تداعيات الحرب في لبنان على سوريا.. “سيناريوهات إعادة تموضع “حزب الله” وآثاره الأمنية والعسكرية والديمغرافية”
تقرير تحليلي بُني على مدخلات مجموعة من الخبراء في ندوة لمركز الحوار السوري
مقدمة:
في ظل التطورات الأخيرة الناجمة عن الحرب “الإسرائيلية” على غزة وامتدادها إلى جنوب لبنان، ومقتل زعيم مليشيا “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، وكبار قادة الحزب، شهدت مناطق لبنانية عدة موجة نزوح لعشرات آلاف العائلات نحو الأراضي السورية بما في ذلك عوائل “حزب الله”، ليستقر جزء منها في مناطق سيطر عليها الحزب خلال عملياته مع نظام الأسد[1]، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على الملف السوري عموماً وفي مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
بهدف مناقشة هذا الموضوع، أقام مركز الحوار السوري يوم الإثنين 30 أيلول/سبتمبر مجموعة نقاش مركزة مع مجموعة من الخبراء والباحثين لمناقشة انعكاس التطورات الأخيرة على المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص والتداعيات الأمنية والعسكرية المحتملة حال استقرار “حزب الله” وعائلاته في المناطق السورية، والأثر المتوقع لهذا النزوح على الواقع الاقتصادي والإنساني في سوريا وأثر استقرار هذه العائلات في المناطق السورية على التركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي، إضافة لأثر التطورات والنزوح الداخلي في لبنان على أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان ومستقبل وجودهم.
وقد أُعدّ هذا التقرير الموضوعي من خلال اتباع قاعدة “تشاتام هاوس”[2]، ومن دون التقيّد بالترتيب الزمني للعرض والمداخلات، وتم التقسيم الموضوعي للتقرير بقصد ترتيب الأفكار بطريقة سلسة وموضوعية تساعد القارئ- ما أمكن- على فهم المضمون.
ينقسم التقرير إلى خمسة محاور: يناقش الأول مآلات الحرب “الإسرائيلية” على “حزب الله”، ويستعرض الثاني مواقف الدول العربية والإقليمية منها، فيما تركز المحاور الثلاث الأخيرة على استعراض الآثار والتداعيات العسكرية والأمنية لهذه الحرب على الملف السوري من جهة أولى، والإنسانية والاقتصادية من جهة أخرى.
المحور الأول: مآلات الحرب “الإسرائيلية” على مليشيا “حزب الله”
أشار أحد الباحثين إلى أن “حزب الله” كان يعتقد أن ما يحصل في غزة سيصل إلى لبنان، ولذلك فإن “حرب الإسناد” التي أعلنها لم تكن لأجل غزة فحسب، بل من أجل بقائه. لذلك بدأ بالمشاغلة بعد عملية 7 أكتوبر لمنع تجمع القوات الموجودة على الحدود وكي لا تفكر بغزو لبنان خصوصاً مع وجود أصوات “إسرائيلية” تدعم ذلك السيناريو، ويُدرك “حزب الله” أن أي اتفاق تهدئة يتم التوصل له لن يشمل غزة فقط، بل سيمتد إلى الحدود مع لبنان، كما يدرك أيضاً أن إنهاء “إسرائيل” لحركة حماس وانتصارها في غزة يعني احتمالية حصول مثل تلك المواجهة في لبنان، وبالتالي يكون الحزب فيها وحيداً، ولهذا وفق رأي الباحث فإن “حزب الله” كان مضطراً للتدخُّل في “حرب الإسناد”.
ويبدو أن حالة التراخي الإيراني عن الرد على العمليات “الإسرائيلية” شكّلت دافعاً لنتنياهو لزيادة وتيرة الهجمات وتحقيق ما يصبو إليه في تغيير الشرق الأوسط وإضعاف إيران، خصوصاً مع تأخر الرد الإيراني بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، ثم هجمات البيجر، ثم كانت الذروة باغتيال حسن نصر الله، الأمر الذي فتح بحسب رأي أحد الباحثين أفقاً جديداً في لبنان وحقّق هدفاً كان يسعى إليه نتنياهو، وهو إعادة التذكير بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701[3]، والذي صرحت الحكومة اللبنانية استعدادها لتنفيذه، وإيقاف الحرب[4]، وهو ما يتناقض مع ما قاله نائب أمين عام حزب الله “نعيم قاسم” بأن “حرب الإسناد” مستمرة، ويناقض أيضاً كلام نصر الله قبل مقتله[5].
وقد طرح المشاركون في مجموعة النقاش عدة سيناريوهات لمآل الحرب “الإسرائيلية” الحالية على “حزب الله”.
أولاً: تموضع “الجيش الإسرائيلي” في نقاط محددة على الحدود اللبنانية:
وفقاً لهذا السيناريو، يتقدم “الجيش الإسرائيلي” إلى داخل الحدود اللبنانية، ويتموضع في نقاط محددة بهدف الضغط على “لبنان الرسمي” لعقد اتفاقية جديدة لا يكتفي فيها بخطوط قرار 1701، بل يتيح لـ”إسرائيل” فيما لو أرادت الانسحاب أن تُلزم لبنان بمراقبة منطقة الليطاني وما بعدها وهذه المراقبة لا تكون على طريقة قرار 1701، إنما هناك مراقبة صارمة وعملية لعدم وجود “حزب الله” أو أي مقار عسكرية تابعة له، وهنا قد لا تضمن “إسرائيل” عدم وصول الصواريخ لكنها ستضمن عدم وقوع عملية مشابهة لطوفان الأقصى في الشمال وفق رأي أحد الباحثين.
باحث آخر رأى أن “إسرائيل” إذا تدخلت في لبنان وأخذت قطعة أرض بشكل دائم، فستظهر مجدداً مُبرّرات المقاومة، مما يعني أن الوضع سيعود إلى ما كان عليه سابقاً، وهو سيناريو قد لا ترغب به الفواعل المؤثرة، خاصة فيما لو أقدمت “إسرائيل” على قطع الحدود السورية اللبنانية، مما يعني أن الحرب لن تكون مجرد محاولة لتغيير الوضع في لبنان و”حزب الله”، بل ستسعى إلى خنق الحزب، وهذا السيناريو قد يفتح المنطقة على صراع طويل.
ثانياً: استمرار الضغط العسكري ضد “حزب الله”
يرى أحد الباحثين أن سيناريو مواصلة الضغط العسكري على “حزب الله” وارد لكنه لن يستمر طويلاً، وربما يتخلله في مراحل عدة دخول للقوات “الإسرائيلية” وخروجها، لكن الفكرة الأساسية ليست العمل العسكري بل استمرار الضغط بهدف تغيير الواقع اللبناني الداخلي عبر إضعاف “حزب الله” ليس فقط حتى يعجز عن مهاجمة “إسرائيل” أو مقاومتها، إنما حتى يكون أضعف من باقي المكونات اللبنانية، وحينها يصبح الطريق مفتوحاً للقوى الأخرى لكي يكون لها نفوذ وقرار أكبر في الدولة اللبنانية وفي الشارع وفي الأرض ويفتح الباب لدول عربية لتوازي قوة إيران وألا تبقى هي وحدها المُتصرّف الأساسي الموجود.
باحث آخر اعتبر أن “حزب الله” أصبح بعد مقتل سليماني هو القائد الإقليمي لسياسة إيران في المنطقة، وبالتالي فإن استهدافه بهذه الطريقة يرجح أن يكون الهدف هو إعادة تشكيل النظام الإقليمي في المنطقة عبر إغراق “محور المقاومة” بالتحديات، وإعادته لحجمه الطبيعي، خصوصاً أن “إسرائيل” كانت في السابق تدير معاركها بتوازن أو بتغليب أحد الأطراف، لكنها اليوم باتت تُحيّد المفاوضات لكونها قد تكون عائقاً أمام عمليات برية محتملة، وبالتالي جاء مقتل حسن نصر الله ليشكل عنواناً جديّاً وحقيقياً لتشكل نظام أمني جديد في المنطقة لن يكون فيه لدول “محور المقاومة” دورٌ رئيسي، معتبراً -والكلام ما يزال للباحث- أن “إسرائيل” باتت اليوم تسعى لإخراج أمن “حدودها” عن معادلات الصراع في فلسطين إدارياً وأمنياً، خاصة مع التصعيد العسكري الكبير المستمر في غزة ومساعيها لإنهاء حماس، وكذلك لتحقيق أهداف العملية البرية جنوب الليطاني وإعادة مستوطنيها إلى الشمال.
أحد المشاركين أشار لوجود اهتمام أمريكي بعدم إنهاء “حزب الله” تماماً، خصوصاً مع محاولة واشنطن لعب دور الوسيط وإجبار الحزب على سحب وجوده العسكري إلى منطقة جنوب الليطاني[6]، وإعادة تعريف دوره داخل المنطقة بما لا يُشكّل تهديداً لـ “إسرائيل” وإبعاده عن حدودها، والحد من ارتباطه بإيران، بما يعني أنه يصبح فاعلاً لبنانياً لا إقليمياً، وكل ذلك يعطي مؤشرات نحو سيناريو إعادة التموضع لـ “حزب الله”، خصوصاً مع إبداء إيران لمؤشرات متعددة تؤكد استعدادها للمساومة عليه، ومع ما يحققه ذلك من مصلحة لـ “إسرائيل” في إبعاده عن حدودها الشمالية، وهو ما قد يمهد لزيادة حضوره في سوريا.
في السياق ذاته، رأى باحث آخر أنه عند الحديث عن “حزب الله” في سوريا، يتم التركيز على إعادة التموضع العسكري. لكن، كما أظهرت تجربة تنظيم “داعش” فإن عدد المقاتلين أو المساحة الجغرافية لا يحدد أهمية الجماعة، فقد كان داعش يمتلك آلاف المقاتلين ويسيطر على مناطق أكبر بثلاثة أضعاف من “حزب الله”، ورغم ذلك فإن غياب قيادته تسبّب بإرباك كبير، وهذا يعني أن الأهمية لا تكمن في تعداد المقاتلين أو المواقع، بل في ارتباط العناصر بقيادتهم (بالنظر الى طبيعة التشكيلات العسكرية خارج الدولة)، مما يجعل غياب القادة أكثر تأثيراً من العوامل العسكرية الأخرى.
عموماً، أشار أحد الباحثين إلى أن المعركة البرية هي التي ستُحدّد مصير الحزب ومستقبله، وهي التي ستُحدّد ما إذا كان تأثر فعلاً بضربة القيادة والاختراقات ومقتل حسن نصر الله، معتقداً أن الجسم العسكري للحزب لا يزال أغلبه سليماً، رغم الحديث عن خسارته نحو 50 % من قوته العسكرية. عموماً، كان هناك اتفاق بين بعض الباحثين المشاركين في الفعالية أن هناك مبالغة في الحديث عن حجم الخسائر التي تعرّض لها الحزب، فصحيح أن الضربات طالت الكثير من قياديي الحزب لكنها لم تطال قوته العسكرية بشكل مؤثر جداً حتى الآن.
المحور الثاني: كيف تنظر الدول العربية لما يجري في لبنان؟
أشار بعض الباحثين المشاركين إلى أن هناك مقاربة عربية تنمو بشكل ملحوظ تقوم على سياسة تجاهل المشاكل بدل تصفيرها، بهدف عدم تعطيل الاستحقاقات المحلية لديها أو لتحقيق طموحات إقليمية، ولذلك فإن بعض تلك الدول برأيهم قد تعتبر ما يجري في جنوب لبنان وتقويض قدرة “حزب الله” في جنوب لبنان أو على الحدود السورية الأردنية أمراً إيجابياً، بينما بعض الدول الأخرى ترى أنه سيكون لها دور فاعل في المنطقة بوابته التطبيع مع “إسرائيل”، وبالتالي تحاول أن تنسج منظومة إقليمية عنصرها الرئيس “إسرائيل”، ولكن تأجل ذلك بعد عملية “طوفان الأقصى”، معتبراً أنه حتى الدول المؤيدة لـ”محور المقاومة” باتت تُفكّر بسيناريوهات ما بعد تضعضع “حزب الله” وحماس.
وهنا رأى باحث آخر أن المعطيات الحالية تشير إلى وجود رغبة من الأنظمة العربية في الحد من نفوذ المليشيات والتعامل مع الكيانات أو مؤسسات الدولة، حتى وإن كانت ضعيفة. وفي هذا السياق يتم الترويج لفكرة أن نظام الأسد هو الجهة الوحيدة القادرة على ضبط المليشيات، خاصة الإيرانية و”حزب الله”، بينما اعتبر أحد المشاركين أن الدول العربية قد لا تعتبر إعادة تموضع “حزب الله” أمراً سلبياً، بل قد ترى فيه فرصة لنظام الأسد لإعادة ضبط الحزب. وبالتالي، تكون سوريا المكان المناسب لـ”حزب الله” لإعادة تموضعه، حتى وإن كان ذلك بشكل جزئي.
المحور الثالث: التأثيرات المحتملة للحرب على المشهد العسكري في سوريا
أكد أحد الباحثين أنه في الوقت الحالي لا يمكن قياس مدى الضعف أو التأثير للتداعيات الجارية للحرب في لبنان على الوجود العسكري لـ “حزب الله” في سوريا، لكنه يشير إلى أن تلك التأثيرات إن حصلت فستكون كبيرة وذلك لأن الدور الذي كان يلعبه حسن نصر الله أنشأ رمزية لدى “حزب الله ولدى عموم الشيعة وكان يعمل أشبه بمسار آخر يحاول فيه أن يؤسس منظومة شيعية جديدة في المنطقة العربية التي ينتشر فيها الحزب لاسيما أن دوره تكرّس كثيراً بعد مقتل سليماني في كثير من المهام العسكرية والأمنية، ولذلك فإن مقتله سوف يترك فراغاً كبيراً خصوصاً أن عملية اختيار البديل عنه قد تطول قليلاً[7].
بالمقابل، رأى أحد المشاركين أن أعداداً كبيرة من “حزب الله” قد تنتقل إلى سوريا، ومع قدوم مليشيات أخرى من العراق واليمن قد يقومون بمشاغلة من جبهة الجولان، لأن بإمكانها التخفيف عن جبهة لبنان، لكنه أشار لصعوبات تواجهها إيران في فتح تلك الجبهة خاصة مع وجود الطرف الروسي الذي يعد فاعلاً مهماً في المنطقة، والذي على ما يبدو أنه لا يريد أية تحركات تؤثر على الهدوء الموجود على هذه الجبهة.
أشار أحد الباحثين إلى أن هناك تقارير وردت تشير إلى أنه منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” بدأ “حزب الله” يبحث عن موطن إضافي في سوريا بدلاً عن لبنان، وتشير الملاحظات الميدانية إلى سيطرة الحزب على بعض المناطق، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضاً على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، وإذا تصاعدت الحرب في لبنان ووصلت إلى مستويات أعلى فإن جزءاً من الحزب سوف يستوطن بطريقة أو أخرى في سوريا.
رجح عدة مشاركين في مجموعة النقاش أن تكون سوريا الملاذ الأول لعناصر “حزب الله”؛ لعدة عوامل من أبرزها:
- عامل القرب الجغرافي وسهولة الانتقال بين البلدين.
- التموضع العسكري والميداني لـ “حزب الله” في سوريا مختلف عن التموضعات الأخرى للمليشيات الإيرانية، فهو يشغل مناطق لا تشغلها بقية المليشيات، ويأخذ مواقع استراتيجية عسكرية كبيرة في سوريا.
- الأدوار الأمنية والاقتصادية التي يقوم بها الحزب، خاصة فيما يتعلق بتجارة المخدرات.
- وجود بنية تأسيسية سابقة للحزب هناك مع توسع الميليشيات الإيرانية وحلفائها.
- وجود حافز معنوي مهم للتمركز في سوريا لدى حاضنة الحزب قد يتمثل -بحسب أحد الباحثين- بوجود “فلول الصهيونية” وفق تعبيرات “محور المقاومة” في شمال سوريا، مما يعني أن “جبهة إسرائيل” لا تقتصر على فلسطين فحسب، بل تمتد لتشمل المعارضة السورية، التي تُعتبر جزءاً من هذه “الفلول” ومن ثم يمكن لنظام الأسد إقناع حاضنة “حزب الله” بضرورة الانتقال من جبهة إلى أخرى.
- عدم المعارضة الإقليمية لإعادة التمركز؛ فهو من جهة سيحقق المصلحة “الإسرائيلية” في إبعاد “حزب الله” عن حدودها، وكذلك مصالح بعض الدول العربية خصوصاً بعضها الخليجي في تخليص لبنان من حكم الحزب وإضعاف حضوره السياسي والعسكري، بالإضافة إلى عدم نظرة تركيا للحزب حالياً على أنه خطر على الأمن القومي التركي، في ظل التركيز على مشروع ميليشيا PYD المدعوم أمريكياً، الأمر الذي يمكن أن يوفر مساحة أكبر لـ “حزب الله”، تُسهّل إعادة تموضعه في سوريا عموماً، وفي شمالها خصوصاً.
فيما يتعلق بموقف نظام الأسد من ذلك، أشارت إحدى الباحثات إلى أن هناك أنباء عن قيام نظام الأسد باتخاذ بعض الإجراءات ضد “حزب الله” في سوريا ووضع بعض القيود على أنشطته[8]، وعلى مكاتب التجنيد التابعة له في محاولة من قبل نظام الأسد لإرسال رسائل إيجابية بأنه لا يُريد التصعيد مع “تل أبيب”، وبما يعبر عن إمكانية استياء نظام الأسد من السيطرة الإيرانية في سوريا، ومن سيطرة “حزب الله” على المشهد السياسي والأمني والاقتصادي.
وهنا، أشار بعض المشاركين إلى عدة سيناريوهات لتعامل نظام الأسد مع إعادة تموضع “حزب الله”، فقد يتجه نحو إعادة هيكلة المليشيات، سواء من خلال دمجها مع الأفرع الأمنية، كما حدث مع روسيا عند إنشاء الفيلق الخامس، أو من خلال إعادة ترتيبها بشكل معين من دون أن يصل إلى مرحلة الرفض، لأنه لا يملك القدرة على اتخاذ مثل هذا القرار في ظل التغول الإيراني داخل سوريا، والقادر على تكرار نموذج علي عبد الله صالح في اليمن، حينما أراد أن “يُفرمل” من قدرات الحوثيين ومن بعض طموحاتهم لينتهي الأمر بقتله.
وفيما يتعلق بإمكانية التصدي لـ “حزب الله” عسكرياً داخل سوريا من قبل فصائل المعارضة، وفي ظل وجود إرهاصات لعمل عسكري تقوم به المعارضة أو “هيئة تحرير الشام- هتش” في الشمال السوري، رأى أحد الباحثين ضعف تأثير هذا العامل في منع تمركز “حزب الله” في حال حدوثه، في ظل وجود الطيران الروسي الذي يعد أحد عوامل صمود الحزب ونظام الأسد، فضلاً عن أن الدول الفاعلة بالملف السوري حالياً لا ترغب بالانزلاق نحو الاشتباك العسكري وإنهاء -أو على الأقل- خرق اتفاقات وقف إطلاق النار التي مضى عليها أكثر من 5 سنوات.
المحور الرابع: مخاطر استقرار مليشيا “حزب الله” في سوريا.. تغيير ديمغرافي وتحكم أكبر بالمشهد الأمني
أشار أحد الباحثين إلى أن انتقال عناصر الحزب وعوائلهم إلى سوريا سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على سوريا بجميع النواحي، وسيتحكّم الحزب أكثر بالواقع الأمني، مما يعني ازدياد حالات الإذلال والقهر بحق السوريين، خاصة في ظل غياب أي قوة رادعة تحد من تجاوزاتها، كما ظهر في عدة فيديوهات داخل حمص تبين اعتداءات ميليشيات طائفية إيرانية على السوريين.
ومن غير المستبعد أن يؤدي تغوّل ميليشيا “حزب الله” ومشتقاتها في سوريا إلى تحوّلها تدريجياً إلى دولة عميقة، على غرار ما يحدث في لبنان. ف”حزب الله” في لبنان لم يكن حركة تحرر وطني، بل هو دولة عميقة تحكم بقوة السلاح وتنافس الدولة اللبنانية على سيادتها وقراراتها. وفي سوريا، سيواجه الشعب عدواً مركّباً يتمثل في نظام الأسد من جهة، والدولة العميقة التي تشكلها فلول “حزب الله” من جهة أخرى، وفق رأي أحد الباحثين.
ولا يبدو خطر التغيير الديمغرافي بعيداً عن تداعيات انتقال عناصر الحزب وعوائلهم لسوريا، لاسيما أن نظام الأسد اعتمد التهجير القسري كوسيلة لتجريف الحاضنة الشعبية للثورة، كما حدث في درعا والغوطة وحلب الشرقية. تزامن هذا التهجير مع إجراءات قانونية متعددة، تمثّلت في استحداث قوانين تتيح لنظام الأسد الاستيلاء على ممتلكات وعقارات المواطنين الذين هُجروا قسراً، كما قام بتسهيل منح الجنسية للميليشيات الوافدة بهدف استبدال الحاضنة الشعبية للثورة بحاضنة موالية لنظام الأسد، في هذا السياق يرى أحد الباحثين أن انتقال “حزب الله” إلى سوريا سيعزز هذا التغيير الديمغرافي، إذ إن وجود عناصره وأسرهم يُسهم في إعادة تشكيل التركيبة السكانية للمناطق التي يسيطر عليها، مما يعمق السيطرة الميدانية ويكرس نفوذ الحزب والنظام معاً.
ويستدل على ذلك أن نظام الأسد يُبدي ترحيباً ملحوظاً بآلاف اللبنانيين الذين دخلوا سوريا عبر المعابر الحدودية، حيث يحصلون على تسهيلات واسعة، خلافاً لتعامل نظام الأسد مع النازحين السوريين الراغبين في العودة[9]، الذين ينتظرهم التحقيق والسجن، ويبدو أن ذلك ينسجم مع نظرية “المجتمع المتجانس” التي تبناها نظام الأسد منذ 2017. فالجميع يذكر تصريحات بشار الأسد، التي قال فيها إن “الأرض لمن يدافع عنها وليس لمن ولد فيها”[10].
المحور الخامس: التداعيات الإنسانية للنزوح في المناطق السورية ومكاسب نظام الأسد من حرب لبنان:
بالإضافة للتداعيات السابقة المتعلقة بالمخاطر الأمنية والتغيير الديمغرافي وتوسع انتشار الحزب، يبدو أن تدفق أعداد كبيرة من عناصر “حزب الله” وعوائلهم وأعداد كبيرة من النازحين اللبنانيين عموماً سيشكل كذلك عامل ضغط من الناحية الاقتصادية، ما سينعكس على الوضع الإنساني، وفق ما رأى أحد الخبراء الاقتصاديين من المشاركين في مجموعة النقاش.
ويشير إلى أنه مع تدفُّق تلك الأعداد من لبنان إلى سوريا سيواجه نظام الأسد تحدياً كبيراً في تأمين الاحتياجات الأساسية التي لا يستطيع تأمنيها لمن يقطنون في مناطق سيطرته أصلاً، ومع دخول الآلاف من النازحين، من المتوقع أن نشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار وتدهوراً إضافياً في قيمة العملة، مما سيكون له تأثير أكبر على السوريين، ورغم ذلك قد يستفيد نظام الأسد من هذه الأوضاع لأن قدوم اللبنانيين وضخ الدولارات في الأسواق سوف يدعم قدرة نظام الأسد على الاستمرار بالتحكم بسعر الصرف أمنياً وليس اقتصادياً.
ولذلك، فإن نظام الأسد قد يحاول الاستفادة من الواقع اللبناني وحالة النزوح عبر ما يُعرف بـ”اقتصاد ريع اللجوء”، إذ سيحاول جذب المساعدات الأممية إلى الداخل السوري، وإحياء فكرة “التعافي المبكر” لسوريا، ويُبرز حاجة البلاد لضخ مليارات الدولارات لإنشاء البنية التحتية اللازمة لاستضافة اللاجئين وتقديم المساعدات. قد يؤدي -وفق أحد المشاركين- إلى شعور غربي إيجابي بأن نظام الأسد يُظهِر تحسناً.
خاتمة:
يتضح من خلال رأي معظم المشاركين أن تداعيات الحرب في لبنان تشكل تهديداً متعدد الأبعاد للأمن والاستقرار في سوريا، إذ يشير الانتقال المحتمل لعناصر “حزب الله” وعائلاتهم إلى الأراضي السورية إلى بداية تغيير ديمغرافي قد يؤثر بشكل عميق على التركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي، ويعرقل عمليات عودة النازحين واللاجئين السوريين.
كما أن التحديات الاقتصادية الناجمة عن تدفق النازحين مع تفاقم الأزمات الداخلية في مناطق سيطرة نظام الأسد قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على البنية التحتية والموارد المحدودة، ما سيزيد من حجم الكارثة الإنسانية على مئات الآلاف من المدنيين في مناطق سيطرة نظام الأسد.
ويبدو من المهم على قوى الثورة والمعارضة السورية وفق المعطيات السابقة أن تُكثّف جهودها لإبراز القضية السورية على الساحة الدولية وتسليط الضوء بشكل خاص على تداعيات انتقال عناصر “حزب الله” إلى سوريا وآثار ذلك على التركيبة الديمغرافية والأمن المحلي وحتى الإقليمي.
ومن جانب آخر، لا يبدو من المُفيد الإفراط في الحديث عن تبدد قوة “حزب الله” لتسويغ فتح عملية جديدة في شمال غربي سوريا، وذلك لأن استغلال الفرص لا يمكن أن يحدث وفق المعطيات الحالية التي تحكم مذكرة موسكو للتهدئة المستمرة منذ آذار 2020 ووجود فواعل أخرى لا تتعلق بإيران ومليشياتها فحسب، إذ لا يمكن إغفال دور روسيا بأي حال من الأحوال.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة