وثيقة الحقوق والحريات الأساسية
على الرغم من أن الثورة السورية طرحت منذ انطلاقتها في مارس/آذار 2011 شعارات الحرية والكرامة وهي من صميم حقوق الإنسان وحرياته، إلا أنها لم تتمكن عبر قواها الثورية من تكريس هذه الحريات والحقوق في رؤاها وهياكلها وممارساتها بالقدر الكافي، فافتقدت معظم الرؤى والخطابات السياسية الجامعة – على قلتها – بريق الحريات والحقوق التي نادى بها الثوار الأوائل.
إن فكرة حقوق الإنسان والدعوة إليها من الأمور الجوهرية في المجتمعات المعاصرة، إذ كرستها العديد من الدول المعاصرة ونصت عليها في دساتيرها، كدليل على التزامها بها. فقد عدّت احترام حقوق الإنسان وحرياته أحد المعايير المعتبرة محلياً وخارجياً الدالة على رقي الدولة وتقدمها، وأسهم في ذلك البعد الدولي الذي حظيت به خصوصاً مع صدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام1948.
وفي حالتنا الثورية تكتسب قضية الحقوق والحريات بعداً إضافياً، يتمثل في مبادئ الثورة ذاتها التي أطلقت شعارات الحرية والكرامة كأبرز أوجه التعبير عن رغبة الشعب في تحصيل حقوقه المسلوبة منه لعقود طويلة.
على الرغم من أهمية فكرة الحقوق والحريات بالنسبة للثورة، وافتراض الإجماع الوطني والشعبي حولها نظراً لتعلقها بالإنسان ذاته كونه إنساناً، ووجود عرف دولي ومحلي على النص عليها في أية وثيقة قانونية أو سياسية باعتبارها بنداً ثابتاً في العقد الاجتماعي بين الدولة والشعب، إلا أن الثورة لم تستطع تثبيتها في أية وثيقة سياسية أو قانونية، ولعل السبب الرئيس لذلك هو: الاعتقاد السائد لدى الثوار بأن الثورات تهدم الأنظمة القائمة ولا تبني البدائل حتى تنتصر.
لربما كان هذا الاعتقاد في بداية الثورة، لكن مع تطور أحداثها ونشوء مناطق محررة غير خاضعة لسلطة النظام، وطول فترة الثورة، كان لابد من أن تطرح الثورة نفسها كبديل مقبول وحقيقي للنظام.
بناء على ما تقدم، جاءت الندوة التخصصية التي أقامها مركز الحوار السوري في استنبول بتاريخ 7محرم 1438هـ الموافق لـ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2016م، تحت عنوان “نحو تطوير الخطاب السياسي للثورة”، لتناقش مكانة الحقوق والحريات الأساسية في المشروع السياسي للثورة، ليتوافق المجتمعون في نهاية الندوة على التوصية بـ “ضرورة تبني قوى الثورة السياسية والعسكرية وثيقة قانونية وسياسية تتضمن الحقوق والحريات الأساسية مع البدء بتطبيقها والتوعية بها من خلال مؤسسات حقوقية وقانونية”.
عمل مركز الحوار السوري على البدء في تنفيذ هذه التوصية، من خلال إعداد وثيقة الحقوق والحريات الأساسية المرفقة، والتي راعى فيها محددين اثنين:
1- الاقتصار على الحقوق والحريات الأساسية التي يفترض أن يتمتع بها الإنسان بغض النظر عن عرقه أو ديانته أو جنسه، بهدف تحقيق التوافق حولها بين مختلف القوى والكيانات السياسية والعسكرية، وخروجاً من الخلافات التي قد تعترض إقرارها.
2- الاستئناس بجميع الوثائق القانونية والدستورية والحقوقية المحلية والإقليمية والعالمية خصوصاً الحديثة منها، في إعداد هذه الوثيقة. مثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، ووثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي أقرتها منظمة التعاون الإسلامي، والبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام الذي أقره المجلس الإسلامي الدولي.
وعليه، نأمل أن تكون هذه الوثيقة بمثابة أساس أولي يمكن لقوى الثورة الاستناد عليه في بناء المشروع السياسي، ومحفزاً لتغيير الواقع الحالي في المناطق المحررة نحو تعزيز الحقوق والحريات لكافة أفراد الشعب السوري، بما يعيد إلى أذهانهم شعارات الثورة ومبادئها الأولى التي نادت بها.
لتحميل وثيقة الحقوق والحريات الأساسية
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة