كيف تعيش الأسر السورية متوسطة الدخل في تركيا؟
الإصدار الثاني 2024
مقدمة:
بدأت ملامح الأزمة الاقتصادي تُلقي بظلالها على تركيا عام 2018، وتصاعدت هذه الأزمة بسبب عدد من العوامل الداخلية والخارجية؛ كجائحة كورونا، والتضخم العالمي، وآثار زلزال شباط 2023 الذي ضرب الجنوب التركي وأثّر في عدد من الولايات شكل كبير.
يشكّل السوريون في تركيا العدد الأكبر من الأجانب، ويعيش غالبيتهم تحت نظام الحماية المؤقتة، وقد انخرطوا في سوق العمل منذ دخولهم إلى تركيا واعتمدوا على أنفسهم، سواءٌ سوق العمل النظامي أو غير النظامي؛ في محاولة لتأمين احتياجات عائلاتهم، لاسيما مع عدم وجود مساعدات مالية للسوريين في تركيا على غرار المساعدات التي تُمنح للاجئين في أوروبا.
ضمن مسار اهتمام الوحدة المجتمعية بمتابعة أوضاع السوريين في تركيا تقدّم الوحدة المجتمعية تقريرها الثاني الذي يبحث في الأوضاع الاقتصادية للسوريين المقيمين في تركيا من الشريحة متوسطة الدخل[1]؛ في محاولةٍ لمقارنة أوضاعهم الحالية بالأوضاع السابقة التي رُصدت قبل عامَين، ومعرفة تأثير العديد من العوامل في حياتهم، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا منذ سنوات وارتفاع معدلات التضخم.
يأتي هذا التقرير استكمالاً لتقرير سابق نُشر عام 2021[2]، سلّط الضوء على واقع حياة الأسر السورية في مدينة إسطنبول وتداعيات جائحة كورونا والتغير في أسعار النفط، وتأثير التجاذبات الداخلية السياسية في استقرار السوريين ورفاههم فيها.
ويسعى هذا التقرير لتتبع التغييرات الحاصلة في حياة هذه الأسر من الناحية الاقتصادية، وآليات التأقلم مع الواقع الجديد وحالة التضخم وازدياد معدلات التحريض، والحملات الحكومية لضبط الهجرة غير الشرعية، والتشديد على أذونات العمل بشكل واضح.
من الصعب وضع معايير واضحة للتفريق بين مستويات الأسر السورية اقتصادياً؛ لاختلاف ظروف الحياة، والمستويات التعليمية، ومجالات العمل، وشبكة العلاقات، ووضع العائلة السابق ونمط حياتها في تركيا؛ إلا أنه يمكن القول: من البدهي أنه ليس السوريون في تركيا جميعاً على سوية اقتصادية واحدة، وليسوا جميعاً من الطبقة المحتاجة التي تتلقى رواتب متدنية.
وقد اعتمدنا في هذا التقرير على وصف العائلات المتوسطة الدخل بأنها العائلات القادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من مسكن و طعام وشراب وسائر الاحتياجات الرئيسية فقط، في حين وصفت العائلات الفقيرة بأنها تلك التي لا تتمكن من تأمين احتياجاتها الرئيسية، بينما وصفت العائلات المرفهة بأنها تلك القادرة على تأمين ما يزيد من احتياجاتها الأساسية والعيش في حالة من الرفاهية.
وقد بُني التقرير على استبانة إلكترونية[3] نُشرت في الفترة بين 21/12/2023 حتى 30/01/2024[4]، أجاب عنها 367 شخصاً من أرباب الأسر السورية المقيمين في تركيا؛ 40% منهم يقيمون في إسطنبول ،لديهم أعمال مستقرة ويعيش معظمهم بمستويات متوسطة. وتم الوصول إلى هذه العيّنة عبر ما يُعرف بعيّنة كرة الثلج التي تُستخدم في الأبحاث الاستكشافية[5]. وعلى الرغم من أن هذه العيّنة العشوائية لا تقدم تمثيلاً دقيقاً للمجتمع؛ إلا أنها تعطي فكرة وتوجهاً عن أوضاع شريحة من السوريين تنتشر في عموم المناطق التركية، يمكن من خلالها بناء تصوّر حول التغيرات الطارئة على أوضاعها الاقتصادية خلال عام، وذلك من خلال مقارنة إجاباتها حول حجم إنفاقها عام 2023 مع حجمه عام 2022، وإن كان من الصعوبة بمكان المقارنة بين وضع هذه العائلات نتيجة اختلاف الكثير من العوامل التي تؤثر في احتياجات العائلة ومصاريفها؛ كعدد الأولاد وأعمارهم، وأماكن سكنهم، وحالة العائلة التعليمية والصحية، ونمط الحياة الذي تعيشه هذه الأسر، وبعض المصاريف الإضافية التي قد تطرأ عليها.
أولاً: مواصفات الشريحة المستطلعة آراؤها:
يشير تحليل نتائج الاستبانة إلى أن ثلثَي المستجيبين كانوا من الذكور، في حين كان الثلث تقريباً من النساء، وقد كانت أغلبية الإجابات من الشريحة العمرية بين 41-60 عاماً بنسبة 42%، في حين شكّلت الشريحة العمرية بين 31-40 نسبة 38%، بينما كانت بقية الإجابات بنسبة 15% من الشريحة العمرية 18-30 عاماً (الشكل 1).
كما كانت أغلبية الإجابات من القاطنين في إسطنبول بنسبة بلغت 40.3%، تليها غازي عنتاب بنسبة 17.7% ثم هاتاي بنسبة 16.3%، ثم بقية الولايات بنسبة 25.7% (الشكل 2).
كما أن غالبية المستجيبين كانوا من من حملة الشهادة الجامعية أو المعاهد المتوسطة بنسبة إجمالية وصلت إلى 43%؛ 15% من حملة الماجستير أو الدكتوراة وهو ما يعكس أوضاع الشريحة المتعلمة في تركيا، و، و41% من حملة الشهادة الثانوية فما دون، إلى جانب كون حجم العائلة عند الشريحة المستطلعة آراؤها كان بين 1-4 أشخاص بنسبة 37% ، وبين 5-7 أشخاص بنسبة 48%، وأكثر من 7 أشخاص بنسبة 15%[6] (الشكل 3).
وعند سؤال الشريحة المستطلعة آراؤها عن حجم الدخل الحالي ذكر 36% من المستجيبين أن دخل الأسرة أقل من الحد الأدنى للأجور الذي يُقدر حالياً بما يوازي 450 دولار، في حين أشار 19% إلى أن دخلهم بين 400-600 دولار، و8% دخلهم بين 600-800 دولار، و6% دخلهم بين 801 -1000دولار، و13% دخلهم أعلى من 1000 دولار[7] (الشكل 4).
بالنظر إلى (الشكلين 5 و6) نلاحظ أن الإجابات أشارت إلى وجود نسب متدرجة من شرائح الدخل في شريحة إسطنبول، وهو ما يعني أن إسطنبول يتوفر فيها فرص عمل متفاوتة الرواتب (فرص برواتب قليلة، ومتوسطة، وجيدة)، على عكس بقية الولايات التي لا يتوفر فيها سوى فرص العمل برواتب متدنية؛ مما يفسّر انتقال العديد من العائلات السورية من محافظات أخرى للاستقرار في إسطنبول لوجود خيارات عمل أوسع.
كما أن الولايات الأخرى غير إسطنبول تقلّ فيها الرقابة على ظروف العمل، مما يجعل أرباب العمل يستغلّون العمال السوريين ويشغّلونهم دون الحد الأدنى للأجور بشكل مخالف للقانون؛ وذلك استغلالاً للاحتياج المادي لشريحة واسعة من السوريين، ولشحّ الخيارات الأخرى المتاحة أمامهم في مدنهم التي يعيشون فيها.
تشير النتائج التفصيلية إلى أن الشرائح الأقل دخلاً (التي تتقاضى أقل من الحد الأدنى، أو التي تتلقى بين 400-600 دولار) وتشكل أكثر من نصف الشريحة الكلية 55% هي الشريحة التي تضم الأعداد الأكبر من أفراد الأسرة، وتتوزع جغرافياً في إسطنبول بنسبة 15%، وهاتاي 11%، وغازي عنتاب 11% ، و18% بقية الولايات. في حين كانت الشريحة التي تتقاضى أكثر من 1000 دولار -وتشكل 13% من الشريحة المستطلعة آراؤها- يتركز معظمها في إسطنبول بنسبة 8% من إجمالي الشريحة و20% من إجمالي شريحة إسطنبول، تليها غازي عنتاب بنسبة 4% ؛ ويعود ذلك ربما إلى وجود نشاط لرجال الأعمال السوريين والمنظمات الإنسانية التي تمنح رواتب جيدة (الجدول1).
| الشريحة التي تجني أقل من 600 دولار | الشريحة التي تجني بين 601-1000 دولار | الشريحة التي تجني أكثر من 1000 دولار |
عدد أفراد العائلة في المنزل أقل من 6 | 26% | 9% | 10% |
عدد أفراد العائلة في المنزل أكثر من 6 | 30% | 6% | 5% |
تقيم في إسطنبول | 15% | 10% | 8% |
تقيم في غازي عنتاب | 11% | 2% | 3.5% |
تقيم في هاتاي | 11% | 2% | |
تقيم في بقية الولايات | 20% | 1% | 1.5% |
يؤمّن احتياجاته الأساسية فقط | 55% | 14% | 9% |
يؤمّن أكثر من احتياجاته الأساسية | 1% | 4% |
جدول 1: تفصيلات الشريحة وفقاً لمستوى الدخل[8]
تشير النتائج في (الشكل7) إلى أن 92% من الشريحة المستطلعة آراؤها -على اختلاف دخلها- تؤمّن فقط احتياجاتها الأساسية، دون وجود أية أنشطة ترفيهية كالسفر أو الذهاب إلى مطاعم وغيرها، حيث صنّف 24% أنفسهم بأنهم فقراء غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، و32% أنهم يؤمّنون احتياجاتهم الأساسية بصعوبة (أقل من المتوسط)، في حين 35% أجابوا بأنهم قادرون على تأمين احتياجاتهم الأساسية (مستوى متوسط).
بالنظر إلى إجابات المشاركين عن تصنيفهم نمط حياتهم نجد أن النسبة الأكبر من الذين وصفوا حياتهم بأنها حياة مرفّهة (أي: أنهم قادرون على تأمين أكثر من احتياجاتهم الأساسية) يتوزعون في إسطنبول ثم عنتاب، ويعود ذلك على الأغلب إلى وجود فرص عمل كبيرة ورواتب أفضل من باقي الولايات. فيما كانت نسبة الذين يقولون إنهم يؤمّنون احتياجاتهم الأساسية فقط فما دون يعيشون في إسطنبول بنسبة 34% من إجمالي الشريحة، ثم في غازي عنتاب وهاتاي بنسبة 16% لكل منهما، و26% في بقية الولايات.
كما أنه بالمقارنة بين نتائج استبانة 2023 واستبانة 2021 للمقيمين في إسطنبول فقط نجد أن مستوى الحياة انخفض خلال هاتين السنتَين؛ إذ انخفضت نسبة الذين قالوا إنهم يعيشون حياة مرفهة أو متوسطة، وارتفعت نسبة الذين قالوا إنهم يعيشون حياة دون المتوسط أو فقيرة؛ ويعود ذلك إلى التضخّم الكبير الذي حدث خلال هذه المدة، وارتفاع تكلفة المعيشة، خصوصاً في المدن الكبرى (الشكل 8).
من خلال مقارنة أرقام الشريحة الكلية مع أرقام الشريحة من الولايات خارج إسطنبول يبدو أن واقع الحياة الاقتصادي في تلك الولايات أصعب؛ إذ يعاني السوريون فيها من صعوبة تأمين احتياجاتهم الرئيسة نتيجة انخفاض الرواتب، فقد كانت نسب الشرائح الفقيرة أو التي تجد صعوبة في تحصيل احتياجاتها الأساسية أكبر (الشكل 9).
ثانياً: إيجارات المنازل والعائدات الملحقة بها:
تشير النتائج التفصيلية إلى أن غالبية المستجيبين يقطنون في أبنية عادية بنسبة 75%، بينما اختار 25% من الشريحة المستطلعة آراؤها السكن في مجمعات سكنية مخدمة تُعد أغلى من حيث الإيجارات، كما أن لها عائدات مرتفعة للخدمات التي تقدمها، ومعظم المنازل المستأجرة التي تقطنها الشريحة المستطلعة آراؤها كانت تتألف من غرفتَي نوم وصالة بنسبة 41.7%، في حين بلغت نسبة المنازل التي تتألف من 3 غرف نوم وصالة 34.4% (الشكل 10).
فيما يتعلق بإيجارات المنازل أظهرت نتائج الاستبانة أن أسعار إيجارات المنازل ارتفعت بشكل ملحوظ بين عام 2022-2023؛ فقد ذكر 56% من الشريحة المستطلعة آراؤها أنها تستأجر منازل بسعر يتراوح بين 100-300 دولار، و23% تستأجر منازل بقيمة تتراوح بين 301-500 دولار، و8% تستأجر بقيمة أكثر من 501 دولار، في حين أن 13% فقط يستأجرون منازل بقيمة أقل من 100 دولار شهرياً (الشكل 11).
ويُظهر (الشكل 11) ارتفاعاً لأسعار الإيجارات للشريحة ذاتها التي ما زال غالبيتها يقطنون المنازل نفسها، وهو ما يعود إلى الارتفاع الكبير الذي فرضه مالكو المنازل على المستأجرين بحجة التضخم الذي زاد عن النسب التي حددتها الحكومة، مستغلين صعوبة إيجاد شقق جديدة؛ لقلة الأشخاص الذين يقبلون تأجير منازلهم لأجانب، ولقيود السكن المفروضة على العديد من الأحياء التي اقتربت فيها نسبة الأجانب 25%[9].
بالنظر إلى شريحة إسطنبول بدا الارتفاع في قيمة الإيجارات بشكل أوضح من بقية الولايات؛ ففي عام 2022 كانت نسبة الذين يدفعون إيجارات أقل من 200 دولار 40% ، وانخفضت عام 2023 إلى 23%، في حين كانت نسبة مَن يدفعون إيجارات بين 201-400 دولار 45%، فارتفعت عام 2023 إلى51% (الشكل 12). ويعود سبب الارتفاع الملحوظ في الإيجارات في إسطنبول إلى ارتفاع الطلب على السكن بشكل كبير في المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 16 مليوناً، بالإضافة إلى قلة الخيارات المتاحة أمام السوريين والأجانب للسكن بسبب إغلاق العديد من الأحياء أمامهم، ولرفض الكثير من ملّاك المنازل تأجيرهم؛ مما يدفعهم للقبول بخيارات قد تكون أغلى ثمناً من المتوسط العام الذي يدفعه أقرانهم الأتراك.
أما شريحة بقية الولايات عدا إسطنبول فكانت قيمة الإيجارات أقل بشكل أوضح؛ حيث تدفع 61% من هذه الشريحة ما يقل عن 200 دولار أجرة منزل، و30% تدفع بين 201-400 دولار. ولكن هذه الشريحة أيضاً عانت من ارتفاع قيمة الإيجارات بين 2022-2023؛ ففي عام 2022 كانت نسبة الذين يدفعون إيجارات أقل من 200 دولار 85%، فانخفضت عام 2023 إلى 61%، في حين كانت نسبة مَن يدفعون إيجارات بين 201-400 دولار 12%، فارتفعت عام 2023 إلى30% (الشكل 13).
من خلال مقارنة نتائج شريحة إسطنبول وشريحة بقية الولايات يبدو أن قيمة الإيجارات ودرجة ارتفاعها كانت أوضح في إسطنبول منها في بقية الولايات، وأنها أرهقت نسبة كبيرة من السوريين الذين ارتفعت إيجارات منازلهم بشكل أعلى من نسب التضخم ومن ارتفاع الأجور ( جدول 2).
2023 | إسطنبول | بقية الولايات |
نسبة الشريحة التي تدفع أقل من 200 دولار شهرياً | 23% | 61% |
نسبة الشريحة التي تدفع بين 201-400 دولار شهرياً | 51% | 30% |
نسبة الشريحة التي تدفع أكثر من 400 دولار شهرياً | 26% | 9% |
جدول 2: مقارنة الإيجارات المدفوعة عام 2023 بين إسطنبول وبقية الولايات
لقد حددت الحكومة التركية عام 2022 النسبة القانونية لزيادة الإيجار بـ25% من الإيجار الحالي، وجرى تمديد هذا القانون لسنة أخرى حتى منتصف عام 2024، حيث تم إيقاف العمل بتحديد النسبة القانونية للزيادة اعتباراً من بداية تموز 2024 وتم ربط نسبة الزيادة بنسبة التضخم السنوي TÜFE والتي بلغت 71.6% في شهر حزيران 2024[10].
وفي هذا الصدد، وعند سؤال المشاركين حول نسبة الزيادة في الإيجارات التي فُرضت عليهم بين 2022-2023 أظهرت أغلبية الإجابات أن ملّاك العقارات لم يلتزموا بهذا القانون، ورفعوا الإيجار عليهم بنسبة أعلى من النسبة التي حددتها الدولة؛ حيث أظهرت 64% من الإجابات أن الارتفاع في قيمة أجرة المنازل تراوح بين 26-100%، و27% من الإجابات أشارت إلى ارتفاع أجرتها بأكثر من 100%، وأجاب 16% من الشريحة فقط أن ملّاك المنازل التزموا بنسبة الرفع القانونية (الشكل 14).
وبالنظر إلى مقارنة ارتفاع الإيجارات بين محافظة إسطنبول وبقية الولايات يبدو أن ارتفاع الإيجارات ظاهرة عامة في الولايات التركية كافة، إلا أن ارتفاع قيمة الإيجارات في إسطنبول مقارنة بغيرها جعل هذه الزيادة أوضح (الجدول 3).
| شريحة اسطنبول | شريحة بقية الولايات |
لم يتم رفع قيمة الإيجار | 3% | 2% |
تم الرفع بنسبة 25% | 18% | 15% |
تم الرفع بنسبة 26-100% | 57% | 50% |
تم الرفع بنسبة أعلى من 100% | 21% | 32% |
جدول 3 : تغير قيمة الإيجار بين عامي 2022-2023 (إسطنبول وبقية الولايات)
بالمقارنة بين واقع السوريين في الفترة ما بين 2019-2021 التي تخللتها جائحة كورونا وظهرت فيها بوادر الأزمة الاقتصادية في تركيا، وواقعهم حالياً بين عامي 2022-2023 مع ازدياد الأزمة الاقتصادية إلى جانب تداعيات زلزال شباط 2023 والتوترات الداخلية المتعلقة بوجود اللاجئين؛ فإنه يُلاحظ أن هذه الأزمات أدت إلى ارتفاعات حادة في إيجارات المنازل فاق بعضها نسبة التضخم نتيجة المخاوف من عدم الاستقرار الاقتصادي (الشكل 15).
أما ما يتعلق بعائدات المنازل وكلفة خدمات النظافة والأمن والخدمات الأخرى فنتائج الاستبانة تشير إلى أن 42% من الشريحة المستطلعة آراؤها تدفع عائدات أقل من 25 دولار، وهذا يتوافق مع أن النسبة الأكبر من المستجيبين يقطنون في أبنية عادية، حيث تُنفق هذه العائدات على مهام حراسة المبنى وتنظيفه. في حين أن هناك زيادة في قيمة العائدات لعام 2023 مقارنة بعام 2022، خاصة في المجمعات السكنية التي تجاوزت قيمة عائداتها ال75 دولار والتي ارتفعت بشكل غير منضبط وفق ما قرّرته إدارة المجمّع. وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي العائدات المسجلة في التقرير السابق المنجز عام 2021 يشير إلى أن قيمة العائدات التي تدفعها الشريحة المقيمة في إسطنبول لم تتجاوز 25 دولار على أبعد تقدير.
بالنظر إلى تغيُّر قيمة العائدات بين عامي 2022 و 2023 نلاحظ أن 75% من الشريحة المستطلعة آراؤها قد تناسب الارتفاع فيها مع تغيّر قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، في حين أن 24% من الشريحة المستطلعة آراؤها كان ارتفاع العائدات فيها أكبر من تغيّر قيمة الليرة التركية مقابل الدولار؛ إذ تراوحت الزيادة في القيمة بين 25 -50 دولار على القيمة المدفوعة سابقاً، ولُوحظ حدوث هذه الزيادة في إجابات المقيمين في إسطنبول تليها هاتاي ثم غازي عنتاب. كما يُلاحظ أن هناك 10% من الشريحة المستطلعة آراؤها قد انخفضت لديها قيمة العائدات، وهو ما قد يعود إلى تغيير المنزل إلى منزل آخر لأسباب مختلفة[11] (الشكل 17).
وبمقارنة الزيادة الحاصلة بالزيادة في العائدات الحاصلة بين عامي 2019-2021 في ولاية إسطنبول يمكن القول إن عائدات الأبنية لم تتغير في ذاك الوقت، وارتفعت بشكل أقل من ارتفاع قيمة الدولار، في حين أن الفترة المدروسة 2022- 2023 أشارت 22% من الإجابات أن هذه الزيادة كانت أعلى من الارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية، وهذا الرقم يتوافق مع نسبة القاطنين في مجمعات سكنية تقدم خدمات خاصة، كالحدائق والكراج وخدمات النظافة ورمي القمامة والحراسة.
ثالثاً: التغيُّر في قيمة الفواتير:
بالنظر إلى تغير قيمة الفواتير (بما يعادل قيمتها بالدولار) عند الشريحة المستطلعة آراؤها أظهرت الإجابات ارتفاعاً ملحوظاً في الفواتير؛ إذ كانت الأغلبية في 2022 تدفع فواتير بقيمة 50 دولاراً أو أقل، إلا أن نسبتهم انخفضت في 2023 مقابل ارتفاع نسبة الذين قالوا إنهم صاروا يدفعون أكثر من 50 دولار؛ على الرغم من أن معدلات الاستهلاك يُفترض ألا ترتفع للعائلة في عام واحد. ولم تُظهر هذه النسبة تغيراً كبيراً بين شريحة المقيمين في إسطنبول وشريحة المقيمين في الولايات الأخرى، إذ كانت إجاباتهم متقاربة إلى حد كبير؛ وهذا يعود إلى أن الخدمات المفوترة (عدا الهاتف والإنترنت) تُقدّم في الغالب من البلديات والمؤسسات الحكومية، ولا تهدف لتحقيق أرباح من ورائها، مما يجعل سعر هذه الخدمات متقارباً في جميع المدن في تركيا (الشكل 18).
وعند سؤال الشريحة المستهدفة عن نسبة زيادة قيمة الفواتير بين 2022-2023 أجاب 43% أن القيمة لم تتغير قياساً على الدولار، بينما أشار 32% إلى أن قيمة الفواتير التي يدفعونها زادت بشكل طفيف لا يتجاوز 25 دولاراً، و12% أشاروا إلى أن الزيادة كانت أكثر من 25 دولار. في حين أشار 11% إلى انخفاض في قيمة الفواتير؛ مما قد يعود لتغيير المنزل أو للتغيرفي عدد أفراد الأسرة نتيجة السفر، أو للتقنين في استخدام المياه والكهرباء والغاز في محاولة لتخفيف النفقات. ولم يكن هناك اختلاف كبير بين إجابات شريحة إسطنبول وشريحة المقيمين في المدن الأخرى، وذلك للأسباب المذكورة سابقاً (الشكل 19).
تجدر الإشارة إلى أن الزيادة في قيمة الفواتير وفقاً لتقريرنا المنشور عام 2021 لم تتجاوز 30 دولار عند 45% من الشريحة المستطلعة آراؤها آنذاك، و60 دولار عند 49%، وأكثر من 60 دولار عند 6% من تلك الشريحة.
رابعاً: التغيّر في كلفة المواصلات:
تُعد المواصلات العامة أو الخاصة خدمة أساسية لا غنى عنها للمقيمين في تركيا، خصوصاً في المدن الكبرى؛ إذ يضطر العديد من الناس للسكن في أماكن بعيدة عن أماكن عملهم أو دراستهم. وعند سؤال الشريحة المستهدفة عن كلفة مصاريف السيارة الشخصية -إن وُجدت- وتغير هذه الكلفة بين عامي 2022-2023 جاءت ثلثا الإجابات أنهم لا يملكون سيارة، فيما أجاب معظم الثلث المتبقي أن المصاريف الشهرية على السيارة تزيد عن 50 دولاراً، حيث يوضح (الشكل 20) ارتفاع مصاريف السيارة الشخصية عام 2023 مقارنة بعام 2022 وذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الوقود.
وعند مقارنة إجابات سكان إسطنبول بسكان الولايات الأخرى يمكن ملاحظة زيادة نسبة مالكي السيارات في إسطنبول -نسبياً- مقارنة بسكان المدن الأخرى، ويعود ذلك إلى طبيعة الحياة في إسطنبول التي تضطر الكثير من الناس لاقتناء سيارة من أجل قضاء حوائجهم؛ لصعوبة التنقل بالمواصلات العامة بسبب الزحام الشديد. فيما تُعد المدن الأخرى أقل كثافة سكانية وأكثر راحة في استخدام المواصلات العامة، مما لا يضطر سكانها لاقتناء السيارة. كما أن المستوى المعيشي لسكان إسطنبول أعلى من سكان المدن الأخرى، أي أن لديهم الإمكانيات المادية لاقتناء سيارة خاصة وتحمل مصاريفها.
وبالنظر إلى إجابات من يملكون سيارات خاصة وتحليل قيمة التغير في الإنفاق عليها أشار 15% من كامل العينة المستطلعة آراوها ممن يملكون سياراتهم الخاصة إلى أن نسبة التغير في الإنفاق توافقت مع التغير في سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية، في حين أجاب16% إلى ارتفاع نسبة مصاريف السيارة الخاصة بقيمة أكثر من 25 دولار (الشكل 21).
كما أجاب أغلبية المشاركين في الاستبانة عن سؤال مدى تغير تكاليف المواصلات العامة بين 2022-2023 أن التكلفة لم تتغير وفقاً للدولار، أو زادت بشكل طفيف لا يتجاوز 25 دولاراً. وكانت الإجابات متشابهة بين شريحتَي سكان إسطنبول وسكان المدن الأخرى بشكل يشير إلى أن زيادة تسعيرة المواصلات التي فرضتها البلديات جاءت بالأساس لتعويض انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار.
يُذكر أن أجرة المواصلات العامة ارتفعت بشكل واضح؛ فبعد أن كانت قيمة تعرفة الركوب في المواصلات العام في إسطنبول قرابة 2.6 ليرة تركية عام 2019 ارتفعت لتصل إلى 4.05 ليرة عام 2021، لتتجاوز 5 ليرات تركية مع بداية عام 2022 ، وقد بلغت 17.7 ليرة تركية -أي ما يقارب 0.6 دولار- مطلع عام 2024 [12]، ووصلت إلى 20 ليرة في أواخر تموز 2024، كما ارتفعت أجور النقل الخاص (رسوم فتح العداد) بنسبة 22.19% من 24.55 إلى 30 ليرة، وارتفعت أجرة المسافات القصيرة من 90 ليرة إلى 100 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة للعبارات البحرية والقطارات والحافلات الصغيرة[13].
رابعاً: التكاليف المعيشية وأسعار السِّلع الأساسية:
من الصعب مقارنة التكاليف المعيشية بين العائلات[14]؛ نظراً لاختلاف ظروفها المعيشية والتزاماتها وعدد أفرادها ووضعهم التعليمي والصحي، بالإضافة إلى اختلاف احتياجاتهم وأماكن تسوقهم، لاسيما وأن أسعار السلع الغذائية والخضراوات والفواكه يمكن أن تتفاوت بشكل ملحوظ بين البازارات الشعبية والمتاجر الرخيصة أو حتى الباهظة.
ومن جهة أخرى تتفاوت أسعار بعض المنتجات السورية التي يستخدمها السوريون، خاصة مع غياب الرقابة على أسعار تلك المنتجات، مثل الخبز السوري وبعض المعلبات والمأكولات والحلويات السورية. كما تتفاوت أيضاً الخدمات الطبية الخاصة التي تقدمها بعض المراكز والعيادات السورية الخاصة – غير النظامية – عن نظيراتها من المراكز والعيادات التركية.
تشير نتائج الاستبانة إلى أن 60% من المشاركين يصرفون على مستلزمات الصحة والطعام والتعليم وغيرها ما يزيد عن 400 دولار في عام 2023. فيما كان 44% منهم يصرفون هذه القيمة عام 2022 (الشكل 24)؛ ويعود هذا إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل كبير في عام 2023، الذي ترافق أيضاً مع استمرار تدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار، ورفع ضريبة القيمة المضافة على معظم المنتجات في منتصف 2023، بشكل أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
عند النظر إلى إجابات شريحة إسطنبول نجد أن 59% من الشريحة المستطلعة آراؤها كانت تصرف أكثر من 400 دولار شهرياً على مستلزماتها عام 2022، إلا أن هذه النسبة ارتفعت بشكل واضح عام 2023 لتصل إلى 71% (الشكل 25). ويبدو أن المصاريف الأخرى في بقية الولايات كانت أدنى بدرجة قليلة؛ فقد أشار 46% إلى أن معدل مصاريفهم الشهرية زاد عن 400 دولار عام 2022، وارتفعت هذه النسبة إلى 63% عام 2023 (الشكل 26). ومع أن معدلات التضخم كانت واحدة في عموم تركيا إلا أن تأثير التضخم يبدو أوضح في المدن الكبيرة، خاصة إسطنبول؛ فهي وإن كانت توفر فرص عمل متنوعة إلا أن كلفة الحياة فيها مرتفعة.
أما بالنظر إلى إجابات المشاركين عن مدى تغير قيمة الإنفاق على الاحتياجات الأساسية مقارنة بقيمة الدولار بين عامي 2022-2023 فقد أجاب نصف الشريحة أن قيمة مصاريفهم لم تتغير قياساً بالدولار، فيما أجاب حوالي 10% أن الزيادة لم تتجاوز 100 دولار، وأجاب 33% من الشريحة أن المصاريف زادت بأكثر من 100 دولار (الشكل 27)، وهذا يشير إلى أن التضخم الحاصل مؤخراً كان أعلى من معدل تغير سعر الصرف، وأن ارتفاع أسعار المنتجات بالليرة التركية تجاوز نسبة انخفاض قيمة العملة.
وعند تحليل إجابات المشاركين في إسطنبول مقارنة بإجابات بقية الولايات نجد أن 30% من شريحة إسطنبول أجابت أن الأسعار ارتفعت عليهم أكثر من قيمة ارتفاع الدولار (الشكل 28)، فيما أجاب 40% من شريحة بقية الولايات الإجابة نفسها، وهو ما يمكن تفسيرة بأن المشاركين من المدن الأخرى يقطن معظمهم في الولايات الحدودية جنوب تركيا مثل هاتاي وغازي عنتاب وشانلي أورفة، التي تضررت من الزلزال بشكل كبير وما تزال تعاني من آثاره الاقتصادية. ومن الممكن أن تكون الأزمة الاقتصادية دفعت التجار لتصدير بضائعهم إلى الخارج لتحقيق أرباح أكثر، مما أدى إلى شحّ العرض مقارنة بالطلب بشكل أدى إلى ارتفاع الأسعار في هذه المدن، بينما الرقابة وضبط السوق في إسطنبول أقوى. كما يمكن أن يكون للزلزال تأثير في ارتفاع الأسعار؛ وتحتاج هذه الظاهرة إلى المزيد من البحث عن أسبابها التفصيلية.
الشكل 28: تغيّر قيمة الإنفاق على المصاريف الأخرى (طعام، ملابس، تعليم، صحة، احتياجات أساسية) بين عامي 2022-2023_شريحة إسطنبول
الشكل 29: تغيّر قيمة الإنفاق على المصاريف الأخرى (طعام، ملابس، تعليم، صحة، احتياجات أساسية) بين عامي 2022-2023_شريحة بقية الولايات
بالمقارنة بين حصة الفرد من الإنفاق الشهري على التكاليف المعيشية في التقرير السابق انخفض متوسط حصة الفرد من التكاليف المعيشية – دون احتساب أجرة المنزل والفواتير والمواصلات- في إسطنبول من 133 دولاراً للفرد عام 2019 إلى 123 دولاراً عام 2021، لتصل إلى 96 دولاراً في إسطنبول لعام 2023، و77 دولاراً للفرد الواحد خارج إسطنبول، وذلك للشريحة التي صنّفت نمط معيشتها بالمتوسط وما دون المتوسط، أي القادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية بصعوبة. كما تؤكد النتائج السابقة أن التضخم الحالي أثّر في رفاهية معيشة الأفراد، واضطرهم إلى تقليص نفقاتهم الأساسية والتنازل عن كثير من الأمور.
خامساً:كم تحتاج العائلة شهرياً حتى تعيش بمستوى متوسط؟
سُئل المشاركون في الاستبانة عن مقدار الراتب الذي يكفي احتياجاتهم؛ فأشار 47% من المستجيبين إلى أن العائلة تحتاج إلى ما يزيد عن 1000 دولار شهرياً للحياة بمستوى متوسط يؤمّن الاحتياجات الرئيسة مع أجرة المنزل والفواتير فقط، بينما 21% قالوا إن الراتب المناسب بين 800-1000 دولار. وتشير هذه الأرقام إلى أن احتياجات معظم الأسر السورية للعيش بكرامة غير متوفرة حالياً، لاسيما وأن 55% من الشريحة المستطلعة آراؤها تتقاضى أقل من 600 دولار شهرياً (الشكل 30).
عند النظر إلى إجابات المشاركين المقيمين في إسطنبول نجد 62% منهم قالوا إنهم يحتاجون راتباً يزيد عن 1000 دولار لتحمل الاحتياجات الشهرية، بينهم 31% أشاروا إلى أن المبلغ المطلوب يزيد عن 1500 دولار. في حين كانت إجابات الشريحة عام 2021 أن 37% يحتاجون ما يزيد عن 1000 دولار للحياة بشكل يوفر احتياجاتهم الرئيسة، وكان 42% يشيرون إلى أن الراتب الذي يحتاجونه يتراوح بين 600-1000 دولار(الشكل 31).
تبدو المقارنة بين نتائج شريحة إسطنبول وبقية الولايات واضحة؛ فقد أشار 34% إلى أنهم يحتاجون راتباً يزيد عن 1000 دولار لتحمل الاحتياجات الشهرية، بينهم 11% أشاروا إلى أن المبلغ المطلوب يزيد عن 1500 دولار، فيما أشار 45% إلى أنهم يحتاجون بين 600-1000 دولار لتلبية احتياجاتهم الأساسية بما فيها إيجار المنزل والفواتير (الشكل 32).
تشير نشرة صادرة عن اتحاد نقابات العمال الأتراك في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أن احتياجات الطعام الشهرية تضخمت بنسبة 2,87% في الشهر الأخير، وبنسبة 82,21% خلال العام كاملًا، معتبرة أن العائلة المكونة من 4 أشخاص في تركيا تحتاج مبلغاً لا يقل عن 14.431ليرة تركية لكي تحصل على نظام غذائي صحي ومتوازن وكافٍ بالحد الأدنى، وهو ما أطلقت عليه “حدّ الجوع”، ويُقصد به الإنفاق المطلوب على الغذاء فقط[15].
وقدّرت النشرة أن هذه الأسرة تحتاج لتأمين احتياجاتها الأساسية إلى مبلغ 47,009 ليرة تركية كحد أدنى، وذلك للإنفاق على الغذاء والملبس والسكن الذي يشمل الايجار والكهرباء والمياه والوقود، وكذلك النقل والتعليم والصحة وغيرها، بكلفة تصل إلى 11,752 ليرة تركية للفرد الواحد.
وبالنظر إلى (الجدول 4) الذي يوضح التغيرات في قيمة الإنفاق الأدنى للعائلة على الطعام والاحتياجات الرئيسة نلاحظ أن حصة الفرد التركي من الإنفاق الأدنى على الطعام فقط أواخر عام 2023 بلغت 122 دولاراً، في حين كانت حصة الفرد التركي من إجمالي نفقات العائلة لتأمين احتياجاتها الرئيسة 398 دولاراً، في حين كانت حصة الفرد السوري وفقاً للاستبانة [16]التي شملت إنفاقه على الطعام والصحة والتعليم وغيرها أقل من 100دولار، وحصة الفرد السوري من كامل الإنفاق بلغت 165 دولار.
من جهة أخرى فإنه في حين كانت نشرات نقابة العمال أواخر عام 2023 تشير إلى أن العائلة التركية المكونة من 4 أشخاص تحتاج ما لايقل من 1595 دولاراً شهرياً لتأمين احتياجاتها الأساسية؛ كان هناك 6% فقط من الشريحة المدروسة من السوريين قادرين على تحصيل هذا المبلغ شهرياً، في حين كان ما يقارب 55% من الشريحة المستطلعة آراؤها تعيش بمبالغ لم تتجاوز الـ600 دولار، وهو ما يؤكد أن المستوى المعيشي للعائلات السورية -حتى تلك التي تصنّف نفسها بمستوى متوسط- أقل بشكل كبير من مستوى مثيلاتها من العائلات التركية[17].
نشرات اتحاد نقابات العمال الأتراك | شباط 2020[18] | كانون الأول 2020[19] | شباط [20]2021. | كانون الأول 2021[21] | شباط 2022[22] | كانون الأول [23]2022 | شباط [24]2023 | كانون الأول 2023[25] | شباط 2024[26] |
الإنفاق الأدنى لعائلة من 4 أشخاص على الطعام فقط | TRY 2,257 | TRY 2,590 | TRY 2,719 | TRY 4,013 | TRY 4,552 | TRY 8,130 | TRY 9,425 | TRY 14,431 | TRY 16,257 |
الإنفاق الأدنى لعائلة من 4 أشخاص على الطعام فقط ( بالدولار) | $367 | $350 | $367 | $334 | $330 | $435 | $499 | $489 | $523 |
الإنفاق الأدنى على الطعام للفرد الواحد شهرياً بالدولار | $92 | $88 | $92 | $84 | $82 | $109 | $125 | $122 | $131 |
الإنفاق الشهري الأدنى لعائلة من 4 أشخاص لتأمين احتياجاتها الأساسية كاملة | TRY 7,253 | TRY 8,436 | TRY 8,856 | TRY 13,027 | TRY 15,139 | TRY 26,485 | TRY 30,700 | TRY 47,009 | TRY 52,955 |
الإنفاق الشهري الأدنى لعائلة من 4 أشخاص لتأمين احتياجاتها الأساسية كاملة (بالدولار) | $1,179 | $1,140 | $1,197 | $1,086 | $1,097 | $1,416 | $1,624 | $1,594 | $1,703 |
حصة الفرد من الإنفاق الأدنى المطلوب شهرياً لتأمين احتياجاته الرئيسية بالدولار | $295 | $285 | $299 | $271 | $274 | $354 | $406 | $398 | $426 |
قيمة الدولار في تلك الفترة[27] | 6.15 | 7.4 | 7.4 | 12 | 13.8 | 18.7 | 18.9 | 29.5 | 31.1 |
جدول 4: تغير قيمة الإنفاق الأدنى خلال السنوات 2020 -2023 وفقاً لنشرات اتحاد نقابات العمال الأتراك
خاتمة:
من الصعب تتبُّع الواقع الاقتصادي الذي يعيشه ما يزيد عن 3 مليون سوري تحت الحماية المؤقتة في تركيا، في ظل شكل قانوني هشّ يصعب فيه إيجاد عمل بشكل نظامي واستخراج إذن قانوني، وهم يعانون -كما يعاني الأتراك- من تداعيات أزمة اقتصادية حادة بدأت تظهر بشكل واضح عام 2019 وما زالت مستمرة في التصاعد؛ فقد زادت آثارها عقب أزمة كورونا عام 2020-2021، وتداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط 2023، حيث انعكست هذه الأزمة على مستوى رفاه السوريين وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية.
تعيش الشريحة الأكبر من السوريين في تركيا برواتب تقارب الحد الأدنى من الأجور أو تقل عنه وهي الشريحة التي تعيل عدداً كبيراً من الأفراد، وتحاول هذه الشريحة تأمين احتياجاتها الأساسية بصعوبة، فقد تأثر عموم السوريين بالأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا منذ عام 2020 ، وعانوا من تداعيات التضخم التي أدت إلى انخفاض مستوى معيشتهم.
لقد ظهرت آثار هذا التضخم في إيجارات المنازل بشكل كبير، فقد ارتفعت الإيجارات بشكل واضح وبدرجة أعلى من الزيادة المحددة قانونياً خاصة في اسطنبول، وتعرض السوريون للضغط من قبل مالكي العقارات لقبول هذا الارتفاع نظراً لصعوبة إيجاد مساكن بديلة في ظل التعقيدات البيروقراطية وإغلاق العديد من الأحياء أمام سكن الأجانب، وقد تبع هذا الارتفاع ارتفاع في العائدات لاسيما في المجمعات السكنية إلا أن هذا الارتفاع كان يتوافق مع تغير قيمة الدولار بالنسبة لليرة التركية في معظم الأحيان.
أما بالنسبة للفواتير، فقد ارتفعت قيمة الفواتير بشكل أعلى من تغير قيمة الليرة التركية مقابل الدولار رغم أن معدلات الاستهلاك لنفس العائلة لا يفترض أن تتغير بشكل كبير، وترافق ذلك مع ارتفاع أسعار الوقود وكلفة مصروف السيارات الشخصية والمواصلات العامة.
ومن جهة أخرى بدت اثار التضخم واضحة على أسعار السلع الأساسية والتي تفاوتت وفق المحافظات وزادت عن نسبة تغير فيمة صرف الليرة التركية مقابل الدولار، وواجهت العائلات صعوبات في المحافظة على نفس المستوى وتأمين نفس الاحتياجات مما دفعها للتخلي عن بعض هذه الاحتياجات وهو ما أدى إلى انخفاض مستوى معيشة ورفاهية هذه العائلات، خاصة وأن معدلات رفع الرواتب لم تسد هذه الفجوة.
وتشير النسبة الأكبر من الشريحة المستطلعة آراؤها إلى أنها تحتاج ما يزيد عن 800 دولار كحد أدنى لتأمين احتياجاتها الأساسية ففط (أجرة سكن وفواتير ومواصلات واحتياجات الطعام والشراب واللباس)، في حين برتفع هذا المبلغ في إسطنبول ليزيد عن 1000دولار، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم لا يشمل التأمين الصحي المغطى من قبل الاتحاد الأوروبي لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة.
وبالمقارنة بين واقع حياة الأسر السورية وحصة الفرد مع النشرات الصادرة عن نقابة العمال الأتراك ، لم تستطع سوى 6% من العائلات المستطلعة أراؤها أن تؤمن ما تم تصنيفه بأنه حد الفقر، في حين كانت بقية الشريحة تعيش دون هذا المستوى، كما أن حصة الفرد السوري للانفاق على الطعام والشراب لم تصل إلى ثلث ما ينفقه الفرد التركي على الطعام والشراب لتأمين الاحتياجات الأساسية والغذاء الصحي.
لقد كانت آثار الأزمة الاقتصادية على السوريين أسوأ منها على الأتراك؛ وذلك نتيجة الأجور المتواضعة التي يتقاضونها، ولحاجتهم المستمرة للعمل بعد أن فقدوا مدخراتهم نتيجة النزوح المطول، وفقدوا شبكاتهم الاجتماعية الداعمة. ومع غياب المساعدات النقدية والعينية والتقييد على وجود السوريين في ولايات لا تتوافر فيها فرص عمل تأثرت رفاهية العائلات، وبات العديد منهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية؛ حيث إن حصة إنفاق الفرد السوري تتفاوت بشكل واضح مقارنة بحصة الفرد التركي.
وفي الختام يبرز سؤال يحضر بشدة هنا: هل سيستطيع السوريون في ظل هذه الظروف الصعبة تحسين ظروف حياتهم وتحصيل القدر المطلوب من الرواتب التي تعينهم على حياة كريمة بمستوى معيشة متوسط؛ في ظل التضخم الحاصل والتدقيق الحالي على وجودهم، أم أن دائرة الفقر والاحتياج ستبتلعهم مجدداً وتسحبهم نحو شريحة ذوي الدخل الضعيف؟