الإصداراتالراصدوحدة تحليل السياسات

أكثر من رمزية وأقلّ من مفصلية؛ رسائل زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا

إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن وحدة تحليل السياسات

ملخص:

  • جاءت زيارة “إبراهيم رئيسي” إلى دمشق كأول رئيس إيراني يفعلها منذ اندلاع الثورة السورية تأكيداً على تمدُّد نفوذ إيران في مناطق سيطرة الأسد، وقطعاً لأيّة مبادرة عربية أو غربية تشترط على الأسد تحجيم النفوذ الإيراني.
  • الجانب الأهمّ للزيارة هو على المستوى الاقتصادي؛ إذ تسعى إيران إلى تحصيل ديونها المترتبة على نظام الأسد، وبأبعد من ذلك تطمع بالحصول على نصيب من مشاريع إعادة الإعمار المحتملة.
  • بعيداً عن السياسة والاقتصاد أرادت إيران إيصال رسائل طائفية عبر زيارة “رئيسي” إلى مناطق محسوبة على المكوّن السّنّيّ في دمشق، وعبر استقبال الرئيس الإيراني بهتافات “طائفية” في مطار دمشق.
  • زيارة “رئيسي” إلى دمشق تحمل أكثر من دلالة رمزية؛ لأنها تأتي تتويجاً لدعم إيران اللا محدود لحليفها الأسد، مما أثمر عن “انتصار سياسي” بقرار إعادته للجامعة العربية؛ غير أنها في المقابل لا تحمل أي ثقل مؤثّر في مسار الملف السوري في الأروقة الدولية من حيث استمرار  الدول الغربية في سياسة العقوبات ضد الأسد، ووضع خط أحمر أمام “إعادة الإعمار” قبل إنجاز الحل السياسي.

مقدمة:

 شكّلت زيارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” إلى سوريا ما يشبه بوادر موسم “الحصاد” الذي تطمع طهران بجَنْيه بعد 12 عاماً من الدعم السخيّ لإبقاء بشار الأسد في السلطة، وبينما وصفت وسائل الإعلام التابعة لإيران وللأسد الزيارة أنها “حدث تاريخي” جاء الحدث ليؤكد عمق ارتباط نظام الأسد بإيران رغم الاستعدادات لإعادة دمشق إلى “الحضن العربي”.

 يناقش التقرير دلالات زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق وأبعادها السياسية والاقتصادية والدينية في ضوء الانفتاح العربي على نظام الأسد وإعادته مؤخراً إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية.

توقيت الزيارة:

 تزامنت زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق التي استغرقت يومين مع تطوّرات إقليمية ودولية أسهمت بترسيخ نفوذ إيران في سوريا؛ لعل أهمّها الاتفاق مع السعودية برعاية صينية، والذي تضمن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين[1]، وسط تجاهل السعودية إثارة موضوع النفوذ الإيراني في سوريا بعد تطبيعها مؤخراً مع نظام الأسد، وهو ما يمكن تفسيره بأن الرياض تفاهمت مع طهران على ملفات أخرى، منها ما يتعلق باليمن ومنها ما يتعلق بسوريا خصوصاً  المساهمة في إعادة الإعمار، مقابل  الطلب من الأسد تقليل تصنيع الكبتاغون أو وقف تصديره إلى الخليج عن طريق بوابة الأردن، وهذا ما يتقاطع مع ما نقلته وكالة رويترز عن مصدر إقليمي قالت إنه “مقرب من دمشق” و”مصدر سوري مقرب من الخليج على دراية بالاتصالات” كشف أن السعودية “اقترحت تعويض سوريا عن خسارة تجارة المخدرات في حال توقفها بمبلغ يصل إلى أربعة مليارات دولار، بناءً على تقديرات الرياض لقيمة التجارة[2].

كما يأتي تأكيد النفوذ الإيراني بسوريا عبر الزيارة في ظل انشغال نسبيّ لروسيا عن الملف السوري لصالح متابعة الحرب في أوكرانيا، وفي ظل تخفيف إدارة بايدن كثيراً من العقوبات المفروضة على الأسد لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط الماضي[3].

والأهم من ذلك كلّه أن الزيارة سبقت بساعات فقط القرار العربي بإعادة الأسد إلى الجامعة العربية نتيجة للجهود  السعودية،  فيما بدا أنه يأتي ضمن ملفّات التفاهم مع إيران[4].

الرسائل السياسية للزيارة:

لخّص الرئيس الإيراني رسائله السياسية من زيارته إلى دمشق بالتأكيد أن العلاقة بين بلاده ونظام الأسد قد امتزجت بـ”الدم”، وأنه “لا يمكن إحداث أي شرخ” في هذه العلاقة[5]؛ في إعلانٍ صريحٍ للدول العربية -والغربية كذلك- أن العلاقة بين الطرفين باتت أشبه بوضع “توءم سيامي” تتعذّر أية محاولة لفصله أو إبعاد طرفَيه، وهذا يعني بشكل مباشر أن تلك العلاقة باتت خارج إطار أي شروط موضوعة على طاولة نظام الأسد بخصوص العلاقة مع إيران.

وبحسب محللين فإن الزيارة تحمل رسائل سياسية متعددة، على رأسها أن موقف نظام الأسد المتشدد حيال المطالب العربية منه يلتقي مع الموقف الإيراني على هذا الصعيد، فضلاً عن أن روحاني حاول إظهار سوريا وكأنها محافظة إيرانية، كما صرّح مسؤولون إيرانيون أكثر من مرة خلال السنوات الماضية[6].

تنزع زيارة “رئيسي” إلى دمشق والاستقبال الاستثنائي الذي حظي به كل الشكوك حول مستقبل إيران في سوريا، وتؤكد أن صوت الدعم العسكري الإيراني للأسد كان أقوى صوتاً وتأثيراً من أصوات العقوبات الغربية و”المحاولات العربية” لفكّ هذا الارتباط، وهذا ما عبّر عنه رئيسي بالقول: “إن سوريا حقّقت “الانتصار رغم التهديدات والعقوبات”؛ في إشارةٍ إلى أن ذلك “انتصار” لإيران أيضاً، في حين كان صدى رسالة “الانتصار” العسكري والسياسي لإيران عبر قرار الجامعة العربية -الذي تلا الزيارة بساعات فقط- إعادة الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة، الأمر الذي عُدّ بشكل واضحٍ بصمةً إيرانية تاريخية للجامعة منذ تأسيسها.

الرسائل والأهداف الاقتصادية:

إذا كانت الرسائل السياسية لزيارة “رئيسي” هي العنوان الإعلامي الذي وجّهه الرئيس الإيراني لكل خصوم طهران فإن الرسائل الاقتصادية هي المظهر العملي والأهم؛ فمن خلاله تحاول طهران جني محصول دعمها اللا محدود لنظامٍ ظلّ وفيّاً لتلك العلاقة، ورأى إيران ليس حليفاً فقط؛ إنما رآها جزءاً أساسياً من بنية الحكم والسيطرة.

في واقع الأمر فإنّ المصالح الاقتصادية الإيرانية في سوريا ليست وليدة الزيارة؛ فطهران بدأت فعلياً بمرحلة تقاسم “الكعكة السورية” مع روسيا بعد العام 2017م من خلال استثمارات في حقول نفط وغاز وفوسفات شرق ووسط البلاد، إلا أن الزيارة جلبت معها الحديث عن مشاريع ربط سوريا مع إيران بشبكة كهرباء[7]، وتأسيس مصرف مشترك لتسهيل التجارة البينية، وقالت وزارة الاقتصاد الإيرانية: إنه تم التوقيع على 3 وثائق تعاون بين وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزي ونظيره السوري محمد سامر الخليل، وهي تتصل بشكل أساسي بمجال تصدير الخدمات الفنية والهندسية[8].

تحاول إيران تأكيد وجودها واستفادتها من مرحلة “إعادة الإعمار”، أو حتى من أموال التعافي المبكر الممكن تدفقها، خاصة بعد التطبيع العربي، وأن تكون صاحبة يد طولى في مشاريع “ما بعد الحرب”؛ وهو ما يظهر بإعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “ناصر كنعاني”: أنّ “سوريا دخلت مرحلة إعادة التعمير، وإيران جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً”[9].

زيارة بطابع ديني ورسائل “طائفية”:

 مع الحديث عن السياسة والاقتصاد تحرص إيران بشكل دائم على إظهار سطوتها الأيديولوجية الطائفية في مناطق نفوذها الحالية في سوريا، وكانت سوريا قد شهدت قبل سنوات من الثورة السورية نشاطاً لافتاً في مجالات “السياحة الدينية” و”التشييع”، وهنا لا ننسى أن “حماية العتبات المقدّسة” كانت الذريعة الأولى للتدخل الإيراني في سوريا منذ العام 2011[10].

زار رئيسي منطقة سوق الحميدية والجامع الأموي وسط العاصمة دمشق، وما يُعرف محلياً بـ”مقام السيدة رقية” في منطقة العمارة[11]، واستقبله موالون لنظام الأسد لدى وصوله إلى مطار دمشق بهتافات “يا علي يا علي”[12]، التي لا يُستقبل بها زعيم سياسي ورئيس دولة، إنما زعيم طائفة؛ في تأكيدٍ جليٍّ أن التركيبة الطائفية الجديدة في سوريا قد تغيرّت بعد 12 عاماً من الحرب، وأن إيران باتت تشكل قوة احتلال بذريعة حماية المراقد الدينية، بما في ذلك مناطق كانت تشكّل أيقونةً لسُنّية دمشق، كالجامع الأموي.

تأثير الزيارة في الملف السوري:

وفق ما سبق: لا شكّ أن زيارة رئيسي إلى دمشق جاءت تتويجاً لدعم خاص استمرّ اثني عشر عاماً للأسد، وإعلاناً واضحاً لـ”انتصار” المشروع الإيراني في سوريا، لاسيّما وأن إيران حصدت مكاسب عودة الأسد للجامعة العربية بلا تنازلات مؤثرة أو خسائر سياسية ثقيلة أو مقايضات مؤلمة.

وفي ظل تأكيد أمريكي أوروبي أن التطبيع مع الأسد ليس ذا جدوى حالياً، وأن العقوبات ستتواصل، وأن عملية إعادة الإعمار لم يحن وقتها، وبينما يُستبعد على المدى المنظور أي انسحاب أمريكي أو تركي من شرق البلاد وشمالها؛ فيبدو أنه لا تغيرات كبيرة ستطرأ على المعادلة السورية الجيوسياسية العامة، ومع ذلك فقد يسهم تدفق بعض الأموال العربية بحجة مساعدة  نظام الأسد على مكافحة المخدرات في دعم نظام الأسد وسياساته الابتزازية.

خاتمة:

حملت زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق دلالات أرادت طهران إيصالها للمجتمع الإقليمي والدولي، أهمُّها أنها باتت الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الملف السوري من خلال نفوذها على نظام الأسد، وهذا ما يمكّنها من استخدامه ورقة مهمّة جداً في ملفات أخرى، كما أكّدت الزيارة أن إيران طامحة فعلاً للاستفادة من الأموال والمشاريع المُحتملة لإعادة إعمار سوريا.


[1] كان مركز الحوار السوري قد أقام ندوة حوارية حول الاتفاق السعودي الإيراني؛ يُنظر: الاتفاق السعودي الإيراني وانعكاساته على الملف السوري، تقرير ندوة حوارية أقامها مركز الحوار السوري بحضور عدد من الباحثين والفاعلين، مركز الحوار السوري، 15/4/2023.
[5] زيارة رئيسي لدمشق: إعادة رسم الخطوط الحمراء لطهران، العربي الجديد، 5/5/2023.
[6] زيارة رئيسي لدمشق: إعادة رسم الخطوط الحمراء لطهران، العربي الجديد، 5/5/2023.
[9] إبراهيم رئيسي في زيارة إلى سوريا تمهيدا لمرحلة الإعمار، موقع “بي بي سي” بالعربي، 3/5/2023.
[10] أصدر مركز الحوار السوري في وقت سابق سلسلة تقارير تتحدث عن التغلغل الإيراني في سوريا قبل وبعد الثورة السورية، وتنوُّع ذلك التغلغل عسكرياً وثقافياً ودينياً واقتصادياً؛ يُنظر من تلك التقارير: التقرير التحليلي “التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا (1) : الأدوات الدينية”.
[11] رئيسي يزور الجامع الأموي وسوق الحميدية في دمشق، موقع قناة “الميادين”، 4/5/2023

باحث مساعد في مركز الحوار السوري، يعمل ضمن وحدة تحليل السياسات، كتب وشارك في العديد من الأوراق المتعلقة بتحليل سياسات الفاعلين في سوريا، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية.

باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى