الانتخابات البلدية التركية واللاجئون السوريون؛ تراجُع في التحريض وخطاب الكراهية
تستعدّ تركيا لإقامة انتخابات بلدية يتنافس فيها 36 حزباً سياسياً على مقاعد رئاسة بلديات المدن والبلدات، وعضويات مجالس إدارة هذه البلديات في 31 مارس/آذار الجاري. وتأتي أهمية الانتخابات البلدية من كونها ورقة مهمة بأيدي الأحزاب السياسية لإقناع المواطنين برُؤاهم وخططهم، وللتواصل معهم بشكل مباشر عبر الخدمات البلدية في سبيل الحصول على أصواتهم في الانتخابات العامة.
على غير عادة الانتخابات السابقة في تركيا لم تحظَ مسألة اللاجئين بالاهتمام الكبير من معظم الأحزاب السياسية؛ إذ كانوا في السابق يجعلون هذه القضية إحدى أولى القضايا التي تتمحور حولها وعودهم الانتخابية، وكانت تلك التصرفات الصادرة عن كثير من الساسة تؤدي إلى شحن الشارع والمجتمع ضد اللاجئين بسبب ادعاءاتهم وتصريحاتهم ووعودهم التي يستخدمونها للتحريض ضدهم، بينما لم تكن قضية اللاجئين موضوعاً رئيساً في برامج معظم الأحزاب، ولا في تصريحات معظم المرشحين.
المحرضون الرئيسيون:
انحصر التحريض ضد اللاجئين في هذه الانتخابات بالأحزاب القومية المعادية للاجئين، مثل حزب الظفر والحزب الجيد؛ إذ وعدَ الحزبان في برنامجيهما الانتخابيين بإيقاف جميع أشكال الدعم الاجتماعي التي تقدمها البلديات للاجئين، وبإيقاف منح رخص فتح محلات تجارية للاجئين، وعدم السماح لهم بدخول الحدائق والأماكن العامة التابعة للبلديات، وبزيادة أسعار الماء والكهرباء عليهم، وزيادة الرقابة على مداخل المدن لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، وبوضع الأحياء التي يتكدس فيها اللاجئون “الغيتوهات” ضمن برامج التحول الحضري بهدف إخراجهم منها[1].
وفي غير البرامج الحزبية ثمّة مرشحون من أحزاب أخرى اعتمدوا أسلوب التحريض ضد اللاجئين في دعايتهم الانتخابية، مثل مرشحَي حزب الشعب الجمهوري في بولو وهاتاي “تانجو أوزجان” و”لطفي سافاش”، اللذين اشتهرا منذ سنوات بتصريحاتهما المعادية للاجئين[2].
الداعمون الرئيسيون:
حظيت مسألة دعم اللاجئين باهتمام ضئيل في برامج الأحزاب السياسية مقارنة بالبرامج الانتخابية التي وضعت عام 2019؛ إذ لم تُشر إلى هذه القضية سوى أحزاب اليسار وأقصى اليسار، مثل حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية (الداعم للأكراد والأقليات)، وأحزاب العمل والعمال التركي، وغيرهما من الأحزاب الصغيرة.
ووعدت هذه الأحزاب بمحاربة العنصرية والتمييز ضد اللاجئين، وتوفير الدعم الاجتماعي والقانوني للمحتاجين منهم، وبدعم النساء اللاجئات وتسهيل وصولهن لخدمات البلدية والدعم النفسي والقانوني المقدَّم من البلديات، ومكافحة التنمُّر والتمييز في المعاملة ضد الأطفال اللاجئين ومكافحة تشغيلهم بشكل غير قانوني، وبتسهيل طرق لحصولهم على التعليم بلغاتهم الأم، والسعي لإغلاق مراكز الترحيل أو وضع رقابة صارمة عليها لمنع حدوث أية انتهاكات ضد اللاجئين[3].
مواقف الأحزاب الكبرى:
لم يتطرق حزب العدالة والتنمية الحاكم في برنامجه الانتخابي لقضية اللاجئين إلا بشكل يسير؛ إذ وعدَ الحزب باستمرار سياسات مكافحة الهجرة غير الشرعية ودعم مساعي العودة الطوعية من جانب، ودعم سياسة الاندماج ومكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة من جانب آخر[4]. وكانت تصريحات مراد كوروم “مرشح الحزب في بلدية إسطنبول الكبرى” التي تُعد مركز هذه الانتخابات وأهم محاورها شبه محايدة تجاه قضية اللاجئين؛ إذ لم يتطرق إليها إلا بالحديث عن ضرورة تأمين المدينة وشوارعها، ومنع أي شيء يعكّر صفو المواطنين، وإمكانية استخدام اللاجئين يداً عاملة إلى حين تأمين الظروف المناسبة لعودتهم، وذلك في إطار إجابته عن سؤال بخصوص سياسته مع اللاجئين[5].
وعلى الجانب المقابل لم يتطرق حزب الشعب الجمهوري في برنامجه الانتخابي لموضوع اللاجئين إلا في فقرة صغيرة تضمنت الوعد بالتعاون مع الحكومة المركزية في برامج التحفيز على العودة الطوعية، ولم يستخدم رئيسه الجديد “أوزغور أوزال” منذ توليه رئاسة الحزب وحتى الآن خطاباً معادياً للاجئين بشكل واضح[6]. كما أن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى “أكرم إمام أوغلو” لم يضع هذه القضية ضمن محاور حملته الانتخابية الأساسية ولم يتطرق إليها، بل على العكس ظهرت أخبار تشير إلى أن بلدية إسطنبول الكبرى بدأت بالتواصل باللغة العربية مع المجنّسين العرب رغبة في إقناعهم بالتصويت لإمام أوغلو، وذلك عبر بيان حجم المساعدات التي تقدّمها البلدية للمحتاجين من جميع الفئات، بمَن فيهم اللاجئون[7].
لكنّ حزب الشعب الجمهوري ضمّ بعض المرشحين الذين استخدموا خطاباً معادياً للاجئين ضمن إطارهم المحلي، مثل أوزجان وسافاش اللذَين سبق ذكرهما، كما انتشر مقطع مرئي لمرشح الحزب في منطقة ماماك بأنقرة “ولي غوندوز شاهين” وهو يتهجم على أطفال عراقيين ويتعهد بترحيلهم[8]. وخرج هذا المرشح في اليوم التالي معتذراً عن هذا الكلام، وقال: “إنّ التعبير قد خانه، وإنّ حزبه لا يعادي اللاجئين؛ بل يعادي السياسات التي تتسبب بتهجير الناس من أوطانهم”[9].
خاتمة:
بعد مرور أكثر من شهر ونصف على انطلاق الحملات الانتخابية، وتبقِّي أقل من شهر على الانتخابات البلدية لم ترْقَ مسألة اللاجئين لتكون قضية أساسية تعتمد عليها الأحزاب السياسية بشكل رئيس في تلك الانتخابات. من الممكن أن تظهر حوادث في الأيام المقبلة تعيد زخم معاداة اللاجئين، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات واشتداد التنافس بين المرشحين؛ لكن الملاحظ حتى الآن أنّ هذا الزخم أقل بكثير مما حدث في الانتخابات الماضية، أو حتى قبل انتخابات البلديات 2019.
كانت المعارضة التركية متمثلة بحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية (قبل تحالفه مع العدالة والتنمية) والحزب الجيد المحرّك الأساس للخطاب المعادي لللاجئين منذ بداية قدومهم إلى تركيا عام 2011، وأدى تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الحزب الجيد إلى اتباع الأول خطاباً معادياً للاجئين رغبة في إرضاء حليفهم.
قد يعود سبب تراجع اهتمام الأحزاب بقضية اللاجئين حالياً إلى تفتت تحالف المعارضة؛ إذ يمكن القول إن تفتّت التحالف أدى إلى تحرّر الأحزاب من اتباع سياسات ولغة مخالفة لتوجهاتها السياسية بغية إرضاء حلفائهم، وانحصر الخطاب المعادي للاجئين المباشر في حزبَي الظفر والجيد بشكل أساسي، وهما لا يملكان قاعدة شعبية كبيرة تسمح لهما بجعل قضية اللاجئين محوراً أساسياً في الانتخابات.
يمكن تأكيد هذه الفرضية بالعودة إلى الانتخابات الرئاسية الماضية؛ إذ تحوّل خطاب حزب الشعب الجمهوري الذي كان معتدلاً نسبياً قبل الجولة الأولى إلى خطاب معاد للاجئين، وذلك أملًا بالتحالف مع حزب الظفر في الجولة الثانية من الانتخابات. بينما لم يعد حزب الشعب الجمهوري يستخدم هذا الخطاب بشكل أساسي، وعاد حزب الظفر والحزب الجيد ليمارسا سياستهما بشكل مستقل دون أن يكون لهما تأثير كبير في قواعد الأحزاب الأخرى.
إضافة إلى ما سبق أدّى تغيُّر قيادة حزب الشعب الجمهوري قبل أشهر إلى تغيُّر طفيف في سياسة الحزب؛ إذ حاولت الإدارة الجديدة التي يقودها أوزغور أوزال ومن خلفه أكرم إمام أوغلو إبقاء الحزب في خطه السياسي (يسار الوسط)، وعدم الانجرار بشكل كبير للخطاب المعادي للاجئين مثلما كانت تفعل إدارة كمال كلتشدار أوغلو.
وفي جانب آخر، يعتمد حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية (الداعم للأكراد والأقليات)، بالإضافة إلى الأحزاب اليسارية الهامشية على سياسة داعمة للاجئين، وهذا يتسق مع توجههم الأيديولوجي؛ إلا أنهم لا يفوزون عادة في ولايات ذات كثافة واضحة بعدد اللاجئين، إذ تتركز معاقلهم في ولايات جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وفي الأحياء العلمانية في المدن الكبرى؛ لذا لا يمكن قياس أدائهم في التعامل مع اللاجئين بشكل واضح بسبب عدم احتكاك بلدياتهم المباشر مع مجموعات كبيرة منهم.
أما بالنظر إلى التحالف الحاكم فهو يستمرّ بسياسته القائمة على عدم استخدام الخطاب العنصري، واعتماد سياسة مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتشجيع على مشاريع العودة الطوعية وتقليل التكدس السكاني للاجئين في بعض المدن والأحياء. ومن المرجح في حال كسب التحالف المدن الكبرى التي خسرها عام 2019 أن يخفّف من شدة سياسات الترحيل التي اشتدت قبل أشهر؛ ولكن إذا خسر هذه المدن -خاصة إسطنبول- فقد يؤدي ذلك إلى موجة تشديد جديدة قد تكون أقوى من سابقاتها، وقد حدث ذلك عام 2019 بعد أن خسر تلك البلديات.
وفي الجانب الآخر إذا نجح حزب الشعب الجمهوري بالفوز في إسطنبول فهذا سيعطي دفعة قوية لأكرم إمام أوغلو والجناح الداعم له داخل الحزب، وستضعف التيارات الأخرى المتمثلة بالتوجه الكمالي أو بتوجه كمال كلتشدار أوغلو؛ وهذا يعني اعتماد الحزب خطاباً أكثر اعتدالاً تجاه قضية اللاجئين. كما أن خسارة الحزب بلديتَي بولو وهاتاي “المتوقعة” ستُضعف التيار المعادي للاجئين داخل الحزب، أما إذ حدثت نتائج معاكسة لهذا فسيشهد الحزب انتخابات داخلية جديدة، وعملية تفتّت قد تؤدي إلى إضعافه وصعود تيارات أخرى.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة