نظرة على تعقيدات المشهد في درعا؛ فصيل لـ “الجيش الحر ” يتبع الأمن العسكري لنظام الأسد!
إضاءات تحليلية تصدر عن وحدة تحليل السياسات
أثارت إعادة ذكر الولايات المتحدة الأمريكية اسم “الجيش السوري الحر” مجدداً تساؤلاتٍ عن الغاية من وراء ذلك وعن سرّ التوقيت؛ وذلك في إعلانها “مقتل زعيم تنظيم داعش بسوريا على أيدي الجيش السوري الحرّ” بعد أسابيع من عمليات يمكن وصفها بأنها “عسكرية محدودة” ضد خلايا تُتهم بالانتماء لتنظيم “داعش” في محافظة درعا[1]، شنّتها مجموعات محلية ومقاتلون منضوون تحت “اللواء الثامن” الذي يُشكّل عناصر “التسويات” قوامه الأكبر في محافظة درعا، وذلك في محاولةٍ لقطع الطريق على نظام الأسد الذي هدّد باقتحام تلك المناطق بذريعة ملاحقة تلك الخلايا.
“اللواء الثامن” على خط المواجهات ضد “داعش” بوصفه قوة محلية مدعومة دولياً وإقليمياً:
تجلّت العمليات ضد داعش بشكل ملحوظ في مدينة جاسم، ثم انتقلت لاحقاً إلى طفس ثم درعا البلد؛ ويبدو أن السكان المحليين سعوا إلى تجنيب مناطقهم الحملات العسكرية التي تُمهّد لوجود أكثر قوة لنظام الأسد والمليشيات الإيرانية وسط المشهد المعقد والضبابي في درعا عموماً[2]، لذلك لم يكن مستغرباً تدخُّل “اللواء الثامن” في المشاركة بملاحقة خلايا “داعش”؛ من حيث إن جلّ مقاتليه من المقاتلين المحليين من أبناء درعا، وكانوا سابقاً من ضمن الفصائل المعارِضة، ويشير بعض النشطاء إلى أن تدخّل اللواء ضد “داعش” قد تم بدعم من المجتمعات المحلية، وليس كما يسعى نظام الأسد لترويجه في وسائل إعلامه بأن قواته تقود الحملة ضد خلايا التنظيم[3]. وفي هذا الصدد ادّعى قيادي في “اللواء الثامن” أن “اللواء تدخّل بطلبٍ من أبناء مدينة جاسم” لتخوُّفهم من الأسوأ فيما يبدو، وبحسب القيادي فإنه “لا ثقة للأهالي بأفرع النظام الأمنية، بينما تربطهم علاقة جيدة مع قيادات اللواء”[4]، وقد يشير هذا إلى تفضيل الأهالي للخيار الأقل سوءاً؛ وذلك في تفضيل دخول اللواء الثامن بوصفه قوات من العناصر المحليين الذين يمكن أن يراعوا طبيعة المجتمعات المحلية، ويكون دخولهم إلى المدن في الجنوب أقل سوءاً مقارنة مع قوات الفرقة الرابعة لنظام الأسد أو المليشيات الإيرانية التي عادة ما تعيث في الأرض فساداً وقتلاً.
جولات إقليمية يسودها الغموض لقائد اللواء الثامن أحمد العودة:
بالتزامن مع ذلك أجرى قائد اللواء الثامن أحمد العودة جولات وتنقّلات بين عدة دول إقليمية، كما تحدّثت العديد من المصادر، دون معرفة أسباب تلك الزيارات[5]؛ لكنها في المجمل تُعطي إشاراتٍ إلى أن هناك تسهيلاً في حراكه، خاصة من قبل الأردن التي يدخل ويخرج إليها بأريحيّة، علماً أن عمّان لا تُخفي هواجسها إلى جانب “إسرائيل” من النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وتطالب الولايات المتحدة بالحدّ منه. كما أن العودة زار روسيا في خضمّ التوترات بدرعا، وانتشرت له صور في العاصمة موسكو العام الماضي[6]، ولاحقاً جرى الحديث عن أنه زار تركيا أيضاً، قبل أن يعود مؤخراً إلى بلدة بصرى الحرير شرقي درعا، واستقباله بحفاوة مع رفع راية فصيله القديم في الجيش الحر “لواء شباب السنة” الذي كان جزءاً من “الجبهة الجنوبية”[7]، وكانت إحدى أبرز تحالفات فصائل المعارضة المدعومة من غرفة عمليات “الموك” التي تُدار من الأردن وتضم عدة دول إقليمية[8].
تنقّلاتُ أحمد العودة بين سوريا والأردن ومنحه نوعاً من هوامش “الحكم المحلي”، ورفع راية فصيله السابق يرجّح أن اللواء ليس تحت سيطرة كلية لنظام الأسد، وإن كان إدارياً وشكلياً يتبع لفرع “المخابرات العسكرية”، وربما هذا أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى القول إنّ مَن نفذ عملية قتل زعيم داعش هم مقاتلون في الجيش السوري الحرّ (ولا يُعرف من الذي قام بعملية قتله تحديداً)، لا نظام الأسد الذي سارع إلى نسبة العملية لنفسه.
اللواء الثامن نموذج دولي – إقليمي مصغَّر لتطعيم نظام الأسد لتحجيم النفوذ الإيراني؟
في الوقت ذاته يبرز إلى الواجهة مشهد جديد يعقّد الموقف؛ إذ يسوّق نظام الأسد بأنّه هو مَن يقوم بالعمليات ضدّ “داعش” لأن “اللواء الثامن” أصبحت تبعيّته منذ عدة أشهر إلى”المخابرات العسكرية” التابعة لنظام الأسد[9]، ولاحقاً أوقفت روسيا رواتبه[10]، فيما بدا أنه يعكس تراجع التركيز الروسي على منطقة الجنوب السوري وسوريا عموماً بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ تسعى روسيا إلى تخفيض التزاماتها في سوريا[11]؛ لذا فإن “اللواء الثامن” ربما يكون قد خسر الدعم الروسي المباشر، لكنه ما زال يحظى برعاية إقليمية ودولية من روسيا والإمارات والأردن، وبمباركة غير مباشرة من “إسرائيل” والولايات المتحدة؛ إذ إن “إسرائيل” تشكل قوة مؤثرة على الفاعلين الدوليين والإقليميين، كما يحظى اللواء الثامن إلى حدٍ ما بقبول محلي، لاسيما وأنه أظهر في بعض الأحيان مواقف منحازة لصالح الأهالي، وخرج مقاتلوه أحياناً في مظاهراتٍ مناهضة لنظام الأسد[12].
وُظِّف اللواء الثامن منذ “تسوية” 2018 بشكل واضح لصالح روسيا الداعم الأبرز لنظام الأسد في سوريا بتنسيقٍ مع بعض الفاعلين الإقليمين كالأردن والإمارات، وليس بعيداً عن “إسرائيل”؛ ولكن “اللواء” كانت له رغم ذلك بعض الهوامش التي يُعوّل عليها بعض الناشطين والأهالي في منطقة درعا لمواجهة القبضة الأمنية لمليشيات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية، فبالنسبة إلى الأهالي فإن وجود اللواء أقل سوءاً من وجود بقية الأفرع الأمنية ومن انتشار المليشيات الإيرانية، فيما يرى محللون ونشطاء أن وجود اللواء لم يكن له أية فعالية حقيقية في مواجهة النفوذ الإيراني.
فضلاً عن ذلك فإن وجود اللواء يبدو مطلباً أردنياً غير معلن، لكنه يتضح من التأكيد الأردني مراراً على أهمية الوجود الروسي في الجنوب السوري لضمان استقرار المنطقة؛ إذ تُعوّل عمّان على الدور الروسي لمنع انتشار المخدرات ووصولها إلى أراضيها[13]، ولذا فإنها لا ترى في انتشار “اللواء الثامن” الخطر الذي تراه في انتشار مليشيات الحرس الثوري و”الفرقة الرابعة” على حدودها؛ لأن اللواء أُسّس ودُعم من قبل روسيا وفق صفقة خاصة وعلاقات مع كل من الأردن والإمارات وبتنسيق قريب مع “إسرائيل”، بل يذهب البعض إلى أن عمّان قد تعدّ اللواء الثامن صمّام أمان بالنسبة إليها للحدّ من النفوذ الإيراني[14].
اللواء الثامن بوصفه نموذجاً للتنسيق الدولي الإقليمي لتقليم أظافر الإيرانيين:
بالعودة إلى البيان الأمريكي حول عملية قتل زعيم داعش فإنه ذكر اسم “الجيش الحرّ” في إحياءٍ للاسم لأول مرة منذ العام 2018 الذي تفكّكت فيه فصائل المعارضة جنوبي سوريا عقب اتفاق “التسوية”، وجاء على لسان المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان: أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بمواجهة التهديد العالمي لتنظيم داعش، وهي على استعداد للعمل مع الشركاء الدوليين”[15]، وهي رسالةٌ يرى بعض المراقبين أنها إيجابية من واشنطن لموسكو لا سلبية؛ تتمثّل برغبة الأمريكيين بتجديد التعاون مع الروس في الجنوب السوري لاستهداف الوجود الإيراني، وذلك عبر “اللواء الثامن” المدعوم روسيّاً وصاحب الشراكة الواضحة مع حلفاء واشنطن في الوقت ذاته[16]، ما يعني بالنتيجة أن دور اللواء بات ضمانةً لاستمرار اتفاق 2018 الذي تمّ بموجبه تفكيك فصائل المعارضة في مقابل أن تبتعد مليشيات إيران مسافة نحو 70 كم عن الحدود، وهو أمرٌ لم يحصل إلى الآن، لاسيما مع وجود فصائل داخل نظام الأسد مثل “الفرقة الرابعة” تشكل غطاءً لدخول المليشيات الإيرانية، علماً أن قائد الفرقة ماهر الأسد مشهورٌ بقربه الشديد من الإيرانيين، في وقتٍ تحدثت فيه صحف أمريكية مثل نيويورك تايمز عن أن بشار الأسد طلب من الميليشيات الإيرانية عدم التصعيد ضد “إسرائيل”[17] وتجنّب استهدافها من مناطق سيطرته، رغم تصاعد ضرباتها ضد ميليشياته؛ مما يدلّ على وجود انقسام غير معلن داخل نظام الأسد بهذا الخصوص، وعلى وجود أجنحة ترغب بتوسيع نفوذ إيران قرب مناطق حساسة بالنسبة لـ “إسرائيل” كجنوب سوريا، وأجنحة أخرى مقربة من روسيا تسعى إلى جعل منطقة الجنوب السوري غير مقلقة لـ “إسرائيل” التي عوّلت على نظام الأسد في الحدّ من النفوذ الإيراني في الجنوب السوري حينما تمّت صفقة “التسوية” عام 2018، وهذا ما يقود بالنتيجة إلى الحديث الذي قيل مراراً عن أن “إسرائيل” ترى في نظام الأسد برعاية روسية البديل الأنسب؛ ولذا فإنها طمأنته بأن الضربات “الإسرائيلية” المتكررة لا تمسّ نظامه، بل هي موجهة ضد المليشيات الإيرانية، فذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية أن الاتصال بين “إسرائيل” ونظام الأسد تمّ بشكلٍ مباشرٍ دون وسيط، وقد سلّمت من خلاله “تل أبيب” رسالتها مباشرة إلى نظام الأسد، وتتضمّن تأكيداً “إسرائيلياً” أن ضربات سلاح الجو “ليست من أجل إلحاق الأذى بالجنود السوريين والمدنيين”، أو “الإضرار بالمنشآت المدنية”، وإنما لضرب “الحرس الثوري والميلشيات الإيرانية أينما كانوا، سواءٌ حاولوا الهبوط في المطارات المدنية، أو جرى إيواؤهم في مقارّ عسكرية لنظام الأسد، وصولاً إلى مواقعهم بالقرب من القوات الروسية[18]“.
وبحسب محللين ومطّلعين تشكل قضية أمن “إسرائيل” وتأثير اللوبي “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة حجر الزاوية في التأثير على الفاعلين الدوليين في سوريا، خاصة على الولايات المتحدة[19] ثم روسيا والفاعلين الإقليميين؛ فقد رأى أحد الباحثين السوريين أن سياسة الولايات المتحدة تنطلق في رؤيتها للملف السوري من النظرة “الإسرائيلية”، خاصة في الجنوب السوري، فيما رأى عضو رفيع المستوى في إحدى هيئات المعارضة السورية ممن يجوب العواصم الغربية أن القرارات المتعلقة بالقضية السورية تُؤخذ في “تل أبيب”، وفي حديث لمسؤول آخر رفيع المستوى لدى المعارضة السورية أكد أن أحد الدبلوماسيين الغربيين أخبره في بداية العام 2015 أن هنالك جهوداً “إسرائيلية” أسهمت في تراجع الاهتمام العالمي بالقضية السورية وسمحت بالتدخل الروسي، كما أكد عضو آخر رفيع المستوى أن “إسرائيل” ضغطت على الفاعلين -ومنهم الحكومة الأوكرانية- للتوقف عن ذكر الإجرام الروسي في سوريا ومقارنته مع ما يحدث في أوكرانيا، بهدف المحافظة على التفاهمات الروسية “الإسرائيلية” في سوريا[20].
ولا يبدو هذا منفصلاً عن التأثير “الإسرائيلي” وتوافقه مع الروس على تسويق التطبيع مع نظام الأسد، وربما يرجع أثره إلى عدّة سنوات مضت، منذ أن بدأ بوتين بالتقرب إلى “الإسرائيليين” وإدخالهم في موضوع “الحل” في سوريا، عندما طلب من نتنياهو إعداد رؤيته للحل في سوريا قبل أكثر من ثلاث سنوات؛ فأعدّت الاستخبارات “الإسرائيلية” رؤية تتضمن بقاء نظام الأسد، وبعد ذلك كان لاجتماعات مؤسسات الأمن القومي الأمريكية “الإسرائيلية” الروسية ومناقشاتهم الوضع السوري أثرٌ في مسار الأوضاع في سوريا[21]، وهو ما أكدته لاحقاً بعض تسريبات الصحف “الإسرائيلية” التي أشارت إلى أن خطة إعادة شرعنة الأسد أُثيرت لأول مرة من قبل “تل أبيب” في قمةٍ عُقدت قبل ثلاث سنوات في القدس بين “إسرائيل” والولايات المتحدة وروسيا على مستوى مستشاري الأمن القومي[22].
هل يفكّر الفاعلون في تطبيق نموذج اللواء الثامن في الشمال السوري؟
إن زيارة العودة لتركيا[23] وتكرار التصريحات التركية التي تتحدث عن إيجاد حلول بالإشتراك مع نظام الأسد ضد التنظيمات الإرهابية[24] يمكن أن تشير إلى سيناريو احتمال دمج بعض فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري في هيكل “الدولة السورية” مع احتفاظها بهوامشها الجزئية وعلاقاتها الحالية مع الفاعلين الإقليميين، وقد يبدو هذا السيناريو متماشياً مع رغبة أنقرة في الحفاظ على مركزية دمشق وسيادة “الدولة السورية” على أراضيها، مع احتفاظ أنقرة بنفوذ على المجموعات العسكرية أو المدنية في مناطق نفوذها الحالية داخل سوريا، وهو ما يعني اقتسام النفوذ بين أنقرة وموسكو بالدرجة الأولى في تلك المناطق، ويبدو أن الولايات المتحدة و “إسرائيل” لا تعارضانه إذا ما اقترن مع تنسيق لتركيا لتحجيم النفوذ الإيراني، وكانت تصريحات لمسؤول تركي نقلتها الجزيرة مؤخراً أشارت إلى رغبة أمريكية بالتنسيق مع تركيا للحد من النفوذ الإيراني[25]، في حين ذكرت مصادر أمنية أن موضوع التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد يتم بتنسيق مع “إسرائيل” أيضاً[26].
إلا أن ذلك بالتأكيد لن يؤدي إلى تلبية المطامح التركية فيما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين وتكوين مناطق آمنة داخل سوريا، بل على العكس من ذلك فإن أي دخول لمؤسسات نظام الأسد سيؤدي إلى تحويل المنطقة بشكل تدريجي إلى مرتع مليشياوي تسوده الاقتتالات والاغتيالات وتجارة المخدرات، وزيادة الاعتقالات التعسفية والتغييبات القسرية ومختلف أنواع الجرائم[27]، إلى درجةٍ ستتضاعف معها رغبة سكان المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي إلى الهجرة، كما يحدث الآن في درعا؛ حيث يبيع الناس منازلهم من أجل الهجرة[28]، وهو ما يؤكد أن نموذج المصالحة في درعا بعيد كل البعد عن إيجاد أية حلول آنية، فضلاً عن إيجاد حلول مستدامة تدفع اللاجئين السوريين في تركيا للعودة.
“هيئة تحرير الشام – هتش” جنباً إلى جنب مع نظام الأسد في درعا:
في الوقت الذي كانت فيه جحافل “هيئة تحرير الشام- هتش” تنفّذ “غزوة عفرين” ضد الفيلق الثالث تحدثت تقارير عن تدفق قادة ومقاتلين من “هتش” من إدلب إلى درعا لقتال “داعش” بالتنسيق مع اللواء الثامن، وبحماية من نظام الأسد الذي أشرف على انتقال العناصر من إدلب إلى درعا، في سابقةٍ تبدو ممهدةً لما قد نشهده لاحقاً في الشمال السوري[29].
وفي التفاصيل فقد قُتل “أبو خطاب الدرعاوي” في المواجهات مع “داعش”، وهو أحد قادة “هتش” البارزين بحسب بعض المصادر، فيما ذكرت مصادر أخرى أنه لا يتبع مباشرة لـ”هتش”، وعن الجدل الداخلي الذي اندلع داخل “هتش” حول قيامهم بقتال “داعش” بالتنسيق مع قوات نظام الأسد تقول قيادة “هتش” بحسب المصادر إنها اشترت الطريق بين إدلب ودرعا لتوقف الجدل حول موضوع مشاركتها أمام عناصرها، كما نُقل عن “أبي خطاب الدرعاوي” تبريره لقتال داعش بقوله: “ما حصل هو تزامنٌ في القتال، وليست خيانة وتنسيق مع القوات الرديفة”[30].
ومن المعروف عن نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين الاستثمار في جماعات الغلو والتطرف من خلال توظيفهم لصالحه[31].
خاتمة:
يبرز “اللواء الثامن” بهيكليّته وهوامشه المحدودة في منطقة الجنوب السوري الحساسة لأمن “إسرائيل” نموذجاً مصغراً لما يمكن أن تبدو عليه التوافقات المحلية والإقليمية والدولية الهشّة في سوريا، ويبدو أن هذا النموذج لا يُشكّل قلقاً كبيراً لنظام الأسد رغم ما يظهر من تحريض ودعاية من إعلام نظام الأسد ضده، وتشير إلى قبوله على مضض من قبل بعض أطراف نظام الأسد الذين كانوا وما زالوا يرون أن استمرار بقاء نظام الأسد مرتبط بالتنسيق مع الفواعل الدولية الأخرى وتأمين “إسرائيل” إلى جانب إيران، من حيث إن اللواء الثامن يمثل مشروع نموذج توافقي مصغر بين روسيا والولايات المتحدة والأردن و”إسرائيل” لتقليم أظافر المليشيات الإيرانية في المنطقة، لاسيما مع تنامي أدوار فصائل جديدة في محافظة السويداء ترفض الوجود الإيراني في المنطقة وليست على علاقة جيدة بنظام الأسد[32]، وصولاً إلى منطقة التنف التي فيها قاعدة لقوات التحالف الدولي وفصيل “جيش سوريا الحرة” المدعوم من التحالف الدولي[33]، و تشير بعض التحليلات إلى أن التحالف قادرٌ على توسيع نفوذه وزيادة عدد مقاتليه إن أراد تشكيل جبهة جديدة لمواجهة النفوذ الإيراني، كل تلك السيناريوهات تبدو قابلة للتطبيق فيما لو تم خروج مليشيات إيران عن السيطرة وباتت مهدِّدة لأمن “إسرائيل”، وهذا ما يُفسّر غياب الردود الإيرانية على القصف “الإسرائيلي” انطلاقاً من نقاط تمركزها في الجنوب السوري، والاكتفاء بإطلاق بعض الصواريخ على قواعد التحالف الدولي في منطقة ريف دير الزور الشرقي، منعاً لاستفزاز “إسرائيل” وقيامها بما هو أكثر من مجرد غارات مستمرة تدير الوجود الإيراني في سوريا وتوظفه في عموم المشهد دون القضاء عليه.
في الوقت ذاته يبرز نموذج اللواء الثامن، وتنسيق قتاله لـ “داعش” مع المجموعات المحسوبة بشكل أو بآخر على “هتش”، وما تردد عن مشاركة جنود وقادة في “هتش” من إدلب وانتقالهم إلى درعا؛ يبرز كل هذا مؤشراً على ما قد يتم تسويقه لمنطقة الشمال السوري مستقبلاً بوصفه نموذجاً لدمج قوات المعارضة بعمومها داخل “الدولة السورية” وقيامهم سوياً بالتنسيق “ضد الإرهاب”.
ولا مفرّ من إطلاق صيحة النذير بأن استيراد نموذج الجنوب السوري الفاشل إلى الشمال السوري لا يخدم الشعب السوري ولا المصالح التركية ولو بالحد الأدنى، خاصة فيما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى الشمال السوري؛ فإنّ نظرة سريعة على حالة نموذج درعا تؤكد مأساوية المشهد الذي يعجّ بمختلف الإشكاليات وعوامل عدم الاستقرار، من اغتيالات واعتقالات وتوليد للجماعات الارهابية وانتشار المخدرات على سبيل الأمثلة لا الحصر. ولم يستفد الأردن على سبيل المثال من التطبيع مع نظام الأسد؛ لا من جهة إعادة اللاجئين، ولا من جهة تأمين حدوده من المليشيات الإيرانية، ولا من جهة تهريب المخدرات التي ازداد تدفقها.
تعليق واحد