مقالات الرأي

عشر قضايا أساسية للبحث والنقاش ضماناً لمجلس شعب حقيقي في سوريا

انتهت عملية الاقتراع في الهيئات الناخبة المُشكّلة وفقاً للمرسوم 143 الخاص بـ “النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب”، وبناء عليها أعلنت اللجنة العليا للانتخابات يوم الاثنين 6/10/2025 النتائج النهائية للانتخابات، وبذلك فإن المرحلة الأساسية في تشكيله قد انتهت وبات من المنتظر صدور قائمة التعيين المباشر من رئيس الجمهورية مع الأخذ بعين الاعتبار تعليق مقاعد بعض الدوائر كالسويداء والرقة لحين وجود ظروف مناسبة، لنصبح أمام تشكيل أول مجلس شعب سوري بعد إسقاط نظام الأسد البائد، وبذلك تتكامل أركان السلطات الثلاث، وتنتهي حالة الفراغ التشريعي منذ 8 كانون الثاني.

الآن وبغضّ النظر عن نقاش فعالية المسار الإجرائي لتشكيل مجلس الشعب في تحقيق معايير التمثيل والكفاءة، وبالتركيز على عمله وأدواره المأمولة ثمة مجموعة من القضايا الجديرة بالبحث والنقاش العام والتفاعل الفكري حتى يكون المجلس الأول قادراً على الارتقاء في أعماله لمستوى تطلُّعات السوريين بعد عقود طويلة من وجود “مجلس دمى” هزيل ومشوّه؛ فمهمة أعضاء هذا المجلس ومسؤوليته مضاعفة وحسّاسة معاً، إذ إنها مرتبطة بالقضايا الموضوعية من جهة، وبكسب ثقة الشعب السوري من جهة أخرى لتغيير الصورة النمطية المورثة، وعليه يغدو السؤال المهم هنا:

كيف يمكن أن يكون هذا المجلس قادراً على افتتاح عهد وطني جديد يليق بتضحيات الشعب السوري ويتلاقى مع آماله؟

أولوية القضايا التأسيسية والتنظيمية كمدخل للفاعلية:

أولى هذه القضايا هي السعي لتغيير الفلسفة التي كان يحملها عضو مجلس الشعب في ظل النظام البائد بصفته منفصلاً عن دائرته الانتخابية بعد “اختياره”، فمن المفترض أن يسعى عضو البرلمان الحالي إلى تصحيح علاقته بدائرته، وهذا ما يتطلّب التركيز على آفاق المشاركة المجتمعية في العمل البرلماني، فالمشاركة المجتمعية لا تتوقف عند التصويت، بل تمتد لتشمل متابعة أداء النواب، وإبداء الملاحظات على القوانين، والمساهمة في رسم السياسات العامة مباشرة أو عبر حوامل متعددة كالنقابات والمجتمع المدني والإعلام… الخ. لذلك ومن أجل أن يصبح مجلس الشعب مؤسسة تمثيلية حقيقية يجب السعي لفتح قنوات دائمة للتواصل مع الناس، سواء من خلال جلسات استماع علنية، أو نشر تقارير دورية، أو استقبال شكاوى ومقترحات. بهذا المعنى تصبح المشاركة المجتمعية مدخلاً أساسياً لإعادة بناء الثقة وتصحيح العلاقة.

القضية الثانية ترتبط بقدرات أعضاء المجلس؛ حيث لا يختلف أحد على أن المرحلة المقبلة في سوريا مليئة بتحديات أولها المتطلبات التشريعية والرقابية المعقدة، وهذه المهام لا يمكن إنجازها بكفاءة من دون أعضاء يمتلكون معرفة وقدرات متنوعة قانونية، اقتصادية، وسياسية، إضافة إلى مجموعة مهارات أساسية كالتفاوض والتواصل والحوار، وعليه فإن المراهنة على مجلس فاعل يتطلب كفاءة عالية عبر آليات متسمرة للتدريب والتأهيل العملي، مثل ورشات متخصصة في إعداد القوانين، وتبادل الخبرات مع برلمانات أخرى، أو إنشاء مراكز دراسات داخل المجلس نفسه لدعم النواب بالمعلومات والتحليل.

بالانتقال إلى قضايا تنظيمية رئيسية تبرز أهمية العامل القانوني الرئيسي الحاكم لعمل المجلس وهو النظام الداخلي الذي يمكن اعتباره بمثابة العمود الفقري لعمل البرلمان وليس مجرد قواعد شكلية، بناء عليه من الضرورة الوقوف بشكل واعٍ رصداً وتحليلاً للتوجهات المختلفة في الأنظمة البرلمانية ومراجعة الأنظمة السابقة في سوريا دون استنساخها، والانطلاق مما سبق في تقديم مدخلات رئيسة في الحالة السورية تساعد على إصدار نظام داخلي يتناسب مع المأمول من أدوار المجلس وبما يتناسب مع الاحتياجات الحالية.

أيضاً في ذات السياق تبرز أهمية فهم موقع رئاسة مجلس الشعب وأدواره الرئيسة، وبالتالي حساسية هذا الموقع ومحوريته في الحياة البرلمانية، فرئيس المجلس لا يقتصر دوره على إدارة الجلسات وتنظيم جدول الأعمال، بل يمتد إلى رسم الإيقاع العام للمجلس، وتحديد أولويات النقاشات، والتأثير على علاقة المجلس بالسلطة التنفيذية وبالمجتمع، وبناء عليه تكمن حساسية المنصب في أنّه قد يتحول إلى أداة لتعزيز استقلالية المجلس ورفع مكانته كمؤسسة تشريعية فاعلة، ولذلك من الضرورة بمكان البحث بشكل مسبق وكاف في المواصفات المطلوبة وآليات العمل في رئاسة المجلس.

الرقابة كفريضة برلمانية يجب استحضارها:

في حين تبدو القضايا التالية الأخرى المهمة في قائمة القضايا العشر مرتبطة بالأدوات التي يملكها المجلس لتفعيل أدواره وخاصة غير التشريعية؛ في مقدمتها تأتي قضية آليات الرقابة البرلمانية التي يمتلكها النواب لمتابعة أداء السلطة التنفيذية ومحاسبتها، مثل: الأسئلة البرلمانية، ولجان التحقيق.. الخ، وهذا ما يتطلب ليس التوقف فقط على الإعلان الدستوري بوصفه لم يمنح البرلمان حق حجب الثقة عن الحكومة، بل على البحث في كيفية إعادة تفعيل هذه الآليات بعد 2025 بحيث تصبح أداة عملية للشفافية والمساءلة، وتساعد على بناء ثقة المواطن بالمجلس كسلطة تمثيلية حقيقية.

وبالتركيز على إحدى الأدوات الواضحة في الإعلان الدستوري تأتي قضية السؤال البرلماني، فلا يكفي أن يتم ممارسته، بل من الضرورة الوقوف على  وكيف يمكن أن يكون مؤثراً في ممارسة مجلس الشعب السوري لرقابته، وبالتالي يتحول من مجرد أداة شكلية إلى وسيلة فاعلة لممارسة الرقابة والمساءلة، وهذا ما يتطلب الوقوف على مصادر قوة السؤال البرلماني، فهل ترتبط بصياغته ودقته، أم في توقيته والقدرة على متابعة نتائجه داخل المجلس، وما الذي يمنح هذا السؤال وزناً أكبر؟ على سبيل المثال عرضه أمام الرأي العام وإثارة اهتمام الناس، أم إلزام الحكومة بتقديم إجابات تفصيلية وقابلة للتنفيذ.

فضلاً عما سبق يبرز التساؤل المهم عن لجان التحقيق البرلمانية، فهل هي متاحة في الحالة السورية مع عدم وجود نص عليها في الإعلان الدستوري؟ خصوصاً أنه عادة قد تؤدي النتائج التي تصل إليها لجنة التحقيق إلى حجب الثقة، في المقابل فإن ممارسات أخرى في أنظمة رئاسية كالولايات المتحدة تسمح بها استناداً إلى حكم المحكمة العليا، وباعتبار أنه لا خلاف على أن لجان التحقيق البرلمانية هي أحد أقوى أدوات الرقابة والمساءلة لأنها تمكّن النواب من فحص سياسات وقرارات وإنفاق الجهات التنفيذية بشكل منهجي وتتيح إصدار تقارير بنتائج وتوصيات قابلة للمتابعة، فإن البحث في إمكانية تشكيلها في السياق السوري وحدودها وصلاحياتها تحوز على أهمية مضاعفة.

إلى جانب لجان التحقيق البرلمانية، يبرز نمط آخر وهو اللجان البرلمانية ذات الطبيعة المستمرة والتفكير باستحداث لجان مؤثرة وهامة في تفعيل أدوار المجلس؛ ولعلّ نموذج لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في الحالة السورية يشكل رافعةً رقابية وتشريعية لا غنى عنها لإعادة بناء الثقة بين المجتمع والسلطات، الأمر الذي يتطلب الحديث عن جدواها العملية وصلاحياتها وآثارها. على سبيل المثال حال قدرتها على فحص كل مشروع قانون بـ“اختبار أثر حقوق الإنسان” قبل التصويت عليه وانعكاس ذلك على تجنُّب وجود انتهاكات بنيوية.

أخيراً يبدو من المهم أيضاً لوجود مجلس شعب حقيقي وفاعل في المرحلة الانتقالية في سوريا البحث والنقاش حول كيفية تطوير دورين سياسيّين رئيسيّين للمجلس، وهما دور المجلس على الصعيد الدبلوماسي أي في العلاقات الخارجية، والثانية هي دوره على صعيد التحضير للبيئة السياسية الداخلية.

ففي الدور الخارجي أصبح واضحاً أن للبرلمانات دوراً متزايداً في التأثير على السياسات الخارجية وصياغة صورة الدولة في الخارج، ولذلك نشأ مصطلح الدبلوماسية البرلمانية والتي تتمثل في جوانب عديدة منها: مشاركة أعضاء البرلمان في الوفود الدولية، والاتحادات البرلمانية الإقليمية والعالمية، والحوارات مع برلمانات الدول الأخرى، ولا شك أن الحالة السورية تتطلب وجود تركيز على مثل هذا الدور في المرحلة المقبلة؛ على الأقل لفتح قنوات حوار غير رسمية وتأسيس قنوات دبلوماسية غير مباشرة.

أما داخلياً وكأي برلمان انتقالي فإنه يُشكّل جسر العبور نحو حياة سياسية طبيعية، ولا يمكن النظر إليه بأنه مجرد هيئة تشريعية مؤقتة، فمن مهامه الكبرى التأسيس لتوافقات حول الإطار الدستوري والقانوني الناظم للمرحلة كقانون الأحزاب، والانتخابات.. الخ كذلك فهو معني بكل أعماله بقضية إدارة حوار وطني ومنع الإقصاء والانتقام والتشرذم.

ختاماً، يمكن القول إن النقاش والتفكير الجماعي السوري اليوم حول ضمانات نجاح مجلس الشعب والدخول في التفاصيل العملية والإجرائية تُشكّل بحد ذاتها رافعة لنجاح المجلس في مهامه وتحوّله بالفعل إلى الأنموذج المأمول لتطلعات السوريين، وحيث إن جميع النقاط المشار إليها أعلاه قضايا تبدو جوهرية فإن نقاشها بشكل مفصّل ودراسة الخيارات والأساليب المناسبة تتطلّب الوعي أصلاً بأهميتها كبوابة للتقدم والتعمق بها.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى