الإصداراتالتقارير الموضوعيةوحدة تحليل السياسات

ما بعد الأسد: مستقبل العلاقات السورية الصينية في نظام عالمي متحوّل

ملخص:

يستعرض هذا التقرير تحوّلات العلاقات السورية–الصينية في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، ضمن سياقٍ دولي يتّسم بتغيّر موازين القوى وصعود الصين التدريجي كقطب عالمي ينافس النفوذ الأمريكي.

يبدأ التقرير بتوضيح مكامن إمكانات الصين التي لم تعد اقتصادية فقط، بل باتت مدعومة بأدوات نفوذ عسكري وتكنولوجي تجعلها قادرة على التحدي، في وقتٍ تتآكل فيه الهيمنة الأمريكية تدريجيًا، ويشير إلى أن الصين تمكّنت من تقليص الفجوة مع واشنطن في مجالات التصنيع العسكري والفضاء والقدرة الإنتاجية، بل وتفوّقت في بعض الصناعات الاستراتيجية كالمعادن النادرة وبناء السفن، مما منحها ورقة قوة حقيقية في موازين القوى الجديدة.

ومع تراجع التركيز الأمريكي على الشرق الأوسط لصالح المحيط الهادئ، بدأت الصين تدخل المشهد الإقليمي بحذرٍ محسوب، وبرز ذلك بوضوح في وساطتها بين السعودية وإيران عام 2023.

وليس بعيداً عن المنطقة؛ لدى الصين علاقات متنامية عسكرية وتقنية مع باكستان التي عقدت دفاعاً مشتركاً مع السعودية مؤخراً، وتواجه باكستان الهند بدعم صيني وسعودي في الوقت الذي تدعم فيه “إسرائيل” الهند، ويتزامن الانخراط الصيني الحذر بتوجُّه عدد من دول المنطقة، مثل السعودية ومصر وتركيا إلى تنويع مظلاتها الأمنية بعيدًا عن الاعتماد الكامل على واشنطن، وهو ما تمظهر بشكل أكبر بعد الضربة “الإسرائيلية” لقطر.

وفي خضم هذه التحوّلات، تبدو سوريا الجديدة أمام خيارات متغيرة وغير مؤكدة على المدى الطويل. وتتجه العلاقات الصينية السورية الحالية إلى التحسُّن البطيء بالحدود الدنيا، وأظهرت الصين دعمًا سياسيًا مبدئيًا معلناً لسيادة سوريا، وأدانت التدخلات “الإسرائيلية”، ولكن انخراطها بقي حذرًا، وهو ما بدا في لقاء السفير الصيني بوزير الخارجية السوري، وفي تصريحات المندوب الصيني بالأمم المتحدة الذي استخدم مصطلح “السلطات السورية المؤقتة” بدل “الحكومة السورية”.
يحاول التقرير تحليل تأثر مسار العلاقات على المدى الطويل بفعل عدة عوامل، أهمها:

  • التهديد “الإسرائيلي” المتصاعد ومحاولة دمشق المحتملة لإيجاد مظلة ردع جديدة بالتنسيق مع الدول الإقليمية.
  • رغبة الصين في ربط سوريا بمشروع “الحزام والطريق” وتوسيع حضورها الاقتصادي، وزيادة انخراطها في المنطقة.

ويستعرض التقرير تحليلاً للمسارات المستقبلية المحتملة للعلاقات بين البلدين، ويختتم بالتأكيد على ضرورة أن يتابع المهتمون بالشأن العام مع صانع القرار السوري المشهد الدولي بوعيٍ استراتيجي، ومواكبة التحولات الكبرى عبر التنسيق بين المؤسسات الوطنية ومراكز الأبحاث لتحديث الإحاطات والمسارات المحتملة دورياً.

مقدمة:

في المشهد الدولي الراهن، تتنامى مكانة الصين لتصبح قوة محورية لا يمكن تجاهلها في الحسابات الاستراتيجية العالمية، وتتجه بكين للتحوّل من مجرد قوة اقتصادية إلى لاعب عسكري ودبلوماسي متنامي الحضور، فباتت تمتلك أسطولًا بحريًا ضخمًا، وتتوسع في قدراتها التكنولوجية، بما في ذلك المستخدمة للأغراض العسكرية[1]. من هذا المنطلق يبدو مفيداً أن نلقي نظرة على علاقات سوريا مع الصين بعد سقوط نظام الأسد، في ظل تصاعد التهديدات “الإسرائيلية” لسوريا، والاعتماد الأميركي الصريح على “إسرائيل” كحليف استراتيجي والانحياز الكامل لها.

كان لافتاً قيام الصين بعرض عسكري كبير، حضره الرئيس الصيني شي جينبينغ مع الرئيس الروسي بوتين وكيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية، والذي لم يكن مجرد استعراض للقوة؛ بل كان أيضاً رسالة ضمنية للغرب بأن محورًا مكونًا من هذه الدول قادرٌ على البدء بلعب دور موازٍ في العلاقات الدولية[2]، وقد تفاعل ترامب مع ذلك بتصريح يقول فيه إن هؤلاء “يتآمرون على الولايات المتحدة”[3]. كما أن الصين منذ البداية لم تكن بعيدة عن ملف أوكرانيا، حيث وثقت علاقتها بروسيا دبلوماسيًا واقتصاديًا بعد الحرب الأوكرانية، مما ساعد موسكو على تحمُّل شدة العقوبات الغربية ، وأظهر أن التوازن العالمي لم يعد أحادي الجانب[4].

الصين تُقلّص الفوارق مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات:

على الرغم من بقاء تفوّق الولايات المتحدة عالمياً، إلا أن هناك تسارعاً في تقليص الصين للفوارق بينها وبين الولايات المتحدة، لا بل وتفوقها في بعض الجوانب، فعلى مستوى السيطرة على الموارد الحيوية، فإن الصين تسيطر اليوم على نحو 70٪ إلى 80% من تعدين المعادن النادرة العالمية ذات الأهمية الكبيرة في التكنولوجيا الحديثة والصناعات الدفاعية وتفرض قيودًا تصديرية مشدّدة عليها[5]، مما يمنحها ورقة قوة استراتيجية في التكنولوجيا والتوازن الصناعي، ويعطي الصين فرصة لتكون قادرة على تعديل الكفة مستقبلاً[6].

وعلى الرغم من أن الفجوة التقنية والعسكرية بين الولايات المتحدة والصين لا تزال كبيرة، فإن هناك توافقًا متزايدًا بين الخبراء على أن هذه الفوارق بدأت تتقلّص بسرعة، فالصين لا تقتصر في مفارقتها على النوعية فحسب، بل تتفوّق أيضًا في القدرة الإنتاجية الكمّية، وهي ميزة حاسمة في الحروب المستمرة[7].

في هذا السياق، تُشير تقديرات بعض الخبراء إلى أن الإنتاج الصيني في مجالات المنصات الأساسية والذخائر يتجاوز بكثير ما تنتجه الولايات المتحدة، مما يضع خطة الحروب القصيرة أمام الولايات المتحدة في خانة المخاطرة، إذ إن القدرة على “التفجير الإنتاجي” هي عنصر حاسم في المواجهات الطويلة[8].

وبحسب تقارير أخرى، فإن الصين تفوّقت على الولايات المتحدة في بناء وتحديث مصانعها بسرعة بفضل اعتمادها الواسع على الأتمتة والروبوتات الصناعية، وهو ما سرّع إنتاج المعدات العسكرية والحديثة[9]، في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات في توظيف قوتها التكنولوجية دون أن تملك القدرة الصناعية الضخمة الضامنة لإنتاج كميات كافية من الذخائر والعتاد في الحروب الطويلة[10].

من جهة الفضاء، لاحظ قائد قوات الفضاء الأمريكية أن الفجوة التي كانت واضحة بين القدرات الفضائية الأمريكية والصينية بدأت “تتقلّص بشكل كبير”، وأن الصين أصبحت تمتلك شبكة أقمار استشعار وتحكّم أقوى ومتقدمة[11].

على صعيد الشحن البحري والإنشاءات البحرية، ذكرت تحليلات أن الصين تمتلك اليوم قدرة بناء بحرية تفوق بمقدار 200 ضعف ما تملكه الولايات المتحدة، أي أنها قادرة على بناء سفن الحماية أو السفن الحربية بشكل أسرع بكثير[12].

وقد أكدت تجارب الحرب الأوكرانية وغزة[13] أن المعارك في العصر الحديث ليست فقط سباقًا على التفوق التقني، بل هي سباق على القدرة على الإنتاج الكمي: استنزاف الذخائر والذخائر البديلة، وإعادة تعبئة الخطوط الخلفية، وإدامة الإمداد[14]. بينما الولايات المتحدة ما تزال تتفوّق في التكنولوجيا الدقيقة، إلا أن الفجوة في الإنتاج الكمّي تراجعت بشكل ملحوظ وتُعدّ الآن من المحاور التي تُقلِّل من قدرة التفوّق الأميركي، خاصة وأن هذا العامل الكمي كان عاملاً مهماً في تفوق الولايات المتحدة نفسها في الحرب العالمية الثانية.

ومن ناحية الإنفاق العسكري، شهد الإنفاق العسكري الصيني قفزة هائلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إذ ارتفع بما يزيد على 13 ضعفًا، ورغم أن حجم الإنفاق الدفاعي الصيني لا يزال يعادل نحو ثلث الإنفاق الأميركي، فإن بكين تعمل على تقليص هذه الفجوة بوتيرة سريعة، حيث تمكنت خلال الاثني عشر عامًا الماضية من خفضها إلى النصف تقريبًا، في مؤشر على تصاعد قدراتها الصناعية والعسكرية واستراتيجيتها طويلة المدى لتضييق الفارق مع الولايات المتحدة[15].

الصين وحضورها المتزايد في الإقليم:

مع تراجع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في الحسابات الأميركية نتيجة عوامل عديدة، أهمها تراجع أهمية النفط بالنسبة لها، وما نتج عن ذلك من انسحاب نسبي، وتحوّل التركيز إلى المحيط الهادئ، تتزايد فرص النفوذ الصيني في المنطقة، ويمكن ملاحظة التدخل الصيني البطيء والحذر في المنطقة، فمثلاً: وساطة الصين بين السعودية وإيران عام 2023، والتي مهدت لاتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية تُمثّل بصمة مرئية لتدخل بكين الحذر والتدريجي في شؤون الشرق الأوسط، وتجسد رغبة بعض الدول الإقليمية في تنويع مظلتها الأمنية بعيدًا عن الاعتماد الكامل على واشنطن.

في هذا السياق، تتحرّك دول الشرق الأوسط عموماً بتريّث وحسابات معقَّدة. فالدول الخليجية، خصوصًا السعودية، بدأت تفكر في تنويع خياراتها الأمنية بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، وبدأت ترنو نحو الصين كخيار بهدف تنويع العلاقات خاصة بعد الضربة “الإسرائيلية” على قطر[16]. ومؤخراً ترسّخت علاقة استراتيجية بين السعودية وباكستان. فقد وقّعت السعودية وباكستان اتفاقًا دفاعيًا يَعتبر عدد من المتابعين توقيته رداً على الضربات “الإسرائيلية” في قطر. والصين ليست بعيدة عن هذا الاتفاق لأن باكستان تعتمد اعتماداً كبيراً على الصين في المجال العسكري والتقني، وتعتبر أكبر مستورد للسلاح الصيني[17]، وفي شهر أيار / مايو الماضي، جرى اختبار أنظمة صينية متطورة (طائرات J-10C، دفاعات جوية) في النزاع مع الهند، وقد أظهرت هذه الأنظمة أداءً يُنافس أو يتفوّق على الأسلحة الغربية[18].

في المقابل، تحافظ الهند على شراكات دفاعية قوية مع “إسرائيل”، وبذلت تل أبيب جهودًا لتطوير طائرات مسيّرة وأنظمة متقدمة للتعاون مع نيودلهي[19]، مما يضع كلاً من السعودية و”إسرائيل” على طرفَي نقيض لما هو معروف من العداوة بين باكستان والهند، خاصة أن “إسرائيل” حاولت سابقاً إجهاض المشروع النووي الباكستاني[20]، وقد زاد تخوّف باكستان من تنامي العدوانية “الإسرائيلية” بعد الهجمات الأخيرة على إيران[21].

بدورها، بدأت مصر بالشعور بمخاوف متزايدة من السياسات “الإسرائيلية”، خاصة فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة[22]، وحديث نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى”[23]، وقد أظهرت مؤخرًا رغبة في تحالفات ومصادر بديلة للسلاح، وبشكل مثير للاهتمام تحدثت مصادر “إسرائيلية” عن نشر مصر لمنظومات سلاح جوي صينية حديثة في سيناء بعد الضربة “الإسرائيلية” على قطر[24]، بل وخطت مصر خطوة جريئة بتنظيم مناورات بحرية مشتركة مع تركيا بعد انقطاع طويل[25]، هي خطوة غير مسبوقة في ظل التوتر بين عموم دول المنطقة و”إسرائيل”.

في هذا المناخ، أصبحت فكرة “تنويع الغطاء الاستراتيجي” موضوعًا يُتداول بجدية في عموم المنطقة، وباتت الصين مرشحًا بارزًا لتكون شريكًا استراتيجيًا طويل المدى، ومن المحتمل أن هذا الانفتاح الإقليمي يمكن أن يفتح الطريق لسوريا بأن تجد في الصين خيارًا يساعدها في الحصول على دعم سياسي أو اقتصادي أو استثماري في المستقبل، ويتعلق هذا بعوامل عدة؛ أهمها مسار التعامل السوري مع “إسرائيل”، ومسارات وعلاقات الدول الإقليمية مع كل من الولايات المتحدة والصين، وسوف نناقش ذلك بشكل أكبر في السيناريوهات المستقبلية.

تقارب الصين الحذر مع سوريا الجديدة:

رغم التقدّم النسبي في العلاقات السورية–الروسية على الرغم من الثقل السلبي الكبير للدور الروسي الداعم لنظام الأسد تاريخيًا[26]، إلا أنّ العلاقات السورية–الصينية لم تشهد حراكًا مماثلًا بنفس الوتيرة. ولعلّ أبرز اتصال معلن بين الجانبين كان في 29 تموز/يوليو 2025 حين التقى السفير الصيني في دمشق، شي هونغوي، بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. خلال اللقاء أكد السفير دعم بلاده لسيادة سوريا ورفضه التدخُّلات الخارجية، ولا سيما “الإسرائيلية”، وهو ما لاقى ترحيبًا رسميًا في دمشق، غير أنّ الموقف الصيني، عند قراءته بدقة، يكشف عن حذر بالغ، إذ اكتفت بكين بالحد الأدنى من الانخراط الذي يضمن مصالحها دون الانجرار إلى التزامات سياسية أو أمنية عميقة[27].

يمكن أيضًا تلمُّس حدود الموقف الصيني من خلال خطاب المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، الذي حذّر من دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، خصوصًا الإيغور، واعتبر أن التغاضي عن وجودهم يشبه “تربية نمر قد ينقلب على صاحبه”، كما كان لافتًا أنه استخدم عبارة “السلطات السورية المؤقتة” بدلًا من “الحكومة السورية”، في إشارة محسوبة تعكس مسافة دبلوماسية واضحة[28].

العوامل المحرّكة لتطور العلاقات السورية الصينية:

تسعى هذه الفقرة إلى تحليل العوامل المحرّكة لتطوّر العلاقة في اتجاهَيها الإيجابي والسلبي، أي ما بين دوافع التحفيز ومعوّقات التقدّم.

قضية المقاتلين الأجانب:

تبدو قضية المقاتلين الأجانب، وخصوصًا عناصر الحزب الإسلامي التركستاني من الإيغور، واحدة من أبرز الملفات الخلافية بين الطرفين، فبكين تعتبر هؤلاء تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، إذ خرج الآلاف من إقليم شينجيانغ خلال العقد الماضي للقتال في سوريا، وهو ما يُثير خشية الصين من أن يتحوّل وجودهم إلى منصة تهديد داخلية مستقبلًا[29].

وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى نموذج تطوّر علاقات الصين مع أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على المشهد هناك، حيث تُظهر التجربة نموذجًا مفيدًا لفهم إمكانية تأثير المصالح الجيو-استراتيجية، لدرجة تجاوز قضايا أمنية حسّاسة. فقد طورت بكين علاقات متزايدة مع طالبان رغم وجود عناصر من جماعات مرتبطة بالحركة الإيغورية (East Turkestan Islamic Movement) داخل أفغانستان، حيث قدمت طالبان تعهّدات بعدم إيواء أو السماح بوجود مقاتلين يستهدفون الأمن الصيني[30]، لا سيما في المناطق الحدودية الحسّاسة. في المقابل ظهر اهتمامٌ صيني متزايد بالموارد المعدنية الأفغانية (لا سيما الليثيوم) كعامل اقتصادي استراتيجي[31]، ما دفع الصين إلى تقديم حوافز تجارية واستثمارية لطالبان مقابل ضمانات أمنية، ويضاف إلى ذلك التنافس الجيوسياسي الصيني مع الولايات المتحدة[32].

هذه الديناميكية ساعدت على تحسين العلاقات رغم الملفات الحساسة، وشكّلت نموذجًا يمكن الاستفادة منه عند توقع تطوّر العلاقات الصينية-السورية، فالمصلحة الجيو-استراتيجية والفرص الاقتصادية قد تفرضان منطقًا تفاوضيًا عمليًا يسمح بتجاوز خلافات أمنية أو إدارتها بأسلوب متفق عليه، لا سيما أن سوريا أبعد جغرافيًا عن الصين من أفغانستان ولا ترتبط بحدود معها كما هو الحال لأفغانستان، ما يقلّل احتمالية تعرّض بكين لتهديد مباشر من انتقال مقاتلينٍ معادين، لا سيما مع أهمية سوريا في مبادرة الحزام والطريق، واحتمال وجود مخزونات في سوريا للمعادن النادرة[33].

استفحال التهديد “الإسرائيلي”:

يتفاقم التهديد الأمني على سوريا مع استفحال النزعة التوسُّعية للحكومة “الإسرائيلية” المتطرفة، التي لا تُخفي أجندتها التقسيمية لسوريا، بل والاحتلالية على المدى البعيد. في ظل هذا الواقع وتزامناً مع الانحياز الأمريكي الكامل لـ”إسرائيل”، قد يُفسَّر الموقف الأمريكي على أنه عجز أو عدم رغبة في لجم “تل أبيب” ومنعها من المضي في مخططاتها.

وبناءً على هذا القصور في توفير الغطاء الأمني الغربي، من المتوقع أن تندفع سوريا للبحث عن مظلات حماية بديلة، وعلى رأسها المظلة الصينية، لاسيما في القطاعات الدفاعية والتقنية شديدة الحساسية، وسوف تتركز الحاجة السورية بشكل خاص على تعزيز منظومات الدفاع الجوي والطائرات، بالتوازي مع سعي إقليمي للتحالف في ذات الاتجاه.

يُعزز هذا التوجه التطور الملفت لأداء التكنولوجيا العسكرية الصينية؛ فقد أثبتت بكين قدرتها على المنافسة في تصنيع طائرات وأنظمة دفاع جوي فعالة، كما ظهر في مثال الحرب الباكستانية-الهندية الخاطفة التي أوردناها سابقاً، مما يدعم قناعة دمشق بإمكانية التعويل على الصين كشريك استراتيجي يمتلك أدوات ردع تكنولوجية موازية.

العوامل الاقتصادية المتشابكة مع التنافس الجيوسياسي:

تسعى الصين إلى تعزيز حضورها في الشرق الأوسط في إطار مشروعها “الحزام والطريق”، وتعتبر سوريا موقعًا استراتيجيًا يخدم هذا التوجه، مما يدفع الصين إلى السعي لربط إيران بالعراق وسوريا عبر إنشاء بنى تحتية من طرق وسكك حديدية وموانئ بحرية[34]، كما تطمح بكين إلى إيجاد موطئ قدم إضافي في ساحة تتنافس فيها مع الولايات المتحدة وروسيا، بما يتيح لها موازنة النفوذ الإقليمي. ومع عودة العلاقات السورية–الأمريكية بشكل جزئي، تريد الصين ضمان ألا تتحوّل سوريا بالكامل إلى ساحة نفوذ غربي[35].

هذا التوجه يتماشى مع خطاب بكين التقليدي الرافض للتدخُّلات الخارجية في شؤون الدول، ومع رغبتها في تجنّب فتح ملفات حساسة قد تُستخدم ضدها، وهو ما يتقاطع مع خطاب الإدارة السورية الجديدة حول فرض السيادة الوطنية، وعلى الضفة الأخرى قد ترى دمشق أن العلاقة مع الصين تحمل قيمة اقتصادية ذات أولوية للمرحلة الانتقالية، إذ يمكن أن توفّر لبنات أساسية لإعادة الإعمار من خلال الاستثمارات والتمويل، فضلًا عن تعزيز الشرعية الدولية عبر تعزيز العلاقة مع قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي تمتلك حق النقض (الفيتو)، كما يتيح الانفتاح على بكين تنويع التحالفات وتخفيف الاعتماد المفرط على روسيا أو الغرب[36].

أبرز المسارات المحتملة للعلاقة الصينية السورية:

من الصعب الحديث عن جميع المسارات المحتملة لمثل هذه العلاقة على المدى البعيد، نظراً لاحتمالات تعدُّد المسارات نتيجة المتغيرات المتسارعة، فقبل أقل من سنة من الآن، تناولنا في تقرير سابق العلاقة السورية الصينية[37]، ولكننا نرى المشهد مختلفاً جذرياً اليوم، يمكن الحديث عن مسار محتمل مُرجَّح ضمن الوضع الحالي، وهو المسار المحافظ الذي يعني النمو البطيء للعلاقات واستمرارها وفق نمطها المشاهد حالياً، لكن أي تغيُّرات متسارعة كبرى دولياً وإقليمياً قد تؤدي إلى الدخول في المسارات الأخرى، خاصة على المدى البعيد، والتي سنحاول الإضاءة عليها في السطور القادمة.

 التحسّن بعيد المدى في العلاقات الصينية-السورية في سياق التحوّل الجيوسياسي العالمي:

يُعدّ هذا السيناريو من السيناريوهات طويلة الأمد التي تفترض أن العلاقة بين سوريا والصين قد تشهد تحسّنًا تدريجيًا ملموسًا على المدى البعيد، لا نتيجة مبادرة ثنائية مباشرة فحسب، بل كجزء من إعادة تشكيلٍ أوسع للعلاقات الإقليمية والدولية، ويعتمد هذا السيناريو على أن بكين تسعى إلى ترسيخ حضورها في الشرق الأوسط كقوّة متوازنة مع واشنطن نتيجة تغيُّر الموازين العالمية باتجاه التعددية القطبية، في حين تبحث دمشق عن شريكٍ دولي يمكنه دعم مشاريع إعادة الإعمار وتوفير مظلة سياسية، ودعم تقني عسكري لتعزيز منظومة الدفاع السورية في وجه تزايد الاعتداءات “الإسرائيلية”.

وفي هذا المسار، لا يأتي ازدهار العلاقات نتيجة للحاجة الثنائية بين الطرفين، بل قد يأتي تبعًا لتغيُّر الرياح الإقليمية وتحسّن العلاقات الصينية مع حلفاء دمشق الإقليميين مثل تركيا والسعودية. فهذه الدول تشترك اليوم في نزعة تنويع التحالفات وتخفيف الارتهان للغرب، مدفوعة بالحاجة إلى التكنولوجيا الصينية، والبنية التحتية الرقمية، وبناء القدرات الدفاعية وسط تراجع الالتزامات الدفاعية لواشنطن تجاه حلفائها. ولذلك فإن تقدّم العلاقات الصينية مع هذه الدول سيؤدي غالباً إلى إيجاد مناخ إقليمي أكثر ملاءمة لتقاربٍ سوري-صيني؛ سواء في مجالات اقتصادية (الطاقة، المعادن، المرافئ) أو في المجالين الدبلوماسي والأمني.

ولتوضيح احتمالات هذا المسار وكيفية متابعته مراقبته، نضع بعض أهم المحركات الدافعة أو الكابحة له.

المحرّكات الدافعة للمسار:

  1. استمرار العدوان “الإسرائيلي” بل وتطوره وتصاعده دون رادع أميركي، خاصة في ظل وجود الحكومة المتطرفة الحالية، والتي يتحدث بعض أعضائها عن أن دمشق جزءٌ من “إسرائيل الكبرى”[38] ما يدفع سوريا إلى البحث عن توازن ردع من خلال الشراكة مع الصين وروسيا.
  2. تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وانشغال واشنطن بصراعات داخلية ومسرحَي آسيا وأوروبا[39]، وهو ما يمنح الصين مجالًا أوسع لإعادة التموضع والانتشار.
  3. النمو المتسارع للدور الصيني عالميًا، وتضييق الفجوة مع الغرب في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والذكاء الصناعي.
  4. تآكل الثقة السورية بالولايات المتحدة والغرب عموماً في حال الفشل في الحد من “العدوان الإسرائيلي” أو وقف دعم الجماعات الانفصالية في شمال شرق وجنوب سوريا

الكوابح المثبطة للمسار:

  1. التحسّن المُطّرد في العلاقات السورية-الأميركية بالتوازي مع وصول دمشق و”تل أبيب” إلى تفاهم أمني بوساطة أميركية ملزمة لـ”إسرائيل”، يحفظ الحد الأدنى على الأقل من السيادة السورية ويقلل الحاجة إلى تحالفات بعيدة.
  2. تغيرات في أولويات واشنطن، وعزمها على الحد من النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وتقوية التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها ولجم “إسرائيل” عن سياساتها الهوجاء، وهو ما يمكن ملاحظة كمون ناشط له من خلال الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بحماية قطر بعد الضربة التي تعرّضت لها من “إسرائيل”[40]، ومدى الالتزام بتنفيذه بالفعل، وهو أمر يبقى محلّ شك باعتبار عدم اليقين والثبات التي بات يُميّز السياسة الأمريكية، والتي يغلب عليها الانكفاء والتخلي عن التزاماتها تجاه حلفائها عموماً.
  3. نجاح إدارة ترامب في احتواء تطرُّف حكومة نتنياهو وإنهاء حرب غزة[41]، وهو ما نرى بعض ملامحه اليوم، وفي حال نجاحه، يمكن أن تنعكس ذات الآلية والقدرة الأمريكية على لجم “إسرائيل” وتطرفها في سوريا.

يبقى هذا السيناريو مرهونًا بعدد كبير من المتغيّرات المتداخلة، ويُلاحظ أن خريطة التحالفات العالمية لم تعد تُحدَّد بالتصنيفات التقليدية المتأثرة بالأيديولوجيات التي سادت خلال الحرب الباردة؛ فبينما كان الاتحاد السوفيتي يدعم الأنظمة الشيوعية والمعادية للدّين عموماً، وكانت الولايات المتحدة تدعم أحياناً التيارات الإسلامية لمواجهة الشيوعية فيما عُرِف بـ”إستراتيجية “الحزام الأخضر”[42]، تبدّل هذا التموضع اليوم: إذ باتت الصين وروسيا تقيمان علاقات وثيقة مع حركة طالبان رغم عدائهما التاريخي لها أو لبذورها (المجاهدين الأفغان)، في مشهد يعكس براغماتية المصالح على حساب الأيديولوجيا.

المسار المعاكس: توتر سوري-صيني تحت مظلة تقارب أمريكي-سوري:

تقوم الفرضية المركزية لهذا المسار على أنّه إذا نجحت واشنطن في إعادة التموضع الاستراتيجي في المشرق والخليج العربي، بالتزامن مع توفير غطاء أمني حاسم، فقد تختار دمشق تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل كبير، وذلك بالتزامن مع زيادة التوترات الدولية والعالمية والعودة إلى ديناميات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، حيث انخرطت عدد من الدول العربية وتركيا في الوقوف في وجه المعسكر الشرقي بشكل عام، وفي هذه الحالة ليس من المستبعد أن يتم توظيف ورقة المقاتلين الأجانب من الأقليات الصينية (كالإيغور مثلاً) ضد بكين في سياق التنافس الجيوسياسي المتصاعد، وذلك عبر محاولة تحويل التهديد الداخلي إلى ورقة ضغط خارجية على غرار سوابق تاريخية معروفة.

يتشابه هذا السيناريو تحليلياً مع استثمار الولايات المتحدة في دعم المقاتلين العرب والإسلاميين في أفغانستان خلال الحرب الباردة، بهدف استنزاف الاتحاد السوفيتي وإثارة الاضطرابات في خاصرته الجنوبية. وبشكل أقرب زمنياً وأكثر تحديداً، يذكّرنا ذلك بالتقارير التي تحدثت عن محاولة تسهيل انتقال مقاتلين شيشانيين وروس من مناطق مثل إدلب للقتال ضد القوات الروسية في أوكرانيا[43]، بهدف نقل الصراع إلى العمق الروسي وتشتيت جهود موسكو.

وفي هذا السياق، يُلاحَظ أن الولايات المتحدة كانت قد رفعت اسم “الحزب التركستاني الإسلامي” من قائمة الإرهاب في عام 2020، في رسالة تمت قراءتها في إطار التنافس السياسي بين الصين والولايات المتحدة، مما يعني أن الولايات المتحدة قد تنوي استخدام هذه الورقة لاحقاً ضد الصين بشكل ما[44].

المحرّكات الدافعة للمسار:

هذا المسار يتغذّى على سلسلة من التطورات المتشابكة التي تُضعف رهان دمشق على الصين:

  • تحسّن العلاقة السورية-الأمريكية كبديل عملي: يبدأ التحوُّل بتحسّن كبير في العلاقة الثنائية، وهو أمر يتطلب أساساً متيناً: رعاية أمريكية لاتفاق أمني سوري-“إسرائيلي”، وتلزم “إسرائيل” به، مع السماح لسوريا بتطوير قوتها بحدود مُعيّنة تسمح بعمل ردع ذاتي أيضاً، هذا الاتفاق -إن تحقق- سيضبط قواعد الاشتباك القائمة حالياً ويفرض حداً أدنى من الردع يحفظ السيادة السورية، بالتزامن مع وقف أو خفض كبير لدعم واشنطن و”تل أبيب” للأطر الانفصالية في شمال شرق وجنوب سوريا. يهدف هذا الإجراء إلى وضع ترتيبات أمنية معقدة تُرضي دمشق وتُطمئن تركيا في آن واحد.
  • إعادة بناء “القبضة التنظيمية” الأمريكية: يتزامن هذا التقارب مع إعادة هيكلة “لروح الردع” في المنطقة، مع توجه هجومي وإصلاحي. سيكون تركيزه موجَّهاً نحو تأمين الخليج، وخطوط الطاقة، والممرات المائية الحيوية. والأهم أن هذه القبضة الجديدة تتضمن ضبطاً أكثر صرامة للسلوك “الإسرائيلي” لضمان عدم إضراره بمصالح واشنطن مع حلفائها في المنطقة. هذا الضبط الأمني يُضعِف في الوقت نفسه الدوافع السورية والإقليمية للتعويل على الصين لبناء قوة ردع، على اعتبار أن سوريا ستكون جزءاً من محور حلفائها (تركيا – السعودية – قطر).
  • تصاعد التنافس الأميركي-الصيني المباشر: مع تحوّل تركيز واشنطن نحو منافسة القوى العظمى تسعى لتقليص هوامش النفوذ الصيني في المشرق، بما يشمل مبادرة الحزام والطريق (BRI) والبنية التحتية الرقمية والموانئ. وتستخدم واشنطن أدوات ضغط ذكية لتعقيد المسار الصيني، ومنها الممر الاقتصادي بين الهند إلى الشرق الأوسط، والذي اعتُبر مبادرة أمريكية لإجهاض مشروع الحزام والطريق[45].

الكوابح المثبطة للمسار:

بشكل معاكس للمسار السابق فإن أبرز مُثبّطات المسار الحالي هي:

  • الفشل الأمريكي في لجم العدوان “الإسرائيلي”.
  • الانخراط الصيني بشكل أكبر في ديناميات الشرق الأوسط نتيجة لزيادة التوترات العالمية.
  • زيادة اعتماد الدول الإقليمية على المظلة الصينية لحماية أمنها، كتركيا، ودول الخليج.

المسار المحافظ: النمو البطيء والحذر في العلاقات دون تطوّر نوعي

يُعد هذا المسار هو الأكثر ترجيحاً في ظل الديناميكيات الحالية للمنطقة (القابلة للتغيير بشكل كبير بدورها بسبب طبيعة المنطقة)، حيث تسعى دمشق للحفاظ على توازن دقيق في العلاقات، مع تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب بشكل رئيسي.

ويبدو أن دمشق لا تزال تُعوّل على إمكانية تحقيق اختراق عبر الضغط الأمريكي والغربي، بالتعاون مع تركيا وبعض الدول العربية، بما يؤدي إلى لجم “عربدة إسرائيل” ووقف عدوانيّتها، وصولاً إلى اتفاق أمني يضبط قواعد الاشتباك ويمنع تحرُّكات توسعية “جنونية” لحكومة نتنياهو لتحقيق أحلام “إسرائيل الكبرى”.

وتتجنّب دمشق أي تعاون مع الصين يقع “خارج السياق أو الخطوط الحمراء” الأمريكية، خاصة في المجالات التقنية والعسكرية الحساسة. ومع ذلك، فإنها في الوقت ذاته لا ترغب في إغضاب بكين، مما يفرض عليها تبني سياسة “الحياد الإيجابي” بين المعسكرات المتنافسة.

يُرَجَّح هذا السيناريو بدرجة كبيرة حتى في حال ازدياد التوتر بين المعسكرين الشرقي والغربي (إذا صح التعبير). وفي هذه الحالة، ستُحاكي دمشق النهج الذي اتبعته تركيا والسعودية تجاه الصراع الروسي-الأوكراني؛ حيث نأت هاتان الدولتان بنفسيهما عن ديناميكيات الحرب الباردة، ولعبتا أدواراً وساطة، وعوّلتا على تقوية موقفهما ذاتياً نتيجة شعورهما بـضعف وعدم ثقة بالغطاء الأمني الأمريكي، وهو ما يُشكّل المسار الأكثر استدامة لسوريا في الوقت الراهن، ومن المتوقع أن تلعب الدول الإقليمية ذات الدور في حال ازدياد الاستقطاب والتنافس العالمي.

خاتمة:

من المهم لصانع القرار السوري وكذلك للمتابعين والمنخرطين السوريين في الشأن العام، متابعة المشهد الدولي والإقليمي بدقة، نظرًا لتشابك الملفات وترابطها، فـ”سوريا الجديدة” باتت تواجه انتهاكات “إسرائيلية” شبه يومية، إلى جانب التدخلات “الإسرائيلية” السلبية في دعم الحركات الانفصالية، فضلًا عن استمرار الاحتلال “الإسرائيلي” لأراضٍ سورية وإقامة قواعد عسكرية، خصوصًا بعد احتلال أراض جديدة جنوب البلاد.

وعلى الرغم من أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة وما شهدته من تحولات إيجابية نسبيًا، مثل رفع جزء من العقوبات عن سوريا، إلا أن الانحياز الأمريكي المطلق لـ”إسرائيل” يفرض ضرورة العمل على تنويع الشراكات الدولية وموازنتها، خصوصًا في ظل تنامي التطرف والعدوانية “الإسرائيلية”[46].

ومن الطبيعي أن يتناغم أي حراك سوري لتعزيز العلاقة مع الصين مع التوجهات الإقليمية لدول كالسعودية وتركيا، وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى أخذ مصالح هذه الدول بعين الاعتبار عند صياغة أي قرار داخلي، بما في ذلك القضايا الحساسة مثل ملف تجنيس المقاتلين الأجانب، لما له من تداعيات إقليمية ودولية مباشرة[47].

ويمكن وضع توصيات أساسية لصُنّاع القرار والمتابعين والمنخرطين في الشأن العام السوري مثل:

مراقبة المشهد الدولي بدقة: يجب إدامة مراقبة المشهد الدولي والإقليمي عن كثب نظراً للترابط الحاد بين الملفات.

التنسيق بين الفعاليات الحكومية والأهلية الوطنية: عبر تعزيز التواصل والتنسيق الفعّال بين وزارة الخارجية ومراكز الدراسات والأبحاث لمتابعة المشهد، وتوفير تحليل استراتيجي متكامل، مع إشراك للنخب والتيارات السياسية في إثراء الحوار والنقاش بعيداً عن المضي قدماً في خيارات استراتيجية دون نهج تشاوري موسَّع.

تحديث وتحليل السيناريوهات: المراقبة المستمرة لـ المحركات والمثبطات لمختلف السيناريوهات الجيوسياسية وتحديثها دورياً، والتعمق في تحليل نقاط التحول المحتمل، وتشجيع طلبة العلوم السياسية والجامعات على البحث في السياسة الدولية والإقليمية إلى جانب المحلية، وتثقيف الشارع السوري بالتوازي مع انخراط النخب والتيارات السياسية في إثراء المناخ السياسي القادر على توليد قرار رشيد في السياسات الداخلية والخارجية.


[1] Palmer, Alexander, Carroll, Henry H., Velazquez, Nicholas. Unpacking China ’s Naval Buildup, CSIS, June 5, 2024.
[2] لست وحدك في الكون: رسالة العرض العسكري، الجزيرة، 4 أيلول/سبتمبر 2025.
[5] ما هي المعادن النادرة ولماذا تقع في قلب الحرب التجارية؟، الشرق، وقد قيدت الصين تصدير الكثير من المواد التي تحوي تلك المعادن مما أثر على الشركات الأمريكية وغيرها، واستخدمت هذه كورقة في التفاوض بين الصين والولايات المتحدة، ينظر: أربع حقائق حول حجب الصين «المعادن النادرة» عن التكنولوجيا الأمريكية، البيان، السبت 11 تشرين الأول / أكتوبر 2025.
[6] من المفيد الإشارة إليه في هذا السياق، أن إفريقيا تُعدّ اليوم الخزان الأكبر للمعادن النادرة في العالم، إذ تمتلك نحو 30٪ من احتياطاتها العالمية، وتتمتع كذلك بموارد بشرية وأسواق نامية ضخمة. وقد وسّعت الصين نفوذها عبر سياسة “القروض مقابل الموارد” واستثمارات البنى التحتية، ما مكّنها من السيطرة على سلاسل الإمداد والتكرير للمعادن الحيوية مثل الكوبالت والليثيوم. بالمقابل، يتراجع الحضور الأميركي التقليدي نسبيًا رغم مبادرات جديدة لمحاصرة النفوذ الصيني عبر شراكات التعدين والطاقة. ويُعزّز الخطاب الصيني المناهض للاستعمار من شعبيتها في دول الجنوب، وخاصة أفريقيا، التي ترى في الصين شريكًا بديلًا عن القوى الغربية.
ينظر:
نفوذ الصين يتصاعد في أفريقيا وسط ارتباك أميركي، الجزيرة، 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025.
[8] Industrial Roadblocks – Producing at Scale and Adopting New Technologies” (CSIS), September 16, 2025, Center for Strategic and International Studies.
[10] America’s Scale Problem, Mohammed Soliman – Foreign Policy Research Institute (FPRI), October 2025.
[13] منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 بدأت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بكميات كبيرة من الذخائر والصواريخ الموجّهة، شملت آلاف القنابل الثقيلة من طراز 2000 رطل وأنواعًا مختلفة من الذخائر الدقيقة. وقد اعتبرت تحليلات غربية أن العمليات “الإسرائيلية” استنزفت مخزونًا مهمًا من الذخائر، ما دفع تل أبيب لطلب إمدادات عاجلة من واشنطن وحلفائها. وأثار هذا التدفق المتواصل قلقًا داخل البنتاغون والكونغرس بسبب السحب من المخزون الأميركي الاستراتيجي وتأثيره على قدرات الإمداد في ساحات أخرى كأوكرانيا.
ينظر:
[14] نقص الذخيرة يخيّم على تحركات روسيا وأوكرانيا، الجزيرة، 2 نيسان/أبريل 2023.
[15] تحليل.. ماذا تعلمنا من العرض العسكري الصيني وملاحظات الخبراء؟، سي إن إن العربية، 3 أيلول/سبتمبر 2025.
[16] أشارت عدة تحليلات ورؤى لخبراء إلى أن الضربة “الإسرائيلية” على قطر تُعد “كارثة لنفوذ الولايات المتحدة في الخليج” وأن الصين تتمدد كمورد رئيسي للأسلحة والاستثمار، مما قد يجعل بعض الدول الخليجية تنظر إليها كمظلة بديلة على المدى البعيد، ينظر:
[17] في خلفية التحالف السعودي الباكستاني، تبرز الصين كلاعب ثالث غير معلن، لكنه حاضر بقوة من خلال دعم عسكري وتكنولوجي متصاعد لإسلام آباد، التحالف السعودي الباكستاني.. هندسة أمنية جديدة ومظلة نووية ضمنية بالخليج، الجزيرة، 21 أيلول/سبتمبر 2025.
بلومبيرغ: السلطات الصينية ارتفعت، الجزيرة، 14 أيّار/مايو 2025.
[20] كيف نجا نووي باكستان من مخططات إسرائيل والهند؟، الجزيرة، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
[21] ومنذ الهجمات “الإسرائيلية” على إيران فجر الجمعة الماضي، يتداول باكستانيون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقابلة مع نتنياهو تعود إلى عام 2011، يقول فيها إن إيران وباكستان تشكّلان تهديدًا لإسرائيل، وإن إسلام أباد ستكون الهدف التالي بعد طهران، وإن مهمته الكبرى هي منع الأنظمة الإسلامية من الحصول على الأسلحة النووية، ينظر: مصير النووي الإسلامي.. هل تكون باكستان الهدف التالي لإسرائيل؟، العربي الجديد، 10 أيار/مايو 2024.
[22] السيسي: تهجير الفلسطينيين تهديد للأمن القومي لدول المنطقة، سكاي نيوز عربية، 15 أيلول/سبتمبر 2025.
[25] بدورها، وفي رد على ذلك، قامت “إسرائيل” بتسليم منظومات دفاع جوي متقدمة إلى قبرص، ينظر: تدريبات مصرية تركية وتحرك إسرائيلي.. إلى أين تتجه المنطقة؟، سكاي نيوز عربية، سكاي نيوز عربية، 24 أيلول / سبتمبر 2025.
[27] تقييم موقف الصين المتغيّر تجاه سوريا، مجلس الشرق الأوسط  14 آب/أغسطس 2025.
[28] المرجع السابق.
[30] يقول مصدر في الخارجية الأفغانية للجزيرة نت “بعد وصولنا إلى السلطة، قدّمت السلطات الصينية تقارير عن وجود مسلحي الإيغور، وبعد فترة تيقنا من صحة التقارير، وعلمنا أن دولة ثالثة حاولت التأثير على موقف الصين من الحكومة الجديدة، لكننا أثبتنا للصين أننا ملزمون بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضدهم، وهم يدركون ذلك”، ينظر:
الصين تستقبل سفير أفغانستان.. هل هذا اعتراف بحكومة طالبان؟، الجزيرة، 31 كانون الثاني/يناير 2024.
[31] ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن الطلب العالمي على الليثيوم سيزداد 40 ضعفا خلال الـ20 سنة المقبلة، لذا بادرت الصين بإقامة علاقات واسعة مع حركة طالبان لاستغلال الموارد الطبيعية في أفغانستان لاسيما الليثيوم، المرجع السابق.
[32] تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا عن ضرورة استعادة قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها. ونقلت وسائل إعلام أن مصدرًا حكوميًا أفغانيًا أوضح أن الهدف من إعادة السيطرة على القاعدة هو تمكين الولايات المتحدة من مراقبة الصين، نظرًا إلى أن القاعدة تقع على مسافة قريبة نسبيًا من الحدود الصينية، إضافة إلى متابعة موضوع المعادن النادرة.
ينظر:
 ترامب: إذا لم تُعد أفغانستان قاعدة باغرام إلينا فستحدث أمور سيئة، الجزيرة، 21 أيلول/سبتمبر 2025.
 سر نووي خلف قاعدة باغرام الجوية.. لماذا يريدها ترامب؟، سكاي نيوز عربية، 21 أيلول/سبتمبر 2025.
[33] هناك معادن نادرة في سوريا، ولكن نسبها وإمكانية الاستثمار فيها لا تزال غير مؤكدة، وتتحدث بعض التقارير عن وجودها، وتحدثت بعض المصادر الإعلامية أن الإدارى السورية الجديدة ناقشت مع الأمريكان إعطائهم صفقة استثمار في المعادن بشكل مشابه لما فعله الأوكرانيون، ينظر:
[34] وذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي تعرف أيضاً بطريق الحرير الجديد، هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، وفي قمة العشرين في عام 2023، تم الإعلان عن مشروع أمريكي اعتبر مضاداً ومنافساً لهذا المشروع، ويتجلى بذلك التنافس الأمريكي الصيني في الربط التجاري بين البلدان، ينظر:
محمد سالم، نظرة على السياسة الصينية تجاه القضية السورية ومستقبلها، مركز الحوار السوري، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
[36] المرجع السابق.
[37] محمد سالم، نظرة على السياسة الصينية تجاه القضية السورية ومستقبلها، مركز الحوار السوري، 25 نوفمبر 2024.
[38] قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وكان حينها عضوا في الكنيست (البرلمان)، في مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية إن “حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وإن على إسرائيل الاستيلاء أيضا على الأردن”، ينظر:
من هرتزل إلى سموتريتش.. أوهامإسرائيل الكبرىتراود قادة تل أبيب، الجزيرة نت،12 تشرين الثاني/ أكتوبر 2024.
[39] خليج فنلندا.. بؤرة تهدد بإشعال حرب عالمية ثالثة، العين الإخبارية، 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2025.
[40] أمر تنفيذي لترامب: ضمان أمن قطر من أي اعتداء مسلح، The Cradle Arabic، 29 أيلول/سبتمبر 2025، لكن في ذات الوقت، كان هنالك تصنيف سابق من بايدن لقطر على أنها حليف رئيسي خارج الناتو، ثم حدثت ضربة قطر، والحقيقة أن الالتزامات الأمريكية على المحك اليوم حتى مع النانو في أوروبا في مواجهة روسيا، بايدن يصنف قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج الناتو، CNN Arabic، 10 مارس/ آذار 2022.
[43] المجموعات السلفية الشيشانية والقوقازية تهجر إدلب..إلى أوكرانيا، المدن، 13 يناير/ كانون الثاني 2023.
[44] المرجع السابق، وينظر أيضاً: د. ناصر الزيادات، قضية الإيغور.. كيف يدرأ المسلمون كيد السياسة الأمريكية؟، الجزيرة نت، 12 يناير/ كانون الثاني 2020.
[46] تتحدث بعض النخب المطلعة عن ضرورة الحذر من الموقف الأمريكي وتعقيداته، ينظر على سبيل المثال:
الناشطة السياسية فرح الأتاسي تدعو الحكومة السورية للتعامل بحذر مع الموقف الأميركي، “التودد الأميركي تجاه سوريا قد يكون فخاً“، بودكاست دفين، تلفزيون سوريا.
[47]وهو ما أشرنا له سابقاً من ضرورة أخذ اعتبارات عديدة عند صناعة السياسة الخاصة بهذا الأمر، ينظر:

باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى