الاستثمار الاجتماعي ودوره في حل إشكاليات التنمية
زاد الحديث عن الاستثمار الاجتماعي بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين، خصوصًا منذ بداية الألفية الجديدة وتأثّر هذا التحوّل بعدد من العوامل التي أبرزت الحاجة إلى حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي تواجهها مختلف الدول، فلم تعد الأسواق التقليدية قادرة على التصدّي للمشاكل التي يواجهها أكثر من ثلثي سكان العالم الذين يعيشون في فقر وظروف معيشية صعبة، فبينما تركز الأسواق على توفير السلع والخدمات وفقًا لآلية العرض والطلب، إلا أنها غالبًا ما تترك فئات واسعة من المجتمع دون دعم كافٍ أو إمكانية الوصول إلى الفرص اللازمة لتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي.
في نفس السياق، لم تعد التبرُّعات والمساهمات الخيرية والحلول المؤقتة كافية لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، وبالرغم من أن هذه المساهمات تُعدّ خطوة مهمة في تخفيف المعاناة بشكل مؤقت، إلا أنها لا تقدم حلولًا مستدامة على المدى الطويل، فقد تلبّي التبرعات احتياجات فورية، ولكنها لا تعالج الأسباب الجذرية للتحديات مثل الفقر المستمر، البطالة، والتفاوت الاقتصادي، ولا تساهم في تمكين المجتمعات من بناء قدراتها الذاتية لمواجهة هذه القضايا.
وبالنظر إلى واقع البلاد العربية والتي تعاني من إشكاليات سياسية وتنموية وصراعات وكوارث بيئية، يبدو من الحاجة بمكان الاستفادة من كافة التجارب المستخدمة عالمياً بهدف الوصول إلى حلول أكثر فعالية واعتماد نهج أكثر شمولية واستدامة مثل الاستثمار الاجتماعي، الذي يهدف إلى تقديم حلول طويلة الأمد من خلال تمكين المجتمعات –لاسيما الهشة- وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
لقد سقط نظام الأسد في سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع مخلفاً دماراً اقتصادياً هائلاً شمل معظم القطاعات الرئيسية مثل الزراعة، الصناعة، التعليم، الصحة، والطاقة، وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار البلاد قد تتطلب ما بين 200 و400 مليار دولار، مع تقديرات أن يستغرق الأمر أكثر من عقد لإعادة البناء، إلى جانب ذلك تعاني البلاد من انهيار العملة المحلية، تراكم الديون الخارجية، وتفاقم تأثير العقوبات الدولية[1]، في هذا السياق تبرز الحاجة الماسة إلى حلول مبتكرة ومستدامة مثل الاستثمار الاجتماعي الذي يمكن أن يسهم في إعادة بناء الاقتصاد، تحسين مستوى المعيشة، ودعم المجتمعات المحلية المتضررة لتحقيق الاستقرار.
يتناول التقرير واقع الاستثمار الاجتماعي، مُسلّطًا الضوء على دوره كحل مبتكر لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية على المستويين العربي والعالمي، كما يستعرض أبرز مفاهيم الاستثمار الاجتماعي، إلى جانب أنواعه وأشكاله، مع تحليل أمثلة ناجحة لتطبيقاته من مختلف الدول.
تعتمد منهجية التقرير على تحليل مقارن للتجارب الدولية والمحلية، مع استعراض دراسات حالة ملموسة، وتوظيف إطار تحليلي يعكس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع تقديم رؤية متكاملة لقياس الأثر الاجتماعي، بما يعزز الفهم الشامل لدور الاستثمار الاجتماعي في تحقيق التنمية المستدامة.
مفهوم الاستثمار الاجتماعي.. أنواعه وأشكاله:
يمكن تعريف الاستثمار الاجتماعي بأنّه توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع ومبادرات تهدف إلى تحقيق عوائد مالية بالإضافة إلى إحداث تأثير اجتماعي أو بيئي إيجابي، تعتمد هذه الاستراتيجية على فكرة إمكانية مواءمة الاستثمارات مع القيم الشخصية والاهتمامات الخيرية مع تحقيق عوائد مالية، مما يسهم في تحسين المجتمع[2].
وقد كانت المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) مقدمة لفكرة الاستثمار الاجتماعي، والتي تعني التزام الشركات بالتصرف بطريقة مسؤولة تجاه المجتمع والبيئة دون ربط ذلك بالضرورة باستثمارات مباشرة، ومع مرور الوقت تطوّر هذا المفهوم بتحوّل الشركات من التركيز على الربح الصرف إلى تحقيق تأثير اجتماعي وبيئي بجانب العوائد المالية، مما يعكس فهماً متزايداً بأن النجاح المالي يمكن أن يترافق مع تحسين الظروف[3].
هنا يظهر رأس المال الصبور كأداة رئيسية تدعم الاستثمار الاجتماعي والذي يعني توفير التمويل للمشاريع التي تسعى لتحقيق أثر اجتماعي أو بيئي على المدى الطويل، مما يسمح لها بالنمو والتوسع دون الضغط لتحقيق أرباح سريعة[4].
يمكن تحقيق تأثير اجتماعي أو بيئي من خلال استثمارات تتوافق مع قيم معيّنة، أو تجنب الشركات غير المتوافقة مع قيم أخرى، أو تقديم تبرعات لدعم مشاريع عالية المخاطر، أو الاستثمار المباشر في شركات ذات أهداف اجتماعية كقطاع الطاقة المتجددة، أو إقراض المنظمات غير الربحية لتجميع رأس المال أو تقليل المخاطر[5].
أنواع الاستثمار الاجتماعي:
يتوجّه الاستثمار الاجتماعي نحو دعم مجموعة واسعة من الجهات والمشاريع التي تحمل طابعًا إنسانيًا واجتماعيًا، مثل المنظمات الإنسانية والخيرية، والقطاعات الأهلية، ورواد الأعمال الناشئين، بالإضافة إلى المشاريع الخاصة التي تهدف إلى تحقيق مساهمة مجتمعية ومع ذلك، فإن هذا النوع من الاستثمار لا يُقدَّم على شكل منح أو مساعدات مجانية، بل يقوم على مبدأ تحقيق أرباح مالية تعيد رأس المال إلى المساهمين[6].
تستثمر مشاريع الاستثمار الاجتماعي في المشاريع الأخرى وفق نموذجين[7]:
الاقتراض: يتمثل في الحصول على قرض يتضمن اتفاقًا على سداده خلال فترة زمنية محددة مع دفع فائدة، وهي رسوم يدفعها المقترض للمستثمر مقابل استخدام أمواله، على سبيل المثال: يقوم المستثمر بإقراض مبلغ مُحدّد لمشروعك[8].
الأسهم: يقدّم المستثمر الاجتماعي مساهمته من خلال شراء أسهم في المشاريع الاجتماعية التي يرغب بدعمها، تصبح الجهات الداعمة شريكًا في التمويل، ليس لهم حق الإدارة وإنما تنحصر مساهمتهم في تأمين رأس المال مقابل الحصول على نسب من الأرباح، وقد يُمنح المستثمرون دورًا في إدارة المشروع من خلال إبداء آرائهم، فيصبح المستثمر شريكًا في ملكية المؤسسة وأرباحها مع تحمُّل جزء من مخاطرها[9].
وتستخدم بعض الدول أنماطاً إضافية من الاستثمار الاجتماعي ومنها:
- مشاركات المجتمع: استثمار يتيح للمستثمرين شراء أسهم في مشاريع ربحية تهدف إلى خدمة المجتمع مثل شراء مبانٍ لقاعة مجتمعية أو تمويل مشاريع للطاقة المتجددة، هذه الأسهم تُعد “قابلة للسحب”[10]، يحصل المستثمرون على أرباح إذا تحقق النجاح للمشروع، كما يمكنهم التأثير في قرارات الإدارة من خلال تصويت موحّد بغضّ النظر عن عدد الأسهم[11].
- السندات الخيرية: قروض قابلة للتداول[12] يقدّمها مستثمرون اجتماعيون لمؤسسات خيرية بفائدة ثابتة، تناسب المؤسسات الكبيرة التي تحتاج تمويلاً غير مُقيّد، توفّر هذه السندات مرونة أكبر من البنوك لكن تكاليف الإعداد[13] قد تكون مرتفعة، وهي غير ملائمة للمؤسسات الصغيرة أو الاستثمارات عالية المخاطر[14].
- التمويل المختلط: حزمة تجمع بين منحة جزئية وقرض بفائدة، ويتم سداد القرض من أرباح المشروع المدعوم، يُستخدم لدعم المنظمات الجديدة أو المتوسعة، ويقدمه عادةً المستثمرون الاجتماعيون أو صناديق المنح، وقد يشمل دعمًا حكوميًا في بعض الحالات، ويركّز على المشاريع التي تحتاج تمويلاً كبيراً[15].
- استثمار الأسهم: تمويل يُقدَّم من خلال شراء مستثمرين لأسهم في المشروع لتوسيعه، يناسب الشركات المحدودة بالأسهم والجمعيات التعاونية التي يمكنها تقديم عروض أسهم مجتمعية، ويتميز بعدم سداد الأموال إلا عند تحقيق أرباح[16]، مع إمكانية جلب خبرات وشبكات علاقات من المستثمرين، وقد يكون أقل جاذبية للمستثمرين التقليديين بسبب محدودية الأرباح فيه[17].
- استثمار التمويل الجماعي: القروض التقليدية أو الاستثمار في الأسهم، لكنه يتميّز بجمع الأموال من عدد كبير من المستثمرين عبر منصات إلكترونية، مما يسهل الوصول إلى مصادر تمويل متعددة، يوفّر هذا النموذج مرونة في شروط السداد، وغالبًا ما يُستخدم لدعم المشاريع الصغيرة والمبتكرة، بخلاف القروض أو الأسهم التقليدية، يتم الاتفاق مسبقًا على العوائد التي قد تشمل فوائد أو حصة من الأرباح[18].
- سندات الأثر الاجتماعي: هو عقد تمويل قائم على النتائج، يدفع المستثمرون لتقديم خدمة، مثل إسكان المشردين، وتعيد الحكومة رأس المال مع الفائدة إذا نجحت الخدمة في تحقيق أهدافها[19].
- القرض المضمون: بضمان أصل كالعقار، مع فائدة ثابتة تُعتبر أقل من القروض غير المضمونة، مع ضمان لاسترداد الأموال[20].
- شبه الأسهم: هو نموذج تمويلي يتيح للمستثمرين تقديم دعم مالي دون الحصول على حقوق ملكية أو المشاركة في إدارة المؤسسة. يعتمد العائد على أداء المؤسسة، كنسبة من الأرباح أو الدخل، ما يجعله مرتفعًا عند النجاح ومنخفضًا في حال تراجع الأداء. يوفّر هذا النموذج مرونة مالية للمؤسسات ويخفف عنها أعباء الأقساط الثابتة، بينما يمنح المستثمرين فرصة لتحقيق عوائد مجزية مقابل تحمُّل مخاطر أعلى[21].
- القرض غير المضمون: قرض بدون ضمان يُستخدم لأغراض متعددة، ويُسدّد بفائدة أعلى نظرًا لارتفاع المخاطر[22].
- صناديق الملكية الاجتماعية: أموال تُجمع لشراء عقارات تستخدمها المؤسسات الخيرية، حيث يحصل المستثمر على عوائد من الإيجارات، وما يجعلها “ملكية اجتماعية“ هو أن العقار يُستخدم لخدمة أهداف اجتماعية، وليس لتحقيق ربح تجاري[23].
يمكن الحصول على الاستثمارات الاجتماعية من منظمات متخصصة كشركات الاستثمار الاجتماعي مثل Big Society Capital[24]، والبنوك الاجتماعية مثل Triodos Bank[25]، والصناديق التي تُركّز على قطاعات مُعيّنة مثل[26]Global Impact Investing Network (GIIN)، كما يمكن التمويل من أفراد أو مجموعات عبر الاستثمارات الملائكية[27]، أو التمويل الجماعي على منصات متخصصة[28]، ويُعتبر الإعفاء الضريبي الذي يحصل عليه كلٌّ من المستثمر وصاحب المشروع أداة مفيدة لتعزيز هذه الاستثمارات[29].
حوكمة الشركات وعلاقته بالاستثمار الاجتماعي:
تعد حوكمة الشركات جزءًا محوريًا من الاستثمار الاجتماعي، حيث تُركّز على تحسين أداء الشركات عبر تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات[30](ESG)، فمن خلال الالتزام بالشفافية والمساءلة، تعزز الحوكمة ثقة المستثمرين وتدعم الابتكار وتطوير ممارسات مستدامة، كما تسهم في جذب الاستثمارات، مما يتيح للشركات تحقيق تأثير إيجابي وقيمة مشتركة لجميع الأطراف المعنيّة [31].
الاستثمار الاجتماعي.. نظرة تاريخية:
لا يُعتبر الاستثمار الاجتماعي نشاطًا حديثًا أو مبتكرًا في العالم الإسلامي، بل هو امتداد لثقافة أسسها الدين الإسلامي وطبّقها المسلمون في العصور السابقة عبر نظام الوقف، كما أنّه من أهم أدوات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ذات الأثر البعيد[32].
يُعرّف الوقف بأنه حبس الأصول مثل المباني أو العقارات لتقديم منفعة دائمة للمجتمع، ويختلف عن الاستثمار الاجتماعي في أنه لا يعود على صاحبه بأي عوائد مالية، بل يتخلى عن ملكيته ويُخصّص عائدات هذه الأصول إلى قطاعات حيوية كالرعاية الصحية والتعليم والإيواء، و على مر القرون ساهم الوقف في تمويل المساجد والمدارس والمستشفيات، فضلاً عن تطوير البنية التحتية مثل الجسور ومحطات المياه، مما يبرز تنوعه وأهميته للمجتمعات[33].
بدأ الوقف في الإسلام بتخصيص النبي محمد صلى الله عليه وسلم بساتين النخيل حول المدينة[34]، تلاه الخليفة عمر بن الخطاب بأول وقف مُسجَّل في الإسلام بأرض خيبر، والتي أوقفها للفقراء، وأوقف عثمان بن عفان بئر رومة ليستفيد منها المسلمون، بينما أوقف علي بن أبي طالب أراضي متنوعة لخدمة المجتمع[35].
ولقد كانت الأوقاف من الركائز الأساسية التي ساهمت في انتشار التعليم المجاني في بلاد الشام، خاصة في دمشق وحواضرها، حيث تم تخصيص الأراضي والعقارات لدعم المدارس[36] والجوامع[37]، كما موّلت هذه الأوقاف المنح التعليمية للطلبة والعلماء[38]، و التعليم الشرعي [39]، وقد تشعّبت وتنوعت مصارف الأوقاف في بلاد الشام فشملت أوقافًا لمساعدة العاجزين عن أداء الحج، وتجهيز البنات اللاتي لا قدرة لأسرهن على تجهيزهن للزواج، كما كانت هناك أوقاف لفكاك الأسرى، وأوقاف أبناء السبيل، ووقف الأواني المكسورة[40]، بالإضافة إلى أوقاف لإصلاح ورصف الطرق، والعديد من الأمثلة الأخرى[41].
وفي ظل الحكم العثماني، توسّعت الأوقاف لتشمل البنية التحتية والخدمات العامة، مثل الجسر الذي أنشأه السلطان عبد المجيد خان لربط إسطنبول بغلطة، والذي خُصصت عائداته لدعم مستشفى خيري لفقراء المرضى في العاصمة العثمانية[42].
حتى اليوم، تلعب الجامعات الوقفية في تركيا دورًا محوريًا في تحسين التعليم وخدمة المجتمع، وتُخصّص عوائدها لدعم الأنشطة الأكاديمية والبحثية، تطوير البنية التحتية، وتقديم منح دراسية للمتفوقين، مع التركيز على تقديم تعليم عالي الجودة والحفاظ على التراث الثقافي، ومن أبرز الأمثلة جامعة السلطان محمد الفاتح وجامعة صباح الدين زعيم، التي تسعى لتحقيق أثر اجتماعي مستدام بدلاً من العائد المادي[43].
تُظهر مسيرة المجتمعات الإسلامية في التاريخ المعاصر تحوّلاً جذرياً في دور مؤسسة الوقف، حيث أسهمت عوامل متعددة في تراجع فعاليتها[44]، أبرزها ضياع الهوية الثقافية التي شكلت أساس الوقف، ودور الاستعمار الذي صادَر الأوقاف وحوّلها إلى موارد مالية مستباحة، ممّا أضعف استقلالها وفعاليتها، كما كان لانفتاح الدول الإسلامية على النموذج الغربي أثر سلبي في تقليص دور الوقف[45].
وقد تسبب تغوّل الدولة الحديثة على مؤسسات الوقف في الدول العربية بفقدانها لفعاليتها واستقلاليتها، فتم انتزاع الأوقاف من المجتمع وإلحاقها بجهاز حكومي بيروقراطي غير مرن، مما أدى إلى جمود إدارتها وغياب التحديث في سياساتها، وأفقدها دورها الحيوي التقليدي الذي صمد لقرون، وحال دون تحقيقها لأهدافها التنموية والاجتماعية بالشكل المطلوب[46].
يتسم الوقف الإسلامي بمرونة كبيرة وقدرة على التطور بما يتناسب مع التحديات الحديثة، ويعتبر دور الكويت مثالًا بارزًا في تجديد الدور التاريخي للوقف الإسلامي، فقد عملت على إحياء سنة الوقف من خلال مبادرات رائدة أطلقتها الأمانة العامة للأوقاف التي أسهمت في تنمية مختلف القطاعات الاجتماعية والثقافية والتعليمية[47]، ولتحقيق الأثر المرجو من الوقف، يعد دمجه مع مشاريع الاستثمار الاجتماعي خطوة استراتيجية قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة، إلى جانب “الحوكمة [48]“التي تهدف إلى تعزيز شفافية وفعالية الأوقاف، مما يحولها إلى كيانات اقتصادية تنافسية قادرة على مواجهة احتياجات العصر[49].
الاستثمار الاجتماعي في الدول الحديثة:
يتركز نصف نشاط الاستثمار الاجتماعي العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفقاً لبيانات الشبكة العالمية لاستثمار الأثر[50]،فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1971 بروز مفهوم الاستثمار الاجتماعي مع تأسيس صندوق “Pax World Fund”، الذي كان الأول في الترويج للاستثمار المسؤول، اعتمد الصندوق معايير أخلاقية صارمة لاختيار الشركات التي يستثمر فيها، مستبعدًا تلك التي تعمل في صناعات ضارة مثل السلاح والتبغ والكحول والقمار، جمع الصندوق الأموال من مستثمرين أفراداً ومؤسسات تتبنى قيمًا اجتماعية وبيئية، ليتم استثمارها في أسهم وسندات الشركات التي تساهم في تحقيق تأثير إيجابي على المجتمع مع تحقيق الربح، وبالرغم من أن الصندوق لا يفرض قيودًا على نوعية الأعمال التي يقوم بها المستثمرون، إلا أنه يختار بعناية الشركات التي تتماشى مع قيمه الأخلاقية[51]، مما ساهم في زيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والبيئية وشجّع الشركات على تبني ممارسات مستدامة.
وفي الثمانينيات، بدأت كندا بتطوير أدوات استثمارية[52] تجمع بين تحقيق الأرباح ومعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية. تأسست منظمةCanadian Social Investment Organization عام 1989 لدعم هذه الاستثمارات من خلال الترويج لصناديق المسؤولية الاجتماعية والتعاون مع المؤسسات المالية والحكومات، ومن أبرز إنجازاتها إطلاق السندات الخضراء والاجتماعية[53]، التي موّلت مشاريع للطاقة المتجددة والإسكان الميسور، مثل مبادرة تمويل الإسكان المستدام في تورنتو[54].
كما تعتبر المملكة المتحدة رائدة في الاستثمار الاجتماعي، حيث تأسس “Triodos Bank” في عام 1980 لتمويل مشاريع مستدامة مثل الطاقة المتجددة والزراعة العضوية والإسكان الميسور[55]، يُحقّق البنك أرباحه من قروض بفوائد تنافسية ورسوم مصرفية، ويُوجه الربح أساسًا لتمويل مشاريع جديدة تتماشى مع أهدافه التنموية، كما يُوزع جزءاً من الأرباح على المستثمرين ويُغطّي التكاليف التشغيلية لضمان استدامة عملياته وتعزيز أثره الاجتماعي والبيئي[56].
أمّا الدول الإسكندنافية مثل السويد والنرويج والدنمارك، فقد دمجت مبادئ الاستثمار الاجتماعي المسؤول في صناديق التقاعد الحكومية، وذلك من خلال إنشاء مؤسسات مالية تجمع أموالاً من الموظفين وأرباب العمل لتوفير دخل ثابت للمتقاعدين، هذه الصناديق لا تكتفي باستثمار الأموال لتحقيق أعلى عائد مالي، بل تهتم أيضًا بالاستثمار في مشاريع مستدامة وبيئية واجتماعية، مثل الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية)، الزراعة المستدامة، البنية التحتية الخضراء (مثل المباني الخضراء والنقل المستدام)[57]، المشاريع الاجتماعية (مثل الإسكان الميسور والخدمات الصحية والتعليمية)، وكذلك دعم الاقتصاد الدائري من خلال إعادة التدوير وتقليل النفايات، وقد أسهم هذا النهج في تحقيق نمو اقتصادي وتحسين جودة الحياة، مما جعلها نموذجًا عالميًا للاستثمار المستدام[58].
وتتصدّر دول شرق آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة مجال الاستثمار الاجتماعي أيضًا، حيث تستثمر الشركات اليابانية، مثل تويوتا وسوني في مشاريع بيئية، فعلى سبيل المثال أطلقت سوني مبادرة “Road to Zero”[59]، وهي خطة طويلة الأمد تهدف إلى تقليل الأثر البيئي إلى الصفر بحلول عام 2050، تشمل هذه المبادرة تقنيات مثل استخدام البلاستيك المعاد تدويره، تقليل استهلاك الطاقة في المنتجات، والاعتماد على الطاقة المتجددة [60].
بينما تُعزّز كوريا الجنوبية الاستدامة من خلال استثمارات في الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى دعم سنغافورة للمبادرات الاجتماعية عبر صناديق مثل صندوق الاستثمار الوطني (GIC) وتشمل الممارسات التي تعود بالأثر الإيجابي على المجتمع، الشركات العائلية[61] والشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم المشاريع الاجتماعية[62].
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زاد الاهتمام بالاستثمار ذي التأثير الاجتماعي بفضل جهود منظمات مثل شبكة الاستثمار في التأثير العالمي (GIIN)، التي تأسست عام 2009 لتعزيز هذا النوع من الاستثمار عالميًا، منذ ذلك الحين استمرت شعبيته في النمو مع ظهور العديد من الصناديق والمنظمات المخصصة له[63]، كما بدأ الاستثمار الاجتماعي يحظى باهتمام متزايد في الدول العربية، حيث تسعى الحكومات والشركات في دول مثل الكويت والسعودية والإمارات إلى دعم المشاريع التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتركيز على معالجة قضايا مثل التعليم والصحة والبيئة، بالإضافة لتشجيع الابتكار الاجتماعي من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
أمثلة ناجحة للاستثمار الاجتماعي:
يُعتبر مشروع Sosai Renewable Energies في شمال نيجيريا نموذجًا مبتكرًا يعالج تحديات الطاقة والتنمية الاجتماعية في المناطق الريفية، بما في ذلك نقص الكهرباء وصعوبة حفظ المنتجات الزراعية[64].
قدّم المشروع أنظمة طاقة شمسية لتشغيل المُجفّفات الشمسية[65]، مما مكّن المزارعين من تجفيف محاصيلهم بكفاءة أعلى وتحسين جودتها، ولم يكن هناك شرط يقتصر استخدام الطاقة الشمسية على تشغيل المُجفّفات فقط، بل تم تصميم الأنظمة لتكون مُتعدّدة الاستخدامات لدعم مختلف احتياجات المجتمعات الريفية كالإضاءة، كما ساهم المشروع في تدريب المزارعين، خاصة النساء، على التقنيات الحديثة، مما عزز مهاراتهم ورفع دخلهم عبر بيع المنتجات المجفّفة بأسعار أفضل، إذ تعود أرباح هذه المنتجات مباشرة للمزارعين، مما دعم تحسين مستويات معيشتهم[66].
موّلت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) المشروع لتحقيق عوائد طويلة الأمد[67] عبر تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، بما يدعم أهدافها في التوسُّع بالطاقة النظيفة والتنمية المستدامة في البلدان النامية، ويمثل المشروع نموذجًا لدمج الطاقة المتجددة مع التنمية الاجتماعية، كما يساهم في الحدّ من الفقر، وتحسين الصحة، ودعم الاقتصاد المحلي[68].
وفي مجال آخر، قدّم نموذج Golden Lane Housing حلاً لتوفير مساكن ملائمة للأشخاص ذوي صعوبات التعلم، بدأت المؤسسة بتحديد مشكلة نقص المساكن المناسبة وطرحت حلاً من خلال تأجير وحدات سكنية بأسعار معقولة، مع إتاحة خيار الحصول على خدمات إضافية مثل الدعم اليومي، الرعاية الصحية، أو المساعدة على الاندماج المجتمعي مقابل رسوم إضافية، ولتأمين التمويل جمعت المؤسسة مبالغ كبيرة[69] عبر إصدار سندات خيرية[70]، مما ساعدها على شراء وتجهيز العقارات اللازمة[71].
تعتمد المؤسسة على دخل الإيجارات لتغطية التكاليف التشغيلية، ودفع العوائد للمستثمرين الذين ساهموا في تمويل المشروع عبر شراء سندات خيرية، كما تُستخدم العائدات في شراء وتجهيز منازل جديدة، مما يضمن استدامة مالية للمشروع وتحسين جودة حياة المستأجرين وتعزيز اندماجهم في المجتمع[72].
ويُعتبر مشروع “Social Bite” في بريطانيا نموذجًا ناجحًا للاستثمار الاجتماعي في التوظيف، حيث يُركّز على تحسين حياة الأشخاص المشردين من خلال توفير فرص العمل والتدريب، تأسست المنظمة في عام 2012 بهدف محاربة التشرد عبر دمج العمل الاجتماعي مع نموذج الأعمال التجارية[73]، يتيح المشروع للأشخاص المشردين فرصة لإعادة بناء حياتهم وكسب دخل مستدام، ويقدم برامج تدريبية لتعزيز مهاراتهم، مما يزيد من فرصهم للحصول على وظائف دائمة، كما يوفر بيئة عمل تعزز الصحة النفسية والشعور بالانتماء[74].
تحقق مبيعات المقاهي والمطاعم أرباحًا تُساعد في الاستمرار في تقديم الدعم للوظائف والتدريب، ويُخصّص المشروع جزءًا من الأرباح لدعم مشاريع اجتماعية إضافية تتعلّق بالتشرد، وتُوجّه أغلب الأرباح نحو معالجة المشكلات الاجتماعية، مما يقلّل العبء الضريبي ويساعد في تعزيز قدرة المشروع على الاستثمار في المبادرات الاجتماعية، يُظهر هذا النموذج كيف يمكن للاستثمار الاجتماعي معالجة قضايا اجتماعية مُعقّدة مثل التشرد من خلال خلق فرص العمل والتدريب، مُحقّقًا فوائد اقتصادية واجتماعية متكاملة[75].
أمثلة من العالم العربي:
يُمثّل مشروع تحويل النفايات البلدية إلى وقود جاف في الكويت خطوة مبتكرة نحو تحسين إدارة النفايات وتعزيز الاستدامة البيئية، يهدف المشروع إلى تحويل النفايات العضوية وغير العضوية إلى وقود جاف يمكن استخدامه كمصدر للطاقة البديلة، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري[76].
يتضمّن المشروع عملية فصل النفايات، حيث يتم تجميع المواد القابلة لإعادة التدوير والنفايات العضوية، ثم معالجتها عبر تقنيات متطورة لتحويلها إلى وقود جاف، هذا الوقود يمكن استخدامه في محطات الطاقة أو كوقود لصناعة الأسمنت، مما يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء[77].
بالإضافة إلى الفوائد البيئية، يُسهم المشروع أيضًا في خلق فرص عمل جديدة في مجالات جمع النفايات، والمعالجة، والتسويق للطاقة البديلة، كما يعزز الوعي البيئي بين المواطنين ويُشجّعهم على المشاركة في برامج إعادة التدوير وتقليل النفايات[78].
ويُعدّ مشروع “توظيف” الذي أطلقه صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) في السعودية مثالاً آخر للاستثمار الاجتماعي، حيث يُقدّم الصندوق الدعم المالي للشركات التي تُوظّف الشباب السعودي وتوفّر لهم التدريب المهني، ومن جهته يحقق الصندوق عوائد مادية من خلال تحصيل الإيرادات الضريبية من الشركات التي تقوم بتوظيف الشباب[79]، كما تستفيد الشركات من الدعم المالي لتغطية تكاليف التوظيف والتدريب، مما يقلل من الأعباء المالية[80].
في المقابل، يحصل الشباب السعودي على فرص عمل مستدامة ودخل ثابت من خلال تطوير مهاراتهم المهنيّة، وبالتالي يسهم المشروع من الناحية الاجتماعية في تقليل البطالة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر توفير وظائف دائمة للشباب[81].
ارتباط الرعاية الاجتماعية بالاستثمار الاجتماعي:
تتجسّد العلاقة بين نماذج الرعاية الاجتماعية في ألمانيا وإيطاليا وموضوع الاستثمار الاجتماعي في تأثير استراتيجيات الرعاية على تعزيز الفرص الاقتصادية والاجتماعية، يتمثل هذا التأثير في كونها استثمارًا طويل الأجل في رأس المال البشري، مما يُسهم في تقليل الفقر وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتختلف استراتيجيات كل من ألمانيا وإيطاليا في خلق فرص عمل مستدامة من خلال تدريب الأفراد في قطاع الرعاية[82].
يعتمد النموذج الإيطالي في مجال رعاية الأطفال والمسنين على نظام يتسم بالمرونة، حيث يُقدم الدعم بشكل أساسي من خلال شبكات الرعاية الأسرية والعمالة المنزلية، وتعمل العديد من الأسر على توظيف مقدّمي رعاية بشكل غير رسمي لرعاية المسنين أو الأطفال في المنازل من الأقارب أو الأصدقاء، ومع أن هذا النموذج يوفّر حلولًا مرنة تلبّي احتياجات الأسر، إلا أنه يعاني من تحديات كبيرة، أبرزها غياب الأطر القانونية والتنظيمية لهذه الوظائف، مما يجعل العديد من العاملين في هذا القطاع عرضة لانعدام الأمان الوظيفي وافتقاد المزايا الاجتماعية[83].
على الرغم من ذلك، يُعتبر هذا النظام ذا أهمية كبيرة في إيطاليا بسبب قلة توفر مراكز رعاية عامة كافية وشمولية ولهذا السبب، يعد تحسين السياسات العامة في هذا المجال، مثل تنظيم العمالة المنزلية وضمان حصول العاملين على حقوقهم ضروريًا لتحسين جودة الرعاية المقدمة وضمان استدامة هذا القطاع[84].
في المقابل يعتمد النموذج الألماني على تقديم دعم مالي حكومي لمؤسسات الرعاية الاجتماعية بهدف تعزيز وزيادة فرص العمل في قطاعات مثل رعاية المسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال برامج دعم نقدي موجّهة، حيث تُقدم إعانات مالية للمؤسسات التي تُوظّف العاملين في هذه المجالات، ما يسهم في خلق وظائف جديدة ويحفّز الاستثمار في قطاع الرعاية الاجتماعية[85].
ورغم أن هذا النموذج أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد الوظائف المتاحة، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بانخفاض مستوى الأجور وظروف العمل غير المثالية، فكثير من الوظائف في قطاع الرعاية الاجتماعية تقدم أجورًا أقل مقارنة بالقطاعات الأخرى، مما يتطلب تحسين السياسات الداعمة لهذه الوظائف لضمان حقوق العاملين وتحسين ظروفهم المهنية[86].
يساهم الاستثمار الاجتماعي في توفير التمويل لضمان استدامة خدمات الرعاية وتحسين أوضاع العاملين في هذا القطاع، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويزيد من العوائد الاجتماعية، وتبرز نماذج الرعاية الاجتماعية كأمثلة على كيفية تأثير الاستثمار الاجتماعي في تحسين حياة الأفراد وخدمة القضايا الاجتماعية[87].
التحديات التي تواجه الاستثمار الاجتماعي:
يُعدّ الاستثمار ذو الأثر الاجتماعي نموذجاً فعالاً للتغيير الإيجابي، لكنه يواجه تحديات، أبرزها صعوبة قياس الأثر الاجتماعي والبيئي لعدم وجود نهج موحد، إضافةً إلى ذلك يُثني عدم اليقين المالي المستثمرين عن الدخول فيه بسبب المخاطر المرتفعة، ويعاني القطاع من نقص في المهارات الضرورية لتنفيذ المشاريع بكفاءة، كما يتطلب نجاحه تنسيقًا بين القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما قد يعيق التنفيذ وقياس الأثر بشكل فعّال[88].
مواجهة التحديات:
طورت شبكة الاستثمار في التأثير العالمي [89](GIIN) أداة IRIS+ للمساعدة في قياس تأثير الاستثمارات الاجتماعية والبيئية، حيث تُعد إطارًا عالميًا يتيح للمستثمرين تحويل أهدافهم إلى نتائج ملموسة، مما يساعد في مواجهة تحديات قياس الأثر وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمار الاجتماعي[90].
تعتمد IRIS+ على عدة أبعاد رئيسية تشمل تحديد النتائج، أصحاب المصلحة، نطاق وعمق التغيير، مساهمة المؤسسة والمستثمر، ومخاطر التأثير، يحدد بُعد “ما هي” الأهداف الاستراتيجية والنتائج الرئيسية، بينما يُحدّد بُعد “من” الفئات المستهدفة وخصائصها، ويقيس “العمق “درجة التغيير الحاصل لدى أصحاب المصلحة، فيما تركز المساهمة على دور المؤسسة والمستثمر في دعم النتائج الاجتماعية[91].
تحدد مخاطر التأثير العوامل المحتملة التي قد تعيق الأهداف. يساعد سؤال “كيف يحدث التغيير؟” في وضع هذه البيانات في سياقها عبر دراسة العمليات والمنتجات لتحقيق تحسينات مثل “الصحة المالية[92]“[93].
الخاتمة:
يواجه الوطن العربي تحديات مُعقّدة ومتشعبة، بدءًا من الصراعات وحالات عدم الاستقرار، ومشكلات الفقر والبطالة ووصولًا إلى التفاوت الاجتماعي والتغيرات المناخية، مما يجعل الحاجة إلى نهج شامل وطويل الأمد ضرورة ملحّة بدلاً من الاعتماد على الحلول المؤقتة، في هذا الإطار يُعتبر الاستثمار الاجتماعي أداة فعّالة تساهم في تمكين المجتمعات المحلية من تطوير حلول عملية تلبّي احتياجاتها الحقيقية، مع تعزيز التوازن بين الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية للتنمية، ما يساعد في تأسيس قاعدة شاملة للتنمية المستدامة.
يُغطّي الاستثمار الاجتماعي مجموعة واسعة من المجالات الحيوية التي تؤثر مباشرةً في حياة الأفراد والمجتمعات، فعلى سبيل المثال يمكن أن يُركّز على تطوير قطاع التعليم من خلال تحسين جودته وتوفير فرص تعليمية متكافئة، كذلك يُسهم في تعزيز القطاع الصحي عبر تحسين الخدمات الصحية وتوسيع الاستثمار فيها، كما يمكن أن يمتدّ ليشمل تطوير البنية التحتية، بما يُعزّز الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، ما يسهم في رفع مستوى معيشة الأفراد.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يتيح الاستثمار الاجتماعي دعم ريادة الأعمال الاجتماعية من خلال تمويل المشاريع التي تهدف إلى معالجة القضايا المجتمعية وتوفير فرص عمل مستدامة، كما يمكن أن يستهدف فئة الشباب عبر توجيه طاقاتهم لسد احتياجات المجتمع من خلال التدريب والتأهيل في المجالات المطلوبة، مع ضمان فرص عمل ملائمة لهم بعد التأهيل.
وبذلك، يُسهم الاستثمار الاجتماعي في خلق فوائد ملموسة ومستدامة على المستويين الفردي والمجتمعي، من خلال زيادة فرص العمل، تحسين ظروف المعيشة، تقليل معدلات الفقر، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق بيئة أعمال محفزة، وبالتركيز على الأثر بعيد المدى، يتحول الاستثمار الاجتماعي إلى نهج فعّال لبناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل بفاعلية.
يمكن لأفكار الاستثمار الاجتماعي والأمثلة السابقة أن تكون حجر الأساس في إعادة إعمار سوريا بعد سقوط نظام الأسد، إذ يمكن إدماج القطاع الخاص في المساهمة بعملية التنمية على مستوى البلاد، مع التركيز على المناطق الأكثر تضرراً، يمكن تبني نماذج تتوافق مع الاحتياجات الوطنية والثقافة المجتمعية، مثل المشاريع الإسكانية ذات الخدمات الشاملة، دعم رواد الأعمال، وتشجيع الابتكار.
كما تبرز ضرورة إحياء نظام الوقف وتوظيفه بالتكامل مع أدوات الاستثمار الاجتماعي كأداة استراتيجية لمعالجة التحديات التنموية والاجتماعية، يمكن لهذه المبادرات أن تُسهم في دعم قطاعات التعليم والتدريب المهني وتوفير فرص عمل للشباب السوري، إلى جانب تعزيز الاقتصاد المحلي.
يهدف هذا النهج إلى تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري وتقوية نسيجه بما يمكنه من مواجهة التحديات والحد من تغوّل أي سلطة، كما يمكنه أن يقدم نموذجًا مستدامًا للتنمية يُركز على بناء القدرات المحلية، وتنشيط الاقتصاد، واستعادة ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة بعد عقود من فقدان الثقة.
- إعداد الوثائق القانونية: مثل العقود والاتفاقيات التي تُحدد شروط القرض، الضمانات، وآليات السداد.
- الاستشارات المالية والقانونية: لتقييم الجوانب المالية والقانونية وضمان توافق القرض مع التشريعات المحلية والدولية.
- التقييم الائتماني: قد تحتاج المؤسسة إلى تقييم جدارتها الائتمانية من قِبل وكالات مختصة لزيادة ثقة المستثمرين.
- التسويق والترويج: إذا كانت السندات معروضة للمستثمرين بشكل أوسع، فإن المؤسسة قد تحتاج إلى حملات ترويجية لعرضها وجذب المهتمين
البيئية (E): تشمل المعايير المتعلقة بتأثير الشركة على البيئة، مثل انبعاثات الكربون تهدف الشركات إلى تقليل الأثر البيئي وتحقيق الاستدامة.
الاجتماعية (S): تتعلق بمسؤوليات الشركة تجاه المجتمع والعمال والمستهلكين، تهدف الشركات إلى تعزيز رفاهية الموظفين والمجتمعات المحيطة.
حوكمة الشركات (G): تركز على هيكل الإدارة ونظم الرقابة والشفافية في الشركة. تشمل المعايير استراتيجيات اتخاذ القرار، ممارسات الرقابة، حقوق المساهمين، والتعامل مع الفساد، تهدف إلى تعزيز المساءلة والشفافية.