تكرار الاتهامات الروسية بالتحضير لاستخدام السلاح الكيماوي وتأثيرها على مداولات مجلس الأمن حول ملف المساعدات الإنسانية عبر الحدود
إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن وحدة تحليل السياسات
أعلنت وزارة خارجية نظام الأسد في 22 حزيران من الشهر الجاري أنَّ “هيئة تحرير الشام ــــ هتش” تحضّر لفبركة مسرحية باستخدام أسلحة كيميائية في إدلب، بتوجيه ودعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وأجهزة المخابرات التركية”، متهمةً “هتش” أنها أدخلت صهاريج محملة بالكلور الخام عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
وهذه الاتهامات ليست الأولى التي توجّه فيها الماكنية الإعلامية لنظام الأسد ومن خلفها روسيا التهم ل”هتش” أو فصائل المعارضة المسلحة باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في سوريا؛ فقد اتهمت روسيا المعارضة السورية و”الفصائل المتشددة” في أكثر من ستين مناسبة وتصريح صادر عن جهات وشخصيات رسمية روسية بالتعاون مع مختلف أجهزة الاستخبارات الغربية باستخدام السلاح الكيميائي، أو التحضير للقيام باستفزازات كيميائية، وإلصاق التهمة بعد ذلك بالنظام السوري؛ لاستجلاب التدخل الدولي حسب زعمها. ولم تتردد روسيا أبداّ في دعم النظام وتبرئته ونفي وقوفه وراء أي هجمات كيميائية، متذرّعةً باعتباره قد قام بتسليم هذه الأسلحة تحت إشراف المجتمع الدولي، إثر الهجوم الكيميائي الكبير في منطقة الغوطة الشرقية في آب/أغسطس من العام 2013م.
ورغم نفي هذه التهم والإشاعات التي تروّجها روسيا وبيان استحالة صدقها وغياب معقوليتها؛ إلا أن روسيا لم تتوقف أبداً عن الترويج لمثل هذه الإشاعات ورسم سيناريوهات مختلقة مزودة بالأرقام والأسماء والمواقع للإيحاء بصدق ودقة المعلومات التي لديها. وضمن هذا السعي يلاحظ أنَّه كثيراً ما تزامنت تلك الاتهامات التي روّجتها روسيا مع متغيرات في السياقات السياسية والعسكرية في الساحة السورية؛ ففي العام 2019م وجّهت عدة جهات رسمية عليا روسية، كوزارة الخارجية الروسية ووزارة الدفاع الروسية التهم ل”هتش” و لمنظمة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء” بدعم من “مخابرات غربية” بإقدامهم على استخدام وتصنيع أسلحة كيميائية، وذلك بالتزامن مع سيطرة “هتش” على كامل إدلب عسكرياً وإدارياً وبدء محادثات مع تركيا في أستانا. وفي تكرار لما سبق اتهمت أيضاً وزارة الدفاع الروسية ومندوب روسيا في الأمم المتحدة المعارضة السورية و”الخوذ البيضاء” بالتحضير لهجمات كيميائية وذلك خلال حملة عسكرية للنظام مدعوماً بروسيا للسيطرة على مناطق في إدلب أوائل العام 2020م.
بناء عليه يأتي اتهام النظام ل”هتش” بتحضيرها سلاحاً كيميائياً، وتركيزه على إدخال مادة الكلور عبر معبر باب الهوى، متزامناً مع قرب موعد التصويت في مجلس الأمن الدولي على تمديد الآلية الخاصة بتمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود؛ الذي أعلنت روسيا مؤخراً على لسان وزير خارجيتها (سيرغي لافروف) عزمها منع الأمم المتحدة من تجديد التفويض الخاص بإدخال المساعدات العابرة للحدود إلى سوريا؛ والذي ينتهي في تموز القادم، في محاولة روسية مستمرة لقلب الحقائق وخلط الأوراق، الأمر الذي يمكن أن يساعد روسيا في فرض إرادتها وتقوية أوراقها التفاوضية، ويأتي هذا أيضاً في انسجام مع التركيز على وسم المعارضة بالإرهاب، بهدف إضعاف أوراق المعارضة وداعميها الأتراك خاصة، بالتزامن مع استهداف النقاط العسكرية التركية في إدلب وريف حلب، كما يسهم تكرار الاتهامات عموماً بالتشويش على التقارير الدولية والأممية؛ التي تتهم النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، عن طريق توجيه الاتهامات لأطراف مخابراتية دولية عدة بمساعدة “الإرهابيين” على تنفيذ هذه “الاستفزازات”.
إن تعميم الاتهامات والوسم بالإرهاب واستخدام الأسلحة الكيميائية على مختلف مؤسسات المعارضة العسكرية والسياسية والمدنية سلوكٌ ممنهج متأصلٌ لماكينة الدعاية الروسية؛ فالماكينة الإعلامية الروسية تعتمد على تحريف الحقيقة ونبذها، بل وعلى قلبها من خلال التركيز على مقاربة أحادية الجانب تعتمد على أطروحة ورأي واحد يناقض الأطراف الأخرى.
وللاطلاع بشكل أكبر على الموضوع يمكن مراجعة المقالة التحليلية التي كانت أصدرتها وحدة تحليل السياسات سابقاً حول الموضوع بعنوان:
“قراءة في الاتهامات الروسية المستمرة للمعارضة السورية باستخدام السلاح الكيماوي”
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة