الإصداراتالتقارير الموضوعيةالوحدة المجتمعية

مواقف الأحزاب التركية المعارضة بعد تحرير سوريا

تقرير صادر عن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري

تنوّعت مواقف الساسة الأتراك تجاه الثورة السورية منذ انطلاقها عام 2011، وتغيّرت وتذبذبت مواقف كثير منهم خلال هذه السنين، وبعد انطلاق عملية “ردع العدوان” التي انتهت بإسقاط نظام الأسد عاد النقاش حول الثورة السورية يتصدر الساحة السياسية التركية بين مؤيد ومعارض، ومسرور وممتعض، وامتدّ الجدل حتى بعد سقوط نظام الأسد، وأصبح مادة في السجال السياسي الداخلي.

يستعرض هذا التقرير مواقف الأحزاب التركية المعارضة، وتغيُّر هذه المواقف مع تطور الأحداث؛ وذلك باستخدام الأسلوب الوصفي التحليلي بهدف تقديم تصوُّر عن المواقف التركية المتنوعة خارج الحكومة، وسبل التعامل معها والاستفادة منها في المستقبل.

حزب الشعب الجمهوري:

منذ اندلاع الثورة في سوريا اتخذ حزب الشعب الجمهوري CHP موقفاً متحفظاً تجاهها، وأظهر العداء السافر لها في بعض السنوات بحجة أنها مؤامرة أمريكية تستهدف تقسيم سوريا، ووصف أكثر من مرة الفصائل الثورية بأنهم “مرتزقة من الجهاديين السلفيين”[1].

لم يختلف الموقف كثيراً بعد انطلاق العمليات العسكرية الأخيرة ضد نظام الأسد البائد؛ إذ اتخذ الحزب موقفاً متخبطاً من التطورات كشف أن الحزب وقياداته لم يكونوا يتوقعون حصول مثل هذه التطورات، ولم يكن لديهم الاطلاع الكافي على الملف السوري وتفاصيله والفاعلين فيه، وأنهم اعتمدوا استراتيجية مخالفة لموقف الحكومة التركية مهما كان.

في أول تصريح بعد انطلاق معركة “ردع العدوان” قال رئيس الحزب أوزغور أوزال في تاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024: إن على تركيا الابتعاد عن المغامرات غير المحسوبة، وإن عليها التصرف بحكمة وروية وعدم المخاطرة بحياة الجنود الأتراك[2].

بعد يومين من هذا التصريح زار وفدٌ من حزب الشعب الجمهوري المعابر الحدودية مع سوريا لمراقبة كثافة عودة اللاجئين السوريين، وقال الوفد في بيانه: لا توجد حركة عودة كبيرة كما يدّعي الإعلام المقرب من حزب العدالة والتنمية، وقال الوفد: إن حزب الشعب الجمهوري لا يؤيد التدخل مع أي طرف في سوريا ويتابع التطورات بحذر، مشيراً إلى رجائهم بأن يتم الحفاظ على وحدة سوريا وأن يقود فيها طرف يمكن لتركيا التواصل معه وحده[3].

وقبل ساعات من سقوط نظام الأسد تحدث أوزغور أوزال في تجمع شعبي في ولاية كيليس الحدودية مع سوريا، وهاجم اللاجئين السوريين مدعياً أنهم سبب في سوء الوضع الاقتصادي لأهالي كيليس الأتراك؛ لأنها أكثر ولاية فيها لاجئون مقارنة بالسكان المحليين، كما دعا الحكومة التركية إلى التواصل الفوري مع بشار الأسد من أجل تأمين عودة اللاجئين وإرساء السلام في سوريا[4].

وبعد سقوط نظام الأسد نشر أوزغور أوزال رسالة جديدة اتهمه فيها بأنه حكم بلاده بالاستبداد، وشدّد على أهمية تأسيس حكومة انتقالية في سوريا تمثل جميع المكونات وعلى أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأشار إلى أن أولوية حزبه هي ضمان أمن واستقرار تركيا وشعبها، وتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وعدم تكرار أخطاء ليبيا والعراق لتجنّب الوقوع في حرب أهلية جديدة[5].

بعد 4 أيام من سقوط نظام الأسد خرج أوزغور أوزال في بثّ تلفزيوني قال فيه: من غير المنطقي طرد اللاجئين السوريين فوراً بمجرد سقوط النظام؛ لأن سوريا ما زالت غير مستقرة، وليس فيها بنية تحتية وخدمات ومستوى معيشي مناسب، واقترح أن تسمح الحكومة لكل عائلة من اللاجئين بأن يذهب فرد منها ويزور سوريا ليستطلع الوضع ويجهّز الظروف المناسبة لعودة أسرته، وقال أيضاً: إنه ليس سعيداً بوصول “هيئة تحرير الشام” إلى الحكم في سوريا، ويجب العمل على تأسيس حكم ديمقراطي تعددي في سوريا يضمن حقوق الجميع[6].

في الأيام التالية صرّح الرئيس أردوغان: “السوريون على رأسنا، إذا أرادوا البقاء فلن نمانع بقاءهم”، وأطلقت وزارة الداخلية برنامجاً للاجئين الموجودين في تركيا يشابه بشكل كبير المقترح الذي تقدم به أوزغور أوزال؛ إذ سمحوا لفرد من الأسرة السورية بزيارة سوريا 3 مرات خلال 6 أشهر لمتابعة الوضع وتجهيز ظروف العودة للأسرة. ولكن خرج أوزغور أوزال بعد هذه الخطوات وقال: إن السوريين لم يعد لهم حجة للبقاء في تركيا بعد رحيل الأسد، وإنه يجب أن يرحلوا فوراً؛ لأنهم يزاحمون المواطنين الأتراك في لقمة عيشهم، واتهم الرئيس أردوغان بأنه يريد تجنيس السوريين وإبقاءهم في تركيا ليفوز بالانتخابات، لأنه لن يستطيع الفوز بأصوات الأتراك[7].

لم يكن أوزغور أوزال الشخص الوحيد الذي صرّح بشأن سوريا من قيادات حزب الشعب الجمهوري؛ إذ خرج أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول في عدة تصريحات، بدأت بتعبيره عن قلقه من عودة الاشتباكات إلى سوريا، داعياً الحكومة إلى الحذر من أن تؤدي هذه الاشتباكات إلى انفجار جديد في الأوضاع[8].

وفي يوم سقوط نظام الأسد صرّح إمام أوغلو بأنه يأمل بأن تؤسّس سوريا نظاماً جديداً ديمقراطياً يحفظ حقوق جميع المكونات، وعبّر عن عزمه تقديم المساعدة لسوريا في إعادة الإعمار ومشاريع البنى التحتية، مشيراً إلى أنه سيزور دمشق خلال فترة قصيرة لمناقشة المسؤولين الجدد حول إمكانية التعاون المشترك، خاصة في مدينة دمشق التي تربطها مع إسطنبول اتفاقية توءَمة[9].

لكن بعد بضعة أيام خرج إمام أوغلو قائلاً: إن محافظ دمشق ألغى إذن الزيارة الذي منحه إياه بعد 6 ساعات من قبوله، قائلًا له إن زيارته يجب أن تكون بعد زيارة الرئيس أردوغان، وقال إمام أوغلو: إن هذا التصرف غير مقبول، ملمّحاً إلى وجود تدخل من الحكومة التركية لإلغاء هذه الزيارة[10].

لم يتوقف إمام أوغلو بعد هذه الحادثة؛ إذ التقى بعد بضعة أيام مع وفد من المنظمات السورية العاملة في تركيا، مثل منبر المنظمات والدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، وناقش معهم الاحتياجات الحالية للشعب السوري وإمكانية تقديم البلدية الدعم في هذه المجالات[11].

أما بالنظر إلى ثالث أكبر شخصية في حزب الشعب الجمهوري “منصور ياواش” رئيس بلدية أنقرة الكبرى فلم يتدخل كثيراً في القضايا الخارجية، وتحدث مرة واحدة بعد سقوط نظام الأسد قائلاً: إن السوريين كانوا يتذرّعون بمظالم نظام الأسد من أجل البقاء في تركيا، مشيراً إلى أن هذه الحجة زالت الآن، ويجب على السوريين المغادرة في أقرب وقت ممكن[12].

تشير هذه التوجهات في حزب الشعب الجمهوري إلى استمرار سياسة الحزب بتعدد الرؤوس لإرضاء جميع الأطراف؛ إذ يتصرف رئيس الحزب أوزغور أوزال كأنه مضادّ للرئيس أردوغان، فيعارض أي موقف لأردوغان حتى وإن كان يتناقض مع موقف تبنّاه قبل فترة وجيزة. فيما يتصرف أكرم إمام أوغلو بشكل براغماتي أكبر ويحاول إفادة بلديته من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا من جهة، وتأسيس علاقة جيدة مع الإدارة السورية الجديدة من جهة أخرى في ظل طموحه بالوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية في تركيا. وركّز منصور ياواش ذو التوجهات القومية على مسألة عودة اللاجئين إرضاءً للشريحة المعادية للاجئين، دون أن يُدخل نفسه في تفاصيل السياسة الخارجية كعادته.

يشتهر حزب الشعب الجمهوري بضعف قراءته للسياسة الخارجية، خاصة الملف السوري؛ فكثيراً ما يقع قادته بمواقف محرجة تدل على عدم فهمهم الوضع، وكان من أبرزها دعوة أوزغور أوزال الحكومة التركية للتطبيع مع الأسد قبل ساعات من سقوطه؛ ولهذا لا يمكن التعويل على موقف متوازن دائم، ولكن يجب عدم إغفال أكرم إمام أوغلو المرشح الأبرز للانتخابات المقبلة من الحزب، الذي يشتهر بمواقف براغماتية وموالية للغرب بشكل عام، مما يجعل من المهم بناء علاقة إيجابية معه لأهداف متعددة، منها: عدم كسب عداوة شخص يحتمل أن يرأس تركيا أكبر جيران سوريا في المستقبل، والاستفادة من إمكانيات بلدية إسطنبول في عمليات إعادة الإعمار، وتخفيف حدة الخطاب المعادي للاجئين عند المعارضة التركية.

“الحزب الجيد”:

اتخذ “الحزب الجيد İYİ Parti” موقفاً معادياً للاجئين السوريين، ومؤيداً للتطبيع مع النظام البائد، ومنذ بداية عملية ردع العدوان خرج نائب رئيس الحزب جينك أوزاتجي، بتصريح قال فيه: إن على الحكومة التركية عدم دعم أية عملية تُعيد إشعال الحرب الأهلية، وإن عليها التخلي عن دعم التنظيمات السلفية الطائفية، والتواصل مع الدولة السورية في دمشق للحفاظ على وحدة الأراضي السورية[13].

بعد هذا التصريح بأيام خرج رئيس الحزب مسود درويش أوغلو بتصريحات تنتقد الدور التركي في سوريا، مشيراً إلى أن هذه الاشتباكات تحركها أجهزة الاستخبارات العالمية، التي ستستخدم هذه التنظيمات لبثّ الفوضى في تركيا في المستقبل، وانتقد اتفاقيات الحكومة التركية مع الاتحاد الأوروبي المتعلقة باللاجئين، وطالب بعدم إدخال الجنود الأتراك في معارك لا تتعلق بأمن الدولة التركية[14].

وبعد سقوط النظام ادّعى رئيس الحزب أن ما حدث سيؤدي إلى تقسيم سوريا، وأن “إسرائيل” بدأت تحتلّ الأراضي السورية ودمّرت مقدرات الجيش السوري، ولكنه في الوقت نفسه طالب الحكومة بإنهاء الحماية المؤقتة للاجئين السوريين وإعادتهم إلى سوريا؛ لأن حجة وجودهم كانت نظام الأسد، وقد زالت هذه الحجة بسقوط النظام بحسب وصفه[15].

على الرغم من أن “الحزب الجيد” له تمثيل في البرلمان التركي؛ إلا أن تأثيره في السياسة التركية اضمحلّ بشكل كبير بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، إذ فكّ تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، ولم يفز بأية بلدية في تركيا، واستقال العديد من قيادييه، ودخل الحزب في مرحلة التفكك؛ وهذا ما يجعل من مواقفه تجاه سوريا واللاجئين ليست بذات أهمية، لا حالياً ولا في المستقبل؛ إذ لا يُتوقع أن يستعيد الحزب قوته في الانتخابات المقبلة، بل يُرجح أن يستمر بخسارة أنصاره لصالح حزب الشعب الجمهوري من جهة، ولصالح حزب الظفر اليميني المتطرف من جهة أخرى.

حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية:

يُعرف عن حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية DEM Parti مواقفه الداعمة لـ”قسد” في سوريا، ولم يكن للحزب مواقف داعمة لنظام الأسد بشكل مباشر، وإنما كان يعارض التدخل التركي في سوريا بشكل عام، والعمليات العسكرية التي تستهدف “قسد” بشكل خاص، وكانت قيادات الحزب تصف المعارضة السورية وقيادات الجيش الحر بـ”السلفيين الجهاديين”[16]، ولم يصدر عنهم أية تصريحات تدعم الثورة السورية بشكل مباشر.

مع تحرير مدينة حلب أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني أصدر الحزب بياناً عبّر فيه عن قلقه من تقدُّم “التنظيمات السلفية الجهادية” التي تستهدف العلويين والأكراد والأقليات على وجه الخصوص، وطالب القوى الديمقراطية بالتحرك الفوري للمطالبة بإيقاف الهجمات[17].

وفي الخامس من شهر ديسمبر/كانون الأول طالبت المتحدثة باسم الحزب “عائشة غول دوغان” الحكومة التركية بالتواصل مع “قسد” قائلة: إن حزبها كان وما زال على موقفه نفسه منذ سنوات فيما يخص الأزمة السورية، وإن “قسد” لا تشكل تهديداً لتركيا ووحدة أراضيها، مشيرة إلى أن الحوار معهم ضروري[18].

وفي يوم سقوط نظام الأسد أصدر الحزب بياناً جديداً قال فيه: إن سوريا طوت صفحة نظام الأسد الذي خلّف وراءه الكثير من الآلام والخلافات الدينية والمذهبية والعرقية، وعبّر الحزب عن رجائه بأن يتم تأسيس نظام جديد في سوريا على أساس ديمقراطي يمثّل جميع الأعراق والطوائف، وأن تتوقف الاشتباكات، وألا تتدخل القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية لسوريا[19].

ومع تصاعد هجمات الجيش الوطني ضد “قسد”، وانطلاق عمليات مطاردة فلول نظام الأسد نظّم الحزب مظاهرات داخل تركيا في المدن ذات الغالبية الكردية والعلوية للاحتجاج على الهجمات التي تستهدف الأكراد والعلويين في سوريا بزعمه، ودعا الحكومة التركية إلى وقف هجماتها على مناطق “قسد” وعدم دعم الجيش الوطني، والضغط لحماية العلويين والأقليات في سوريا. ودعا الحزب الإدارة الجديدة في سوريا إلى بدء عملية ديمقراطية تضم جميع المكونات، وعدم تكرار أخطاء الأنظمة السورية السابقة بإنشاء نظام إقصائي مستبد[20].

يمثّل حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية DEM Parti الحركة السياسية الكردية في تركيا، وتربطه علاقة وثيقة بتنظيم حزب العمال الكردستاني؛ فلا يُستغرب دعمه المستمر لـ”قسد” في سوريا، كما أن الحزب داخل تركيا يقدّم نفسه داعماً للأقليات في الشعب التركي؛ لذا فهو يُظهر موقفاً داعماً للأقليات في سوريا أيضاً بالشكل نفسه.

يملك هذا الحزب تأثيراً قوياً على عدد من وسائل الإعلام في تركيا، خاصة ذات التوجه اليساري، كما تربطه علاقات قوية مع معظم الأحزاب اليسارية في تركيا، التي تتخذ موقفاً مناهضاً للثورة السورية؛ إما بدعم بشار الأسد وإما بدعم “قسد”، كما يعد ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي بعد العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وهذا يجعله صاحب تأثير في الرأي العام التركي فيما يخص سوريا، ولاسيما الرأي العام عند الفئات الكردية والأقليات والمعارضة للحكومة التركية.

انخرط هذا الحزب مؤخراً في مشاورات جديدة بين الدولة التركية وعبدالله أوجلان زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني، وذلك بهدف إيجاد حل للمشكلة الكردية في تركيا وإنهاء التنظيم المسلح، وهذا سينعكس بشكل مباشر على وضع “قسد” في سوريا؛ إذ ترتبط بشكل مباشر مع تنظيم حزب العمال الكردستاني، ويتوقع أن يوجه أوجلان في خطابه المنتظر كلاماً لقيادات التنظيم الموجودين في سوريا، مما يجعل موقف الحزب تجاه القضية السورية مؤثراً في الداخل التركي[21].

ليس من المتوقع أن تؤدي الزيارات السياسية من الطرف السوري لهذا الحزب إلى تغيير موقفه من الوضع في سوريا- بالنظر الى أن موقف أوجلان الذي سيُعلنه في خطابه العامل الأساسي هو المحدد لموقف الحزب تجاه ما يحدث في سوريا؛ إذ لا يملك الحزب إمكانية اتخاذ موقف مخالف لتوجهات أوجلان وقيادات حزب العمال الكردستاني-، ولكن يمكن الاستفادة من الحزب في القضايا المتعلقة باللاجئين السوريين داخل تركيا؛ إذ يتخذ الحزب موقفاً إيجابياً داعماً للاجئين وضد الحملات العنصرية التي تقوم بها بعض الأحزاب المعارضة الأخرى.

حزب السعادة:

اتخذ حزب السعادة Saadet Partisi موقفاً متحفظاً من الثورة السورية، وداعماً جزئياً لنظام الأسد، وضد الدعم التركي المباشر للثورة السورية. يُعرف عن حزب السعادة تماهيه مع الرؤية الإيرانية في المنطقة؛ ولذا تعامل مع سوريا على أن ما يحدث فيها مؤامرة خارجية تستهدف تفريق الأمة الإسلامية وخدمة “إسرائيل”.

بعد يومين من انطلاق عملية “ردع العدوان” أصدر الحزب بياناً قال فيه: إنه ليس من مصلحة أي طرف في المنطقة إعادة إحياء الصراعات المذهبية في المنطقة في الوقت الذي هُزمَت فيه “إسرائيل” في لبنان، وأن هذه الاشتباكات في سوريا ستخدم “إسرائيل” والإمبرياليين، وأضاف: أن هذه التطورات ستزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وأن الحل هو التوحد وتغليب لغة العقل والدبلوماسية إلى آخر حد ممكن[22].

وفي الخامس من شهر ديسمبر/كانون الأول أجرى القيادي في الحزب “مصطفى كايا” حواراً صحفياً حول التطورات الأخيرة في سوريا، قال فيه: إن القصف الروسي والسوري المتكرر على إدلب أدى إلى وقوع ضحايا من المدنيين، وهذا تسبب باشتعال المواجهات من جديد، مؤكداً أن انعدام الاستقرار في سوريا سيصبّ في مصلحة “إسرائيل”، وكرّر مطالبته الحكومة التركية بالتواصل المباشر مع “الدولة السورية” لحل الأزمة دون إراقة الدماء، ولتسهيل عودة اللاجئين[23].

وبعد سقوط نظام الأسد أصدر الحزب بياناً طويلاً قال فيه: إن الحزب يقف إلى جانب الشعب السوري، ويفهم آلامه، ويرجو أن يعمّ السلام والاستقرار في سوريا من جديد، وأن يتأسس نظام جديد عادل يمثل جميع الأطراف. وأشار الحزب في بيانه إلى أن نظام الأسد آثر الحل الأمني القمعي على خيار السلام والحوار وتلبية مطالب الشعب، وأن الشعب السوري دفع ثمناً باهظاً بسبب الصراع بين نظام الأسد والأطراف الأخرى التي تحرّكها جهات إقليمية ودولية، وطالب الحزب تركيا بأخذ زمام المبادرة ودعم وحدة أراضي سوريا وتحريك منظمة العالم الإسلامي لقطع الطريق أمام التمدّد “الإسرائيلي”[24].

ولكن لم يستمر هذا الموقف الإيجابي نسبياً؛ إذ خرج القيادي في الحزب “بيرول آيدن” في خطاب في البرلمان التركي قال فيه: إنه من غير المنطقي السرور بما حدث في سوريا؛ لأن هذه التطورات كلها تصبّ في مصلحة “إسرائيل”، وإن الوضع في سوريا ما زال غير واضح إلى أين سيتجه، وما إذا كان ينتج عنه نظام عادل يمثل الجميع أم سيعود الاستبداد والظلم بصورة أخرى[25].

كما صرّح قياديّ آخر في الحزب “بولنت كايا” قائلاً: إن سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا كانت خاطئة طوال 13 سنة، وإن أردوغان دعم بشار الأسد قبل 2011 رغم أنه كان مجرماً يقتل شعبه في ذلك الوقت أيضاً، مشيراً إلى أن سياسة حزب العدالة والتنمية تسببت بالكثير من المآسي للشعب السوري كان من الممكن تفاديها، وطالب الحكومة التركية بإنشاء علاقة جيدة مع الأكراد والعمل مع الإدارة السورية الجديدة لكتابة دستور جديد يضمن حقوق الأكراد وجميع الأقليات[26].

يعاني حزب السعادة من مشكلة التماهي مع السياسة الإيرانية من جهة، ومن مشكلة معارضة الحكومة التركية في أية خطوة تتخذها من جهة أخرى، ولكن هذا لا يعني أنه من غير المفيد التواصل مع أعضاء الحزب وقياداته لتصحيح بعض المعلومات الخاطئة؛ إذ يمكن الالتقاء معهم في أرضية مشتركة، وإقناعهم ببعض الأمور المتعلقة بالوضع السوري، ويمكن الاستفادة منهم في المواضيع المتعلقة بحقوق اللاجئين، وفي تخفيف حدّة الخطاب العنصري عند الكتلة المعارضة للحكومة التركية.

حزب المستقبل:

تأسس حزب المستقبل Gelecek Partisi عام 2019 برئاسة رئيس الوزراء الأسبق المستقيل من حزب العدالة والتنمية “أحمد داوود أوغلو”، ومنذ تأسيسه اتخذ مواقف إيجابية تجاه الثورة السورية وتجاه اللاجئين السوريين في تركيا، وهو استمرار لمواقف داوود أوغلو وقياديي حزبه عندما كانوا في حزب العدالة والتنمية.

خرج داوود أوغلو في لقاء صحفي تحدث فيه عن التطورات في سوريا بعد تحرير مدينة حلب، وقال: إن بشار الأسد هو السبب فيما يحدث بسبب وقاحته تجاه مبادرة الرئيس أردوغان، وبسبب استمراره في قتل شعبه. واقترح على الحكومة التركية التواصل مع العناصر العاقلة داخل نظام الأسد لترتيب مرحلة سياسية جديدة يكون الأسد فيها خارج المعادلة السياسية، وقال داوود أوغلو: إنه لا يستطيع الحكم حول ما إذا كانت هيئة تحرير الشام إرهابية أم لا بسبب عدم اطلاعه على كواليس العلاقات الاستخباراتية وتفاصيل التعاون بينها وبين تركيا بحسب قوله[27].

وفي يوم سقوط نظام الأسد قال داوود أوغلو: على تركيا واجب أن تقف إلى جانب سوريا وأن تحسن استغلال هذه المرحلة لما فيه مصلحة الدولتين والشعبين، مشيراً إلى أن اللاجئين السوريين سيعودون إلى سوريا وكثير منهم يجيد اللغة التركية واكتسب كثيراً من الخبرات في تركيا. وطالب الحكومة التركية بالتعامل مع نظيرتها السورية دون تعالٍ وكبر، وقال: إن على الحكومة السورية الجديدة أن تراعي جميع الأقليات، وألا ترمي بكل ذنوب نظام الأسد على منسوبي الطائفة العلوية جميعهم[28].

وبعد الإعلان عن تعيين محمد البشير في منصب رئيس الحكومة المؤقتة نشر داوود أوغلو رسالة موجهة إليه بارك فيها انتصار ثورة الشعب السوري وزوال نظام الأسد، وقدّم فيها مجموعة من التوصيات والنصائح، تركزت حول أولويات المرحلة الجديدة، مثل: ضبط الأمن والنظام العام، وعمل مصالحة وطنية، وتشغيل مؤسسات الدولة، وصياغة دستور جديد، وأشار في نهاية رسالته إلى أن تركيا اليوم على عاتقها مسؤولية كبيرة تجاه سوريا لمساعدتها في تحقيق هذه الخطوات[29].

كما انتقد داوود أوغلو في أكثر من مناسبة السياسيين الأتراك الذين هاجموه بسبب دعمه للثورة السورية، واصفاً إياهم بالجهل والعنصرية، وضرب مثالاً على صواب موقفه تجاه سوريا بتعيين عزام غريب محافظاً لحلب، وهو الخريج من جامعة بينغول التركية والذي يتقن اللغة التركية بشكل جيد، قائلاً إن على الساسة الأتراك العنصريين الاعتذار من السوريين، وإن تعيين هذا المحافظ مثال على الأخوّة بين الأتراك والسوريين التي ستمتد لقرون[30].

وبعد أسبوعين من هذه الرسالة خرج داوود أوغلو في مقابلة صحفية جديدة قال فيها: إن على تركيا ألا تخاف من فكرة الفدرالية في سوريا إن كانت ستُطبق، مشيراً إلى أنه من الضروري فهم أن أكراد سوريا ليسوا جميعاً تابعين لتنظيم حزب العمال الكردستاني، وأن الظروف في سوريا مختلفة عن تركيا؛ وهذا يجعل الحلول المناسبة لسوريا مختلفة عن الحلول المناسبة لتركيا على حد تعبيره[31].

يملك رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو حصيلة أكاديمية كبيرة وخبرة واسعة في المجال السياسي والدبلوماسي، كما أن لديه اطلاعاً واسعاً على الوضع في سوريا وفي الدول العربية بشكل أكبر بكثير من معظم الساسة الأتراك الآخرين، لكنّ تأثيره المباشر في السياسة التركية بعد استقالته من حزب العدالة والتنمية صار ضعيفاً؛ ورغم ذلك فمن المهم الاطلاع على آرائه وتجاربه والاستفادة منها في المرحلة الحالية، سواء من طرف المسؤولين الحكوميين أو من طرف الساسة وقادة الرأي ومديري منظمات المجتمع المدني السوريين، وهذا يشمل القضايا المتعلقة بالداخل السوري، والقضايا المتعلقة بأوضاع اللاجئين السوريين داخل تركيا، سواءٌ بالدفاع عن حقوقهم عندما يتعرضون لانتهاك أو بمحاربة العنصرية التي تبثّها بعض الأحزاب المعارضة الأخرى.

حزب الديمقراطية والتقدم:

يتبنّى حزب الديمقراطية والتقدم DEVA Partisi توجهات ليبرالية محافظة، ويرأسه علي باباجان وزير الخارجية والمالية الأسبق في حكومات حزب العدالة والتنمية، وينضوي تحت الحزب عدد من القيادات المستقيلة من حزب العدالة والتنمية. تبنّى الحزب توجهاً محايداً تجاه الثورة السورية بشكل عام، ومال لانتقاد نظام الأسد البائد، ودعا منذ تأسيسه لتطبيق القرار 2254 وحل الأزمة السورية بناءً عليه.

لم يصدر الحزب ورئيسه أية تصريحات متعلقة بسوريا بعد انطلاق عملية “ردع العدوان” في أيامها الأولى، وكان أول تصريح صادر عن الحزب بخصوص سوريا قبل يوم واحد من سقوط نظام الأسد، دعا فيه رئيس الحزب علي باباجان إلى تأسيس آلية رباعية بين تركيا وإيران وروسيا وأمريكا للتوصل إلى حل للأزمة السورية يراعي مصالح الجميع وينهي الحرب المستمرة منذ 14 عاماً، وقال: إن حزبه يرجو أن يتأسس في سوريا نظام جديد يحفظ حقوق الجميع، ويضمن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ويتم تشارك الموارد فيه بشكل عادل مع جميع المكونات[32].

وفي يوم سقوط نظام الأسد كتب علي باباجان في حسابه الرسمي رسالة هنأ فيها الشعب السوري بانتهاء حقبة نظام الأسد الدموية التي استخدم فيها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وقال: إن المرحلة الحالية حساسة، يجب أن يتم التعامل معها بحذر شديد كيلا ينقلب الفرح إلى مآسٍ جديدة على حد وصفه، داعياً الشعب السوري للعمل على إنشاء نظام جديد يحفظ حقوق الجميع ويضمن الحريات ويمثّل جميع مكونات الشعب السوري، وقال: إن على الحكومة التركية مسؤولية كبيرة تجاه سوريا في المرحلة المقبلة، ودعا الساسة الأتراك الذين دعموا نظام الأسد وحرّضوا ضد اللاجئين السوريين في تركيا إلى إنهاء سياساتهم السيئة وفتح صفحة جديدة مع الشعب السوري[33].

وكرّر باباجان في لقاء آخر نصيحته للسوريين بإنشاء نظام عادل شامل، قائلاً: إن على السوريين التركيز على حل مشكلاتهم بأنفسهم وعدم الاعتماد على تدخلات خارجية، وإن على أكراد سوريا أن يشاركوا في عملية بناء النظام الجديد، وألا يعتمدوا على أمريكا التي تستخدمهم من أجل مصالحها دون أن تخدم مصالح أي أحد[34].

وفي لقاء آخر انتقد علي باباجان الإعلام التركي المقرب من حزب العدالة والتنمية بسبب تصويره ما حدث في سوريا وكأنه “فتح تركي”، مشيراً إلى أنه من الضروري التعامل مع سوريا على أنها دولة مستقلة وعدم تصدير صورة تركيا على أنها تطمع في أراضي الآخرين، ودعا الحكومة التركية للتعاون مع سوريا دون أن تتدخل في شؤونها الداخلية كما فعلت سابقاً[35].

لا يملك علي باباجان وحزبه تأثيراً كبيراً في الساحة السياسية التركية؛ إلا أن وجود حزبه في البرلمان وسمعته السابقة منذ كان وزيراً تجعل صوته مسموعاً في الرأي العام التركي، كما أن كوادر الحزب تمتلك خبرات واسعة في المجالات الدبلوماسية والحقوقية والاقتصادية؛ ولذا فمن الممكن للمسؤولين السوريين أو منسوبي منظمات المجتمع المدني وممثلي الجالية السورية في تركيا الاستفادة من خبرات كوادر الحزب باستشارتهم في القضايا الدبلوماسية أو الحقوقية التي تواجه السوريين في مرحلة إنشاء الدولة، أو التي تواجه اللاجئين السوريين في تركيا.

حزب الرفاه الجديد:

تأسس حزب الرفاه الجديد Yeniden Refah Partisi عام 2018 بقيادة “فاتح أربكان” نجل السياسي الراحل نجم الدين أربكان، واتبع منذ تأسيس حزبه توجهاً سلبياً تجاه الثورة السورية، ومتماهياً مع التوجه الإيراني في المنطقة، ودعا أكثر من مرة الحكومة التركية للتطبيع مع بشار الأسد وإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إليه في أقرب فرصة، ووصف ما يحدث في سوريا بأنه مؤامرة أمريكية-“إسرائيلية” تستهدف تقسيم سوريا وتركيا وإيران[36].

 نشر الحزب في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 بياناً عن التطورات في سوريا قال فيه: إن الربيع العربي تسبب بدمار الدول التي مر بها، وأشار إلى أن تركيا يجب أن تتخذ موقفاً واضحاً ضد أي أعمال ستؤدي إلى تقسيم سوريا، ولمّح البيان إلى أن هذه التطورات تخدم أمريكا و”إسرائيل”، وستؤدي إلى مزيد من الصراعات العرقية والطائفية، ودعا الحكومة التركية لاستخلاص الدروس من الماضي والتعاون مع دول الإقليم لحفظ الاستقرار ووحدة أراضي سوريا من هذه المخططات الأمريكية-“الإسرائيلية”[37].

وقبل سقوط نظام الأسد بيوم واحد دعا رئيس الحزب فاتح أربكان الحكومة التركية إلى التواصل مع إيران ونظام الأسد والمعارضة السورية لإيجاد حل سياسي يستمر فيه بشار الأسد بمنصبه ويؤسس لحكومة توافقية تجمع بين الأسد والمعارضة، مشيراً إلى أن ما يحدث هو مؤامرة غربية تستهدف تقسيم سوريا، ومن ورائها تقسيم تركيا وإيران[38].

أما عن موقف الحزب بعد سقوط نظام الأسد فقد أصدر بياناً قال فيه: إنه من غير المنطقي هزيمة جيش نظام الأسد في 10 أيام، وإن ما حدث يشير إلى احتمال دفع رشاوى لقادة الجيش لتسليم المدن دون قتال، أو أن الطائرات والدبابات تم تعطيلها من طرف صانعيها باستخدام شرائح إلكترونية، وأضاف البيان: أنه من المرجح أن تدخل الفصائل المعارضة في معارك جديدة بين بعضها البعض بسبب اختلافاتهم الأيديولوجية والتاريخية الكبيرة، وأن الحرب في سوريا لم تنتهِ لكنها بدأت للتو، وقال الحزب في بيانه: إن أكبر مستفيد مما حدث هو تنظيم PKK الذي عزّز قوته شرق الفرات، و”إسرائيل” التي احتلت مواقع جديدة في جنوب سوريا وباتت على مشارف العاصمة دمشق، وأشار إلى أن الحكومة التركية ما زالت لا تعرف ما الذي ستفعله لمواجهة هذه المخاطر الجديدة[39].

من الصعب التعويل على حزب الرفاه الجديد بأي موقف إيجابي تجاه الثورة السورية أو اللاجئين السوريين؛ إذ لم يُبد أي تعاطف مع اللاجئين سابقاً، بل استخدمهم أداة في حملته الانتخابية الأخيرة بشكل مشين، كما أن موقفه تجاه الثورة لا يخرج أبداً عن التوجه الإيراني، ولم يصدر أية كلمة إدانة لنظام الأسد ولا أية كلمة فرح تجاه تحرير المعتقلين وانتهاء الحرب والقصف؛ ولذا يصعب إيجاد أرضية مشتركة للحوار معهم وللاستفادة من جهودهم.

حزب العمال التركي:

يملك حزب العمال التركي TİP ثلاثة مقاعد في البرلمان التركي، ويتحالف مع حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الداعم للأكراد والأقليات، ويضم عدداً من قادة الطائفة العلوية في تركيا. يتبنّى حزب العمال التركي أيديولوجيا شيوعية وعلمانية يسارية متطرفة؛ ولذا يدعم جزئياً قضايا اللاجئين، ولكنه في الوقت نفسه يدعم نظام الأسد بشكل كبير، ويهاجم الثورة السورية ويصفها بأنها مشروع “إمبريالي” تقوده جماعات جهادية طائفية متطرفة[40].

مع انطلاق عملية “ردع العدوان” أصدر الحزب بياناً قال فيه: إن ما يحدث في سوريا هو مرحلة جديدة من المشروع “الإمبريالي” في المنطقة، وإن التنظيمات الجهادية الإرهابية باتت تشكل تهديداً على الشعوب والطوائف، وإن هذه العملية تعطي زخماً لـ”إسرائيل” لمهاجمة لبنان والعراق وإيران، مشيراً إلى أن هذه العملية ستؤدي إلى مزيد من الدمار والتهجير للشعب السوري[41].

وفي يوم سقوط نظام الأسد نشر الحزب بياناً قال فيه: إن المخطط الأمريكي-“الإسرائيلي” في المنطقة نجح في إسقاط الحكم في سوريا باستخدام الجماعات الجهادية المتطرفة، وإن حزب العدالة والتنمية داعم أساسي لهذا المشروع ويعمل على استخدامه لإبعاد تركيا عن العلمانية، مشيراً إلى أن المنطقة باتت على وشك الدخول في حرب شاملة سيتضرر منها جميع شعوب المنطقة بلا استثناء[42].

كما أصدر الحزب بياناً مع خروج مظاهرات للعلويين في سوريا احتجاجاً على انتشار مقطع لحرق مقام الخصيبي في حلب، قال الحزب فيه: إن هجمات هيئة تحرير الشام على الأقليات ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة، وإن حياة المنتمين للأقليات في سوريا _خصوصاً منسوبي الطائفة العلوية_ باتت في خطر، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل في سوريا لحماية الأقليات وإنشاء نظام ديمقراطي عادل يمثّل جميع مكونات الشعب السوري[43].

وبالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لتركيا مؤخراً أصدر حزب العمال التركي بياناً أدان فيه هذه الزيارة، وقال فيه: إن الحكومة التركية ستستقبل “زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام الجهادي الجولاني” في تركيا، وإن هذا التصرف يؤكد نفاق الحكومة التركية التي تستقبل شخصاً يستمر بمهاجمة الأقليات في بلاده بحسب زعمهم، وأكد الحزب أنه سيستمر بالتضامن مع الشعب السوري لحين تأسيس نظام يضمن حقوق جميع أفراد الشعب السوري[44].

ليس ثمّة كثير من المواضيع التي يمكن تأسيس أرضية مشتركة فيها بين المسؤولين السوريين وحزب العمال التركي؛ إذ يتخذ الحزب موقفاً داعماً لنظام الأسد البائد مبنياً على أسس طائفية وأيديولوجية، كما أن تأثيره في الساحة السياسية التركية ضعيف مقارنة بالأحزاب الأخرى؛ فلا أهمية للتواصل معهم ومحاولة إقناعهم بوجهة النظر السورية.

حزب الظفر:

تأسس حزب الظفر Zafer Partisi عام 2021 بقيادة السياسي القومي التركي المتطرف أوميت أوزداغ، وركّز الحزب دعايته بشكل كامل على محاربة اللاجئين والمقيمين الأجانب في تركيا، خاصة اللاجئين السوريين، كما يتخذ الحزب مواقف عنصرية تجاه الأكراد والأقليات الأخرى غير التركية في تركيا والإقليم. وبالنظر إلى موقفه من الثورة السورية فكان موقف الحزب سلبياً تجاه الثورة، ويرى أنها جزء من مؤامرة غربية ضد تركيا.

لا يملك حزب الظفر تمثيلاً في البرلمان التركي، ولكنه يملك قوة إعلامية وانتشاراً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي تجعله قادراً على تحريك الرأي العام التركي؛ ولذا من المهم إضافته إلى هذا التقرير لمعرفة موقفه تجاه التطورات الأخيرة في سوريا.

مع انطلاق العمليات العسكرية الأخيرة ضد نظام الأسد البائد كتب أوميت أوزداغ تحليلاً للتطورات قال فيه: إن “هيئة تحرير الشام” تخطط منذ زمن لهذه العملية، لكن تركيا كانت ضد الفكرة وأعاقت تنفيذها، وأمريكا دعمت هذه الفكرة لإضعاف النفوذ الإيراني في الإقليم، وإن نظام الأسد قد يخسر سيطرته على حلب خلال يومين إذا لم يستطع إقناع روسيا بالتدخل[45].

وفي يوم سقوط نظام الأسد قال أوزداغ: إن سوريا الآن باتت مقسمة بين تنظيمَي هيئة تحرير الشام وتنظيم حزب العمال الكردستاني، اللذين تصنفهما تركيا في قائمة التنظيمات الإرهابية، مشيراً إلى أن ما يحدث هو جزء من مخطط “إسرائيلي” يستهدف تقسيم سوريا إلى 3 دول مثلما جرى تقسيم العراق سابقاً[46].

عاد أوميت أوزداغ للتحريض ضد اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام الأسد، فقال: إن حكومة حزب العدالة والتنمية لا تريد إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بينما كانوا يتذرعون بوجود نظام الأسد الذي يمنع عودتهم، وطالب بإعادتهم بشكل فوري بعد سقوط نظام الأسد[47].

نشر أوميت أوزداغ تغريدة طويلة دعم فيها تصريحات وزير النقل التركي حول إمكانية توقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع سوريا وتطوير مطاراتها وطرقها وسككها الحديدية، قائلاً: إنه من المهم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في حال ضغطت تركيا على حل الدولتين في قبرص، ولكنه طالب الوزارة بعدم تنفيذ كثير من المشاريع الأخرى في سوريا، وأنه من الأفضل التركيز على تحسين مشاريع البنية التحتية في تركيا[48].

وتحدث أوزداغ بعد ذلك قائلاً: إن السياسي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط زار تركيا لمناقشة الرئيس أردوغان في إمكانية نقل 15 ألف درزي لبناني من لبنان إلى المناطق التي احتلتها “إسرائيل” في سوريا لتشكيل منطقة عازلة يعيش فيها الدروز في الحدود بين سوريا و”إسرائيل”، وأشار إلى أن نجل جنبلاط يقود عملية التفاوض مع “إسرائيل” لتنفيذ هذا المشروع[49].

بعد ذلك اعتقلت الحكومة التركية أوزداغ بتهمة التحريض على الكراهية والعداوة في المجتمع؛ فانشغل أوزداغ وحزبه في القضايا الداخلية ولم يعد يتناول الموضوع السوري مثل السابق، وانصبّ تركيزه على انتقاد المفاوضات بين الحكومة التركية وزعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان.

تتركز سياسة حزب الظفر على محاربة اللاجئين السوريين في تركيا، ولا يدخر في هذا الهدف أي جهد، بينما يتبنّى سياسة متخبطة تجاه القضية السورية، وحالياً بعد اعتقال أوزداع انشغل بالقضايا الداخلية في تركيا، ولاسيما حول محاربة جهود حل القضية الكردية التي تقودها الحكومة التركية حالياً؛ ولذا فإن أثر هذا الحزب على اللاجئين والقضية السورية ضعف في الفترة الحالية ولم يعد كالسابق.

 خاتمة:

تنوعت مواقف الأحزاب المعارضة التركية تجاه الثورة السورية؛ إذ كان الدافع لمعاداة الثورة بالنسبة إلى بعض أطراف المعارضة هو مخالفة أي موقف يتخذه الحزب الحاكم، حتى لو أدى ذلك إلى الوقوع في تناقض مع مواقف سابقة، فيما اتخذت بعض الأحزاب التركية المعارضة موقفاً معادياً للثورة بحجة أنها إسلامية و”سلفية جهادية”، ودافعوا إما عن نظام الأسد وإما عن “قسد” لدوافع عرقية أو طائفية، فيما وقف آخرون  ضد الثورة من منطلق عنصري ضد اللاجئين؛ لأنها بحسب نظرهم جزء من مؤامرة غربية استهدفت تهجير السوريين إلى تركيا لاستهداف أمن تركيا.

أما الأحزاب الداعمة للثورة السورية فقد كانت الأحزاب التي أسسها شخصيات مستقيلة من حزب العدالة والتنمية، وهي ذات توجه إسلامي/ليبرالي، وتتبنى توجهاً تجاه سوريا مشابهاً لتوجه الحزب الحاكم، ويملك القياديون في هذه الأحزاب خبرات واسعة في المجالات الدبلوماسية والسياسية، واطّلاعاً كبيراً على حقيقة الوضع في سوريا.

من المهم التركيز على بناء علاقة مع الأطراف الداعمة للثورة أو التي تُبدي مرونة وبراغماتية في تعاملها مع الوضع الجديد في سوريا، لاسيما من الجهات التي يحتمل أن تفوز بالانتخابات المقبلة في تركيا، وذلك بهدف عدم كسب عداوة لطرف قد يضطر السوريون للتعامل معه في المستقبل.

أما بالنظر إلى الجهات التي تتخذ مواقف من سوريا بناءً على توجهات عرقية أو طائفية أو عنصرية فمن الصعب التواصل معهم والدخول معهم في أرضية مشتركة في الوقت الحالي؛ بسبب الاستقطاب الحاد في سوريا في ظل عدم التوصل إلى حل لمشكلة “قسد”، واستمرار فلول النظام البائد في إثارة القلاقل، الأمر الذي سيدفع هذه الأطراف في تركيا لاتخاذ موقف عدائي مسبق.


[1] “خطاب رئيس حزب الشعب الجمهوري في البرلمان بتاريخ 12 يوليو/تموز 2016”
[2] “تصريح من أوزغور أوزال عن سوريا: يجب أن نبتعد عن المغامرات غير محسوبة العواقب”:
[3] “وفد حزب الشعب الجمهوري عند الحدود السورية: نحن مستعدون للتعاون مع الحكومة لمنع أي موجة هجرة جديدة”:
[4] “رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال: الجميع يقول إنك أحسنت العمل ونفدت بجلدك”:
[5] “رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال: من الضروري تأسيس حكومة انتقالية تمثل جميع أطياف الشعب السوري”:
[6] “قال أوزغور أوزال: إنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع عودة السوريين مباشرة، وقدم لأردوغان 3 اقتراحات”:
[7] خطاب لرئيس الحزب أوزغور أوزال نشرته صحيفة Serbestiyet على حسابها الرسمي في تويتر، 5/1/2025.
[8] “تصريح من أكرم إمام أوغلو بخصوص سوريا: بدأت الاشتباكات من جديد، ونحن نتابعها بحزن”:
[9] مقابلة لأكرم إمام أوغلو على قناة Halk TV، 9/12/2024.
[10] “إمام أوغلو: محافظة دمشق ألغت زيارة اتحاد بلديات تركيا قائلة إنه يجب أن تزورونا بعد زيارة أردوغان”:
[11] “إمام أوغلو مصرّ على التعاون مع سوريا: استقبل اتحاد الجمعيات السورية”:
[12]“تصريح من منصور ياواش عن السوريين: كانوا يتحججون بظلم الأسد، الآن لم يعد هناك أمام ذهابهم أي عائق”:
[13] “تصريح من الحزب الجيد بخصوص سوريا: يجب عدم تكرار أخطاء 2011”:
[14] “الحزب الجيد: اليد التي تخرب سوريا ستمتد غدًا إلى تركيا”:
[15] “رئيس الحزب الجيد درويش أوغلو: صليتم في الجامع الأموي، وماذا بعد؟”
[16] “بيان مشترك من أحزاب HDP, HDK, DTK, DBP: شعوب تركيا ليست راضية عن هذه الحرب”
يجدر التنبيه إلى أن حزب HDP هو الحزب السابق لـDEM Parti، ويغير هذا الحزب اسمه باستمرار للالتفاف على القضايا المرفوعة ضد الحزب التي تطالب بإغلاقه.
[17] بيان من حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية منشور على حسابه الرسمي في تويتر، 1/12/2024.
[18] “نداء من حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية إلى تركيا: تحاوروا مع قسد”:
[19] “يجب أن تنتهي الحرب الأهلية في سوريا”:
[20] “من بكرهان للحكومة: عندما يشعر العلويون والأكراد في سوريا بالأمان سنصدق أنكم أصحاب نية حسنة”:
[21] سبق لمركز الحوار السوري إصدار تقرير تحليلي يدرس تداعيات الخطوات الجارية لحل المشكلة الكردية في تركيا على سوريا؛ يُنظر: “هل يؤدي تحرير سوريا إلى فتح مجالات جديدة لحل المشكلة الكردية في المنطقة؟” مركز الحوار السوري، 16/1/2025.
[22] “تحولت المسألة السورية إلى أكبر مشكلة أمنية في تاريخ الجمهورية التركية”:
[23] “عدم استقرار سوريا يشكّل تهديداً كبيراً لتركيا ودول المنطقة”:
[24] بيان منشور في الحساب الرسمي لحزب السعادة في منصة تويتر، 8/12/2024.
[25] “آيدن التابع لحزب السعادة: من غير المنطقي الفرح بما يحدث في سوريا قبل أن نعرف من المستفيد”:
[26] “كايا التابع لحزب السعادة: يجب أن تدعم تركيا الحقوق الدستورية لأكراد سوريا”:
[27] “تصريح من داوود أوغلو بشأن الأسد: رد على أردوغان بوقاحة، والىن يدفع الثمن”:
[28] “تصريحات من رئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو لخبر ترك”:
[29] نص الرسالة نشره أحمد داوود أوغلو في حسابه الرسمي العربي في تويتر، 10/12/2024.
[31] “أحمد داوود أوغلو: لا تخافوا من الفدرالية”:
[32] “اقتراح طاولة رباعية بشأن سوريا من طرف باباجان: يجب أن تشمل جميع المكونات”:
[34] “التطورات في سوريا… علي باباجان: أمريكا تتحرك وفق مصالحها، ولا تفعل أي شيء بهدف خدمة الآخرين”:
[35] “علي باباجان: ما يحدث في سوريا يعرضه الإعلام المحلي بشكل مختلف”:
[36] “سياسة الرئيس أردوغان الجديدة تجاه سوريا”
CUMHURBAŞKANI ERDOĞAN’IN YENİ SURİYE POLİTİKASI“, Yeniden Refah Partisi, 20/8/2022
[37] “يجب أن يكون استقرار وسيادة ووحدة أراضي سوريا أولوية تركيا”:
[38] “فاتح أربكان: تقسيم سوريا مثل العراق سيؤدي لتقسيم تركيا وإيران، ويجب على تركيا ألا تنجر لهذه الخدعة”:
[39] “التنظيمات الموجودة في سوريا ومخاوفنا منها”:
Suriye’deki Örgütler ve Endişelerimiz“, Yeniden Refah Partisi, 10/12/2024.
[40] فيديو منشور في الحساب الرسمي لحزب العمال التركي يتحدث فيه النائب البرلماني السابق عن الحزب، بارش أتاي، حول موقفهم من سوريا، 3/2/2023
[41] بيان منشور على الحساب الرسمي لحزب العمال التركي في منصة تويتر، 30/11/2024.
[42] بيان منشور على الحساب الرسمي لحزب العمال التركي في تويتر، 8/12/2024.
[43] بيان منشور على الحساب الرسمي لحزب العمال التركي في تويتر، 26/12/2024.
[44] بيان منشور على الحساب الرسمي لحزب العمال التركي في تويتر، 4/2/2024.
[45] منشور في الحساب الرسمي لأوميت أوزداغ في تويتر، 29/11/2024.
[46] منشور في الحساب الرسمي لأوميت أوزداغ في تويتر، 8/12/2024.
[47] منشور في الحساب الرسمي لأوميت أوزداغ في تويتر، 13/12/2024.
[48] منشور في الحساب الرسمي لأوميت أوزداغ في تويتر، 24/12/2024.
[49] منشور في الحساب الرسمي لأوميت أوزداغ في تويتر، 25/12/2024.

بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى