الورقة البحثية ” خطاب الفصائل السياسي والأيديولوجي: عرض وتطوير “
ظهر منذ بداية الثورة خطاب فصائلي ذو أبعاد سياسية وأيديولوجية واضحة. وحيث إن غالبية الفصائل المقاتلة في سوريا ذات طابع إسلامي جلي، فقد كانت الأيديولوجيا حاضرة في ذلك الخطاب. ورغم أن التعرض لبعض المواضيع السياسية والفكرية هو ديدن خطابات ما يسمى بجماعات “السلفية الجهادية”، كان للإعلام دور بارز في استخراج الكثير من تلك الموضوعات في حال الفصائل الأخرى. وقد كان للنبرة الأيديولوجية العالية لخطاب “السلفية الجهادية” الأثر الكبير على خطاب الفصائل الأخرى. ومما طرح في هذه الخطابات مواضيع مثل شكل الدولة المستقبلي والديمقراطية والأقليات، إلخ.
لكن هذا الخطاب قد طرأ عليه بعض التغير في حال بعض الفصائل، مثل أحرار الشام وجيش الإسلام. وهذا التغير تنوعت أسبابه، حيث كان أحد أسبابه الضغوط التي مورست من قبل بعض الجهات والدول الداعمة لتلك الفصائل. والسبب المهم الآخر يبدو أنه زيادة الدراية والخبرة والوعي لدى تلك الفصائل بحال الثورة محلياً وإقليمياً ودولياً ومآلات ما يجري على الأرض السورية. وقد تفطن بعض الناصحين من العلماء والمفكرين إلى ذلك وحرصوا على توصيله لتلك الجهات العاملة في الثورة.
وقد تنوعت اتجاهات العاملين في الثورة السورية عملياً ونظرياً. أما من الناحية العملية، فبعضهم اتجه للعمل العسكري، والبعض الآخر للسياسي، وفئة أخرى تفرغت للنشاط الميداني سواء في الإغاثة والعمل الطبي أو الإعلام أو الإدارة المحلية، وغير ذلك. وأما من الناحية النظرية، فهناك مناهج فكرية مختلفة انطلقت منها تجمعات وفصائل تعمل في الثورة، حتى ضمن الطيف الإسلامي الواسع. وقد أسهمت هذه المنطلقات الفكرية المختلفة في خلق حالة واضحة من اختلاف الخطاب وأسلوب العمل، وخاصة عند المعارضة المسلحة. وقد برز ذلك جلياً في خطابات الفصائل وبياناتهم وآرائهم، مما أدى إلى “فوضى الخطابات والبيانات” والذي أثر سلبياً على دعم الثورة من القريب والبعيد.
وإن كانت الثورة قد مرت بمراحل عدة بعضها يدعو للدهشة والإعجاب من درجة الوعي والتعاون والإنجاز رغم التحديات المستحيلة، فبعضها الآخر مليء بالمصاعب والأخطاء الكبيرة التي كلفتنا الكثير من الدعم والتأييد المعنوي على الصعيد الشعبي المحلي والإقليمي والدولي. لا شك أن الخطب جلل وأن الظروف الاستثنائية لها اعتبارات خاصة والأخطاء تكون فيها متوقعة، لكن الأمر لم يعد يحتمل مزيداً من الأخطاء والتصرفات غير محسوبة العواقب. وعلى الرغم من وجود أجندات مختلفة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وكثير منها ليس في مقدورنا تغييره أو تعديله، إلا أن بعض تلك التحديات تنتظر جهداً أكبر من قبلنا لمعالجتها. ويدخل في ذلك موضوع الخطاب السياسي والأيديولوجي للفصائل المقاتلة.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة