بيانات السوريين في تركيا؛ ما تحكيه الأرقام
مقدمة
اعتُبرت موجات اللجوء السوري من أبرز القضايا المفصلية التي أثّرت في واقع دول الجوار بشكل خاص، وتسبّبت بأزمات داخلية وخارجية فيها، وبات الملف السوري الملف الأبرز في الاستقطابات الداخلية وعلى قائمة المواضيع التي يتناقلها السياسيون في تلك الدول، ويتم اعتباره السبب في المشاكل التي تعاني منها البلاد.
استقبلت تركيا منذ عام 2012 العدد الأكبر من اللاجئين السوريين حول العالم، واتسمت سياستها حيالهم بعدة تغيرات؛ بدءاً بسياسات التنظيم والتقييد، إلى سياسات إعادة التوزيع، ثم التشجيع على العودة إلى سوريا دون التأكد من توفر الشروط الملائمة للعودة. وأصبح الوجود السوري في مقدمة البرامج الانتخابية لمختلف الأحزاب التركية؛ تحاول استمالة الناخب التركي من خلال تقديم تصوراتهم لحل هذه المشكلة ذات الطابع الأمني والديمغرافي والاقتصادي والسياسي.
لقد أسهم غياب المعلومة الدقيقة عن المجتمع التركي وحتى السوري في انتشار كثير من المعلومات المغلوطة التي أصبحت من المسلَّمات في بعض الأحيان؛ مما أثّر في ارتفاع وتيرة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وفي نشر الذعر والقلق والاعتماد على الإشاعات من جهة أخرى، خاصة مع شحّ المعلومات والتصريحات الحكومية.
منذ قدوم السوريين إلى تركيا كانت الإحصائيات الرسمية حول أعدادهم وتوزعهم شحيحة وغير معلنة للعامة؛ إذ إنّ الإحصائيات التي تنشرها إدارة الهجرة التركية مخصصة لبعض المؤسسات الحكومية والجمعيات، التي عمل بعضها على نشر هذه الإحصائيات بين الفينة والأخرى.
إن المعلومة الدقيقة يمكن أن توفر كثيراً من الوقت والجهد، وتساعد في فهم طبيعة الوجود السوري في تركيا والسياسات الحكومية الناظمة له؛ إلا أن شحّ هذه المعلومات واقتصارها على دائرة الهجرة يجعل السوريين دائماً في دائرة الاتهام، حتى من قبل الجاليات الأجنبية الموجودة في تركيا.
يحاول هذا التقرير جمع البيانات المتاحة والمنشورة على المصادر المفتوحة وتحليلها بهدف استخلاص مزيد من المعلومات تساعد في: فهم خريطة الوجود السوري في تركيا، وتعريف السوريين وغيرهم بالحقائق الجديدة التي تعكسها نتائج التحليل، وفي تسهيل وصول المختصين إلى مصادر المعلومات، وجعله مرجعاً بالنسبة إليهم يساعدهم في مناقشة أوضاع السوريين بدقة خلال الاجتماعات مع الأطراف التركية المعنية.
يسعى التقرير للإجابة عن السؤال الآتي: “ما هي المعلومات الإضافية التي يمكن استخلاصها من بيانات السوريين المنشورة دورياً في المصادر المفتوحة؟”
إذ ينتهج هذا التقرير المنهج الوصفي التحليلي، الذي يعتمد على مخرجات التحليل الإحصائي للبيانات المتاحة في المصادر المفتوحة.
ويركز التقرير على دراسة تغيُّر أعداد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا، وشكل هذا التغير وفقاً لمتغيرات العمر والجنس، وتوزع هذه التغيرات وفقاً للمدن، كما يتطرق لدراسة التغيرات في أرقام “العائدين طوعاً” التي تنشرها المعرفات الرسمية للمعابر الحدودية، بالإضافة إلى تسليطه الضوء على التطورات في قضايا تجنيس السوريين ومنحهم أذونات العمل، وأعداد الطلاب السوريين في المدارس والجامعات التركية وتغيراتها عبر السنوات.
أولاً: تغيُّر أعداد السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة:
من الصعب الوصول إلى المعلومات التفصيلية التي تتعلق بالوجود السوري في تركيا؛ لأن هذه البيانات محصورة بدائرة الهجرة التركية، إلا أن إحدى المنظمات التركية بدأت بنشر بعض البيانات التي تعود إلى بيانات دائرة الهجرة، وقد تم توثيقها وتحليلها بهدف استخلاص معلومات إضافية عن وجود السوريين في تركيا[1].
وصل السوريون الحاملون لبطاقة الحماية المؤقتة في تركيا ذروة عددهم في كانون الأول عام 2021؛ إذ بلغ عددهم قرابة 3.74 مليون سوري، في ارتفاع قدره 320 ألف شخص عن الفترة ما بين نهايتَي عامَي 2017 -2021، ثم عاود هذا الرقم الانخفاض بشكل واضح ليصل إلى أدنى معدلاته بين عامي 2022 حتى منتصف 2023، ليصل إلى 3.35 مليون نسمة، بانخفاض قدره 400 ألف نسمة تقريباً خلال أقل من عام ونصف (الشكل 1).
وتشير البيانات إلى أن أعداد السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة قد شهد انخفاضاً سابقاً في عام 2019 عقب الانتخابات البلدية، حين أطلقت الحكومة التركية حملة لملاحقة المخالفين من السوريين الذين يقيمون في ولايات غير التي استخرجوا منها بطاقاتهم[2]؛ إلا أن السنوات التي تلت الحملة شهدت ارتفاعاً في أعداد السوريين، وهو ما قد يشير إلى رغبة السوريين المخالفين ولا يملكون أوراق ثبوتية في تصحيح أوضاعهم واستخراج “كمالك”[3] من الولايات المتاحة التي كانت تمنح هذه الوثائق.
إلا أن البيانات السابقة تشير أيضاً إلى عودة الانخفاض في أعداد السوريين، لاسيما منذ بداية عام 2023؛ إذ انخفضت أعداد السوريين في الأشهر الستة الأولى من العام بمقدار 230 ألف شخص، وهو ما يشكل 6% من إجمالي عدد السوريين في تركيا، وقد شهدت هذه الفترة أحداثاً مهمة ومؤثرة؛ مثل زلزال 6 شباط، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والحملة الأمنية التي شنّتها الحكومة التركية ضد الهجرة غير الشرعية (الشكل 2).
الشكل 2:تغيُّر أعداد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا عام 2023
وتعكس الأرقام التغيرات في أعداد السوريين الذين يملكون صفة قانونية رسمية “تحت الحماية المؤقتة” ولديهم أوراق ثبوتية نظامية، أي أن هذه الأرقام لا تشمل أعداد السوريين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية ولا الذين تم إيقاف بطاقات إقامتهم السياحية أو غيرها.
من الصعب تقديم تقديرات دقيقة للإجابة عن سؤال: “أين ذهب هذا العدد من السوريين البالغ قرابة 400 ألف نسمة خلال 18 شهر؟” فلا تصورات دقيقة عن واقعهم؛ فقد يكون هذا الانخفاض عائداً إلى الذين قضوا في زلزال شباط 2023 ويُقدر عددهم بـ5439 سورياً[4]، و/أو أولئك العائدين طوعاً عبر المعابر ويبلغ عددهم 24183 سورياً وفقاً لبيانات المعابر المعلنة لعام 2023م[5]؛ فهذان الرقمان يشكّلان ما يعادل 13% من إجمالي حجم الانخفاض الحاصل في حجم السوريين[6]، في حين أن غالبية الانخفاض قد يعود إلى أولئك الذين تم تجميد قيود الكيملك السابقة بسبب مشاكل في قيد السكن، ولم يتمكنوا من تصحيح أوضاعهم بعد[7]، أو إلى الذين هاجروا إلى أوروبا أو الذين غادروا تركيا لوجهة أخرى في وقت سابق.
ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الولايات توقفت عن منح الكيملك في عام 2018، كولاية إسطنبول و9 ولايات حدودية[8]، ثم توقف منح بطاقات الكيملك لأول مرة في سائر الولايات بداية عام 2023؛ وذلك نتيجة تعديلات وتغييرات في نظام الحماية المؤقتة، الذي لم يعد يتيح للذين لا يحملون هذه البطاقة تسجيل بياناتهم مباشرة في مراكز الهجرة في الولايات التركية المتاحة؛ وإنما أصبح عليهم تسليم أنفسهم، والبقاء في مخيمات مخصصة ليتم دراسة ملفاتهم بعد تجميعهم في مراكز خاصة بانتظار البتّ في أمورهم، وذلك لاعتبارات ترى أن أسباب اللجوء الجديدة أصبحت أسباب اقتصادية ولم تعد هرباً من الحرب[9].
وبشكل عام توزَّع السوريون تحت الحماية المؤقتة وفق الشرائح العمرية بنسب ثابتة خلال السنوات الماضية رغم التغير في أعدادهم؛ إذ تشكل شريحة الأطفال قرابة 48% من إجمالي عدد السوريين، وتشكل شريحة البالغين في سن العمل (بين 19- 60 عاماً) نسبة مشابهة تتراوح بين 48-49%، في حين تتراوح نسبة الكهول فوق الـ 60 عاماً 3-4% تقريباً (الشكل 3).
الشكل 3: تغيُّر نسب الفئات العمرية بين السوريين في تركيا وفقاً للسنوات
وبالنظر إلى توزع هذه الشرائح وفقاً للجنس تشير النتائج إلى أن نسبة الأطفال الذكور ثابتة خلال الأعوام السابقة وتشكل 25% من إجمالي عدد السوريين في تركيا، في حين تتراوح نسبة الأطفال الإناث بين 22-23%من إجمالي عددهم. أما ما يتعلق بشريحة البالغين وفقاً للجنس فيبدو أن نسبة البالغين من الذكور أعلى من الإناث، فتتراوح نسبة البالغين الذكور بين 26-28% من إجمالي نسبة السوريين في تركيا، في حين تتراوح نسبة الإناث بين 21-22%. وتبدو نسبة الكهول الذكور أقل بدرجة بسيطة من نسبة الكهول الإناث، ففي حين بلغت نسبة الكهول الذكور 1.5% تراوحت نسبة الكهول من الإناث 1.6-1.7%. (الشكل 4)
الشكل 4: تغيُّر نسب الفئات العمرية بين السوريين وفقاً للعمر والجنس
وعند تحليل البيانات بشكل تفصيلي وفقاً لعامل العمر تُظهر الأرقام أن حجم الانخفاض الحالي في الأشهر الثلاثة الأخيرة والبالغ 21634 نسمة لم يكن انخفاضاً حقيقياً؛ فالأرقام تشير إلى أن الانخفاض الحاصل في شريحتي الأطفال والبالغين بلغ 23064 نسمة، في حين ارتفعت أعداد الكهول خلال هذه الفترة بمقدار 1982 نسمة، وهو ما أثّر في إجمالي الأرقام (الشكل 5).
تُظهر الأرقام أن نسبة الانخفاض في عدد السوريين توزعت وفق الجنس بنسبة 68% من الذكور و32% من الإناث بشكل عام، وهو ما يعني ارتفاع عدد العوائل التي خسرت مُعيليها نتيجة الهجرة أو العودة “الطوعية”. وقد توزع هذا الانخفاض مناصفة بين شريحة الأطفال دون الـ 19 عاماً وشريحة البالغين بين 19 -59 سنة بنسبة 51% للأولى و49% للثانية، في حين ارتفع حجم شريحة الكهول (الشريحة فوق الـ 60 عاماً) مقارنة بحجمها في بداية العام. وبالنظر إلى صفات هذه الشريحة من حيث الجنس فمن الملاحظ أن انخفاض أعداد السوريين من شريحة الأطفال كان بنسبة 28% من الذكور و23% من الإناث، في حين كانت في شريحة البالغين 39% من الذكور و10% من الإناث، أي: أنثى بالغة مقابل كل أربعة ذكور بالغين تقريباً (الشكل 6).
الشكل 6: الشرائح التي أُلغيت قيودها من نظام الحماية المؤقتة وفقاً لمتغيري العمر والجنس حتى نهاية تموز 2023
ويمكن أن يكون التراجع في نسبة البالغين الذكور الذي بدأ يُلاحظ في بداية عام 2022 عائداً إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، أو بسبب زيادة حالات الترحيل التي استهدفت الذكور بشكل رئيسي؛ فمن الصعب اعتبار هذا التناقص عائداً إلى الرغبة في العودة الطوعية، لأنه لم يُلاحظ في حالة الإناث أو الأطفال، على أن اعتبار العودة الطوعية ستشمل العائلة كاملة.
ومن الجدير بالذكر ارتفاع نسبة الأطفال القُصّر غير المصحوبين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا؛ فقد انتشرت مؤخراً كثيرٌ من الاستفسارات على المجموعات الخدمية تشير إلى قيام بعض العائلات بإرسال أطفالهم مع بعض المعارف من أجل أن يقوم هؤلاء الأطفال لاحقاً بلمّ شمل عائلاتهم.
ثانياً: أعداد “العائدين عبر المعابر البرية”[10] وفقاً لبيانات المعابر على الطرف السوري:
في محاولة لفهم خريطة تحركات السوريين من حملة الحماية المؤقتة وحجمها كان لابد من دراسة بيانات “العودة الطوعية“ الصادرة عن الصفحات الرسمية للمعابر الحدودية على الطرف السوري منذ سنوات بشكل دوري، التي تستعرض حركة الدخول والخروج عبر تلك المعابر، وتشير ضمن بياناتها إلى أرقام “العائدين طوعياً” بشكل شهري أو سنوي، وقد تم جمع البيانات الصادرة عن المعرّفات الرسمية لهذه المعابر وتحليل أرقامها إحصائياً[11].
ومن الجدير بالذكر أن الأرقام المذكورة التي تُنشر تحت بند العائدين طوعياً تشمل حالات العودة الطوعية الحقيقية وعمليات الترحيل القسري التي تم إجبار أصحابها على توقيع أوراق “العودة الطوعية”[12]، وسط نفي حكومي لحدوث مثل هذه الانتهاكات[13]؛ إلا أنه وفقاً للبيانات المتاحة من الصعب التمييز بين النوعين من العودة أو تحديد حجم كل منهما.
تُظهر بيانات المعابر الحدودية أن عام 2019 شهد أكبر عدد من العائدين عبر المعابر البرية، وذلك بالتزامن مع الحملة الأمنية السابقة التي شنّتها الحكومة التركية عقب الانتخابات البلدية[14]، وانخفض مجموع العائدين بشكل واضح في عامَي 2020-2021، ليعاود الارتفاع مجدداً عام 2022، وتشير الأرقام الواردة في الأشهر السبعة من عام2023 إلى أن معدلات العائدين عبر المعابر البرية ستصل في نهاية العام إلى ما يقارب العام الماضي (الشكل 7).
الشكل 7: أعداد العائدين عبر المعابر البرية سنوياً إلى سوريا بين 2019-2023
وبالنظر إلى وسطي أعداد العائدين عبر المعابر البرية نلاحظ أن الأعداد تراوحت بين 72 -243 شخصاً يومياً (الشكل 8)، مع الإشارة إلى أنه من المفترض أن تشمل هذه الأعداد حملة الأوراق النظامية “الكيملك”، ومن غير الواضح فيما إذا كانت أرقام الأشخاص المرحَّلين الذين لا يملكون قيوداً نظامية.
الشكل 8: وسطي العائدين عبر المعابر البرية يومياً إلى سوريا بين 2019-2023
بالنظر إلى واقع حركة السوريين في عام 2023 نلاحظ أن أعداد العائدين عبر المعابر البرية كانت مرتفعة في بداية العام، ثم تراجعت دورياً في الأشهر الأربعة اللاحقة (بعد حدوث الزلزال)، ثم عاودت الارتفاع بشكل ملحوظ في حزيران وتموز بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما يمكن تفسيره بأنه نتيجة للحملة الأمنية التي شنّتها الحكومة التركية لضبط وجود الأجانب والوجود غير الشرعي، ومن الصعب أيضاً التحقق مما إذا كانت هذه العودة طوعيةً أم أنها تمّت تحت الضغط. (الشكل 9).
وبالنظر إلى الوسطي اليومي لأعداد العائدين عبر المعابر البرية هذا العام نجد أنها تتراوح بين 75-176 شخصاً؛ فبيانات الشهرين الأخيرين تُظهر ارتفاعاً واضحاً زاد عن ضعف الأعداد المسجلة في شهر أيار (الشكل 10).
ومن الملاحظ أن عمليات “العودة الطوعية” هذا العام تمت من المعابر الأربعة، على عكس ما هو معلن في السنوات السابقة؛ إذ كان يتم توجيه العائدين إلى معبر باب الهوى أو معبر باب السلامة، ومن اللافت أن العدد الأكبر من “العائدين طوعياً” تم إدخالهم من معبر تل أبيض (الشكل 11) في منطقة نبع السلام “منطقة تل أبيض وراس العين”، وهي منطقة شبه فارغة لا يتجاوز عدد سكانها 250 ألف نسمة تفتقر إلى الخدمات، وهو ما قد يعزّز فرضية أن معظم العائدين أُجبروا على العودة وتم ترحيلهم بالإكراه دون أن تكون لهم حرية الاختيار[15].
الشكل 11: إجمالي أعداد ” العائدين طوعياً ” وفقاً للمعبر بين كانون 2 -تموز 2023
وبالنظر إلى أرقام “العودة الطوعية” التي يصرّح بها مسؤولون أتراك يُلاحظ وجود فجوات وتضارب في الأرقام المعلنة؛ فعلى سبيل المثال: أعلنت وزارة الدفاع في تصريحين مختلفين عام 2021 وعام 2023 تسجيل أكثر من مليون “عودة طوعية”[16]، في حين أشار الرئيس أردوغان في تموز 2023 إلى أن أعداد العائدين طوعياً تجاوزت 600 ألف نسمة[17]. بينما تتضارب أرقام وزارة الداخلية وفق تصريحات المسؤولين؛ ففي تصريحَين لنائب وزير الداخلية ذكر أن أرقام “العائدين طوعياً” بلغت في شهر أيار 2022 قرابة 497926 شخصاً[18]، وارتفعت في الشهر الذي يليه لتبلغ 507292 شخصاً[19]، بفارق قدره 9366 شخصاً في شهر واحد؛ وهو ضعف الوسطي الشهري لعدد العائدين في ذلك العام وفقاً لبيانات المعابر.
في حين أشارت تصريحات وزير الداخلية السابق في أيار 2022 إلى أن عدد “العائدين طوعياً” بلغ 502000 شخصاً[20]، وهو رقم لا يتطابق مع تصريحي نائب وزير الداخلية الصادرين في فترة قريبة، كما أعلن وزير الداخلية بعد قرابة 5 أشهر أن العدد وصل إلى 529000 شخصاً[21]، بفارق قدره 27 ألف شخص؛ وهو يشكّل نصف الرقم المسجل ضمن بيانات المعابر بمعدل شهري يبلغ 6750 شخصاً شهرياً، ثم عاد ليعلن في أيار 2023 أن الأعداد بلغت 554000 شخصاً، بفارق 25 ألف شخص خلال سبعة أشهر[22]. (الشكل 12).
الشكل 12: التصريحات التركية حول أعداد “العائدين طوعياً”
وبالنظر إلى الأرقام السابقة ومقارنتها بالبيانات المسجلة في المعابر تبدو بيانات المعابر الحدودية على الطرف السوري أقرب إلى تصريحات وزير الداخلية، وبالتالي يمكن اعتبار أرقام المعابر ذات موثوقية مقبولة.
ثالثاً: المحافظات التركية وتوزُّع السوريين فيها:
أثار توزُّع السوريين في عموم المحافظات التركية اهتماماً واسعاً، وكان من التحديات التي تواجهها الحكومة التركية؛ فقد تُرك للسوريين ابتداءً حرية اختيار الولاية التي يقيمون بها، مما أدى إلى تمركزهم في الولايات الحدودية وبعض الولايات الكبرى مثل إسطنبول، وحاولت الحكومة التركية في وقت متأخر بعد عام 2018 التحكم في إعادة توزيع السوريين ضمن تلك الولايات، من خلال إغلاق تام أو جزئي لبعض الولايات ومنع منح بطاقات حماية مؤقتة فيها، وتقديم تسهيلات لمنح هذه البطاقات في ولايات أخرى.
وتشير نتائج تحليل البيانات المنشورة على موقع “جمعية اللاجئين” إلى أنه يمكن التمييز بين ثلاثة مناطق في تركيا (الشكل 13)، هي:
- الولايات التي تركز فيها غالبية السوريين (80% منهم)، وهي 11 ولاية من أصل 81 ولاية تركية[23].
- الولايات التي يعيش فيها قرابة 16% من السوريين: وهي 19 ولاية[24]، تضم هذه الولايات ما بين 10 ألاف -100 ألف سوري.
- الولايات التي تضم كل منها أقل من 10 آلاف سوري: هي التي منحت تسهيلات في الحصور على الكيملك في الفترة من منتصف 2022 حتى بداية 2023، بعد أن توقفت العديد من الولايات عن تسجيل السوريين فيها، وهي 48 ولاية جديدة[25]؛ ليصبح عدد الولايات التي تملك بيانات للسوريين 78 ولاية.
الشكل 13: توزع الوجود السوري في الولايات التركية- بيانات عام 2023
خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023 طرأت تغيرات واضحة على أعداد السوريين في تلك الولايات، لا سيما بعد زلزال شباط، والحملة الأمنية التي أطلقتها الحكومة التركية لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين؛ حيث نلاحظ تراجعاً في أعداد السوريين بشكل واضح في عدد من الولايات، وارتفاعاً طفيفاً في أعدادهم في ولايات أخرى (الشكل 14).
الشكل 14: خريطة التغير في الوجود السوري ضمن الولايات التركية في النصف الأول من عام 2023
وبالنظر إلى التغيرات التفصيلية الحاصلة في أعداد السوريين في تلك الولايات نلاحظ أن أكثر الولايات التي تناقص فيها أعداد السوريين هي الولايات الحدودية: هاتاي في المرتبة الأولى، تليها شانلي أورفا وغازي عنتاب وكيلس، ثم جاءت إسطنبول وأضنة (الشكل 15). ومعظم هذه الولايات تُعد من الولايات التي تتركز فيها أعداد كبيرة من السوريين، وقد يكون هذا النقص بسبب الوفيات نتيجة الزلزال، أو بسبب عمليات “العودة الطوعية”، أو بسبب الترحيل نتيجة مخالفات متراكمة، أو وجود بعض الأشخاص في ولايات غير ولاياتهم المسجلين بها، أو بسبب السفر إلى خارج تركيا بشكل نظامي أو غير نظامي.
الشكل 15:الولايات التي تراجعت فيها أعداد السوريين خلال النصف الأول من عام 2023
على الرغم من أن معدلات النقص كانت الأعلى في هذه الولايات؛ إلا أن حجم النقص لم يكن مؤثراً بشكل ملموس في نسبة السوريين فيها، فعلى سبيل المثال: تراجعت نسبة السوريين في هاتاي بمقدار 12%، وفي شانلي أورفا بمقدار 10%، وفي كيلس بمقدار 14%، وفي كهرمان مرعش 6.7%، وفي أنقرة 6.3% (الشكل 16) وذلك لارتفاع أعداد السوريين المقيمين فيها أساساً. في حين كان تراجع أعداد السوريين واضحاً في كل من هكاري وشرناق وبابيوت وعدد من الولايات التي منحت بطاقات الكيملك في منتصف 2022، وهذا لا يمكن تفسيره إلا بأن السوريين المقيمين في هذه المناطق لم يجدوا فرص عمل مناسبة فاختاروا العودة أو مغادرة تركيا، أو انتقلوا إلى ولايات أخرى وتم القبض عليهم فيها وإبطال قيودهم نتيجة مخالفتهم القوانين.
الشكل 16: الولايات التي تراجعت فيها نسب السوريين خلال النصف الأول من عام 2023
وفي الوقت ذاته شهدت بعض الولايات ارتفاعاً يسيراً في أعداد السوريين فيها، وهو ارتفاع لم يصل للألف نسمة في أحسن أحواله، وقد لُوحظ هذه الارتفاع في كل من قيصري وإسبارطة وتيكرداغ (الشكل 17). وبالنظر إلى إيقاف منح بطاقات حماية مؤقتة جديدة منذ بداية 2023 يمكن تفسير هذه الزيادة بكونها تعود إلى الولادات الجديدة، أو لمّ شمل بعض أفراد العائلات ممن يملكون قيوداً في ولايات أخرى، أو نقل القيود بسبب إذن العمل أو القيود الجامعية، وهي الحالات الوحيدة التي يُسمح فيها بنقل قيود الكيملك إلى مكان آخر.
الشكل 17: الولايات التي ازدادت فيها أعداد السوريين خلال النصف الأول من عام 2023
ومن الملاحظ أن هذه الزيادات كانت متواضعة جداً لم تؤثر في أعداد السوريين أو نسبتهم بشكل ملموس، وتركزت في الولايات التي منحت الكيملك بعد 2023، ولم تتجاوز 34% في أعلى الحالات، كما في ولاية كيركلاريلي وولاية تونجلي، فوصلت أعداد السوريين بعد الزيادة إلى 1706 نسمة في الأولى، و39 نسمة في الثانية والذي قد يعود إلى تسهيلات نسبية تقدمها تلك الولايات في موضوع لم الشمل أو نقل القيود (الشكل 18). كما لا يمكن اعتبار هذه الزيادة ذات منحى ثابت؛ فبالنظر إلى أرقام هذه الولايات نجد أن الأعداد تتأرجح صعوداً وهبوطاً بفوارق بسيطة شهرياً، لكنها ما تزال تشكل زيادة مقارنة بالأرقام بداية العام.
الشكل 18: الولايات التي ازدادت فيها نسبة السوريين خلال النصف الأول من عام 2023
أما ما يتعلق بالتغيرات الخاصة بالولايات عبر السنوات السابقة[26] فقد شهدت ولاية إسطنبول -التي تأتي في المرتبة الأولى من حيث الولايات التي تضم أكبر عدد من السوريين – تغيرات واضحة في أعداد السوريين المقيدين فيها بشكل نظامي، وقد وصلت ذروة أعدادهم إلى 563 ألف نسمة تقريباً منتصف عام 2018، ثم تراجعت الأعداد بشكل حادّ وبنقص قدره 88 ألف نسمة (-16%) في أواخر عام 2019 إبان الحملة الأمنية ضد المخالفين، ثم عاودت الارتفاع مجدداً في السنوات اللاحقة بزيادة قدرها 72 ألف نسمة (+ 15%) في نهاية عام 2022. ويمكن تفسير هذا الارتفاع بأنه نتيجة بعض التسهيلات الممنوحة لنقل قيود مَن يدرس أطفاله ضمن مدارس إسطنبول من محافظاتهم الأساسية إلى إسطنبول منذ سنوات[27]، أو عمليات نقل القيود لمن يملك إذن عمل فيها ومَن حصل على قيود جامعية في جامعاتها[28]، ثم عاودت الانخفاض مجدداً هذا العام بنسبة (-3%) وبما يقارب 16 ألف نسمة. (الشكل 19).
الشكل 19: تغيُّر عدد السوريين في ولاية إسطنبول خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية غازي عنتاب – التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث أكثر الولايات التي يوجد فيها سوريون ومن الولايات المتضررة بالزلزال – تبدو تغيرات الأرقام فيها أكثر تجانساً؛ فقد ارتفعت أعداد السوريين فيها لتصل إلى ذروتها في منتصف 2022، بزيادة قدرها 114000نسمة تشكل 33% من حجم السوريين نهاية عام 2017، إلا أن هذه الأرقام عاودت الهبوط بمقدار 21 ألف نسمة وبما يشكل 5% من عدد السكان في الأشهر الستة الأخيرة (الشكل20).
الشكل 20: تغيُّر عدد السوريين في ولاية غازي عنتاب خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية أورفا -التي تُعد في المرتبة الثالثة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين، وتضم أتراكاً من أصول عربية- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً يتجه نحو الهبوط؛ فقد تناقص عدد السوريين المقيدين في هذه الولاية 141 ألف شخص، وهو ما يشكّل 30% من إجمالي عدد سكانها في منتصف عام 2018 (الشكل 21).
الشكل 21: تغيُّر عدد السوريين في ولاية أورفا خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية هاتاي -التي تأتي في المرتبة الرابعة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً يتجه نحو الهبوط كما في أورفا؛ فقد تناقص عدد السوريين المقيدين في هذه الولاية 144 ألف شخص، وهو ما يشكّل 32% من إجمالي عدد سكانها في نهاية عام 2017 (الشكل 22).
الشكل 22: تغيُّر عدد السوريين في ولاية هاتاي خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية أضنة -وهي في المرتبة الخامسة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين أخذت منحى متجانساً فيها يتجه نحو الصعود كما في غازي عنتاب؛ ففي منتصف عام 2022 وصلت أعداد السوريين فيها إلى حدّها الأعلى وقاربت 257 ألف نسمة، بزيادة قدرها 85 ألف نسمة عن أعدادهم في أواخر عام 2017 (الشكل 23).
الشكل 23 : تغيُّر عدد السوريين في ولاية أضنة خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية مرسين -وهي في المرتبة السادسة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً نسبياً يتجه نحو الصعود كما في غازي عنتاب، ولكن مع تراجع في أعداد السكان في منتصف عام 2019، ثم عاودت الأعداد الارتفاع لتصل إلى ذروتها في منتصف 2022، بزيادة قدرها 85 ألف نسمة (الشكل 24).
الشكل 24 : تغيُّر عدد السوريين في ولاية مرسين خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية بورصة -وهي في المرتبة السابعة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً نسبياً يتجه نحو الصعود كما في غازي عنتاب، لتصل إلى ذروتها في منتصف 2022، بزيادة قدرها 51 ألف نسمة، وهو ما يشكّل 38% من إجمالي عدد السوريين في أواخر عام 2017 (الشكل 25).
الشكل 25: تغيُّر عدد السوريين في ولاية بورصة خلال السنوات 2017-2023
وفي ولاية إزمير -وهي في المرتبة الثامنة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين وتُعد من الولايات التي تديرها أحزاب المعارضة- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً نسبياً يتجه نحو الصعود كما في غازي عنتاب، لتصل إلى ذروتها في منتصف 2022، بزيادة قدرها 20 ألف نسمة، وهو ما يشكّل 15% من إجمالي عدد السوريين في أواخر عام 2017؛ إلا أن الأرقام عاودت الهبوط بشكل واضح خلال العام الماضي بنقص قدره 13 ألف نسمة (الشكل 26).
الشكل 26: تغيُّر عدد السوريين في ولاية إزمير خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية كلس -وهي في المرتبة التاسعة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين، والأكبر في تركيا من حيث نسبة اللاجئين السوريين إلى السكان الأتراك- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى متجانساً نسبياً يتجه نحو الهبوط كما في أورفا وهاتاي؛ فقد نقصت أعداد السوريين بين أواخر عام 2018 ومنتصف عام 2023 بمقدار 57 ألف، وهو ما يشكّل نسبة 43% (الشكل 27).
الشكل 27: تغيُّر عدد السوريين في ولاية كلس خلال السنوات 2017-2023
وتشير هذه النتائج إلى أن ثمّة سياسة عامة تتجه نحو تخفيض عدد السوريين في الولاية بعد أن قاربَ عددهم فيها عدد الأتراك؛ فقد انخفضت نسبة السوريين إلى عموم سكان الولاية من 49% عام 2017 لتصل إلى 38% عام 2022 (الشكل 28).
الشكل 28: نسبة السوريين المقيمين في ولاية كلّس إلى عموم سكان الولاية
أما ولاية كهرمان مرعش -وهي في المرتبة العاشرة من حيث العدد الأكبر من اللاجئين- فتشير النتائج إلى أن أعداد السوريين فيها أخذت منحى غير متجانس نسبياً يشبه نموذج إسطنبول، فقد نقصت أعداد السوريين فيها منتصف عام 2019 خلال الحملة الأمنية على المخالفين بمقدار 10 آلاف شخص، ثم عاودت الارتفاع بشكل طفيف لتصل إلى ذروتها في نهاية عام 2022، بزيادة قدرها 8 آلاف نسمة، وانخفضت في النصف الأول من عام 2023 بمقدار 7000 نسمة؛ فقد كانت هذه الولاية من أبرز الولايات التي تضرّرت من الزلزال (الشكل 29).
الشكل 29: تغيُّر عدد السوريين في ولاية مرعش خلال السنوات 2017-2023
أما ولاية أنقرة لم تتوافر عنها بيانات من المصادر المفتوحة حتى منتصف عام 2019، ومن الملاحظ أن أعداد السوريين فيها لم تتجاوز 102 ألف في أعلى حالاتها، إلا أنها بعد ارتفاع متواضع بدأت بالهبوط مجدداً في بداية عام 2022 ليصل الانخفاض إلى ما يقارب 11 ألف نسمة في منتصف 2023 ، أي ما يقارب نسبة 11% عن معدلاته في بداية 2022 (الشكل 30 ). وقد يعود ذلك إلى سياسات انتهجتها الحكومة بعد أحداث الشغب التي وقعت في حي ألتنداغ التي كانت علامة فارقة فيها، وزاد بعدها التشديد على السوريين وعمليات الترحيل[29].
الشكل 30: تغيُّر عدد السوريين في ولاية أنقرة خلال السنوات 2017-2023
وبالنظر بشكل مجمل حول التغيرات في الأرقام وفقاً للولاية (الجدول 1) يمكن القول: إن لكل ولاية سياستها وخصوصيتها في إدارة ملف السوريين فيها؛ إلا أن بعض الولايات مارست تشديداً واضحاً في منتصف عام 2019 بعد انتهاء الانتخابات البلدية وخسارة الحزب الحاكم بعض الولايات كإسطنبول وأنقرة، كما من الملاحظ أن هناك سياسة عامة منذ منتصف عام 2022 تقضي بالتخفيف من أعداد السوريين في عموم الولايات.
الولاية | نمط التغيُّر | قِيَم التغيُّر (ألف نسمة) |
إسطنبول | متذبذب | -88 ألف (بين 2017-2019) +72 ألف (2020 – منتصف 2022) -16 آلاف (منتصف 2022- منتصف 2023) |
غازي عنتاب | متصاعد | + 11.4 ألف (من نهاية 2017 حتى منتصف 2022) -21 ألف (من منتصف 2022- منتصف 2023) |
شانلي أورفا | متناقص | -141 ألف (من منتصف 2018- منتصف 2023) |
هاتاي | متناقص | -144 ألف (من نهاية 2017 حتى منتصف 2023) |
أضنة | متصاعد | +85 ألف (من نهاية 2017 -منتصف 2022) -16 ألف (من منتصف 2022- منتصف 2023) |
مرسين | متصاعد نسبياً | +85 ألف (من نهاية 2017 – منتصف 2022) -8 آلاف (من منتصف 2022-منتصف 2023) |
بورصا | متصاعد | +51 ألف (من نهاية 2017- منتصف 2022) -7 آلاف (من منتصف 2022-منتصف 2023) |
إزمير | متصاعد | +20 ألف (من نهاية 2017-منتصف 2022) +13 ألف (من منتصف (2022- منتصف 2023) |
كيلس | متناقص | -57 ألف (من نهاية 2017 – منتصف 2023) |
مرعش | متذبذب | -10 آلاف (من نهاية 2017- منتصف 2019) + 8 آلاف (من منتصف 2019- نهاية 2022) -7 آلاف (النصف الأول من عام 2023) |
أنقرة | متذبذب | 9.8 ألف (من منتصف 2019 -نهاية 2021) -11 ألف (من منتصف 2021 – منتصف 2023) |
جدول 1: جدول إجمالي التغيرات في أعداد السوريين في الولايات الأكثر اكتظاظاً بهم
رابعاً: أعداد السوريين المجنَّسين في تركيا:
تشكّل قضية تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا إحدى القضايا الإشكالية على الطرفين التركي والسوري بسبب الغموض الذي يشوبها، وتُعد الأرقام الواردة في هذا الخصوص محدودة جداً وتنحصر في تصريحات رسمية خلال بعض الأعوام[30]، وتشير الأرقام إلى أن الفترتين 2017-2019، و2019-2021 شهدت الوتيرة ذاتها في عمليات التجنيس، ثم تراجعت عملية التجنيس إلى نصف الحجم بين 2021-2022، وتراجعت بشكل ملحوظ في العام 2023 ( الشكل 31).
الشكل 31 :أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية
وبالنظر إلى الشرائح العمرية التي حصلت على الجنسية التركية يُلاحظ أن نصف المجنسين تقريباً من الأطفال في الفترة ما بين 2017-2022، في حين أصبحت نسبة البالغين المجنسين – الذين يحق لهم التصويت – عام 2023 تشكل 73%، وهو ما قد يشير إلى الاهتمام بتجنيس طلاب الجامعات والعزّاب أكثر من العائلات (الشكل 32)، مع الإشارة إلى أن عدد المجنسين من السوريين شكّل 56% من إجمالي عدد المجنسين الأجانب وفقاً لبيانات المجنسين عام 2023[31].
الشكل 32: نسبة السوريين الحاصلين على الجنسية التركية وفقاً للشرائح العمرية
ورغم الحديث عن إشكالية تجنيس السوريين في تركيا فقد تراوحت نسبة المجنسين إلى عدد السوريين بشكل كامل بين 0.4 -6.5% (الشكل 33)، وهي نسب تقريبية غير دقيقة؛ لأن أعداد المجنسين هذه تشمل السوريين المجنسين بالجنسية الاستثنائية من حملة بطاقات الحماية المؤقتة أو السياحية، وأصحاب إقامات العمل والمستثمرين.
الشكل 33: نسبة السوريين المجنسين من إجمالي عدد السوريين تحت الحماية المؤقتة في تركيا
ورغم الجلبة الكبيرة التي أثارتها عمليات تجنيس السوريين في الأوساط التركية فإن السوريين المجنسين لم يشكلوا حتى الآن سوى 0.27% من إجمالي عدد سكان تركيا، أي 27 سوري مجنس بين كل 10 آلاف تركي. وعند النظر إلى معدلات تجنيس اللاجئين السوريين في بلد مثل ألمانيا نلاحظ أن أعداد السوريين المجنسين عام 2023 بلغت 48300 سوري، وهو ما يشكّل ضعف عدد المجنسين في عام 2021، وسبعة أضعاف أعدادهم عام 2020[32]، وتشير تصريحات مسؤولين في شؤون الهجرة والاندماج هناك إلى أن عدد السوريين المؤهلين للتجنيس في ألمانيا وصل 449 ألفاً، مُرجعاً ذلك إلى اندماجهم الاقتصادي الناجح وتعلمهم اللغة[33].
خامساً: نسبة التورُّط في الجرائم بين السوريين:
غالباً ما يُقدَّم ملف الوجود السوري في تركيا على أنه مشكلة أمنية، وتُشاع كثير من الاتهامات حول تورُّط السوريين في جرائم كالسرقة والتحرش وغيرها، وقد اندلعت كثير من المواجهات على المستوى الشعبي نتيجة إشاعات من هذا النوع رغم التصريحات الحكومية المتكررة حول تدنّي نسبة الجريمة بين السوريين مقارنة بالأتراك أو بأعراق أخرى. إذ تشير البيانات المتاحة[34] إلى أن نسبة المتورطين بجرائم لم تتجاوز 1.5% من إجمالي عدد السوريين، أي 15 متورطاً من بين كل 1000 سوري تحت الحماية المؤقتة، وهي نسبة أقل من نسبة المتورطين بجرائم من الأتراك؛ إذ تبلغ 2.2%. وهو يمكن تفسيره برغبة السوريين في الالتزام بالقوانين والابتعاد عن المشاكل، رغم وجود كثير من الثغرات في الوعي القانوني لديهم قد تسمح للآخرين باستغلالهم وتوريطهم في بعض الجنح أو الجرائم (الشكل 34).
الشكل 34: نسبة المتورطين بجرائم عند السوريين / الأتراك
سادساً: تصاريح العمل:
نصَّ قانون الأجانب والحماية الدولية YUKK في” لائحة الحماية المؤقتة” تحت المادة ٩١ على: السماح بعمل السوريين الذين هم تحت وصف الحماية المؤقتة في تركيا، ودخل هذا القانون حيز التنفيذ في ١٥ كانون الثاني عام ٢٠١٦. وقد أشارت المادة رقم ٢٩ من لائحة تصاريح العمل للأجانب الذي هم تحت وصف الحماية المؤقتة إلى أن عمل السوريين التابعين للحماية المؤقتة تنظمه شروط تتعلق بالوقت والمكان والحصة والأجرة وغيرها[35].
تغيب الأرقام التي تشير إلى حجم أذونات العمل الممنوحة للسوريين تحت الحماية المؤقتة، ولا تتوفر أية معلومات في ذلك، سوى تلك التي تقدم أعداد السوريين الذين حصلوا على تراخيص عمل؛ سواءٌ من أصحاب الحماية المؤقتة[36] أو الإقامات السياحية أو إقامات العمل أو المستثمرين (الشكل 35).
الشكل 35: أعداد السوريين الحاصلين على تصاريح عمل بغض النظر عن نوع الوثيقة القانونية التي يحملونها
ويشير تصريح وحيد إلى أن عدد أذونات العمل الممنوحة لحملة بطاقة الحماية المؤقتة بلغت 35 ألف إذن عام 2019، وهو ما شكّل 55% من إجمالي تصاريح العمل الممنوحة للسوريين في ذلك العام[37]. وعلى افتراض أن هذه النسبة ثابتة فإن نسبة السوريين الحاملين لتصاريح عمل نظامية لا تتجاوز 5% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي؛ ويعود ذلك إلى بعض التعقيدات الإدارية والبيروقراطية في استخراج تصاريح العمل من جهة، وإلى رغبة أرباب العمل وأصحاب الورشات بتشغيل السوريين بشكل غير نظامي مقابل رواتب قليلة، والاستغناء عن تسجيلهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي من أجل التوفير في مصاريف الإنتاج وزيادة الأرباح[38].
سابعاً: الشركات والاستثمارات الخاصة بالسوريين في تركيا
من الصعب متابعة التأثير الاقتصادي للهجرة السورية في تركيا، لقلة الدراسات وشح المعلومات حول واقع عمل السوريين كأفراد أو مستثمرين إلا أن المعلومات القليلة المتاحة عن هذا الموضوع[39] تشير إلى نمو واضح ومتسارع في أعداد الشركات التي أسسها سوريون بالكامل، بمعنى آخر الشركات التي لم يكن فيها شريك غير سوري، في حين تشير التقديرات إلى أن هذه الأعداد ترتفع لضعف العدد المذكور إذا تم الأخذ بعين الاعتبار الشركات غير المسجلة أو الشركات المختلطة التي تضم شركاء سوريين وأتراك.
الشكل 36 : عدد الشركات التي أسسها سوريون
وقد وصل عدد الشركات السورية إلى ما يقارب 20 ألف شركة في نهاية عام 2021 (الشكل 36)، وارتفعت نسبة الشركات السورية من إجمالي عموم الشركات الأجنبية من 10% في عام 2018 لتصل إلى ما يقارب 30% وفقاً لبيانات عام2021، وارتفع حجم رأسمال تلك الشركات من 220 مليون دولار عام 2016 ليصل إلى 2 بليون دولار، وقدرت مجموع استثمارات السوريين في تركيا ب 10 بليون دولار وفقاً لتصريحات بعض المسؤولين الاقتصاديين[40]( الشكل 37).
الشكل 37: حجم رؤوس أموال الشركات التي يديرها سوريون في تركيا مقدرة بالمليون دولار
ثامناً: الطلاب السوريون في المدارس التركية:
تبيّن البيانات التالية أعداد الطلاب السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة في المدارس الحكومية في تركيا[41]؛ فتُظهر الأرقام ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الطلاب السوريين بعد قرار الدمج الصادر للعام الدراسي 2016-2017[42]، إلا أن الأرقام تشير إلى تراجع هذه الأعداد في العام الدراسي 2021-2022، لتعود للارتفاع في العام الدراسي الذي يليه ثم تنخفض في العام 2023-2024 (الشكل 38).
الشكل 38: أعداد الطلاب السوريين في المدارس التركية
تُظهر النتائج أن نِسَب التحاق السوريين في المدارس التركية تراوحت بين 59%-71% من إجمالي الشريحة العمرية في سن التعليم، وهذا ما يعني أن نِسَب التسرب الدراسي تراوحت بين 29- 41% وفقاً للبيانات (الشكل 39)؛ إلا أنه من غير الواضح فيما إذا كانت نِسب التسرب تشمل الطلاب السوريين الذين كانوا يدرسون في المدارس المؤقتة أو المدارس الخاصة.
الشكل 39: نِسب الطلاب السوريين في المدارس التركية من إجمالي الشريحة في عُمر التعليم
يشكّل السوريون حاملو بطاقة الحماية المؤقتة 71.4% من إجمالي عدد الأجانب وفقاً لبيانات العام الدراسي 2020-2021، ويشكل الطلاب السوريون من حملة بطاقة الحماية المؤقتة 78% من إجمالي الطلاب الأجانب في المدارس التركية؛ إلا أن نسبة التسرب عند الطلاب السوريين وصلت إلى 35%، وهو ضعف حجم التسرب عند الطلاب الأجانب التي بلغت 15% ( الشكل 40).
الشكل 40:معلومات عن الطلاب السوريين والأجانب
تشير النتائج التفصيلية إلى أن الجحم الأكبر من التسرب يحدث في المرحلة الثانوية؛ إذ تتراوح معدلات التسرب يين77.4-57.3%، بينما تتراوح نسبة التسرب في المرحلة الإعدادية بين 20 -29.1%، أما نسب التسرب في الابتدائية فهي الأدنى وتراوحت بين11.2 -24.9%. إلا أن اللافت أن أعداد الطلاب في المرحلة الابتدائية تتجه نحو الانخفاض؛ وهذا يعني أن ثمّة شريحة من الأطفال في سنّ التعليم الابتدائي لم تدخل المدرسة، وهو ما قد يكون لمشاكل تتعلق ببطاقة الحماية المؤقتة، أو بسبب عدم قدرة الأسرة على تحمل الأعباء المادية للدراسة، أو قد يكون بسبب تراجع القبول العام وارتفاع معدلات التنمُّر في المدارس (الشكل 41)[43].
الشكل 41: نسبة الطلاب المسجلين في المدارس إلى عموم الشريحة العمرية المقابلة
وبالنظر إلى البيانات التفصيلية وفقاً لمتغير الجنس فمن الملاحظ أن نسبة الذكور الملتحقين بالمدارس أعلى بشكل يسير من نسبة الإناث، وهو ما يعود إلى ارتفاع نسبة الذكور بين الأطفال نسبياً مقارنة بنسبة الإناث؛ إلا أن من اللافت تراجع نسبة الذكور مقارنة بنسبة الإناث في المرحلة الثانوية، مما قد يشير إلى تسرب الطلاب الذكور الذين كانوا على مقاعد الدراسة والتحاقهم بسوق العمل (الشكل42).
الشكل 42: تغيُّر نسب الطلاب السوريين بين 2019- 2022
تاسعاً: الطلاب السوريون في الجامعات التركية:
مع كل عام دراسي تتجدد مشكلة الطلاب السوريين في الجامعات التركية، لاسيما مع زيادة التحديات أمام متابعتهم دراساتهم في الجامعات، خاصة مشكلة ارتفاع الأقساط بعد قرار معاملة الطالب السوري تحت الحماية المؤقتة كأي طالب أجنبي الصادر بداية عام 2021، وإلغاء القرار السابق الذي كان يُعامل فيه كالطالب التركي فيما يتعلق بموضوع الأقساط[44]. ولكن بالنظر إلى البيانات المتاحة من مجلس التعليم العالي[45] نلاحظ ارتفاع أعداد الطلاب السوريين – حملة بطاقة الحماية المؤقتة والأشكال الأخرى من الإقامات – في الجامعات التركية العامة والخاصة؛ حيث إن أعداد السوريين في العام الدراسي 2022-2023 قاربت 4 أضعاف أعدادهم في العام الدراسي 2016-2017، في حين ارتفعت أعداد الطلاب الأجانب 3 أضعاف بين العامين الدراسيين السابقين (الشكل 43 )[46].
وقد شكّل الطلاب الذكور نسبة 56.5% من إجمالي عدد الطلاب السوريين، في حين شكّلت الإناث نسبة 43.5%، وتعود هذه الزيادة إلى زيادة أعداد الطلاب السوريين الخريجين من المدارس التركية الثانوية الذين ليس لديهم مشاكل في اللغة، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد الطلاب الجامعيين المقبولين في السنوات الأخيرة (أتراكاً وأجانب)، مما قد يكون سبباً وراء إعطاء مقاعد أكثر للطلاب الأجانب.
الشكل 43: أعداد الطلاب السوريين والأجانب في الجامعات التركية
وبالنظر إلى نسبة الطلاب السوريين إلى الطلاب الأجانب في الجامعات التركية نجد أن النسبة تراوحت بين 14% – 21.2%، وكانت أعلى نسبة في العام الدراسي 2020-2021؛ إلا أن النسبة عاودت الانخفاض لتصل إلى 19.3% في العام الدراسي 2022-2023(الشكل44). ولعل ذلك يعود إلى مشكلة الأقساط المرتفعة المفروضة على الطلاب السوريين الجدد أسوة بالطلاب الأجانب بداية عام 2021، وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي ظهرت بعد جائحة كورونا وما تزال تركيا تعاني منها حتى الآن.
ورغم ارتفاع أعداد الطلاب السوريين في الجامعات التركية إلا أن هذه النسبة تراوحت بين 0.21 -0.84% بين العامين الدراسيين 2016-2017، و2022-2023، أي: أن العام الماضي كان هناك 84 طالباً جامعياً سورياً مقابل كل 10 آلاف طالب جامعي (الشكل45).
ورغم ارتفاع أعداد الطلاب السوريين في الجامعات التركية فما تزال نسبة الإقبال على الدراسة الجامعية بين السوريين في تركيا منخفضة؛ فهي لم تتجاوز 13.5% من إجمالي عدد الشريحة العمرية بين 19-24 سنة بشكل تقريبي (الشكل 46)[47]؛ وقد يعود ذلك إلى ارتفاع نسبة المتسربين من الطلاب في المرحلة الثانوية نتيجة للأسباب الموضحة سابقاً، وهو ما يعني حرمانهم من استكمال تعليمهم الجامعي، وتوجُّه أغلب الشباب في هذه المرحلة العمرية إلى سوق العمل، في محاولةٍ لتحصيل قوت يومهم، ولتراجع المنح المقدمة للطلاب السوريين الذين يرغبون بإكمال دراستهم.
وبالنظر إلى الجامعات التي قبلت العدد الأكبر من الطلاب السوريين في العام الدراسي 2022-2023 تبدو جامعة أناضولو في مقدمة الجامعات التركية وتضم 16% من الطلاب السوريين في أقسامها العادية أو في أقسام التعليم المفتوح، تليها جامعتا إسطنبول وغازي عنتاب بنسب متقاربة، ثم جامعتا حرّان وسيرت (الشكل 47).
الخاتمة:
تقدِّم البيانات معلومات إضافية تساعد في معرفة واقع السوريين في تركيا والتغيرات التي تطرأ عليهم، ومن الضروري أن يتم نشر البيانات الدورية من قبل الجهات التركية المعنية بشفافية؛ لأن ذلك من شأنه محاربة المعلومات المضلِّلة والإشاعات على كلا الطرفَين السوري والتركي.
كما أنّ من الضروري أنْ تنبري الجهات السورية -خاصة مراكز الأبحاث والمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين- لإجراء دراسات مشتركة مع جامعات أو أطراف تركية من شأنها دراسة تجربة الوجود السوري في بعض الولايات، لاسيما وأن هذا التقرير قد جمع لهم كل المعلومات المتاحة وقدّم فيها قراءة أولية؛ فيمكن التعمق في الدراسة والتحليل من أجل محاولة تفسير الاختلافات بين سياسات بعض الولايات على سبيل المثال، حيث لا يبدو التجارب متشابهة، كما أن من الضروري التركيز على واقع شريحة الأطفال والكهول بشكل خاص ومعرفة احتياجاتهم، ومتابعة نسب التسرب من المدارس، والعمل على إطلاق حملات مناصرة لتشجيع الجهات المانحة على تمويل برامج داعمة للطلاب على مقاعد الدراسة الجامعية وما دون الجامعية.