الإصداراتالتقارير الموضوعيةوحدة الهوية المشتركة والتوافق

قراءة في الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني الكردي: سقوف عالية وخطوات إلى الخلف

تقرير صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري

تمهيد:

بعد لقاءات تمهيدية سابقة وتحضيرات سياسية بدعم فرنسي وأمريكي على مستوى القوى الكردية في سوريا وأبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي[1]، وبوساطة من قبل إقليم كردستان العراق وحضور وفد عن حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” التركي اختُتم يوم السبت 26/4/2025 مؤتمر الحوار الوطني الكردي الذي جاء بعنوان “وحدة الصف والموقف الكُردي” عبر إصدار وثيقة نهائية تُحدّد رؤية غالبية الأطراف الكردية تجاه سوريا.

تأتي هذه الوثيقة لتشكل محطة مهمة في السياق السوري الحالي وانعكاساته على مستقبل المرحلة الانتقالية لأنها تُعدّ الموقف الكردي الموحّد للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية، إذ فشلت سابقاً محاولات إنضاج الحوار بين المجلس الوطني و”قوات سوريا الديمقراطية- قسد”، وأشهرها توقيع وثيقة التعاون في شمال شرق سوريا عام 2015 برعاية الرئيس مسعود بارزاني، وبوصفها ذات انعكاس مباشر على طبيعة العلاقة مع السلطة الانتقالية في دمشق والمسار التفاوضي كبديل عن العمليات العسكرية.

بناء على ما سبق يأتي هذا التقرير بهدف تحليل المضامين الرئيسة للوثيقة الصادرة عن المؤتمر وتقدير دلالاتها من جهة، وتحديد أوجه التقاطع والاختلاف مع وثيقتين دستوريتين هما العقد الاجتماعي الأخير الصادر من قبل “قسد” والإعلان الدستوري السوري بهدف اكتشاف طبيعة المواقف من القضايا الكبرى، وأخيراً استشراف السناريوهات المحتملة للموقف الجديد على تطبيق الاتفاق الموقّع بين رئاسة الجمهورية السورية وقائد “قسد” يوم 10/3/2025 كاتفاق مبادئ.

أولاً: المضامين الرئيسة للوثيقة وارتباطها بالعقد الاجتماعي لشمال شرق سوريا:

جاءت الوثيقة مؤلّفة من قسمين رئيسيين؛ الأول على المستوى الوطني (15 بنداً)، والثاني على مستوى القومية الكردية (11 بنداً)[2]، مع وجود تداخل عام بين القسمين من حيث المضمون، على سبيل المثال وردت قضية الشباب وأدوارهم في القسم الخاص بالقضية الكردية رغم ارتباط ذلك بالرؤية الوطنية عموماً.

بشكل عام يمكن استعراض أبرز المضامين في الوثيقة الجديدة استناداً إلى العقد الاجتماعي لشمال شرق سوريا بحثاً عن أوجه التوافق والاختلاف، وفقاً لما يلي:

1-قضايا المبادئ العامة: ركزت فيها على تعددية سوريا قومياً ودينياً، الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية، المواطنة المتساوية، تغيير اسم الدولة وعلمها ونشيدها ليُعبّر عن التعدد الثقافي، حيادية الدولة تجاه الأديان مع الاعتراف بالدين الإيزيدي كديانة رسمية في الدولة، واعتماد هوية وطنية جامعة.

تُظهر هذه الرؤية توجهاً حاسماً يقوم على أساس تقديم رؤية شاملة لأكثر المواضيع حساسية في سوريا، وهي قضايا الهوية والعلاقة بين الدين والدولة، وهي تعد من أكثر الملفات التي تشهد انقساماً عادة في الآراء بناءً على التوجُّهات الفكرية، وبالنظر إلى حضور هذه المبادئ في العقد الاجتماعي لشمال شرق سوريا[3]، نجد أن المبادئ السابقة جاءت في معظمها كانعكاس لمضامين مباشرة أو غير مباشرة للعقد الاجتماعي، على سبيل المثال نصت (المادة 5) على اسم سوريا القادمة بـ “جمهورية سوريا الديمقراطية”، ونصّت على الاعتراف بالديانة الإيزيدية بوصفها ديانة قائمة بذاتها (المادة 41).

2-قضايا نظام الحكم: وأبرزها أن يكون نظام الحكم برلمانياً مؤلفاً من غرفتين، واعتماد مجالس لإدارة المناطق لا مركزياً، واعتبار سوريا اتحادية، وإعادة التقسيم الإداري في سوريا بما يراعي الواقع.

بالعودة إلى العقد الاجتماعي نجد أن التوجُّه إلى نظام حكم برلماني من غرفتين مع اعتماد مجالس المناطق في سوريا اتحادية ينسجم مع رؤية العقد الاجتماعي لما اعتبره التنظيم الكونفدرالي لشمال شرق سوريا وإنشاء المقاطعات (المادة 87)، مع وجود اختلاف بين فكرة مجلس الشعوب الديمقراطي الذي لا ينقسم إلى غرفتين (المادة 91) على عكس البرلمان المطالب به على المستوى الوطني، مع ملاحظة وجود مجالس على مستوى المقاطعات كبديل موازٍ لفكرة الغرفتين.

3-قضايا الحقوق والحريات: والتي ركّزت على مساواة الرجل بالمرأة دستورياً وإدارياً، حقوق الطفل، الحق في التعليم والتعبير باللغات الأم، اعتماد يوم الثامن من آذار عيداً للمرأة، والاهتمام بقضايا الشباب.

وهي تماماً القضايا التي تم التركيز عليها في العقد الاجتماعي، مثلاً: نصّت المواد (52 – 25) على المساواة بين الجنسين، والمادة (78) على المناصفة في النسب في مجالس الشعب، والمواد (52 -28) على الشباب، وحقوق الطفل (المادة 55)، كذلك الحقوق اللغوية في المواد (6-78).

4-قضايا العدالة الانتقالية: استرجاع الأوابد والآثار المنهوبة، تأمين عودة المهجَّرين والنازحين وبشكل محدّد مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض، ضمان حقوق “شهداء” “قوات سوريا الديمقراطية”، فتح ملفات السياسات المطبّقة ضد الكرد كمشروع الحزام العربي وتعويض الضحايا، وتخصيص أموال كتعويض كجماعي للمناطق الكردية.

وهي قضايا أيضاً نجد خلفيتها في العقد الاجتماعي، كالديباجة والمادة (23) التي ضمنت حقوق “الشهداء”، والمادة 32 التي تحدثت عن حماية وصون الأوابد والآثار، فيما تم طرح قضايا عودة مهجّري مناطق كعفرين كبديل عن الحديث عن “تحرير الأراضي الكردية المحتلة” ويُقصد بها عفرين ورأس العين وتل أبيض (المادة 36)، وعلى ذات النحو تقديم مطالبات حول الاضطهاد تجاه الأكراد كتطوير لسياق المادة (16) الخاصة بحقوق الشعب الكردي والبنى الديمغرافية للمناطق الكردية.

5-القضايا الكردية الرئيسة: وهي توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية ضمن سوريا اتحادية، والاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية، وتمثيل الكرد في كل السلطات، إعادة الجنسية السورية للكرد المحرومين نتيجة إحصاء 1962.

وهي قضايا أُدرجت عملياً في العقد الاجتماعي كاعتبار اللغة الكردية لغة رسمية الى جانب اللغات الأخرى في شمال شرق سوريا (المادة 7)، وكذلك قضية التمثيل في الهيئات المشكلة للمكوّنات (المادة 29)، في حين تم طرح قضايا الجنسية كقضية قديمة ومتجددة.

6-أخيراً في المسار الإجرائي للعملية الانتقالية: تم التركيز على تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية لصياغة دستور، وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة، وهو ما يعني إعادة فكرة الرعاية الدولية للعملية السياسية وإحياء للقرار 2254.

من خلال استعراض المضامين الرئيسة وقراءتها استناداً إلى العقد الاجتماعي لشمال شرق سوريا يمكن القول إن 14 بنداً رئيسياً في الوثيقة قد تضمّنت فقط ثلاث قضايا جديدة، وثلاث قضايا مطوّرة نسبياً، في حين جاءت 8 نقاط مطابقة لمضامين العقد الاجتماعي (يُنظر الشكل رقم 1) الذي بُني أساساً على رؤى وفلسفة حزب العمال الكردستاني[4]، وهو ما يُشير إلى عدم وجود مواقف جديدة تراعي التطورات في سوريا من جهة، ووجود تقوقع على المواقف الأساسية المعتمدة خلال السنوات السابقة في سياق خطوط النزاع والمواقف المنفردة.

من جانب آخر، ورغم إيجابية وجود رؤية كردية موحّدة حول المستقبل السوري عموماً والقضية الكردية على وجه الخصوص؛ تكشف المقارنة السابقة عن تغوّل لرؤية PYD على سواها، وبالتالي العودة للمربّع الأول المتمسّك بنظام فدرالي في سوريا على أساس عرقي، وتقديم تقديرات وصائيّة على المستوى الوطني في قضايا الهوية والنظام العام بما يتجاوز الحقوق الثقافية الكردية، في حين تكشف الوثيقة عن عدم اعتراف بكل الإجراءات السابقة والعودة إلى فكرة “الرعاية الدولية” بدلاً من الحوار السوري-السوري، وهو ما يشكل عودة إلى مواقف ما قبل اتفاق آذار.

شكل رقم 1 يوضح العلاقة بين مضامين الوثيقة الكردية وبين العقد الاجتماعي الأخير في شمال شرق سوريا

ثانياً: بين الوثيقة الكردية والإعلان الدستوري:

بقراءة مقارنة للوثيقة الكردية والإعلان الدستوري[5]، يمكن الوقوف على حالة شاملة من التناقضات في القضايا الجوهرية، والتي تتمثّل باختلاف في اسم الدولة (المادة 1)، والعلاقة بين الدين والدولة من الفقه الإسلامي (المادة 3)،  إلى الحيادية مع نص مميّز للدين الأيزيدي، واللغة الرسمية من العربية (المادة 4)، وطبيعة الدولة من الرئاسي (الباب الثالث) إلى البرلماني، وشكل الدولة من الموحّدة البسيطة إلى الاتحادية، ومن مشاركة المرأة (المادة 21 ) إلى المناصفة والمساواة التامة، ومن المساواة بين المواطنين والمشاركة السياسية (10-14) إلى التمثيل الكردي في كل المؤسسات.

من جانب آخر، ثمة قضايا جديدة لم يتطرّق لها الإعلان الدستوري؛ ومن أهمها إعادة التقسيمات الإدارية، ودور الشباب، وإعادة الجنسية وقضايا تفصيلية في العدالة الانتقالية كجبر ضرر جماعي للمناطق الكردية، وهي لم ترد حرفياً في نصوص الإعلان الدستوري إلا أن النص العام الوارد (المادة49) ينطبق على جميع الضحايا ويفتح الباب أمام القانون لتفصيل مضامين العدالة الانتقالية، فيما تتقارب الرؤى الخاصة بقضية حقوق الطفل ومكانة الاتفاقيات الدولية بين الوثيقتين، وكذلك عودة النازحين والمهجّرين، وضمان الحقوق الثقافية واللغوية للسوريين.

يكشف ما سبق عن رؤية سياسية مختلفة بشكل شبه كلي بين الوثيقتين، وعلى الرغم من واقعية بعض الطروحات الخاصة بالحقوق الثقافية واللغوية وحتى فتح الباب أمام الحديث عن إدارة موسَّعة في مناطق الغالبية الكردية وهو ما يمكن أن يُدرج في مراحل قادمة وخاصة عند تشكيل جمعية تأسيسية مع نجاح المرحلة الانتقالية أو عبر تعديل الإعلان الدستوري بعد تشكيل مجلس الشعب، فإن قضايا جوهرية أخرى وأبرزها الفدرلة ونظام الحكم وقضايا الهوية تُشكّل بوادر لحالة مستعصية يصعب الوصول فيها لتوافقات.

المبدأ
في الوثيقة الكردية
في الإعلان الدستوري
وجود التوافق
اسم الدولة
حذف العربية
تثبت العربية
الدين والدولة
حيادية مع اعتراف بالإيزيدية
الفقه الإسلامي – دين رئيس الدولة
نظام الحكم
برلماني
رئاسي
شكل الدولة
اتحادي
موحد
التقسيمات الإدارية
إعادة تقييم
مسكوت عنه
المرأة
مساواة تامة
حقوق عامة
حقوق الطفل
كفالة
كفالة
دور الشباب
كفالة
مسكوت عنه
الحقوق الثقافية واللغوية
ضمان الحقوق
ضمان الحقوق
اللغة الكردية
اللغة الكردية كلغة رسمية
اللغة العربية
العدالة الانتقالية
 
تكريم “شهداء” قسد
حديث عام
عودة المهجرين والنازحين
ضمان عودة المهجرين والنازحين
جبر الضرر للمناطق الكردية
محال للقانون
إعادة الجنسية
إعادة الجنسية للأكراد المحرومين منها
مسكوت عنه
المسار الإجرائي
رعاية دولية
مسار وطني

جدول رقم (1) للمقارنة بين الإعلان الدستور ي والوثيقة الكردية

ثالثاً: الانعكاسات المحتملة للوثيقة على المضيّ في الاتفاق مع السلطة الانتقالية:

على الرغم من أن الاتفاق الموقّع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي يوم 10/3/2025، والمؤلف من ثمانية بنود رئيسية، قد جاء مؤلّفاً من مبادئ عامة وأحال كل التفاصيل العملية إلى لجان فنية خلال الأشهر القادمة، إلا أنه حمل دلالة عن إرادة مشتركة في التوافق والتحوّل من الاحتكاكات العسكرية كما حصل في الشيخ مقصود والاشرفية في مدينة حلب، وجبهة سد تشرين في ريفها إلى المفاوضات لتطبيق الاندماج الكامل لشمال شرق سوريا مع الدولة الجديدة مع تضمينه نصاً واضحاً عن ضمان المشاركة المتساوية في إدارة الدولة على أساس الكفاءة للكرد وعودة المهجّرين، مع تجنُّب الإشارة حتى إلى البحث في قضية شكل الدولة ونظامها السياسي[6]، وهو ما انعكس عملياً ببعض الخطوات الإيجابية في مناطق الاحتكاك بحلب عبر اتفاق جزئي[7].

إلا أن مضامين الوثيقة الأخيرة وإن جاءت على مستوى القوى السياسية الكردية وليس باسم أو وجهة نظر “قوات سوريا الديمقراطية” من حيث المبدأ باعتبار الأخيرة يفترض أن تمثل مجمل سكان المناطق التي تسيطر عليها بمن فيهم العرب وغيرهم من المكونات[8]، فإنها حاكمة عملياً للتفاوض بين الأطراف وليس العكس، بمعنى أن الاتفاق الأساسي متأثر حكماً بمضامين الوثيقة، وهو ما يتضح من الموقف الصريح والمباشر عن رئاسة الجمهورية التي أصدرت بياناً تعتبر فيه الاتفاق مناقضاً ومهدّداً لوحدة سوريا، رافضة مشاريع الفدرلة والتقسيم، وعدّته خروجاً عن هوية سوريا الجامعة ويحمل تهديدات بالتغيير الديمغرافي، في إشارة إلى فكرة التقسيمات الإدارية والمناطق الكردية الخاصة مع رفض الوصاية الأجنبية[9].

بناءً على هذه التطورات يمكن الوقوف على ثلاثة سناريوهات محتملة في مستقبل الاتفاق بين الأطراف:

السناريو الأول: المراوحة في المكان مع انفراجات متوسطة المدى:

يمكن أن تتوجّه السلطة و”قسد” إلى حالة تجميد عمليّة لمسارات التفاوض التنفيذي للاتفاق مع تبادل التصريحات العدائيّة مع الحفاظ على قنوات تنسيق خلفيّة انتظاراً للتغيُّرات الدولية والإقليمية بما يخص الشأن السوري، ومن أبرزها مدى انفتاح الولايات المتحدة على السلطة السورية وتقدُّم العلاقات التركية -الأمريكية في ملفات الشرق الأوسط، ومع وجود بعض المؤشرات الإيجابية لجهة الانفتاح الدولي على سوريا يمكن توقُّع حصول انفراجات خلال فترة متوسطة المدى تقوم على أساس تراجع “قسد” عن السقف العالي الذي تضمّنته الوثيقة الكردية، وخاصة في قضية الفدرالية وقضايا الهوية في مقابل ترسيخ حقوق ثقافية ولغوية خاصة بالمواطنين الأكراد والتوسُّع في نموذج إدارات محلية وانخراط في السلطة التشريعية، وهو ما يميل إلى العودة لفلسفة الاتفاق الأساسي الذي جاء قابلاً للتفسير وفقاً لمتغيّرات الواقع.

السناريو الثاني: إعلان انتهاء الاتفاق بشكل رسمي والعودة إلى مرحلة الأعمال العسكرية واسعة النطاق

ضمن هذا السناريو يمكن لأحد الأطراف أن يعلن عن انتهاء الاتفاق السابق بشكل رسمي بناءً على الوثيقة، وفي حال حصول ذلك يمكن أن ينزلق المشهد بسرعة نحو الأعمال العسكرية وخاصة في جبهات حلب من جهة، وعبر انشقاقات جديدة وإحياء للحراك العشائري في دير الزور مع انتهاء خطوط التفاوض حتى حصول تغييرات عسكرية على أرض الواقع والانطلاق بتفاوض بناءً عليها، ومن العوامل التي قد تساعد على حصول هذا السناريو زيادة حدّة الاستقطاب بين الأطراف والموقف التركي من تعثر تطبيق الاتفاق أو تعثر مسار المصالحة في الملف الكردي في تركيا، وشعور المكوّن العربي في مناطق “الإدارة الذاتية” بانسداد أفق الاندماج مع الدولة السورية.

السناريو الثالث: المزيج من الأدوات الخشنة والناعمة:

وهو ما يبدو السناريو الأكثر ترجيحاً، بحيث يصبح المشهد أكثر تعقيداً ويقوم على أساس مسارات تفاوضية مستمرة غالباً غير معلنة، وتتخلّلها عمليات عسكرية وتصعيد في اللهجة مع مراقبة التطوّرات على الأرض؛ كالحراك الداخلي في شمال شرق والأوضاع في السويداء والساحل السوري، كذلك على مستوى  التطورات الدولية والإقليمية وأهمها الاعتداءات “الإسرائيلية” في سوريا والموقف التركي ومدى استعدادها لتنفيذ عمليات عسكرية، والأهم الموقف الأمريكي،  وتغليب إحدى الأدوات على الأخرى بناءً على التطورات السابقة ومدى ميلها لمصلحة أحد الأطراف.

خاتمة:

بعد سنوات من التوتر بين القوى السياسية الكردية ممثّلة بالقطبين الرئيسييّن؛ الاتحاد الديمقراطي والأحزاب المتحالفة معه، وتيار أحزاب المجلس الوطني الكردي، تأتي الوثيقة كأول موقف شامل ومفصّل على مستويين هوياتي ووطني، لكنها جاءت لتركز على مواضيع الهوية والانتماء وعلاقة الدين بالدولة وشكل الدولة أكثر من المطالب المتعلّقة بسياسات النظام السياسي المتعلقة بتوزيع الخدمات والحقوق الخاصة، بمعنى آخر فإنها لم تُركّز على متطلّبات احترام الخصوصية، وهذا حق مشروع، بقدر ما ركّزت على تحصيل تنازلات من غالبية المجتمع السوري، وإن كان ذلك مدفوعاً بمظلومية تاريخية على يد نظام البعث دون اعتبار بأن جميع السوريين تعرّضوا لهذه المظلومية وفي مقدمتهم “الأغلبية”.

عموماً، سيولة المشهد السوري ووجود العوامل الإقليمية والدولية المتغيّرة قد تفتح الباب أمام احتمالات عديدة على مستوى استمرار الوثيقة نفسها أو درجة التمسُّك بها من قبل هذه القوى في التفاوض مع دمشق، في المقابل ظهر التأثير المباشر لهذه الوثيقة في إعادة المشهد إلى الخلف، أي ما قبل الاتفاق لجهة التصريحات المتبادلة على المستوى الرسمي والارتدادات المجتمعية على مستوى الاستقطاب الحاد، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة لمستقبل الاتفاق ذاته أو التصعيد العملياتي والميداني.


[1] للاطلاع على خريطة الأحزاب الكردية ينظر: مؤتمر الحوار الكردي في روج آفا: تعزيز الوحدة الكردية وتوحيد المواقف، مركز معلومات شمال وشرق سوريا، 25/4/2025.
[2] للاطلاع على الوثيقة كاملة ينظر: “مسودة” البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني الكردي، ليفانت نيوز، 26/4/2025، شوهد في: 26/4/2025.
[3] للإطلاع على نصوص العقد الاجتماعي ينظر: العقد الاجتماعي الجديد للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وكالة أنباء هاوار،  13/12/2023.
[4] للاطلاع على تحليل العقد الاجتماعي شمال شرق سوريا ينظر: العقد الاجتماعي الجديد في شمال شرق سوريا: رُؤى “قسدية” مغلَّفة بشرعية مفقودة، مركز الحوار السوري، 29/12/2023.
[5] للاطلاع على كامل نصوص الإعلان الدستوري ينظر: نص الإعلان الدستوري لسوريا 2025، الجزيرة، 14/3/2025.
[7]ينظر: محافظة حلب تعلن بدء تنفيذ الاتفاق مع “قسد”، الجزيرة، 1/4/2025، شوهد في: 27/4/2025.
[8] كان قائد “قسد” قد أشار سابقاً إلى أنه” أنه “سيتم تشكيل وفد من أهالي المنطقة وبكل مكوناتها للحوار مع دمشق حول مستقبل المنطقة والدولة السورية”.

باحث في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى