الأبحاث والدراساتالإصداراتالقوى الدولية الفاعلة في الملف السوريوحدة تحليل السياسات

ملامح زيادة الفاعلية الأمريكية في الملف السوري وسط تضارب مصالح الفاعلين

تقرير تحليلي صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

 ملخص:

  • تزايدت عمليات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “داعش” مؤخراً في شمال شرق سوريا خاصة؛ مما يمكن تصنيفه -إلى جانب مؤشرات أخرى- أحد مؤشرات تزايد الاهتمام والنشاط الأمريكي في الملف السوري، بما يتضمنه ذلك من إيصال رسائل لمختلف الفاعلين تدفعهم لحساب الموقف الأمريكي وانعكاساته كونه ما زال الأكثر تأثيراً.
  • برزت مؤشرات على احتمال قيام التحالف الدولي بتوسيع مناطق انتشاره شمال شرق سوريا، لاسيما المناطق التي تم الانسحاب الأمريكي منها في عهد الإدارة السابقة، بما في ذلك مدينة منبج غرب الفرات، في وقتٍ حافظت فيه الولايات المتحدة على موقفها الرافض للتمدد التركي وشنّ أية عملية جديدة ضد “قسد”.
  • مع ما تُبديه تركيا من مسارعة في التقارب مع نظام الأسد ولقاء وزير الدفاع التركي بنظيره لدى نظام الأسد مؤخراً في موسكو، واستشعار “قسد” للموقف الأمريكي الداعم لها؛ فإنه سيكون لدى “قسد” أوراق أقوى في مواجهة الضغوط الروسية التي تستهدف إخضاعها وإدماجها بنظام الأسد، كما تتوسع هوامش مناورتها، وقد بدأت أذرعها السياسية بإصدار بيانات تُغازل مضامين خطاب قوى الثورة والمعارضة السورية.
  • تترافق المؤشرات الميدانية مع قيام الولايات المتحدة بإقرار قانون جديد لمكافحة مخدرات نظام الأسد، وقد دخل هذا القانون ضمن الموازنة العامة للدفاع؛ مما يجعل القانون يحمل بُعداً دولياً نابعاً من مخاوف أمريكية من خروج تجارة المخدرات في سوريا عن السيطرة.

مقدمة:

شهدت الأسابيع الماضية حراكاً أمريكياً نشطاً على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية الخاصة بالشأن السوري، على وقع حراكٍ آخر لبقية الفواعل الدولية التي تحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية؛ مما يعكس حدّة الاهتمام بالملف السوري، وأنه ما يزال ضمن أولويات بعض الفواعل المؤثّرة.

يناقش هذا التقرير أبعاد الحراك الأمريكي الأخير بخصوص الملف السوري وآثاره، في محاولةٍ لاستكشاف ملامح تغيرات في سياسة أحد أهم الفواعل الدولية التي تملك تأثيراً في سوريا، وتسيطر على المناطق الغنيّة بالنفط، وصولاً إلى استشراف مآلات هذا الحراك وانعكاساته على الوضع الداخلي والسياسي السوري.

ملامح تجلّيات زيادة النشاط الأمريكي في سوريا:

تزايد معدل العمليات على الأرض ضد “داعش”:

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استئناف الدوريات والنشاط المشترك مع مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” شمال سوريا عقب تبدُّد ملامح الهجوم التركي البريّ ضد “قسد”[1]، وقد أبدت القوات الأمريكية نشاطاً غير مسبوق في شنّ العمليات ضد “داعش” منذ انتهاء آخر معركة ضد التنظيم في بلدة الباغوز بدير الزور عام 2019.

فخلال شهر كانون الأول 2022 وحدَه نفّذت القوات الأمريكية ما لا يقل عن 10 عمليات وغارات في شمال شرق سوريا، استهدفت مواقع انتشار مقاتلين ومسؤولين في تنظيم داعش، وهي إحصائية بحسب تقرير صحيفة وول ستريت جورنال تُعد “لافتة” قياساً بحجم العمليات والغارات التي حصلت خلال الأشهر الماضية[2]، وأدت إلى اعتقال عدد من عناصر وقادة تنظيم داعش، كما أدت إلى اعتقال مَن وصفه الجيش الأمريكي بأنه “مسؤول إقليمي كبير” في التنظيم يُدعى “الزبيدي”[3].

وبحسب الصحيفة نفسها فإن المسؤولين الأمريكيين أقرّوا بأن القيادة المركزية نفّذت غارات إضافية في سوريا، لكنّ مسؤولي القيادة المركزية امتنعوا عن تقديم تفاصيل عن أي من الغارات الأخرى، في حين أن بعض الغارات شهدت حضور القوات الأمريكية على الأرض لمدة ثلاث ساعات تقريباً خلال عملية الاشتباك واعتقال الأفراد.

ولم يقتصر الأمر بقوات التحالف الدولي على تنفيذ العمليات ضمن مناطق سيطرة “قسد”، وإنما تعدّتها إلى مناطق النفوذ التركي شمالي سوريا[4]؛ إذ نفّذت طائرة مسيّرة تتبع للتحالف الدولي ضربةً استهدفت قيادياً بتنظيم داعش في مدينة الباب شرقي حلب، وأشارت مصادر محلية إلى أنه يمنيّ الجنسية[5].

ملامحُ مساعٍ لقطع الطريق أمام روسيا وتركيا وإيران:

بالتزامن مع تنفيذ العمليات ضد تنظيم داعش تحدّثت العديد من المصادر الإعلامية عن اعتزام التحالف الدولي توسيع نطاق انتشاره على الأرض؛ فبعض المصادر المحلية المقربة من “قسد” أشارت إلى أن التحالف الدولي يعتزم بناء قاعدة له قرب مدينة الرقة[6]، وسط تسيير دوريات بشكل متكرر مع “قسد” في المنطقة.

وقد جاء هجوم تنظيم داعش الأخير على المركز الأمني التابع لـ “قسد” في مدينة الرقة ليزيد من مبررات الدعم الأمريكي لـ”قسد” من جهة، ومن جهة ثانية يعطي التحالف الدولي أسباباً تبدو منطقية أمام بقية الفواعل في زيادة نفوذه على الأرض؛ على اعتبار أن هناك تهديداتٍ إرهابية وانتشاراً لخلايا تنظيم داعش[7]. علماً أن بعض المراقبين لا يستبعدون ضلوع “قسد” في تسهيل بعض العمليات التي ينفّذها تنظيم داعش، مثل العملية الأخيرة التي استهدفت منطقة محصّنة وسط مدينة الرقة[8]، أو غيرها من العمليات التي تتزامن عادةً مع تهديدات تركيا بشنّ عملية برية ضد “قسد”، وهذا ما يعزّز من فرضيّة توظيف “قسد” لأي هجوم يشنّه داعش في مناطقها للادعاء بوجود تأثير للهجمات التركية على أمن المنطقة[9].

لم يقتصر الأمر عند زيادة الانتشار في الرقة؛ حيث إن بعض المصادر تحدثت عن زياراتٍ أجراها وفد من التحالف الدولي لمنطقتَي عين العرب ومنبج[10]، وهما من أكثر المناطق التي توعدت تركيا بشنّ عملية ضد “قسد” فيهما، وهما منطقتان وإن كانتا تقعان حالياً تحت النفوذ الروسي إلا أنه لا عوائق عسكرية ميدانية -كما يبدو- تمنع الولايات المتحدة من العودة إليهما[11]، لاسيما وأن وجود قوات نظام الأسد والقوات الروسية يقتصر على بعض المناطق فيهما، ولا يزال لـ “قسد” النفوذ الواضح هناك.

وفي هذا الإطار لا يستبعد المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية “حازم الغبرا” أن تُوسّع القوات الأمريكية من نطاق انتشارها العسكري في سوريا[12]، خاصة مع زيادة وتيرة التهديدات التركية بشنّ عملية عسكرية شمال سوريا، مشيراً إلى أن الانتشار الأمريكي يأتي بهدف قطع الطريق على تفاهمات بين أنقرة وموسكو تخصّ الوضع العسكري في شمال شرق سوريا.

في غضون ذلك كان من اللافت للانتباه حديثُ التحالف الدولي عن نيته إحياء لواء “ثوار الرقة” الذي كان تابعاً للجيش السوري الحرّ قبل أن تحيّده “قسد” تماماً بعد سيطرتها على محافظة الرقة في عام 2017، وتحدثت بعض المصادر عن انعقاد اجتماع بين مسؤولين في التحالف الدولي وقائد لواء “ثوار الرقة” الملقب “أبو عيسى” في الرقة لإقناعه بإعادة عناصر فصيله إلى الخدمة، وبزيادة عناصر اللواء إلى نحو خمسة آلاف لوضعهم لاحقاً على خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني شمالي الرقة[13]، بما يضمن تبديد مخاوف أنقرة من وجود “قسد” على حدودها، وفي ذات الوقت يضمن لـ”قسد” عرقلة أية عملية تركية برية، كما يُسهم ضمنياً في قطع الطريق على روسيا الساعية إلى تحقيق تقدّمٍ ميداني في شرق الفرات سيؤدي بالنتيجة إلى زيادة نفوذ نظام الأسد وتوغل المليشيات الإيرانية في مناطق شرق الفرات.

ومما يشير كذلك إلى ملامح ترتيبات جديدة يقودها التحالف الدولي في المنطقة زيارةُ رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني نجل الزعيم الكردي الراحل جلال طالباني زيارة مفاجئة إلى الحسكة ولقاؤُه بقائد “قسد” والقائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال ماثيو ماكفرلين[14]، وبحسب مصادر مقربة من “قسد” فإن الهدف من الزيارة تحقيق التقارب الكردي الكردي، وهو ما قد يُعطي دلائل بوجود ترتيب أمريكي معين لمنطقة شمال سوريا، لاسيما وأن طالباني يُوصف بـ “صانع الصفقات”[15]، وهو من الشخصيات الجدلية في الساحة العراقية الكردية، وكان قد عارض انفصال إقليم كردستان العراق، ويُتهم بقربه من إيران، وفي الوقت ذاته لا يخرج عن التصرفات والمواقف الأمريكية[16].

وإلى جانب ما تُبديه الولايات المتحدة من رسائل تشي برفضها التمدّد التركي الروسي الإيراني شرق الفرات[17] فإنها ما تزال متمسّكة بالحقول النفطية في شمال شرق سوريا، ولم تنسحب حتى من قاعدة حقل العمر النفطي الواقعة على خط تماس مع مليشيات الحرس الثوري الإيراني في منطقة الميادين شرق دير الزور، رغم المضايقات وعمليات القصف التي تتعرض لها القاعدة بين الفنية والأخرى[18]؛ مما يعكس الرغبة الأمريكية في الحفاظ على بقائها في المنطقة والإمساك بأوراق القوة في سوريا.

ومع ما تُبديه تركيا من مسارعة في التقارب مع نظام الأسد ولقاء وزير الدفاع التركي بنظيره من قوات نظام الأسد مؤخراً في موسكو[19] يبدو أن “قسد” قد بدأت بالابتعاد بشكل أكبر عن نظام الأسد، ووصفته بالمستبد وأصدرت بياناً تُغازل فيه المعارضة السورية، متحدثةً عن ثورة الحرية والكرامة وعن المعتقلين[20]، وهو موقف يمكن اعتباره مبنيّاً على مؤشرات زيادة اهتمام التحالف الدولي والولايات المتحدة بالمنطقة، مما يعني زيادة اعتماد التحالف الدولي على “قسد” ودعمها، في الوقت الذي تواجه فيه “قسد” الضغوط الروسية التي تحاول إخضاعها وتجريدها من كل المكاسب[21] وإلحاقها بنظام الأسد، ومما يزيد تخوف “قسد” منه حصول التوافقات بين تركيا وروسيا ونظام الأسد، مما قد تكون له تداعيات على مناطق السيطرة المشتركة بين “قسد” ونظام الأسد في وقتٍ لاحق، لاسيما إذا قدّم نظام الأسد التزامات لتركيا بإبعاد “قسد” أو محاربتها.

الحفاظ على الموقف الرافض للتوسع التركي شمال سوريا:

حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على موقفها فيما يخصّ رفض أي عملية برية جديدة لتركيا في شمالي سوريا، وهو موقف لم يكن مستغرباً من إدارة بايدن؛ التي لم تتعامل بالنهج ذاته الذي اتبعته إدارة ترامب مع أنقرة فيما يخص تبديد مخاوفها الأمنية والسكوت، أو التغاضي عن بعض العمليات البرية.

 وعلى عكس ما قامت به الإدارة السابقة من الانسحاب الجزئي الذي سمح للأتراك بتنفيذ عملية “نبع السلام”؛ يبدو أن الإدارة الحالية تعزز وجودها، وقد بدأت عهدها بإعادة تعيين عدد من المسؤولين الذي كانوا رافضين للانسحاب الجزئي الأمريكي في عهد ترامب، كإعادة تعيين بريت ماكغورك منسقاً عاماً للشرق الأوسط، وهو من أشد المناصرين لتسليح “قسد” و في عهده نشأت “قوات سوريا الديمقراطية” وظهر أكثر من مرة يعطي جوائز لعناصر وقادة في مليشيا “قسد”[22]، قبل أن يستقيل أثناء انسحاب التحالف الدولي جزئياً من بعض المناطق شمال شرق سوريا بأوامر من الرئيس الأمريكي السابق[23].

وفي محاولةٍ لامتصاص نقمة أنقرة بعد تفجير إسطنبول الأخير حاولت الإدارة الأمريكية الحالية إرضاء تركيا بغضّ الطرف مؤقتاً عن الهجمات الجوية التي شنّتها في العمق ضد مليشيا “قسد”[24]؛ ولذا فإن العمليات الجوية تصاعدت ضد “قسد” بعد أيام من هجوم إسطنبول[25]، لكنّ وتيرة الهجمات تضاءلت بعد ذلك بشكل كبير، وبات معظمها عبر القصف المدفعي والصاروخي على خطوط التماس، وهذا النوع من الهجمات اعتادت عليه “قسد” منذ سنوات؛ ولذا فإنه لا يُؤرّقها بقدر ما تُؤرّقها عمليات الطيران المسيّر التركي في عمق مناطقها، ما دفعها أكثر من مرة لمناشدة التحالف الدولي للتدخل لوقف ذلك النوع من الهجمات بحجة أنه يؤثر في الحرب على تنظيم داعش، لاسيما وأن “قسد” تهدّد بورقة هروب خلايا التنظيم من مخيم الهول وغيره، في أسلوبٍ سبق أن استخدمته لتأليب التحالف الدولي ضد العمليات التركية[26].

قانون مكافحة مخدرات نظام الأسد:

بالتزامن مع الحراك على الأرض شمال شرق سوريا نشطت الولايات المتحدة الأمريكية في مساعي الحدّ من أنشطة تجارة مخدرات نظام الأسد بعدما باتت تُشكّل مصدر تهديد عالمي إثر ارتفاع مستوى الإنتاج والتصدير من قبل نظام الأسد؛ ولذا فإنَّ واشنطن ضمّنت الحراك ضد مخدرات نظام الأسد في ميزانية الدفاع لعام 2023، إذ يهدف القانون الأمريكي الجديد إلى مواجهة تجارة المخدرات -وأبرزها مادة الكبتاغون- التي يقوم نظام الأسد بتهريبها إلى بقية دول العالم. ويرى محلّلون أن القانون ذو بُعد دولي؛ فهو لا ينحصر ضمن سياق الضغط على نظام الأسد بقدر ما يسعى إلى معالجة مخاوف حقيقية للحدّ من خروج تجارة الكبتاغون عن السيطرة، بعدما تحوّلت إلى سلاح بيد الأسد ضد العقوبات الدولية ومصدر أساسي في التمويل[27]، حتى إن بعض الصحف الفرنسية وصفت رأس النظام بأنه “إمبراطور تجارة المخدرات في الشرق الأوسط”[28]، كما أن أحد النواب في الكونغرس قال: “إن سوريا تحولت إلى دولة مخدرات بسبب نظام الأسد”، مشيراً إلى أن “الكبتاغون وصل بالفعل إلى أوروبا؛ وهي مسألة وقت فقط حتى يصل إلى شواطئ الولايات المتحدة[29]“. كما أن القرار يأتي متسقاً مع المناخ الدولي وموقف الولايات المتحدة التي تقوم بالضغط على روسيا بشأن أوكرانيا، وعلى إيران بسبب تعنّتها في موضوع الاتفاق النووي ورفعها نسبة تخصيب اليورانيوم[30].

 ومما يجعل للقانون أهمية كبيرة خاصة في هذا التوقيت أن قيمة صادرات المخدرات بالنسبة لنظام الأسد تجاوزت الصادرات القانونية لسوريا حسب صحيفة “نيويورك تايمز”[31]؛ إذ أكدت في تقرير أن الحرب التي شنّها نظام الأسد منذ عام 2011 تركت النخب العسكرية والسياسية تبحث عن طرق جديدة لكسب العملة الصعبة والالتفاف على العقوبات الأمريكية، مشيرة إلى أن حجم اقتصاد المخدرات في سوريا يُقدّر بـ 16 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 3 أضعاف ميزانية حكومة نظام الأسد لعام 2022، فيما خلصت تحليلات أفاد بها مركز التحليلات العملياتية والأبحاث (COAR) إلى أن أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صادرت ما لا يقل عن 173مليون حبة كبتاغون و12.1 طن من الحشيش المصدرة من سوريا عام 2020[32]، مقدِّراً القيمة السوقية لهذه الكمية المصادرة بما يقارب 3.46 مليار دولار[33].

وعلى الرغم من إقرار القانون فإنه ليس من المفيد الإفراط في التفاؤل بنتائجه، لاسيما وأنه لم تُعرف بعد الطريقة التي سيتمّ بها مكافحة مخدرات الأسد، في ظل الانتشار الكبير لشبكات التصنيع داخل مناطق سيطرته، كما أن إشكاليات أي قانون دائماً ما تكون في طريقة التطبيق، لاسيما وأن نظام الأسد تكيّف مع التهرب من العقوبات طوال الأعوام الماضية. فحتى قانون قيصر الذي أصدرته الولايات المتحدة عام 2020 لا يبدو أنه يُطبّق بانتظام؛ إذ إن هناك خروقات وتوجّهات من قبل بعض الدول في الانفتاح على نظام الأسد، وهنا يشير بعض المراقبين إلى أن بعض تلك الخروقات تأتي بغضِّ طرفٍ وموافقةٍ أمريكية، وهذا ما يمكن أن ينطبق على الحالة الأردنية على سبيل المثال؛ فالملك الأردني سعى إلى إعادة نظام الأسد للجامعة العربية ورفع العقوبات عنه متوجّهاً إلى الولايات المتحدة بخريطة طريق للحل بسوريا[34]، وهو أمر تتفهمه واشنطن لأن الأردن يعاني من مشاكل اقتصادية ويسعى إلى الحد من تهريب المخدرات انطلاقاً من سوريا[35]. ولذا فإن إقرار القانون الجديد حول محاربة الكبتاغون قد يكون متضمناً معالجة مخاوف الدول الحليفة للولايات المتحدة، مثل الأردن الذي عانى كثيراً من تنامي نشاط تهريب المخدرات انطلاقاً من الجنوب السوري، وهي حالة لم تكن موجودة قبل اتفاق “التسوية” الذي أدى لسيطرة نظام الأسد والمليشيات الإيرانية على المنطقة[36]، ومكّنها من إنشاء نقاط لتهريب المخدرات وإرهاق الأردن بعمليات متكررة، إذ يعلن الجيش الأردني بشكل شهري عن إحباط عدة محاولات تهريب.

الخاتمة:

من محاربة داعش، إلى التصلُّب أمام أيّة عملية تركية في شمال سوريا والحفاظ على بُنية “قسد” والتمسك بمناطق نفوذها شرق الفرات، وصولاً إلى إصدار قانون جديد لمكافحة مخدرات نظام الأسد؛ كلّها عناوين رئيسة ختمت بها الولايات المتحدة الأمريكية العام 2022 لتزيد من حضورها في قضايا تهمّها في الملف السوري، في وقتٍ بدا فيه دورها فاتراً بقضايا أخرى لا تبدو ذات أولوية، مثل تطبيق الحل السياسي في سوريا الذي استحوذت عليه روسيا فيما يُعرف بمباحثات اللجنة الدستورية، مع تهميش كامل لتطبيق الحل السياسي وفق القرار 2254 المتضمّن عملية انتقالية.

ويبدو أن تركيا استشعرت التمسك الأمريكي بشكل أكبر بـ”قسد”، خاصة مع وجود الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض؛ ولذا فإن أنقرة سارعت إلى فتح قنوات التطبيع مع نظام الأسد بوساطة روسية، مدفوعة بعدد من الدوافع الانتخابية داخلياً وتعقيدات المشهد خارجياً[37]، وهو مما سيصعب تحقيق نتائج فيه استناداً لجملة من العوامل الموضوعية[38].

لمشاركة التقرير:

https://sydialogue.org/uxow


[4] من الجدير ذكره أن هذه العملية ليست الأولى للتحالف الدولي ضمن مناطق النفوذ التركي وإدلب؛ فقد شنّ العديد من العمليات خلال السنوات الماضية، لكن توقيت عملية الباب الأخيرة يأتي ضمن سياق تكثيف الهجمات ضد داعش في شمال سوريا عموماً.
[9] تجدر الإشارة إلى ملامح زيادة اهتمام أمريكي في الجنوب السوري، لاسيما مع إعلان الولايات المتحدة عن مقتل زعيم “داعش” على يد فصائل للجيش الحرّ، والتقارير التي تحدثت عن تسليم جثته للأمريكان. يمكن الاطلاع على الموضوع بمراجعة تقريرنا السابق:
[11] بحسب مصدر  سياسي مطلع مقرب من المعارضة السورية، فإن النفوذ السياسي في منبج ما زال للولايات المتحدة؛ لأنها هي التي دعمت “قسد” للسيطرة عليها، على عكس تل رفعت؛ حيث لا علاقة للولايات المتحدة بها، ومَن يسيطر عليها لا ينتمي إلى “قسد” فقط، وإنما إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. مع ذلك يرى المصدر أن الولايات المتحدة ستكون متأنية في العودة إلى منبج تحديداً، ورجّح أن تتم العودة في حال حدوثها بالتنسيق مع الأتراك، وربما في تجديد لخريطة طريق منبج التي وقّعها الأتراك مع الأمريكان سابقاً ولم يتم تنفيذها.
من مقابلة مع المصدر في شهر كانون الأول 2022.
[21] كثيراً ما تعرضت “قسد” للابتزاز من قبل الروس عند أي تهديد تركي بشنّ عملية جديدة ضد مناطقها، وهو ما تعترف به “قسد” نفسها؛ ففي وقت سابق اتهم ما يُسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” الذراع السياسي لـ”قسد” روسيا بأنها “تبتزّ قسد للحصول على تنازلات من تحت الطاولة”، وذلك ضمن مساعي روسيا لتحصيل مكاسب ميدانية واقتصادية من “قسد” مستغلة التهديدات التركية بشنّ هجمات برية ضدها، يُنظر: “مسد” تهتم روسيا بابتزاز “قسد” للحصول على تنازلات من تحت الطاولة، تلفزيون سوريا، 5/3/2021، وابتزاز روسي لـ”قوات سورية الديمقراطية” في عين عيسى، العربي الجديد، 22/12/2022.
[24] أصدر مركز الحوار السوري مؤخراً ورقة تطرق فيها إلى توسع الهوامش التركية في الشمال السوري بعد تفجير إسطنبول. للاطلاع على الورقة يُنظر: العملية العسكرية التركية في سوريا: توسيع تدريجي للهوامش التركية وسط تعقيدات الفاعلين.
[33] أصدر مركز الحوار السوري في وقت سابق تقريراً حول نشر النظام المخدرات بشكل كبير وتحويله سوريا من نقطة عبور إلى مركز إنتاج وتصنيع للمخدرات، كما تطرّق التقرير إلى انعكاسات هذا التحول على الاقتصاد وعلى بنية المجتمع السوري وعلاقاته، واستشراف الآثار المستقبلية المتوقعة لهذا التحول على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. يُنظر: تجارة المخدرات في سوريا؛ ورقةٌ لإعادة تدوير نظام الأسد.
[35] حاول الأردن بتقاربه مع نظام الأسد الحد من عمليات تهريب المخدرات وضبط الحدود، لكن هذا الأمر انقلب عليه تماماً؛ إذ إن النظام قد سهّل عمليات تهريب المخدرات، وجعل الأردن منطلقه الأساسي في تصدير المخدرات إلى دول الخليج، ولذلك فإنه لم يعد يمرّ أسبوع دون أن تحبط السلطات الأردنية تهريب كميات من المخدرات.
[37] كنا قد سلّطنا الضوء على دوافع أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد في ورقة سابقة؛ يُنظر: دوافع الانفتاح التركي على نظام الأسد ومآلاته، مركز الحوار السوري، 3/10/2022.
[38] أصدر مركز الحوار السوري تقريراً تطرق فيه إلى جملة من العوامل التي تجعل من الرهان التركي على نظام الأسد في تطهير الحدود من “قسد” رهاناً خاسراً؛ يمكن الاطلاع على التقرير: تقارُب أنقرة ونظام الأسد؛ عواملُ فشلٍ لا تُلغي فُرَص التقدُّم، مركز الحوار السوري، 9/11/2022.

باحث ومستشار، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،

مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى