قراءة في أبرز آثار وانعكاسات مشروع قانون “الكبتاغون 2”
تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري
مقدمة:
في الرابع والعشرين من نيسان 2024، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن مشروع قانون “قمع الاتجار غير المشروع بالكبتاغون” المعروف باسم قانون “الكبتاغون 2”[1]، وسط توافق كبير بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ظل مساعي الإدارة الأمريكية لمكافحة تجارة نظام بشار الأسد بالمخدرات، وهو ما ظهر بتمرير المشروع في وقت قصير وبأغلبية ملحوظة بعد موافقة مجلس الشيوخ عليه بنسبة تأييد بلغت 79 صوتاً مقابل 18 صوتاً، وقبل ذلك بمجلس النواب بأغلبية 410 أصوات مقابل معارضة 13 صوتاً فقط.
ويأتي هذا القانون ليكون مُكمِّلاً لقانون “الكبتاغون 1” الذي صدّق عليه الرئيس الأمريكي في نهاية 2022 وبموجبه فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كيانات وأشخاص من نظام الأسد أو مرتبطين به، على خلفية تورُّطهم بتجارة المخدرات[2]، ولكن اللوبي السوري والمنظمات السورية النشطة في ملاحقة نظام الأسد بالولايات المتحدة رأت أن مفاعيل القانون لم تكن كافية للحدّ من تجارة نظام الأسد بالمخدرات[3]، ولذلك عملت على طرح “الكبتاغون 2” منذ خريف العام الماضي وإقناع أعضاء في الكونغرس لتبنّي مشروع القانون.
وأعاد هذا القانون التساؤلات مجدّداً عن الجدوى من إصداره وإمكانية أن يصنع فارقاً في الحد من اتجار نظام الأسد بالكبتاغون، خاصة أن نظام الأسد يُعلن باستمرار أنه يلتفُّ على العقوبات الغربية[4]، وفي الوقت ذاته، ينظر البعض لسياسة العقوبات عموماً على أنها لم تكن كافية طوال السنوات الماضية لإجباره على التخلّي عن سياساته القمعية تجاه السوريين أو انصياعه لمبادرات الحل السياسي، ومثل هذا قد ينطبق على الحالة غير السورية لأن الكثيرين يُقلّلون من قُدرة العقوبات على إجبار طرف أو دولة ما على التخلي عن سياساتها[5].
بناء على ذلك يناقش هذا التقرير أهمية إصدار قانون “الكبتاغون 2” في هذه المرحلة، وأبرز آثاره ومفاعيله في الحدّ من تجارة نظام الأسد بالمخدرات، وصولاً إلى تقدير موقف الإدارة الأمريكية عموماً من قضية التعاطي مع نظام الأسد بشكل عام.
هل يؤدي القانون إلى تعطيل شبكات نظام الأسد في الإتجار بالمخدرات؟
منذ إمعان نظام الأسد بالحلّ العسكري في مساعيه لإنهاء ثورة السوريين تحوَّلَ اقتصاده إلى اقتصاد مليشيات واقتصاد حرب يعتمد على المؤسسات الاقتصادية شكلياً، فلم تعد هناك صناعات أو سياحة يعتمد عليها بشكل أساسي في التمويل، بل باتت لديه موارد يُموّل بها قواته ومليشياته ويطلق يدها في تحصيل موارد جديدة، ويظهر ذلك من خلال الإتاوات على الحواجز أو معابر التنقُّل حتى داخل مناطق سيطرة نظام الأسد، فضلاً عن تحصيل ملايين الدولارات سنوياً من خلال ابتزاز ذوي المعتقلين[6]، إضافة لموارد التهريب بين مناطق السيطرة وتهريب البشر وتصدير اللاجئين[7]، وصولاً إلى الاتجار بالمخدرات على مستويات كبيرة من حيثُ الإنتاج، وكذلك من حيث الأطراف المشاركة بتلك التجارة.
كل ذلك يُعطي مؤشرات عن وضع الحالة الاقتصادية التي يعتاش منها نظام الأسد بعد الحرب التي شنّها على السوريين منذ 2011، فلم تعد هناك مؤسسات رسمية يمكن أن تتأثر بشكل سريع بالعقوبات الاقتصادية الغربية ومنها قانون “الكبتاغون 2″، وبالتالي فإنه لا يُتوقّع أن يكون للقانون تأثير على المدى القريب في خنق نظام الأسد اقتصادياً أو التأثير المباشر في الحدّ من عمليات الإنتاج والتوزيع.
ومما يعزز من ذلك أن نظام الأسد لا يعتمد بشكل أساسي في تجارة الكبتاغون على مؤسساته، وإنما على شخصيات ومليشيات وشركات سوريةٍ وغير سورية[8]، ومعامل تصنيع مخفيّة داخل الكثير من القرى والبلدات المنتشرة عبر مناطق سيطرته، ما يجعل من الصعب إحصاء أو تتبُّع أو تقييد كل الشركات والشخصيات المنخرطة في تلك التجارة.
ولكن ذلك لا يعني أن القانون لن تكون له فاعلية تماماً، ففي حال طبّقت الولايات المتحدة القانون بشكل فعلي فإن هذا قد ينعكس على المدى المتوسط والبعيد في الحد من تجارة الكبتاغون، لأن القانون يفرض عقوبات على أي شركة أو شخص له علاقة بعمليات التصنيع والاتجار والتهريب، وهذا ما قد يؤدي إلى وضع قيود في إرسال بعض المواد التي تدخل في تصنيع هذه التجارة، ويدفع الشركات التي يعتمد عليها نظام الأسد في الخارج لتأمين المواد الأولية إلى الإحجام عن التعامل معه، وبالتالي التقليل من إنتاج مادة الكبتاغون.
من جانب آخر، يرى البعض أن مفاعيل القانون السياسية أكثر من مفاعليه الاقتصادية أو مفاعليه المباشرة في الحدّ من تجارة المخدرات، وتتمثل تلك الرسائل في وجود رغبة أمريكية بإبداء الجديّة في مشاركة الدول الإقليمية -ولاسيما الأردن- المخاوف من تجارة نظام الأسد بالكبتاغون وإمكانية تحوُّلها إلى تهديد عالمي قد يصل إلى الولايات المتحدة.
لكن مع ذلك، لا يبدو أن الولايات المتحدة ستنخرط بشكل مباشر في محاربة تجارة الكبتاغون على الأرض، بل من المتوقع أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى دعم دول جوار سوريا وخاصة الأردن بالمعدات اللوجستية اللازمة وتدريب القوات الأردنية لمواجهة عمليات التهريب، إضافة لتزويد الجيش الأردني بالمعلومات الاستخبارية اللازمة لملاحقة شُحنات التهريب وأماكن التصنيع التي كثيراً ما أخطأها الطيران الأردني في الأشهر الماضية[9]، كما قد تُزوَّد دول الخليج بالمعلومات الاستخبارية من الولايات المتحدة لكونها تُعتبر سوقاً مستهدفة من قبل نظام الأسد، وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن يتم في وقت لاحق تشكيل غرفة دولية تضم الولايات المتحدة والدول المتضررة من آفة الكبتاغون لإدارة أزمة إتجار نظام الأسد بالمخدرات.
أهمية إصدار قانون “الكبتاغون 2”.. دلالات التوقيت:
يأتي قانون “الكبتاغون 2” ليُكرّس استمرار النهج داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية المناهضة لأي جهود في التطبيع مع نظام الأسد، وقد بدا ذلك بشكل واضح قبل أشهر بعد إقرار قانون “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” والذي يُنتظر أن يوقّع عليه الرئيس الأمريكي[10]، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية قد لا تكتفي بقانونَي الكبتاغون، بل ستسعى إلى الحدّ من جهود بعض الدول التي تسعى إلى إعادة تعويم نظام الأسد دون مقابل.
من جانب آخر، فإن القانون يُظهِر وجود توجُّه لدى الإدارة الأمريكية بتصحيح ما يَنظر له البعض على أنها “خطوات خاطئة” استفاد منها نظام الأسد خاصة بعد كارثة الزلزال في شباط 2023، إذ صدرت عدة إعفاءات أمريكية وأوروبية من العقوبات تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”، الأمر الذي أدى إلى انفتاح العديد من الدول على نظام الأسد بحجة التخفيف من تداعيات كارثة الزلزال، وهو ما أدى بالنتيجة إلى سيطرته على أموال المساعدات[11].
وبناء على ذلك، يبدو أن القانون الجديد بالإضافة إلى كونه -صدر أصلاً حول قضية الكبتاغون”- إلا أنه يسعى في ذات الوقت إلى إظهار أن هناك توجهاً أمريكاً باتخاذ إجراءات حازمة توقف حالة التراخي التي اتسمت بها الإدارة الأمريكية بعد كارثة الزلزال من أجل تشديد العقوبات الاقتصادية ضد نظام الأسد، بما يُعطي رسالة واضحة بأنه لا يمكن التهاون في تطبيق هذه القوانين، وأنه يجب على الإدارة الأمريكية استخدام صلاحيّاتها لمعاقبة نظام الأسد.
ومن جهة أخرى، يُظهِر إقرار القانون تطوَّرَ جهود اللوبي السوري والمؤسسات السورية النشطة في الولايات المتحدة في مساعيها لملاحقة نظام الأسد، إذ أثبتت أنها قادرة نسبياً على حشد الأصوات داخل مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، فهي التي دفعت بقانوني “الكبتاغون 1 و2″، وكذلك قانون مناهضة التطبيع، وقبلها قانون “قيصر”[12]، ما يُشير إلى أهمية دعم مثل تلك الجهود لحشد مزيدٍ من الأصوات مستقبلاً، وإقرار قوانين جديدة تصبُّ في صالح القضية السورية.
خاتمة:
جاء قانون “الكبتاغون 2” ضمن سلسلة من القوانين والعقوبات الأمريكية التي تريد بها الولايات المتحدة الأمريكية التضييق على نظام الأسد وإجباره على تعديل سلوكه والانفتاح على مفاوضات الحل سياسي، إلا أنّ هذه المقاربة لم تنجح إلى الآن بسبب تعنُّت نظام الأسد وعدم إيلائه اعتبارات كبيرة للعقوبات، خاصة مع تآكل مؤسسات الدولة والانهيار الاقتصادي وتنامي نفوذ المليشيات في مناطق سيطرته وارتمائه بالحضن الإيراني والروسي، ويقينه أن بقاءه في السلطة كان ولا يزال ضمن توافقات إقليمية دولية يدخل في أولوياتها تحقيق “أمن إسرائيل”، وبالتالي فإن أي عقوبات يتعرض لها لا تهدف بالضرورة إلى محاسبته أو إسقاطه.
لكن ذلك لا يعني بطبيعة الحال عدم تشجيع أي جهود للّوبيات والمنظمات السورية في الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية في مساعيها للضغط على نظام الأسد وإبقائه تحت وطأة العقوبات، لا سيما أنه يسعى منذ سنوات إلى رفعها سعياً لتحقيق مزيدٍ من المكاسب المالية، خاصة التي تتعلّق بإعادة الإعمار، والتي باتت عملية مُعطّلة تماماً بسبب الرفض الأمريكي الأوروبي لها، كما أن رفع العقوبات سيُحقّق له مكاسب سياسية يريد من خلالها شرعنة بقائه في السلطة واعتراف الدول المعاقِبة له بانتصاره في الحرب، فضلاً عن أن محاصرة تجارة المخدرات قد تُوقِف أو تقلل ابتزاز نظام الأسد للدول العربية، وبالتالي فإن هذا يُحقّق أحد أبرز الأهداف التي يسعى لها الأردن للحد من التجارة التي أرهقته طوال السنوات الماضية بعد فشل مقاربة التطبيع في الحد منها.
إذن يمكن القول: إن قانون “الكبتاغون 2” يُمثّل رسالة واضحة من الولايات المتحدة على رفضها إعادة تعويم نظام الأسد ومحاولة الضغط عليه وتقليص موارده المالية وموارد مليشياته وطمأنة حلفائها بأنها مهتمّة بتقليل أخطار تجارة الكبتاغون، وذلك عبر تبنّي سياسة العقوبات الموسّعة وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري، دون الانخراط باتخاذ إجراءات قد تكون “حاسمة” لوقف التجارة مثل دعم فصائل محليّة في السيطرة على مناطق بالجنوب السوري التي تُشكّل منفذاً أساسياً لوصول المخدرات إلى دول المنطقة، لاسيما أن شكل السيطرة الحالية تم بتوافقات لا تبدو الأوضاع الحالية إقليمياً ودولياً ملائمة لتغييرها.
تقرير يكشف تورط “أجنحة الشام” في تهريب البشر من دمشق إلى بنغازي، تلفزيون سوريا، 3 / 4 / 2023، شوهد في: 29 / 4 / 2054
واشنطن بوست: بايدن عرقل مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، تلفزيون سوريا، 30 / 4 / 2024، شوهد في: 1 / 5 / 2024
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة