اضاءات على تطورات في الملف السوريالأبحاث والدراساتالإصداراتوحدة تحليل السياسات

أسباب ومآلات المعارك بين العشائر العربية و”قسد” في دير الزور

تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

تشهد منطقةُ شرق الفرات، أو ما تُعرف بمنطقة “الجزيرة السورية”، وتحديداً في الجزء الواقع بمحافظة دير الزور، تطوّرات عسكرية تُعدّ الأضخم في المنطقة منذ طرد تنظيم داعش بعد معركة “الباغوز” عام 2019، وتدور اشتباكات عنيفة بين مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” من جهة، وأبناء العشائر العربية ومجلس دير الزور العسكري الذي يُعدّ أحد مكونات “قسد” من جهة أخرى.

وقد اندلعت الاشتباكات بعد إطلاق “قسد” عملية تتحدّث فيها عن استهداف خلايا تنظيم داعش في منطقة شرق الفرات[1]، إلا أنّ المُجريات على الأرض كشفت خلاف ذلك بعدما تبيّن أن هدف العملية هو اعتقال قياديي مجلس دير الزور العسكري، وعلى رأسهم قائد المجلس أحمد الخبيل المعروف بـ”أبو خولة”[2].

وتشكّل منطقة دير الزور شرق الفرات التي تعد منطقة نفوذ أمريكية، إحدى أهمّ المناطق التي تتصارع عليها الفواعل الدولية والإقليمية والمحلية في سوريا، والتي يوجد فيها أهمّ حقول النفط والغاز، فضلاً عن أنها تمثل نقطة تهديد مباشر للوجود الإيراني في غرب الفرات بدير الزور[3]، وهو ما يجعل الاشتباكات الدائرة بين “قسد” والعشائر محلّ اهتمام جميع تلك الفواعل بانتظار ما ستؤول إليه نتائجها.

يُناقش هذا التقرير أسباب الاشتباكات بين “قسد” والعشائر العربية في ريف دير الزور والمواقف المحلية والإقليمية والدولية منها، وصولاً إلى استعراض أبرز السيناريوهات الممكنة ومسار المعارك.

أسباب التوتّر بين الطرفين وتخبّط في رواية “قسد” الرسمية:

خلافات عديدة جرت خلال الفترة الماضية بين “قسد” ومجلس دير الزور العسكري التابع لها بلغت ذروتها في شهر تموز الماضي، حينما بدأ الخبيل ما يُشبه “التمرد” ضد “قسد” وسيطرت قواته على عدد من النقاط رداً على مقتل اثنين من عناصر مجلس دير الزور العسكري على يد قوات الشرطة العسكرية التابعة لـ”قسد” في بلدة الصّور شمال دير الزور[4]، لتشهد المنطقة حالة استنفار في عدد من القرى قبل أن يُوعز الخبيل لعناصره بالانسحاب والعودة للتهدئة التي كان متوقّعاً ألا تدوم طويلاً بسبب سعي “قسد” إلى تحجيم الخبيل مع وجود خلافات تراكمية بين الطرفين[5].

في 28 آب، استدعت “قسد” قائد المجلس أحمد الخبيل إلى اجتماع في محافظة الحسكة، فيما يبدو أنه عمل مُدبّر لاعتقاله، الأمر الذي أشعل فتيل الاحتجاجات من بعض أنصار الخبيل من أبناء عشيرته، إلا أن الأمر تطوّر إلى معظم أرياف دير الزور الشمالية والغربية والشرقية بسبب الانتهاكات التي قامت بها “قسد” بحق أبناء المنطقة خلال عمليات الدهم بدير الزور بذريعة مواجهة خلايا داعش[6].

بدا ظاهرياً أن اعتقال وعزل “أحمد الخبيل” هو السبب المباشر لحالة “انتفاضة عربية” ضد “قسد” في ريف دير الزور، لانتمائه إلى قبيلة “البكيّر” التي تُعدّ من أكبر فروع عشيرة العكيدات في سوريا، غير أن دخول معظم العشائر العربية شرق الفرات في المواجهات ضد “قسد” يُثبت أن سبب الغضب العربي أبعدُ من مسألة اعتقال الخبيل، الذي لا يتمتّع بسمعة حسنة في المجتمع المحلي[7]، إضافة إلى مسؤوليته هو وأقرباؤه عن انتهاكات جسيمة، إنما يتعلق الأمر بمحاولة “قسد” استهداف الهوية العربية من جهة، وتحجيم دور العشائر الذي وصل إلى حد اتهامها باغتيال أو محاولات اغتيال مشايخ عشائر ذوي ثقل في المنطقة[8].

وقد ظهر واضحاً تخبّط “قسد” في تقديم رواية رسمية لسبب الحملة الأمنية التي تشنها في دير الزور، فبعدما أعلنت أن الهدف منها خلايا داعش، راحت في وقتٍ لاحقٍ لتقول إنها تحارب خلايا لنظام الأسد والمليشيات الإيرانية قدموا إلى المنطقة[9]، ثم أخرجت بعض قادة مجلس دير الزور المعتقلين وأجبرتهم فيما يبدو على الإدلاء بشهادات تدعم حملتها وتدعو إلى مؤازرتها في العملية[10]، وذلك بعد خروج العديد من القرى والبلدات عن سيطرتها في وقت قصير، ثم لاحقاً أصدرت بيانات أخرى تقول إن الهدف من الحملة ملاحقة مروّجي المخدرات ومرتكبي الجرائم[11].

المواقف المحلية والإقليمية والدولية:

على الأرض، كان هناك تأييد واسع للعشائر العربية في دير الزور من قبل المجتمع المحلي الرافض لانتهاكات “قسد” خلال قرابة 4 سنوات من سيطرتها على المنطقة التي عانت التهميش طوال السنوات الماضية، وظلّت العديد من المناطق في دير الزور تعاني من نقصٍ في الخدمات الأساسية مثل المشافي والمراكز الصحية والمدارس والطرقات العامة[12]، الأمر الذي كان فيما يبدو أحد أسباب انفراط عقد “قسد” بريف دير الزور بشكل سريع وانشقاق أعداد كبيرة من عناصرها من المكوّن العربي وانضمامهم لصفوف العشائر، ثم السيطرة على العديد من القرى والبلدات في وقت قصير[13].

أما في مناطق الشمال السوري، فقد أبدت العشائر العربية هي الأخرى دعماً لعشائر دير الزور ليتطوّر في وقتٍ لاحق إلى شن هجمات ضد مواقع لـ”قسد” ونظام الأسد في محاور منبج ورأس العين وسيطرتها على عدة قرى هناك، ما دفع الطيران الروسي وقوات نظام الأسد للتدخل وشنّ عمليات قصف تسبّبت بسقوط ضحايا[14]، ما يُشير لمخاوف لدى نظام الأسد وروسيا من تمدد حالة الغضب ضد “قسد” إلى محاور أرياف حلب والحسكة والرقة واندلاع معارك قد تؤدي لتغييرات جديدة في خارطة السيطرة، ويبدو أن ما أغضب روسيا هو أن عمليات عشائر الشمال السوري وقعت ضمن مناطق تَعتبرها واقعة تحت نفوذها مثل منبج وتل تمر وغيرها.

أما بالنسبة لنظام الأسد وحلفائه، فقد اعتبرت وسائل إعلام نظام الأسد أو أطراف محسوبة عليه، ما يحصل “معركة وطنية” ضد “قسد” ومن ورائها “المحتلّ الأمريكي”[15]، بينما حاولت أذرع إيران استثمار الاشتباكات للحديث عن مظلومية العرب من قبل “قسد” وإظهار التعاطف والتأييد لهجوم العشائر[16]، غير أنها لم تنجح باستمالتهم مع وجود رفض عشائري لأي دعم أو دور إيراني خاصة مع ترويج “قسد” لمثل تلك الشائعات، وقد كان واضحاً من خلال رفع أعلام الثورة السورية بعدد من المناطق التي تم سيطرة العشائر عليها فشلُ إيران في تسويق الهبّة العشائرية وكأنها معركة تحرر لصالح نظام الأسد[17].

إقليمياً، وزارة الخارجية التركية قالت في بيان، إنها تراقب “عن كثب وبقلق” الاشتباكات الجارية في دير الزور، وأشارت إلى أن هذا التطور ” يُعد مظهراً جديداً لمحاولات التنظيم الإرهابي الهيمنة على السكان في سوريا من خلال ممارسة العنف والضغط عليهم، وانتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية”[18]، إلا أنّ ما يمكن ملاحظته هو غضّ طرفٍ تركي على انطلاق هجمات للعشائر من مناطق نفوذ تركيا شمال سوريا نحو منبج ومحيط رأس العين، وفي ذات الوقت عدم استغلال الفرصة لدعم العشائر بشكل رسمي لطرد “قسد” من مناطق أخرى، وهذا ما يمكن تفهُّمه بعدم رغبة تركيا في إغضاب روسيا لكون المناطق التي استهدفتها عشائر الشمال السوري واقعة تحت النفوذ الروسي لا الأمريكي.

ولعلّ الموقف الذي كان يُفترض أن يكون حاسماً ويكشف مآلات الاشتباكات الجارية هو الموقف الأمريكي، كون الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الأساسي في منطقة شرق الفرات، وتعُدّ “قسد” حليفاً وشريكاً لها هناك، غير أنّ التعليق على الأحداث الجارية لم يكن معبّراً فعلياً عن خطورة الوضع، إذ مرّت قرابة 3 أيام حتى صدور أول تعليق من صفحة السفارة الأمريكية في سوريا تعبر فيه عن “القلق” إزاء اشتباكات دير الزور، داعية لوقف التصعيد، ثم صدر بيان للتحالف الدولي أكدت فيه واشنطن “الالتزام بدعم قوات سوريا الديمقراطية في مهمة الهزيمة الدائمة لداعش دعماً للأمن والاستقرار الإقليميين”، مشيراً إلى أنه “يواصل مراقبة الأحداث في شمال شرقي سوريا عن كثب”[19]، وهو على أية حال لا يختلف من حيث المضمون كثيراً عن تعليق السفارة.

ويمكن القول إنّ بيانَي السفارة والتحالف الدولي لم تكن فيهما إشارة حقيقية إلى الموقف الصريح لواشنطن من الاقتتال الحاصل سوى تركيز الولايات المتحدة على قتال داعش وضرورة عدم تهيئة الأجواء لظهوره، لكن المؤشر الضمني على التأييد الأمريكي لعمليات “قسد” هو خروج أرتال “قسد” من القواعد الأمريكية لقتال العشائر[20]، ما يجعل التحالف طرفاً غير محايد.

بالإضافة لذلك يُنظر إلى البيان الذي صدر من “قسد” وأعلنت فيه عزل الخبيل رسمياً[21]، أنه خطوة يعتبر الكثيرون أنها جاءت بعلم التحالف الدولي، لأن “قسد” من غير الممكن أن تُقدم على عزل “الخبيل” دون موافقة التحالف، ما يعني بالنتيجة موافقة التحالف على جانب من تحركات “قسد” من جهة، ومن جهة أخرى عدم رغبته بإبداء موقف رسمي يُناهض العشائر العربية[22]، بل إظهار نفسه على أنه الداعي إلى حل الأمور سلمياً عبر الدعوة لعقد اجتماعات مع وجهاء العشائر و”قسد”[23]، ما يظهر التحالف أنه لا يريد لكفة أحد أن تميل كثيراً على كفة الطرف الآخر.

السيناريوهات ومسار المعارك:

تقدّم مقاتلو العشائر العربية في عدة قرى وبلدات على حساب “قسد”، مع حدوث انشقاقات واسعة في صفوف الأخيرة، وخاصة من عناصرها العرب، الذين ألقوا السلاح وغادروا مقرّاتهم، وهنا تتباين موازين القوى من ناحيتين؛ “قسد” لديها السلاح النوعي والذخائر المتطوّرة، في مقابل أن العشائر لا تمتلك السلاح النوعي، لكن لديها أعداد كبيرة من المقاتلين، سواء المنتسبين لمجلس دير الزور العسكري، أو المتطوّعين الذين استجابوا للنفير العام الذي أعلنه شيخ قبيلة العكيدات “إبراهيم الهفل”[24].

بالإضافة لذلك، فإنّ العشائر العربية لا تملك المقاتلين المدرَّبين، إذ إن أغلبهم قَدِموا للقتال بحكم ما يُعرف بـ”الفزعة”، كما تفتقر العشائر للقيادة الموحّدة والتنظيم العسكري، الأمر قد يؤدي لتشتت جهودها في حال طال أمد الأزمة وامتدت المواجهات لفترة أطول، ما يجعل ذلك في صالح “قسد” التي تملك الذخيرة الكافية وقيادة موحّدة ورأس يقود المعارك، ولعل هذا ما تعول عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

أما الإشكال الآخر فهو عدم تدخّل عشائر أخرى في مناطق سيطرة “قسد” شرق الفرات لمساندة عشائر دير الزور، فالوضع في مدينة الرقة وريفها إضافة لمناطق الحسكة وريفها لا يوحي بوجود أيّ نيّة لدى عشائر المنطقة بالدخول على خطّ الاشتباكات بشكل واسع، الأمر الذي يُعتبر عامل ضعف آخر في قوّة العشائر، وقد تستغلّه “قسد” لتصفية المناطق الواحدة تلو الأخرى بدير الزور.

ثمّة ثلاث مسارات تتدرج من القوة إلى الضعف في تطورات المعارك الحالية:

السيناريو الأول:

أن يتمكّن مقاتلو العشائر العربية من طرد “قسد” من مناطق الجزيرة في أرياف دير الزور الشرقية والشمالية والغربية، ما قد يدفع الولايات المتحدة في هذه الحالة إلى نقل التكليف بقيادة تلك المناطق إلى مجلس عسكري عربي من أبناء العشائر[25]، لكن تحقيق مثل هكذا سيناريو قائم على فرضية تخلي التحالف الدولي عن “قسد” في دير الزور، وهذا الأمر قد لا يكون في حسبان التحالف إلا في حالة استمرار تهاوي “قسد” ميدانياً وعجزها عن حسم الصراع لصالحها.

السيناريو الثاني:

أن يُساهم التفوّق العسكري والتنظيمي لـ “قسد” في محافظتها على وجودها في المناطق الحالية وإن كان على حساب الخسائر المتزايدة في صفوفها، والتي لا تولي لها بالاً بحكم أن أغلب القتلى من المكوّن العربي، ما قد يؤدي إلى عقد مفاوضات بين الطرفين للوصول للتهدئة، في حين ستكون العشائر مضطرة إلى مثل ذلك الخيار في ظل تراجع إمكانية وجود مساند إقليمي أو دولي، وأيضاً صعوبة الدخول في معركة صفرية مع “قسد” ومن خلفها الولايات المتحدة.

ومسألة بقاء “قسد” في تلك المناطق قد تتمّ بوجود وساطة أمريكية ترفع مستوى التمثيل العربي في إدارة تلك المناطق، وتمنح العشائر مزيداً من النفوذ، لأن التحالف الدولي يُدرك تماماً أن المنطقة لن تصل إلى حالة الاستقرار حتى إن كانت هذه الجولة لصالح “قسد”، ويبدو هذا السيناريو هو الحل الوسط الذي قد يناسب الطرفين لصعوبة الحسم العسكري واحتمال اندلاع النزاع بعد فترة قصيرة إن لم تكن هناك تفاهمات على المدى البعيد.

السيناريو الثالث:

وهو يبدو الأكثر خطراً على المنطقة، ويكون نظام الأسد ومن ورائه الميليشيات الإيرانية أكبر المستفيدين مما يحصل، ويكون ذلك عبر قيام “قسد” بالانتقام من العشائر العربية عبر محاولة تسهيل دخول نظام الأسد إلى تلك المناطق[26]، غير أن تحقيق ذلك السيناريو يتطلب وجود تنازلٍ أمريكي غير معلن لصالح إيران وروسيا ونظام الأسد، وهو ما يبدو على المدى المنظور غير وارد لأن سلوك الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة أظهر أنها ليست بوارد ترك أي منطقة من شرق الفرات لنظام الأسد أو ميليشيات إيران[27].

خاتمة:

الأزمة التي تشهدها مناطق ريف دير الزور حالياً هي نتاج تراكمات كثيرة من المشاكل التي تسبّبت بها سياسة “قسد” في المنطقة التي تسعى لحكمها بالقبضة الأمنية المشدّدة وعدم منح العرب حقوقهم رغم الثروات التي تتمتع بها المنطقة، الأمر الذي جعل من دير الزور نقطة صراع دائم بعكس بقية مناطق أخرى تحت سيطرة “قسد” خصوصاً الكردية والتي لا تشهد توترات بشكل متكرر مع المجتمع المحلي مثل الحسكة وأريافها الشمالية والشرقية، ومردّ ذلك إلى كمية الظلم الذي تتعرض له المنطقة من تهميش وفقر وتجنيد إجباري، ما أدى لهجرة الكثير من شبانها.

وعلى الرغم من تكرار مثل هذه الحوادث، إلا أن التحالف الدولي لم تكن له مواقف حقيقية في وضع حدّ لـ”قسد” أو جعل المكون العربي يحكم منطقته بنفسه، بل راح يتخذ من داعش ذريعة لمواصلة دعم “قسد” بالسلاح النوعي والذي وُجِّه سابقاً ويُوجَّه الآن ضد الرافضين للتعسّف الذي حصل بحق العديد من القرى والبلدات بحجة مواجهة داعش، في سيناريو سبق أن استخدمته “قسد” في قرى وبلدات عربية كثيرة هجّرت منها المكون العربي خلال الحملات العسكرية في الأعوام السابقة.

وعلى الطرف المقابل تجد العشائر العربية في هذه المرحلة فرصة لإثبات التفوّق العسكري في دير الزور، لتضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام استحقاق تجاوز تعهيد المنطقة كاملة تحت “قسد”، فيكون الإشراف في المناطق العربية بقيادة عربية تُراعي مصالح أبناء المنطقة، وهذا يتطلّب منها قضايا عديدة أبرزها تغليب المنطق المدنيّ والسياسيّ على المنطق القبَلي والتنافسيّ بين أبناء العشائر، ما يستدعي الابتعاد عن المحاصصة العشائرية، والاعتماد على مسؤولين محليين ذوي خبرة بغض النظر عن انتماءاتهم مع ضرورة تشكيل لجان تنظّم إدارة شؤون البلدات الخارجة عن سيطرة “قسد”، بغية الحفاظ على أمن المدنيين وشؤونهم وأعمالهم، وضبط السجون ومراكز التوقيف، بما يسهم في إنصاف العشائر من الظلم والتهميش ويضمن معالجة الأسباب الجوهرية للحراك. كما أنه من الضروري أن تبتعد عن رفع أي شعارات دينية تُعطي “قسد” المبرّر الكافي لاتهام المقاتلين فيها بأنهم تابعون لتنظيم داعش أو يسهّلون عودة التنظيم إلى مناطقهم[28].


[3] أصدر مركز الحوار السوري في وقت سابق تقريراً سعى فيه إلى تسليط الضوء على الفاعلين المحليين والدوليين في دير الزور والعوامل التي تحركهم وتسهم في ديناميكيات التفاعل فيما بينهم؛ بهدف محاولة استشراف مستقبل المنطقة في ظل ظروفها الراهنة، ينظر التقرير:
[4] جاءت المواجهات بين مجلس دير الزور العسكري وقسد إثر تراكمات في الخلافات، ومحاولات القيادات الكردية في قسد تحجيم وتهميش دور المجلس وقائده “أبو خولة” في دير الزور. للمزيد: تمرد المجلس العسكري.. كيف أصبحت عشائر دير الزور ورقة ضغط بيد “قسد”؟
[5] من ضمن أسباب الخلافات أيضاً بحسب ما ورد في أكثر من مصدر مراقب للأحداث مخاوف لدى المجلس العسكري الذي يقوده الخبيل من قيام “قسد” بدعم أميركي باستبداله بما تسمى مجموعة الصناديد العسكرية المنضوية هي أيضا تحت سقف “قسد”.، وبسبب ذلك اندلعت اشتباكات بين الطرفين في 25 تموز الماضي. ينظر:
[7] تحت عنوان “إدارة شركاء واشنطن الفاسدين في شرق سوريا”، عرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقريراً حول ما سماه “السجلّ المُريب” لقائد مجلس دير الزور العسكري، وقائده “أحمد الخبيل”، وقال مُعد التقرير “باراك بارفي” عن “الخبيل” : ” وهو رجلٌ يُزعم أنه سيئ السمعة، ويمثل المعضلة التي تواجهها واشنطن في حرب اختفى فيها عدد كبير من الأشخاص الفاعلين الفاضلين منذ فترة طويلة، ليحل محلهم آخرون مجردون من المبادئ”.
-أيضاً تحدث أحد أبناء المنطقة -الذين تم مقابلتهم خلال إعداد التقرير- أن آخر همّ العشائر التي خرجت ضد “قسد” أن يكون الدفاع عن الخبيل، بسبب الكمية الكبيرة من الانتهاكات التي قام بها طوال السنوات الماضية ولكونه أحد أذرع “قسد” التي اعتمدت عليه في فرض أجندتها، كما إن الخبيل نصّب نفسه شيخاً لعشيرة البكير متجاوزاً شيخ العشيرة الأساسي عبد العزيز الحمادة.
 [8] أهم تلك العمليات اغتيال الشيخ “مطشّر الهفل” وإصابة شيخ مشايخ قبيلة العكيدات “إبراهيم الهفل” خلال توجههما لحل خلاف عشائري في غرانيج شرق الزور، في آب أغسطس 2020.
[13] حاولت “قسد” تخويف العرب عبر شن عمليات قصف بالهاون وبالطيران المسير على القرى والبلدات التي خرجت عن سيطرتها بحكم امتلاكها السلاح الأكثر تفوقاً من سلاح العشائر، لكن ذلك شكل حافزاً لزيادة النقمة العشائرية ضدها.
[17] انتشرت صور وتسجيلات على مواقع التواصل تظهر رفع العشائر علم السورية بعد سيطرتها على بعض المناطق في ريف دير الزور، ينظر: اضغط هنا
[22] ومما يدلل على ذلك صدور أخبار من وسائل إعلام محلية تشير إلى أن التحالف طلب عقد اجتماعات مع العشائر وسعى لتهدئتها، وهذا ما كان محط نفي من قبل عشائر أخرى مثل شيخ العكيدات إبراهيم الهفل الذي علق على ذلك بالقول إن أيّ شخص يلتقي مع التحالف ويقدم نفسه لهم على أنه ممثل لأبناء العشائر دون تفويض منهم، لا يمثلهم ولا يحمل مطالبهم، وهدفه البحث عن مكاسب شخصية، وختم بيانه بالتأكيد على استعدادهم للتفاوض اذا حدثت مساعي جادة للبحث عن حلول بعد تقديم ضمانات بحفظ سلامة أعضاء اللجنة ومنع “قسد” محاولة إرهابهم وقمعهم.
[25] في 10 آب أغسطس الجاري نشرت صحيفة تركيّة مقالاً قالت فيه إن هذا السيناريو الأول تمّ وفق مخطّط أمريكي تركي، على خلفية رفض قسد قطع الطريق بين سوريا والعراق أمام إيران من البوكمال إلى معبر التنف، ووفق هذا يتم تكليف مقاتلي العشائر العربية بهذه المهمة بعد إبعاد قسد من دير الزور.  
[26] تُشتهر “قسد” بتنفيذ مثل هكذا سيناريوهات عندما تتعرض للضغط العسكري، فمثلاً أدخلت نظام الأسد إلى مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا بعد إطلاق تركيا عملية نبع السلام، ما مهد لدخول النظام إلى مناطق لم يكن يتوقع أن يدخلها بتلك السهولة مثل أرياف الحسكة والرقة، كما فعلت ذات السيناريو في معارك عفرين وتل رفعت وغيرها.
[28] نود الإشارة أنّ ما نكتبه في هذا السياق يهدف الى توضيح الحقائق والمجريات على أرض الواقع، مع تأكيد أن القيمة التي تجعلنا نتفاعل إيجابياً -مع أي حراك يجري- هي محاولة تقليل الشر والاضطهاد بحق السوريين أياً كانوا وأينما كانوا بغضّ النظر عن مواقف قيادات الأمر الواقع وتاريخها وأدائها.

باحث مساعد في مركز الحوار السوري، يعمل ضمن وحدة تحليل السياسات، كتب وشارك في العديد من الأوراق المتعلقة بتحليل سياسات الفاعلين في سوريا، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية.

مديرة الوحدة المجتعية في مركز الحوار السوري، بكالوريوس في الهندسة من جامعة دمشق، دبلوم في التخطيط العمراني وإعادة الإعمار المستدام، عملت في مجال الإعلام المكتوب والمسموع لعدة سنوات، نشرت العديد من الأوراق والتقارير البحثية في مواضيع سياسية واجتماعية، وخاصة ما يتعلق بأوضاع اللاجئين وقضايا المرأة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تم اغفال عامل مهم
    وهو النزاع على الموارد في المنطقة
    النفط خصوصا
    حيث شددت قسد قبضتها على النفط مما أدى إلى تضاءل كبير في الأموال المتدفقة فب منطقة ريف دير الزور الشرقي
    مع العلم ان السكان يعتبرون النفط حقا من حقوقهم لانه ضمن الأراضي الخاصة بكل عشيرة التي صادرتها الحكومة السورية سابقا
    هذا الامر لعله كان السبب المباشر للمواطن العادي للمشاركه في هذه الاحتجاجات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى