها. فلابد من إعادة تعريفه، ولاسيما أن هذا المفهوم نسبي، ويختلف تطبيقه ما بين الدول العظمى التي تستطيع حماية سيادتها، والدول الصغرى والضعيفة التي لا تستطيع منع التدخلات الخارجية فيها، حيث يجب الربط بين السيادة وحقوق الإنسان، بحيث تكون الأولى وسيلة لتحقيق الثانية ضمن إقليم الدولة في حيزها الجغرافي.
- حق تقرير المصير[8]: بحيث يكون متاحاً تطبيقه بما يساهم في سعادة البشرية وليس التقيد بالحدود الجغرافية القائمة!، على سبيل المثال، في السياق السوري، “ما الفائدة من الحفاظ على وحدة الدولة السورية في ظل النزاعات البينية بين مكونات المجتمع السوري؟”.
رابعاً: خلفيات ازدواجية المعايير
بحسب أحد الأكاديميين السوريين فإنه لا يمكن التعامل مع منظومة القانون الدولي ككتلة واحدة، فهنالك فروع وأقسام متعددة، لعل أبرزها، والتي دار النقاش حول جدواها في ظل ما يحدث في غزة: القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. هاتان المنظومان وغيرهما من أقسام القانون الدولي لا يمكن إجمالهما في دائرة واحدة وفق رأيه، لنعرف إذا كان هنالك ازدواجية في المعايير أو لا؛ فهذه القضية نسبية وتختلف من قسم إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى.
يرى الأكاديمي أن العامل الأساسي الذي يؤثر بشكل مباشر على ازدواجية المعايير هي: المصلحة؛ لأن القانون الدولي بشكل عام هو قانون متبادل، بمعنى أن أساس قوة تنفيذه هي المصلحة المتبادلة، فعلى سبيل المثال تنفذ الدولة الالتزامات المترتبة عليها بموجب معاهدة أو اتفاقية لأن الطرف الآخر سينفذ جزءاً منها، وهذا ما يسمى “التقابل في التنفيذ”.
وجود هذا المبدأ والتوازن في الالتزامات في مجال المعاهدات بين الدول يخفف إلى حد كبير من ازدواجية المعايير على عكس الأمر في مجال حقوق الإنسان، حيث لا يوجد تقابل في التنفيذ؛ فالدولة عليها احترام حقوق مواطنيها لأنها ملزمة بهذه الاتفاقية لمصالحها الذاتية قبل أن تكون مصالح الطرف الآخر (الذي هو الفرد في هذه الحالة).
إشكالية أخرى تعمق من قضية ازدواجية المعايير -والكلام ما يزال للأكاديمي السوري- وهي: مرتبطة بآليات الإلزام والتطبيق في القانون الدولي الذي لا توجد فيه جهة قضائية تشرف على تنفيذ القانون، والجهة المناط بها ذلك، وهي الأمم المتحدة- تتحكم بها مصالح الدول، وحتى في حال اتخاذ القرار، فإن تنفيذه مُسيّس لأنه مرتبط بإرادات الدول، كما حصل في الحالتين السورية والفلسطينية والكثير من الحالات الأخرى التي اتخذت قرارات دولية بشأنها، ولكنها لم تُنفّذ.
خامساً: متغيرات في النظرة إلى ازدواجية المعايير: حالة ما يحدث في غزة أنموذجاً
رأى أحد الباحثين الحقوقيين أن ما يجري في قطاع غزة وما جرى سابقاً في سوريا والعراق من انتهاكات وحروب إبادة ضد المجتمعات، يؤكد التحديات المتعلقة بامتحان القانون الدولي وحقوق الإنسان، والتي تمظهرت بالانتقائية في التطبيق وسيادة منطق القوة وازدواجية المعايير، حيث أصبحت هذه السلوكيات أمراً واقعاً ولا يحتاج إلى نقاش.
غير أن ما يحتاج إلى نقاش -بحسب الباحث- هو التفكير في مستقبل المنظومة الدولية، سواء ما يتعلق بالأنظمة والقواعد أو ما يتعلق بالمؤسسات الدولية التي يفترض أنها مخاطبة بهذه الأنظمة، وذلك في ضوء ثلاثة متغيرات:
المتغير الأول: في ظل التوظيف “الإسرائيلي” للهولوكوست من أجل استعطاف الدول الغربية، والتمسك بحالة المظلومية التي تبرر بها جرائمها ضد العرب والمسلمين، ظهرت يقظة أوروبية-أمريكية لدى الأفراد والأكاديميين متمثلة بطرح سؤال يظهر لأول مرة: إلى ماذا ستبقى “إسرائيل” تبتزنا بالهولوكوست وقضية اليهود في أوروبا من أجل استمرار دعمنا لها، والسكوت عن جرائمها بحق الفلسطينيين، مع العلم أن المسؤول عن الهولوكوست هي المجتمعات الغربية التي نكلت فيهم، هذا التغير في النظرة الغربية على مستوى الرأي العام يفترض توظيفه من أجل طرح مقاربات جديدة للتعاطي مع القانون الدولي، خصوصاً أن “إسرائيل” لم تكتف أثناء حربها ضد غزة بممارسة الضغوط على المؤسسات الدولية بل انتقلت إلى مرحلة كسر العظم لإعادة مطابقة هذه المؤسسات مع الرؤية “الإسرائيلية”.
المتغير الثاني: ثبت بحسب الأكاديمي أن المطالبات بتعديل القانون الدولي هي أقرب للمطالب المثالية الرغبوية، وأن ما نحن بحاجة له هو التفكير بالجهة أو الجهات القادرة على القيام بمثل هذه المهمة.
المتغير الثالث: اتضح أمام الرأي العام العربي أن أنظمة الدول العربية في مجملها هي مفعول فيه، وليست فاعلاً في المعادلة الإقليمية والدولية، وبالتالي اليوم عندما تم محاولة كسر إرادة الشعوب العربية كي لا تثور على حكامها، أتت أحداث غزة لتعيد تذكير الشعوب بأن أزمتها الحقيقة هي في هؤلاء الحكام، وبالتالي ففي ظل وجودهم لا القانون الدولي ولا المنظومة الدولية قادرة على انتشالهم من مآسيهم، وأن الأمر مرتبط بها وبحراكها من أجل التغيير.
سادساً: أدوات مواجهة ازدواجية المعايير
أكد أحد الأكاديميين السوريين أن مواجهة ازدواجية المعايير قضية صعبة لأنها متعلقة بالدول والمنظمات الدولية، ولكن مع ذلك فإن الهامش المتاح لنا يكمن في قضيتين أساسيتين هما: الوعي، والضغط السياسي الذي يمكن ممارسته على الدول الفاعلة من خلال الرأي العام. ومن أجل ذلك، يمكن استخدام الأدوات التالية:
- القيام بحملات تطالب بإصلاح منظومة حقوق الإنسان وتفضح حالات ازدواجية المعايير.
- دعم منظمات حقوق الإنسان وإنشاء منظمات جديدة عربية والارتقاء بها على المستوى الدولي[9]، مع ما يتطلبه ذلك من ديمومة في التمويل والحرفية في المأسسة غير مرتبط بمصالح سياسية لدولة هنا أو هناك، حيث أن وجود مثل هذه المنظمات سيساهم في رفع الوعي وتشكيل الضغط السياسي.
- رفع القضايا الوطنية إلى مستوى قضايا رأي عام دولي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ونشر المعلومات الصحيحة، مع التأكيد أن هذا الأمر ليس بالسهل في ظل أن الرواية التي عادة ما يروج لها الطرف المنتهك للحقوق، تكون رواية مدفوعة، كما حال “إسرائيل” ونظام الأسد[10].
- اللجوء إلى الأدوات القانونية التي يتيحها القانون الدولي؛ فالقانون الدولي لحقوق الإنسان على سبيل المثال يتيح جملتين من الأدوات، واحدة تستند إلى الميثاق وما ينتج من إجراءات صادرة عن مجلس حقوق الإنسان والمقررين الخاصين بحقوق الإنسان، وأخرى تستند إلى إجراءات خاصة قد تكون ناجمة عن معاهدات أو قرارات دولية خاصة.
- التفاعل مع الهيئات الدولية خصوصاً على مستوى الرأي العام البعيد عن النخبوية، وذلك عبر المشاركة في جلسات الأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان حيثما يكون ذلك متاحاً[11] من جهة، ومن جهة أخرى التواصل عبر وسائل الاعلام والإبلاغ عن الانتهاكات التي تحصل بدقة ومن دون مبالغة.
سابعاً: أدوات إقناع الرأي العام في سوريا وبلاد المهجر بأهمية الحقوق والحريات والتمسك بهذه المنظومة
أشار أحد السياسيين السوريين أنه قبل الحديث عن أدوات إقناع الحاضنة بأهمية الحقوق والحريات، لابد من الإشارة إلى وجهتي نظر بخصوص التعامل مع منظومة القانون الدولي، الأولى: تذهب إلى أن المجتمع الدولي بمؤسساته وأنظمته، لا ينطلق من تصوراتنا كمسلمين، وبالتالي يجب علينا مقاطعته وعدم الانخراط فيه[12]. الثانية: وهي التي يؤمن بها الرأي العام الغالب، تذهب إلى أنه حتى نغير المنظومة الدولية لابد من الانخراط فيها وبمؤسساتها والتعامل مع أنظمتها واستخدام أدواتها بما يحقق مصالحنا، وعلى الأقل يخفف من الأضرار التي قد نتعرض لها.
يرى السياسي السوري أنه في ضوء تبني وجهة النظر الأخيرة، هنالك عدة أدوات يمكن استخدامها من أجل إقناع الرأي العام في سوريا والبلاد العربية عموماً بأهمية التمسك بمنظومة الحقوق والحريات الدولية، منها:
- المشاركة في حملات الحشد والمناصرة والوقفات والمظاهرات ضد انتهاكات حقوق الإنسان: البعض قد يشكك في جدواها، ولكنها على الأقل، وإن لم تمنع أو توقف الانتهاكات، فإنها على الأقل قد تخفف من حدتها، سواء من خلال تراجع مستواها، أو زيادة الدعم الذي يُقدَّم للضحايا.
- رفع الدعاوى القضائية على المجرمين: صحيح أنه في بعض الحالات لم تكن هنالك نتائج من تلك الدعاوى لأسباب سياسية كما حصل في المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، إلا أنه في حالات أخرى، كان هنالك نجاح -وإن نسبياً- في إحضار المجرمين أمام المحاكم كما حصل في رواندا والبوسنة والهرسك، وهذا يؤكد على ضرورة تحضير الملفات القضائية من أجل استغلال اللحظة المناسبة؛ لأن الحسابات السياسية قد تتغير، وما يمنع من تحقيق العدالة اليوم، قد يزول غداً.
خاتمة:
كان هنالك شبه إجماع بين الحاضرين على أن ازدواجية المعايير، ومشاكل المنظومة الدولية قائمة، وبالتالي لا يفترض أن يركز النقاش عليها، وإنما ما يجب مناقشته هو كيف نتعامل مع هذا الواقع الذي يبدو أنه لن يتوقف.
أكد الغالبية أن أدوات مواجهة ازدواجية المعايير وتسييس الحقوق والحريات محدودة، ولكنها تتطلب جهداً مضاعفاً خصوصاً من النخب على مستوى نشر الوعي بالحقوق والحريات محلياً وخارجياً، بما يساعد على تشكيل رأي عام داعم ومؤيد لها، حتى ولو كانت النتائج غير متحصلة.
في السياق السوري، أشار أحد السياسيين السوريين إلى أن ما حصل في الحالة السورية ما يزال شاهداً على تقصير المعارضة الرسمية في الملفين الحقوقي والإنساني، فعلى سبيل المثال -والكلام له-، قصرت المعارضة في إثارة قضية المعتقلين التي غابت عن طرح المعارضة وإستراتيجيتها الإعلامية والسياسية على الرغم من وجود قرارات دولية تنص صراحة على ضرورة إطلاق سراحهم. كان بالإمكان أن تضع المعارضة هذا الملف على الطاولة وتتحدث به دوماً، وحتى تطالب بأمور تمثل إحراجاً لنظام الأسد مثل: زيارة المنظمات الدولية للمعتقلات والسجون. كان بإمكان المعارضة أن تفعل ذلك، وتوضح بشكل مستمر للرأي العام العالمي أن هذا النظام الذي لم يلتزم بمثل هذا الأمر، كيف سيلتزم بالحل السياسي، إلا أنها قصرت في ذلك، وتجاوبت مع الضغوط الدولية للتركيز على قضايا مستقبلية ليس لها مساس بحياة الناس متمثلة في اللجنة الدستورية.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة