أنشطة وتحولات جماعات الغلو والتطرفالإصداراتالراصدوحدة تحليل السياسات

نِظرة في التغطية الإعلامية الرسمية والرديفة “لهيئة تحرير الشام – هتش” المواكبة للأحداث الأخيرة

إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن وحدة تحليل السياسات

 جدّدت “هيئة تحرير الشام – هتش” محاولتها السيطرة على مناطق ريف حلب الشمالي الواقعة تحت نفوذ “الجيش الوطني” بعد محاولتها السابقة قبل عدة أشهر[1]؛ إذ استغلت الاضطرابات التي أعقبت قيام قوات “الفيلق الثالث” وعلى رأسها “الجبهة الشامية” بالاستيلاء على مقرات “فرقة الحمزة” داخل مدينة الباب وطرد عناصر الفرقة خارج المدينة[2]، بعد أن كشفت التحقيقات ضلوع عنصرين تابعين “للحمزات” في مقتل الناشط “محمد أبو غنوم”، فقامت “الجبهة الشامية” باعتقالهما[3]، واعترافا بأنهما قاما بالاغتيال تنفيذاً لأوامر قياديّ في الفرقة. وقد توّجت “هتش” محاولاتها التوغّل بالسيطرة الكاملة على منطقة عفرين وبمحاولة التقدم نحو مدينة إعزاز[4]، لكنها توقفت بعد عقد الطرفين هدنة مؤقتة برعاية تركية للتوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف[5] تم إنجازه لاحقاً[6]، قبل أن ينقضه الطرفان وتعود الاشتباكات مجدداً على محور كفرجنة انتهت بسيطرة “هتش” عليها؛ مما استدعى تدخلاً تركياً لوقف الاشتباكات[7] والضغط من أجل تنفيذ الاتفاق وانسحاب “هتش”[8].

 توازياً مع تحركات “هتش” العسكرية على الأرض كانت أجهزة إعلامها الرسمي والرديف تدعم تحركاتها في الواقع الافتراضي، من خلال إيصال جملة من الرسائل والأخبار؛ يدور أغلبها حول شرعنة غزوها العسكري للمنطقة، وتحديد أهداف هذا التدخل بإنهاء الحالة الفصائيلة و”توحيد المحرر”، إضافة إلى مهاجمة خصومها وتحميلهم مسؤولية الانجرار نحو الاقتتال والصدام العسكري.

لعل أبرز التعليقات حول الأحداث على المستوى الرسمي لـ “هتش” جاءت على لسان “أبو مارية القحطاني” القيادي البارز في التنظيم؛ فقد طالبَ بتسليم قتلة “أبو غنوم” للقضاء، لكنه في الوقت ذاته ذكر أن أطرافاً تستغل مقتله لتمرير “بغيها” على بقية الفصائل، في إشارة إلى قيام مكونات الفيلق الثالث بالاستيلاء على مقرات فرقة “الحمزة” داخل مدينة الباب، وخصّ بحديثه  “جيش الإسلام”[9] الذي استغل مقتل “أبو غنوم” لتجييش الناس وفرض مشروعه الذي ثبت فشله سابقاً حسب رأي “القحطاني” ، مهدداً في نهاية كلامه بأن التصعيد وتوسيع رقعة الاشتباكات ستكون له عواقب وخيمة[10].

من جانب آخر تداول بعض الإعلاميين “المستقلين” المحسوبين على “هتش”[11] العديد من “الحجج والتبريرات الشرعية والمنطقية” التي تشرعن دخول “هتش” إلى مناطق ريف حلب الشمالي؛ فقد تساءلوا عن أهداف التصعيد الذي قام به “الفيلق الثالث” ضد فرقة “الحمزة” معتبرين ذلك “بغياً” هدفه تفكيك “الحمزات”، خصوصاً بعد أن تجاوب الفصيل مع القضاء وقام بتسليم المتورطين في عملية القتل، مما يعفيه من المسؤولية بحسب أولئك الناشطين. وتحدث آخرون عن أهداف أخرى لتحركات “الفيلق الثالث”، منها التوسع في المناطق المحاذية لسيطرة “هتش” في منطقة إدلب، مما استدعى قيام “هتش” بتحركات مضادة لمنع هذا التوسع.

في حين استغل قسم آخر منهم حادثة مقتل “أبو غنوم” للتعريض بالحالة “الأمنية السيئة” التي تعاني منها مناطق نفوذ “الجيش الوطني” حسب تعبيرهم، معتبرين أن ذلك مردُّه إلى حالة التشرذم والفصائلية التي تعاني منها تلك المناطق، وأن الحل يكون بتوحيد الأجهزة الإدارية والأمنية فيها أسوة بمناطق نفوذ “هتش” التي تديرها “حكومة الإنقاذ” ويحكم “جهاز الأمن العام” التابع “لهتش” قبضته الأمنية فيها[12].

ومع بدء الهجوم وتوجُّه أرتال “هتش” نحو مدينة عفرين سارعت تلك الحسابات لتأكيد أن هذا التوسع جاء نتيجة لـ”مناشدات” الأهالي والوجهاء في تلك المناطق لـ “هتش” للتدخل وفرض الأمن وتوحيد الإدارة فيها، كما سارعت لتأكيد “فرح الأهالي ونشوتهم” باستقبال أرتال “هتش”، كما تواطأت تلك الحسابات على نشر الصور واللقطات من داخل مدينة عفرين، مصورة عودة الحياة إلى طبيعتها في اليوم التالي لسيطرة “هتش” عليها، في مشهد كاريكاتوري يذكّر بطريقة الأجهزة الإعلامية التابعة لنظام الأسد، التي كانت تدّعي خروج الحشود للترحيب بقواته وميلشياته والفرح بقدومهم، وترتب عدداً من اللقاءات واللقطات المدروسة التي تبثّ تلك الادعاءات.

ولعل من اللافت أن معظم الحسابات التي تمت متابعتها في هذه الفترة كانت قد نقلت خبر سيطرة “هتش” على محور “كفرجنة” بانتشاء كبير، واستعداد قواتها للتقدم باتجاه إعزاز، والتبشير بقرب بسط “هتش” سيطرتها على كامل المحرر مما يعني توحيده بحسب تعبيرهم؛ إلا أن كل تلك الحسابات تجاهلت بعد ساعات قليلة خبر دخول القوات التركية إلى المنطقة، وتوجُّه فرقة “ثائرون” إلى استلام الحواجر والمقرات التي سيطرت عليها “هتش”[13]، وبقي الصمت مخيماً على معظم تلك الحسابات إلى أن بدأت جميعها في وقت متقارب بنشر المقاطع التي تظهر عودة أرتال”هتش” إلى إدلب استجابة للضغط التركي وتنفيذاً للاتفاق، دون التعليق على هذه المقاطع؛ بما قد يشير بشكل أو بآخر إلى تلقي جميع هذه الحسابات المعلومات والأوامر من ذات المصدر.

كذلك فقد غاب عن هذه الحسابات الحديث عن الخسائر البشرية أو المادية التي تكبدتها “هتش” طوال العملية العسكرية، مع توارد العديد من الأنباء التي تتحدث عن وقوع عدد كبير من الجرحى والقتلى بين صفوف عناصرها، ومن المفهوم جداً أن تغيب هذه الأنباء عن التغطية الإعلامية الرديفة لـ”هتش”؛ وذلك لتجنُّب السخط والتذمر بين أهالي الضحايا، وللحفاظ على الروح المعنوية بين بقية العناصر، كما تجاهلت تلك الحسابات الأنباء التي تحدثت عن طلب “هتش” مرور رتل تابع لها ضمن مدن المحرر شرطاً لتنفيذ الاتفاق، الأمر الذي رفضه أهالي تلك المدن وخرجت فيها العديد من المظاهرات لمنعه[14].

وفي سياق آخر تواطأت تلك الحسابات على وصف الحشود والمظاهرات الغاضبة التي خرجت في كبرى مدن ريف حلب الشمالي، مثل الباب ومارع وإعزاز، بأنها مظاهرات “مفتعلة” لا تمثل الشارع الثوري الحقيقي، وأن “جيش الإسلام” و”الفيلق الثالث” هم الذين يجيّشون الناس ويخرجونهم إلى الشارع؛ بما يشبه كذلك عقلية الأجهزة الإعلامية لنظام الأسد التي كانت تدّعي عدم وجود مظاهرات حقيقة ضد نظام الأسد.

وبالجملة يمكن تلخيص الأهداف التي سعت حسابات الإعلام الرديف لـ “هتش” إلى بثّها في الفضاء العام بما يلي:

  • تحميل “الفيلق الثالث” بشكل عام و”جيش الإسلام” بشكل خاص مسؤولية تدهور الأوضاع والانزلاق نحو الاقتتال العسكري، واتهام تلك المكونات باستغلال حادثة مقتل “أبو غنوم” لتنفيذ مخططات سابقة للتوسع على حساب فصائل “الجيش الوطني” الأخرى.
  • تبرير وشرعنة دخول “هتش” إلى مناطق ريف حلب الشمالي تحت ذرائع بسط الأمن وتوحيد الصفوف ووقف الاقتتال.
  • محاولة إثبات وجود رضى شعبي وفرح عارم بدخول “هتش” إلى مناطق ريف حلب الشمالي، وتأكيد قدرة “هتش” على ضبط الأوضاع الأمنية والإدارية في تلك المناطق.
  • محاولة إظهار نجاح “هتش” في تحقيق أهدافها بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه، والتبشير بمرحلة جديدة تمر بها الثورة السورية، يتم فيها القضاء على الحالة الفصائلية وتوحيد جميع المناطق تحت مظلة أمنية وإدارية واحدة.

لمشاركة المقال:

https://sydialogue.org/h5o7


[1]  قبل حوالي 4 أشهر حاولت “هتش” دخول منطقة “غضن الزيتون – عفرين” لمساندة “حركة أحرار الشام” في نزاعها مع “الجبهة الشامية”، وقد دخلت بالفعل إلى بعض القرى في ريف عفرين؛ إلا أنها اضطرت إلى الانسحاب بعد اتفاق تم التوصل إليه برعاية تركية، ينص على انسحابها من البلدات التي سيطرت عليها في مقابل انسحاب “الفيلق الثالث” من المناطق التي سيطر عليها في ريفي عفرين والباب بعد طرد “أحرار الشام” منها. للمزيد يُنظر:
[7] لعل من الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى التحول في الموقف التركي  نحو الرفض الواضح، والمطالبة  بشكل مباشر بانسحاب “هتش” من عفرين، ويبدو أن هذا الموقف التركي جاء نتيجة العديد من التطورات، أهمها تعرض بعض النقاط التركية للقصف، والهبة الشعبية الرافضة لدخول “هتش”، ثم كذلك الموقف الأمريكي الذي أعربت عن سفارة الولايات المتحدة في دمشق.
[9] سبق أن هاجم “القحطاني” “جيش الإسلام” كثيراً، مخصصاً بهجومه في بعض الأحيان شرعي الجيش “أبو عبد الرحمن كعكة”، وذلك انطلاقاً من العداوة المنهجية القائمة بين الطرفين في الأصل، والتي رسخها الاقتتال في الغوطة الشرقية بين الفصيلين، ومؤخراً هاجم القحطاني “جيش الإسلام” وشرعيه على إثر انتقاد الأخيرين للتحركات التي قامت بها “هتش” للتوسع داخل مناطق “الجيش الوطني” ولقاء بعض القيادات منه، وعلى رأسهم “محمد الجاسم” الملقب “أبو عمشة” قائد فصيل السلطان مراد، والذين يُعرفون أيضاً “بالعمشات”.
[11] المعلومات الواردة في هذا الجزء من المقال هي نتاج متابعة ورصد وتوثيق قام بها فريق المركز لعدد من الحسابات التابعة لإعلاميين وناشطين محسوبين على “هتش”؛ سواءٌ في تويتر أو تلغرام، وأصحاب هذه الحسابات يصفون أنفسهم بأنهم إعلاميون مستقلون يتحرون الدقة والموضوعية في تغطيتهم الإعلامية، ويعملون من الشمال المحرر ولا ينتمون إلى أية جهة، لكن مواقفهم وتصريحاتهم وتغطيتهم تكشف بشكل واضح مدى انحيازهم ودفاعهم عن “هتش”، ومهاجمة بقية الفصائل، بما يعزز تبعيتهم المباشرة للجهاز الإعلامي لـ”هتش”، وقد رأينا أن نبتعد عن ذكر أسمائهم وتوثيق تغريداتهم في هذا التقرير، لاسيما وأن بعضها أسماء مستعارة وأن أصحابها لا يظهرون بشخصياتهم الحقيقية.
[12] تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الافتراض القائل بأن مناطق إدلب وما حولها تعيش في استقرار أمني كبير مقارنة بمناطق ريف حلب الشمالي هو افتراض قابل للنقد والتشكيك وغير مسلَّم به؛ حيث إن مناطق إدلب تشهد بين الحين والآخر جرائم قتل واختطاف مروعة، كان من بعضها مثلاً اغتيال بعض الوزراء والشخصيات المحسوبة على حكومة الإنقاذ، إضافة إلى أن القبضة الأمنية المحكمة تسهم أيضاً في كبت أصوات الناقدين لـ”هتش” وخفض مستوى الحريات في المنطقة، مما يعني أن هذه القبضة الأمنية ليست إلا شكلاً من أشكال القمع والضبط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للأنظمة؛ ولذلك فالحديث عن إدارة أمنية في إدلب أفضل من مناطق ريف حلب هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر وفحص، ولا يُسلم به على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى