
خريطة طريق لمعالجة ملف النازحين داخلياً في سوريا
المقدمة:
كشف سقوط نظام الأسد عن مشهد دمار طاغٍ شمل غالبية المناطق السورية، وعن أزمة إنسانية محسوسة جرّاء اقتصاد منهار، وعن أوضاع إنسانية كارثية شملت شرائح واسعة من السوريين تحتاج إلى تدخل إسعافي سريع. وبين جملة الملفات الطارئة الحرجة يبدو ملف النازحين داخلياً على قائمة هذه الأولويات، لاسيما بعد أن زال السبب وراء نزوحهم، وتأملوا بعودتهم إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم.
بلغ عدد النازحين داخلياً في عموم المناطق السورية أواخر عام 2023 ما يقارب 7.2 مليون نازح داخلي، يشكلون ما يقارب 10% من إجمالي عدد النازحين داخلياً حول العالم، مشكلين ثاني أكبر كتلة بشرية من النازحين داخلياً بعد السودان. وقد نزح 91% منهم بسبب الحرب التي شنّها نظام الأسد البائد على شعبه، بينما نزح ما يقارب 9% نتيجة الكوارث، لاسيما زلزال شباط 2023، وفقاً لبيانات مركز رصد النزوح العالمي IDMC [1].
تحاول هذه الورقة تقديم لمحة مفصلة عن واقع النزوح السوري وخيارات العودة المتاحة، كما يسلّط الضوء على مجموعة من التحديات والعوائق، ويقدّم تجارب انتهجتها بعض الدول في سياقات مشابهة؛ فتنتهج الورقة بهذا منهج البحث المكتبي، والبحث المقارن، مستفيدين في ذلك من التقارير والدراسات المنشورة في هذا المجال، ومن التجارب المتنوعة في السياقات المشابهة؛ في محاولة استقراء أفضل لما سيؤول إليه هذا الملف.
أولاً: النزوح الداخلي؛ نظرة مفاهيمية:
يُعرف النازحون داخلياً بأنهم “الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار أو مغادرة منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة، كنتيجة أو من أجل تجنب آثار النزاع المسلح، أو حالات العنف المعمم، أو انتهاكات حقوق الإنسان، أو الكوارث الطبيعية، أو الكوارث من صنع الإنسان، والذين لم يعبروا حدود دولة معترف بها دوليا”[2].
بدأ الاهتمام بالنازحين داخلياً مع أحداث يوغوسلافيا عام 1991، حين شجّع المجتمع الدولي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR على توسيع أنشطتها تحت مظلة “الحماية الوقائية”، وتقديم برامج بهدف التخفيف من أسباب تحركات اليوغسلافيين عبر الحدود. لقد كان الدافع وراء ذلك تحويل الاهتمام إلى أن أنشطة الحماية ضمن البلد المنتج للاجئين هي أفضل وسيلة للتخفيف من تدفقاتهم خارجه، وتم الاعتراف بالمفوضية وكالة إنسانية رائدة للأمم المتحدة في العام نفسه، وتغير دورها من مجرد العناية باللاجئين إلى العناية بأولئك الذين لم يتم تهجيرهم من خلال تقديم المساعدة للسكان قرب خطوط المواجهة[3].
وفي عام 1992 قدّم فرانسو دينج الممثل الخاص للأمم المتحدة المعني بالنازحين داخلياً تقريراً أشار فيه إلى أن غياب المساعدات والحماية للنازحين داخلياً سيدفعهم إلى تخطّي الحدود والتحول إلى لاجئين، وأن تقديم الحماية والمساعدة في الدولة الأم قد يكون شكلاً من أشكال الوقاية من موجات لجوء جديدة[4]. وبتوجيه من لجنة حقوق الإنسان تم إصدار معايير دولية عُرفت فيما بعد باسم “المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي”، التي اعتُبرت معايير دولية ناظمة لعمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وغير الحكومية، كما تم إدماجها في عدد من السياسات والقوانين الوطنية ساعدت على تحديد حقوق ومسؤوليات السلطات الوطنية ودور الجهات الفاعلة الإنسانية[5].
يمكن تصنيف حقوق النازحين داخلياً المنصوص عليها في المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي إلى ثلاث فئات رئيسة، وهي[6]:
- حقوق تندرج تحت بند حقوق الإنسان باعتبارها حقوقاً جوهرية لا يمكن إنكارها، وتشمل الجميع دون استثناء، مثل: الحق في الحياة، والتعليم، والضمان الاجتماعي.
- حقوق النازحين داخلياً باعتبارهم مواطنين في بلدهم، منها: الحق في تولي بعض المناصب العامة، والانتخاب، والترشيح.
- الحقوق التي يكتسبها النازحون بحكم وضعهم، منها: الحق في الحصول على وثائق هوية تؤكد جنسيتهم، والحق في الحصول على الوسائل التقنية ووسائل إعادة التأهيل.
وينص المبدأ الخامس من المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي على أن حماية النازحين داخلياً هي مسؤولية السلطات المحلية في البلاد بالدرجة الأولى، ولكن في حالات خاصة عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة في الوفاء بدورها تنتقل مسؤولية الحماية إلى المجتمع الدولي[7]. وعليه انقسمت مسؤولية حماية النازحين داخلياً في سوريا بين عامي 2014 -2024 قسمين:
- تحملت حكومة نظام الأسد بالتعاون مع المؤسسات الدولية العاملة في دمشق مسؤولية تقديم “الحماية” للنازحين داخلياً على أراضيها.
- تحملت منظومة الأمم المتحدة ومكتب التنسيق الإنساني OCHA الذي يدير عملية الاستجابة الإنسانية وفق نظام المجموعات Clusters مسؤولية تقديم الحماية للنازحين داخلياً في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد (خاصة مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة السورية) من خلال عمليات الاستجابة الإنسانية عبر الحدود التي تُدار من مكتب في تركيا، ومكاتب أخرى تم إيقاف عملياتها لاحقاً.
ويتضمن مفهوم حماية النازحين داخلياً ضمان الأمن الجسدي وسلامة النازحين من العنف، وتأمين المأوى بعد النزوح والغذاء والماء والخدمات الأساسية اللازمة لتلبية احتياجات النازحين داخلياً، والعمل على الحفاظ على حقوق النازحين قانونياً، وتوفير الدعم القانوني لهم لضمان حصولهم على وثائق الهوية والحقوق القانونية، ومساعدتهم في الاندماج ضمن المجتمعات المضيفة والتخفيف من التوترات بينهم[8].
لقد تم التعامل مع موجات النزوح الداخلي وتقديم الدعم الدولي لها من منطلق إنساني؛ إذ تُصنّف حركات النزوح بشكل عام على أنها حالات طوارئ إنسانية، وتُعالج ضمن الاستجابة الطارئة التي تقودها المنظمات الإنسانية، لاسيما في غياب وجود دعم خاص موجه للنزوح[9].
إن عملية النزوح وما يرافقها من دوافع ومؤثرات عملية معقدة، تؤثر كثير من العوامل في قرار اختيار النازحين داخلياً الوجهة التي يستقرون فيها، كما تتأثر قرارتهم بقدرتهم على إعالة أنفسهم وأسرهم، وبتوافر فرص العمل، والخدمات والدعم الإنساني. ومن جهة أخرى غالباً ما تكون قضايا النازحين وحقوقهم على أجندة اتفاقات السلام والحلول السياسية، ويُعد إيجاد حلول دائمة للنازحين داخلياً مؤشراً على تقدُّم عملية السلام ونجاحها[10].
إن النزوح الداخلي مشكلة متعددة الأبعاد لها آثار بعيدة المدى؛ إذ يؤثر في الصحة البدنية وسبل العيش والتعليم والإسكان والبنية الأساسية والحياة الاجتماعية، كما أنه يسبّب عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد على المستويات الفردية والاجتماعية؛ فتعاني الأسر التي نزحت من مسكنها من انخفاض مستوى المعيشة وتدخل في دوامة الفقر لفترات طويلة، كما أنه يؤثر في الحالة الصحية والعقلية نتيجة فقد الممتلكات وبسبب انهيار الروابط الأسرية، فضلاً عن نقص الوصول إلى الخدمات، وارتفاع معدلات التسرب من المدارس، والتمييز والتهميش من المجتمع المضيف؛ مما يسهم بمجموعه في زيادة حالة عدم الاستقرار السياسي[11].
1-1-النزوح الحضري:
من الضروري عند الحديث عن أزمة النزوح الداخلي الانتباه بشكل واضح إلى ” النزوح الحضري “؛ إذ لا يقتصر النازحون على سكان المخيمات فقط، وإن كانوا الفئة الأكثر وضوحاً في مشهد النزوح، ففي كثير من الأحيان يفضل العديد من النازحين السكن على نفقتهم الخاصة في المناطق الحضرية (المدن والبلدات والقرى) للعديد من الأسباب، أهمها: تجنُّب وصمة النزوح، والبحث عن فرص عمل أفضل، وتجنُّب تقييد الحركة الذي يُفرض في عدد كبير من المخيمات.
يؤثر النزوح الحضري في المجتمعات المضيفة بشكل إيجابي وسلبي في الوقت نفسه؛ فهو يزيد من الطلب على السكن والضغط على سوق العمل والمرافق والخدمات التعليمية، ويؤدي إلى انتشار الأحياء الفقيرة أو توسع المدن بشكل غير رسمي[12]، ولكنه وفي الوقت ذاته يرفد المنطقة بالعمالة المتنوعة التي يملك جزء منها خبرات وكفاءات قد لا تكون موجودة في المجتمع المضيف، وقد تنشئ مشاريعها الخاصة لاحقاً، كما أنه يستجلب معه نشاط المنظمات والهيئات التي تسعى إلى زيادة المرافق الخدمية والتعليمية والصحية وتحسين واقع المنطقة، كما حدث في أرياف إدلب وحلب.
يواجه النازحون الحضريون في بعض الأحيان ممارسات إقصائية، إضافة إلى عدم الاعتراف بحقوقهم وافتقار المشاركة في القطاعات غير الرسمية من جانب السلطات المحلية؛ ولكن في كثير من الحالات ينجح النازحون في الاندماج مع المجتمعات المضيفة، وقد يختار العديد منهم البقاء فيها حتى بعد أن يصبح من الآمن العودة إلى ديارهم[13].
ومن الضروري عند تصميم الحلول الدائمة للنزوح الأخذ بعين النظر النزوح الحضري، واحتمالية بقاء العديد من النازحين في مناطق نزوحهم، والعمل على إعادة النظر في مسارات التنمية بما يتوافق مع الواقع الجديد، فعلى سبيل المثال: استوعبت المناطق الحضرية في أثيوبيا عام 2017 نصف النازحين داخلياً؛ إلا أن ضعف الحكومة وغياب التخطيط أدى إلى نمو حضري سريع غير مخطط له، وتم بناء وحدات جديدة وتوسيع المنازل بشكل غير نظامي دون وجود خدمات كافية لتغطية احتياجات السكان الجديدة[14]. أما في العراق فقد تضمنت الاستجابة للنزوح الذي حدث عام 2014 محاولات لتطوير عشر مستوطنات للنازحين داخلياً في ثماني محافظات، وتم توسعتها واعتبارها امتداداً للمدن القائمة، ترافقت مع تطوير البنية الأساسية للمدينة وتوسعها والتركيز على المأوى والمدارس والمرافق الصحية، إلى جانب معالجة مشكلة الممتلكات وإيجاد حل لمشكلة الوثائق العقارية والقانونية المفقودة والمتضررة؛ مما قدّم حلولاً أفضل أسهمت في استيعاب النزوح الحضري بشكل أفضل[15].
1-2-الحلول الدائمة للنزوح:
اهتم الخبراء والمؤسسات المعنية بالنزوح الداخلي بدراسة متى وكيف ينتهي النزوح الداخلي؛ إذ وجدوا أن مجرد تغيير مكان النزوح غير كافٍ لإنهائه طالما أن نقاط الضعف التي خلّفها النزوح لا تزال مستمرة، ولهذا نصّت المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي على ضرورة السعي من أجل إنهاء حالة النزوح بشكل كامل وفقاً لأحد الحلول الدائمة المنصوص عليها، وهي تتضمن أحد الحلول الثلاثة الآتية:
- عودة النازحين داخلياً إلى مجتمعاتهم الأصلية.
- دمج النازحين داخلياً في المجتمعات المحلية التي نزحوا إليها.
- إعادة توطينهم ونقلهم للاستقرار في مكان آخر داخل البلاد بشكل يتبع الخطط الحكومية للتنمية[16].
أشارت العديد من الدراسات إلى أن الحل الدائم لإنهاء عملية النزوح يتحقق عندما لا تتبقى أية نقاط ضعف لدى النازحين داخليا، أو حتى احتياجات حماية مرتبطة بالنزوح، ويصبحون قادرين على التمتع بحقوقهم الإنسانية كأقرانهم الذين لم يتعرضوا للنزوح[17].
ويشير إطار عمل اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات للحكومة والمعنية بالحلول الدائمة IASC إلى الشروط الواجب توافرها في الحل الدائم للنازحين داخلياً، الذي يؤدي إلى إنهاء حالة النزوح، وهي: ضمان السلام والأمن، وحرية التنقل، ومستوى العيش اللائق، والوصول إلى فرص العمل وسبل العيش، والوصول إلى آليات فعالة لاستعادة السكن والأراضي والممتلكات، والقدرة على استبدال الوثائق ولمّ شمل الأسرة، والمشاركة في الحياة العامة، والقدرة على الانتصاف الفعّال تجاه الانتهاكات المتعلقة بالنزوح[18].
يُعد حلّ عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية الحل المفضل عند الحكومات وعند المجتمع الدولي[19]، ولكن نجاحه يعتمد على أسباب النزوح بشكل أساسي وعلى رغبة النازحين في العودة، في حين يُعد حل إعادة التوطين المخطط له من أكثر الحلول كلفة مادية، وغالباً ما يُستخدم في إطار النزوح الناتج عن الكوارث الطبيعية والمناخية عندما تصبح مناطق النازحين الأصلية غير صالحة للسكن[20]. أما حلول التكامل المحلي والاندماج في المجتمعات المضيفة فيتعلق بقدرة مجموعات النازحين داخلياً على الاندماج مع المجتمعات المضيفة، وهي تتأثر بمجموعة من العوامل، منها: المعتقدات الشخصية والدينية، والثقافة، والقيم الشخصية، ولغة التواصل، بالإضافة إلى ووجود فرص عمل وخدمات يستفيد منها الجميع، والقدرة على التعامل مع التوترات المجتمعية التي غالباً ما تظهر نتيجة التنافس على الموارد وفرص العمل[21].
قدّمت العديد من المؤسسات الدولية التقارير والأدلة والإرشادات التي تساعد على فهم سياق حماية النازحين داخلياً، لاسيما في حالة إعادة التوطين المخطط له، كما وفر البنك الدولي مجموعة إرشادات تكميلية لإدماج النازحين داخلياً في منظور التنمية، ونُشرت العديد من التقارير والأدلة والأدوات تكميلية، كما وضعت اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات للحلول الدائمة إطار عمل يساعد الحكومات في فهم معايير الأمن والسلامة في حالات النزوح[22].
وبغضّ النظر عن شكل الحلول النهائية المعتمدة يفترض أن يتمتع النازحون داخلياً بحق تقرير مصيرهم، وأن يقرروا متى وأين وكيف وإلى أين سينتقلون، وأن تدعم الحكومات والجهات الفاعلة قراراتهم، لا أن تفرض عليهم شيئاً لا يرغبون به[23].
ثانياً: النزوح الداخلي في سوريا بالأرقام:
إن التفكير في إيجاد حلول دائمة للنزوح الداخلي يقتضي معرفة شكل هذا النزوح وحجمه وحركته والتبدلات التي طرأت عليه خلال الفترة السابقة ومناطق وجوده الحالية والتفضيلات التي تناسبه لإنهاء حالة النزوح؛ إذ توضح الأرقام معلومات حول الشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع، التي قد نزحت أكثر من مرة وتتفاوت في درجات الضعف والحاجة، وقد يحتاج غالبيتها للتدخل ومعالجة جوانب الضعف حتى لو عاد بعضها إلى مناطقه الأصلية بشكل فردي.
بدأ النزوح الداخلي في سوريا عام 2011 مع اندلاع الثورة السورية وانتهاج نظام الأسد الحل العسكري لمواجهتها، وقد بلغت أعداد النازحين داخلياً في أواخر عام 2011ما يقارب 600 ألف شخص، تزايدت أعددا النازحين داخلياً في الأعوام اللاحقة لتصل إلى ذروتها عام 2014 حين نزح ما يزيد عن 7.6 مليون سوري في مختلف المناطق السورية، ثم تراجعت أعداد النازحين داخلياً بشكل يسير في السنوات اللاحقة لتصل إلى 6.1 مليون نازح عام 2018، ثم عاودت الصعود لتصل إلى 7.3 مليون نسمة أواخر عام 2023 وفقاً لبيانات مركز رصد النزوح الداخلي [24]IDM (الشكل1).
الشكل 1: أعداد النازحين داخلياً في سوريا نتيجة الصراع والعنف بين عامي 2008-2023 ،المصدر IDMC
يعرّف مشروع بروكينغز للنزوح الداخلي “حالات النزوح الداخلي المطول” بأنها: حالات النزوح لمجموعات سكانية يزيد عدد أفرادها عن 25,000 شخص نزحوا داخل بلادهم لمدة خمس سنوات أو أكثر[25]؛ ولذا فإن توصيف النزوح السوري يندرج تحت وصف “النزوح الداخلي المطول”.
وقد أشارت تقارير حديثة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى وجود 7.4 مليون نازح داخلي بداية عام 2025 على كامل الأراضي السورية، وأن 82% منهم ضمن الشرائح الأكثر احتياجاً؛ حيث يعيش ما يزيد عن 2 مليون شخص ضمن المخيمات غالبيتهم من النساء والأطفال، بينما يتوزع ما يقارب 5 مليون نازح داخلي خارج المخيمات (نازحون حضريون)، 77% منهم يندرجون ضمن الشرائح الأكثر احتياجاً. ويتوزع النازحون الحضريون في ريف حلب بالدرجة الأولى بنسبة 20% من إجمالي عدد النازحين الحضريين، و19% في ريف دمشق، و15% في إدلب، و12% في دمشق، و9% في اللاذقية، والبقية في بقية المحافظات[26].
تسبّبت عملية ردع العدوان ضد نظام الأسد التي بدأت في تشرين الثاني 2024 بتجدد موجات النزوح، وكذلك العمليات العسكرية لملاحقة فلول النظام البائد التي حدثت في بداية شهر آذار 2025.
وتشير أرقام المفوضية إلى عودة مليون شخص من المناطق السورية كافة إلى مناطقهم الأصلية في الفترة بين بداية العمليات العسكرية إلى 27 من آذار؛ إلا أن 44% من العائدين كانوا نازحين قبل تشرين الثاني و56% منهم نزحوا بعد نهاية تشرين الثاني لفترة مؤقتة نتيجة الاشتباكات، وعادوا بعد مدة قصيرة للاستقرار في مناطقهم وقراهم[27].
وعلى الرغم من سقوط نظام الأسد إلا أن النزوح ما يزال مستمراً نتيجة عدم استقرار الأوضاع العسكرية والسياسية، ولم يتجاوز العائدون من المخيمات في مناطق سيطرة قوى المعارضة السورية السابقة 185ألف نازح حتى منتصف آذار 2025، وتشير خريطة العائدين إلى أن أغلب حالات عودة النازحين كانت من المناطق التي خضعت سابقاً لسيطرة نظام الأسد إلى مناطقهم الأصلية، فيما تُلاحظ عودة أقل من مناطق إدلب باتجاه ريف دمشق ودرعا، حيث تحتل محافظة حلب الوجهة الأولى للعائدين، تليها محافظة حماة، ثم إدلب[28] (الشكل 2).
الشكل 2: حركة العائدین حسب المحافظات حتى 9 شباط 2025[29]
ثالثاً: عودة النازحين السوريين العشوائية إلى مناطقهم الأصلية؛ عوائق وتحديات:
لم تتطرق الحكومة السورية الانتقالية بعد إلى الحديث عن تصوراتها حول إنهاء النزوح الداخلي؛ وبالنظر إلى التحديات التي تواجهها والوضع الاقتصادي الصعب، ومع بدء العودة العشوائية لبعض النازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، وعودة بعض اللاجئين من دول الجوار كلبنان والأردن وتركيا؛ يبدو أن ثمّة شريحة واسعة من النازحين واللاجئين تفضّل حل العودة بأسرع وقت، بغض النظر عن خطة الحكومة لإنهاء النزوح، ولا يمكن الحديث عن الحلول الأخرى لعدم وجود أية معلومات متاحة حالياً حول تفضيلات النازحين السوريين وحجم الشريحة التي قد ترغب في الاستقرار في المجتمعات المضيفة بشكل دائم. كما لا يبدو خيار إعادة التوطين المخطط له حكومياً مطروحاً حالياً؛ نظراً لعدم تبلور رؤية حكومية حول الحلول المقترحة ولارتفاع كلفة هذا الخيار.
ويعتقد المفوض السامي لشؤون اللاجئين أن العودة إلى الوطن هي الحل الأكثر استدامة لمشاكل النازحين داخلياً مقارنة بالاندماج أو إعادة التوطين، وهي أمر شديد الأهمية لعملية إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، كما تشير دراسات إلى أن النازحين لديهم ميل غريزي للعودة إلى ديارهم بدل استكشاف خيارات أخرى، ولكن من المهم ألا يُجبر النازحون داخلياً على خيار واحد؛ إذ لا ينبغي أن تعرض تحركاتهم للعودة سلامتهم أو كرامتهم للخطر[30].
ثمّة أربع فرضيات تتعلق بنوايا العودة؛ فترى إحدى الفرضيات أن النازحين أقل عودة إلى مناطقهم الأصلية إذا خاضوا تجربة تكامل محلي ناجح في المجتمعات المضيفة، بينما تتحدث فرضية ثانية عن تأثير الشعور بالوطن والذكريات الإيجابية عن المناطق الأساسية في زيادة احتمال عودة النازحين داخلياً إلى أماكنهم الأصلية، وتربط فرضية ثالثة إمكانية عودة النازحين داخلياً بوجود رأس المال الاجتماعي، أي وجود أقارب ومنظمات ومؤسسات، وهو ما يسهّل العودة السلسة، بينما ترى دراسات أخرى أن فرضية الأمن والسلامة هي أحد العوامل الأساسية في قرارات العودة[31].
لا بد من الإشارة إلى مجموعة من التحديات التي تواجه عودة السوريين الحالية، لاسيما وأنها تتم بشكل عشوائي وغير مخطط له من قبل الحكومة حالياً، وقد تنتج عنها العديد من المشاكل الآنية والمستقبلية. ومنها:
3-1-إشكالية إثبات الملكية، وفقدان الوثائق الرسمية:
هناك عوامل تشجّع النازحين على العودة إلى مناطقهم الأصلية، ومنها وجود أصول وممتلكات كالمنازل والأراضي وسبل العيش، وبالنظر إلى ما تخلّفه الصراعات من دمار وتخريب وتعدٍّ على الممتلكات تصبح عملية إثبات هذه الملكية التابعة للنازحين معضلة في كثير من الأحيان.
حظيت مشكلة فقدان الممتلكات في سوريا بالكثير من الاهتمام البحثي واهتمام المنظمات الإنسانية حتى قبل سقوط نظام الأسد؛ فقد وجدت بعض الدراسات أن التحديات التي تواجه عملية معالجة مشاكل وحقوق الملكية ستكون هائلة بالنظر إلى ديناميكيات الصراع، وإلى النظام القانوني المعقد الذي يحكم حقوق السكن والأراضي في سوريا، بالإضافة إلى حجم الضرر والدمار الكبير الذي محا معالم بعض المناطق وتعقيد حالات النزوح، إلى جانب الضرر الذي لحق بسجلات الممتلكات، ووجود نسبة عالية من النازحين الذين كانوا يعيشون في مستوطنات غير رسمية؛ وهذا ما يجعل عملية إعادة الممتلكات إلى أصحابها أمراً بالغ الصعوبة[32].
تشير بيانات حكومة نظام الأسد إلى أن 50% من الأراضي في سوريا لم تكن مسجلة رسمياً قبل بداية الثورة السورية، كما تشير بيانات البنك الدولي إلى أن أكثر المناطق الحضرية في سوريا ويعيش فيها نصف سكان سوريا (11.25 مليون نسمة) يعيش فيها 17% من السكان (ما يقارب 1.9 مليون نسمة) في مستوطنات غير رسمية (مناطق مخالفات)، كما قام العديد منهم باستخدام أوراق بديلة مثل عقود البيع والوثائق غير الموثقة لإثبات ملكية في حالة غياب سندات رسمية، ويبدو الوضع في الأرياف أسوأ مقارنة بالمدن الكبيرة[33].
وقد أوضحت إحدى الدراسات أن ما يزيد عن نصف العينة التي قاموا بدراستها وشملت 4006 مجتمعاً لديهم مشاكل في إثبات الملكية، و75% فقدوا وثائق ملكيتهم، وأنهم سيواجهون تحديات في إثبات ملكياتهم، خاصة في حالات الملكيات العقارية غير القانونية وغير الموثقة، أو الممتلكات التي يشغلها آخرون بشكل غير قانوني. كما أن 60% من المجتمعات التي تم تقييمها أفادت بأن ممتلكاتها قد استولى عليها آخرون بشكل غير قانوني بعد عام 2011، وأن 56% من هذه المجتمعات تم نهب ملكياتها الخاصة، وحتى الذين يملكون وثائق ملكية أشار نصفهم إلى أن ورقة الطابو لم تصدر بأسماء جميع المتملكين للعقار، وإنما صدرت بأسماء بعض منهم، خاصة الأقارب الأكثر سناً والذكور منهم، وستواجه النساء صعوبة في الحصول على ممتلكاتهن، لاسيما في المناطق الريفية[34].
ومن جهة أخرى حدثت عملية تزوير واسعة النطاق لوثائق الملكية في المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد بعد تهجير أهلها منها، وذلك بإتمام عمليات بيوع قامت بها مجموعات وسيطة استخدمت وثائق مزورة، أو من خلال مصادرة أملاك المعارضين وبيعها بتوجيه من حكومة الأسد ومناصريه. فضلاً عن الغموض الذي يلفّ تاريخ وفاة الآلاف من أصحاب الممتلكات ما قبل سقوط نظام الأسد من المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسرياً، وهو ما جعل عملية إجراءات الميراث صعبة. وإلى جانب ذلك لم يتم الاعتراف بالمعاملات العقارية التي حدثت في هذه المناطق خلال فترة خروجها عن سيطرة نظام الأسد، على اعتبار أن المحاكم الموجودة آنذاك ليس لديها ترخيص رسمي[35].
تؤكد قرارات مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة حق جميع الناس النازحين داخلياً واللاجئين في العودة بحرية إلى بلدانهم، واستعادة أي مساكن أو ممتلكات حُرموا منها، والحصول على تعويضات عن الممتلكات. وتوفر مبادئ الأمم المتحدة مجموعة شاملة من المعايير الدولية لإعادة المساكن والممتلكات، وتتطلب هذه المبادئ من الدول تبنّي إجراءات وسياسات وإنشاء مؤسسات و”آليات عادلة ونظم مستقلة وشفافة وغير تمييزية” للاستفادة من هذا في الحصول على دعم دولي[36].
وفي الحالة السورية من المرجح بشكل كبير أن تؤدي العودة المستقبلية للنازحين أو اللاجئين إلى سوريا _في حال استمرت بشكلها العشوائي الحالي_ إلى ظهور العديد من التوترات نتيجة استخدام وشغل الأراضي والممتلكات بشكل غير قانوني من قبل غير المالكين الأصليين، كما أن من المتوقع حدوث كثير من التحديات نتيجة وجود عقود خاصة أو اتفاقيات غير مسجلة في الأنظمة القانونية، أو عمليات بيع تمت تحت الضغط المالي أو تحت الضغط السياسي، بالإضافة إلى وجود عمليات إخلاء قسري ومصادرة للأملاك والمعاملات تحت الإكراه[37].
3-2-العودة قد لا تكون خيار الجميع؛ تأثير العمر وسبل العيش والانقسامات المجتمعية:
عند تصميم أي مشروع لإنهاء حالة النزوح لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن العودة إلى المجتمعات الأساسية ليست الخيار المفضل للجميع؛ إذ تشير عدد من التجارب إلى وجود عوامل مؤثّرة في قرارات النازحين، فعلى سبيل المثال: تشير تجربة نزوح ما يقارب 360 ألف نسمة في مراوي في الفلبين عام 2017 عقب التوترات العسكرية التي استمرت قرابة 5 شهور وتسببت في دمار كبير إلى أن خيار العودة إلى الوطن كان رغبة طوعية للغالبية من الشريحة الأكبر سنّاً فقط؛ بالنظر إلى ارتباطهم بالمكان ورغبتهم في استئناف أعمالهم الصغيرة، رغم معاناتهم السابقة من التمييز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مناطقهم الأصلية لأن غالبية النازحين من مجموعات عرقية من المسلمين[38].
لقد كانت الدوافع الأساسية لعودة النازحين إلى مراوي قائمة على رغبتهم في إعادة بناء سبل العيش وأنشطتهم المعيشية التقليدية التي امتزجت مع الحديث عن الوطن والذكريات، خاصة مع عدم توافر العوامل المشجعة الأخرى على الاندماج في المجتمعات المضيفة، مثل غياب فرص العمل والمساعدات المادية وضعف الشعور بالأمان، إلى جانب وجود إحساس بالحرج لكونهم معالين من قبل أسرهم المضيفة، ومخاوف من الغرق في الفقر ونقص الغذاء فيما لو بقوا في أماكن النزوح[39]، وتظهر هذه التجربة أن وجود سبل العيش قد تكون أحد العوامل الدافعة للعودة أو المثبطة عن العودة وأن تفضيل فكرة العودة قد تختلف بحسب الشرائح العمرية.
كما تشير الدراسات إلى أن في حالات النزوح المطول يفضل النازحون داخلياً الانتقال إلى المناطق الحضرية بدل البقاء في المخيمات أو العودة إلى مناطقهم؛ إذ تتوافر الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل فيها أكبر، وهو ما يعزّز الشعور بالاستقلال والتكامل غير الرسمي مع المجتمع المضيف[40]. في حين قد يفضل كثير من الشباب الانتقال إلى المدن الكبرى بدل عودتهم إلى مناطقهم الريفية التي تفتقد فرص العمل والخدمات[41]. وهو ما يندرج في إطار الهجرة الداخلية لأسباب اقتصادية، ويزيد من التمركز في المدن الكبرى، ويعطّل عملية تنمية الأرياف وتطويرها.
وفي العراق نزح العديد من السكان بعد عام 2003 نتيجة للتوترات الأمنية والمعارك، وقد استقبلت منطقة كردستان العراق نسبة كبيرة من النازحين الأكراد، ورغم وجود حالة من التنافس بين النازحين داخلياً والمجتمع المضيف أسهمت النزعة التكافلية وتقاسم الأسواق المشتركة والمطاحن وبعض الأماكن الدينية وخدمات النقل وغيرها في خلق الشعور بالانتماء عند النازحين إلى المجتمعات المضيفة أكثر من مجتمعاتهم الأصلية، وقد رغب عدد كبير من النازحين في البقاء في المجتمعات الجديدة بسبب التجانس العرقي، وعزفوا عن العودة لإحساسهم بعدم الانتماء إلى المجموعات العرقية المهيمنة، لاسيما وأن التدمير الشامل الذي حدث للممتلكات كان ذا طابع عرقي[42].
لقد كانت أولوية النازحين تركز على البقاء في المجتمعات المضيفة نظراً لوجود الهويات الاجتماعية المشتركة شكلت عامل راحة بالنسبة إليهم، مكّنهم من حرية التعبير عن أنفسهم، بالإضافة إلى وصولهم إلى الخدمات، خاصة أولئك الذين تمكنوا من الحصول على وظيفة ودخل منتظم[43].
وفي العراق أيضاً كانت الانقسامات الاجتماعية عاملاً معيقاً لعودة النازحين أو تجدد نزوحهم بعد العودة؛ فقد تسبب ظهور تنظيم “داعش” ثم إخراجه من العراق عام 2015 في موجات جديدة من النزوح، ومزيد من التوترات والانقسامات بين المجموعات، ورغم جهود حكومية ودولية لدعم عودة النازحين فإن العائدين واجهوا اتهامات بانتمائهم إلى “داعش”، أو اعتُبروا من حاضنتها أو اتُّهموا بارتكابهم جرائم حرب أو قيامهم بعمليات انتقامية؛ فقد كانت الشروخ المجتمعية حاضرة في زعزعة الثقة والأمن في المجتمعات التي استقبلت العائدين، وهو ما شكّل بيئة طاردة لهم، لاسيما مع غياب آليات المساءلة عن الجرائم السابقة، وعدم فهم احتياجات الضحايا، وغياب مشاركة المجتمعات المحلية في حل النزاعات[44].
وقياساً على ما سبق يمكن أن نتوقع وجود أربع شرائح في الحالة السورية ذات توجهات مختلفة: الأولى ترغب في العودة إلى مناطقها الأصلية رغم وجود توترات سابقة فيها كما في تجربة مراوي. في حين قد ترفض شرائح أخرى العودة إلى مناطقها نظراً لوجود إرث سابق من الانتهاكات والتوترات المجتمعية والمخاوف من تجدد العمليات الانتقامية أو لرغبتها في البحث عن فرص عمل أفضل. أما الشريحة الثالثة فتلك التي قد تفضّل البقاء في المجتمعات المضيفة، لاسيما بعد أن نجحت في الاندماج وكوّنت مع هذه المجتمعات انتماءات وعلاقات جديدة تعوّضها عن العودة إلى مجتمعاتها الأصلية. إلى جانب شريحة رابعة قد لا ترغب في أحد الحلول الدائمة الثلاثة وترغب في التنقل والاستقرار حيث تتوافر فرص عمل، دون أن تلتزم بسياسات الحكومة في إنهاء النزوح إن وُجدت لاحقاً. وقد تتضمن الأسرة الواحدة أصحاب توجهات مختلفة؛ وهو أمر يُفترض أن يُؤخذ بعين الاعتبار ضمن السياسات والخطط المستقبلية.
3-3-الألغام والمتفجرات وبقايا الذخائر القابلة للانفجار:
تُعد مشكلة الألغام الأرضية والعبوات الناسفة ومخلفات الحرب إحدى العوامل الدافعة للنزوح، والمعرقلة لعملية العودة إلى الوطن، خاصة في البلدان التي شهدت صراعات عسكرية خلّفت أعداداً كبيرة من النازحين داخلياً. وتشير التقارير إلى وجود ما يقارب 100 كم2 من الأراضي الملوثة بالألغام على أقل تقدير، إلى جانب ارتفاع معدلات استخدام العبوات الناسفة التي يتم تشغيلها بواسطة الضحية، التي استعملت تفخيخ المنازل والمدارس والمستشفيات وغيرها من هياكل الخدمات، إلى جانب استخدام أنواع من الألغام والعبوات التي تُوضع ضمن أباريق الشاي أو بعض الثلاجات والمكانس وأجهزة الكهرباء والكمبيوتر؛ مما يجعل اكتشافها صعباً للغاية وإمكانية إلحاقها الضرر بالناس كبيراً جداً[45].
فعلى سبيل المثال: أثناء حصار قوات نظام الأسد بلدة مضايا عام 2015 قامت بزراعة ألغام أرضية حول البلدة لمنع الناس من الفرار من القصف الجوي والجوع وفقاً لإفادات منظمات حقوق الإنسان، كما أفادت تقارير أخرى أن قوات نظام الأسد قامت بزرع ألغام في طرق العبور التي يستعملها النازحون بين دير الزور شمال سوريا والحسكة أثناء محاولتهم الهروب من مناطق القصف العسكري المكثف في دير الزور، وأسفرت هذه الألغام عن مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين بينهم أطفال[46].
وتشير تقديرات منشورة عام 2021 إلى وجود 2562 مجتمع في سوريا يضم ما يقارب 11.5 مليون شخص أبلغ سكانها عن وجود ذخائر متفجرة حولهم خلال 2019-2020؛ حيث توزعت هذه الذخائر في المناطق القريبة من المناطق الحضرية وضمن الأراضي الزراعية[47]. أما بعد سقوط نظام الأسد فتشير آخر التحديثات إلى مقتل 141 شخصاً بينهم 24 طفلاً و13 امرأة بسبب 198 حادثة مرتبطة بالذخائر المتفجرة، بينما أُصيب 265 آخرون بينهم 114 طفلاً و16 امرأة في الفترة ما بين من بداية كانون الأول 2024 حتى منتصف شباط 2025، 66% من الحوادث وقعت خلال ممارسة أعمال زراعية أو رعي حيوانات[48]؛ حيث يوجد ما لا يقل عن 136 حقل ألغام في كل من إدلب وحلب وحماة ودير الزور واللاذقية فقط[49].
رابعاً: تجارب يمكن الاستفادة منها في سياق الحلول الدائمة للنازحين داخلياً:
شهدت العديد من الدول تجارب مختلفة السياقات، كان الهدف منها إيجاد حلّ للنازحين داخلياً وفق أحد الحلول الدائمة، وإنّ تدارُس هذه التجارب بالتفصيل يمكن أن يعطي تصوراً واقعياً لمدى تعقيد العملية والتحديات التي تحيط بها، وضرورة التخطيط والتحضير الكبير لها، ومن أبرز هذه التجارب:
4-1- تجربة دارفور عام 2017؛ المشاركة المجتمعية في عملية التخطيط:
بدأت السودان عام 2017 بتشجيع من الأمم المتحدة بالسعي لإيجاد حلول دائمة لنحو 2 مليون نازح داخلي، وكان الدافع وراء هذا الاهتمام ليس مجرد انخفاض حدة الصراع فحسب، وإنما رغبة الحكومة في رفع العقوبات الدولية، من خلال إظهار أنها تحرز تقدماً في حل مشكلة النازحين داخلياً التي طال أمدها في البلاد، بالإضافة إلى تراجع الدعم الدولي الذي أثّر في المساعدات التي كانت تُقدم إلى سكان المخيمات؛ فبدأت الحكومة بالعمل على مشاريع مختلفة، بما في ذلك حل النزاعات بين الجماعات العرقية المتعارضة، ومعالجة قضايا الإسكان والممتلكات، والوصول إلى الخدمات الرئيسة، وفرص كسب العيش بشكل أساسي[50].
ففي المخيمات في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تم التركيز على أحد المخيمات الذي يضم 34 ألف نازح، وأقامت الحكومة مشاورات مكثفة مع سكان المخيم، وأظهرت الاحترام الكامل لحقوقهم، مع التركيز على الشفافية والشمول. كما أجريت دراسات مكثفة عام 2018 أظهرت انقساماً ًمتساوياً بين الراغبين في البقاء في المنطقة، والراغبين في العودة إلى مناطقهم الأصلية، مع وجود فئة قليلة رغبت في الاستقرار في مكان آخر، وقد نتج عن الدراسة مشروعان تجريبيان، تألف المشروع الأول (العودة إلى ريف أم دخن) من خمس مراحل[51]:
- التشاور والتخطيط المشترك مع المجتمعات النازحة وحكومة السودان.
- اختيار العديد من القرى الصغيرة بشكل تشاوري.
- توسيع العملية التشاورية لتشمل السلطات المحلية والنازحين واللاجئين العائدين والمجتمعات في المنطقة المختارة، ولتشمل المشاورات مجموعات متنوعة من النساء والشباب والمجموعات العرقية.
- ترتيب الأولويات بناء على رؤية المستفيدين.
- تملكت المجتمعات الخطط ودعت من خلال الوكالات إلى تشغيلها.
أسهمت هذه العملية التشاركية بارتفاع مستوى مشاركة المجتمعات الريفية، وباهتمام كبير من المنظمات الإنسانية التي كانت تعمل في الإغاثة الإنسانية وأرادت دعم المشروع؛ إذ استمرت في تقديم المساعدات لسكان المخيم لمدة عامين تحت منطلق الإنعاش المبكر خلال فترة الإعداد والمشاورات. فيما أسهمت السلطات الحكومية بتوفير الأمن في القرى المختارة، والعمل على إعادة بناء مراكز الشرطة، وتدريب أشخاص من المجتمعات المحلية على العمل فيها كشرطة مجتمعية، فقد كان الأمن أحد المعايير الأساسية التي عبّرت عنها المجتمعات كأولوية لازمة لاستمرار العودة بأمان وكرامة وطوعية وتهدئة التوترات[52].
أما في المشروع الثاني في الفاشر فقد تطور بشكل مختلف؛ حيث شاركت السلطات المحلية برئاسة مفوض المساعدات الإنسانية في المشروع الذي كان من أعضاء جهاز الأمن والمخابرات، فاستغل سلطته، وضيّق من مجال مشاركة النازحين داخلياً، وزعم أن لديه تصوراً خاصاً للحلول الدائمة ويريد من المجتمع الدولي تمويله[53].
لقد نجحت المسارات الحضرية والريفية في التوصل إلى حلول دائمة، وفي بناء الدعم من قبل أصحاب المصلحة المتعددين، وفي إكساب المشروع الشرعية مدفوعاً بوكالة النازحين داخلياً وبدعم من المسؤولين المحليين. أما في الفاشر فقد كانت وكالة مسؤول حكومي واحد(سلطته) أكبر من وكالة النازحين، ولم يتفاعل المانحون مع هذا المشروع، لاسيما مع التوترات السياسية التي اندلعت عام 2019 وأدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير، وتوقف العمل بكلا المشروعين لاحقاً بسبب جائحة كوفيد[54].
تقدم تجربة إيجاد حل للنزوح الداخلي في دارفور نموذجاً رائداً في مجال المشاركة المجتمعية، وتُظهر أن توجهات النازحين قد لا تدعم فكرة العودة دائماً، وأن على الحكومات أن تخطط لمشاريع تتناسب مع توجهات أغلبية النازحين ورغباتهم، كما أنها تشير إلى أن تأمين الدعم المالي لتنفيذ هذه المشاريع قد يكون العائق الأكبر، حتى إن تم تصميم المشروع بتشاركية كاملة، وتمت معالجة جوانب الضعف فيه.
4-1-1-تجربة كولومبيا 2012-2016؛ إشكاليات التعافي بعد الصراع:
أما تجربة كولومبيا فكانت مختلفة؛ فقد أطلقت الحكومة الكولومبية في الفترة بين 2012-2016 مشروع الحلول الدائمة الخاصة بالنازحين داخلياً، فبدأت باستطلاع آراء النازحين داخلياً الذين انقسموا في خياراتهم[55].
فبدأ مشروع العودة بمشاورات ضمن فئة النازحين التي تريد العودة، تم فيها تحديد إمكانية وصول النازحين إلى أراضيهم وطرق إثبات ملكيتها، وتم إحراز تقدم كبير في هذا المجال، تزامن مع دعم مشاريع توليد الكهرباء والإضاءة وإدارة النفايات وتحسين نوعية الحياة في المجتمع في المجتمعات المضيفة والمجتمعات الأصلية، كما تم تقديم تدريبات فنية على الزراعة وتطوير الاستراتيجيات التسويقية للمحاصيل[56].
كما تم إنشاء علاقات مع شركات خاصة ومطاعم من أجل المساهمة في تحقيق الربح، كما تم إطلاق مشروع لتحسين فرص العمل للنازحين داخلياً؛ حيث تم تقديم التدريب المهني الاستباقي في مهارات مثل البستنة والتنظيف والبناء، وتم تقديم منح صغيرة لأصحاب المشاريع الصغيرة. وقد استخدم المشروع العمالة الوافدة من النازحين في بناء المدارس والطرقات والأشغال العامة، إلى جانب العمالة من المجتمعات المضيفة[57].
جاء هذا المشروع ضمن إطار تعزيز السلام بعد النزاع المسلح الطويل، ومع كل الجهود المبذولة في إطار تحسين الإطار القانوني للنازحين والاعتراف بحقوقهم وإطلاق برامج لتعويض الضحايا واستعادة الأراضي فإن نتائج المشروع كانت ضعيفة؛ إذ لم يحسّن المشروع من المستوى المعيشي للعائدين الذين كانوا أساساً يعيشون تحت خط الفقر، كما أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني عرقلت المشروع بشكل واضح، فلم تكن الخدمات الطبية أو التعليمية أو النفسية كافية، ولم تتمكن صناديق جبر الضرر من تعويض جميع المتضررين بسبب تراجع التمويل[58].
ومن جهة أخرى أدى ضعف ثقة النازحين داخلياً بالحكومة، واستمرار وجود الجماعات المسلحة، وعمليات الاغتيال التي طالت بعض الذين تجاوبوا مع المشروع والتهديدات التي وصلتهم، إلى جانب غياب الوعي بالقانون أو ضعف فهمه، وصعوبة الوصول إلى المؤسسات المعنية، وعدم القدرة على تحمل تكاليف السفر إلى ضعف التجاوب مع المشروع الذي استند إلى قانون واضح، ولم تتجاوز الطلبات المقدمة إلى وحدة إعادة الأراضي ثلث عدد الطلبات المتوقعة[59].
تقدم تجربة كولومبيا لمحة عن التحديات الإضافية التي تفرضها حالة السلام الهشّ عقب الصراع، التي يمكن أن تحدّ من أية جهود مقدمة بهدف التخفيف من معاناة النازحين، حيث يبرز العنف كأحد الأسباب الرئيسة التي تعيق عودة النازحين داخلياً، إلى جانب عوامل الضعف الأخرى التي سببها النزاع، خاصة العوامل الاقتصادية.
4-1-2-إعادة نازحي زلزال هاييتي؛ العودة مشروع طويل الأمد:
عقب زلزال هاييتي في العام 2010[60] تبنّت الحكومة برنامج إعادة النازحين الذي امتد بين 2010-2015، وتبنّت برنامج لبناء منازل كاملة ودائمة، وتقديم خدمات المياه والصرف الصحي والمساعدات الغذائية وسلل للنظافة، بالإضافة إلى ترميم 660 منزلاً بقي سليماً بعد الزلزال وجعلها صالحة للسكن، وركّز المشروع على تحسين نوعية حياة الأفراد في المجتمع من خلال تحسين البيئة الأساسية والخدمات.
تم تطوير برنامج لتحسين الإسكان لدعم العودة السريعة للنازحين، وكانت نقطة قوة المشروع تتركز في التزامه بالمشاركة المجتمعية وإدماجه التخطيط الحضري في تصميم المشروع؛ فقد تم تحديد الاحتياجات من قبل المستفيدين وتحديد أولويات المجتمع والفرد، وقد وافق السكان على إعادة رسم حدود ممتلكاتهم، كما وافقوا على السكن في بيوت من طابقين لتحسين استخدام الأراضي المتاحة[61].
وإلى جانب ذلك أطلق برنامج للتغذية المدرسية، الذي تم فيه توفير وجبات مجانية للمدارس الابتدائية من خلال المحاصيل المحلية لتحسين حضور الأطفال إلى المدارس. وقد أسهم المشروع الذي امتد لثلاث سنوات في تحسين التغذية التي يتناولها الأطفال، وفي تحسين المشاركة المجتمعية من خلال المشاركة والتعاون مع المزارعين والمعلمين والعاملين في المدارس والأسر والطلاب، وتعليمهم أساليب الزراعة وأنماط الغذاء الصحي وطرق إعداد الطعام وتوزيعه[62].
رغم الوعود التي تقدم بها المانحون والمشاريع التي تمت لم تستطع هذه المشاريع أن تستوعب كل أعداد النازحين؛ فبعد 10 سنوات على الكارثة كان هناك ما يزيد عن نصف مليون من سكان هاييتي يعيشون في المخيمات[63]، فقد واجهت هذه المشاريع جملة من التحديات، منها: عودة العنف وانتشار العصابات المسلحة، إلى جانب ضعف الحكومة الهاييتية التي انتشر فيها الفساد وسوء الإدارة[64]، وحجم الدمار الكبير الذي أثّر بشكل واضح في البنية التحتية، إضافة إلى الفقر والهشاشة ومشاكل الأمن الغذائي التي كانت تهدّد شريحة واسعة من الشعب[65].
تقدم تجربة هاييتي مثالاً يوضح أن عملية إعادة النازحين لا يمكن أن تتم في وقت قصير؛ إذ إنها تتطلب وقتاً وجهداً ودعماً طويلاً، خاصة في حالة حجم النزوح الكبير، كما أنها يمكن أن تتأثر بالبيئة الاجتماعية والسياسية؛ فقوة أداء الحكومة قد ينعكس على تسريع هذه المشاريع وإنجاحها والاستفادة منها بالشكل الأمثل. وتُظهر الحاجة إلى التعاون والدعم الدولي طويل الأمد لتنفيذ هذه المشاريع؛ إذ يفترض أن تتزامن أنشطة التعافي الاقتصادي جنباً إلى جنب مع أنشطة إعادة النازحين وتأمين المأوى لهم.
4-1-3-تجربة أذربيجان؛ عندما تضع الدولة إنهاء النزوح على قائمة أولوياتها:
شهدت أذربيجان موجة نزوح داخلي في أوائل التسعينيات نتيجة الصراع العسكري في كارباخ مع أرمينيا، حتى بلغت أعداد النازحين داخلياً قرابة 700 ألف نازح، واجهوا ظروفاً معيشية غير ملائمة وتم استقبالهم في عربات السكك الحديدية ومخيمات ومبانٍ غير مكتملة ومدارس وبعض المساكن، واستمرت فترة نزوحهم حتى نوفمبر 2020. فقد أعلنت السلطات عن خطة لإعادة آلاف النازحين تحت مسمى مشروع ” العودة الكبرى”، وتعاملت الحكومة مع النازحين داخلياً في كثير من الأحيان كمجموعات متجانسة، متجاهلة الاحتياجات المختلفة ونقاط الضعف[66].
لقد تسبّب النزوح المطول الذي عاشه النازحون في أذربيجان بتحويلهم إلى أكثر الفئات ضعفاً؛ فقد عاشوا لسنوات طويلة يعانون من وصول محدود إلى المرافق والمياه والتدفئة والخدمات، كما تسبب النزوح بفقدان منازلهم ووظائفهم وارتفاع معدلات البطالة؛ ولذا بدأ مشروع الحكومة بتقديم الحماية الاجتماعية للنازحين من خلال إنشاء وضع قانوني خاص بهم، ففي أواخر التسعينيات أصبح وضع النازحين معترفاً به رسمياً من قبل الدولة، وكان النازحون الذكور ينقلون وضع النازح إلى أولادهم، في حين لم تكن النازحات الإناث قادرات على ذلك[67].
أسهم هذا الغطاء القانوني بمنح النازحين داخلياً مجموعة من المزايا الاجتماعية التي تغطيها مجموعة من البرامج، كمنحهم السكن المؤقت، والمخصصات الشهرية، والمرافق المدعومة، والرعاية الصحية، والإعفاء من رسوم التعليم العالي، وخلال هذه المشروع مرّت سياسة الحكومة بثلاث مراحل[68]:
- المرحلة الأولى بين عام 1993 حتى أوائل العقد الأول في القرن الحادي والعشرين: لم يكن فيها للحكومة القدرة على تقديم أي دعم، واعتمد النازحون على دعم المانحين والمنظمات الإنسانية.
- المرحلة الثانية: امتدت من أوائل العقد الأول في القرن الحادي والعشرين حتى عام 2020، بدأت الدولة بتقديم برامج مساعدة واسعة النطاق تم تمويل تلك البرامج ذاتياً من خلال طفرة النفط، وقامت الدولة بدور نشيط في معالجة احتياجات النازحين من خلال برامج الإسكان المكثف، حيث تم فيه إنشاء 82 مستوطنة وقرية ذكية تتضمن تقنيات متقدمة ومميزات صديقة للبيئة مزودة ببنية تحتية مناسبة للسكن.
- المرحلة الثالثة: من عام 2020 حتى الآن، حيث بدأت الحكومة بتنفيذ مشروع العودة الكبرى وإعادة النازحين بعد أن قامت بإعادة بناء المدن وإزالة الألغام، وتم إعادة توطين النازحين في المنازل والمستوطنات التي تم بناؤها في سبع مقاطعات من الدولة.
قدمت الحكومة برامج المساعدات الاجتماعية، وخصصت 3% من ناتجها المحلي لبرامج مساعدة النازحين، التي كانت المصدر الرئيس للدخل لأكثر من 70% من النازحين داخلياً، وتم تقسيم النازحين وفقاً لنقاط ضعفهم إلى شرائح.
كما قدمت الحكومة إعانات الخبز وإعانات التدفئة، وأدارت برنامجاً تدريجياً لتحويل النازحين من حالة الاعتماد على الدولة إلى الاكتفاء الذاتي من خلال الجمع بين المساعدات وخلق فرص عمل، ولكنها أبقت المستوطنات التي تم بناؤها تحت وصاية الدولة؛ إذ لا يحق للنازحين داخلياً بيعها أو تبادلها أو إهداؤها[69].
لقيت سياسات الحكومة الأذربيجانية إشادة من المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحقوق النازحين؛ لأنها أدت إلى تحسّن أوضاع النازحين، وأنتجت ارتفاعاً في نسبة الراغبين بالعودة نتيجة تحسن مستويات المعيشة بسبب البرامج التي تقدمها الحكومة[70].
لم يخلُ المشروع من عقبات وتحديات، أهمها الكلفة المرتفعة لإزالة الألغام، وحالة الاعتمادية التي ارتفعت نتيجة تقديم المساعدات الاجتماعية للنازحين، ولم تُقابل بجهود حقيقية من طرفهم لتحسين أوضاعهم؛ فقد رأوا هذه الإعانات الاجتماعية شكلاً من أشكال التعويض عن حقوقهم التي حُرموا منها[71].
وقد أظهرت التجربة الحاجة إلى ضرورة دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي يديرها العائدون، إلى جانب توزيع الأراضي في المناطق الجديدة كي لا يغرق العائدون في مجال العمالة الرخيصة، كما أثبتت التجربة رغبة النازحين في العودة إلى منازلهم الأصلية التقليدية بدلا من المنازل المبنية حديثاً؛ لأنهم يعتزّون بالذكريات المرتبطة بها، ويفضلون بناء أراضيهم كما يحلو لهم بدلاً من استلام المنازل الجاهزة[72].
تُظهر تجربة أذربيجان جانباً فريداً تظهر فيه الحكومة لاعباً رئيساً يتحمل مسؤوليته تجاه مواطنيه النازحين، ويسعى بكل جهده لإيجاد حلول مناسبة لهم (عودة النازحين وإعادة توطين بعضهم)، ومع مساهمة المجتمع الدولي في احتواء أزمة النزوح إلا أن جهود الدولة _لاسيما حينما أمّنت مصادر تمويل مستقلة_ كانت ذات أثر بالغ وسريع، كما أن تركيزها على الجانب الحقوقي والقانوني وإحداث تشريعات محلية تقدم توصيفاً قانونياً للنازحين وتحدد حقوقهم ومسؤولية الدولة عن دعمهم يُعد جانباً مميزاً في إدارة هذه العملية؛ وهو ما ساعدها على التخفيف من ضعف هذه الشريحة بشكل مرحلي ريثما تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها والتكفل بشؤونها.
4-1-4- تجربة البوسنة؛ تأثير التصفية العرقية وفشل العودة إلى الواقع السابق:
أما في البوسنة فقد تسببت الحرب ذات الطابع العرقي عام 1991 في نزوح ما يقارب 2.3 مليون نسمة، يشكّلون أكثر من نصف السكان، وقد نصت اتفاقية دايتون التي وُقعت عام 1995 على ضرورة معالجة آثار الحرب من خلال إعادة بناء المنازل وإعادة توطين الناس وتوزيع الأراضي وتقديم بعض المساعدات[73].
بدأت حركة العودة الأولية عامي 1996- 1997 بشكل فردي وعفوي وغير منظم، وتركزت في الأرياف، ومن شرائح كبار السن والمتقاعدين الذين اختاروا العيش في مناطق ريفية معزولة في بيئاتهم المألوفة، حيث كانت الروابط أقوى رغم عدم وجود شبكات اجتماعية، بينما كانت العودة بالنسبة للشباب أقل جاذبية[74].
بدأ المجتمع الدولي بتقديم المساعدات والدعم اللازم لعودة النازحين، وقد كانت المساعي الدولية تهدف إلى إعادة الوضع الراهن إلى فترة ما قبل الحرب، بمعنى آخر: إسكان مجموعات عرقية ضمن مناطق فيها مجموعة عرقية أكبر من أجل ضمان عدم حدوث انفصال. وتم دعم مشروع إعادة الممتلكات ونجح في حل 92% من المطالب المتعلقة بذلك، ومع ذلك لم يكن هذا المشروع كافياً للتشجيع على العودة؛ إذ بقيت العديد من الشقق والمنازل فارغة بعد أن عادت ملكيتها لأصحابها الأصليين[75].
ومن الدروس المهمة التي تقدّمها تجربة النازحين في البوسنة ضرورة الاعتراف بالتحول الذي تحدثه الحرب والبيئة التي تخلفها، خاصة في الإطار الاقتصادي، وتأثير الصراعات العرقية والإثنية في تفكيك بنية المجتمع، وكيفية إعادة إحياء مجتمع متعدد الأعراق. لقد كانت السياسات الدولية تعمل على فرضية أن غالبية اللاجئين والنازحين داخلياً يرغبون في العودة الطوعية، ولكن النازحين واللاجئين البوسنيين كانوا يرغبون في الهجرة خارج بلادهم بدل العودة إليها، لاسيما مع الواقع السياسي القلق وغير المستقر[76].
تسلط تجربة البوسنة الضوء على تأثير الصراعات العرقية الحادة في بنية المجتمع، واستحالة إعادة المجتمع إلى شكله السابق؛ إذ تترك عمليات التصفية العرقية ندوباً مجتمعية تحتاج إلى مسار كامل من الحماية والتعويض ومحاسبة المجرمين، بالإضافة إلى نفوذ قوي للحكومة يمكّنها من ضبط الأمن بشكل جيد، كما أنها تُظهر أن توجهات المجتمع الدولي وسياساته تجاه مشاريع عودة النازحين واللاجئين قد لا تكون مناسبة أو ناجحة، وأن ثمّة حاجة ماسّة لمشاركة محلية تأخذ بعين الاعتبار آثار الصراع ومخاوف المدنيين وتسعى لإيجاد حلول لها. وتختلف تجربة البوسنة عن تجربة النازحين في مراوي الفليبين التي أشرنا إليها سابقاً في أن عمليات العودة في البوسنة حدثت تحت الضغط، كما أن شكل الصراع وحدته وآثاره العرقية كانت أعمق وتسببت في رفض السكان العودة لجوار أعراق أخرى، في حين أن تجربة عودة نازحي مراوي كانت طوعية، وعلى الرغم من وجود توترات مجتمعية إلا أن هذه التوترات لم ترقَ إلى مستوى جرائم الإبادة، وهو ما جعل العودة من الحلول المفضلة؛ نظراً لقصر مدة النزوح، والرغبة في استعادة سبل العيش التي لم يتم تدميرها.
4-1-5-تجربة نيجيريا؛ أدوار المجتمع المدني والمؤسسات الدينية في إعادة التوطين:
أما في نيجيريا فقد تسببت العمليات العسكرية التي شنّتها جماعة “بوكو حرام” في شمال البلاد عام 2009 في مقتل كثير من الناس، ونزوح ما يقارب 4 مليون شخص تم احتواؤهم فيما يزيد عن 22 مخيماً نظامياً في شمال شرق نيجيريا، وفي العديد من المخيمات غير النظامية.
تسلط تجربة نيجيريا الضوء على دور المجتمع المدني والمنظمات الدينية في عملية توفير الحماية وإعادة التوطين؛ فقد أسهم تدخل الكنيسة ومجموعة من المنظمات التابعة لها في إنشاء مخيم أوه هوغو لاستيعاب الأيتام والنساء والفئات الهشّة، ومع مخاوف النازحين المسيحيين من العودة إلى مناطقهم الأصلية أو تعرضهم للاستهداف بدأت الكنيسة ومنظماتها بإعادة توطين النازحين المسيحيين في المخيمات التابعة لها التي كانت مقامة في منطقة أكثر أماناً، وتمكنت جهود هذه المؤسسات الدينية من جذب انتباه المنظمات غير الحكومية والمحسنين والمتبرعين الأفراد، وجمع التبرعات اللازم لتأمين احتياجات هذه المخيمات[77].
ومع ارتفاع عدد الأفراد المعاد توطينهم في المخيم بشكل واضح طوّرت هذه الكنيسة عملها، وبدأت ببناء مساكن منفصلة، ومرافق صحية كافية، وحماية قاطني المخيم من الاستغلال والاعتداء الجنسي، وتوفير التعليم المجاني باعتباره أحد أهداف عملها الأساسية لتوسيع نطاق أعمالها التبشيرية، وقدّمت الكنيسة منحاً للدراسة حتى المستوى الجامعي، كما أسهمت في خلق بعض فرص العمل من خلال توظيف الطلاب الخريجين في مشاريعها، وفتحت فصولاً لمحو الأمية، وقدّمت تدريبات حول النجارة والخياطة وصناعة الصابون والخرز، وتدريبات خاصة للنساء كالتمريض والطهي وأعمال النظافة، وتم تعيين بعض النازحين برواتب شهرية في مجالات حفظ الأمن ضمن المخيمات وتوفير إمدادات المياه والكهرباء وحفر الآبار، ومُنح النازحون في المخيم حرية التنقل والتفاعل مع المجتمع المضيف والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، بالإضافة إلى مجموعة من الأنشطة الترفيهية[78].
واجه العمل في المخيمات الكثير من التحديات؛ فعلى الرغم من المشاريع المتنوعة والإنجازات التي قدمها إلا أنه عانى من مشاكل التمويل، بالإضافة إلى نقص الإمدادات نتيجة سوء الطرقات، وعدم القدرة على توفير احتياجات القطاع التعليمي. ورغم أن استجابة الكنيسة كانت ذات صبغة عرقية ودينية تهدف إلى حماية المسيحيين إلا أنها استطاعت أن تقدم مساعدات للنازحين، وساعدت الحكومة في تحديات التوطين والتخفيف من الأزمة الإنسانية[79].
تقدم تجربة نيجيريا مثالاً على الأدوار غير الحكومية التي يمكن أن تساعد أو تدعم عملية إيجاد حلول دائمة لمشاكل النزوح؛ ولكن هذه الأدوار تبقى ذات نطاق محدود، وتبقى مرتهنة بقدرتها على تأمين تمويل مستدام، وتجعل المستفيدين مرتهنين بشكل ما للخدمات التي يتم تقديمها، دون وجود خطة واضحة مؤطرة زمنياً يمكن من خلالها استعادة استقلالهم واعتمادهم على أنفسهم بشكل كامل.
تُظهر التجارب السابقة وجود العديد من المشاريع التي تمت في ظروف مختلفة وتفاوتت نتائجها باختلاف السياق الذي تمت فيه، وقد قدمت إحدى الدراسات التحليلية مجموعة من عوامل نجاح مشاريع العودة، خاصة في حالات النزوح المطول، وهي[80]:
- ضرورة دمج الخبرات الخاصة بالمنظمات الإنسانية والتنموية مع المعرفة المحلية خلال فترة تصميم المشاريع، وإشراك هذه المجتمعات النازحة والمجتمعات الأصلية بشكل حقيقي وفعال في هذه العملية بعد فهم احتياجات كل منهم ومخاوفهم.
- تصميم المشاريع بشكل مرن بما يكفي للتكيف مع المتغيرات الناتجة عن مرور الوقت والاستجابة للاحتياجات المتطورة للنازحين.
- أن يتم تنسيق المشروع بالتنسيق مع السلطات الوطنية والمحلية لتمكين الحكومة من ملكية مشروع العودة ونقل المعرفة، وضمان عدم عرقلتها له.
- أن تأخذ المشاريع بعين الاعتبار احتياجات الأعمال والسوق المحلية والمهارات المطلوبة والمنتجات المربحة.
- أن يتناسب تصميم المشاريع مع البيئة المحلية بشكل يعود بالنفع على النازحين داخلياً، والمجتمعات الأصلية والمضيفة، ويشملهم في تخطيط المشاريع وتنفيذها.
- أن تشكل المشاريع جزءاً من استراتيجيات أوسع تتضمن تنمية البلاد، وتكون مشمولة بتمويل متعدد السنوات.
- أن تتضمن المشاريع في المدن تخطيطاً حضرياً قوياً يحافظ على هوية المنطقة العمرانية، ويعمل على توفير حلول سكنية مبتكرة تضمن الاستدامة.
خامساً: التحليل الاستشرافي لمشكلة النزوح السوري الداخلي:
عند النظر إلى حالة النزوح السوري المطول بحجمه الكبير بهدف إيجاد حلول دائمة له لا بد من النظر إلى عوامل رئيسة تتحكم في المشهد (الشكل 3):
- المؤشرات الرئيسة للنزوح في سوريا.
- العوامل المؤثرة في إنهاء النزوح السوري.
- أصحاب المصلحة والفاعلون في هذه العملية.
- السيناريوهات المتوقعة.
5-1-المؤشرات الرئيسة المتعلقة بالنزوح الداخلي في سوريا:
تحتاج عملية صناعة القرار المؤثر بإشكالية النزوح الداخلي السوري إلى توافر جملة من المعلومات المحدثة والشاملة لكل المناطق في سوريا، تتعلق بوضع النازحين داخلياً وشكل نزوحهم الحالي (في المخيمات/ في الحضر)، ومناطقهم الأصلية، ومناطق وجودهم الحالية، بالإضافة إلى تحديد جوانب الضعف والاحتياجات الطارئة التي يحتاجونها لفترة طويلة، وما تلقونه أو يتلقونه حالياً من دعم.
ومن الضروري أيضاً سبر توجهات النازحين الحضريين ونازحي المخيمات حول خيارات الحلول الدائمة المفضلة لهم، وما الذي يحتاجونه سواءٌ على نطاق تثبيت أو استرجاع الملكيات، أو أوضاع منازلهم ومناطقهم الأصلية، بالإضافة إلى مهاراتهم بغض النظر عن الحل الذي يفضّلونه.
5-2-العوامل المؤثرة في إنهاء النزوح أو استمراره:
يمكن تقسيم العوامل المؤثرة في إنهاء النزوح أو استمراره إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية والبيئية، وتبدو العوامل السياسية حاضرة على رأس القائمة؛ إذ إن نجاح عملية إنهاء النزوح الداخلي يتعلق بوجود رغبة حقيقية عند الحكومة السورية في إنهاء هذا الملف، وهو ما يقتضي وجود خطة واضحة تعالج مختلف الإشكاليات التي يتطلبها إنهاء حالة النزوح وتشرك جميع الفاعلين معها، ويتم فيها إدماج المؤسسات السورية الحكومية المعنية بالتخطيط العمراني وبالتعليم والصحة والاقتصاد والشرطة والقضاء وغيرها، بالإضافة إلى وجود حالة من الاستقرار السياسي داخلياً وخارجياً، بما يحقق للحكومة المجال لتهيئة المناخ الداخلي، وتلبية مستلزمات الانطلاق بهذه العملية، لاسيما التمويل والشراكات مع المنظمات الدولية المعنية التي ترتبط بشكل رئيس أيضاً بإعادة الإعمار وخطط التنمية المستقبلية.
ومن أبرز العوامل المؤثرة بشكل حرج في إنهاء النزوح أو استمراره هي العوامل الأمنية؛ إذ إن تجدُّد دورة العنف، أو انتشار السلاح بشكل غير منضبط، أو عودة العمليات الانتقامية من شأنه أن يفشل كل الحلول الدائمة، بل قد يتسبب في موجات نزوح جديدة كما حدث في أحداث الساحل مؤخراً[81]. بالإضافة إلى ضرورة إطلاق مشروع كامل لإزالة الألغام ومخلفات الحرب وسبر معظم الأراضي التي كانت نقاط اشتباك، وتحضير المناطق التي شهدت اشتباكات عسكرية ودماراً لأية مشاريع تنمية، مع تأمين احتياجات النازحين والمجتمعات المضيفة من الخدمات الأساسية التي يحتاجونها، خاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي والمياه النظيفة والخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل على المدى الآني والمتوسط، التي تغطي الفترة المطلوبة للانتهاء من مشاريع إنهاء النزوح، خاصة للمخيمات الموجودة في مناطق إدلب وريف حلب حيث يتركز العدد الأكبر من النازحين والمهجرين قسرياً.
وعليه فإن وجود خطة راسخة مدعومة حكومياً تقتضي أيضاً إنشاء مظلة قانونية مناسبة تتم من خلالها إدارة العملية، وتوضيح حقوق النازحين داخلياً ومسؤولياتهم والأدوار الحكومية المنوطة بذلك والظروف التي من شأنها أن تنهي حالة الضعف لديهم، وما يتطلبه ذلك كله من قوانين ولوائح وهيئات معنية بهذا الموضوع، والعمل على حل إشكالية تثبيت الممتلكات والبت في القضايا المتعلقة بذلك، ووجود منظومة قضائية واجتماعية قادرة على الفصل في النزاعات والتوترات المجتمعية.
وإلى جانب ذلك تحتاج مشاريع الحلول الدائمة لإعادة اختبار جميع المناطق والأبنية والتأكد من صلاحيتها للسكن وتقديم الخدمات، وقدرتها على تحمل الكوارث المحتملة كالزلازل والهزات الأرضية، ومنع أية عمليات ترميم جزئية أو كلية قبل التأكد من سلامتها، والعمل على معالجة القضايا البيئية الطارئة كتلوث الهواء والمياه، وتنظيم عمليات الصرف الصحي، وإعادة التشجير، والعمل على معالجة التصحر وملوحة التربة، بما يضمن أن تكون هذه المناطق صالحة لإقامة مشاريع استثمار اقتصادي وتنموي مستدام.
فضلاً عن ذلك لابد من النظر إلى العوامل الاقتصادية وبناء الأسواق ودعم سبل العيش الحكومية (الوظائف الحكومية) والخاصة، لاسيما في المناطق الريفية والمناطق المتضررة، وذلك لإحياء القطاع الزراعي الذي تأثر بشكل كبير نتيجة سنوات الصراع، ولتخفيف الكثافة في المدن الكبرى وتحقيق عملية تنمية تشمل مختلف المحافظات بشكل عادل وفعال، يدعم عملية التنمية الاقتصادية ويعزّزها.
ومن الضروري الانتباه إلى أن تجمع النازحين والمهجرين قسراً في كل من إدلب وريف حلب خلال السنوات التي شنّ فيها نظام الأسد حرباً على شعبه تسبب في زيادة الكثافة السكانية، وفي نمو للمدن والقرى والبلدات بشكل غير مخطط له، وأن عودة النازحين بطريقة عشوائية وانسحابهم من هذه المناطق قد تخلق مشكلة في السوق المحلية، وستؤدي إلى تراجع مستوى الخدمات التي كانت تقدمها المنظمات الإنسانية بعد أن تغير مجال عملها ليشمل كامل الجغرافيا السورية؛ ولذا فمن الضروري النظر إلى المجتمعات المضيفة للنازحين وضمان تخفيف الضرر عنها.
كما أن من الضروري البحث عن حلول للتخفيف من تركز السكان في المدن الكبرى، مما حدث نتيجة عمليات النزوح السابقة إلى المناطق البعيدة عن خطوط الاشتباك؛ إذ إن بقاء النازحين داخلياً واستقرارهم النهائي فيها قد يؤثّر في خطط التنمية المستقبلية، خاصة الريفية، ويؤدي إلى إرهاق المرافق الخدمية الرئيسة في تلك المدن وعدم قدرتها على تقديم الخدمات المطلوبة فيها، وهذا ما يضع الحكومة أمام تحدٍّ في الموازنة بين توسع هذه المدن بشكل مخطط ومنظم يلبي متطلبات الواقع الجديد ودعم مشاريع تنمية الريف وتطويره لتشجيع العودة العكسية إليه.
5-3-أصحاب المصلحة والفاعلون:
تُعد الحكومة السورية (الوزارات والكيانات الإدارية المحلية الأدنى كالمجالس المحلية والبلديات) الفاعل الأساسي في إطلاق مشروع لإنهاء النزوح الداخلي بشكل مخطط ومنظم ومتسق مع عملية إعادة الإعمار والتنمية ومع خطط الإسكان والتعليم والاقتصاد والصحة وغيرها، وتُعد مبادرة الحكومة لتبنّي هذا الموضوع عاملاً مؤثراً في تعزيز شرعيتها الشعبية والخارجية على حد سواء؛ إذ إنه يفتح المجال لشراكات مع أصحاب مصلحة وفاعلين آخرين كالمنظمات الدولية والأممية والعربية التي تدعم وتنخرط في مشاريع جادة من شأنها تعزيز الاستقرار الداخلي، ومنع تجدد العنف والنزاع.
كما أن إطلاق هذا المشروع من شأنه تعزيز التعاون أيضاً مع المنظمات المحلية ومع جمهور المغتربين الذين يُعدّون من أصحاب المصلحة الأساسيين؛ إذ يرغبون في تخفيف المعاناة عن الناس، لاسيما في المجتمعات المحلية، ولكن تدخلهم بشكل غير مخطط قد يعني ظهور مشاريع غير آمنة أو غير متسقة أو حتى متعارضة، بالإضافة إلى تكرار الأخطاء السابقة التي قد تعيق أية مشاريع قادمة وتتسبب بالفوضى.
ومن الضروري بمكان أن يتم إدماج النازحين السوريين (نازحي المخيمات والنازحين الحضريون) والمجتمعات المضيفة في تصميم الخطة الحكومية، واستشارتهم ودعمهم لتحقيق رقابة مجتمعية، بهدف الوصول إلى أفضل الحلول التي تخدم احتياجاتهم وتخفّف من ضعفهم وتعزّز انتماءهم لبلدهم ومشاركتهم في بنائها كقوى فاعلة ومؤثرة.
الشكل 3: نموذج التحليل الاستشرافي للنزوح الداخلي في سوري
5-4-السيناريوهات المتوقعة حول تحرُّك الحكومة لحلّ مشكلة النزوح:
نحاول في هذه الفقرة تقديم قراءة استشرافية حول السيناريوهات المتعلقة بحلّ مشكلة النزوح، والتحديات التي تواجهها في محاولة لتوقع الآثار والنتائج القادمة (الشكل 4)؛ حيث تتعلق هذه السيناريوهات بتوافر أربعة عوامل رئيسة، وهي على الترتيب من حيث الأهمية:
- تحقق حالة من الأمن والاستقرار الداخلي بدرجة مقبولة.
- وجود خطة من الحكومة لمعالجة هذا الملف.
- شراكة فعالة مع المؤسسات المعنية والنازحين والمجتمعات المضيفة.
- توفر التمويل والدعم الدولي المرن والمستدام.
5-4-1-سيناريو الفوضى وتجدد النزوح والعنف:
يُعد توفر الحد الأدنى من الأمان والاستقرار العامل الأساسي للبدء في مشاريع إنهاء النزوح، كما تساعد مشاريع إعادة النازحين في تعزيز حالة الاستقرار لاحقاً وتحريك العجلة الاقتصادية، ولكن غياب الاستقرار يبقى عاملاً أساسياً في عدم نجاح أي مشروع من الحلول الدائمة. وقد أشارت أحداث الساحل التي اندلعت في بداية شهر آذار إلى حالة الاستقرار الهشّ واحتمالية تجدد دوائر العنف وجرّ البلاد إلى الفوضى، لاسيما مع وجود مجموعات من فلول النظام البائد والمدعومة من أطراف خارجية لها مصالح سياسية في عدم استقرار الوضع في البلاد وجرّ البلاد إلى حرب أهلية تزيد تعقيد المشهد.
وفي ظل أولوية بسط الأمن وتعزيز الاستقرار لابد من تخفيف احتمالية ظهور سيناريو الفوضى؛ لاسيما وأن الحالة الاقتصادية المتردية، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع المساعدات الإنسانية قد يدفع كثيراً من الشباب _في ظل عدم حصول تحسُّن ملموس في الواقع الاقتصادي_ إلى الانخراط مع ميليشيات مسلحة بهدف تأمين لقمة العيش، بدل أن يكونوا جزءاً أساسياً في عمليات إعادة الإعمار ومشاريع التنمية التي يمكن أن توفرها مشاريع إنهاء النزوح الداخلي؛ ولذا فإن بقاء الوضع على ما هو عليه دون وجود أمل بتغير الأوضاع قد يزيد احتمالية تجدد الصراع داخلياً والعمليات الانتقامية نتيجة الفقر وانعدام الأفق والتدخلات الخارجية، مما يخلّف مزيداً من موجات النزوح الداخلي الجديدة ويوسّع من رقعتها نتيجة التوترات الأمنية والعمليات العسكرية، ليشمل النزوح كامل المناطق السورية، فيزداد حجم المعاناة الإنسانية في بيئة تعيش أساساً في معدلات مرتفعة من الاحتياج والفقر.
وفي هذه الحالة ستواجه الحكومة تحديات جديدة؛ فبدل أن تتفرغ لجهود التنمية ودعم الاستقرار وإعادة الإعمار ستبدّد جهودها في العمليات الأمنية والاستجابة للأزمة الإنسانية، كما أن حالة التوتر الداخلي وعودة الاشتباكات ستدفع المنظمات الدولية والداعمين الأفراد للإحجام عن دعم أي مشروع جديد، والتراجع عن الاستثمارات في أي قطاع.
5-4-2-استمرار الوضع الحالي؛ استقرار أمني قلق وغياب الخطة الحكومية:
بعد قرابة أربعة أشهر على سقوط نظام الأسد واجهت الحكومة الانتقالية تحديات جدّية، على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ورغم أنها تطرقت في خطاباتها ووعودها إلى كثير من القضايا الإشكالية إلا أن قضية النازحين داخلياً لم تظهر على أجندتها بعد كمشروع حكومي، وإن كانت هناك عدد من الزيارات لمخيمات النازحين[82]؛ لكنها لا تبدو كافية لإيضاح توجه الحكومة لحل هذه المشاكل، وهو ما دفع العديد من النازحين للتحرك ذاتياً في ظل غياب الاهتمام الحكومي ومحاولة استعادة أملاكهم قبل أن يستولي عليها أحد نتيجة الفوضى.
إلا أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقتضي الدخول في عملية عودة عشوائية للنازحين داخلياً، وهو ما بدأ يحدث بالفعل وإن كان بمعدلات قليلة؛ ولذا فإن عودة النازحين بشكل غير مخطط له يعني ارتفاع احتمالية وقوع ضحايا نتيجة وجود الألغام ومخلفات الحرب، وحدوث مشاكل مستقبلية على الملكيات وحدودها، لاسيما مع حالة الفوضى السابقة التي كانت تعتريها، بالإضافة إلى ارتفاع احتمال عودة النازحين إلى منازلهم الآيلة للسقوط أو التي تضررت بنيتها الإنشائية بشكل غير ملاحظ إلا عند الخبراء؛ فإن هذه المنازل قد تكون مجال خطر جديد على قاطنيها لعدم مطابقتها معايير السلامة الأساسية، لاسيما عند حدوث أية زلزال أو هزة أرضية.
ومن جهة أخرى تتسبب عملية ترميم المنازل العشوائية بمشاكل جديدة لغياب الرقابة الهندسية، بالإضافة إلى إمكانية ارتكاب العديد من المخالفات، أو تكرار الأخطاء السابقة في عملية التمدد العمراني، خاصة في الأرياف، التي من شأنها أن تعيق عملية التنمية أو تتسبب بهدر كبير في الموارد نتيجة عمليات التصحيح المطلوبة لاحقاً.
وبالنظر إلى غياب التخطيط في عملية العودة وعدم وجود جهود موازية لدعم سبل العيش أو إعادة بناء الأسواق ستستمر حالة الفقر والضعف لدى العائدين، وذلك لاستنزاف كل المساعدات على عملية إعادة البناء، فضلاً عن حرمانهم من بعض أشكال الدعم التي كانوا يتلقونها في المخيمات، وانتقالهم إلى مناطق ليست مهيأة من ناحية الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وهو ما سيزيد احتياجاتهم ويثقل كاهلهم بالأعباء الإضافية.
وبالنظر إلى غياب وجود توجه حكومي واضح فإن ذلك سيفوّت على السوريين المتضررين حكومة وأفراداً دعم المنظمات الدولية والأممية لمشاريع العودة الطوعية للنازحين، أو حتى مشاريع التكامل المحلي في المجتمعات المضيفة أو إعادة التوطين، وستكتفي هذه المنظمات باستمرار برامج الاستجابة الطارئة وبعض مشاريع التعافي المبكر بالحدود الدنيا، ويفوّت على الحكومة فرصة دعم الاستقرار وترسيخه من خلال دعم مشاريع عودة النازحين وما تقتضيه من مشاريع اقتصادية واجتماعية وخدمية.
كما سيُلاحظ توجه عدد من النازحين داخلياً للمدن الكبرى بحثاً عن عمل أو مأوى أفضل، وهو ما يعني زيادة الكثافة السكانية في المدن وتناقصها في الأرياف، مما سيؤدي لاحقاً إلى تراجع مستويات التنمية والإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ، ويجعل تصحيح هذا الوضع أمراً صعباً.
5-4-3- الاستقرار ووجود خطة حكومية تشاركية:
قد يكون بدء الحكومة بالعمل على خطة لإنهاء النزوح الداخلي في سوريا أحد أهم الخطوات المطلوبة لتعزيز الاستقرار الداخلي في البلاد، من خلال توضيح توجهات الحكومة المستقبلية وأولويات عملها، وهو ما سيزيد من شرعيتها على المستوى الداخلي عبر إظهار اهتمامها بشعبها، ويكسبها شرعية داخلية وخارجية تمكنها لاحقاً من رفع العقوبات، وتشجيع الوكالات الإنسانية والدولية على دعم عملية الاستقرار من خلال دعم هذا المشروع، والحصول على دعم مالي يمكن من خلاله البدء بتخفيف المعاناة الداخلية حتى لو تأخرت عملية إعادة الإعمار لا سيما إن ترافقت مع إطلاق مسار للعدالة الانتقالية تدعم عملية الاستقرار وتلاحق المتورطين في الانتهاكات.
إلا أن نجاح هذه السيناريو يرتكز على إشراك أصحاب المصلحة بشكل حقيقي وفعال في عملية التخطيط، ومراعاة توجهات النازحين واحتياجات المجتمعات المضيفة، وبناء تصورات للنهوض بالمناطق الريفية وفقاً لخصوصية كل منطقة ومواردها. وإن غياب هذه الشراكة واستئثار الحكومة بإنتاج مشاريع بشكل منفرد أو الاكتفاء بمستويات شكلية من المشاركة يعني الوصول إلى برامج قد لا تتوافق مع تطلعات النازحين والمجتمعات المضيفة ولا تلقى التفاعل المطلوب منهم أو حتى من الجهات الداعمة، فيتم بذلك تبديد الجهود والأموال بشكل يعطّل عملية التنمية ولا يتوافق مع أولويات المجتمعات المحلية.
أما مع وجود شراكة حقيقية وفعالة في وضع الخطة الحكومية يشترك فيها أصحاب المصلحة جميعاً بفاعلية فهذا يعني تطوير نماذج لمشاريع متنوعة تتناغم مع خطط التنمية المستدامة، وتعزّز المشاركة السياسية للمواطنين في عمليات صناعة القرار، وتحفّز المستثمرين والمغتربين على تقديم الدعم، خاصة لمناطقهم الأصلية، بما يسعى للنهوض بالاقتصادات المحلية من خلال دعم مشاريع صغيرة تعتمد على موارد المنطقة الطبيعية والبشرية التي قد تكون سبيلاً لإنعاش اقتصادي ودعم عملية التعافي المبكر.
إن تعزيز الاستقرار، ومنح النازحين داخلياً أملاً فعلياً بالعودة إلى مناطقهم أو الاندماج المنظم في المجتمعات الجديدة من شأنه قطع الطريق على كثير من الجهات التي تريد زعزعة الأمن والاستقرار، كما أن تحسين الواقع الإنساني الحالي للنازحين وإدماجهم في عملية التنمية المستدامة، ودعم المجتمعات المضيفة سيزيد من استقرار هذه المناطق ويعزّز مناعتها تجاه الجهات التي تريد الاستثمار في الفوضى.
ولكن هذا السيناريو تواجهه كثير من التحديات، أهمها: وجود توجه حقيقي لدى الحكومة لإدارة هذا الملف، والقدرة على تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار، والعمل على تهيئة المناخ المناسب لانطلاق هذه المشاريع، بالإضافة على وجود الكوادر المؤهلة القادرة على صياغة خطة عمل شاملة لمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، والقدرة على إدماج النازحين والمجتمعات المحلية والمنظمات المحلية والدولية في عملية صناعة القرار وتطويره بشكل تشاركي، وبما يضمن أن تخرج هذه المشاريع بشكل متوافق مع أولويات واحتياجات النازحين، والأهم من ذلك القدرة على الحصول على التمويل المطلوب لها؛ إذ إن إحجام المجتمع الدولي والجهات المعنية بدعم مثل هذه المشاريع عن المساهمة في تنفيذ هذه المشاريع من شأنه خلق حالة من الإحباط عند المجتمعات المحلية وتبديد الجهود التي تمت بهذا الخصوص، وهو ما يعني استمرار المعاناة والضعف لفترات قادمة، وزعزعة الاستقرار وإمكانية تجدد العنف مرة أخرى نتيجة للجمود الاقتصادي، كما حدث في تجربة دارفور.
الشكل 4: سيناريوهات إنهاء النزوح الداخلي
سادساً: نتائج وتوصيات:
يشكّل النزوح الداخلي السوري المطول أزمة حقيقية وتنموية؛ نظراً لحجمه الكبير الذي تجاوز 7.2 مليون نسمة يشكّلون أكثر من ربع سكان سوريا، ولأشكاله المتنوعة التي تضم النازحين القاطنين في المخيمات الذين يزيد عددهم عن 2 مليون نسمة والنازحين الحضريين المنتشرين في المدن، بالإضافة إلى التحديات التي تتعلق بإيجاد الحلول الدائمة التي تبدأ بحلّ إشكاليات استعادة الممتلكات، ونزع الألغام ومخلفات الحرب، ومعالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية، وصولاً إلى إعادة إعمار المدن والقرى والبلدات والبنية التحتية التي دمّرها نظام الأسد وتحتاج إلى خطة إعمار شاملة تركز على مختلف الجوانب، خاصة الاقتصادية والاجتماعية.
تقدم تجارب الدول حول العالم إضاءة ثرية حول الجهود المبذولة عالمياً لإنهاء واقع النزوح الداخلي، وتمكين النازحين داخلياً من التخلص من حالات الضعف التي يعيشونها، ولكنها تشير أيضاً إلى أن إنهاء النزوح الداخلي بأحد الحلول الدائمة الممكنة عملية معقدة وطويلة تحتاج الكثير من التخطيط والمرونة والموارد البشرية والمالية؛ إذ يطلب من هذه المشاريع أن تعالج جوانب الضعف الاقتصادي والاجتماعي، وآثار النزوح والصراع على الفرد والأسرة على المدى الآني والمدى المتوسط وبعيد المدى، بالإضافة إلى إدراج هذه المشاريع ضمن خطط التنمية الوطنية.
إن العمل على التخطيط لعودة النازحين يُعد من أساسيات تمكين عملية السلام، وهو مؤشر على انخفاض الصراع، وقد يكون إحدى الطرق لرفع العقوبات الدولية والحصول على الشرعية من خلال التعاون مع المؤسسات الدولية في هذه العملية، بالإضافة إلى أن النجاح في تطبيقه قد يكون مقدمة لحل مشكلة اللاجئين خارج سوريا. وعلاوة على ذلك، إن امتلاك النازحين داخلياً مشاريع إنهاء النزوح بحيث يقررون مصيرهم بأنفسهم وتُتاح لهم من الخيارات ما يتوافق مع رغباتهم من شأنه إنجاح هذه المشاريع، لاسيما إنْ دعمت الحكومة رغباتهم وساعدتهم على اختيار متى وأين وكيف وإلى أين سينتقلون، دون أن تفرض عليهم ما لا يرغبون.
ومع ذلك تواجه مشاريع الحلول الدائمة المتعلقة بإنهاء النزوح تحديات جادة، تتعلق بالآثار والانقسامات المجتمعية التي خلّفتها السنوات السابقة وضرورة معالجتها لضمان السلم المجتمعي، مع أهمية إنشاء مسار للعدالة الانتقالية والانتصاف يضمن جبر الضرر للنازحين ويساعدهم في استرداد أملاكهم المغتصبة. كما أن التحدي الأبرز يكمن في تأمين الدعم المطلوب المرن طويل المدى، وتحقيق تحسُّن حقيقي في مستوى الحياة والخدمات للعائدين، وضمان الأمان والاستقرار السياسي، وعدم تجدد دورة العنف، والأهم من ذلك وجود حكومة قوية وخبيرة تملك إرادة قوية لإنهاء هذا الملف بالتعاون مع المجتمع المدني المحلي والدولي، وكذلك المجتمع الأهلي وجمهور المغتربين.
وبناءً عليه ولحل مشكلة النزوح السوري بشكل فعال نقدّم مجموعة من التوصيات والخطوات التنفيذية، أهمها:
- ضرورة القيام بعملية إحصائية يتم من خلالها توثيق أعداد النازحين داخلياً وأماكن وجودهم، ومعلومات التواصل معهم، بالإضافة إلى استطلاع توجهاتهم حول العودة أو الاندماج، واحتياجاتهم الآنية والمرحلية؛ إذ تساعد هذه الإحصائيات في تحديد الاحتياجات بدقة، وتسهّل عملية تصميم مشاريع الحلول الدائمة.
- إنشاء منظومة قانونية بما تتضمنه من هيئات وتشريعات ولوائح تنظّم الصفة القانونية للنازحين داخلياً، وتوضح حقوقهم ومسؤولية الدولة عنهم ودرجة ضعفهم، كما تحدد أشكال المساعدات والدعم التي يحتاجونها، سواءٌ المادية أو المعنوية.
- وضع خطة حكومية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية والجهات الدولية لإنهاء النزوح الداخلي وفق إطار زمني واضح، والعمل على إشراك النازحين والمجتمعات المضيفة في تصميم المشاريع وفقاً لاحتياجات وأولويات أصحاب المصلحة، ويمكن البدء بعدد من المشاريع التجريبية وتطوير الخطة وفقاً لمعطيات الواقع.
- استكشاف الكفاءات المطلوبة لإدارة هذه الخطة وتنفيذها، والعمل على إعدادها وتدريبها والاستعانة بكفاءات من خارج سوريا إن لزم الأمر.
- البدء بمشروع لإزالة الألغام وبقايا الذخائر المتفجرة في المناطق المعروفة، والعمل على تمشيط بقية المناطق التي شهدت مواجهات عسكرية والتأكد من خلوها من الألغام، لاسيما وأن وجود الألغام لا يهدد عودة النازحين فقط، وإنما يهدد أو يعيق قدرة الحكومة والوكالات الإنسانية على تنفيذ خدمات وبرامج، ويؤثر في إنتاج الغذاء وقطاع الزراعة بشكل كبير، ويزيد من اعتماد هذه المجتمعات على المساعدات[83].
- إنشاء هيئة لمعالجة قضايا الملكيات، وإشراك المجتمعات المحلية في حل القضايا العالقة، لاسيما الملكيات غير الموثقة أو المسجلة في السجلات الرسمية، أو تلك التي تمت في فترات الحصار والتهجير.
- دعم المجتمعات المحلية التي تستضيف النازحين، والعمل على تطوير البنى التحتية والخدمات بشكل يغطي الاحتياجات.
- إعادة التخطيط والاستثمار في المدن الصغيرة أو المتوسطة المدمرة، بما يعزّز الاقتصاديات الريفية من خلال تقريب الأسواق والصناعات المرتبطة بالزراعة ومصادر الإنتاج الزراعي، وتنويع فرص العمل، وتعزيز المرونة الاقتصادية[84]، بما يشجع الهجرة العكسية إلى الريف.
- القضاء على العوامل المسببة للنزوح، خاصة فقدان الأمان، وتعزيز حالة السلام من خلال إطلاق سريع لمسار العدالة الانتقالية[85]؛ الذي يضمن مساءلة المتورطين في جرائم الحرب، ويمنع من العمليات الانتقامية، ويقطع الطريق على كل محاولات إثارة الفتن، بالإضافة إلى إطلاق حوارات مجتمعية لتعزيز السلم الأهلي.
- إشراك المغتربين السوريين في عملية إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين من خلال تشجيعهم على تقديم خبرتهم أو دعمهم للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في المناطق الأصلية التي كانوا يعيشون فيها.
- إنشاء منصة رقمية تتضمن المعلومات المتعلقة بالمشروع ونسب الإنجاز والتحديثات التي طرأت عليها وتتعلق بمختلف المجالات، سواء على نطاق الإعمار، أو الصحة، أو التعليم، أو البلديات، أو الشرطة، وغيرها، بالإضافة إلى الفاعلين وأصحاب المصلحة ومساهماتهم في المشروع، وفرص العمل المتاحة والإنجازات المحققة، إلى جانب قسم لاستلام الشكاوى والاقتراحات التطويرية.
- العمل على تدريبات تهدف إلى تعزيز مفهوم المشاركة المجتمعية وامتلاك أدواتها لدى مجتمعات النازحين والمجتمعات المضيفة على حد سواء.
- النظر في إمكانية أن تستوعب مشاريع الحلول الدائمة المقترحة النازحين واللاجئين من نفس العائلة بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من المستفيدين، وحل مشكلة الإسكان والاستقرار وسوق العمل.
- السعي لحشد تمويل مرن وطويل الأمد يمكن من خلاله إنجاز المشاريع المقترحة وتأمين إنجازها بشكل كامل.
- التقرير التمهيدي: العدالة الانتقالية وأهمية إنضاج المقاربة السورية ، مركز الحوار السوري، 26/12/2024.
- المحاكم الجنائية الخاصة بملاحقة الجرائم الدولية: في الإجابة حول الخيار الأنسب لسوريا، مركز الحوار السوري، 17/1/2025.
- التطبيقات العملية للعدالة الانتقالية: الدروس المستفادة من التجارب الدولية، مركز الحوار السوري، 11/2/2025.
مديرة الوحدة المجتعية في مركز الحوار السوري، بكالوريوس في الهندسة من جامعة دمشق، دبلوم في التخطيط العمراني وإعادة الإعمار المستدام، عملت في مجال الإعلام المكتوب والمسموع لعدة سنوات، نشرت العديد من الأوراق والتقارير البحثية في مواضيع سياسية واجتماعية، وخاصة ما يتعلق بأوضاع اللاجئين وقضايا المرأة