الإصداراتالتقارير الموضوعيةوحدة الهوية المشتركة والتوافق

لجنة السلم الأهلي في سوريا والتفاعل الشعبي مع مؤتمرها: كيف نُفكّك التباسات العدالة والسلم الأهلي؟

تقرير صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري

مقدمة:

في شهر آذار الماضي وتزامنا مع أكبر تمرّد عسكري قاده فلول نظام الأسد البائد في الساحل السوري وما رافق ذلك من أعمال عسكرية وتجاوزات؛ تم تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق بها بتاريخ 9/3/2025 [1]، كما أصدر رئيس الجمهورية في ذات اليوم قراراً بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي بعضوية ثلاثية، وأناط بها ثلاث مهام رئيسة، وهي الاستماع للأهالي في الساحل السوري وتقديم الخدمات والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية[2]، فيما لم يتضمن المرسوم أية تفاصيل أخرى، لتبدأ اللجنة عملياً بتنفيذ مهامها دون وجود ما يمكن اعتباره خطة متكاملة أو رؤية معروضة أمام الرأي العام السوري.

خلال هذه المرحلة جاءت أبرز القضايا التي أظهرت اللجنة إلى واجهة الأحداث عبر إخلاء سبيل موقوفين من عسكريّي نظام الأسد البائد بقرار وزارة الداخلية السورية قبل يومين، وبما قيل إنه وساطة من قبل المدعو ” فادي صقر”      أحد قيادات مليشيات الدفاع الوطني التابعة  لنظام الأسد والذي ارتبط اسمه في أذهان السوريين بمجزرة التضامن، وهو ما أثار موجة من الغضب وردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة مع ظهور شخص آخر هو” سقراط الرحية” مدير “فريق سقراط التطوعي” الذي ينشط في السلم الأهلي في اللاذقية، والذي تظهر صور أخرى أنه مقاتل في مليشيات الأسد سابقاً فضلاً عن كتابات سابقة له تدعو لإبادة جماعية للمسلمين[3].

استدعى الجدل الكبير الذي اشتعل بين السوريين إجراء مؤتمر صحفي مشترك بين عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا مع جمع من الصحفيين في يوم 10/6/2025، لكن مضامين المؤتمر وبعض الأفكار التي تم طرحها أدت من حيث النتيجة لزيادة في احتقان الرأي العام لما تضمنه من رسائل.

بناء عليه يسعى هذا التقرير لتحليل مضامين المؤتمر الصحفي والتوجُّهات التي تم الإعلان عنها من المتحدثين الرسميّين، والأصداء الأساسية له على صعيد الرأي العام، وقراءة ماسبق في إطار أوسع قليلاً يرتبط بحوكمة مسار العدالة الانتقالية ككل، بمعنى آخر الطريقة الحالية في التأسيس للمسار والمضي به من خلال الهيئات المشكّلة والفجوات الحالية، بما يهدف من حيث النتيجة لتقديم بعض الأفكار المساعدة على بناء توافق عام حول مسار العدالة ورؤية كليّة لكيفية الموازنة  بين متطلّبات العدالة والمصالحة وثقة الجمهور، وخاصة من الضحايا وذويهم بإجراءات السلطة بوصفها عاملاً نفسياً حاسماً للمضي نحو الأمام في حقل الألغام الحالي إن صح التعبير.

أولاً: أبرز مضامين المؤتمر الصحفي واتساقها مع منطق العدالة الانتقالية:

بالوقوف على أبرز المضامين التي تم تقديمها في سياق المؤتمر الصحفي يمكن التركيز على أربع رسائل أساسية جديرة بالتحليل، وتقيمها عبر قراءة عامة كلية؛ والتي تتمثل بكل من:

1- إخلاء سبيل الموقوفين من العسكريين: لا جديد في الحدث المتكرر

ركّز المؤتمر على إيضاح طبيعة الشخصيات المفرج عنها بوصفهم: ضباط عاملون في صفوف الجيش منذ عام 2021، قاموا بتسليم أنفسهم بشكل طوعي على الحدود العراقية بناء على إعلان قيادة العمليات العسكرية عن منح الأمان وفتح باب التسوية لمن يقوم بإلقاء السلاح، وبأنه لا توجد أية أسباب تدعوا لاستمرار احتجازهم على اعتبار أن التحقيقات التي أجرتها وزارة الداخلية لم تثبت أي تهم بحقهم تتعلق بجرائم الحرب، كما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية أيضاً بأن إطلاق سراحهم جاء استجابة للنداءات التي أطلقها الأهالي، ولتواصل غالبيتهم مباشرة أو بشكل غير مباشر مع إدارة العمليات العسكرية.

بالوقوف عند عملية إطلاق سراح “موقوفي نظام الأسد البائد” بوصفها النقطة الأساسية لموجة الغضب والاستنكار من حيث المبدأ، يمكن القول: إن هذا الإجراء وبغض النظر عن طبيعة التحقيقات وجديّتها واجراءاتها وغياب دور القضاء منذ اليوم الأول، لم تخرج عن النهج العام لإدارة العمليات العسكرية منذ معركة ردع العدوان نهاية عام 2024 في إطلاق سراح أو إجراء تسويات مع العناصر السابقين لدى نظام الأسد والتي عُرفت بسياسية “اذهبوا فأنتم الطلقاء” وهو ما استمر عبر مراكز تسوية استمرت بالعمل لأسابيع طويلة وشملت عشرات الآلاف[4].

وإذا كانت هذه السياسة أصلاً قد شهدت بدورها جدلاً بين السوريين، إلا أن المعيار الأساسي المعلن عنه بأن هذه التسوية لا تشمل مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وأنها لا تسقط باب الادعاءات والمحاسبة عن الانتهاكات كما أعلنت إدارة العمليات العسكرية مراراً  بأن “قائمة بأسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري ستصدر قريباً” وهو ما لم يحصل عملياً[5]، كان عاملاً مساعداً في تقبُّل الرأي العام لها على ما يبدو[6]، واعتبارها مثالاً لدى الكثير من السوريين والمراقبين لنهج غير انتقامي ومساعد على الاستقرار والتركيز على مساءلة قضائية محدّدة بمعيار ارتكاب الجرائم وليس الانتماء[7]، وهو ما يتوافق بدوره مع معايير دولية في المساءلة والتعامل مع المقاتلين في النزاعات المسلحة، فضلاً عن وجود أسس مستمدّة من الثقافة الإسلامية المتأصلة[8].

يظهر ما سبق أنه لا جديد من حيث المبدأ في تطبيق فكرة العفو أو ما سُمّي في أرجاء المؤتمر بـ “الاستئمان” لعناصر وضباط نظام الأسد لأسباب عديدة مثل: قضية العدد الكبير للمنتسبين للتشكيلات العسكرية وأهمية التطلُّع للمستقبل وضرورات المعركة وضمان تخفيف الخسائر.

بناء عليه، يمكن القول إن النقطة الأساسية التي أثارت عاصفة من الغضب لا تبدو مرتبطة عملياً باستمرارية النهج السابق ولكن بعوامل أخرى إشكالية وهي بالنتيجة الكلية أصبحت عوامل ظاهرة أمام السوريين بعد أكثر من 6 أشهر على إسقاط نظام الأسد، منها: أن الكثير من ضباط نظام الأسد وميليشياته خارج السجون عملياً وأن الاعتقالات تقتصر على بعض المجرمين على مستوى الأحياء مع عملية ترويج إعلامية مبالغ فيها لإظهار جدية في مسار الملاحقة، فضلاً عن أسباب عديدة كمشاركة عدد من أصحاب التسويات سابقاً في هجمات الفلول في الساحل بما أظهر العملية كآلية غير مدروسة تماماً، وحالة الاستفزاز التي تقوم بها بعض الشخصيات المتهمة بالتورط في دماء السوريين على السوشيال ميديا من خلال تفاخرهم  فيها بأن لهم أدواراً جديدة أو حتى ترميزهم ليصبحوا قيادات مجتمعية ..الخ، وهو ما يجعل الشعور العام بأن آلاف المجرمين بمن فيهم عناصر الأفرع الأمنية والمسؤولون عن مقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب قد تبخروا عملياً ولا وجود لدلائل على أحد، وأن الجهة المسؤولة عن التحقيق في الانتهاكات الكبرى غير موجودة عملياً، مع عدم وجود دور قضائي حتى الآن.

يضاف لما سبق سؤال رئيسي مهم في هذا السياق وهو: لماذا أبقي على هؤلاء العسكريين محتجزين أصلاً طالما أنهم في وضع مشابه لوضعية باقي العناصر الذين لم يتم إلقاء القبض عليهم أساساً؟ وأنهم وفق تصريحات المتحدثين كانوا على تواصل سابق للتسليم بدون شروط، من جانب آخر ومع استحقاق هؤلاء لإطلاق السراح والذي يبدو إجراءً طبيعياً وفقاً لمنطق العفو أو “الأمان” الممنوح لهم، فلماذا تم إظهار وجود وساطة مؤثرة وفاعلة من أزلام نظام الأسد كفادي صقر و”سقراط” في إجراء اعتُبر أصلاً ضمن إجراءات السلم الأهلي واستحقاق في إطار سياسة شاملة وسابقة؟

2- أدوار شخصيات نظام الأسد البائد كوسطاء: معضلات في أصل الفكرة

يكاد يكون اسم “فادي صقر” وهو أحد قيادات “الدفاع الوطني” والمتهمين بارتكاب مجزرة التضامن في ريف دمشق، أحد أكثر الأسماء التي تم ترديدها خلال الفترة الحالية من السوريين في مختلف النقاشات والتفاعلات حول لجنة السلم الأهلي، وبدرجة أخرى برز اسم عضو لجنة السلم الأهلي خالد الأحمد وهو مستشار سابق لنظام الأسد، و”سقراط” وفريقه التطوعي الذي يظهر كفريق ناشط في السلم الأهلي، وذلك بسبب أدوارهم في عمل اللجنة والقيام بوساطات للإفراج عن موقوفين من نظام الأسد، وبالتالي تصديرهم مجدداً في المشهد العام بدلاً من محاسبتهم أو إقصائهم.

بالعموم، تحدّث المؤتمر الصحفي بشكل مباشر عن فادي صقر، واعتبر أنه والشخصيات الأخرى تلعب دوراً في تفكيك العقد، وحل المشكلات، ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد، وبالتالي أكد بشكل رسمي كل الأحاديث السابقة التي تداولها السوريون عن نفوذ حالي لهذه الشخصيات والنهج المتبع من السلطة في الاعتماد عليها، وإن كان ذلك مرحلياً أو بناء على غايات عامة.

إلا أن هذا التركيز الذي أبداه المؤتمر من المتحدثين أو الصحفيين كشف عن جوهرية هذه القضية التي طغت حتى على الحدث الرئيسي؛ بمعنى أصبحت القضية الأساس هي أدوار أزلام نظام الأسد في إطلاق سراح الموقوفين بدلاً من محاسبتهم، وهو ما جعل المشهد العام يظهر كأنه اجتهاد من المتحدثين في إظهار أهمية أدوار هذه الشخصيات ما وصل حد الترويج والمديح في نظر كثير من المشاهدين، وهذا ما شكل عمليّاً أول ظهور لخطاب رسمي حول طريقة فكرة إعادة إنتاج شخوص نظام الأسد في المشهد العام وبما يفسّر للكثير من تصرفات السلطة مع هذه الشخصيات وشخصيات من الطبقة المالية الفاسدة الأخرى، وهو ما ولّد صدمة أكبر لدى الجمهور وخاصة من ذوي الضحايا، وزاد في حالة الغضب.

يمكن الوقوف على المشهد السابق من جانبين؛ الأول هو انتقال السلطة من فكرة العفو إلى فكرة التعامل أو الاستخدام وفي القضايا الحساسة كالسلم الأهلي، والثانية هي الإعلان الكاشف وليس المؤسس لهذا النهج، وكلا الأمرين شديدي الخطورة لأسباب عديدة، من أبرزها:

  • الإحياء لـ بعض “واجهات” نظام الأسد البائد وتصديرها أمام المكون الذي تنتمي إليه على أنهم قنوات للتواصل والحلول، وهذا ما يؤدي عملياً إلى حشد الأهالي حولها مجدداً بدلاً من مؤسسات الدولة، وهذا يحمل مخاطر إعادة وإعادة إنتاج قيادات عسكرية يمكن أن تقوم بانقلابات مستقبلية في حال حصلت على دعم خارجي، وفي اتجاه آخر يستفز مشاعر حاضنة السلطة الأساسية من أبناء الثورة السورية ويزيد من احتقانها حول إجراءات المرحلة الانتقالية ويجعل الارتداد على فكرة العفو نفسها والتي بُنيت بشكل مقبول على أساس الانتماء وليس الأفعال.
  • اعتماد نهج براغماتي مستمر على أساس اتباع الحلول المباشرة والأكثر سهولة عبر فكرة المقايضات والصفقات على حساب النهج الأعمق والأصعب والأكثر استدامة وهو الالتزام بالنهج القانوني والأخلاقي وإعادة بناء منظومة العدالة للمستقبل، الأمر الذي يتطلّب تطهير الحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من المتورطين مباشرة أو أخلاقياً في المذبحة السورية خلال السنوات السابقة، وهو ما يشكل رافعة للسلطة المنبثقة عن ثورة وتضحيات كبيرة.
  • تحويل منطق السلم الأهلي القائم على القناعة والحقوق والمشاركة إلى منطق الهدن القائم على شروط تفاوضية، وعلى الرغم من تفهُّم حساسية منطقة الساحل والمحاولات الخارجية لإشعال الأوضاع ووجود بؤر متوترة في سوريا قابلة للاشتعال كالسويداء واستمرار ملف التفاوض مع “قوات سوريا الديمقراطية” والذي سيقوم حال نجاحه على ترجيح السلام والثقة على المساءلة، إلا أن فتح الباب أمام التعاطي مع شبكات نظام الأسد بل وتصديرها بهذه الطريقة بدلاً من المواجهة وفرض مؤسسات الدولة وتطبيق قواعد قانونية واضحة وواحدة؛ يحمل مخاطر في تشجيع فكرة الابتزاز الجماعي لملف العدالة الانتقالية؛ بمعنى آخر التوجه لإثارة القلاقل وممارسة الابتزاز بهدف الحصول على تنازلات كعفو لاحق حتى عن مرتكبي كبرى الانتهاكات، وهو ما يحصل عملياً في تجارب عديدة عربية كاليمن ودولية كالأرجنتين بداية المرحلة الانتقالية في الثمانينات[9].

3- معادلة العفو مقابل التعاون: غياب المنهجية المتكاملة

حرص المؤتمر الصحفي على تقديم معلومات إضافية عن الإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق الانتصار السريع في إطار العملية العسكرية لتحرير سوريا بما فيها استخدام مجموعة من الأدوات الأمنية والتفاوضية، والتي قامت من خلالها بعض الشخصيات التي يُشار إليها بوسائل الإعلام بكثافة -أي أزلام نظام الأسد- بتحييد بعض القطع العسكرية والألوية، وهو ما عجَّل بتحقيق الانتصار وفقاً لسردية المتحدثين، على ذات النحو تم التركيز على حالة فادي صقر وأنه “تم إعطاؤه الأمان من قبل القيادة بدلاً من توقيفه بناء على تقدير المشهد، على أن يكون ذلك سبباً في حقن الدماء سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية”.

يثير ما سبق ذكره أو ممارسته عملياً العديد من التساؤلات والقضايا التي كان من الواجب إثارتها مسبقاً وهي ذات صلة بحدود العفو الذي يمكن منحه، ومدى توافقه مع تطبيق العدالة الانتقالية والإنصاف للضحايا، وكذلك الإجراءات المطلوبة في سياقه ليكون داعماً للاستقرار بدلاً أن يكون مُسبّباً لمزيد من الاحتقان والغضب والدفع نحو عمليات انتقام.

يمكن التأكيد بداية على وجود ارتباط واضح بين قوانين العفو وبين المصالحة الوطنية وتحقيق السلام، وهي تدابير تلجأ إليها الدول بهدف وضع حد نهائي لأية متابعة قضائية عن الجرائم التي تشملها فيما يتعلق بسلوك إجرامي محدد ارتكب قبل اعتماد قرار العفو وإبطال أي مسؤولية قانونية، وغالباً ما تهدف قرارات العفو إلى تشجيع المقاتلين على الاستسلام وتسليم أسلحتهم وتسهيل عقد اتفاقيات السلام[10].

إلا أن منح العفو لا يرتبط بالبعد الواقعي أو المعطيات السياسية فحسب، أي لا يأتي بدون أي ضوابط لأنه يتحول عملياً إلى وسيلة قانونية للإفلات من العقاب ويصبح هدفاً أو ثمناً لابتزاز المجتمع من قبل مرتكبي الجرائم، فعلى سبيل المثال يقدم القانون الدولي ضوابط لتدابير العفو في المراحل الانتقالية ومن أهمها: ألا تتعارض حقوق الضحايا في الحصول على سبل إنصاف فعّالة كالحصول على تعويض ورد الاعتبار، وألا تقيّد حقوق المجتمع في معرفة الحقيقة، لأن العفو الذي يؤدي لحرمان الضحايا من هذه الحقوق يزيد معاناتهم وشعورهم بالاغتراب عن المجتمع، وألا تكون من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان[11].

من جانب آخر، وبالنظر إلى تجارب دول أخرى واجهت معضلة الأعداد الكبيرة للمتورطين بالانتهاكات أو وجود ظروف موضوعية كتوازن القوى السياسية الداخلية فيمكن التمييز بين نمطين اثنين؛ الأول: في تجارب قديمة كالأرجنتين والتي توجّهت لإصدار سلسلة من قوانين العفو العام، ومن أبرزها: نقطة النهاية والطاعة الواجبة تحت ضغط القوى اليمنية والعسكرية داخل المجتمع، وهو ما سمح بالإفلات من العقاب عملياً إلا أن تم إبطال مراسيم العفو بعد سنوات طويلة من قبل المحكمة الدستورية العليا[12].

في مقابل ذلك، توجهت تجارب أحدث كجنوب أفريقيا لتقديم العفو الفردي المشروط بكشف الحقائق والتماس الغفران والصفح، في المقابل قدّمت رواندا نموذج هيئات صليحة مجتمعية “محاكم الجاكاكا” لإجراء تسويات تصالحية[13]، كذلك امتلكت لجنة الحقيقة في تيمور الشرقية صلاحية منع الملاحقة القضائية لمرتكبي انتهاكات من مستوى منخفض حال الإقرار بجرائمهم وممارسة خدمات اجتماعية[14].

يستفاد مما سبق إمكانية الموازنة عملياً بين احتياجات السلطة الحالية والسابقة في منح أشخاص تدابير خاصة للعفو أو منع ملاحقتهم أو عدم اعتقالهم وبين الحفاظ على متطلبات العدالة في سوريا ومنع الإفلات من العقاب، وهذه العملية الحساسة تحتاج إلى وضوح وطرح مباشر وجريء وتفكير جماعي ينتج قدراً مقبولاً من التوافق بما يساعد فعلياً في ترشيد توجُّهات السلطة والمجتمع معاً في هذه القضايا الحساسية، وليس إلى “السرية” والإجراءات التي “لا يمكن كشفها” بحسب ما جاء في المؤتمر؛ إذ إن عدم شعور أفراد المجتمع بمنهجية عادلة ومقنعة سيؤدي لعكس المطلوب عملياً من هذه الإجراءات، وهو القيام بعمليات انتقام فردية ما تلبث أن تدخل السلطة في دوامات عنف تجعل مسار العدالة ككل على المحك.

4- القضايا ذات الصلة بمسار العدالة الانتقالية ككل: التشتت والتداخل

تظهر الأدبيات والتجارب المختلفة خلاصة مفادها أن العدالة الانتقالية ليست وصفة قياسية يمكن تطبيقها بذات الطريقة في المجتمعات المختلفة، إلا أنه ومع تراكم التجارب ثمة قضايا رئيسة لا يكاد يختلف حولها، منها أهمية دور المجتمع والضحايا، وأهمية حشد الجمهور وكسب ثقته، فضلاً عن أهمية عامل الزمن الحساس في إطلاق مسار العدالة الانتقالية، ووجود ما يمكن اعتباره مسارات واضحة وقواعد ناظمة تزيل الالتباسات المحتملة وتؤكد التوجّه العام أياً كان، سواء نحو التركيز على المساءلة أو التركيز على المصالحة.

بإسقاط ما سبق على ما طُرِح في المؤتمر أظهرت الكثير من الرسائل التي أوردها المتحدثون وجود حالة من الغموض والخفايا التي تم حجبها بذريعة تحقيق المصلحة العامة، مثلاً الحديث عن أن “جزءاً من الإجراءات يجب أن تكون بعيدة عن الإعلام، وليس متاحاً للدولة وللجنة السلم الأهلي أن تستعرض الأشخاص الذين يتعاونون لحقن الدماء”، و“لا يجب أن تكون الأولوية لدى الرئيس هي التماهي مع الرأي العام”.. الخ، تظهر حالة من البعد الأمني والتفكير الوصائي بدلاً من التشاركي، وعلى الرغم من تفهم ذلك -جزئياً- في ظل سياق هش وواقع ماتزال فيه المؤسسات العامة قيد البناء، وهو ما أشار إليه عضو لجنة السلم الأهلي ومتحدث وزارة الداخلية مراراً، إلا أن الدروس المستفادة من كثير من التجارب الدولية تقول إن المصارحة أصلاً وحشد الرأي العام ومشاركة أصحاب المصلحة أفضل من نهج الخطوات الغامضة.

من جانب آخر، كشف المؤتمر عن وجود مجموعة من الصلاحيات التي تحوزها لجنة السلم الأهلي ومنها: إطلاق سراح أشخاص لم تثبت إدانتهم، وطلب إجراءات من مؤسسات الدولة كـ “صلاحية التقديم والتأخير”، وتقديم التوصيات، والاعتراض الداخلي على إجراءات تمس السلم الأهلي.. يشير ما سبق إلى إشكالية أكبر وهي غياب القواعد المعلنة لصلاحيات اللجنة وكيفية تطبيق مهامها، والحدود التي تفصل بين عملها كهيئة وساطة لتحقيق سلم أهلي وبين عمل هيئة العدالة الانتقالية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد أمام الرأي العام.

ثانياً: السمات العامة لمواقف الرأي العام وما يُستفاد منها:

يظهر تتبُّع سريع لمواقف الرأي العام من السوريين المعنيين بتطبيق العدالة، أي بما يستثني من حيث المبدأ الشرائح المرتبطة بنظام الأسد السابق أو المتضررة من تطبيق إجراءات العدالة الانتقالية وجود ثلاث مواقف رئيسة:

  • الموقف المهاجم بشدة: والذي ظهر بشكل واسع النطاق ابتداء من المؤتمر الصحفي وصولاً لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والذي ركّز على اتهام السلطة بالتساهل في مسار المساءلة، وبأن الإطلاق الجماعي لضباط الأسد يؤدي إلى إفلاتهم من العقاب، فيما تم التركيز بشكل كبير على تعويم شخصيات إجرامية، وبلغت ذروة الغضب عبر كيل اتهامات للجنة السلم الأهلي والدعوة للتظاهرات والاحتجاجات[15]، وسط دعوات لتظاهرات واسعة في الأيام القادمة، ولم يخل الأمر من دعوات للانتقام وتحصيل الحقوق بشكل فردي.
  • الموقف التقييمي: وهو الموقف الذي ركّز على تحليل مضامين المؤتمر والقضايا التي عُرضت خلاله من المتحدثين وإبداء الآراء المختلفة حول مدى صحتها كلياً أو جزئياً أو مدى توافقها مع المسار العام المطلوب أو المأمول لتطبيق العدالة الانتقالية والحفاظ على السلم الأهلي.

في هذا الإطار ظهرت توجُّهات مختلفة في طرحها وتناولها لمجموعة من النقاط؛ على سبيل المثال: قضية الالتباسات الحالية في إجراءات السلطة ككل، كطريقة تشكيل اللجان أو صلاحياتها، أو انتقاد التأخر في إجراءات المحاسبة، أو حتى الميل إلى تقييم فكرة العفو مقابل التعاون السابق أو الحالي بشكل إيجابي وذلك من منظور قضايا استراتيجية[16].

  • الموقف الداعم: والذي أعلن ثقته بأن الإجراءات الحالية المؤلمة لا تعني ضياع العدالة ولابد من التريث في مسار العدالة الطويل مظهراً في دعم هذا الموقف دلائل عديدة، ومن أهمها النصر الاستراتيجي للشعب السوري والوعود التي تحققت كرفع العقوبات في الفترة السابقة، لكنه في الوقت ذاته حمل في بعض الحالات مظاهر للتخوين أو الاستخفاف بأي نقد.

على الرغم من التوتر والغليان الظاهر في المجتمع ووجود شعور يميل الى السلبية إلا أن المراقبة والنقد للخطوات الحكومية في هذا الملف تعدّ حالة طبيعية؛ فالمجتمع السوري شديد الحساسية لقضايا العدالة، كما أنه ضمانة حقيقية لتصويب المسار واستمراره، إذ عادة ما تميل السلطات الانتقالية لمواجهة التحديات الراهنة وتقديم حلول للقضايا الاقتصادية والأمنية الطارئة على قضايا تصفية انتهاكات الماضي كتركة ثقيلة، ومن هنا فإن وجود متابعة واهتمام وضغط شعبي يساعد السلطة على إعادة ضبط البوصلة مجدداً وعدم التراخي في مسار العدالة الانتقالية بوصفه الضمانة الحقيقية لتحقيق السلم الأهلي بشكله المديد والضامن لمنع تكرار المآسي، ولا يجب الاستهانة بمكان بأهمية رضا المجتمع عن الخطوات المتخذة أو توجه مواقف داعمة للإساءة للجمهور بوصفه بالجهل أو التآمر أو التشويش.

من جانب آخر، يبرز ما يحصل أهمية إبقاء قنوات تشاور وتواصل مفتوحة من قبل السلطة عموماً وبشكل خاص الهيئات التي يتم تشكيلها بما يرتبط بملف العدالة الانتقالية مع الرأي العام، وضرورة اعتبار الفجوة الحالية مؤشراً على مخاطر وتحديات يجب التعامل معها وخاصة من بوابة المشاركة المجتمعية بدلاً من الافتراضات المسبقة والإعلام فقط عن الخطوات المتخذة عبر ما يسمى بالمشاركة الرمزية[17]، حيث لا تقتصر الشفافية على المؤتمرات الصحفية والبيانات.

ثالثاً: ما هو العمل المطلوب الآن: مراجعة كلية لمسار متكامل

يفيد سبر عام للكثير من التجارب البشرية في سياق العدالة الانتقالية إلى أنه عادة ما يؤدي التأخر في حسم الإجابات الأساسية إلى نشوء مسارات مبعثرة تؤدي بدورها إلى تناقضات عديدة لمنطق العدالة الكلي كخضوع بعض الأشخاص للمساءلة القضائية في الفترة القريبة وإفلات البعض منها بناء على قانون لاحق، من جانب آخر فإن التأخُّر في وضع قواعد أساسية للعملية يؤدي لفقدان الثقة لدى كثير من الضحايا، ويُعزّز من الانتقام الفردي ويؤدي لدوامة من العنف. وهو ما بدأ يلاحظ عبر بعض الاغتيالات أو بعض البيانات الصادرة عن قرى أو بلدات.

 كما يقوم عادة أنصار النظام البائد في المجتمع وبشكل سريع بمحاولة إعادة إنتاجه وأفكاره بطرق وأساليب شتى ويجمعهم في ذلك على تنوُّعهم الكره الشديد للثورة والسعي لإحباطها عبر إعادة التموضع في الهياكل الجديدة، بإفراغ مسارات العدالة لاحقاً من جوهرها، وهو ما بدأ سريعاً جداً في الحالة السورية عبر انطلاق بعض داعمي الانتهاكات بحركات مطلبية بعيدة عن القضايا ذات الأولوية، ومن جانب آخر فإن التأسيس السريع لقواعد العدالة الانتقالية الكبرى يُسهم في استقرار المجتمع نسبياً بحيث تُحسم قضية المجرم والضحية ومحدّدات العفو ومواصفات أركان النظام البائد التي لا يجب أن تتسلّل للنظام الجديد.. الخ[18].

بالانتقال إلى المشهد السوري الحالي لجهة حوكمة مسار العدالة الانتقالية في سوريا  تبدو الفجوات القانونية واضحة للعيان، إذ يقتصر التأسيس القانوني على المواد الواردة في الإعلان الدستوري ولاسيما المادة 49 والتي نصت على إنشاء هيئة عدالة انتقالية “تعتمد آليات فاعلة تشاورية” لتحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقيقة والإنصاف وتكريم الشهداء، بمعنى آخر      لم يتم إصدار أي قانون شامل للعدالة الانتقالية في سوريا، كما لم يتم إصدار قانون ينظّم حالة العفو، وهذا يعود في أحد أسبابه إلى غياب السلطة التشريعية التي لم تتشكل حتى الآن.

من جانب آخر، وبنظرة كلية في البعد الهيكلي أي المؤسسات التي تتولى التطبيق الفعلي للعدالة الانتقالية فقد تم إنشاء ثلاث أجسام حتى الآن عبر مراسيم تنفيذية موجزة، وهي: لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، والهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، حيث تضمّن كلٌ من المرسومين تسمية رئيس كل هيئة وبعض الفقرات الموجزة عن غاياتها.

بذلك توجهت الحالة السورية إلى مزيج من الهياكل التي تعمل في ظل فراغ في القواعد، وهو ما يعد وصفة أساسية للغموض والتداخل في العمل والصلاحيات، وهو ما ظهرت أولى ملامحه من خلال المؤتمر الأخير نفسه الذي تحول للحديث عن قضايا المساءلة وإسناد المسؤوليات والعفو، ومن الكثير من التعقيبات من الجمهور الذي وصف بعضهم المؤتمر بمؤتمر العدالة الانتقالية.

هذا النهج الحالي الذي يأتي على عكس ما يظهره سبر التجارب التي تميل إلى الارتكاز بداية على هيئة حقيقة أساسية، سواء أُنشئت بموجب قانون أو عبر مرسوم، وسواء كانت واسعة الاختصاصات أو مقيّدة أو مهما اختلفت معايير تكوينها، وبعد إنجاز هذه الهيئة لمهامها تنطلق عادة عمليات أخرى مترتبة عليها وخاصة جبر الضرر وحفظ الذاكرة والإصلاح المؤسساتي، أو تكون متوازية مع أعمالها بقوانين منفصلة كقوانين العزل السياسي وإصلاح الأجهزة الأمنية، والعسكرية، وقوانين الأحزاب، والانتخابات.. إلخ[19].

من جانب آخر، يظهر المسار الإجرائي لتشكيل الهيئات والفجوة الحالية في معرفة الجمهور وبالتالي الصورة الذهنية لها الحاجة للتوقف قليلاً والبحث في المسارات المناسبة، وخاصة مع عدم إعداد أنظمة داخلية حتى الآن من الهيئتين الجديدتين، وعدم تشكيل أعضائها.

في هذا الصدد، يمكن استدراك الفجوات السابقة من خلال نهج يعود للتركيز على القواعد المحددة والأدوار الواضحة والتشاركية في التشكيل والعمل وفقاً لما يلي:

  • يمكن التفكير باستدراك الفجوة الرئيسية وهي التشاور وبناء مقاربة كلية لا جزئية، من خلال اعتبار كل من رؤساء اللجان الثلاث بمثابة لجنة تشاور تطلق خطة مشاورات عامة مجدولة وقصيرة المدى تجيب من حيث النتيجة على الأسئلة الرئيسة الكبرى حول المساءلة والعفو وحدوده وسبل الإنصاف والعزل السياسي والتطهير المؤسساتي.. الخ.
  • اتخاذ مسار مختلف في تكوين الهيئتين: من خلال تحديد شروط ومواصفات الأعضاء الإيجابية منها والسلبية والتي تقوم على ثلاثية الكفاءة والنزاهة والحياد، والمحددات العامة أي الشكل المناسب الذي يجب أن تعكسه الهيئة في تشكيلها النهائي، ومن ثم استقبال طلبات العضوية وتفحصها وتحديد قائمة للمقابلات النهائية والوصول إلى التشكيل النهائي وهي حالة مورست عملياً في تجارب عديدة كجنوب أفريقيا رغم امتلاك الرئيس لصلاحية اختيار الأعضاء بموجب القانون.
  • التوسع بدلاً من الإيجاز: وذلك من خلال تحديد واضح لمجموعة القواعد القانونية الموضوعية كالاختصاصات والصلاحيات والإجراءات والوسائل وقواعد المشاركة والشفافية والسرية.. الخ، والتي كان يفترض أن تصدر بقانون من السلطة التشريعية يحدث هيئة العدالة الانتقالية وغيرها من اللجان محددة الاختصاص، إلا أن الاستمرار بالأسلوب التنفيذي الحالي يتطلب على الأقل التوسع فيها عبر نظام واضح ومنشور رغم العور القانوني المستمر لذلك.

خاتمة:

لا جديد في القول بأن التركة المعقّدة في سوريا التي خلّفها أحد أشد الأنظمة الإجرامية في العصر الحديث، تعد بمثابة حقل ألغام تهدد مسار المرحلة الانتقالية في وضع ما يزال هشاً على جمع الأصعدة رغم النجاحات الأساسية في حفظ الأمن وسير المؤسسات الرئيسة وعدم وجود عمليات انتقام واسعة رغم المخاطر لبعض الحالات وتصاعدها، إلا أن محاولة تفكيك هذه المعضلات وفي مقدمتها المعضلة الأخلاقية والقانونية والاجتماعية المرتبطة بالموازنة بين تحقيق المساءلة والإنصاف وبين الاستقرار والسلم الأهلي تكشف الأيام أنها في قائمة التحديات إن لم تكن التحدي الأكبر، ومن الطبيعي أن تتعدد الآراء والطروحات في قضايا تمس مئات آلاف الضحايا وذويهم ومعاناة معظم السوريين من الانتهاكات المباشرة أو حتى غير المباشرة كالتي ترتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وفي إطار تفكيك هذه المعادلة التي تتداخل فيها الالتباسات؛ تبدو قضية الموازنة بين العدالة العاجلة والمباشرة والعدالة في بعدها الاستراتيجي مهمة؛ أي تحقيق الغايات الكبرى للعدالة الانتقالية في بناء مجتمع جديد وتجنب الانحدار إلى مأساة جديدة، ومن جانب آخر تبرز أهمية الموازنة بين الشفافية والمشاركة المطلوبة لكسب ثقة الجمهور وتطمين الرأي العام، وبين تفكيك معضلات أمنية واجتماعية معقدة.

وفي قضية العفو واستحقاقه وحدوده ثمة أصوات تقول إنه من أسباب سقوط النظام السريع وجود التعاون من قبل بعض الشخصيات وهذا يُحسب للإدارة الجديدة ولا يُؤخذ عليها، وبالتالي فإن العفو المقدم كان ثمناً لا بد من دفعه لتخفيف الخسائر وتحقيق الإنجاز الأكبر الذي يفتح الباب للعدالة لكل الشعب السوري، كذلك فإن شبكات نظام الأسد كبيرة ومتغلغلة في المجتمع، وبالتالي فإن استخدام بعض الوسائل من داخل هذه المنظومة مهم لتفادي الكثير من التحديات الحالية، وحتى ترسيخ المؤسسات التي تعد وسيلة لتطبيق مستقر للعدالة الانتقالية.

في حين توجد أصوات تستنكر فكرة العفو أو الصفح من أساسها تحت أي مبرر كان وتعد ذلك من قبيل التساهل وتضييع الحقوق وتتساءل عن شرعية العفو الممنوح وإن كان للأعمال الجديدة المفيدة للمرحلة الانتقالية أن تطوي الجرائم الكبرى المرتكبة طوال سنين سابقة، وعن جدوى القفز من مركب الأسد الغارق ومحاولة الحفاظ على الأموال والسلطة في ظل دولة جديدة.

يحمل كل ما سبق في طياته انعكاساً للجدل الذي يرافق عادة مراحل التحوّل الكبرى في المجتمعات، لكنه يؤكد مجدداً على أهمية إيلاء السلطة للتشاركية مع الجمهور والهيكلية العامة لمسار العدالة الانتقالية وضرورة حسم الإجابات الكبرى.


[1] جاء في القرار الرئاسي الذي نشرته رئاسة الجمهورية اليوم على قناتها في التلغرام: ” بناء على مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، والتزاماً بتحقيق السلم الأهلي، وكشف الحقيقة، قرر رئيس الجمهورية تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري التي وقعت بتاريخ 6-3-2025، تتألف من القضاة: جمعة دبيس العنزي وخالد عدوان الحلو وعلي النعسان وعلاء الدين يوسف لطيف وهنادي أبو عرب والعميد عوض أحمد العلي والمحامي ياسر الفرحان”
للتوسع ينظر: نورس العبد الله، في تمرُّد فلول النظام البائد واستكمال إحباطه: أولوية المعالجة السياسية والاجتماعية مع العسكرية، مركز الحوار السوري، 9/3/2025، قرار رئاسي بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري، وكالة سانا، 9/3/2025.
[2] ضمت اللجنة كل من: الدكتور أنس عيروط، السيد حسن صوفان، الدكتور خالد الأحمد.
[3] ينظر على سبيل المثال: مقطع فيديو متداول على منصة فيس بوك،شاهين ردع العدوان، 10/6/2025، شوهد في: 12/6/2025، صورة بوست سابق يحمل خطاب الكراهية للمدعو سقراط، منصة فيس بوك، 9/6/2025، شوهد في: 12/6/2025.
[4] ينظر على سبيل المثال: يوغيتا ليماي، بي بي سي ترصد الأجواء داخل أحد مراكز التسوية في دمشق، حيث سلّم المئات من جنود النظام السابق أسلحتهم، بي بي سي، 29/12/2024، جهان حاج بكري، بينهم نساء.. 27 ألف عنصر يسوّون أوضاعهم في اللاذقية وسط تسهيلات حكومية، تلفزيون سوريا، 25/4/2025، شوهد في: 11/6/2025.
[6] عمار يحيى، لا براءة للمجرمين.. مسؤول عملية التسوية في اللاذقية يوضح تفاصيلها، الجزيرة نت، 14/1/2025، شوهد في: 11/6/2025.
[8] كالاستدلال الدائم بقضية فتح مكة والعفو عن المحاربين، وعدم وجود قصاص أو ديات في القتال بين الجيوش.
[9] للتوسع ينظر: ينظر: د. احمد قربي ونورس العبد الله، التقرير التمهيدي: العدالة الانتقالية وأهمية إنضاج المقاربة السورية، مركز الحوار السوري، 26/12/2024. نورس العبد الله، التطبيقات العملية للعدالة الانتقالية: الدروس المستفادة من التجارب الدولية، مركز الحوار السوري، 11/2/2025، نورس العبدالله، العدالة الانتقالية في التجارب العربية وما يُستفاد منها في الحالة السورية، مركز الحوار السوري، 21/4/2025
[10] ا.م.د جميل حسين ضامن، أثر تدابير العفو على المسؤولية الجنائية الفردية في اطار القانون الدولي الجنائي، الجامعة العراقية  – كلية القانون والعلوم السياسية، أيلول، 2022.
[11] للتوسع ينظر: بن عطا بن علية، تدابير العفو كآلية للعدالة الانتقالية، جامعة محمد بسكرة، الجزائر، المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية، مجلد 5، العدد1، 1/6/2020.
[13] المرجع السابق.
[14] أدوات سيادة القانون لدول ما بعد النزاع لجان الحقيقة، مفوضية الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 2006، ص 12.
[15] ينظر على سبيل المثال: بيان ثوار حلب، شاهد عيان، منصة فيس بوك، 10/6/2025، شوهد في: 11/6/2025، بيان رقم / 6 / صارد عن لجنة العدلة الانتقالية والدفاع عن حقوق الإنساننقابة المحامين فرع حمص، 10/6/2025، شوهد في: 11/6/2025، اعزاز: وقفة احتجاجية للمطالبة بعدم الإفلات من العقاب، سوريا 24، 11/6/2025.
[16] على سبيل المثال يشار إلى: ثمة قاعدةٌ في التفكير الاستراتيجي السياسي تؤكدُ أن الانتقال السلس من نظامٍ شمولي إلى نظامٍ جديد، خاصةً في بيئة مدمرة وممزقة كسوريا، قد يتطلب “صفقات” معينة. هذه الصفقات قد تشمل التسامح مع بعض الشخصيات مقابل تفكيك آلة القمع بشكل أسرع وأقل كلفة بشرية. والهدف هنا هو تقليل الفوضى وتجنب حرب أهلية أطول وأكثر دموية.
ينظر: د. وائل ميرزا، فادي صقر بين مرارة الماضي وضرورات الحاضر في سوريا: تحليل سياسي وعسكري، معهد العالم للدراسات، 10/5/2025.
[17] للتوسع في قضايا المشاركة المجتمعية ينظر: كندة حواصلي، ما هو شكل المشاركة المجتمعية الذي يريده السوريون؟، 30/5/2025.
[18] ينظر: د. احمد قربي ونورس العبد الله، التقرير التمهيدي: العدالة الانتقالية وأهمية إنضاج المقاربة السورية، مرجع سابق.
[19] ينظر: نورس العبد الله، في سؤال الجدوى: الارتكاز على المسار والهيكل الواحد أم المتعدد للعدالة الانتقالية في سوريا؟،

باحث في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى