الأبحاث والدراساتالإصداراتوحدة الهوية المشتركة والتوافق

الحقوق والحريات: بين الرفض المحمَّل بتبعات ازدواجية المعايير والتشبُّث نتيجة الحاجة الفردية والمجتمعية

تقرير صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري

مقدمة:

شهد المجال العام نقاشاً واسعاً في الآونة الأخيرة حول قضية القانون الدولي وجدواه عموماً، وحول قضايا الحقوق والحريات خصوصاً، تبعاً للموجة الجديدة التي يمكن وصفها بالأشدّ من الانتهاكات في سوريا وأوكرانيا وغزّة؛ حيث طغى توجُّه عام سلبيّ تجاه هذه المنظومة ومَن ينادي بتطبيقها، واعتبار التمسك والدفاع عن هذه القيم نوعاً من المثالية المحضة الحالمة -إن صح التعبير- في واقعٍ يقوم على منطق القوة وسطوة الآلة العسكرية وازدواجية المعايير، خاصة من القوى العظمى.

لم تقتصر هذه النظرة السلبية على الشريحة الشعبية؛ إذ تجاوزت ذلك إلى بعض المختصين في القانون الدولي[1]، ووجد كثيرون من أنصار الاستبداد والقمع في المنطقة العربية هذه الموجة العارمة من الإحباط فرصةً للهجوم على حقوق الإنسان والمدافعين عنها؛ استغلالاً للمزاج العام في إعادة الترويج للاستبداد ومنطق القوة المجرد من الأخلاق.

وبما أن الحقوق والحريات – بوصفها منظومةَ قيمٍ إنسانيةٍ – ليست منتجاً آنيّاً ولا أيدلوجيّاً خاصاً بفئة أو شعبٍ محددٍ أو حضارةٍ معينةٍ فالواجب ألا تسمح مختلف الظروف الحالية بالخلط بين المبدأ وتطبيقه، أو بين القيم المجردة وتوظيفها سياسياً؛ إذ إن الحقوق والحريات تمثل حياة أي فرد، ومن دونها يصبح سجيناً غير قادر على أداء دوره ورسالته في الحياة[2].

من جانب آخر فإن الإرث الإنساني والحضارات المتلاحقة التي أسهمت في تطوير منظومة الحقوق والحريات كالحق في الحرية لطالما شهد تطبيقات مشوهة باسم الحريات، دون أن تقف مسيرة الفكر البشري والنضال الإنساني عن التمسك بها وتطويرها وإنضاجها. فعلى سبيل المثال: يذكر التاريخ أن “مدام رولان” وهي بين أعواد المقصلة قالت قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تلك العبارة الشهيرة: “أيتها الحرية كم من الجرائم تُرتكب باسمك”[3].

من هنا فإن هذا التقرير التحليلي يسعى للإجابة عن عدة أسئلة محورية، أهمها:

  • هل إشكالية تطبيق قواعد القانون الدولي عموماً والقواعد الخاصة بحقوق الإنسان خصوصاً تتطلب إعادة النظر في وجودها؟
  • في ظل وجود ازدواجية المعايير هل يُفترض بالشعوب أن تنتقد منظومة الحقوق والحريات ذاتها لأنها فشلت في حماية الشعوب المستضعفة؟
  • ما الفائدة من هذه الحقوق إذا كانت حبراً على ورق ومجرد أداة سياسية بيد الدول؛ تستخدمها وفق مصالحها بعيداً عن أي معيار أخلاقي أو قيمي؟
  • هل ثمة مصلحة في تأييد منظومة الحقوق والحريات حتى ولو كان تطبيقها يخضع لتوازنات القوة ومصالح الدول؟

بناء على ذلك، سيكون تركيز التقرير على مناقشة منظومة الحقوق والحريات من زاوية المصلحة التي يحققها وجود هذه المنظومة باعتبارها منتج بشري تراكمي ساهمت فيه مختلف الحضارات، وتمثل واقعاً يتم التحاكم إليه على الرغم من الخلل الذي يشوب تطبيقها، وبالتالي لن يناقش التقرير مضمون المنظومة ذاتها ومدى عدالتها وصوابيتها، وكذلك لن يتعرض للنقاط المرتبطة بمصدريتها “العقل أو الوحي”، فتلك قضايا أخرى لا يتسع قالب المقال لمناقشتها.

ينقسم التقرير ثلاث فقرات رئيسة؛ نستعرض في الأولى المسار التراكمي لحقوق الإنسان وحالة المزج بين السياسي والحقوقي في الممارسات وإشكالية الإلزام، ونستعرض في الفقرة الثانية أوجه تسييس حقوق الإنسان عبر استحضار نماذج رئيسة، ونُفرد الفقرة الأخيرة للإجابة عن تساؤلات حول الحاجة الإنسانية لوجود منظومة حقوق الإنسان وإعمالها.

أولاً: حقوق الإنسان؛ المسار التراكمي وإشكالية الإلزام

على الرغم من أن منظومة حقوق الإنسان تُعد إحدى سمات الواقع الدولي والقانوني في العصر الحديث، إلا أنها ليست وليدته تماماً؛ إذ إن مسار هذه الحقوق كان متراكماً من أجل تحرر الإنسان وكرامته[4]، فهذه المنظومة لم تنشأ دفعة واحدة، أو تأتي بقرار دولة أو مجموعة من الدول[5]؛ إذ يمكن تتبع الأصول الفكرية والفلسفية لهذه الحقوق منذ لحظة تبلور المجتمعات الإنسانية[6].

بعد هذا المسار التراكمي ترسخت حقوق الإنسان في القانون الدولي من خلال الاتفاقات الدولية المتلاحقة، ومن أهمها: الإعلان العالمي، والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق، التي رسخت مبادئ عامة أهمها أصالة الحقوق والحريات، وأنها تُطبق على جميع البشر ضمن مبدأ المساواة، بغضّ النظر عن الجنس أو اللون.. إلخ[7]. وأصبحت الدول من حيث النص مُلزَمة باحترام هذه الحقوق وكفالتها، فيما بات يُعرف بمبدأ “حماية القانون الدولي للحقوق الأساسية”[8].

من ناحية التطبيق وبما أن حقوق الإنسان بصفتها قواعد قانونية دولية تحوز من حيث المبدأ على قوة الإلزام ذاتها التي تحوزها قواعد القانون الدولي المختلفة، وعلى الدول واجب الامتثال للاتفاقات التي صادقت عليها كأحكام كالعهدَين الدوليين[9]؛ فإن إشكاليات ضمان احترامها ترتبط بإشكالية القانون الدولي العام ذاته، فمع غياب جهاز دولي أعلى يفرض احترام القاعدة القانونية الدولية أو يستطيع تفعيل القواعد الدولية فإن الواقع الدولي يُظهر تجاوز أحكام القانون الدولي وانتهاكها، بما في ذلك أحكام محكمة العدل الدولية أو المؤسسات الدولية الأخرى[10]، فضلاً عن ارتباط الدور الذي يمارسه مجلس الأمن الدولي بالإرادة السياسية لدوله دائمة العضوية[11]. بهذا المعنى باتت منظومة حقوق الإنسان تُستخدم أداة في العلاقات الدولية من قبل الدول الكبرى، وأصبح يُرى أن الهدف من ذلك هو ضمان المصالح الغربيّة في إطار العولمة الثقافيّة[12].

برزت هذه الازدواجية في المعايير عند تطبيق قواعد القانون الدولي العام، وعلى وجه الخصوص قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان في مناسبات عديدة، في مقدمتها محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت حدثاً غير مسبوق في الـمُساءلة الجنائية عن الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ إذ حمل الجانب المهزوم جميع الجرائم، في حين لم تتعرض الولايات المتحدة للمُساءلة عن المجزرة النووية، وهو ما ينطبق على الحلفاء كافة[13]، وهو الأمر الذي استمر في محطات وقضايا كثيرة لاحقاً.

بناءً على هذا الواقع، توجهت بعض المدارس الفكرية -وفي مقدمتها المدرسة الواقعية- للنظر إلى القانون الدولي العام ككل بوصفه “أخلاقيات”، وليس قانوناً بالمعنى الحرفي، معتبرين أن القوة والمصلحة الذاتيّة هي الأساس الذي يحكم تصرفات الدول في الساحة الدولية[14]. ولعل هذه المدارس بهذا التفسير ذهبت لمسايرة الواقع وشرعنته أكثر من سعيها لمدافعته ومحاولة تغييره.  ومع ذلك ثمّة آراء عديدة تدعو لضرورة النظر إلى قواعد القانون الدولي بوصفه “ظاهرة حدودية بين القانون والسياسة”[15]، وأن القانون الدولي بطبيعته يحتاج إلى التجديد في بناء قواعده خصوصاً ما يرتبط منها بآليات التنفيذ والإلزام ليصبح أكثر فعالية ودقة[16].

ثانياً: ازدواجية المعايير؛ الوجه المسيَّس لحقوق الإنسان

لطالما أثارت قضية المعايير المزدوجة في تطبيق قواعد حقوق الإنسان -خاصة في سياق النزاعات والحروب- اعتراض النشطاء والمنظمات الحقوقية[17]؛ ففي حين يتم التصريح بالتزام بحقوق الإنسان تجاه قضايا معينة يتم تجاهلها في أماكن أخرى، وهو ما يعود إلى سلسلة من العوامل تتعلق بالمصالح الإقليمية والتحالفات والمصالح الاقتصادية والتجارية وبعض الديناميات الداخلية؛ رغم أن معظم الوثائق الدولية أكدت ضرورة الالتزام بتطبيق هذه القواعد نصّاً وروحاً[18]. ويمكن للمواقف المختلفة للقوى الدولية الكبرى في آخر ثلاثة نزاعات مسلحة شهدها العالم -سوريا، أوكرانيا، غزة- أن توضّح تلك الازدواجية.

1- ازدواجية المعايير الروسية إزاء الملفَّين السوري والفلسطيني:

تبرز ازدواجية المعايير بوضوح في الموقف الروسي من الحرب التي بدأها نظام الأسد ضد السوريين، ومن الهجمات “الإسرائيلية” ضد قطاع غزّة؛ ففي الأولى شاركت روسيا بفعالية إلى جانب نظام الأسد واستخدمت حق النقض الفيتو أكثر من 18 مرة لمنع وقف إطلاق النار وتمديد إدخال المساعدات[19]. في المقابل أظهرت سرعة في صياغة مشروع قرار بالتعاون مع الصين لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات إلى غزّة؛ ولعل لهذا الموقف ارتباطاً بموقف الغرب من حرب روسيا على أوكرانيا وتقديمه كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي للحكومة الأوكرانية لإفشال مخطط موسكو[20].

في سوريا شنّت روسيا سلسلة من الهجمات دمّرت فيها مستشفيات ميدانية[21] ومدارس وبنى تحتية أساسية[22] أدت إلى خروج بعضها عن الخدمة بشكل كامل مع مقتل العديد من الأشخاص[23]، والأمر ذاته فعلتْه في أوكرانيا عندما استهدفت على سبيل المثال مشفى التوليد في ماريوبول[24]. ولكن حينما يتعلق الأمر بما يجري في غزّة والعمليات “الإسرائيلية” المدعومة غربياً فإن الرئيس الروسي خرج لإدانة استهداف أحد المستشفيات في القطاع، ووصف ما يجري بالمأساة والكارثة الإنسانية المروعة[25].

كذلك أسهمت روسيا بشكل رئيسي في هندسة عمليات التهجير القسري للسوريين من مدنهم وقراهم في حلب والغوطة الشرقية وحمص ودرعا وغيرها[26]، اعتمادا على سياسية الحصار والتدمير الشامل، وشرّعت كل ذلك بحجة “إعادة الأمن وإخراج المسلحين”[27]. وفي المقابل عبّرت روسيا عن موقفها الرافض لخطة تهجير أبناء قطاع غزّة[28].

ولعل النقطة الجوهرية في الموقف الروسي تجاه الملف السوري أن موسكو أرادت التذكير بأنها قوة عظمى؛ تدافع عن حلفائها ولا تسمح للغرب بتغيير الأنظمة الموالية لها، فضلاً عن سعيها لضمان مصالحها بالقرب من المياه الدافئة. أما في غزّة ونتيجة اتساع هوّة الخلاف بين الروس والغرب فإن موسكو تعتقد أن الحرب في غزّة مناسبة لتحميل الغرب مسؤولية ما يجري، ولتشتيت الانتباه عن أوكرانيا.

الموقف الروسي
الملف السوري
الملف الفلسطيني (غزّة)
وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات
استخدام حق النقض “الفيتو” أكثر من 18 مرة.
صياغة مشروع قرار لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.
قصف المستشفيات والبنى التحتية
شاركت في استهداف المستشفيات وتدمير البنى التحتية من مدارس وطرق ومؤسسات خدمية.
أدانت استهداف مستشفى المعمداني، ووصف الرئيس بوتين الحادثة بـ”المأساة والكارثة المروّعة”.
حصار المدنيين وتهجيرهم
رعت روسيا معظم اتفاقيات التهجير القسري للسوريين من مدنهم وقراهم.
رفضت خطة تهجير الفلسطينيين، وحذّرت من عواقب وخيمة في حال تنفيذها.
جدول (1) يقارن الموقف الروسي في الملفين السوري والفلسطيني

2- ازدواجية المعايير الغربية إزاء الملفَّين الأوكراني والفلسطيني:

أبدت الدول الغربية عموماً خلال السنوات السابقة -من ناحية التصريحات بشكل رئيسي- موقفاً مناهضاً لانتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها الشعب السوري؛ إذ كان لمعظمها تصريحات متسقة مع مبادئ حقوق الإنسان. بالمقابل، وإن ظهر الموقف ذاته إبان الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن الدعم لم يكن على مستوى التصريحات فحسب، بل أخذ صيغة عملية واضحة. لتنقلب هذه المواقف رأساً على عقب في الملف الفلسطيني والتطورات التي شهدها قطاع غزّة عقب عملية “طوفان الأقصى”؛ إذ شكّل التعاطي الغربي -خاصة الأمريكي- مع ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان تكراراً لحالة ازدواجية المعايير.

 بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قدّمت الولايات المتحدة يوم 25/شباط 2022 مشروع قرار للتصويت عليه في مجلس الأمن يتضمن فرض مجموعة إجراءات وعقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وقد ضم المشروع جملة من المفردات، مثل: توقف موسكو فوراً عن استخدام القوة، وسحب قواتها، وتسهيل وصول المساعدة الإنسانية وحماية المدنيين، وإدانة جميع انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان. كما أطلق القادة الغربيون جملة توصيفات بحق الرئيس الروسي مثل وصفه بالجزّار[29]. ولكن عند النظر إلى الحالة الفلسطينية فإن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو في إفشال مشروع يدعو لوقف إطلاق النار في غزّة وإدخال المساعدات[30].

باستحضار نموذج الاعتداء على الأعيان المحمية[31]، فقد اختلف الموقف كلياً بين حالة استهداف روسيا مشفى ماريوبول الأوكراني؛ إذ استدعت إعلان الرئيس جو بايدن عن دعم العالم لأوكرانيا وتحميل روسيا المسؤولية والتهديد بفرض عقوبات باهظة[32]، وحالة استهداف “إسرائيل” مشفى المعمداني وما تبعه من استهداف واضح للمستشفيات المختلفة في قطاع غزة؛ فقد عمدت الإدارة الأمريكية لتبرئة “إسرائيل”، وتحميل الضحية مسؤولية الاستهداف[33].

الموقف الغربي (الأمريكي)
الملف الأوكراني
الملف الفلسطيني (غزّة)
وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات
  • صياغة مشروع قرار لإدانة الغزو الروسي.
  • فرض عقوبات على موسكو وإدخال المساعدات العاجلة.
  • إطلاق توصيفات بحق بوتين كـ “الجزّار”.
  • استخدام حق النقض الفيتو لإفشال مشروع يدعو لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.
  • تأكيد عدم السماح لمجلس الأمن بلوم “إسرائيل”.
قصف المستشفيات والبنية التحتية
  • تحميل روسيا مسؤولية استهداف المستشفيات.
  • دعوة العالم للاتحاد ضد بوتين.
  • اتخاذ موقف أقل حزماً ومحاولة إبعاد التهمة عن “إسرائيل”.
  • اتهام الطرف الثاني “الفصائل الفلسطينية” باستهداف مشفى في مناطق سيطرتهم.
حصار المدنيين وتهجيرهم
  • اتهام بوتين بمحاولة القضاء على فكرة أن يكون المرء أوكرانياً.
  • وصف ما يجري في أوكرانيا بـ”الإبادة الجماعية”.
  • عدم التعليق على فكرة التهجير وتوجيه طمأنة إلى مصر أن واشنطن لا تدعم الترحيل الجماعي.
  • رفض بايدن التعليق على سؤال حول ما يجري في غزة بأنه “إبادة جماعية”.

جدول (2) يقارن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في الملفّين الأوكراني والفلسطيني

ثالثاً: حقوق الإنسان؛ بين الدعاية السلطوية والحاجة البشرية والمجتمعية:

رغم فظاعة ما نشاهده اليوم في غزّة من انتهاك مستمر لأبسط حقوق الإنسان، بما في ذلك حقه في الوصول إلى الغذاء والماء، وقبل كل ذلك حقه في الحياة، وفي ظل ازدواجية المعايير الفاقعة التي تطبقها الأنظمة التي تتبجح دوماً بـ”تقديس حقوق الفرد وحرياته” يطرح بعضهم ولو بينهم وبين أنفسهم السؤال الآتي: ما الفائدة من هذه الحقوق إذا كانت حبراً على ورق ومجرد أداة سياسية بيد الدول تستخدمها وفق مصالحها بعيداً عن أي معيار أخلاقي أو قيمي؟

تتطلب الإجابة عن هذا التساؤل تقسيمه شقَّين: الأول مرتبط بمنظومة الحقوق والحريات ذاتها من حيث فائدتها والمصلحة من وجودها، والثاني له علاقة بآليات تنفيذها وتطبيقها.

1- مصلحة الأفراد في وجود منظومة الحقوق والحريات:

من حيث الأهمية يُفترض أن يحظى موضوع الحقوق والحريات العام باهتمام كل فرد من أفراد المجتمع، وهو ما لا ينطبق على موضوع السلطة؛ لأن الأخيرة وما يدور حولها من صراعات لا تهم إلا طبقة محدودة في جميع الأنظمة، فالسلطة بطبيعتها “فئوية” تقع بين بأيدي قلة من أفراد المجتمع، ومن ثم يظل المواطن العادي منصرفاً عنها نهائياً أو متفرجاً عليها دون اكتراث، أو معلقاً على ما يدور حولها من أحداث. أما الحريات العامة فتهم المواطن العادي، وهي تمسّ حياته اليومية، وتؤثّر في سعادته الشخصية بشكل مباشر[34].

كذلك يُفترض النظر إلى الحقوق الدستورية وحقوق الإنسان على أنها ليست من صنع القانون، ولكنها قانونية كمؤسسة اجتماعية، وكأداة لحماية المجتمع ذاتياً؛ ولذا فإن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان -من منظور اجتماعي بحسب تعبير لومان- “سابقة ومتفوقة أخلاقياً على المجتمع والدولة، باعتبار أن نقطة بدايتها هو الإنسان نفسه”[35].

وفيما يتعلق بالفائدة والمصلحة الناجمة عن مجرد وجود نصوص قانونية أو منظومة الحقوق والحريات فإن هذا الأمر يرتبط بالمصلحة من وجود القانون ذاته؛ فوجود نص قانوني ينصّ على الحق والحرية يعني وجود معيار يمكن أن يُحتكم إليه، وسيكون هو ذاته المقياس الذي يُقاس به مدى تمتُّع الفرد بحقوقه وحرياته من جهة، ومدى التزام السلطة به من جهة أخرى على اعتبار أنه بالأساس يفرض التزامات وواجبات عليها بالدرجة الأولى.

كذلك، فإن وجود المنظومة حتى ولو أسيء تطبيقها من خلال ازدواجية المعايير التي تناولناها سابقاً، تشكل منطلقاً للتدافع مع السلطات والضغط عليها سواء من قبل الرأي العام أو حتى تيارات (و/أو مؤسسات) داخل السلطة نفسها، وهو ما حصل على سبيل المثال مؤخراً، عندما رفضت شرطة لندن توجيهات وزيرة الداخلية بمنع المظاهرات المؤيدة لغزة[36]، حيث انتهى هذا الجدال والتدافع بإقالتها[37].

لنتخيل أن مجتمعاً لا قانون فيه، ولا وجود فيه لأي حق أو حرية فهذا يعني أننا أمام “مجتمع الغابة”؛ لا حق لك في التملك ولا حق لك التحرك …إلخ، فيصبح المعيار في تحصيل الفرد مكاسبه مستنداً إلى قوته، وقوته فقط، وإن لم يحصّل الفرد أي مكسب فهذا أمر طبيعي؛ لأن المعيار السائد هنا هو: “معيار القوة”.

لعل البعض يعترض هنا ويقول: أليس هذا الواقع حالياً من جهة سيادة “قانون القوة”؟

لتأتي الإجابة: إن تشابُه النتيجة لا يعني تشابه الحكم الأخلاقي والقيمي والقانوني وكذلك إمكانية المحاسبة وفرصها لاحقاً، وهذان فارقان مهمان؛ فالشخص الذي يعتدي على الآخرين في حالة وجود معيار الحق يُسمى معتدياً، وإن أفلت من العقاب. أما في حالة “معيار القوة” فهو صاحب حق، ولا إثم عليه، كذلك في الحالة الأولى يمكن أن تكون هنالك فرص للمحاسبة مستقبلاً إذا تغيرت الظروف وربما يفلت مجرم من العقاب وآخر لا يفلت، بينما في الحالة الثانية، لا توجد إمكانية للمحاسبة والجميع غير مجّرّم، وشتان بين الأمرين . ومن نافلة القول في هذا السياق: إن حالة فقدان المنظومة أو المعايير أو القوانين هي حالة متخيلة غير موجودة أساساً، وتنحدر بالمجتمع البشري مبدئياً إلى درجة “مجتمع الغابة”، وبالتالي يفترض السعي للاستفادة من وجودها من خلال الحشد والتدافع بما يساعد على توفير آليات أكثر عدالة لتطبيقها.

توفر حقوق الإنسان معياراً عالمياً يُخضع الحكومات للمُساءلة؛ فحينما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان له غرض مزدوج: توفير مبادئ توجيهية للمستقبل، وإجبار العالم على الاعتراف بأن حقوق الإنسان قد انتُهكت على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية. ومع وجود معيار لما هو حق من حقوق الإنسان يمكن مُساءلة الحكومات عن أفعالها، وإتاحة مساحة مفتوحة لتحديد الانتهاكات والظلم الذي يتعرض له الأفراد والشعوب بشكل عام، والضغط عبر الرأي العام والمنظمات غير الحكومية لمعاقبة مرتكبيها وتعريتهم أخلاقياً على أقل تقدير[38].

ثمّة إشكالية أخرى تتجاوز أحياناً وجود المعيار أو الحق، وترتبط بعدالة الحق أو بالمعيار ذاته، وفي هذه الحالة نكون أمام معيار سيئ أو غير عادل، ولعل ذلك ما حصل في مرحلة تاريخية قديمة، فعلى سبيل المثال: في الديمقراطية اليونانية القديمة كانت سلطة الدولة إزاء حقوق الأفراد مطلقة بلا حدود بنصّ القانون، بل إنها كانت سلطة استبدادية؛ إذ كان تصرف الدولة إزاءه مجرد تطبيق أو تنفيذ لقاعدة عامة وُضعت لجميع الأفراد، أي دون تمييز بين الأفراد، فمثلاً: كانت طبقة المواطنين الأحرار -وهي الطبقة الأقل عدداً- تتمتع بنص القانون بحق التملك والتصرف والمشاركة في الحكم، في حين كانت تُحرم بقية فئات المجتمع جزئياً أو كلياً من هذه الحقوق، وبذلك كان تعريف الحرية كما يقول العميد ديجي مشتقاً من المساواة[39]. بمعنى آخر: كانت هنالك إشكالية في المعيار أو في القانون ذاته. حتى في هذه الحالة لا يفقد الفرد مصلحته في وجود هذه المنظومة طالما أنها تحقق له ولو مصلحة جزئية في بعض النصوص، وإن كان يُفترض ألا يمنعه هذا من السعي نحو تعديلها وتغييرها.

ولعل من المناسب هنا التذكير أن الباحثين والكتّاب يشيرون في إطار تقسيمهم للحقوق والحريات إلى أحد المعايير المهمة، ألا وهو: معيار المصلحة التي تحققها هذه الحقوق والحريات؛ إذ تنقسم إلى[40]:

  • حريات شخصية تحقق مساحة خاصة للفرد لا يحق للآخرين التدخل فيها أو اقتحامها، سواءٌ أكانوا أفراداً أو سلطة، مثل حق الانتقال وحرمة المسكن وحرية المواصلات والأمن الفردي.
  • وحريات تحقق مصلحة للجماعات باعتبارها منافساً فعالاً للدولة، مثل حق التجمع وتشكيل الأحزاب.
  • وحريات فكرية تضمن حرية التفكر والرأي والعقيدة، مثل حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التعليم.
  • وحريات اقتصادية وتجارية تحفظ للإنسان مصالحه الاقتصادية، مثل حق التملك وحرية التجارة والصناعة.

فالملاحظ هنا أن كل المصالح التي تحققها هذه المنظومة إنما ترتبط بالأفراد بصورة أساسية، ثم بالجماعات المدنية والأهلية بالمفهوم الواسع؛ فلا علاقة لها بمصالح السلطة، بل على العكس تمثل قيوداً عليها.

2- هل يمكن إيجاد آليات تحمي الحقوق والحريات خارج دائرة السلطة؟[41]

لا تكمن المصلحة العليا للأفراد في وجود منظومة الحقوق والحريات فحسب، وإنما في وجود آليات للتنفيذ والإلزام بها؛ فهنالك نصوص كثيرة على سبيل المثال تنصّ على ضرورة توفير الحصول على الدواء والغذاء والماء واللباس والمأوى لكل الأفراد، وعلى ضرورة أن يتمتع كل فرد بمستوى أساسي من الكرامة؛ إلا أن الوقع يشير إلى وجود الملايين من الأشخاص الذين لا يملكون هذه الضروريات، والأمر ذاته ينطبق على حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع وإنشاء الأحزاب والجمعيات.. إلخ.

على الرغم من أن مصلحة الأفراد في تطبيق منظومة الحقوق والحريات واضحة وبينة فإن الإشكالية كانت وما تزال هي: كيف نحميها ونطبقها -أو على الأقل نسهم في ذلك- بأدوات وآليات من خارج السلطة ومؤسساتها[42]، لاسيما وأن الأدبيات القانونية والدستورية غالباً ما تعيدنا إلى هذا المربع من خلال تأكيد ضمانات مثل سيادة القانون واستقلال القضاء ومبدأ المساواة وتقوية المجتمع المدني.. إلخ؛ وكلها أدوات ترتبط بصورة أو بأخرى بالسلطة ومؤسساتها، أي أن السلطة تصبح الخصم والحكم في الوقت نفسه، وما ينطبق على المستوى الداخلي ينطبق على المستوى الدولي من باب أولى؛ لاسيما وأن مثل هذه المؤسسات غير موجودة أصلاً.

لعل غالبية الأدبيات تشير في هذا الصدد إلى أدوار المجتمع المدني المستقلة المحلية والعالمية وكذلك المنظمات الدولية في تعزيز الحقوق والحريات، باعتبار الأولى “المجتمع المدني” حلقة الوصل بين الأفراد والسلطة، وأدوارها في مجال التحشيد والتوعية والتثقيف والمساءلة والشفافية، فهي عادة تلعب دوراً مكمّلاً ومساعداً في هذا المجال[43].

وكذلك يُشار في مجال تعزيز الحقوق والحريات إلى أدوار الأسرة؛ فهي نقطة البداية في هذا المجال من خلال دورها الرئيس في تربية الأجيال التي تقوم على الاحترام المتبادل والمراعاة، وإشاعة روح التفاوض والمصارحة وتكريس أفكار المطالبة بالحقوق ومنابذة المعتدين عليها في مختلف المساحات المتاحة في المدارس والنوادي ..إلخ، كما تقوم على القاعدة الفقهية الشهيرة “الأصل في الأشياء الإباحة”، مما يجعل حرية الطفل في اختياراته وتصرفاته ومواقفه هي الأصل[44].

خاتمة:

لعل ما نشهده اليوم من سيادة ازدواجية المعايير بخصوص الحقوق والحريات هو أزمة أعمق من أن تكون مرتبطة بمنظومة الحقوق والحريات فحسب، بل لعلها مرتبطة بأزمة الحداثة ذاتها التي أشار لها أكثر من باحث، خصوصاً ما يرتبط منها بفصل الأخلاقي عن القانوني التي تتجلى بسيادة معيار القوة “وما هو كائن”، وهو الأمر الذي تجاوزته البنية القانونية الإسلامية التي لم تعرف مثل هذا التفريق، وكان البعد الأخلاقي حاضراً فيها من غير فصل عن القانوني[45].

مع ذلك، فإن المنظومة على الرغم من السلبيات التي تعتري تطبيقها، ساهمت في حالات محددة، ولأسباب وتوازنات سياسية، في الاقتصاص من بعض المجرمين ومحاسبتهم، كما حصل تجاه الجرائم المرتكبة في كل من البوسنة والهرسك ورواندا وسيراليون وكمبوديا[46].

يشهد واقع تطبيق منظومة الحقوق والحريات في الشرق والغرب وفي بلادنا سلبيات ومفارقات غير قليلة؛ حتى إن وُجدت بعض الإيجــــابيات، وهذا مما يستنهض همم شعوب العالم لبذل مزيد من الجهد لتذويب الفوارق بين المنصوص عليه والمعمول به[47]، ويقود ذلك إلى ضرورة الفصل ما بين القيم المجردة التي تنبع من الحضارة الإنسانية وتسييس القيم والتلاعب بها.

بناءً عليه يُفترض ألا تتمثل ردة الفعل إزاء ازدواجية المعايير بازدراء منظومة الحقوق والحريات أياً كانت فلسفتها بقدر ما نسعى لكشف زيف آليات تطبيقها من جهة، وللحشد من أجل تغيير الأخيرة وتحسينها لأن الإنسانية تستحق واحدة أكثر عدالة مقترنة بمنطلقات أخلاقية راسخة من جهة أخرى؛ ففي هذا الميدان لابد من التفريق بين وجود منظومة الحقوق والحريات وعدالتها ذاتها وآليات تطبيقها؛ فالانتقادات المحقة لآليات التطبيق من جهة وعدالة المنظومة من جهة أخرى يجب ألا تطال أهمية وجود المنظومة ذاتها.

إلى جانب ما تقدم فإنه ثمّة مجموعة من الأسباب تجعل كل الإشكالات السابقة تزيد من أهمية التمسك بالحقوق والحريات، مع الوعي بالأساليب المرتبطة بالمصالح والأيديولوجيات، يأتي في مقدمتها:

  1. الحقوق والحريات نتاج تراكمي أسهمت فيه مختلف الحضارات البشرية؛ ففساد آليات تطبيقها في لحظة تاريخية معينة يُفترض ألا يُقابل بالتخلي عنها وطنياً ودولياً.
  2. أسهمت الشعوب العربية والإسلامية من خلال حضارتها بإنتاج قواعد أخلاقية وإنسانية في السلم والحرب، وهو ما يجعل التمسك بحقوق الإنسان تمسكاً بقيم ورؤى حضارية ويُسعى كذلك تقديمها للعالم بديلاً عن الواقع بفلسفتها وأدواتها المطورة.
  3. لطالما كان نضال الإنسان من أجل الحصول على حقوقه كالحق في الكرامة والمساواة والمحاكمة العادلة مرتبطاً بمصلحته الذاتية قبل كل شيء.
  4. مع الأخذ جدلاً بفرضية رفض الحقوق والحريات الأساسية فإن كل الجرائم كالإخفاء القسري واستخدام الأسلحة المحرمة ستصبح مشروعة، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من الألم والدماء.

[1] اعتذر البرفسور جميل حبيب من طلابه في الجامعة اللبنانية في منشور على منصة إكس قال فيه: “أعتذر من طلابي في الجامعة اللبنانية؛ لأنني كنت متشددًا في تدريس مقررات القانون الدولي، القانون الدولي الإنساني، ومنظمة الأمم المتحدة.. فبعد الجرائم الصهيونية في غزّة لم يعد هناك حاجة لتدريس هذه المقررات.. حق القوة سيد العالم”. حساب البرفسور حبيب على منصة إكس، 31/10/2023، شوهد في: 10/11/2023.
[2] د. عبد الكريم بكار، أساسيات في نظام الحكم في الإسلام، رؤية، دون تاريخ: ص75-76.
[3] د. عبد الحميد متولي، القيم والحريات العامة: نظرات في تطورها وضماناتها ومستقبلها، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1974: ص18.
[4] هناك تعريفات عديدة لحقوق الإنسان، منها تعريفات مؤسساتية كالتعريف الذي تقدمه المفوضية السامية لحقوق الإنسان وهو: “حقوق نتمتّع بها جميعنا لمجرّد أنّنا من البشر، ولا تمنحنا إيّاها أي دولة. وهذه الحقوق العالميّة متأصلة في جميع البشر مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني، أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر”. وتعريفات فقهية عديدة كتعريف المفكر جان بيكته بأنها: “الجزء من القانون الدولي الذي شكّله الإحساس بالإنسانية والذي يستهدف إلى حماية الفرد الإنساني”. وتعريف د. محمد المجذوب بأنها: “مجموعة الحقوق الطبيعة والتي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته، والتي تظل موجودة وإن لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى لو انتهكت من سلطة ما”.
يُنظر: عمر الكروش، التوظيف السياسي لمبادئ حقوق الإنسان 1991-2003 (الولايات المتحدة الأمريكية دراسة حالة)، جامعة الشرق الأوسط، آذار 2018: ص 29 وما بعدها، وماهي حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي، الموقع الرسمي.
[5] مع تأكيد أهمية اللحظة الفارقة التي تم فيها الإعلان عن الوثيقة الأهم في القانون الدولي، وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وأن مفاهيم حقوق الإنسان وغاياتها ومبادئها اختلفت من عصر إلى آخر.
[6] على سبيل المثال: أسهمت حضارات الهند وشرق آسيا من خلال تعاليم دينية في فكرة المساواة الإنسانية، وكذلك حضارة بلاد الرافدين، أو نظرية الحقوق الطبيعية في الحضارة الإغريقية. انتقالاً إلى الحضارة الإسلامية التي كانت لها إسهاماتها من خلال ربط الحقوق والحريات بالجانب الأخلاقي في أوقات السلم والحرب، وصولاً إلى العصر الحديث والمعاصر؛ إذ أسهمت النهضة الأوروبية والثورة الأمريكية في تطوير هذه المنظومة، التي أخذت شكلها الحالي مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتطورات المتلاحقة التي جاءت عليه من خلال عدة وثائق أممية.
للتوسع يُنظر: عدنان زروقي، الحفر الأركيولوجي في مفهوم حقوق الإنسان، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد 5، العدد 2، 2022، 2649 2773- EISSN 2602-7321/ ISSN، ود. إيمان السيد عرفة، الجذور الفلسفية والقانونية لحقوق الإنسان وحرياته في الحضارات الشرقية القديمة (دراسة تاريخية)، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، المقالة 3، المجلد 3، العدد 2، ديسمبر 2017: ص 1-109، والتاج إبراهيم دفع الله أحمد، حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية في ضوء مصدريها القرآن والسنة، جامعة الأزهر، المجلد 34، 164جزء1 – الرقم المسلسل للعدد1، يوليو 2015: ص 480 وما بعدها، ود. عبد القادر حوبة، حماية المقاتلين وغير المقاتلين في الشريعة الإسلامية، مجلس البحوث والدراسات، العـدد19، السنة12، 2015، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني: المبادئ المشتركة بين النظامين القانونيين، ود. ايمان حسن، ثقافة حقوق الإنسان: إشكاليات المفهوم وتحديات التطبيق، دراسات في حقوق الإنسان.
[7] تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن المبادئ العامة لحقوق الإنسان، كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والملكية والمحاكمة العادلة.. إلخ، دون الدخول في التفسيرات المختلفة للحقوق بما يرتبط بالخصوصيات الثقافية في المجتمعات وسيادة الدولة.
[8] يُنظر: أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، الموقع الرسمي.
[9] يُنظر على سبيل المثال: تعليق العام رقم 31، طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد.
[10] د. أحمد إسكندر ود. محمد ناصر بوغزالة، محاضرات في القانون الدولي العام – المدخل والمعاهدات الدولية، دار الفجر للنشر والتوزيع القاهرة، سنة ١٩٩٨: ص65.
[11]أ. سعاد ربيعة، ازدواجية المعايير في تطبيق الشرعة الدولية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، المجلد 05، العدد 02، السنة 2020: ص 442.
[12] محمود عبد العال، عالميّة حقوق الإنسان بين الازدواجيّة والخصوصيّة، المركز الديمقراطي العربي، 18/6/2016.
[13] جوليان كوراب كاربوفيتش، الواقعية في العلاقات الدولية، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة ريم العمري، حكمة، 2021: ص2.
[14] للتوسع يُنظر: العبدي عوداش، العدالة الجنائية الدولية بين الواقع والمأمول، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، العدد 17، 2018.
[15] وفق التعريفات الأساسية لكل من القانون والأخلاق والفوارق بينهما، ثمة من يرى أن قواعد القانون الدولي العام على اعتبار أنها لم تصل إلى مرحلة الإلزام والتأييد التي يتمتع بها القانون الداخلي، فهي في مرتبة وسطى، أعلى من الأخلاق وأدنى من القانون.
[16] يُنظر: عبد العزيز قطان، التجديد الدائم لمنظومة القانون الدولي، مركز سيتا، 2021.
[18] جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي: “تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطاتها”.
يُنظر: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
[19]  يُنظر: روسيا تجهض بالفيتو مشروع القرار الفرنسي حول حلب، العربية نت، 8/10/2016، شوهد في: 9/11/2023.
وفيتو روسي ـ صيني ضد تمديد المساعدات الأممية إلى سوريا، وكالة الأناضول، 8/7/2020، شوهد في: 9/11/2023.
[20]  أصدر قادة الغرب عشرات التصريحات تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا، وجميعها ركز على ضرورة إفشال المخطط الروسي، فعلى سبيل لمثال: قال رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون: “علينا ببساطة أن نفعل كل ما في وسعنا وبشكل جماعي لضمان فشل بوتين وفشله الشامل”. يُنظر: جيمس لاندال، روسيا وأوكرانيا: ماذا لو اختلف الغرب الذي يوحده الصراع اليوم، شبكة بي بي سي، 28/4/2022، شوهد في: 9/11/2023.
[21] يُنظر على سبيل المثال: القوات الروسية تتحرى مواقع المراكز الطبية لقصفها، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 26/10/2016، شوهد في: 9/11/2023.
[22] القوات السورية والروسية تستهدف المستشفيات كجزءٍ من استراتيجيتها الحربية، منظمة العفو الدولية، 3/3/2016، شوهد في: 9/11/2023.
[23] إدانة دولية لاستهداف مستشفيات بإدلب وحلب، شبكة الجزيرة، 15/2/2016، شوهد في: 10/11/2023.
سوريا/روسيا: الهجوم على مدارس حاس قد يشكل جريمة حرب، هيومن رايتس ووتش، 6/11/2016، شوهد في: 10/11/2023.
[24] رغم التأكيدات والتوثيقات التي صدرت بتعمد القوات الروسية استهداف مشفى التوليد في ماريوبول إلا أن روسيا نفت ذلك ووصفت هذه الاتهامات بـ”المسرحية المدبرة”. يُنظر: تنديد دولي ودعوات للتحقيق.. جدل متصاعد بشأن استهداف المستشفيات في أوكرانيا وموسكو تنفي وتبرر، الجزيرة نت، 10/3/2022، شوهد في: 9/11/2023.
[26] يُنظر على سبيل المثال: يجب على الأمم المتحدة ضمان سلامة ومصير المشرَّدين من أحياء حلب الشرقية، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 30/11/2016، شوهد في: 9/11/2023.
[27] الكرملين: عملية خروج المسلحين من حلب على وشك الانتهاء، روسيا اليوم، 21/12/2016، شوهد في: 9/11/2023.
[28] حذّرت وزارة الخارجية الروسية من “الخطط الإسرائيلية المعلنة لنقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية” ووصفتها بـ “الكارثية”. يُنظر: روسيا تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر سيكون “كارثيا”، وكالة الأناضول، 2/11/2023، شوهد: 11/11/2023.
[30] فيتو أميركي بريطاني فرنسي ضد المشروع الروسي بمجلس الأمن حول غزة، العربية نت، 16/10/2023، شوهد في: 9/11/2023.
[31] تشمل الأعيان المدنية المحمية الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، والأعيان الثقافية وأماكن العبادة، والأشغال الهندسية والمنشأت المحتوية على مواد خطرة، والبيئة الطبيعية.
للتوسع في ذلك، يراجع: فرديريك دي مولينين، دليل قانون الحرب للقوات المسلحة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 2000، ص15 وما بعدها، بلقاسم مخلط، الحماية الدولية للأعيان المدنية في القانون الدولي الإنساني، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، جامعة الجلفة، الجزائر، المجلد 9، العدد 2، 2016، ص 35-48،
[34] غاستون بوتول، علم الاجتماع السياسي، ترجمة: د.خليل الجر، المنشورات العربية، 1979: ص97 وما بعدها.
[35] Gert Verschraegen, Human Rights and Modern Society: A Sociological Analysis from the Perspective of Systems Theory. JOURNAL OF LAW AND SOCIETY. Vol 29, no 2, 2002, pp. 258-281.
[36] مريم السايح، مظاهرات رافضة للعدوان على غزة تشعل الخلاف بين مسؤولين بريطانيين، الجزيرة نت، 9/11/2023، شوهد في: 13/11/2023.
[39] متولي، مرجع سابق: ص15.
[40] د. سعاد الشرقاوي، النظم السياسية في العالم المعاصر: الدولة، المؤسسات، الحريات، دار النهضة العربية، 2007: ص320-323.
[41] ليس الهدف من هذه الفقرة تناول ضمانات الحقوق والحريات بالمفهوم القانوني الذي يركز على ضمانات من قبيل استقلال القضاء وتعزيز سيادة القانون ومبدأ المساواة كما سنرى. وإنما سيركز على الآليات والأدوات المرتبطة بالأفراد ومنظمات المجتمع المدني “المنظمات الوسيطة”.
[42] تسليط الضوء على الأدوات والأليات الواقعة خارج السلطة ومؤسساتها ناجم عما وثقناه سابقاً من أن ازدواجية المعايير وعدم تطبيق مبادئ الحقوق والحريات يعود أساساً إلى الحكومات والدول التي ما تفتأ أن تبحث عن مخارج ومبررات للتفلت من تطبيقها.
[43] للتوسع يُنظر: د. محمد عبد النبي لاشين، دور منظمات المجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان، المجلة القانونية، جامعة القاهرة-فرع الخرطوم، المجلد 14، العدد1، 2022: ص277-310، ورايجي لخضر وخاليدة بن بعلاش، دور مؤسسات المجتمع المدني على الصعيدين الوطني والدولي في ترقية وحماية حقوق الإنسان في ظل ميادين الحكم الرشيد، مجلة حقوق الإنسان والحريات العامة، مكتبة الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الحميد بن باديس، العدد الثاني، 2017.
[44] بكار، مرجع سابق: ص75-76.
[45] للتوسع حول ذلك، يراجع: د.وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى، 2014، ص162 وما بعدها.
[46] للتوسع، يراجع: وليد زوينة، جريمة الإبادة الجماعية على ضوء الاجتهاد القضائي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر 1، كلية الحقوق-بن عكنون، 2012-2013، ص 67 وما بعدها، و بن حفاف إسماعيل، المحكمة الجناية الدولية ليوغسلافيا السابقة (ممارسة العدالة الدولية من خلال التصدي لجرائم القانون الدولي الإنساني)، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، 25/12/2008، ود. حميداني سليم، مسار العدالة الانتقالية ومقاضاة مرتكبي الإبادة الجماعية في كمبوديا، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، المجلد3، العدد1، 28/2/2018.
Bogdan Ivanišević. TheWar Crimes Chamber in Bosnia and Herzegovina: From Hybrid to Domestic Court . International Center for Transitional Justice, (2008).
[47] أحمد فراج، الحقوق والحريات في الإسلام، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2004: ص113-164.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

صحفي سوري ومساعد باحث في وحدة التوافق والهوية المشتركة، تتركز اهتماماته البحثية على سياسات القوى المحلية والفاعلة في الملف السوري، شارك بإنجاز العديد من الأوراق البحثية المتعلقة بالحراك السوري وكتب العديد من التقارير التحليلية.
عمل في مجال كتابة تقارير المعلومات في الصحافة الالكترونية وإعداد النشرات التلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى