
الواقع الخدمي والأمني والإنساني في شمال شرق سوريا
تقرير صادر عن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري
تشهد مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة تنظيم “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” واقعاً معقداً على المستويات الخدمية والأمنية والإنسانية، يتأرجح بين محاولات ترسيخ الاستقرار من جهة، وتصاعد التحديات والأزمات من جهة أخرى، فمنذ انحسار تنظيم “داعش” عن معظم هذه المناطق، برزت “قسد” كقوة حاكمة بسلطة الأمر الواقع مدعومة من التحالف الدولي، إلا أن هذا الوجود لم يُترجم إلى تحسين ملموس في حياة السكان على مختلف الأصعدة.
وبعد سقوط نظام الأسد تواجه هذه المحافظات مستقبلاً غامضاً يصعب التكهُّن به، إذ تستمر “قسد” في سيطرتها، دون شعور المواطنين بالتحسُّن الملموس في مختلف مناحي الحياة، وفي ظل شد وجذب بين “قسد” والحكومة السورية حول مصير المنطقة، ووجود الكثير من العوائق والتحديات التي تواجه جهود تحقيق الاستقرار والتنمية.
يهدف هذا التقرير إلى رصد الواقع الخدمي والإنساني والأمني في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في شمال شرقي سوريا، وإبراز المشكلات التي تعاني منها المنطقة وتقديم توصيات لحلها، وذلك باستخدام الأسلوب الوصفي التحليلي عبر جمع المعلومات من المصادر المفتوحة وتحليلها.
لمحة عن تاريخ وضع المنطقة السياسي والعسكري:
يشكّل العرب السنة الأغلبية السكانية في محافظات شمال شرقي سوريا، مع وجود تركّز للكرد في مناطق متفرقة مثل القامشلي وعين العرب (كوباني) وعامودا وبعض المدن والقرى الأخرى، كما توجد أقليات أخرى بنسب ضئيلة، مثل المسيحيين الأرمن والآشوريين واليزيديين وغيرهم[1].
كانت المحافظات الشرقية من أوائل المناطق التي انضمت للمظاهرات عام 2011، وعمّت المظاهرات المدن والقرى العربية والكردية على حد سواء، وخرجت معظم هذه المدن والقرى عن سيطرة نظام الأسد البائد بعد تحول الثورة إلى العمل المسلح وانسحاب نظام الأسد منها وحفاظه على مراكز المدن الكبرى، مع تسليمه باقي المناطق ذات الغالبية الكردية إلى “وحدات حماية الشعب (YPG)” بهدف قتل الحراك الكردي الداعم للثورة وضرب فصائل الجيش الحر مع الفصائل الكردية[2]، فيما سيطرت فصائل المعارضة السورية على بعض المدن والبلدات ذات الغالبية العربية بعد معارك طاحنة[3].
ومع زيادة تقدُّم فصائل الجيش الحر، جرى تحرير مدينة الرقة عام 2013 لتكون أول مركز محافظة يخرج عن سيطرة نظام الأسد، لكن هذه السيطرة لم تدم طويلاً، إذ تمدد تنظيم “داعش” في المنطقة عام 2014 وسيطر على مدينة الرقة، وتوسَّع ليسيطر على عدد من المدن والبلدات في المنطقة الشرقية حتى عام 2017[4].
وفي تلك الأثناء، أُعلِن عام 2015 في مدينة المالكية التابعة لمحافظة الحسكة عن تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)”، بدعم أمريكي، وهي مجموعة عسكرية مكوّنة من فصائل متنوّعة، لكن تُشكّل “وحدات حماية الشعب (YPG)” الثقل الأساسي والقيادي فيها، وادّعت “قسد” في بيانها التأسيسي بأنها “قوة عسكرية وطنية موحّدة لكل السوريين تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الأخرى على الجغرافية السورية”، لكنها كانت في الواقع فصيلاً يتحرك وفق سياسات التنظيم الكردي[5].
نفذ التحالف الدولي بقيادة أمريكا حملة عسكرية ضخمة ضد تنظيم “داعش”، شملت القصف الجوي العنيف للمدن والبلدات التي يسيطر عليها بالتنسيق مع قوات “قسد” على الأرض وزاد مساحة سيطرته على حساب تنظيم “داعش” إلى أن نجح بالسيطرة على جميع المناطق شرق الفرات، فيما سيطر نظام الأسد على المناطق غرب الفرات من هذه المحافظات، مع وجود ملحوظ للميليشيات الإيرانية في بعض المناطق غرب الفرات، خصوصاً قرب الحدود العراقية لتأمين خطوط التهريب والإمداد التي تستخدمها[6].
واجهت “قسد” اتهامات كثيرة بارتكابها ممارسات عنصرية بحق المكوّن العربي في مناطق سيطرتها، وتراكمت الكثير من المشاكل التي تسبّبت بها سياسة “قسد” في ظل سعيها لحكم المنطقة بقبضة أمنية مشدّدة وعدم منح العرب حقوقهم رغم الثروات التي تتمتع بها المنطقة من نفط وغاز وزراعة، كما تُهمل تقديم الخدمات وإصلاح البنى التحتية في تلك المناطق وخاصة المدارس والمشافي والمرافق الصحية بعكس المناطق ذات الغالبية الكردية، بالتزامن مع شن عمليات اعتقال تعسفي بحجة مواجهة “داعش” فضلاً عن عمليات التجنيد الإجباري والتعذيب في السجون، ما أدى لاندلاع حراك عشائري ضدها أكثر من مرة وخاصة في ريف دير الزور عام 2023، ولكن لم يُكتب لذلك الحراك النجاح وعادت “قسد” وأحكمت سيطرتها على تلك المناطق في ظل الدعم الأمريكي[7].
ومنذ 2017 إلى لحظة سقوط نظام الأسد في 2024، لم تتغير خريطة النفوذ في المنطقة بشكل كبير[8]، رغم التهديدات والاستهدافات التركية المتواصلة، ورغم محاولات بعض العشائر العربية الثورة على “قسد” وطردها من مناطقهم في محافظة دير الزور؛ إلا أن معظم هذه المناطق ظلّت تحت سيطرة “قسد” عسكرياً وتحت إشراف “الإدارة الذاتية” الذراع المدني لها مدنياً، مع وجود مؤسسات رسمية تابعة لنظام الأسد في مراكز بعض المدن الكبرى مثل الحسكة والقامشلي[9].
وبسبب المعارك المستمرة والدمار الكبير في هذه المنطقة وفي سوريا عموماً؛ يوجد -وفق أرقام أممية- أكثر من 200 ألف نازح في مناطق سيطرة “قسد”، منهم 165 ألفاً يعيشون في مخيمات عشوائية، و49 ألفاً يعيشون في 6 مخيمات رئيسية نظامية، كما يوجد حوالي 26 ألفاً من النازحين حديثاً جراء العمليات العسكرية الأخيرة، حيث قَدِم هؤلاء النازحون من مناطق مختلفة ولأسباب مختلفة، إذ يشكل النازحون من دير الزور بسبب هجمات نظام الأسد وداعش الغالبية بنسبة 41%[10]، يليهم النازحون من محافظة حماة بنسبة الثلث، ثم النازحون من الرقة والحسكة وعفرين في ريف حلب بسبب الهجمات التركية بنسبة أيضاً تقارب الثلث[11].
القطاع الصحي:
يواجه سكان شمال شرقي سوريا مشكلات بيئية وصحية خطيرة نتيجة تلوث الماء والهواء والتربة، بسبب سنوات طويلة شهدتها المنطقة من استخراج النفط بطرق بدائية لا تراعي معايير الصحة والسلامة، فضلاً عن الاستخدام المكثف لمولدات الكهرباء التي تطلق كميات كبيرة من الانبعاثات الضارة، وقد أدى هذا التلوث المتفاقم منذ سنوات إلى ارتفاع ملحوظ في معدّلات الإصابة بأمراض مزمنة وخطيرة، مثل أمراض الرئة والكلى والكبد، والأمراض الصدرية والضغط، إضافة إلى حالات الفشل الكلوي، وأمراض الدم، والربو، واللشمانيا، والسكري، وصولاً إلى الكوليرا، كما سُجِّلت زيادة في أمراض البروستاتا، وتخثُّر الدم لدى الحوامل، ما أدى إلى حالات إجهاض متكررة، إلى جانب مشكلات العقم وأمراض القلب[12].
يعاني القطاع الصحي العام من الإهمال وضعف التجهيزات التي لا تتناسب مع احتياجات المرضى بالإضافة إلى غياب منظومة الإسعاف، كما تنتشر بعض المستشفيات الخاصة التي تملك أجهزة حديثة في المنطقة، لكنها تقدم خدماتها بأسعار باهظة، مما اضطر الكثير من السكان إلى بيع ممتلكاتهم أو الاستدانة لسداد تكاليف علاج ذويهم في المستشفيات الخاصة أو لعلاجهم في مستشفيات دمشق أو أربيل التي تملك أجهزة طبية متطورة[13].
كما تفتقد مخيمات النازحين والمناطق الريفية في الرقة والحسكة ودير الزور لأدنى مستويات الرعاية الصحية، إذ لا توجد في المخيمات والقرى سوى مستوصفات صغيرة لا تُقدّم إلا خدمات الإسعاف الأولي وبعض الأدوية البسيطة، فيما لا يوجد دور كبير لمنظمات المجتمع المدني المتخصصة بالقطاع الطبي عن هذه القرى والمخيمات، الأمر الذي يُجبر المرضى على قطع مسافات طويلة ودفع مبالغ كبيرة للوصول إلى أماكن يمكنهم تلقّي العلاج فيها[14].
الخدمات والبنى التحتية:
تُعاني محافظات شرق سوريا منذ سنوات من تدهور البنى التحتية وضعف الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء، نتيجة الاستهداف والإهمال المتواصل من قبل نظام الأسد البائد، ثم “داعش”، ولاحقاً “قسد”، فقد استهدفت هذه القوى المنشآت الحيوية خلال المعارك، بينما تجاهلت إدارة “قسد” إصلاح الأضرار، تاركة السكان يواجهون هذه المشكلات بمفردهم.
ففي ملف المياه، يواجه سكان المنطقة مشكلة في تأمين المياه بسبب انقطاعها منذ مدة عن بعض المناطق، إما بسبب تردي البنى التحتية لمحطات المياه، أو توقفها عن العمل بسبب المعارك والاستهدافات المباشرة المتبادلة، وكان من أبرز هذه الانقطاعات التوقف المتكرر ولسنوات لمحطة مياه علوك الواقعة في تل أبيض والتي تُغذّي مدينة الحسكة والعديد من المدن والقرى، وذلك بسبب إيقاف “قسد” ضخ الكهرباء من سد تشرين إلى المحطة بعد سيطرة الجيش الوطني السوري عليها[15]، أو بسبب اشتداد المعارك بين الطرفين[16]، ويتجاوز عدد المحرومين من المياه في المحافظات الشرقية 400 ألف[17].
أما في ملف الكهرباء، فكانت تنقطع لفترات طويلة نتيجة سوء البنى التحتية، وتواصل المعارك التي تُستَهدَف فيها محطات الكهرباء، والتي كان من أبرزها المعارك حول سد تشرين التي استمرت لأشهر بعد سقوط نظام الأسد، وانخفضت بشكل كبير مؤخراً بعد الاتفاق بين الحكومة و”قسد”، وبدأ عمل الفرق التقنية على إعادة تفعيل السد وتوصيل الكهرباء من جديد[18].
هذا واضطر المواطنون في المحافظات الشرقية لسنوات إلى الاعتماد على حلول فردية، مثل شراء الماء من خزانات الماء[19]، وشراء الكهرباء من موّلدات كهرباء تعمل على المازوت مملوكة بشكل خاص[20]، وحفر آبار لاستخراج المياه الجوفية رغم ملوحتها وعدم صلاحيتها للشرب وبشكل يضر بمخزون المياه الجوفية في المنطقة[21]، وذلك وسط تقليل الدعم من طرف “الإدارة الذاتية” على المازوت الممنوح لأصحاب خزانات المياه[22]، ورفع أسعار المازوت بشكل كبير يؤثر في جميع مناحي حياة السكان ومن أبرزها أسعار الماء والكهرباء[23]، وعدم وضعها أي ضوابط أو توفيرها أي بدائل للحلول الفردية التي قد تضر بصحة المواطنين وبيئة المنطقة على المدى الطويل[24].
وفي الوقت الذي تتدهور فيه الخدمات البلدية وخدمات النظافة في المحافظات الشرقية، ترفع “الإدارة الذاتية” التابعة لـ “قسد” ضرائب النظافة على المواطنين، رغم استمرار انحدار مستوى الخدمات المقدمة، وعدم تحسين منشآت البنية التحتية، وعدم تخصيص ميزانيات كافية لهذه المؤسسات كي تقوم بعملها بالحد الأدنى المطلوب[25].
القطاع الزراعي والغذائي:
تعاني سوريا حتى قبل انطلاق الثورة من مشكلة الجفاف وسوء إدارة الموارد المائية، إذ أهمل نظام الأسد البائد وضع سياسات لتحسين البنية التحتية للمياه وتطبيق سياسات الترشيد والتخطيط الاستراتيجي لمستقبل المياه في البلاد، رغم تصنيف سوريا ضمن الدول المُرجّح أن تواجه إجهاداً مائياً بحلول عام 2050، وزاد الوضع سوءاً بعد استخدام نظام الأسد المياه سلاحاً في وجه شعبه، إما بقصف البنى التحتية المائية، أو حرمان المناطق التي خرجت عن سيطرته من المياه، أو إهمال البنى التحتية في مناطق سيطرته[26].
وبالنظر إلى المحافظات الشرقية التي تُعدّ السلة الغذائية لسوريا نظراً لاتساع مساحة الأراضي الزراعية والمراعي، ووفرة المياه من نهر الفرات والمياه الجوفية، إلا أن سوء إدارة ملفات الزراعة والري، وانخفاض حصة سوريا من نهر الفرات بسبب السدود في تركيا، وانخفاض معدّلات المطر في السنوات الأخيرة، بالإضافة لمشكلات قطاع المياه المذكورة سابقاً، كلها كانت عوامل سلبية أدت لتراجع القطاع الزراعي والغذائي في هذه المناطق.
تراجعت زراعة القمح بنسبة تقارب 30%[27]، وهو المحصول الأكبر في المنطقة والذي يعتمد عليه سكان المنطقة وسوريا كلها، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات (التي تستخدم لاستخراج المياه الجوفية وسقاية الأراضي)، ولانخفاض سعر شراء المحاصيل الذي حددته “الإدارة الذاتية” التابعة لـ “قسد”، ولارتفاع تكاليف الزراعة بشكل عام بسبب ندرة البذور والكيماويات، وهذا دفع المزارعين للاحتجاج على “الإدارة الذاتية” وعدم زراعة أراضيهم بالقمح والتوجه لزراعتها بمحاصيل أخرى أقل تكلفة عليهم[28].
وبسبب هذه الأزمات المتتالية، ارتفعت أسعار الخبز المدعوم من “الإدارة الذاتية” بنسبة 30%، مع تخفيف وزن ربطة الخبز وتحديد عدد الربطات لكل فرد، فيما ارتفعت أسعار ربطات الخبز في المخابز غير المدعومة بنسبة أكبر؛ الأمر الذي شكّل أزمة جديدة لذوي الدخل المحدود في هذه المناطق[29].
أما في قطاع تربية المواشي، فيواجه المربون تحديات متزايدة تهدد استمرار عملهم، يأتي في مقدمتها غياب دعم “الإدارة الذاتية” لهم بمستلزمات الأعلاف، وذلك في ظل ارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، كما أن الجفاف المستمر الذي يزداد حدة عاماً بعد عام حال دون نمو المراعي بالشكل المعتاد، مما ضاعف من معاناة المربين وزاد من كلفة تربية المواشي، في مقابل انخفاض أسعارها في الأسواق بشكل كبير دون التكلفة، وفي ظل هذه الظروف يضطر العديد من المربين إلى تقليص أعداد قطعانهم، الأمر الذي يهدد مستقبل هذا القطاع الحيوي[30].
وفي ظل هذه الأزمات التي تعصف بالقطاعات الغذائية والزراعية يواجه المواطنون تحديات اقتصادية كبيرة، عمّقها أيضاً تجاهل “الإدارة الذاتية” مطالب المواطنين بمراقبة الأسواق ومكافحة الاحتكار الذي يقوم به التجار، إذ يستغل الكثير من التجار هذه الأوضاع في احتكار المواد وبيعها بأسعار باهظة لا تتناسب مع طبيعة السوق وتقلّبات سعر الصرف[31]، كما يطالب المواطنون “الإدارة الذاتية” بتخفيض سعر المحروقات بالتزامن مع انخفاض سعر صرف الدولار، إذ تؤثر أسعار المحروقات على أسعار جميع المنتجات بلا استثناء[32].
القطاع التعليمي:
حاولت “الإدارة الذاتية” التابعة لـ “قسد” فرض تدريس منهاج طورته بنفسها باللغتين العربية أو الكردية على المدارس في مناطق سيطرتها، مع اعتبار اللغة الكردية إحدى المواد الرئيسية في المناهج العربية، وقد كانت هذه المناهج مختلفة عن مناهج نظام الأسد أو التي تدرّس في مناطق المعارضة السورية، وضم هذا المنهاج مادة تسمّى “علم المرأة”، ومادة متعلقة بمؤسس تنظيم حزب العمال الكردستاني التركي، عبدالله أوجلان، بالإضافة إلى تغيير مناهج الدين ووصف الأديان بأنها فلسفة جاء بها الأنبياء من تلقاء أنفسهم، وغيرها من الأمور المرفوضة شعبياً[33]، لكن فشلت في فرض هذه المناهج في المناطق العربية بعد أن لاقت ردة فعل شعبية غاضبة في كثير من المدن، مثل منبج (قبل تحريرها) والرقة ودير الزور، وصلت إلى حد تنظيم مظاهرات وإضرابات طلابية للمطالبة بتغيير المناهج[34].
وبعد سقوط نظام الأسد، بدأت “قسد” سياستها التعليمية بإغلاق المدارس التي تدرس المنهج الحكومي بشكل كامل والإبقاء على المدارس الخاصة التي تديرها كنائس ومنظمات غربية، وذلك بحجة سقوط مؤسسات الدولة وانتهاء صلاحياتها، وحاولت إجبار المعلمين والطلاب في هذه المدارس على الانتقال للمدارس التي تدرس منهج “قسد”[35]؛ فيما أصدرت الحكومة السورية قراراً باعتماد نتائج الفصل الدراسي الثاني فقط في تحديد النتيجة النهائية لنجاح ورسوب الطلاب في محافظتي الرقة والحسكة للعام الدراسي 2024-2025 وذلك لحين التوصل إلى طريقة لدمج مؤسسات الدولة في هاتين المحافظتَين في الحكومة الجديدة[36].
ونتج عن الاتفاق الموقع بين الحكومة السورية و”قسد” عقد اتفاق بين وزارة التربية والتعليم وإدارة التعليم التابعة لـ “قسد”، يتم بموجبه تسهيل إجراءات التسجيل وتمديد موعد لاستيعاب جميع الطلاب الدارسين بالمنهج الحكومي، وتمكين الطلاب من أداء الامتحانات في مناطقهم دون عناء التنقل، وتشكيل لجنة مشتركة مؤقتة لإدارة العملية الامتحانية بالمنهج الحكومي في شمال وشرق سوريا، واستمرار العملية التعليمية لطلاب منهج “الإدارة الذاتية” للعام الدراسي 2024-2025 كما في السنوات السابقة[37].
أما بالنظر إلى البنية التحتية في القطاع التعليمي، فقد توقفت العديد من المدارس بسبب تضررها من القصف الممنهج والمعارك الشديدة التي دارت في تلك المناطق، وأدت لدمار واسع النطاق في العديد من المدن، أبرزها الرقة وريف دير الزور، وطال هذا الدمار عدداً كبيراً من المدارس[38]؛ وفي الوقت الحالي بعد سقوط النظام ما تزال المدارس مهددة بالتوقف عن عملها في حال اشتعال المعارك من جديد[39]، فضلا عن اتباع “قسد” سياسات تجهيل لأبناء المنطقة من خلال عدم القيام بترميم أغلب المدارس فيما يبدو كأسلوب عقابي خاصة للبلدات التي أعلنت رفض مناهج “قسد”[40].
الوضع الأمني:
تواجه المحافظات الشرقية الواقعة تحت سيطرة “قسد” تحديات أمنية كبيرة، من أبرزها خطف القصّر وتجنيدهم في صفوف “قسد”[41]، واندلاع المواجهات العسكرية بين “قسد” وفصائل الجيش الوطني وتركيا في جبهات منبج وسد تشرين بالإضافة لوجود قصف مدفعي وجوي يستهدف بعض المناطق الأخرى، والاعتقالات المتكررة التي تقوم بها “قسد” ضد المدنيين الذين ينتقدون سياستها، ومواجهة الرفض الشعبي لحكم “قسد” في المناطق العربية بالقمع والتعذيب والمواجهة المباشرة، بالإضافة إلى خطر الألغام وبقايا الحرب.
بالنظر إلى قضية خطف القصّر؛ فقد اعتمدت “قسد” وبالأخص تنظيم “الشبيبة الثورية” المنضوي تحت لوائها على سياسة خطف الأطفال -الإناث على وجه الخصوص- من ذويهم، وتجنيدهم في صفوفها، وذلك بعد وضعهم في دورات فكرية وعسكرية مكثفة يتم فيها غسل أدمغتهم وعزلهم عن أسرهم وذويهم، وقد تكررت حالات الخطف والتجنيد الإجباري للأطفال مئات المرات خلال السنوات الماضية[42]، واستمرت هذه الممارسات حتى بعد سقوط نظام الأسد، وسط مناشدات من الأهالي لإعادة أبنائهم وحمايتهم من هذه السياسة[43].
أما بالنظر إلى الاشتباكات بين “قسد” والجيش الوطني وتركيا، فقد انخفضت بشكل كبير في الفترة الأخيرة بعد توقيع الاتفاق بين الحكومة السورية وقيادة “قسد”، وانخفضت وتيرة القصف التركي إلى حد كبير، وفي حال استمر تنفيذ بنود الاتفاق فمن المتوقع أن يتوقف خطر الاشتباكات بين الطرفين وأن يتم دمج قوات “قسد” أسوة ببقية الفصائل السورية ضمن الجيش السوري الجديد بحسب ما ينص الاتفاق[44]. لكن رغم توقف الاشتباكات ما زالت تتوارد أخبار عن استمرار “قسد” في حفر الخنادق والأنفاق في المدن التي تسيطر عليها، مثل الرقة والطبقة وغيرها، في خطوة تثير الشكوك حول مدى جدية التنظيم في تطبيق بنود الاتفاق الذي وقّع عليه مع الحكومة السورية[45].
واجهت “قسد” خلال السنوات الماضية موجات من الغضب الشعبي والانتفاضات من قبل العشائر العربية الرافضة لحكمها بسبب الشعور بالتهميش والعنصرية وبسبب تعرضهم لانتهاكات مستمرة، تخللتها اشتباكات عنيفة[46]، لكنها انتهت بفرض “قسد” سيطرتها مجدداً على المنطقة بسبب الدعم العسكري الأمريكي، دون أن تنهي حالة الاحتقان، وتصاعدت المعارضة العربية بشكل ملحوظ بعد سقوط نظام الأسد، حيث شهدت المدن ذات الغالبية العربية مظاهرات حاشدة رُفع خلالها علم الثورة السورية وطالبت بخروج “قسد”، بينما ردّت الأخيرة بالقمع وإطلاق النار على المتظاهرين[47].
وخلال هذه السنوات مارست “قسد” سياسة الاعتقال بحق معارضيها، خاصة من العرب، بتهم جاهزة تتعلق بالانتماء إلى “داعش”، رغم عدم وجود دلائل تربطهم بالتنظيم[48]، كما طالت الاعتقالات قيادات عسكرية في “قسد” بعد انشقاق جنود من المجموعات التي يقودونها وهروبهم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية بعد سقوط نظام الأسد[49]، وسط صدور تقارير عن ارتكاب عناصر “قسد” جرائم مثل التعذيب الممنهج، وسوء المعاملة التي تصل أحياناً إلى الإعدام الميداني[50].
وفي سياق أمني آخر، تعاني سوريا عموماً، والمناطق الشرقية خصوصاً من مشكلة الانتشار الكبير للألغام وبقايا الحروب غير المنفجرة بشكل عشوائي وغير معروف بالنسبة للسكان، وقد تسبّبت الألغام بمقتل وإصابة الآلاف خلال السنوات الماضية، واستمرت بحصد الأرواح حتى بعد سقوط نظام الأسد. ومن بين أكثر المناطق تضرراً من الألغام كانت محافظتَا دير الزور والرقة، إذ كانتا على خط السيطرة بين قوات “قسد” والمعارضة السورية ونظام الأسد البائد، وقُتل العشرات من المواطنين في هاتين المحافظتين منذ سقوط نظام الأسد، وتتوالى الدعوات من المنظمات الحقوقية وسكان المنطقة للحكومة السورية والمنظمات الدولية للعمل على إزالة هذه الألغام وتحييد خطرها[51].
نشاط منظمات المجتمع المدني[52]:
تشهد مناطق شمال شرق سوريا نشاطاً ملحوظاً لمنظمات المجتمع المدني، التي تعمل في ظل ظروف معقدة وتحديات كبيرة بسبب انقطاع الدعم الأمريكي مؤخراً وعدم استقرار المنطقة أمنياً، وتقدم هذه المنظمات خدماتها عبر طيف واسع من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها القطاعات الإنسانية الأساسية مثل القطاع الطبي، القطاع التعليمي، ودعم وإدارة شؤون المخيمات. ولا تقتصر جهود هذه المنظمات على المجالات الطارئة، بل تمتد إلى ميادين أخرى أكثر تنموية، مثل دعم سبل العيش، حماية حقوق الطفل، تمكين المرأة، وتنمية قدرات المجتمع المدني لتعزيز دوره في الحياة العامة.
وفي ظل الضعف الهيكلي والفساد في إدارة الموارد والإهمال الإداري الذي تُعاني منه مؤسسات “الإدارة الذاتية[53]؛ أصبحت المنظمات المدنية تتحمل أدواراً أكبر بكثير من تلك المفترضة أصلاً للسلطات الرسمية، ففي كثير من الحالات، تعتمد “الإدارة الذاتية” بشكل مباشر على عمل هذه المنظمات لتغطية الحاجات الأساسية للسكان المحليين، خاصة في مجالات الإغاثة، الصحة، والتعليم. فمثلاً تقوم المنظمات بتقديم خدمات طبية مجانية في المناطق التي تفتقر للمرافق الصحية المناسبة، وتسهم في دعم العملية التعليمية عبر إنشاء مراكز تعليمية أو تقديم مستلزمات للطلاب، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية داخل المخيمات.
غير أن عمل المنظمات لا يخلو من العراقيل، إذ تفرض “قسد” و”الإدارة الذاتية” قيوداً تنظيمية متزايدة على عمل المنظمات، لا سيما على تلك التي تعتبرها متعارضة مع توجُّهاتها السياسية أو التي لا تعمل بتنسيق مباشر معها، وتشمل هذه القيود تأخير إصدار التصاريح اللازمة للعمل، وفرض قيود جغرافية على الحركة والنشاط، وأحياناً إيقاف بعض المشاريع تحت ذرائع أمنية أو سياسية. وضمن هذا الإطار أنشأت “الإدارة الذاتية” أذرعاً تنظيمية مثل “كونفدرالية تنظيمات المجتمع الديمقراطي” و”منصة مؤسسات المجتمع المدني”، واللتين تلعبان دور الوسيط بين المنظمات والمجتمع المحلي، وتساهمان في ضبط إيقاع عمل المنظمات بما يتماشى مع السياسات العامة لـ “الإدارة”.
تعتمد غالبية هذه المنظمات في تمويلها على وكالات الأمم المتحدة، ومنظمات دولية غير حكومية، إلى جانب دعم مباشر من حكومات أوروبية وأمريكية، غير أن هذا التمويل شهد تراجعاً ملموساً بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتخفيض المساعدات الإنسانية، مما أثر بشكل مباشر على العديد من المشاريع، فقد اضطرت بعض المنظمات إلى تقليص نطاق برامجها، أو حتى تعليقها مؤقتاً، وهو ما انعكس بشكل خاص على أوضاع النازحين الذين يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية في المخيمات، حيث تفاقمت معاناتهم نتيجة تقلُّص الدعم المقدم.
رغم أن الدور العام لمعظم المنظمات كان إيجابياً وأسهم في التخفيف من معاناة السكان، إلا أن بعض التقارير الميدانية سجّلت انتهاكات فردية، شملت اتهامات باستخدام المساعدات كوسيلة للابتزاز السياسي، مثل مطالبة بعض السكان بالمشاركة في فعاليات مؤيدة لـ “الإدارة الذاتية” مقابل استمرار حصولهم على المساعدات.
وفي ضوء التحولات السياسية المحتملة، وخاصة بعد توقيع الاتفاق بين الحكومة السورية و”قسد” الذي يقضي بدمج المحافظات الشرقية ضمن سلطة الدولة السورية، ستجد منظمات المجتمع المدني نفسها أمام مفترق طرق، فقد يتعيّن عليها التكيف مع منظومة القوانين واللوائح السورية الرسمية، مما قد يفرض عليها إعادة هيكلة وضعها القانوني والحصول على تراخيص جديدة، وفي حال عدم قدرتها على الامتثال لهذه الشروط فقد تضطر إلى الانسحاب التدريجي من العمل في هذه المناطق.
اتفاقية الحكومة السورية و”قسد”:
بعد سقوط نظام الأسد استمرت المعارك بين الجيش الوطني وتركيا من جهة و”قسد” من جهة أخرى في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ومارس/آذار 2025، وتركّزت المعارك عند جبهة سد تشرين الذي يُعدّ البوابة الكبرى لمناطق شرق الفرات، فيما توصلت الحكومة السورية إلى هدنة ودخلت في حوار مكثف مع قيادة “قسد” لإيجاد حل سلمي لدمج مناطق شمال شرق سوريا في الدولة السورية، وتكللت جهود هذا الحوار بنجاح مبدئي في شهر مارس/آذار 2025 بعد أن وقّع الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، اتفاقية مكونة من 8 مواد، يتم بموجبها وقف إطلاق النار والاعتراف بالمجتمع الكردي مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية، وضمان عودة المهجّرين، ودمج المؤسسات المدنية والفصائل العسكرية في شمال شرق سوريا في الدولة السورية، ومكافحة فلول الأسد بشكل مشترك، ورفض دعوات التقسيم، على أن يتم تنفيذ مواد هذه الاتفاقية بحلول نهاية عام 2025[54].
سارت العديد من الخطوات في مجال تحقيق هذا الاتفاق بشكل جيد نسبياً، إذ حدث تبادل للأسرى في حلب بين الطرفين[55]، وبدأت “قسد” بسحب مقاتليها من حيي الأشرفية والشيخ مقصود[56]؛ لكنها ماطلت بتسليم سد تشرين للحكومة السورية، فيما لا تزال المشاورات بشأن إنجاز بقية البنود والتفاصيل مستمرة[57].
ولاقى إعلان هذا الاتفاق ردود فعل إيجابية في عموم سوريا، إذ عمّت الاحتفالات العديد من المدن السورية[58]، لكن كانت هناك بعض الجهات داخل “قسد” منزعجة من هذا الاتفاق، وتجلّى هذا في اعتقال المحتفلين برفع العلم السوري، واستمرار ممارسات الخطف والتعذيب والاستهداف المباشر لمعارضي “قسد” في المنطقة[59].
وبالنظر إلى آخر تطورات هذا الاتفاق، فقد عقدت الأحزاب الكردية في شهر أبريل/نيسان بعد حوالي شهر من الاتفاق بين “قسد” والحكومة السورية مؤتمراً في القامشلي طالبت فيه بتطبيق نظام لا مركزي، والاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية ثانية واعتماد نظام برلماني وتغيير التقسيم الإداري بشكل يراعي التنوع الديمغرافي، وغير ذلك من المطالبات[60]؛ وجاء رد الحكومة السورية سريعاً، إذ استنكرت التصريحات الصادرة من “قسد”، وعدّتها تهديداً لوحدة البلاد، مؤكدة الرفض القاطع لأي محاولات فرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو “الإدارة الذاتية” دون توافق وطني شامل، ومشيرة إلى أن هذه التصرُّفات تخالف الاتفاق الموقّع بين الطرفين، وأعربت الحكومة عن قلقها من الممارسات التي تشير إلى توجُّهات خطِرة نحو تغيير ديموغرافي في بعض المناطق، ومن تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها واحتكار الموارد الوطنية، داعية قيادة “قسد” إلى الالتزام ببنود الاتفاق وتغليب المصلحة الوطنية على أي حسابات ضيقة أو خارجية[61].
وتشير هذه التطورات إلى وجود توترات بين الطرفين فيما يخص الاتفاق، إذ تحاول “قسد” المناورة لتحقيق مكاسب إضافية فوق الاتفاق الموقّع، مثل الحصول على دور سياسي أكبر في عملية صياغة الدستور، وتقديم نفسها كممثل للكرد في سوريا[62]، فيما تسعى الحكومة السورية لتنفيذ الاتفاق وفرض كلمتها الرافضة للتقسيم ولمشاريع اللامركزية، لكن لا يُتوقع أن ينهار الاتفاق بشكل كامل، إذ استمر الطرفان بتنفيذ عمليات تبادل الأسرى والتفاوض بشأن تسليم سد تشرين ويُتوقع الاستمرار بالتجاذب للسعي لتحقيق المكاسب، مع الحفاظ على الاتفاق وعدم إفساده بشكل كامل.
خاتمة:
مثل كل المحافظات السورية تواجه المحافظات الشرقية تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، فبالإضافة إلى ما تشترك به مع بقية المحافظات من الدمار والتهجير وتخريب البنى التحتية وخطر الألغام، ما تزال هذه المحافظات تواجه مشكلات خدمية وأمنية كبيرة بسبب سياسات “قسد” التي تسيطر على المنطقة بحكم الأمر الواقع، بالإضافة إلى تعرض العرب في هذه المناطق إلى ممارسات عنصرية متعمدة من قبل بعض الأطراف المنضوية تحت لواء “قسد”.
يُشكّل الاتفاق الموقع بين الحكومة السورية و”قسد” خطوة مهمة في سبيل توحيد سوريا بشكل سلمي دون إراقة دماء وتخفيف التوترات والحساسيات العرقية في المنطقة، لكن يواجه هذا الاتفاق تحديات في تنفيذه، وسط مراوغة “قسد” في بعض الملفات ومحاولتها تحقيق المزيد من المكاسب فوق الاتفاق، لكن بشكل عام لا تملك “قسد” الكثير من أوراق الضغط، وفي حال الانسحاب الأمريكي من المنطقة ستفقد معظم أوراق قوتها وستكون مرغمة على تنفيذ الاتفاق في النهاية.
وفي هذا السياق، من المهم على الحكومة السورية الضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين في سجون “قسد”، ومعرفة مصير الأطفال المختطفين، وإنهاء هذه الممارسات القمعية، كما يجب على المنظمات الحقوقية العمل على تتبُّع هذه الملفات والسعي للمطالبة بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان.
كما تبرز هنا أهمية إبعاد مرافق البنى التحتية عن خطوط الاشتباك والقتال، إذ تضرر الكثير من مرافق الماء والكهرباء والنفط في المعارك التي جرت بين “قسد” وفصائل الجيش الوطني وتركيا في السنوات الماضية، ما أدى إلى قطع المياه والكهرباء عن مئات الآلاف؛ والآن بعد توقيع الاتفاق بدأ الوضع يتحسن تدريجياً، لكن ما يزال خطر اندلاع الاشتباكات من جديد قائماً.
رغم الغموض الذي يكتنف خطوات تنفيذ الاتفاق بين الحكومة السورية و”قسد” والتحديات التي تواجهه، وعدم وضوح المدى الزمني لتسلّم إدارة باقي المحافظات، إلا أنه يبدو أن الحكومة السورية ستكون بحاجة لوضع خطة شاملة تكون مستعدة لتطبيقها حال دخولها شمال شرق سوريا تتضمن:
- وضع ضوابط ومعايير تحكم القطاعات الزراعية والخدمية والاقتصادية وإنهاء العشوائية الموجودة حالياً، التي تتسبب بالكثير من المشكلات، مثل زيادة مُعدّلات التلوث بشكل يؤثر على صحة الناس، وارتفاع الأسعار بشكل كبير غير منضبط، وغير ذلك من المشكلات ذات الصلة.
- وضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد لدعم القطاع الزراعي وقطاع تربية المواشي، نظراً لكونه النشاط الاقتصادي الأبرز لأبناء المنطقة، ولأهميته لاقتصاد سوريا ككل.
- إعادة ترميم وإصلاح آبار النفط ومحطات التكرير، وإنتاج النفط والغاز بأساليب حديثة صديقة للبيئة.
- وضع خطة عاجلة لتحديد مدى الضرر الذي لحق بالمؤسسات الصحية في المنطقة، وذلك بهدف تحديد أماكن الاحتياج العاجل وتأمينها، وتسهيل حركة المرضى أصحاب الأمراض المزمنة مثل مرضى السرطان والكلى وغيرها إلى المدن الأخرى ليتلقوا العلاج في المستشفيات التي تملك إمكانيات أفضل وبأسعار مجانية أو مخفّضة.
- مناقشة كيفية دمج المدارس التي تدرس منهج “قسد” مع باقي مدارس الدولة، والذي يمكن أن يتم مع بداية العام الدراسي القادم إذا جرى الاتفاق على ذلك مقابل اعتماد نتائج المدارس في العام الدراسي الحالي.
- إجراء مسح ميداني لمعرفة عدد المدارس المدمرة جزئياً أو كلياً في المنطقة، ووضع خطة تدريجية لإعادة إعمارها.
- تعزيز أعمال إزالة الألغام بشكل منظم وعدم ترك المواطنين يقومون بالعمل بأنفسهم بأساليب بدائية.
- العمل على احتواء المنظمات العاملة في المحافظات الشرقية بعد التزامها بالمعايير التي تضعها الحكومة السورية، والتعاون معها وإشراكها في عملية إعادة إعمار وتنمية المنطقة من جديد.
“قسد” تحول عشرات المدارس لمقرات عسكرية وتحرم 30 ألف طالب من التعليم، أورينت، 8 / 11 / 2023
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري