تداعيات نتائج الانتخابات الإيرانية على محادثات فيينا، وعلى العلاقات الأمريكية الإيرانية
إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن وحدة تحليل السياسات
أجرت إيران يوم الجمعة في 18 حزيران 2021م انتخابات الرئاسة في دورتها الثالثة عشرة؛ لتعلن عن فوز المرشح الأصولي “المحافظ” (إبراهيم رئيسي) في الانتخابات. ويُعد “رئيسي” أول رئيس إيراني تشمله العقوبات الأمريكية في مجال حقوق الإنسان، بسبب دوره البارز في إصدار أحكام إعدامات العام 1988م؛ التي طالت آلاف المعارضين للنظام الإيراني في السجون، إضافة إلى قربه من الحرس الثوري الإيراني ومن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (علي خامنئي)، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤلات عن مستقبل توجهات السياسة الخارجية لإيران، لا سيما مع إقصاء “الإصلاحيين” وتمكين “الأصوليين” من مراكز صنع القرار في إيران بعد فوزهم بغالبية مقاعد البرلمان الإيراني “مجلس الشورى” في انتخابات عام 2020م، في ظل استمرار محادثات فيينا مع القوى الدولية الكبرى في سبيل العودة إلى الاتفاق النووي.
عموماً يتمسك التيار الأصولي بما يعتبره “قيم ومبادئ الثورة الإسلامية”، ومنها “مواجهة قوى الاستكبار”، ويحمل نظرة سلبية تجاه التفاوض مع الولايات المتحدة، ويرى التقارب معها خروجاً عن “مبادئ الثورة”، وينتقد محاولات الإصلاحيين فتح باب الحوار معها؛ ومع ذلك دخل الرئيس “الأصولي” أحمدي نجاد في مفاوضات مع الولايات المتحدة في آخر عهده الرئاسي، الأمر الذي مهّد لتوقيع الاتفاق النووي في العام 2015م وإن كان على يد “الإصلاحيين”؛ فيمكن بالتالي لفوز “رئيسي” في الانتخابات الرئاسية أن يُعقّد العملية التفاوضية بشأن العودة للاتفاق النووي، لكنه لن يوقفها، خاصة وأن إيران مدفوعة بالتخلص من العقوبات الجاثمة على الاقتصاد الإيراني منذ عقود، في الوقت الذي يتربّع المرشد الأعلى علي خامنئي على قمة هرم السلطة، وهو صاحب السلطة العليا في إيران؛ بما في ذلك السياسة النووية وقرار الحرب والسلم، والسلطة المباشرة على المؤسسات البيروقراطية غير المنتخبة، كالجيش والحرس الثوري وأجهزة المخابرات والنظام القضائي، وقد دعم خامنئي المفاوضين الإيرانيين في فيينا، على الرغم من مهاجمة التيار الأصولي للمفاوضين ومطالبتهم بالانسحاب من محادثات فيينا، ولا سيما بعد الهجمات التي طالت منشأة “نطنز”، مع رسمه في الوقت نفسه “خطوطٍ حمراء” لا يمكن للمفاوض الإيراني الإخلال بها، كتأكيده المتكرر بأنه “لا عودة للاتفاق إلا في حال رفع العقوبات كاملة عن إيران”، وعلى “عدم إطالة الوقت والاستنزاف في المفاوضات أكثر من اللازم”.
وفي المقابل يبقى للرئيس الإيراني هامش يستطيع من خلاله تغيير أوجه السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، وترك بصمته الخاصة على الفترة التي يتولى فيها الرئاسة، ومن ذلك تعيين المسؤولين وبناء قاعدة قوة كبيرة، تتيح له توجيه النظام وإعادة هيكلة السياسة الخارجية، وكل ذلك بمصادقة “المرشد الأعلى” وموافقته، وأوضح مثال على ذلك قدوم روحاني “الإصلاحي” إلى السلطة في العام 2013م وتوقيعه الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة بعد فترة أحمدي نجاد “الأصولي” (2005 ــــ 2012م)؛ التي تميّزت بالمناكفة مع الغرب، وترتبط أجواء التوافق عموماً بين الولايات المتحدة وإيران بقدوم “الإصلاحيين” في إيران والديمقراطيين في الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يعني أن الوضع الحالي لا يعدّ الأمثل لتوقيع الاتفاق بين الطرفين.
مع قدوم الرئيس المحافظ قد يزداد تعنّت إيران تجاه التفاوض، والتشدد في تقديم التنازلات على صعيد برنامج إيران النووي والصاروخي ونفوذها الإقليمي، مقابل الوعود الأمريكية بتخفيف أو رفع العقوبات عنها، وهو ما قد يفتح الباب أمام عودة شعار “اقتصاد المقاومة”؛ وهو المفهوم الذي صاغه خامنئي قبل سنوات، ويقوم على فكرة أنَّ العقوبات ستساعد إيران على تقليل الاعتماد على النفط وعلى الغرب، في ظل حديث الأوساط الأصوليّة عن قدرة البلاد على تجاوز العقبات الاقتصادية عبر تنمية العلاقات مع الشرق، لاسيما مع روسيا والصين، خاصة بعد اتفاق وقعته إيران مع الصين وُصف بالاستراتيجي وطويل الأمد، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات، واحتمال فشلها في نهاية المطاف.
ومن جهة أخرى قد تشهد الأيام المقبلة التي تسبق موعد تنصيب “رئيسي” مهامه الرئاسية ضغطاً غربياً للوصول إلى اتفاق نهائي بين إيران والقوى الدولية، حيث شهدت الساعات الأولى عقب الإعلان عن فوز المرشح الأصولي في الانتخابات نشاطاً دبلوماسياً للقوى المشاركة في محادثات فيينا؛ إذ صرّح مساعدو بايدن بأنَّ “لحظة الاتفاق مع إيران قد حانت، وأنَّ الفترة قبل تنصيب رئيسي تقدم نافذة فريدة للتوصل لاتفاق مع إيران”، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن اجتماع مفاجئ لأطراف الاتفاق النووي في فيينا على مستوى مساعدي وزراء الخارجية، يهدف إلى “بحث عودة محتملة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وكيفية ضمان التنفيذ الكامل والفعال للاتفاق”، وهو ما يفتح المجال أمام احتمال مسارعة إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق مع إيران، في سباقٍ مع الزمن قبل استلام رئيسي مهامه، خشية تعقّد العملية التفاوضية مع استلام الأصوليين. ومع ذلك، وعلى الرغم من ظهور العديد من المؤشرات التي تدل على تصميم إدارة بايدن على العودة إلى الاتفاق؛ إلا أنه ما يزال الوقت مبكراً للجزم باقتراب الولايات المتحدة وإيران من توقيع اتفاق نووي جديد، ويُرجح أنَّ مسار استئناف التواصل الجديد متعدد الأطراف سيكون طويلاً نوعاً ما وشاقاً، خاصة مع وجود العديد من العقبات السياسية؛ فمن جهة تمثّل العقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً على إيران لبَّ الخلاف بين الطرفين، إضافة إلى سعي الولايات المتحدة إلى انتزاع اتفاق ينص على قبول إيران إجراء مفاوضات لاحقة بشأن البرنامج الصاروخي وملف حقوق الانسان ودور إيران في المنطقة، مقابل رفعٍ متدرج للعقوبات؛ وهو ما ترفضه إيران وتطالب برفع كل العقوبات المفروضة عليها دون شرط مقابل عودتها للالتزام باتفاق العام 2015م، وذلك في الوقت الذي تمثّل فيه شبكة العقوبات الموسعة التي فرضتها إدارة ترامب على إيران رأس مال دبلوماسي سياسي لا يمكن لإدارة بايدن التفريط فيه بسهولة. وعملية رفع كامل العقوبات المفروضة التي تتمسك بها إيران لا تبدو أمراً يمكن أن تقوم به إدارة بايدن بسهولة حتى في حال أرادت ذلك؛ بسبب ارتباط جزء من العقوبات بملفات أخرى، كالبرنامج الصاروخي الإيراني، وملف حقوق الإنسان و”الإرهاب” وملف النفوذ الإقليمي الإيراني، وهو الأمر الذي يواجه معارضة من الجمهوريين، وحتى من بعض التيارات الديمقراطية في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وهو الأمر الذي سيمدد على الأرجح أمد المفاوضات.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
2 تعليقات