الأبحاث والدراساتالإصداراتالتوافق الوطنيوحدة الهوية المشتركة والتوافق

تطور إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني في سوريا من التأسيس إلى الإلغاء – نظرة تحليلية

تمهيد:

تعود بداية تنظيم المؤسسات الدينية في سوريا -خاصة الإسلامية منها “الإفتاء والأوقاف”- إلى مرحلة ما بعد الاستقلال؛ فقد كانت البداية من عام 1947م بإلحاق الـمُفتِين المحليين في المحافظات بسلطة المفتي العام للجمهورية، ليتبعها بعد عامَين خلال حكم حسني الزعيم في عام 1949 عملية سيطرة حكومية على ملكية جميع المساجد في سوريا، مع إيجاد تنظيم قانوني لوضع الموظفين الدينيين، وإرساء إدارة الأوقاف رسمياً في سوريا[1].

شهد عام 1961 صدور مرسومَين تشريعيين مستقلَين: الأول تحت الرقم 185؛ ونظّم إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني[2]، والثاني تحت الرقم 204؛ ونظّم إدارة الأوقاف الإسلامية، فكان واضحاً توجُّه المُشرِّع السوري آنذاك للفصل الشكلي بين وظيفتَي إدارة الأوقاف من جهة، والإفتاء والتدريس الديني من جهة أخرى.

طرأت تعديلات متعددة على كلا المرسومَين كان عنوانها الأساسي “زيادة تدخُّل السلطة التنفيذية” ممثلة بوزارة الأوقاف في عمل إدارة الإفتاء والتدريس الديني، وإن أبقت على وجود الإدارة؛ ليحدث التغيير الجذري عام 2018 بصدور القانون رقم 31 الناظم لعمل وزارة الأوقاف[3]، والذي أعلن رسمياً تحويل وظيفة الإفتاء والتدريس إليها، ثم لتكتمل مراسم إلغاء مؤسسات الفتيا في سوريا مع المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 القاضي بإلغاء منصب المفتي العام للجمهورية[4].

تطرح التغييرات الأخيرة أسئلة مهمة، من أبرزها:

  • ما هو الوضع القانوني الأساسي لإدارة الإفتاء العام في سوريا؟ وما هي الأجهزة التي مارست الفتوى؟
  • وكيف كانت العلاقة بين هذه الإدارة ووزارة الأوقاف؟
  • وكيف يُعيَّن مفتي الجمهورية؟ وما هي صلاحياته؟ وما هي التغييرات التي طرأت عليه؟
  • وما هي تركيبة مجلس الإفتاء الأعلى الذي أُنيط بها تاريخياً في سوريا مهمة الإشراف على وظيفة الإفتاء؟ وما هي صلاحياته؟ وما هي التغييرات التي حدثت له؟
  • ما هي التغييرات التي جاء بها القانون رقم 31 لعام 2018 والمرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 بالنسبة لوظيفة الإفتاء العام؟

سنسعى للإجابة على هذه الأسئلة عبر تتبع أهم التغييرات التي طرأت على التنظيم القانوني لإدارة الإفتاء العام والتدريس الديني في سوريا، من دون التوسع باتجاه كل التغييرات التي طرأت على التنظيم الرسمي للمؤسسة الدينية في سوريا[5]. وسيكون التركيز على أخر قانونين لما لهما من أثر مباشر وجذري على جانب الإفتاء العام.

تتبع الدراسة المنهج الوصفي التحليلي عبر تحليل النصوص القانونية الخاصة بتنظيم الإفتاء بسوريا، بهدف ربط هذه النصوص بالسياق السياسي والاجتماعي، والوقوف على نتائجها. كما تعتمد الدراسة على المنهج المقارن الزمني بهدف المقارنة بين النصوص القانونية التي طبقت في فترات زمنية مختلفة من عمر الدولة السورية.

تبرز أهمية هذه الورقة في أنها تساعد على فهم التنظيم القانوني لإدارة الإفتاء العام، وارتباط ذلك بالسياسات المتبعة من قبل نظام الأسد، وكذلك انعكاس هذه التغيرات القانونية على الأبعاد الهوياتية والمجتمعية السورية.

ترصد الورقة في الفقرة الأولى الوضع القانوني لإدارة الإفتاء العام والتدريس الديني، ثم تبحث في الثانية آليات اختيار المفتي العام وصلاحياته، لتختم بالثالثة بتحليل تكوين مجالس الإفتاء وصلاحياتها.

أولاً- الوضع القانوني لإدارة الإفتاء العام والتدريس الديني في سوريا: من مؤسسةٍ للفتوى إلى فتوى بلا مؤسسة

صدر المرسوم التشريعي رقم 185 لعام 1961 لينظم عمل إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني في سوريا[6]، وأناط بها مهمتَين رئيستَين هما: الإفتاء والتدريس الديني، ونصّ على إنشاء جهازَين رئيسَين هما: المفتي العام للجمهورية ومُفتُو المحافظات من جهة، ومجلس الإفتاء الأعلى من جهة ثانية. وعلى الرغم من التعديلات المتعددة التي ستطرأ على عمل هذه المؤسسة بعد سيطرة البعث على السلطة؛ فإنها بقيت مستقلة عن وزارة الأوقاف نسبياً، حيث إنها كانت برئاسة المفتي العام وتخضع لتوجيهاته وتعليماته[7].

في عام 2018 صدر القانون رقم 31 حاملاً في طياته تغيرات كلية وجوهرية؛ إذ ألغَى إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني[8]، مانحاً وزير الأوقاف السلطة التقديرية الكاملة في تعيين المفتين بحسب الحاجة، ولتصبح سوريا لأول مرة بلا إدارة أو جهاز يتولى مهمة الإفتاء بشكل رسمي، مبقياً في الوقت نفسه على منصب مفتي الجمهورية[9]، ومستعيضاً عن مجلس الإفتاء الأعلى بالمجلس العلمي الفقهي.

أتى المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 ليلغي منصب الإفتاء العام وصلاحياته تماماً من سوريا، ويوسّع صلاحيات المجلس الفقهي لتشمل ما كان أصلاً من اختصاص المفتي العام، وبذلك خلت سوريا من إدارة الإفتاء العام ومن منصب مفتي الجمهورية، مع الإبقاء على صلاحية وزير الأوقاف بتعيين الـمُفتِين بحسب الحاجة.

شكل رقم (1) لوضع مؤسسة الإفتاء في سوريا منذ 1961 حتى عام 2021

ثانياً- آلية اختيار المفتي العام وصلاحياته:

بدأ منصب الإفتاء رسمياً مع نشوء الدولة السورية، وتعاقب بعد ذلك المفتون على البلاد[10]، وقد كان أول تقنين رسمي شامل لمنصب المفتي العام في سوريا في عام 1961م، وذلك في متن قانون تحديد مهام وملاك إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني الصادر بالمرسوم التشريعي 185، والذي أُدخلت عليه بعد ذلك تعديلات متعددة.

1-  آلية اختيار المفتي العام وولايته الزمنية: من الانتخاب إلى الإلغاء

حدد القانون 185 لعام 1961م آلية اختيار المفتي العام من خلال الانتخاب[11] من قبل هيئة ناخبة[12]، مشترطاً أن يكون المفتي العام فقيهاً متمّاً الأربعين[13]. وليستمر هذا التنظيم القانوني حتى عام 1967، حيث عُدلت الطريقة، ويصبح تعيين المفتي بمرسوم من رئيس الدولة يختاره من ثلاثة يرشحهم وزير الأوقاف[14].

استمر الحال على ما هو عليه إلى عام 2018 حين صدر القانون رقم 31، والذي حافظ في المادة 35 منه على آلية تعيين المفتي بمرسوم رئاسي بناءً على اقتراح الوزير، مع إسقاط فقرة “المرشحين الثلاثة” الواردة في النص السابق، وبإضافة تقييد زمني للمنصب؛ إذ أصبحت مدة شغل المنصب ثلاث سنوات قابلة للتمديد[15]، ليأتي أخيراً المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 ويُلغي منصب المفتي العام للجمهورية[16].

شكل رقم (2) يوضح التغييرات في آلية اختيار مفتي الجمهورية عبر القوانين السورية

يوضح لنا الشكل السابق السياسة العامة التي اتبعها نظام البعث في التدرج بالتعامل مع منصب الإفتاء؛ فقد كان واضحاً تغوُّل السلطة التنفيذية في قضية تعيين مفتي الجمهورية وصولاً إلى إلغائه، ففي البداية كان اختياره عن طريقة هيئة ناخبة؛ بما يعكس الحالة التي كانت عليها المؤسسات الدينية عامة والإسلامية خاصة من حيث الاستقلالية وضعف تحكُّم السلطة بها، سواء لجهة التعيين أو تحديد المدة. ثم كانت بداية التدخُّل في عام 1967؛ حين أصبح تعيين مفتي الجمهورية بيد رئيس الدولة بناءً على اقتراح وزير الأوقاف.

يشير التحول الأبرز في طريقة تعيين مفتي الجمهورية وتحديدها بثلاث سنوات في 2018 إلى الاعتداء الصريح من السلطة التنفيذية على استقلالية مقام المفتي وجعله منصباً سياسياً؛ بحيث يصبح عدم التمديد بمثابة الجزاء أو العقاب لأي مُفتٍ للجمهورية قد يتجرأ على مخالفة توجهات السلطة التنفيذية. فإذا كانت ضمانة “عدم القابلية للعزل” التي تمثل إحدى ضمانات استقلال القضاء في القانون المقارن، بما في ذلك القانون السوري[17]؛ فإن هذه الضمانة مطلوبة بالمستوى ذاته لمنصب الإفتاء العام[18]،  ولعل ذلك تحقق مع القانون الأول الناظم لدائرة الإفتاء في سوريا عبر اختيار مفتي الجمهورية بالانتخاب ولمدة غير محددة، وهو ما افتُقد لاحقاً قبل إلغاء المنصب بالكامل.

2-  صلاحيات المفتي العام في سوريا: تمثيل المسلمين أعلاها

حدد القانون 185 لعام 1961 م صلاحيات المفتي العام للجمهورية، والتي من أهمها:

  • رئاسة دائرة (الإفتاء العام والتدريس الديني[19]) وتمثيلها والإشراف عليها، وإصدار التعليمات والإشراف على التنفيذ، وله سلطة التعقيب والتصحيح لفتاوى المفتين (مادة -2).
  • رئاسة مجلس الإفتاء الأعلى (مادة -4)، ودعوته للاجتماع (مادة -8)، وتولي تنفيذ قرارات المجلس، وإصدار التعليمات والإرشادات لجميع المفتين والمدرّسين وأمناء الفتوى (مادة -13).
  • يُعتبر المفتي العام رئيس العلماء والمرجع الأعلى للشؤون الإسلامية وممثلاً للمسلمين بوصفه رئيساً لمجلس الإفتاء الأعلى (مادة -8).

نُزعت أولى هذه الصلاحيات -وهي الحق في دعوة مجلس الإفتاء الأعلى للاجتماع- من مفتي الجمهورية وأُعطيت لوزير الأوقاف أو مَن يفوّضه، وذلك بالمرسوم التشريعي رقم 260 لعام 1963[20]، غير أنه بقي رئيساً لمجلس الإفتاء الأعلى. مع صدور القانون رقم 31 لعام 2018،  أحيلت صلاحياته بشكل كامل إلى مرسوم تعيينه، حيث سحبت صلاحياته المتضمنة رئاسة دوائر الفتوى والتدريس الديني والإشراف عليها وتمثيلها، لتنتقل إلى وزارة الأوقاف (المواد: 2 “الفقرتان ب- ي”، 3 “الفقرة أ”)، إذ أصبح وزير الأوقاف هو رئيس المجلس الفقهي العلمي، وأصبحت الوزارة مسؤولة عن ضبط الفتوى والعمل الديني، وبمعنى آخر: تلاشى عملياً دور مفتي الجمهورية في تعيين المفتين والإشراف والتعقيب عليهم وعلى العاملين بالشأن الديني، وفي الإشراف على التدريس الديني وضبط مضامينه، وأصبح اسمياً مفتياً عاماً للجمهورية بدون صلاحيات فعلية.

غير أن أخطر ما يُستنتج من قانون 2018 أنه ألغى ضمنياً الصفة التمثيلية لمفتي الجمهورية كونه ممثلاً للمسلمين ومرجعاً أعلى للشؤون الإسلامية؛ وهي الصلاحية الثالثة التي كان يتمتع بها، دون أن يسندها إلى أية جهة أخرى بما في ذلك وزير الأوقاف[21].  ليأتي أخيراً المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 وينصّ صراحة على إلغاء منصب المفتي العام للجمهورية، وينقل اختصاصه المتبقي بالإفتاء إلى المجلس الفقهي[22].

شكل رقم (3) يوضح التغييرات في صلاحيات مفتي الجمهورية

نلحظ مما سبق أن التدرج الذي رافق تقييد آلية تعيين مفتي الجمهورية رافق كذلك صلاحياته التي سُحبت واحدة تلو الأخرى، غير أن أخطرها كان عام 2018 في إلغاء إشرافه على التدريس الديني وصفته التمثيلية للمسلمين في سوريا، حيث آلت الصلاحية الأولى “الإشراف على التدريس الديني” إلى وزارة الأوقاف “السلطة التنفيذية”، بعد أن كانت بيد مفتي الجمهورية الذي كان من المفترض أنه يتمتع بهامشٍ من الاستقلال في أصل وجوده، وبالتالي خضعت مختلف الفعاليات المتعلقة بذلك لإشراف وزارة الأوقاف[23]، وأُلغيت الصلاحية الثانية “تمثيل المسلمين” بشكل كامل؛ وإن كانت هذه الصلاحية من الناحية الفعلية لا تعطي مفتي الجمهورية صلاحيات واضحة، خاصة على المستوى التنفيذي؛ غير أنه يبقى لها بُعدها الهوياتي المعنوي من جهة اعتراف الدولة بوجود منصب ديني مستقل عن الدولة يحمل صفة “المفتي”، بما لهذه الصفة من حضور معنوي لدى المسلمين[24]، يمثل المسلمين السُّنَّة -المكوّن الأكبر- في الدولة.  

ثالثاً- تكوين مجالس الإفتاء وصلاحياتها:

يمثل مجلس الإفتاء الأعلى الجهة العليا التي كانت مستقلة عن وزارة الأوقاف، والتي يُناط بها بشكل رئيس وضع السياسات العامة الخاصة بالتدريس الديني والفتوى وكل ما يرتبط بالعمل الديني.

فنتحدث ابتداءً عن تكوين المجلس وصلاحياته، ثم عن التغييرات التي طرأت على كل منهما.

1-  تكوين مجالس الإفتاء في سوريا: من مجلس الإفتاء الأعلى إلى المجلس الفقهي العام

نشأ مجلس الإفتاء الأعلى مع القانون 185 لعام 1961م، والذي يتكون من: المفتي العام رئيساً، وعضوية مفتيي دمشق، والقاضي الشرعي الأول، وأمين عام وزارة الأوقاف، ومدير الفتوى العامة، وأحد المدرسين في دمشق المرتبطين بدائرة الفتوى بمعايير حددها القانون.

إلا أن هذا التكوين لم يدم طويلاً؛ حيث جاء المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1967 والمرسوم التشريعي رقم 298 لعام 1969، ليعدّلا من تكوين مجلس الإفتاء الأعلى بحيث استُبدلت عضوية مفتي دمشق الأعلى مرتبة بمفتيي دمشق، ومعاون الوزير بأمين عام الأوقاف، وليسقط تمثيل المدرسين، ويُضاف كل من “مفتي محافظة” و “عالِم ديني” يسمّيهما الوزير.

تكوين المجلس في القانون 185 للعام1961م التكوين بعد تعديلي 1967 و1969
المفتي العام رئيساً المفتي العام رئيساً
مفتو دمشق الأعلون مرتبة مفتي دمشق الأعلى مرتبة
القاضي الشرعي الأول القاضي الشرعي الأول
أمين عام وزارة الأوقاف معاون وزير الأوقاف
مدير الفتوى العامة مدير الفتوى العامة
أحد المدرسين في دمشق المرتبطين

بدائرة الفتوى

مفتي محافظة يُسمى بقرار الوزير
عالم ديني يحمل شهادة عالية يُسمى بقرار الوزير

جدول رقم (1) يوضح التغييرات في تكوين مجلس الإفتاء الأعلى

استمر تكوين مجلس الإفتاء الأعلى على ما هو عليه إلى أن صدر القانون الجديد رقم 31 لعام 2018، فتمّت الاستعاضة عن المجلس بمجلس آخر تحت مسمى “المجلس العلمي الفقهي”، والذي جاء بتكوين مختلف تماماً عن كل ما سبق في سوريا؛ حيث إنه كان برئاسة وزير الأوقاف، وعضوية “المذاهب الإسلامية” كافة، وعضوية النساء والشباب والكليات الشرعية، ويحوز الوزير صلاحية تسمية الأعضاء بقرار.

ليأتي المرسوم الجديد رقم 28 لعام 2021، ليعدل من تكوين المجلس العلمي الفقهي؛ وذلك بإلغاء عضوية المفتي، وزيادة عدد العلماء إلى 30 بدلاً من 25، مع المحافظة على مَن تبقى من الأعضاء دون تغيير.

تكوين المجلس العلمي الفقهي وفق القانون 31 لعام 2018 تكوين المجلس العلمي الفقهي وفق المرسوم 28 لعام 2021
الوزير رئيساً الوزير رئيساً
المفتي العام للجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة. معاونا الوزير.. عضوان.
معاون الوزير للشؤون الدينيَّة.
معاون الوزير لشؤون التعليم الشرعي.
رئيس اتحاد علماء بلاد الشام[25] رئيس اتحاد علماء بلاد الشام.
القاضي الشرعي الأول بدمشق. القاضي الشرعي الأول بدمشق.
خمسة وعشرون عالماً من كبار العلماء في سورية ممثلون عن المذاهب كافة. ثلاثون عالماً من كبار العلماء في سورية ممثلون عن المذاهب كافة.
ممثل عن الأئمة الشباب. ممثل عن الأئمة الشباب.
خمس من عالمات القرآن الكريم خمس من عالمات القرآن الكريم
ممثل عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية[26] ممثل عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية
مُمثِّلان اثنان عن كليَّات الشريعة في الجامعات الحكومية مُمثِّلان اثنان عن كليَّات الشريعة في الجامعات الحكومية
يُسمَّى أعضاء المجلس العلمي الفقهي بقرار من الوزير. يُسمَّى أعضاء المجلس العلمي الفقهي بقرار من الوزير.
ممثلون عن الطوائف المسيحية كافة تسمّيهم مرجعياتهم عند مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان وما يتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية ممثلون عن الطوائف المسيحية كافة تسمّيهم مرجعياتهم عند مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان وما يتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية

جدول رقم (2) توضيح تكوين المجلس العلمي الفقهي بين القانون 31 والمرسوم 28

 وكما هو الحال بالنسبة إلى اختيار المفتي العام وصلاحياته يتضح تأثير سياسة نظام البعث في إخضاع المؤسسة لسيطرة السلطة التنفيذية في تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى؛ فبعد أن كان عدد الأعضاء المحسوبين على السلطة التنفيذية عضواً واحداً صاروا ثلاثة أعضاء من أصل سبعة، ما أبقى المجلس بتشكيله الغالب بعيداً عن سيطرة السلطة التنفيذية من الناحية النظرية.

حتى تحول الأمر إلى إخضاع المجلس بشكل شبه كامل للسلطة التنفيذية مع استبدال المجلس العلمي العام بمجلس الإفتاء الأعلى، وجعل عضوية معظم أعضائه بقرار من وزير الأوقاف، سواء في القانون رقم 31 لعام 2018 أو في المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021.

يرى نظام الأسد أن المجلس العلمي بتشكيلته الجديدة يُعد تجسيداً “للفكر الإسلامي السوري المتطور”، وخطوة “فريدة” في العالم الإسلامي[27]؛ ولعل ما يقصده نظام الأسد بذلك هو محو هوية الإسلام الحقيقية التي يحملها غالبية السوريين وتمييعها. كما أن تشكيل هذا المجلس يمثّل حلّاً عملياً لمعضلة نظام الأسد كونه “أقلوياً” يحكم غالبية سنّيّة، بحيث يُظهر أن كل الطوائف تحتكم لإسلام واحد يعبر عنه المجلس الفقهي، وهو ما يتطابق بشكل أو بآخر مع تصريحات سابقة في سنوات الثورة السورية الأولى كان رأس النظام قد أطلقها عن “مذهب محمّديّ جامع وعابر للطوائف”[28].

2-  صلاحيات مجالس الإفتاء: من إفتاء وتدريس ديني إلى “سلطة إحالة”[29]

حاز مجلس الإفتاء الأعلى على اختصاصات واسعة بموجب القانون رقم 185 لعام 1961، تتمثل في قطاعَين رئيسَين، هما:

  • الإفتاء: كتعيين المفتين وأمناء الفتوى في المحافظات، وتولي أوضاعهم المسلكية كافة، وإصدار الفتاوى الاستدلالية، وما يرتبط بذلك من بيان الرأي الشرعي في الكتب والمنشورات التي تمسّ مبادئ الإسلام، وطلب منع ما يتنافى منها مع هذه المبادئ[30].
  • التدريس الديني وما يرتبط به: كتعيين المدرّسين والخطباء وغيرهم من أرباب الشعائر الدينية، إلى جانب وضع الخطط التوجيهية للشؤون الدينية والوعظ والإرشاد ونشر الثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى وضع برامج محاضرات دينية واجتماعية وأخلاقية[31].

بموجب المرسوم التشريعي رقم 260 لعام 1963 والمرسوم التشريعي رقم 41 لعام 1971 أصبح من صلاحيات الوزير القيام بتعيين وكلاء لشغل وظائف المفتين وأمناء الفتوى والمدرسين في حال تعذر اجتماع مجلس الإفتاء الأعلى، وبمعنى آخر: بقيت صلاحيات المجلس الأعلى للإفتاء كما جاءت في المرسوم التشريعي الأساسي دون تعديلات جذرية؛ ولعل السبب في ذلك هو تحوُّل هذه الصلاحيات بشكل أو بآخر إلى وزارة الأوقاف باعتبار وجود نحو نصف أعضاء المجلس من موظفين تابعين للوزارة، وبالتالي لم يجد نظام البعث حاجة لنقل هذه الاختصاصات إليها.

استمرت الصلاحيات المشار إليها أعلاه كما هي إلى أن جاء القانون رقم 31 لعام 2018 الذي ألغى المجلس، ونصّ على تشكيل المجلس العلمي الفقهي الذي تولى صلاحيات مجلس الإفتاء الأعلى في الإفتاء والتدريس الديني، إلى جانب اختصاصات أخرى تتعلق بالعمل الديني والرقابة على المطبوعات والمنشورات ذات الطبيعة الدينية وغيرها.

إلى أن جاء المرسوم رقم 28 لعام 2021م بإضافة مهمتَين رئيستَين للمجلس العلمي الفقهي، وهما تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية والتماس الأهلّة وإعلان الأحكام المترتبة على ذلك، وإصدار الفتاوى المستندة لكل المذاهب ووضع أسس الفتوى[32].

صلاحيات المجلس الأعلى للإفتاء وفق القانون 204 وتعديلاته صلاحيات المجلس العلمي الفقهي وفق القانون 31 والمرسوم 28
 تعيين المفتين باستثناء المفتي العام، وأمناء الفتوى والمدرسين؛ بما يشمل كل أوضاعهم المسلكية وصولاً للتقاعد وقبول الاستقالة، شريطة تصديق وزير الأوقاف. إعداد البحوث العلمية الفقهية، ومناقشة الاجتهادات التي تتعلق بالقضايا الدينية المعاصرة وتسهم في تحقيق التكامل بين المذاهب الفقهية، بحيث إنَّ ما يتوصل إليه المجلس يُعدُّ مرجِعاً فقهيَّاً جامِعاً.
اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بإدارة الفتوى العامة. تحديد المراجع والمؤلفات والتيارات والتوجهات التي تحمل الأفكار التكفيرية والمتطرفة والمنحرفة، وكذلك التي تتبنى العنف وسيلةً لتحقيق أهدافها.
صلاحيات تنظيم التدريس الديني بجوانبه المختلفة. اعتماد المراجع والكتب الفقهية والموضوعات التي يُمتحن فيها المرشحون للتكليف بالعمل الديني.
 الإشراف على العاملين بالشأن الديني بمرجعية السُّنّة الصحيحة. متابعة ما يصدر من فتاوى وأحكام شرعية ومدى تأثيرها على حياة الناس؛ بحيث تكون محافظة على ثوابت الدين، ومحترمة للعقل، ومنسجمة مع الواقع.
 دراسة طلبات المرشحين للإفتاء وأمانة الفتوى والتدريس والموافقة عليها. ترجيح بعض الأحكام الاجتهادية على بعضها الآخر، بما يُلائم العصر ويحقق مصالح الناس، وذلك ضمن شروط وضوابط الترجيح.
وضع الخطط التوجيهية بشؤون الوعظ والتوجيه والثقافة. تكريس علاقة المودة وتعميق جذور المواطنة بين السوريين، ومحاربة ظواهر التفرقة تحت شعار الدين.
وضع قواعد تنظيم الحفلات الدينية. إضافات بموجب المرسوم 28 لعام 2021:

·       تحديد الأهلّة وما يترتب عليها من أحكام

·       إصدار الفتاوى بمرجعية المذاهب كافة، ووضع معايير تنظيمها وضبطها.

 وضع برامج محاضرات دينية واجتماعية وأخلاقية.
 شغل وظائف المفتين والمدرسين الشاغرة وكالة لفترة محددة / سُحبت الصلاحية لمصلحة الوزير في التعديلات اللاحقة.
إصدار الفتاوى الاستدلالية.
بيان الرأي الشرعي بالكتب والمنشورات الماسّة بالإسلام.

جدول رقم (3) المقارنة بين صلاحيات المجلس الأعلى للإفتاء وصلاحيات المجلس العلمي الفقهي

جمعَ المجلس العلمي الفقهي الذي أنشأه نظام الأسد إلى جانب الوظائف الرئيسة التي كان يقوم بها مجلس الإفتاء الأعلى السابق -وهي الفتوى، وتنظيم التدريس الديني- وظائف إضافية، مع توسيع صلاحياته ومعه وزارة الأوقاف في هذَين المجالَين. وتتمثل هذه الوظائف الإضافية في ما يلي:

  • جعلُ المجلس المرجعية الفقهية الجامعة في الدولة السورية بشكل صريح، وهو أمر خطير لأنه يحصر مرجعية الفتوى بالسلطة، ويخالف مبدأ مستقر هو “إمكانية تعدد الفتوى”. لعل البعض يرى أن هذا الأمر ليس جديداً وهو مقتضى وجود مجلس أعلى للفتوى في الدولة بغض النظر عن تسميته[33]؛ إلا أن التدقيق في الأمر يشير إلى أن هذا المقتضى لم يكن موجوداً في مجلس الإفتاء الأعلى السابقة على عكس المجلس الحالي؛ لأن القانون الحالي على عكس السابق نصَّ صراحة على أن المجلس هو “مرجع فقهي جامع”، ولأن المجلس العلمي الفقهي يتبع لإحدى مؤسسات الدولة.
  • تحديد المراجع والتيارات والتوجهات التي تحمل الأفكار “التكفيرية والمتطرفة والمنحرفة والتي تتبنى العنف”؛ وهذا ما يجعل من المجلس بمثابة مجلس قضاء أعلى، ليس لمحاكمة المراجع والمؤلفات فحسب، وإنما التوجهات التي يحملها الأفراد و الجماعات كذلك.

لم يكتفِ القانون بتوسيع صلاحيات هذا المجلس فحسب؛ وإنما عملَ كذلك على تحديد مرجعية الفتوى، فجعلها “بمرجعية كافة المذاهب”؛ وهذا تدخُّل سافر من السلطة في تحديد مجالٍ هو بالأساس من اختصاص علماء الشريعة، فضلاً عن البُعد الطائفي الواضح في ذلك، من جهة تمييع مرجعية الفتوى لدى الأكثرية المسلمة في سوريا من أهل السنة.

بالمجمل: فإن تشكيل المجلس وصلاحياته يشير إلى توجُّه نظام الأسد إلى تشكيل مرجعية دينية جديدة شكلاً ومضموناً، تمثّل أداة دينية إلى جانب أدوات أخرى يهدف من خلالها النظام إلى معاقبة كل مَن خرج ضده[34].

خاتمة:

يتضح مما سبق أن تغوُّل السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الأوقاف على دائرة الفتوى تم على مراحل، بعد أن كان يعطي استقلالاً نسبياً لها في إدارة شؤون الفتوى والتدريس الديني؛ ففي المرحلة الأولى وهي مرحلة سيطرة البعث على السلطة: كان تغوُّل السلطة التنفيذية مقتصراً على جانب الهيكلة من جهة تقليص صلاحيات مفتي الجمهورية وإحالتها إلى وزير الأوقاف، أو من جهة تعزيز حضور موظفي وزارة الأوقاف في تشكيلة مجلس الإفتاء الأعلى، أو حتى عبر إلغاء الآلية الانتخابية للمفتي وتحويلها لتعيين من السلطة التنفيذية بدلاً من ذلك؛ وكل ذلك لم يمسّ جوهرياً بالصلاحيات الموضوعية المسندة لهذه الدائرة.

وحدث التحول الأبرز في عام 2018؛ حين أُلغي مجلس الإفتاء الأعلى، وتحولت اختصاصاته بشكل مباشر إلى المجلس الفقهي العام الذي جاء بتركيبة جديدة غير مسبوقة في سوريا، من حيث ترسيخ التغلغل الشيعي المرتبط بإيران[35]، وبما يتلاقى مع مخطط النظام السوري حول الإسلام الفريد المتطور والعابر للمذاهب، والذي يبدو أنه خطوة جديدة في إطار تحقيق “المجتمع المتجانس” الذي تحدث عنه رأس النظام سابقاً.

أمام هذه التحولات فإنه لابد من القيام بعدة خطوات من أجل الحد من نتائجها الخطيرة، ومن أهم ذلك:

  1. العمل بشتى الوسائل التوعوية على إيضاح حقيقة مشهد التنظيم القانوني للإفتاء في سوريا بشكل كامل للسوريين بهدف توضيح المشهد لهم، خصوصاً من جهة التمييز ما بين استغلال منصب الإفتاء على مدار عقود لخدمة النظام الاستبدادي، وما يمثله المنصب بحد ذاته من دلالات ترتبط بالهوية والثقافة والحضور الاجتماعي لمؤسسة الإفتاء، وكذلك التمييز ما بين مخاطر السيطرة الحكومية على الإفتاء ومنحه لمجمع كهنوتي يمتلك صلاحيات تشبه مجامع العصور الوسطى للتكفير والتفسيق، وما بين الإفتاء الجماعي العلمي من هيئة بعيداً عن السلطة.
  2. إيضاح المخاطر المستقبلية لهذه الخطوة على الهوية السورية ككل، وعلى الغالبية السنّيّة كمكون رئيسي للشعب السوري الأصيل خاصة من جهة، وما تمثله هذه الخطوات من سلطوية جديدة على الإسلام الرسمي بهدف استثماره سياسياً واجتماعياً في مواجهة حقوق كل السوريين من جهة أخرى.
  3. العمل من قبل كل مؤسسات قوى الثورة والمعارضة بما فيها الرسمية على إيضاح انعكاس هذه القوانين على تغيير وجه سوريا الحضاري، وإبراز مخاطر ترسيخ الوجود الإيراني في سوريا على الهوية الوطنية.
  4. ضرورة العودة في التنظيم القانوني لمؤسسة الإفتاء إلى الأصل الذي يحافظ على خصوصية هذه المؤسسة، ويضمن لها الاستقلالية والحياد عن السلطة وتوجهاتها السياسية؛ وذلك من خلال العودة لنظام انتخاب المفتي عبر هيئة ناخبة، وعبر إعادة تكوين مجلس الإفتاء الأعلى بصلاحياته الأصلية المرتبطة بالفتوى والتدريس الديني.

رابط الورقة: https://sydialogue.org/qyox


[1] توماس بيريه، الدين والدولة في سورية .. علماء السُّنّة من الانقلاب إلى الثورة، ترجمة وتقديم: حازم نهار، مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، الطبعة الأولى، شباط 2020، ص 45.
[2] للاطلاع على القانون بالكامل يُنظر: مرسوم تحديد مهام وملاك دائرة الفتوى العامة عام 1961، التاريخ السوري المعاصر، شوهد في: 18/1/2021.
[3] للاطلاع على كامل أحكام القانون يُنظر: القانون رقم 31 لعام 2018 الناظم لعمل وزارة الأوقاف، وكالة سانا، 12/10/2018، شوهد في: 16/11/2021.
[5] تهدف هذه الدراسة للتركيز فقط على تنظيم إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني من دون التوسع إلى بقية التغييرات التي طرأت على التنظيم الديني الرسمي في سوريا كإدارة أموال الوقف وغيرها، حيث هنالك دراسات وتقارير متعددة هدفت إلى تحليل القانون رقم 31 لعام 2018 باعتباره القانون الجديد الناظم لوزارة الأوقاف، منها على سبيل المثال:
قانون وزارة الأوقاف تنظيم المؤسسة الدينية أم تطويع لها؟ “تقرير تحليلي”، مركز جسور للدراسات، أكتوبر/تشرين الأول 2018، أحمد صوان، كيف يسهم القانون (31) لعام 2018 بانتهاك الملكية العقارية الوقفية؟، عنب بلدي، 3-9-2020، شوهد في: 27-11-2021، عزام القصير، تقنين سيطرة النظام على الشؤون الدينية السورية، 15-1-2018، شوهد في 27-11-2021.
[6] نود التنبيه على أن المرسوم التشريعي استخدم مفردة “إدارة” تارة ومفردة “دائرة” تارة أخرى ضمن نصوص المرسوم التشريعي في توصيف (إدارة “دائرة” الإفتاء العام والتدريس الديني).
[7] على الرغم من أن المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 185 نصت صراحة على أن: “إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني إدارة عامة مرتبطة بوزارة الأوقاف”، إلا أن هذا الارتباط كما هو معروف ارتباط لا مركزي إن صح التعبير؛ فالإدارة من الناحية الإدارية هي برئاسة المفتي العام كما نصت على ذلك المادة الثانية التي جاء فيها: “يرأس دائرةَ الإفتاء العام والتدريس الديني المفتي العام، وهو يمثلها ويقوم بتوجيهها، ويمارس جميع الاختصاصات التي تعود إليه بموجب الأنظمة والقوانين، ويوقّع على جميع المعاملات، وهو مرجع جميع موظفي الدائرة المذكورة، وتصدر عنه التعليمات والإرشادات بإشرافه، كما يقوم بمراجعة الفتاوى الصادرة عن المفتين وتصحيح ما يظهر من خطأ فيها”.
كذلك نلفت إلى أن تنظيم وزارة الأوقاف السورية صدر بقانون مستقل بالمرسوم التشريعي رقم 204 لعام 1961.
[8] من أبرز الأدلة على أن القانون رقم 31 لعام 2018 ألغى إدارة الإفتاء العام ما يلي:
  1. نص الفقرة /أ/ من المادة /4/ التي جاء فيها: “تتكون الوزارة من الإدارة المركزية ومديريات وشعب الأوقاف، والمدارس الشرعية الإسلامية والمؤسسات والمراكز المحدثة وفق أحكام هذا القانون”. وبالتالي فإنه ليس ثمة نص على وجود إدارة أو دوائر، وإنما مديريات؛ ومن المتعارف عليه في التنظيم الإداري للوزارات السورية أن المديرية – سواءٌ أكانت مركزية أو محلية – تتبع مباشرة للوزارة.
  2. نص الفقرة /هـ/ من المادة /3/ التي جاء فيها: “يتولى الوزير تسمية مفتين في المحافظات عند الحاجة”؛ فيشير هذا النص صراحة إلى أن تعيين المفتين يتم بصفة فردية ويخضع للسلطة التقديرية للوزير، وليس مرتبطاً بوجود مديرية أو دائرة.
  3. لم يتضمن الهيكل التنظيمي لوزارة أوقاف نظام الأسد المنشور على موقعها أية إشارة أو تصريح بوجود مديرية أو دائرة للفتوى.
لذا فإننا نعتقد أنه ليس في وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد حالياً دائرة أو مديرية تختص بالفتوى؛ وإنما يمكن تعيين مفتين بصفة فردية في المحافظات أو في الوزارة، من دون أن يكون لهم جهاز أو إدارة خاصة بهم.
[9] نظمت المادة /35/ التي جاءت ضمن الفصل التاسع طريقة تعيين مفتي الجمهورية وصلاحياته. 
[10] تمام أبو الخير، تاريخ الإفتاء في سوريا من تشكيل الدولة حتى إلغاء المنصب، نون بوست، 18/11/2021، شوهد في: 18/11/2021.
[11] بناء على هذا القانون حصلت انتخابات عام 1964 م في ظل نظام البعث الحاكم بعد انقلاب آذار؛ حيث تنافس في هذه الانتخابات الشيخ أحمد كفتارو والشّيخ حسن حبنّكة الميداني، وكانت النتائج لصالح الشّيخ أحمد كفتارو بفارق صوتٍ واحدٍ، إذ حصل على ثمانية عشر صوتًا في حين حصل الشّيخ حسن حبنّكة على سبعة عشر صوتاً، لتكون آخر انتخابات للمفتين في سوريا؛ فقد صار الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام للجمهورية منذ عام 1964م وحتى وفاته عام 2004، ليصدر بعد ذلك مرسوم رئاسي رقم 302 في عام 2005 عُيّن من خلاله أحمد حسون مفتياً عاماً لسوريا.
يُنظر: محمد خير موسى، كفتارو ومعركة الإفتاء في مواجهة الشّيخ حسن حبنّكة الميدانيّ، تلفزيون سوريا، 14/3/2021، شوهد في: 17/11/2021، ضياء عودة، بعد مرسوم الأسد.. ماذا يعني إلغاء منصب المفتي في سوريا؟ الحرة، 16/11/2021، شوهد في: 17/11/2021.
[12] سنستعرض بالتفصيل تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى الجهة المنوط بها اختيار المفتي العام للجمهورية في القسم الثاني من هذه الورقة.
[13] جاء في القانون رقم 185 لعام 1961م ما يلي: المادة (8): يُعين المفتي العام بالانتخاب من قبل الهيئة الانتخابية التالية: أعضاء مجلس الإفتاء الأعلى، القضاة الشرعيون في دمشق وحلب، المفتون في المحافظات، أعضاء مجلس الأوقاف الأعلى، عشرة علماء ينتخبهم مجلس الإفتاء الأعلى، ويصدر مرسوم جمهوري بتسميته بناء على قرار مجلس الوزراء”.
المادة (9): “يُشترط فيمن يُنتخب للإفتاء العام أن يكون من الفقهاء وأتمّ الأربعين من عمره”.
المادة (10): “يجتمع مجلس الانتخاب بدعوة من وزير الأوقاف خلال شهرين على الأكثر من خلو منصب المفتي العام، ويجري الانتخاب بالاقتراع السري تحت إشرافه”.
[14] المرسوم التشريعي رقم 146 لعام 1967.
[15] جاء في القانون رقم 31 لعام 2018 ما يلي: المادة (35): “أ يُسمى المفتي العام للجمهورية العربية السورية وتُحدد مهامه واختصاصاته بمرسوم بناءً على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد بمرسوم. ب- يتقاضى المفتي العام أجوره وتعويضاته وفق أحكام القوانين النافذة.”
[16] جاء في المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 ما يلي: المادة (3): “تُلغى الفقرة هـ من المادة 3 من القانون رقم 31 لعام 2018، ويُلغى الفصل التاسع من الباب الثالث المتضمن المادة 35 من القانون المذكور”.
[17] نص دستور سوريا لعام 1950 في الفصل الخامس: السلطة القضائية المادة الرابعة بعد المائة: “القضاء سلطة مستقلة”، وفي المادة الخامسة بعد المئة: “قضاة الحكم مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم”.
كما نص دستور عام 1973 في المادة رقم 133 على: “1ـ القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير لقانون.2. ـ شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم”، وهي المادة التي تكررت حرفياً في دستور عام 2012، بالمادة رقم 134.
أما في القانون فقد نصت المادة رقم 92 من قانون السلطة القضائية وتعديلاته الصادر بالمرسوم رقم 98 لعام 1961 على ما يلي: “1 ـ الحصانة هي صيانة القضاة من العزل والنقل، ويتمتع بها جميع القضاة، 2 ـ العزل المقصود بهذه المادة هو الصرف من الخدمة، 3 ـ النقل المقصود بهذه المادة هو النقل من بلد إلى آخر أو من وظيفة محددة في مرسوم التعيين إلى وظيفة أخرى”.
[18] في التاريخ الإسلامي سُمي المفتون القضاة المجتهدين، وهو ما يُظهر الترابط الكبير بين القاضي والمفتي، لاسيما وأن كلاًّ منهما يعني الإخبار بحكم الشرع، والفرق الأساسي بينهما يتمثل في عنصر الإلزام؛ حيث إنه مفقود في الفتوى على عكس القضاء، وقد كان عزل المفتين في مصر في العصر المملوكي لا يتم إلا كحالة استثنائية وبموافقة العلماء.
يُنظر: هاميلتون غب وهارولد باون، المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة ودراسة: أحمد إيبش، الجزء الأول، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، دار الكتب الوطنية، 2012، ص 194 وما بعدها.
[19] يُقصد بالتدريس الديني كما يتضح من نصوص القانون رقم 31 لعام 2018: الدروس والمواعظ الدينية التي يقوم بها المشايخ والذين يتمتعون بالصفة الدينية، وهو يختلف عن التعليم الديني الذي يقدم لطلاب المدارس الشرعية.
[20] صدر هذا المرسوم عن مجلس قيادة الثورة عقب انقلاب البعث بـ /6/ أشهر تقريباً في 28-11-1963.
[21] كان نص الفقرة /ب/ من المادة /3/ من القانون 31 لعام 2018 واضحاً في حصر الصفة التمثيلية لوزير الأوقاف في تمثيل الأوقاف الإسلامية فحسب، حيث جاء فيها: “وهو الممثِّل الشرعي والقانوني للأوقاف الإسلاميَّة في الجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة، ويتولى الإشراف على إدارتها وتنميتها واستثمارها، والدفاع عنها، وتمثيلها أمام القضاء والغير”.
[22] جاء في المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021 ما يلي: المادة (2): تُضاف إلى مهام المجلس العلمي الفقهي الواردة في المادة 7 من القانون رقم 31 لعام 2018 المهام الآتية: “ز- تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية والتماس الأهلّة وإثباتها، وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية. ح- إصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها”.
المادة (3): تُلغى الفقرة هـ من المادة 3 من القانون رقم 31 لعام 2018 ويُلغى الفصل التاسع من الباب الثالث المتضمن المادة 35 من القانون المذكور.
[23] هذا ما حصل فعلاً مع صدور قرار من وزارة الأوقاف حددت فيه بشكل دقيق إجراءات إشرافها على التدريس الديني.
يُنظر: وزارة الأوقاف تُحدِد شروط العمل الديني “تقرير صحفي”، سناك سوري، 10-7-2021، شوهد في: 25-11-2021.
[24] يُراجع في ذلك: ابن الصلاح الشهرزوري، أدب المفتي والمستفتي، دراسة وتحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1986، ص69 وما بعدها.
[25] برعاية رأس النظام بشار الأسد وبدعوة من وزارة أوقافه وتجمع العلماء المسلمين في لبنان أقيم في العاصمة السورية دمشق مؤتمر علماء بلاد الشام وذلك بتاريخ 4/11/2012، وكان المؤتمر تحت عنوان (الأقصى صرخة في وجدان الأمة)، وقد عقد في (مكتبة الأسد الوطنية). وقد استهلت الجلسة الأولى لمؤتمر “علماء بلاد الشام لنصرة القدس” أعمالها بتشكيل اتحاد علماء بلاد الشام ويضم في عضويته علماء في الدين الإسلامي من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وقد أنتخب ستون شخصية علمائية كهيئة تأسيسية لاتحاد علماء بلاد الشام والذي صدر عنه توصيات من 22 بنداً ترسم أفق عمل الاتحاد للفترة المقبلة وقد توزع الأعضاء على الشكل التالي: “سوريا 25 عضواً، لبنان 20، فلسطين 10، الأردن 5”.  وأسندت رئاسة الإتحاد إلى محمد سعيد رمضان البوطي، وبعد موته ورث المنصب ابنه توفيق.
تجدر الإشارة إلى أنه تم انتخاب كل من عباس الموسوي من لبنان، وهو من علماء الشيعة الإماميّة ومحسوبٌ على حزب الله، والفلسطيني عبد الله كتمتو، وهو معروف بولائه لنّظام الأسد وقربه من أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبيّة “القيادة العامّة” وبقربه كذلك من إيران إذ كان عضو لجنة الصّداقة الإيرانيّة الفلسطينيّة، والدّكتور محمّد هشام سلطان من الأردن وهو مقرّبٌ من إيران؛ نوّابًا للرّئيس.
ينظر: لمحة عن اتحاد علماء بلاد الشام، موقع وزارة الأوقاف السورية، شوهد في: 27-11-2021، محمد خير موسى، اتّحاد علماء بلاد الشّام؛ ريادةُ الفكرة ورداءةُ التّوظيف، تلفزيون سوريا، 10-1-2021، شوهد في: 27-11-2021.
[26] تم إحداث الجامعة بالمرسوم رقم (49) من رئيس النظام بشار الأسد بتاريخ 4-4-2011، حيث جاء في مادته الأولى: ” يحدث في الجمهورية العربية السورية معهد الشام العالي للعلوم الشرعية واللغة العربية والدراسات والبحوث الإسلامية مقره مدينة دمشق يرتبط بوزير الأوقاف”، ونصت مادته الثالثة: ” المادة 3: أ- يتكون المعهد من الفروع التالية:
1- مجمع الفتح الإسلامي ويضم: كلية الشريعة والقانون، كلية أصول الدين والفلسفة، كلية اللغة العربية، كلية الدراسات الإسلامية والعربية.
2- مجمع الشيخ أحمد كفتارو: ويضم كلية الدعوة والدراسات الإسلامية، كلية أصول الدين، كلية الشريعة والقانون.
3- مجمع السيدة رقية: ويضم كلية أصول الدين، كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية، كلية الشريعة”.
[27] يُنظر: لمحة عن المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف، الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف في سوريا، دون تاريخ نشر، شوهد في: 16/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/MHkmk .
[28] الأسد: الإسلام عاد إلى دوره الطبيعي.. والفكر الديني بحاجة إلى تجديد، بالعربية، 24/4/2014، شوهد في: 18/11/2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/lhhLf .
[29] تشبه سلطة المجلس الفقهي العام في تحديد الأفكار والمناهج المنحرفة والتكفيرية سلطة قاضي الإحالة في النظام القضائي السوري، حيث يملك هذا القاضي القرار النهائي في اتهام الشخص أو تبرئته إلى قضاء الحكم.
[30] تُنظر على سبيل المثال الفقرات: 1-6-12-13 من المادة /5/ من المرسوم التشريعي 185 لعام 1961.
[31] تُنظر: الفقرات: 4-5-6-7-8-9 من المادة /5/ من المرسوم التشريعي 185 لعام 1961.
[32] تنص المادة 2 منه على: – تُضاف إلى مهام المجلس العلمي الفقهي الواردة في المادة 7 من القانون رقم 31 لعام 2018 المهام الآتية:
ز- تحديد مواعيد بدايات ونهايات الأشهر القمرية والتماس الأهلّة وإثباتها، وإعلان ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية متصلة بالعبادات والشعائر الدينية الإسلامية.
ح- إصدار الفتاوى المسندة بالأدلة الفقهية الإسلامية المعتمدة على الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها.
[33] المسائل الاجتهادية لها مستويات متعددة، فمنها ما يتعلق بالمسائل العلمية من عبادات، ومعاملات نحوها، ومنها ما يتعلق بمسائل الحكم والقضاء؛ ففي المسائل العلمية يمكن أن تتعدد الجهات التي تصدر فيها فتاوى وأبحاث حتى وإن كانت هناك جهة عليا تضع الضوابط المرجعية العليا، ولكن هذه الضوابط لا تعني إطلاقاً حصر الحديث عنها بجهة واحدة وإلزام الناس بها، فضلا عن منع أهل الاختصاص من الحديث فيها، بخلاف مسائل الحكم والقضاء التي ينبغي الرجوع فيها لحكم الحاكم في التنفيذ والتطبيق، لا في منع البحث والحديث في أصل المسألة علمياً.
لم يفرق القانون الجديد بين هذه المسائل، بل يدل النص الذي جاء به “المرجعية الفقهية الجامعة” على توجه نحو تسلط المجلس وتدخله في المسائل العلمية الاجتهادية، وفرض وجهة نظره، وإن أضيف لذلك بقيةالمواد التي تشير إلى صلاحيات المجلس في التصنيف والحكم بالغلو والتطرف والإرهاب والعنف فإن ذلك يوحي بخطورة شديدة.
[34] اعتاد نظام الأسد توظيف سلطته لإنشاء عدة أدوات يستطيع من خلالها معاقبة كل مَن ثار ضده؛ فمثلاً: في المجال القضائي شكّل محكمة الإرهاب، وفي المجال العقاري أصدر القانون رقم 10 لعام 2018 لمصادرة عقارات المعارضين لحكمه.
[35] أصدر مركز الحوار السوري دراسة من عدة إصدارات حول التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا.
ينظر: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا، مركز الحوار السوري، 2020، شوهد في: 27-11-2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى