الورقة البحثية ” تنظيم المحاكم القضائية وتعزيز ولايتها واستقلالها “
تعد المحاكم القضائية التي نشأت في ظل الثورة من المؤسسات الثورية القليلة التي شهدت نجاحاً تنظيمياً على مستوى القاعدة، فإدراك الثوار لضرورة وجود محاكم تفصل في المنازعات دفعهم لتكريس جهودهم لبناء هذه المحاكم وتمويلها.
مع بداية الحراك المسلح وحتى منتصف عام2014، أدى تعدد الفصائل واختلافها إلى تعدد المحاكم، حيث أصبح لكل فصيل أو مجموعة فصائل محاكم تابعة لها بصورة أو بأخرى، وتكون قوات الفصيل ذاتها هي القوة التنفيذية للمحاكم.
لم يكن الخلاف يوماً بين المحاكم المتعددة حول اعتماد الشريعة الإسلامية كمرجعية قانونية للأحكام القضائية، فهذا الأمر مسلم به منذ ظهور المناطق المحررة. وبالتالي كان الخلاف متركزاً حول نقطتين:
- الصيغة أو الشكل الذي ستطبق من خلاله الشريعة (تقنين أم من دون تقنين).
- المؤسسة القضائية التي تشكل مرجعية داخل المنطقة الواحدة، والتي شكلت ميداناً للتنافس بين الفصائل في البداية.
ترتب على هذا الوضع نتائج خطيرة أهمها: وجود قضاة غير مؤهلين، وتدخل الفصائل في عمل المحاكم، تعدد المحاكم من الدرجة ذاتها في المنطقة الواحدة، عدم وجود هيئة قيادية ذات سلطة حقيقية، عدم وجود مرجعية واحدة للمحاكم.
اتجهت الأمور مؤخراً نحو التحسن من خلال بناء هيئات قضائية على مستوى المحافظة، نتيجة توافق أهم الفصائل العاملة فيها. كدار العدل في حوران، والهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة- المكتب القضائي، القضاء الموحد في الغوطة الشرقية.
خففت هذه الخطوات من بعض السلبيات: كتعدد المحاكم التابعة للفصائل، ولكنها لم توجد حلاً لمشاكل مهمة أخرى منها: عدم وجود مرجعية واحدة للمحاكم، وعدم استقلاليتها عن الفصائل، فقدان البناء التنظيمي القيادي ذي الصلاحيات الواضحة، وقبل ذلك كله فقدان القيادة السياسية التي يمكن أن تستند لها هذه المحاكم.
ستركز الورقة على دراسة السياق التاريخي لتجربة المحاكم القضائية الشرعية في المناطق المحررة من حيث تلمس أبرز ملامح تطورها (المحور الأول)، ثم تبرز بعض المشاكل المتعلقة بتنظيم القضاء وولايته واستقلاله لتحاول معرفة أسبابها، ومن ثم إيجاد الحلول المناسبة (المحور الثاني).
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الورقة اعتمدت بشكل كامل على معلومات أدلى بها أشخاص فاعلون في أهم التجارب القضائية في سوريا: حلب، ريف حلب، إدلب، الغوطة الشرقية، درعا.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة