نظرة على السياسة الصينية تجاه القضية السورية ومستقبلها
تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري
مقدمة:
من المعروف أن الصين أصبحت لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية، وتعد الآن المنافس الرئيسي للولايات المتحدة على المستوى العالمي، في سياق يتجه فيه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب بعد هيمنة القطب الواحد إثر سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وقد شهدت الصين نموًا هائلًا في مجالات الاقتصاد، والقوة العسكرية، والتكنولوجيا، حيث بات ناتجها المحلي الإجمالي قريبًا من نظيره الأمريكي، ومن المتوقع أن يتجاوزه بحلول عام 2030 [1].
فيما يتعلق بالقوة العسكرية، تُعتبر الصين اليوم من القوى البحرية الكبرى، حيث يُعتقد أنها تمتلك أكبر أسطول بحري في العالم[2]. ومؤخرًا ازدادت التحركات الصينية في منطقة الشرق الأوسط، مما لفت انتباه العالم إلى تطوّر دورها هناك، خصوصًا بعد وساطتها الناجحة بين إيران والسعودية في عام 2021، حيث تم توقيع اتفاق بين الطرفين في العاصمة الصينية بكين[3]، كما حاولت الصين في الآونة الأخيرة القيام بوساطة على المستوى الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، مما جعل بعض الصحف ومراكز الأبحاث تُسلّط الضوء على دور الصين المتزايد في الشرق الأوسط[4].
في هذا السياق، ووفقاً للمؤشرات المذكورة سابقاً على المستويين العالمي والإقليمي، يبدو مهماً إلقاء نظرة على السياسة الصينية تجاه سوريا ومحاولة استشراف مستقبلها في ظل هذه التحولات.
العوامل المؤثرة في الموقف الصيني من القضية السورية:
من المعروف أن الموقف الصيني يميل للتوافق مع الموقف الروسي في سوريا دون انخراط مباشر في دعم نظام الأسد على النمط الروسي، وهو ما تجلّى واضحاً في استخدام الصين للفيتو بشكل متكرر لحماية نظام الأسد[5].
ويمكن القول إن جملة من العوامل الأساسية قد لعبت دوراً في تشكيل الموقف الصيني أهمها:
العامل الجيوسياسي:
يُمثّل التنافس بين الصين والولايات المتحدة أحد العوامل الحاكمة في السياسة الصينية تجاه سوريا، خاصة مع تحوّلات الولايات المتحدة الاستراتيجية تجاه آسيا والمحيط الهادئ. ترى الصين أن تحرُّكات واشنطن في المنطقة الآسيوية محاولة لتطويق نفوذها، ما دفعها إلى دعم روسيا في عدة قضايا، من بينها في الملف السوري، رغبةً منها في بناء توازن عالمي جديد.
تعمل الصين بالتوازي مع روسيا لدعم الأنظمة التي تعتبرها حليفة، تعتبر الصين أن الاستقرار في سوريا مرتبطٌ باستقرار حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إيران، التي تُعدّ شريكاً استراتيجياً يُوفّر لها دعماً جيوسياسياً ويضمن وصول إمدادات الطاقة الحيوية[6].
العامل الأمني:
خشيت الصين من انتقال آثار الثورات العربية إلى أراضيها، خاصة مع تصاعد الحركات الانفصالية داخلها مثل الأويغور، الذين يسكنون إقليم شينجيانج الصيني[7]، والذين يتعرّضون للاضطهاد الصيني بسبب منعهم من حقوقهم الدينية والثقافية[8]، وقد هاجرت عوائل منهم إلى سوريا، وتسكن في منطقة إدلب، ويناصرون “الحزب الإسلامي التركستاني”، والذي قاتل نظام الأسد[9]، وهو ما يدفع الصين للتنسيق مع حلفائها لدعم نظام الأسد.
العامل الاقتصادي:
تشغل سوريا موقعًا استراتيجيًا ضمن مبادرة الحزام والطريق[10]، مما يدفع الصين إلى السعي لربط إيران بالعراق وسوريا عبر إنشاء بنى تحتية من طرق وسكك حديدية وموانئ بحرية.
ومع ذلك، تواجه هذه الطموحات تحديات عديدة، منها الوجود الأميركي في شمال شرق سوريا، وسيطرة روسيا على ميناء طرطوس، والتنافس بين روسيا وإيران على ميناء اللاذقية في ظل استمرار عدم الاستقرار الأمني والسياسي في سوريا، مما يجعل من مشاركة الصين في سباق النفوذ في سوريا أمرًا غير واضح المعالم في الوقت الراهن. ومن جانب آخر، يعد التبادل التجاري بين الصين ونظام الأسد محدودًا للغاية، فقد وصل إلى نحو 3.5 مليار دولار بين عامي 2010 و2012، لكنه انخفض إلى ما يقرب من 210 ملايين دولار منذ 2014 واستمر في الهبوط لاحقًا[11].
زيارة بشار الأسد للصين وانعكاساتها:
زار رئيس نظام الأسد الصين في أيلول/سبتمبر 2023، حيث روّج نظام الأسد لهذه الزيارة إعلامياً بشكل واسع بهدف إبراز قدرته على كسر عزلته الدولية، وتم خلالها الحديث عن شراكة استراتيجية تجمع بين الطرفين[12].
إلا أن المتابعين للأهداف الصينية من الزيارة لاحظوا أن الصين لم تُظهِر أي مؤشرات تدل على أنها تضع أهمية كبرى لزيارة بشار الأسد، وهو ما يُستدل عليه بانخفاض مستوى الاستقبال الرسمي، وربما هدفت بكين من هذه الخطوة إلى توجيه رسائل للغرب، في تحدٍ للانتقادات حول حقوق الإنسان وللحصار الغربي عبر استقبال رئيس معزول، بما يتناغم مع الموقف الروسي الإيراني تجاه سوريا.
أما بخصوص الأهداف الاقتصادية، فبدت الصين بعيدة عن الاهتمام بالاستثمار التجاري في سوريا بسبب العقوبات الغربية وغياب الاستقرار، إذ تُفضّل الصين مواقع استثمار آمنة تدعم اقتصادها، وليس لديها نيّة لمنافسة الوجود الأمريكي في شرق سوريا[13].
لاحقاً، لم يُلحظ نشاط صيني استثماري يُذكر بعد أكثر من عام على الزيارة، مما يبقيها في إطار الرمزية والدعم السياسي أكثر من كونها بداية لاستثمارات وعلاقات اقتصادية، حيث تم تأسيس شركة صينية واحدة فقط، وصغيرة نسبياً[14].
خاتمة:
على الرغم من تسارع النمو الصيني وتراجع الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة من النواحي الاقتصادية والتكنولوجية، وزيادة الاهتمام الصيني بالشرق الأوسط، لا تزال الصين بعيدة نسبياً عن الانخراط بثقل متناسب مع حجمها في الملف السوري، لأسباب عديدة، لعل أبرزها:
- لا تزال الصين تتبنى سياسة الحذر، والبعد عن المغامرات أو الانخراط في صراعات تستنزفها أو تشغلها عن التركيز على نموها الاقتصادي وهيمنتها الإقليمية، كما تتبنّى البراغماتية الاقتصادية والتركيز على الاستثمارات الربحية التي لا تتطلّب استثمارات طويلة الأمد عالية المخاطر والتكاليف، غير مضمونة النتائج[15].
- غالباً ما سيكون تركيز الصين على الهيمنة على إقليمها ومحيطها، وهو ما يجعلها أكثر حذراً في الانخراط في بقاع العالم المختلفة، ومنها الشرق الأوسط، وهو المسار الطبيعي عادة للقوى العالمية، وهو المسار الذي لا تزال الصين تواجه فيه تحديات ومخاطر كبيرة بوجود جيران ومنافسين أقوياء لا يتقبّلون هيمنتها، كالهند واليابان[16]، والأهم، معاناتها من عقدة تايوان، التي تعتبرها جزءاً رئيسياً من أراضيها، وتُركّز على استعادتها لاستكمال صعودها وهيمنتها[17].
بناءً على ذلك، لا يُتوقّع في المدى المنظور ازدياد الانخراط الصيني في الملف السوري، على العكس من ذلك، يُتوقّع استمرار السياسة الصينية التقليدية السابقة، خاصة مع جمود الملف السوري، إلا في حالات حدوث تغيرات أو انزياحات كبيرة، مثل الانسحاب الأمريكي من سوريا، والذي قد يُشجّع الصين على زيادة الانخراط لملء الفراغ، مع ذلك، سيكون هذا في حال حدوثه صغيراً نسبياً لحجم التدخلات الأخرى، الروسية والإيرانية والتركية.
شنغيانغ، الجزيرة نت، 19 / 11 / 2014
باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،