نظرة في الاحتجاجات الإيرانية وانعكاساتها المحتملة على تعقيدات المشهد في المنطقة
تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري
ملخص:
تدخل الاحتجاجات الشعبية في إيران شهرها الرابع؛ إذ بدأت في 16 أيلول من العام الحالي، وكانت شرارتها المظاهرات التي اندلعت إثر وفاة الشابة “مهسا أميني”، وهي مواطنة إيرانية كردية تُوفيت بعد اعتقالها وتعرضها للتعنيف على أيدي “دوريات الإرشاد” لعدم التزامها الحجاب، فيما توسعت تلك الاحتجاجات بشكل واسع لتشمل مناطق كثيرة ومقاطعات كبيرة في بلاد تتميز بالتنوع العرقي والطائفي، خاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية.
مرّت إيران سابقاً بعدد من الاحتجاجات؛ لكنّ هذه الاحتجاجات تتميز من سابقاتها بعدم اقتصارها على فئات سياسية أو عرقية محددة وانضمام فئات مجتمعية وعرقية متعددة لها، وقد شهدت انضمام نسبة من القومية الأذرية ذات الثقل في إيران.
تحاول الولايات المتحدة والدول الغربية توظيف الاحتجاجات للحصول على تنازلات في الملف النووي، لكنّ إيران تواجه ذلك بمزيد من التصلُّب، بما في ذلك رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، مما دفع الرئيس الأمريكي بايدن ليعبّر عن الوضع بالقول: “إن الاتفاق النووي قد مات”.
إن استمرار الاحتجاجات يمكن أن يؤدي لاحقاً إلى إضعاف النفوذ الإيراني الإقليمي؛ لاسيما إذا ما أفرزت تلك الاحتجاجات قيادة، وازدادت تطوراً.
تنعكس الضغوطات الدولية على إيران والاحتجاجات فيها، وغرق روسيا في المستنقع الأوكراني على نظام الأسد الذي يدخل في عدة أزمات، أبرزها الأزمة الاقتصادية وأزمة المحروقات.
تساعد الظروف الدولية المتولدة عن الضغط على إيران وروسيا على تمرير ضغوط أو قوانين ضد نظام الأسد، كالقانون الأمريكي ضد مكافحة مخدرات نظام الأسد.
مقدمة:
تدخل الاحتجاجات الشعبية في إيران شهرها الرابع؛ إذ بدأت في 16 أيلول من العام الحالي، وكانت شرارتها المظاهرات التي اندلعت إثر وفاة الشابة “مهسا أميني”، وهي مواطنة إيرانية كردية تُوفيت بعد اعتقالها وتعرضها للتعنيف على أيدي “دوريات الإرشاد” لعدم التزامها الحجاب[1]، فيما توسعت تلك الاحتجاجات بشكل واسع لتشمل مناطق كثيرة ومقاطعات كبيرة في بلاد تتميز بالتنوع العرقي والطائفي، خاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية[2].
نحاول في هذا التقرير إعطاء نبذة عن الاحتجاجات الحالية في إيران وملابساتها ومدى اختلافها عن الاحتجاجات السابقة، كما نعرّج على المواقف الدولية والإقليمية من تلك الاحتجاجات، وتداخُل تلك المواقف مع تطور محادثات العودة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني باعتباره عاملاً مفصلياً في رفع العقوبات عن إيران[3] وإطلاق يدها في الإقليم، وصولاً إلى قراءة مستقبل تلك الاحتجاجات على النظام الإيراني، ومدى تأثيرها في نفوذ إيران الإقليمي ودعمها لأذرعها في المنطقة، بما في ذلك التأثير في الملف السوري.
الاحتجاجات الحالية وملابساتها:
شهدت إيران عدة موجات احتجاجية على مدى السنوات السابقة؛ فرغم أن وفاة الشابة كانت الشرارة إلا أن هنالك عوامل متراكمة في بيئة داخلية محتقنة، وسط تشابُكٍ اجتماعيٍّ واقتصاديٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ؛ إذ يمكن النظر إلى هذه الاحتجاجات على أنها امتدادٌ لاحتجاجات “الحركة الخضراء” في العام 2009، والتي كانت ذات بُعد سياسي احتجاجاً على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً، وامتدادٌ كذلك لموجة احتجاجات عام 2019 التي بدأت بدوافع اقتصادية بعد رفع أسعار البنزين للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي في بلدٍ يعيش تحت العقوبات الدولية منذ عقود، ويُعد أكثر من ثلثَي شعبه من محدودي الدخل، مع ملاحظة أن الحراك الحالي يحتوى مختلف دوافع الحراكات السابقة؛ مما حدا ببعض المحللين لأن يصفوا ذلك التراكب في الأسباب بــ “حراك المطرودين”[4].
تتميز هذه الاحتجاجات بعدة نقاط، منها: استمراريتها رغم فقدان القيادة والتنظيم، إضافة إلى انضمام الأجيال الجديدة لها، ومشاركة النساء فيها بشكل كبير، إلى جانب مشاركة فئات شتى من التركيبة السكانية وعدم اقتصارها على فئات محددة[5]، خاصة من الأذر الإيرانيين ثاني أكبر قومية بعد الفرس ويشكلون 22% من سكان البلاد، مما يجعل النظام الإيراني يدرك ثقلهم بعكس باقي القوميات؛ وذلك لسيطرتهم على الأسواق التجاريَّة في طهران، ولدورهم في احتجاجات العام 2009؛ إذ كان موقفهم عاملاً كبيراً في إخمادها بعد أن رأوا أن ما يحدث مجرد صراع سياسي لا يعنيهم[6]، لاسيما وأن الاحتجاجات حظيت بدعم من الإصلاحيين حينها. يُضاف إلى هذا وذاك صعود الشعور القومي لدى الأذر أو “الإيرانيين الترك” بعد تحرير أذربيجان لإقليم “كاراباخ”، وما تبع ذلك من حالة اشتباك سياسي تحكمها تعقيدات داخلية وتحالفات خارجية بين إيران وأذربيجان[7].
وحتى تاريخ الثامن من شهر كانون الأول ديسمبر في السنة الحالية (2022) وصل عدد قتلى المظاهرات إلى 458 قتيلاً؛ نسبة كبيرة منهم (128 شخصاً) ما يُقدر بـ 27% كانوا في محافظة سيستان بلوشستان ذات الأغلبية السنية، و53 قتيلاً في محافظة كردستان، و53 في أذربيجان الغربية، وهناك أيضاً 46 قتيلاً في العاصمة طهران[8]؛ مما يشير إلى امتداد الاحتجاجات إلى العاصمة، وبحسب بعض الإحصائيات فإن غالبية القتلى في الاحتجاجات من الأقليات العرقية الأكراد والبلوش، أو الدينية إذ ينتمي معظم البلوش إلى الأقلية السنية[9]. وبحسب تقرير أحدث فقد قُتل أكثر من 500 متظاهر، بينهم 69 طفلاً، وأعدمت السلطات الإيرانية اثنين من المتظاهرين، ويواجه ما لا يقل عن 26 آخرين المصير نفسه بعد ما أسمتْه منظمة العفو الدولية “المحاكمات الصورية”[10].
نبذة عن المواقف الدولية من الاحتجاجات:
شأنها شأن كل الاضطرابات التي تشهدها أية دولة حظيت المظاهرات الإيرانية بمواقف إقليمية ودولية متباينة، ومن الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن البحث عن موقف الولايات المتحدة لأن له الأثر الأبرز، لاسيما بعد اتهام خامنئي الاحتجاجات بأنها صناعة “أمريكية صهيونية”؛ فقد أعلن الرئيس الأمريكي أن بلاده ستفرض عقوبات إضافية على مرتكبي أعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين[11]، وانتقد خصوم بايدن السياسيين من الجمهوريين هذا الرد ووصفوه بأنه “ضعيف”[12].
وفيما يتعلق بالطرف الثاني المتهم من قبل خامنئي، وهو الطرف “الاسرائيلي”؛ فإنه لم تصدر مواقف واضحة ورسمية من “إسرائيل”، لكن رئيس جهاز المخابرات “الإسرائيلية” قال: “إن المظاهرات في إيران بدأت تنحو منحى الانتفاضة الشعبية، غير أنه لا خطر حقيقي على النظام”[13].
وقد تعاملت تركيا ببرود مع الأزمة ولم يصدر منها أي تعقيب رسمي على المظاهرات، وهذا لا يعني أنها غير مهتمة، لكنّ الأمر يرجع في رأي بعض المحللين إلى عاملَين: أحدهما هو الانتخابات الداخلية القادمة بحكم حساسية الوضع، لاسيما وأن المجتمع المدني التركي “العلماني” متفاعل جداً مع قضية علماني- إسلامي ومع حرية اختيار المرأة لملابسها، فضلًا عن ملاحظة أن محرك احتجاجات الشارع الإيراني كان ابتداءً الهوية الكردية[14]، بما يمثله ذلك من حساسية مفرطة لأنقرة. والثاني متعلق بتجنب أنقرة إثارة حفيظة طهران مع وجود مجالات تعاون كبيرة بينهما تجارية وسياسية، ومنها عملية أستانا لإيجاد حل “للأزمة السورية”[15].
وعلى خلفية الأزمة فرض الاتحاد الأوربي عقوبات على بعض المسؤولين الإيرانيين على علاقة بقمع المظاهرات، إضافة إلى صدور بعض التصريحات من زعماء بعض الدول الأوربية الداعمة للاحتجاجات، وعبّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي عن إدانة الاتحاد للقمع العنيف للمتظاهرين[16]؛ مما حمل طهران على الردّ باستدعاء السفير الألماني فيها[17]، الأمر الذي فعلته أيضاً مع السفير البريطاني والسفير النرويجي مُبديةً احتجاجها الشديد على استضافتهم وسائل إعلام تعمل على التحريض على أعمال الشغب وتوسيع نطاق الاضطرابات في البلاد[18].
ومن غير المتوقع أن يكون للصين تعقيبات في غير صف النظام في إيران؛ فالأنظمة السلطوية الاستبدادية متشابهة، لا ترغب في أن يكون للشارع أي صوت؛ لذا كان الصمت الصيني سيد الموقف، لاسيما مع بعض الاضطرابات الداخلية التي شهدتها الصين بسبب سياسة الإغلاق ضد فيروس كورونا، فيما اقتصر تعليق روسيا على التعريض بانتقاد الولايات المتحدة لاحتجاجات إيران بالقول: “إنه لأمر مقلق أن تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية عن الاحتجاجات في إيران؛ وليس عن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني”[19].
الاحتجاجات ومستقبل المحادثات بشأن الاتفاق النووي:
فيما يبدو أن الاحتجاجات الداخلية في إيران متجهة نحو التصعيد؛ لذا فإن من المهم ربط ذلك بحجر الزاوية في علاقات إيران الخارجية، ألا وهو الاتفاق النووي[20] (ما يُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني JCPOA[21])، والذي ازداد تعثر إحيائه بعد سلسلة خطوات تصعيدية بين الإيرانيين والغرب إثر طلب إيران إيقاف تحقيقٍ للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد اكتشاف آثار ليورانيوم في ثلاثة مواقع نووية قديمة غير معلنة[22]، وبعد أن قرَّرت إيران زيادة التخصيب في أحد المواقع النووية بنسبة 60%، وهو ما أثار ردوداً دولية[23]، لاسيما بعد خيبات الأمل الأوربية من التصلب الإيراني؛ مما أسهم في حدوث تحوُّل في الموقف الأوربي تجاه طهران، خاصة بعد رفض الإيرانيين المقترحات الأوروبية المتعلقة بتعديل الاتفاق النووي، إذ يرى الأوروبيون أن ما قدموه من مقترحات لتعديل الاتفاق كان في منتهى المرونة، وأنهم قدموا تنازلات كبيرة لإيران، بما في ذلك فرض غرامات مالية على الولايات المتحدة في حال انسحابها من الاتفاق؛ مما قد يمهّد لرفع ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن[24].
يبدو الموقف الأمريكي غير مستعجل إبرام اتفاق نووي مع بلد يعاني من اضطرابات داخلية[25]، لاسيما مع استمرار المواقف الإيرانية المتصلبة، وبحسب بعض المحللين فقد يكون له تأثير على موقف بايدن في انتخابات عام 2024[26]، فيما علّق متابعون آخرون بأن أي اتفاق نووي سيكون بمثابة فرصة لروسيا تستفيد منها[27]، بسبب إصرارها على ضمان مصالحها في مثل هذه الاتفاقيات[28].
فضلاً عن ذلك فإن المعارضة الإيرانية الإصلاحية تقوم بتوظيف الموضوع سياسياً؛ وتزيد انتقاد حكومة رئيسي متهمة إياها بقلة الخبرة في التعاطي مع الملفات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالتعثّر في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، ومن ثم استمرار الضغوط الأمريكية على إيران وعودتها لتكثيف العقوبات، وفي الوقت نفسه لم تحقّق سياسة حل مشكلات إيران بعيداً عن الاتفاق النووي الأهداف المرجوة منها، لتراجع شرعية حكومة رئيسي وهي الحكومة التي جاءت إلى السلطة في ظل مشاركةٍ انتخابية هي الأضعف[29].
يبدو أن التعنُّت الإيراني في موضوع الملف النووي، ورفعهم نسب التخصيب بشكل كبير، وعدم تجاوبهم مع المقترحات الأوربية التي اقترحت غرامات على الإدارة الأمريكية في حال انسحابها مجدداً من الاتفاق؛ كل ذلك دفع بايدن ليقول: “إن الإتفاق النووي قد مات”[30]، على الرغم من أن برنامج بايدن الانتخابي كان في صلبه العودة إلى الاتفاق مع إيران[31].
مستقبل الاحتجاجات وأثرها المتوقع في أنشطة إيران الإقليمية:
يذهب بعض المحللين إلى ترجيح قدرة النظام الإيراني على قمع هذه الجولة من الاحتجاجات، ولكن مع توسُّعٍ للشروخ في بنية النظام وضعفٍ في شعبية الرئيس إبراهيم رئيسي[32]، يترافق ذلك مع قيام النظام ببعض الخطوات الصورية التي تأتي في ظاهرها متسقة مع مطالب المحتجين كإلغاء شرطة الحجاب[33]، ولكن مع افتراض وصول هذه الموجة إلى الانحسار وقدرة النظام على احتوائها فإن المسببات الأولى لإعادة تفجُّر الأوضاع تبقى حاضرة؛ فالأمور تطورت ليس فقط لأن الفتاة المقتولة كردية الأصل مما أنتج احتجاجات فئوية، ولكن لأن الواقع المُثقل بالأزمات يُرجّح أن تعود التعبئة الاجتماعية من جديد مع أيّة حادثة مُماثلة في المستقبل[34].
السيناريو الآخر هو استمرار الاحتجاجات وتوسعها أفقياً وعمودياً وخروجها عن سياقها الاحتجاجي المطالب بإصلاحات بنيوية وبعض الحريات إلى طور الاعتراض الكلي على النظام[35]، لاسيما وأن بعض التقارير تورد أن إيران طلبت من روسيا توفير معدات لقمع الاحتجاجات[36]، وهو ما يشير إلى توقُّع توسُّع رقعة الاحتجاجات.
ويرى عدد من الخبراء أن الاحتجاجات الحالية لا تُعدّ ظاهرة عابرة، على عكس الموجات السابقة من الاحتجاجات، وأن ما يحدث عميق ومؤثر، وستُحدث تغييرات حقيقية في إيران، مشيرين إلى وصول الاحتجاجات إلى الدوائر المقربة من النظام[37]، ومثال ذلك انتقادات شقيقة خامنئي اللاذعة[38].
ويشير الخبراء إلى افتقار الاحتجاجات الحالية لبعض العناصر الفعّالة، كحضور قيادة بارزة وجاذبة، والتمويل المنظم، ودعم “رجال الدين المحترمين”، ورغم افتقادها لهذه العناصر فإن إمكانية التغيير وسرعته لإكمال هذه العناصر واردة وقد تكون مفاجئة بحسب الخبراء.
إن استمرار الاحتجاجات داخلياً، وتزايد الضغوط الخارجية من الغرب بهدف تحصيل تنازلات في الاتفاق النووي يؤثر بلا شك سلباً على قدرة إيران في دعم دورها الإقليمي، لاسيما وأن المحيط متوتر ومضطرب وسط مؤشرات على اهتزاز مناطق النفوذ الإيرانية بعد احتجاجات التيار الصدري في العراق، وتراجع “حزب الله” في الانتخابات النيابية في لبنان[39]، وأزمات نظام الأسد الكثيرة، خاصة أنه يتزامن مع الغرق الروسي في أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يكون النفوذ الإيراني في العراق موضع تأثر في حال استمرار الاحتجاجات، لاسيما وأن دوافع الاحتجاجات تتشابه في الأسباب والمحركات مع الاحتجاجات في العراق في عامي 2019 و2022 باعتبارها ضد الفساد الاقتصادي والأوضاع المعيشية الصعبة[40]، مما يؤثر سلباً بالتأكيد في القوة الناعمة للنموذج الإيراني التوسعي حتى ضمن الطائفة الشيعية وفي السياق العراقي.
يبدو أن إيران تهرب إلى الأمام من خلال إعادة الاستثمار مع المخاوف من “داعش” للجم الأصوات المحتجة[41].
وفي تطور دراماتيكي قد يضع إيران في اصطفاف ومواجهة معقدة في آنٍ معاً مع تركيا في الموضوع الكردي تهدّد إيران باجتياح إقليم كردستان العراقي المجاور لحدودها؛ وذلك لوجود جماعات إيرانية كردية معارضة منفية في الإقليم متّهمة بتأجيج الاحتجاجات الداخلية[42]، تلك التهديدات التي تخلّلتها عمليات قصف صاروخية لمقرات تلك الجماعات كانت ممهورة بمهلة زمنية لعشرة أيام لتنفيذ عدة طلبات حملها معه “إسماعيل قاني” قائد الحرس الثوري الإيراني، وتضمنت طلب المسارعة بحلّ أمر تلك الجماعات الكردية[43].
وقد أفادت بعض التقارير بأن إيران بدأت بسحب بعض مليشياتها من سوريا لتعزيز الجبهات الداخلية[44]، ويأتي ذلك وسط أزمات اقتصادية مركبة يعاني منها نظام الأسد، وأبرزها أزمة النفط والمحروقات، متأثراً يزيادة الضغوط على إيران التي تراجعت قدرتها على إمداد نظام الأسد بالنفط[45].
خاتمة:
يبدو أن التدافع الجديد الذي أفرزته التطورات في السنة الأخيرة، كالحرب الروسية الأوكرانية، واصطفاف إيران ونظام الأسد مع روسيا في حربها ضد الأوكرانيين قد انعكس بأشكال مختلفة على الملف السوري، وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية تراخت في تطبيق قانون قيصر على نظام الأسد، وكذلك في العقوبات على النظام الإيراني مقدمةً لخطتها للعودة للاتفاق النووي؛ إلا أنها وجدت نفسها مرة أخرى مضطرة للعودة إلى ما يشبه سياسات “الضغط القصوى” التي طبّقتها إدارة ترامب السابقة، ويبدو أن هذا ما ساعد أيضاً في تمرير قانون مكافحة المخدرات ضد نظام الأسد؛ حيث إن الولايات المتحدة غالباً ما تنظر إلى الملف السوري بوصفه جزءاً من ملف أكبر متعلق بالملف الإيراني بالدرجة الأولى، وتوافق سابقاً إقرار قانون قيصر مع تطبيق سياسات الضغط القصوى على النظام الإيراني وأذرعه، وهذا ما يبدو أنه يتكرر مع فوارق جديدة، كدعم كل من نظام الأسد والإيرانيين للروس في حربهم ضد أوكرانيا.
وعلى الرغم مما بدا من تسارُعٍ لدى العديد من الدول نحو التطبيع مع نظام الأسد؛ فإن عدم رغبة نظام الأسد وعدم قدرته على تحقيق مصالح الدول يضع العصيّ في عجلات تسارع التطبيع، ويعطي الفرصة لقوى المعارضة السورية لالتقاط الأنفاس ولملمة أوراقها؛ بحثاً عن مختلف طرق الكفاح والنضال من جديد للبقاء، ومنعاً لتصفية القضية السورية.
لمشاركة التقرير:
- الورقة البحثية: استثمار إيران في جماعات الغلوّ والتطرّف، مركز الحوار السوري، 21/1/2022.
- الورقة البحثية: إيران والتنظيمات المتطرفة …. علاقات وتوافقات في مناطق الصراع، مركز الحوار السوري، 29 /8/2022.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد