الإصداراتالتقارير الموضوعية

نظرة على العلاقات الروسية السورية في ضوء زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريّين إلى موسكو

تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

ملخص:

تسعى دمشق الجديدة إلى تحييد موسكو عن أدوار سلبية مارستها سابقاً، لا سيما في دعم الفلول أو “قسد”، وذلك من خلال تبنّي مقاربة براغماتية تُبقي على قنوات الحوار والمصالح المشتركة، وتجد هذه السياسة صداها في التنسيق المتزايد مع أنقرة التي تتقاطع مصالحها مع دمشق في الحدّ من نفوذ “قسد” شرق الفرات، وفي الحفاظ على قنوات حوار مفتوحة مع موسكو، في وقت تشهد فيه العلاقة الروسية–الغربية احتداماً متصاعداً بسبب أوكرانيا.

رغم تأكيد القيادة السورية الجديدة على عدم الرغبة في إخراج روسيا من المشهد كلياً، فإنها تسعى لإعادة تعريف العلاقة معها من خلال مراجعة الاتفاقات الموقّعة بعد 2015، وتقييد الوجود العسكري الروسي في القواعد الساحلية ضمن أطر سيادية، وضمان ألا يُستخدم هذا الوجود كورقة ابتزاز سياسي أو أمني.

في المقابل، تواصل موسكو الاستثمار في علاقتها مع “قسد” كمصدر نفوذ بديل شرق الفرات، ما يجعل العلاقة مع دمشق محكومة بتوازنات دقيقة، إذ إن أي انحياز روسي صارخ لصالح “قسد” أو الفلول قد يدفع الحكومة السورية الجديدة إلى اتخاذ مواقف أكثر حدّة تجاه موسكو، وهو سيناريو يبدو مستبعداً في المدى القريب نظراً لانشغال روسيا في أوكرانيا، وحاجتها إلى شركاء إقليميين مستقرين.

ختاماً، توحي مؤشرات الزيارة بأن العلاقات السورية–الروسية تدخل مرحلة إعادة تشكيل، لا تقطع مع الماضي، لكنها تسعى لإعادة تعريفه ضمن أولويات سيادية ووطنية سورية، وبما يضمن توازن المصالح في بيئة إقليمية شديدة التعقيد، ومن المرجح أن تبقى هذه العلاقة رهناً بقدرة الطرفين على إدارة ملفات التوتر، خاصة تلك المرتبطة بـ”قسد”، ومصير الفلول، ودور روسيا في الترتيبات الأمنية مع “إسرائيل”.

مقدمة:

قام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بزيارة موسكو، ثم لحق به وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وكان لافتاً استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشيباني، في خطوة اعتُبرت دلالة على أهمية الزيارة، خاصة أن العرف الروسي لا يشمل عادة استقبال الرؤساء للوزراء[1].

نحاول في هذا التقرير المقتضب تسليط الضوء على العلاقات الروسية السورية بعد سقوط نظام الأسد، وصولاً إلى هذه الزيارة، مع محاولة استشراف مستقبل العلاقات السورية الروسية.

قراءة الزيارة في سياق أوسع:

عند محاولة فهم الزيارة وسياقها الأوسع المرتبط بالعلاقات السورية الروسية، يمكننا أن نقف عند عدد من النقاط الأساسية، والتي نُركّز فيها على محطات مفصليّة، منذ ما قبيل سقوط النظام وصولاً إلى الزيارة وما رشح عنها، أبرزها:

التنسيق الروسي التركي قبيل إسقاط النظام: من المعروف أن التنسيق بين روسيا وتركيا في سوريا بدأ مُبكّراً في عام 2016، بعد محاولة رأب الصدع بين الطرفين في أعقاب حادثة إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015، وازداد عمقًا بعد محاولة الانقلاب في تركيا. ولعب مسار أستانا دورًا رئيسيًا في هذا التنسيق، وكان واضحًا خلال المعارك الأخيرة التي أدت إلى إسقاط نظام الأسد أن الأداء الروسي في دعم الأسد كان محدودًا، حيث تراجعت فعالية الضربات الروسية الدقيقة بسبب نقص الذخائر النوعية نتيجة الحرب في أوكرانيا، مما جعل روسيا تعيد تقييم كلفة الدفاع عن الأسد. ووفقًا لتصريحات وزير الخارجية التركي، فقد تم إقناع روسيا وإيران بعدم المضي في الدفاع عن الأسد حتى آخر جندي، وهو ما دلّ على وجود تفاهم تركي روسي للتخلُّص من الأسد[2]، وقد تم بالفعل إجلاء الأسد من دمشق إلى قاعدة حميميم، وفي بيان نُسب له لاحقًا على صفحته ذكر الأسد بأن الروس طلبوا منه المغادرة[3].

 الدور المشبوه لروسيا في تمرد الفلول في الساحل: في آذار/مارس، شهدت الساحة السورية تمردًا في الساحل السوري من بقايا النظام السابق، وقد أشارت تقارير إلى دور لقاعدة حميميم في إيواء شخصيات من النظام السابق وتأمين خطوط دعم لوجستي[4]. وفي جلسة مغلقة لمجلس الأمن، هاجم المندوب الروسي القيادة السورية الجديدة، متهماً إياها بالتساهل مع “الجهاديين”[5]. في المقابل، شنت مجموعة مسلحة مجهولة ضربة محدودة على القاعدة الروسية، فيما بدا أنه ردة فعل على الدور الروسي في دعم الفلول، وربما أرسل رسالة لروسيا بأن التفاهم والتنسيق مع حكومة دمشق يبقى الخيار الأقل سوءًا للحفاظ على مصالحها[6].

 العلاقات السورية الأوكرانية: في خضم إعادة تشكيل التحالفات بعد سقوط الأسد، شهدت دمشق زيارة وزير خارجية أوكرانيا “أندريه سيبيغا” إليها بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2024. كانت هذه أول زيارة لمسؤول أوكراني رفيع إلى سوريا منذ سنوات طويلة، وجاءت بعد فترة قصيرة من الإطاحة بالأسد، حليف موسكو، الذي كان قد قطع العلاقات مع كييف سابقًا تضامنًا مع روسيا.

حمل وزير الخارجية الأوكراني رسالة واضحة مفادها دعوة القيادة السورية الجديدة للنأي بنفسها تمامًا عن روسيا. ففي لقائه مع الرئيس أحمد الشرع، حثّ “سيبيغا” دمشق صراحةً على طرد القوات الروسية من سوريا، معتبرًا أن وجودها كان عاملًا في دعم نظام الأسد القمعي. وقد تزامنت هذه الزيارة مع إعلان كييف استعدادها لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، والتي كانت قد قُطعت بسبب اعتراف الأسد بضم روسيا لأراضٍ أوكرانية. كما أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي عن إرسال 500 طن من دقيق القمح إلى سوريا كمعونة إنسانية عاجلة، ضمن مبادرة “حبوب من أوكرانيا” التي تهدف لدعم دول متضررة من الحروب[7].

 في المقابل، حرص الرئيس الشرع على التأكيد بأن انفتاحه على كييف لا يعني انقلابًا على موسكو، وشدّد على متانة المصالح الاستراتيجية مع روسيا واعتبرها شريكًا ضروريًا لسوريا، موضحًا أن حكومته لا تسعى لإخراج روسيا بالكامل من المشهد السوري، كما أشار إلى الاعتماد السوري التاريخي على السلاح والخبرة الروسية، مؤكدًا أن دور موسكو لا غنى عنه في المرحلة القادمة[8]. هذه التصريحات بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأوكراني وما طلبه من سوريا مثلت رسالة مزدوجة لروسيا: حث روسيا على عدم معاداة السلطة الجديدة في سوريا، وفي المقابل توفر خيارات أخرى لدى الأخيرة ممثلة بالتقارب مع أوكرانيا وأوروبا، تاركة الباب موارباً لرأب صدع العلاقات في حال أرادت روسيا ذلك.

علاقة روسيا مع “قسد”: تحتفظ روسيا بعلاقة مع “قسد” منذ 2019، خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية جزئيًا وقتها. وتعتبر روسيا البديل الاستراتيجي لـ “قسد” في حال قررت واشنطن سحب دعمها. وقد تحدّثت مصادر وتقارير محلية عن وجود تنسيق متزايد بين روسيا و”قسد” بعد سقوط نظام الأسد، خاصة في مناطق محيط القامشلي، حيث يُعتقد أن مطار المدينة قد تحوّل إلى قاعدة روسية.

وتدل مؤشرات ميدانية على نشاط جوي روسي بين مطاري القامشلي وحميميم، مما يعكس تكاملًا لوجستيًا بين القواعد الروسية في الشمال الشرقي والساحل، ويشمل الدعم الروسي لـ”قسد” الجوانب العسكرية والسياسية والأمنية، وعلى الرغم من أن روسيا عموماً تُشدّد على وحدة الأراضي السورية، إلا أنها تسعى لاستخدام مطلب اللامركزية الذي ترفعه “قسد” لضمان نفوذ طويل الأمد، لا سيما في مناطق الساحل حيث تتركز قواعدها الجوية (لا سيما مع دعمها لحراك الفلول)، كما تستغل موسكو ملف محاربة الإرهاب، وتحديدًا تنظيم “داعش”، لتبرير استمرار وجودها العسكري شرق الفرات[9].

مما سبق، يمكن الاستنتاج بأن روسيا تمسك بورقة دعم “قسد” كأداة تفاوضية ضاغطة في مواجهة كل من دمشق وأنقرة.

 الموقف الروسي من الضربات “الإسرائيلية”: تعارض روسيا الضربات “الإسرائيلية” من حيث المبدأ، وتدين التدخلات في سوريا[10]. لكنها أيضًا تحافظ على تنسيق أمني مع “إسرائيل”، مما يجعلها جهة توازن بين مختلف اللاعبين، وهو ما يجعل الوجود الروسي مقبولًا حتى من قبل “إسرائيل”.

المصالح والقواعد الروسية: تسعى روسيا للاحتفاظ بقاعدتي حميميم وطرطوس، ولا يبدو أن أياً من الفاعلين (بمن فيهم دمشق وأنقرة) يعارضون بقاء الروس في القاعدتين عموماً (باستثناء أوكرانيا وألمانيا[11]، حيث طالبتا بطرد الروس). وتحدثت تقارير بأن “إسرائيل” طالبت واشنطن بعدم الضغط على الروس لإفراغ القاعدتين لأن روسيا توازن النفوذ التركي[12].

انسجام الموقف السوري مع تركيا والعرب: تحافظ تركيا والسعودية على موقف متوازن من الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما يتيح لهما لعب دور الوسيط، وقد تم التمهيد لزيارة الشيباني وأبو قصرة بالتنسيق مع قنوات تركية وعربية، لضمان علاقة روسية-سورية مستقرة بدون صدام مع الغرب[13].

أبرز ما رشح عن محتوى ما تم نقاشه في الزيارة:

تحدثت عدة مصادر إعلامية[14] وأخرى خاصة تقدم نفسها كمطلعة عما تم نقاشه خلال الزيارة، ويمكن تلخيص أهم النقاط بما يلي:

القواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري: لا نية لدى دمشق لإغلاقها، لكنها تريد التفاوض حول دورها الجديد وحدوده ضمن السيادة السورية.

مصير الأسد: طرحت القيادة السورية فكرة تقديمه للمحاكمة، ولكن روسيا لم تُبدِ تجاوبًا، وهو ربما ما تمت الإشارة إليه من خلال تصريح وزير الخارجية السوري حول العدالة الانتقالية[15].

الاتفاقات الاقتصادية بعد عام 2015: تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لإعادة تقييمها وتعديلها لتتوافق مع المصالح الوطنية.

ملف “قسد”: جرى نقاش صريح حول مستقبلها والتواصل الروسي معها ضمن رؤية سورية جديدة.

التنسيق الروسي-“الإسرائيلي”: يُعاد بحثه بمشاركة دمشق لضمان إشراك الدولة السورية في ترتيبات خفض التوتر.

الأمم المتحدة: طالبت دمشق موسكو بـ التصويت لرفع اسم الرئيس أحمد الشرع من لوائح الإرهاب وترتيب زيارة رسمية له إلى موسكو.

خاتمة:

تحاول الحكومة السورية الحالية تنويع علاقاتها الدولية، مع الحرص على تحييد روسيا عن أدوارها السلبية، سواء من خلال دعم “قسد” أو الفلول المرتبطة بنظام الأسد، ويأتي هذا التوجه عبر الإبقاء على باب “المصالح المشتركة” مواربًا، بما يتيح إمكانية التنسيق مع موسكو وفقًا لمنطق “براجماتي” يراعي مصالح الطرفين.

هذا التوجه يتقاطع مع سياسة الحليف التركي، الذي يرى ضرورة الحفاظ على قنوات تواصل مع روسيا، في ظل سياسة أمريكية متماهية إلى حدّ بعيد مع الرؤية “الإسرائيلية” للمنطقة عموماً.

كما يُنظر إلى الدور الروسي بوصفه مقبولًا “إسرائيليًا”[16]، وهو ما يعزز من ثقله الإقليمي ويجعل التعامل معه ضرورة لدى دمشق، سواء لتحييد تدخله السلبي، أو للاستفادة منه في ملفات حساسة، مثل الوساطة مع “إسرائيل”، أو التعاون في ملف تسليح الجيش السوري، وربما قضايا أخرى مستقبلية[17].

ويمكن تقسيم السيناريوهات المستقبلية للعلاقة السورية–الروسية إلى مسارين رئيسيين يعكسان نمطين محتملين لتدخل موسكو في الساحة السورية، ويتوقف ترجيح أحدهما على تطورات الحرب الروسية–الأوكرانية، والعلاقات الإقليمية والدولية المرتبطة بالملف السوري.

السيناريو الأول: يتمثل في تصعيد روسي واسع وواضح في دعم “الثورة المضادة” في سوريا، يشابه ما قامت به موسكو بعد عام 2015، حين تدخلت بشكل حاسم لصالح نظام الأسد عبر حملة عسكرية مكثفة أعادت رسم خرائط السيطرة في سوريا، ووفرت للأسد مظلة حماية سياسية وعسكرية في مواجهة المعارضة السورية والمجتمع الدولي. وبدرجة أقل، يشابه النموذج الليبي، حين دعمت موسكو اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” بصورة صريحة بالسلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي. في الحالة السورية الراهنة، سيكون هذا السيناريو مرتبطًا بدعم مباشر وصريح لقوى معينة، مثل “المجلس العسكري في السويداء” أو قوات “قسد” عبر تسليحها وتمكينها ميدانيًا كأطراف موازية للسلطة المركزية، بهدف فرض شروط تفاوضية على الحكومة السورية الجديدة، أو حتى تقويض شرعيتها في بعض المناطق.

هذا السيناريو – رغم كونه محتملًا من حيث الرغبة الروسية في الحفاظ على نفوذها – يظل مستبعدًا في المدى المنظور، لعدة أسباب، في مقدمتها الانشغال العسكري الروسي العميق في أوكرانيا، والتكلفة الاستراتيجية الباهظة لذلك الصراع، والتي أدت إلى تقييد قدرة موسكو على فتح جبهات جديدة أو تبنّي مغامرات عسكرية مكلفة في أماكن أخرى، كما أن البيئة الإقليمية لم تعد مواتية تمامًا لهذا النوع من التدخل بسبب انخفاض التصعيد النسبي بين القوى الإقليمية (مصر – الإمارات – السعودية – تركيا)، خاصة في ظل وجود تفاهمات تركية- روسية ضمنية، وحاجة روسية لتركيا كمنفذ نتيجة العقوبات الكبيرة التي تعاني منها، يظل هذا الخيار محتملاً في حال زاد التوتر “الإسرائيلي” التركي، وقدمت “إسرائيل” والغرب معها مكاسب لروسيا للقيام بدور وظيفي مضاد للدور التركي – السوري بشكل مشابه لما حدث في التدخل الروسي في عام 2015.

السيناريو الثاني: وهو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي، ويقوم على دعم روسي محدود وغير مباشر لقوى محلية، كما نشهده حاليًا من خلال التنسيق مع “قسد” في شمال شرق سوريا، أو احتضان بعض فلول النظام السابق في الساحل السوري، بالتوازي مع تحسين العلاقات مع دمشق، ويتم استخدام العلاقات الروسية مع الأطراف الأخرى المحلية و”الإسرائيلية” كأداة لتثقيل الدور الروسي في التفاوض مع دمشق وأنقرة. ويعتمد هذا على أدوات غير مباشرة – مثل تقديم غطاء سياسي محدود، أو دعم لوجستي محدود من خلال القواعد الروسية، أو استخدام ملف “محاربة الإرهاب” كمبرر للوجود – دون الانخراط في مواجهات مفتوحة أو ضخ إمكانات عسكرية واسعة.

ويتسق هذا السيناريو مع سلوك موسكو الحالي، إذ تحاول روسيا الحفاظ على أوراق ضغط في سوريا من خلال شبكة علاقات مع لاعبين محليين، لكنها تتجنّب الاستفزاز الكبير للحكومة السورية الجديدة أو الدخول في صدام مباشر مع أنقرة. والغاية من هذا الدعم المحدود هو إبقاء يد موسكو حاضرة على الطاولة مع وسائل ضغط تفاوضية على أنقرة ودمشق، والحفاظ على موطئ قدم في معادلات ما بعد الأسد، دون دفع ثمن سياسي أو عسكري مرتفع.

وبالتالي، فإننا أمام علاقة سورية–روسية مرشحة للاستمرار والتطور ضمن إطار براغماتي دقيق، تمليه ضرورات التوازنات الإقليمية والدولية، حيث تسعى دمشق إلى تحييد موسكو دون الدخول في صدام مباشر معها، بينما تحاول روسيا استثمار ما تبقى من نفوذها في الملف السوري بما يضمن استمرار حضورها الإقليمي، خصوصًا في ظل قبول “إسرائيل” وتركيا ببقائها داخل قواعدها في الساحل، ولو بشروط جديدة.

وفي المحصلة، يبدو أن هذا السيناريو الثاني هو الأكثر واقعية في الأمد القريب، في ظل تعقيدات المشهد الدولي وضيق هامش المناورة أمام موسكو، لكنه مع ذلك يظل هشًا ويمكن أن يتبدل إذا ما حصلت تطورات مفصلية كخروج أمريكي مفاجئ من شمال سوريا بالتزامن صفقة روسية غربية لإنهاء الحرب الأوكرانية وما قد يتضمنه ذلك من بنود محتملة في إطلاق يد روسيا في الشرق الأوسط مجدداً، أو تصعيد تركي–”إسرائيلي” يُغيّر من طبيعة الدور الروسي في المنطقة؛ الأمور التي تبدو بعيدة الاحتمال حالياً.


[1] لقاء تاريخي بين بوتين والشيباني في موسكو، سانا/RT عربي، وزارة الخارجية السورية، 31 تموز/يوليو/2025، الرابط.
[2] فيدان: أقنعنا روسيا وإيران بعدم مساعدة النظام حتى آخر جندي، الجزيرة نت، 14 كانون الأول/ديسمبر 2024، الرابط.
[3] بيان منسوب لبشار الأسد: لم أخطط للمغادرة وموسكو طلبت الإخلاء الفوري، الجزيرة نت، 16 كانون الأول/ديسمبر 2024، الرابط.
[4] وفي تسريبات، تحدث أحد قادة الفلول في تسجيل صوتي عما وصفها بـ”الخدمات الروسية” خلال الهجمات و”الخطة الناعمة” التي تتبعها موسكو ضد الحكومة السورية، وذكر منها استهداف طائرات مسيرة للجيش السوري، والتدخل لإجبار طائرة مروحية على الهبوط بعد تحليقها فوق بلدة الدالية، إضافة إلى استهداف رتل سوري على طريق حلب – اللاذقية (M4)، وتسليم كميات كبيرة من العتاد العسكري النوعي للفلول، ينظر:
دعم عسكري وسياسي لـ”الفلول”.. تسريبات تكشف دور روسيا في هجمات الساحل السوري، تلفزيون سوريا، 10 آذار/مارس 2025، الرابط. سوريون يتساءلون: هل دعمت قاعدة حميميم تمرد “الفلول”؟، الجزيرة نت، 10 آذار/مارس 2025، الرابط.
[5] في جلسة مغلقة لمجلس الأمن بطلب مشترك من روسيا والولايات المتحدة، وجهت موسكو انتقادات حادة للقيادة السورية الجديدة، محذّرة من تصاعد العنف الطائفي ضد العلويين ومقارنة ما يحدث بإبادة رواندا عام 1994. المندوب الروسي نبينزيا أعرب عن قلق بلاده من تكرار سيناريو العراق بعد حلّ الجيش السوري وتسريح موظفين من القطاع العام، واعتبر أن وجود مقاتلين أجانب يهدد الانتقال السياسي. رغم ذلك، شدد الرئيس المؤقت أحمد الشرع على رغبة بلاده في الحفاظ على علاقات استراتيجية مع روسيا، ونفى وجود نية للإقصاء الطائفي في تشكيل الحكومة الجديدة.
Exclusive: Russia lambasts Syria’s new leaders in closed UN meeting, Samia Nakhoul & Maya Gebeily, Reuters, March 13, 2025, Link.
[6] العميد والخبير العسكري محمد الخالد يؤكد أن هناك عدة دوافع لهذا الهجوم، منها أن يكون بفعل فصائل تريد الانتقام من الجنود الروس المسؤولين عن مئات المجازر بحق السوريين لمساندة بشار الأسد، وكذلك حمايته في روسيا بعد سقوطه، وأضاف أن السبب قد يكون أيضا حماية القاعدة الروسية لقادة عسكريين في جيش الأسد المخلوع والتخوف من قيام روسيا بدعمهم عسكريا لتشكيل تمرد عسكري كما حصل في مارس/آذار الماضي، لذلك هناك نوع من إبقاء القاعدة الروسية تحت الضغط بهدف رفع سقف التفاوض، وفق رأيه، ينظر:
محللون: هذه دلالات ودوافع الهجوم على القاعدة الروسية في سوريا، الجزيرة نت، 22 أيار/مايو 2025، الرابط.
[7] سوريا: الشرع يلتقي وزير الخارجية الأوكراني بدمشق بعد إرسال كييف مساعدات غذائية، فرانس 24، 30 كانون الأول/ديسمبر 2024، الرابط.
[8] بعد قطيعة مع النظام المخلوع.. وفد أوكراني يلتقي الشرع في دمشق، الجزيرة نت، 30 كانون الأول/ديسمبر 2024، الرابط.
[9] هل تعيد موسكو رسم خرائط النفوذ شرق الفرات؟، صحيفة الشرق الأوسط، 26 تموز/يوليو 2025، الرابط.
[10] روسيا تدين الضربات الإسرائيلية على سوريا، سكاي نيوز عربية، 17 تموز/يوليو 2025، الرابط.
[11] ألمانيا تدعو روسيا إلى إغلاق قواعدها في سوريا، عنب بلدي، 17 كانون الثاني/يناير 2025، الرابط.
[12] قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أرسل سكرتيره العسكري إلى موسكو لبحث ضمان بقاء روسيا في سوريا على حساب تركيا. وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن 4 مصادر مطلعة أن “إسرائيل” تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد، ينظر: يديعوت أحرونوت: نتنياهو يريد بقاء روسيا في سوريا لمواجهة تركيا، الجزيرة نت، 1 آذار/مارس 2025، الرابط.
[13] جاءت زيارة الشيباني بناءً على ترتيبات تركية – عربية، في ضوء المحادثات الأخيرة بين وزير الخارجية السوري ونظرائه الأتراك والعرب خلال الشهرين الماضيَين، حيث طرحت دمشق أهميّة المساعدة الإقليمية في ترتيب الملفّات مع روسيا، ينظر:
 زيارة الشيباني وأبو قصرة .. بداية مسار دبلوماسي–عسكري جديد لسوريا ما بعد الأسد، أساس ميديا، 31 تموز/يوليو 2025، الرابط.
[14] المرجع السابق.
[15] الشيباني: نتطلع إلى تعاون روسي كامل لدعم العدالة الانتقالية في سوريا، الأناضول، 31 تموز/يوليو 2025، الرابط.
[16] كنا أشرنا في هذا التقرير إلى الضغوط “الإسرائيلية” على الولايات المتحدة لمنع إخراج الروس من قواعدهم، كما في الهامش رقم 12، حيث يرى “الإسرائيليون” بأن وجود الروس أمر جيد لهم على اعتبار أنه ينافس ويحد من النفوذ التركي، ويمكن التذكير هنا بأن “الإسرائيليين” كانوا مرتاحين تماماً للتدخل الروسي في سوريا في عام 2015 لحماية نظام الأسد، وتم ذلك بتنسيق عال معه. كذلك وجود العديد من المؤشرات الدالة على حصول تنسيق أمريكي–”إسرائيلي” مع الروس بشأن التدخل العسكري، من أبرزها:
شهادة نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي، أندرو إكسوم، أمام الكونغرس، حيث أكّد قلق واشنطن من احتمال الانهيار السريع لنظام الأسد، وهو ما قد يهدّد مصالحها، وفي مقدمتها أمن “إسرائيل”، كما أشار إكسوم إلى وجود تنسيق طويل الأمد بين الولايات المتحدة وروسيا حول مصير سوريا منذ صيف 2015، وأن سقوط الأسد كان يُعتبر تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية، وعلى رأسها أمن “إسرائيل”، وصفقة السلاح الكيماوي مع نظام الأسد بوساطة روسية، وتوقف برامج تسليح المعارضة، وزيارة وفد عسكري “إسرائيلي” إلى موسكو بالتزامن مع التدخل الروسي، ينظر:
محمد سالم، مع دخوله عامه العاشر؛ كيف دعم الأمريكان التدخُّل الروسيّ في سوريا؟، مركز الحوار السوري، 23 أكتوبر 2024، الرابط.
[17] من المحتمل تقبل الأوساط الثورية الداعمة للدولة السورية الجديدة الناشئة هذه الاضطرارات السياسية وسط المدلهمات والتحديات الكبيرة التي تواجهها سوريا حديثاً، ورغم جرائم روسيا الكبرى في حق الشعب السوري واستمرار احتضانها للأسد ودعمها للفلول، من باب تفهم الواقع وظروفه الصعبة وفق ما قاله الشاعر العربي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد.

باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى