العملية العسكرية التركية شمال سوريا، العوامل المؤثرة والسيناريوهات المتوقعة
تقرير تقدير موقف
مقدمة:
يبدو المشهد شمالي سوريا مشحوناً بالتوتر والخلاف بين الأطراف الفاعلة التي دخلت في حالة من الاستقطاب والاصطفاف مع محاولة بعضها إعادة التموضع في المنطقة، والحصول على مكاسب إضافية تعزّز بها نفوذها وتوسّع هوامش مناورتها، مستغلّة تغيّرات محتملة لقواعد الاشتباك في سوريا نتيجة انعكاسات الأزمة الأوكرانية[1].
وتعتزم تركيا شنّ عملية عسكرية برية ضد”قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، تنتزع بها مناطق جديدة شمالي سوريا تقع ضمن مجال النفوذ الروسي وتلامس مناطق تحت سيطرة إيران في ريف حلب الشمالي، وهو ما لاقى رفضاً روسياً إيرانياً مشتركاً ترجمتْه مواقف الطرفين في الجولة 18 ضمن اجتماعات مسار أستانا حول سوريا في طهران.
تبحث هذه الورقة العوامل المؤثرة في مدى احتمال العملية العسكرية في ضوء المواقف الدولية المعارضة في عمومها للعملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، كما تحاول استشراف سيناريوهاتها بشكل مقتصب.
قمة طهران؛ تناغُم في المواقف الإيرانية الروسية ضد تركيا:
استضافت طهران قمة ثلاثية جمعت رؤساء كل من تركيا وإيران وروسيا، وحظيت باهتمام سياسي كبير نظراً لطبيعة الظروف الدقيقة التي تشهدها الساحة الدولية والإقليمية؛ من تعقُّد مسار مفاوضات الملف النووي الإيراني، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وأزمة الحبوب الأوكرانية، وتشكُّل بوادر تحالفات جديدة في المنطقة تتناسب مع تتابعات المواجهة الجديدة وتطورات المرحلة في بيئة دولية متغيرة.
واختتمت القمة أعمالها دون تحقيق نتائج واضحة ملموسة على صعيد القضايا الخلافية العالقة بين أطراف الاجتماع، وعلى رأسها الملف السوري والعملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري؛ إذ جاء البيان الختامي مكرِّراً مضامين البيانات السابقة لاجتماعات أستانا من جهة تركيزه على الملفات المشتركة، وتسليط الضوء على المصالح الأمنية والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية المشتركة بينها[2]، وتأجيل المسائل الخلافية وتحييدها؛ فقد أعرب البيان عن التزام رؤساء إيران وروسيا وتركيا بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ورفضهم الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها، كما أدان البيان الوجود المتزايد للتنظيمات الإرهابية وأنشطتها وأذرعها في مختلف مناطق سوريا، تاركاً لكل طرف تفسير معاني الإرهاب وفق ما يتلاءم مع مصالحه على مبدأ الغموض البناء، ومعرباً عن تصميم الدول الثلاث على مواصلة مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله. كما أكد البيان ضرورة الحفاظ على الهدوء من خلال تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مزيد من المسؤولية في تقاسم أعباء إسكان اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم[3].
تعقيدات مرتبطة بتمتين العلاقات الروسية الإيرانية، ومساعي إيران لمنع العملية:
حاولت تركيا دون جدوى كبيرة تليين مواقف إيران وروسيا التي تناغمت مواقفهما في رفض العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد قوات “قسد” في سوريا[4]. ويبدو أنَّ هذا التناغم ينسجم فعلياً مع تطور مسار العلاقات الروسية الإيرانية نحو مزيد من زيادة التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين البلدَين بعد الحرب الأوكرانية[5]، مع ظهور بوادر تقارُب في الرؤى الإيرانية الروسية وتبادل للأدوار ورفع مستوى التنسيق والتعاون في سوريا، في ظل تباعُد خط علاقاتهما مع الولايات المتحدة والغرب وتوتّر الأجواء بينهم عقب الأزمة الأوكرانية وتعثّر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي[6].
يبدو أنَّ لهذا تأثيراً مباشراً على مسار العلاقات الروسية مع إيران؛ ليأخذ منحنى نحو مزيدٍ من التماسك وتمتين العلاقة، وتحييدٍ للخلافات التكتيكية بين الجانبين، وهو ما قد يعني احتمالية فسح روسيا المجال مجدداً أمام إيران لتوسيع هوامش نفوذها، وتخلّيها تدريجياً عن مهمة ضبط النفوذ الإيراني في سوريا، بعد أن كانت روسيا معنية ضمنياً أمام القوى الدولية والإقليمية التي تربطها بها تفاهمات أو اتفاقيات معينة بإضعاف تأثير إيران ووكلائها في سوريا[7].
هذا التمتين للعلاقة بين الجانبين يصعّب -فيما يبدو- مهمة تركيا في إقناع روسيا بجدوى عمليتها العسكرية شمال سوريا، نظراً لتزايد الاهتمام الروسي بدور إيران وفاعليتها ضمن حسابات روسيا الاستراتيجية والجيوسياسية في صراعها الأوسع مع الغرب. ويمكن القول: إنَّ العامل الإيراني قد يؤثّر نسبياً في قرار روسيا ومحادثاتها المحتملة مع تركيا فيما يتعلق بعمليتها العسكرية في سوريا. على خلاف التفاهمات السابقة التي كانت تجريها روسيا مع تركيا بمعزل عن إيران ومصالحها، والتي قامت على أساسها تركيا بعملياتها السابقة في سوريا؛ الأمر الذي كان يشكل هاجساً لدى صانع القرار الإيراني، وقد عبّرت إيران في أكثر من مناسبة عن امتعاضها عموماً من الترتيبات الثنائية التي تجريها روسيا مع الأطراف الدولية -تركيا و”إسرائيل” والولايات المتحدة- بمعزل عنها[8].
وتنطلق إيران -كما يبدو- من عدة عوامل أساسية تبني عليها موقفها الرافض للعملية العسكرية المرتقبة[9]، أبرزها: النطاق الجغرافي المحدد للعملية؛ إذ تُبدي إيران حساسية واضحة تجاه التحرك التركي شمال سوريا وتحديداً قرب بلدة تل رفعت المحاذية لبلدتَي نُبّل والزهراء المواليتين لنظام الأسد في ريف حلب الشمالي، لما في ذلك من تهديد مباشر للمصالح الإيرانية في البلدتَين المواليتَين ومدينة حلب التي تُعد مركزاً أساسياً لميليشيات إيران منذ العام 2016م[10].
كما أنَّ الموقف الإيراني الرافض للعملية التركية يرتبط بشكل أو بآخر بتصاعد حدّة الخلاف والتنافس الإقليمي بين الجانبين في المنطقة، تحديداً في العراق وسوريا؛ فضلاً عن زيادة الهواجس الإيرانية من التقارب التركي مع دول أو كيانات مثل السعودية و”إسرائيل”[11].
وتسعى إيران إلى لعب دور الوسيط بين نظام الأسد و”قسد” والتقريب بين الطرفين، من أجل سحب مبررات العملية التركية[12]، من خلال الضغط على “قسد” لتتنازل بشكل كامل عن مناطق نفوذها في تل رفعت ومنبج، وتسمح بدخول قوات نظام الأسد إليها.
كما تجتهد الدبلوماسية الإيرانية في تحقيق نوع من الوساطة بين نظام الأسد وتركيا، وهو ما عبّرت عنه زيارة وزير الخارجية الإيراني “أمير حسين عبد اللهيان” إلى دمشق، وقيامه بعرض الوساطة بين تركيا ونظام الأسد لحل المشاكل الأمنية التي قد تدعو تركيا لشنّ عملية عسكرية جديدة في سوريا[13]، وذلك بالتزامن مع تحرُّك عسكري إيراني مع نظام الأسد وبالتنسيق مع “قسد” لإعادة الانتشار في بعض المواقع التي تقع ضمن الأهداف المحتملة للعملية العسكرية التركية في تل رفعت ومنبج وعين العرب في ريف حلب[14]. ويبدو أنَّ التصعيد الذي قادته ميليشيات مدعومة إيرانياً في محافظة دهوك في العراق ضد القواعد العسكرية التركية، واتهام حكومة العراق تركيا بوقوفها وراء القصف الذي استهدف منتجعاً شمالي محافظة دهوك وخلّف 40 قتيلاً وجريحاً من المدنيين، ورفضها إجراء تحقيق مشترك معها؛ كل ذلك يأتي غالباً في سياق الضغط الإيراني على تركيا للتأثير في قرارها حيال عمليتها العسكرية في سوريا، وفرض أمر واقع يكسبها نقاط قوة إضافية في عملية المفاوضات مع تركيا[15].
الموقف الروسي والسعي لعرقلة العملية:
إلى جانب ذلك سعت روسيا إلى ضبط معادلة التوازنات مع تركيا وعدم الإخلال بها، وتثبيت الوضع الراهن والتأكيد على استمرار الدور الروسي في سوريا، ورفض محاولات إحداث تغييرات جذرية تؤثر في مجمل التوازنات القائمة؛ وهو ما يمكن اعتباره رسالة إلى مختلف الأطراف الدولية والإقليمية فحواها أنَّ سوريا ما زالت أولوية بالنسبة لروسيا رغم انشغالها بحربها العسكرية في أوكرانيا.
ويبدو أنَّ روسيا -عبر موقفها المتعنّت تجاه العملية العسكرية التركية- ترغب فعلياً في فصل الملف الأوكراني عن السوري والحرص على عدم تداخلهما؛ في محاولةٍ منها لحرمان تركيا من استثمار أوراق تراجُع الزخم الروسي في سوريا، والوساطة التركية في موضوع أوكرانيا وحضورها السياسي ضمن المعادلة الأوكرانية للضغط على مختلف الفاعلين[16]، وهو ما ترفضه روسيا عبر إرسال بعض الرسائل التحذيرية للضغط على تركيا، ومنعها من استخدام الملف الأوكراني لتوسيع هوامش مناورتها لانتزاع مكاسب جديدة على الأرض السورية. وقد تمثّل هذا الضغط في دندنة روسيا المتكررة بأن ثمّة اتفاقيات لا يمكن لتركيا تجاوزها، وتأكيدها ضرورة الحفاظ على خطوط التماس المرسومة ضمن اتفاق “سوتشي”، وتذكير الجانب التركي بالتزاماته المتعلقة بـ”فصل الإرهابيين” وإبعادهم عن الطريق الدولي “M4″، والتهديد باحتمالية حصول مواجهة مع نظام الأسد في حال أصرّت تركيا على تنفيذ عمليتها[17].
وتحرص روسيا على زيادة ثقلها ونفوذها من خلال الاستثمار في ارتباك “قسد” وتخوُّفها من العملية التركية ضد مناطقها؛ ففي الوقت الذي تسوّق نفسها وسيطاً في الصراع بين “قسد” وتركيا، فإنها تمارس ابتزازاً واضحاً تجاه “قسد”؛ فتطرح عليها تقديم تنازلات سياسية لنظام الأسد مقابل تفادي عملية عسكرية تركية وشيكة قد تُنهي سيطرتها على مناطق استراتيجية شرق الفرات، وفي الوقت نفسه تستثمر روسيا ذلك ورقة ضاغطة في مفاوضاتها مع تركيا.
كما سعت روسيا لتحقيق نوع من التقارب بين تركيا ونظام الأسد وإعادة العلاقات السياسية بين الطرفين تدريجياً، بما يساعد على حلحلة عقدة فقدان الشرعية الدولية التي تمنع عودة نظام الأسد إلى المجتمع الدولي، وهو ما سيعود بمكاسب عديدة على روسيا في ضوء مسار جهودها المتواصلة لتعويم الأسد وإخراجه من عزلته السياسية والاقتصادية، الذي يُعدُّ هدفاً روسياً أساسياً[18]، وهو ما تجّلى بشكل واضح في دعوة بوتين أردوغان صراحة خلال قمة سوتشي الأخيرة إلى التنسيق مع نظام الأسد لحل الأزمة السورية[19]، وينسجم ذلك مع محاولات روسيا سابقاً دفع تركيا للعودة إلى اتفاق أضنة لعام 1998م بديلاً عن المطالب التركية لإقامة “منطقة آمنة” على حدودها الجنوبية مع سوريا[20].
يبدو أنَّ ممانعة الولايات المتحدة العملية العسكرية التركية، وانحيازها لدعم “قسد”[21] قد دفع كلّاً من روسيا وإيران إلى تصليب مواقفهما تجاه التحركات التركية؛ لإدراكهما أن هامش المناورة لدى تركيا بات محدوداً، لاسيما في ظل توتر الأجواء وتصاعد وتيرة الخلافات بينها وبين الولايات المتحدة نتيجة الانحياز الأمريكي إلى اليونان في الخلاف على جزر بحر إيجة، وتوجه الولايات المتحدة إلى بناء المزيد من القواعد العسكرية في اليونان[22].
الإصرار التركي على العملية العسكرية وخيارات تركيا :
تصرُّ تركيا -كما تُعلن- على تنفيذ عمليتها العسكرية رغم معارضة الأطراف الدولية لها، وترغب باستغلال التغييرات الناجمة عن الانشغال الروسي في أوكرانيا، وتحاول الاستثمار في أوراق قوة جديدة امتلكتها على الساحة الدولية نتيجة الأزمة الأوكرانية؛ بما يسمح لها بإعادة التفاوض مع كلّ الأطراف على تفاهُمات جديدة لتزيد من مساحة عملياتها أو نفوذها في الشمال السوري، وتتخلّص من التهديدات الأمنية التي تشكل خطراً على حدودها الجنوبية ضمن هدف استراتيجي طويل الأمد لتقويض أية فرصة لإنشاء إقليم انفصالي شمال سوريا.
ولا ينفصل ذلك عن الوضع الداخلي الذي تعيشه تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات والضغوطات الاقتصادية جرّاء تراجع الليرة التركية وارتفاع التضخم لمستويات قياسية، وتصاعد وتيرة التحريض ضد السوريين وتزايد دعوات ترحيلهم لبلادهم، وهو ما ردّت عليه الحكومة التركية بإعلان نيّتها استكمال إنشاء مشروع “المنطقة الآمنة” التي تنوي توسيعها بعمق 30 كيلومتراً في إطار جهودها لإعادة مليون لاجئ سوري إلى تلك المناطق؛ مما يعني أن مثل هذه العملية ستكون في صالح الحكومة التركية الحالية قبيل الانتخابات التركية المفصلية القادمة[23]. كل ذلك يتسق مع إصرار تركيا وإلحاحها على شنِّ عملية عسكرية توسع بها نطاق سيطرتها، وتنتزع من خلالها مناطق جديدة من “قسد” رغم المعارضة الدولية والإقليمية لها.
ومن الواضح أنَّ تركيا تتريث في تنفيذ عمليتها العسكرية ريثما تنتزع موافقة سياسية من القوى الدولية الفاعلة أو على الأقل عدم المعارضة الحادة بما يمكّنها من المضي قدماً في تحركاتها العسكرية، وتحديداً من روسيا التي تُعد الفاعل الأهم في منطقة العملية التركية المحتملة، وتسعى تركيا إلى التفاهم معها وبلورة مقاربة معينة، وهو ما عبّر عنه الإعلان عن قمة تركية روسية مشتركة في سوتشي بحضور الرئيسين التركي والروسي بعد فشل قمة طهران في التوصل لنتائج ملموسة؛ حيث كشف الكرملين أنَّ المحادثات ركّزت على قضايا الاقتصاد واتفاقية تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، إضافة إلى تطورات الوضع في سوريا وأوكرانيا[24].
يمكن القول: إنَّ العملية المرتقبة ستكون أمام عدة احتمالات وسيناريوهات، أبرزها:
- انتزاع تركيا غضّاً للنظر عن العملية من روسيا بعد التفاهم معها، وهو خيار ممكن ومرجّح؛ نظراً لامتلاك تركيا أوراقاً مهمة تزايدت بشكل ملحوظ بعد الأزمة الأوكرانية، لاسيما مع كثرة الملفات والقضايا المتداخلة بين البلدين؛ فقد تقدّم تركيا جملة من المكاسب والأوراق التي تستفيد منها روسيا في أوكرانيا بما قد يسهم في تحقيق اختراق معين والتوصل لتفاهمات بين الجانبين، في ظل الحاجة الروسية الفعلية لدور تركيا وموقفها في الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا. ومما يدعّم ذلك تقديم تركيا فعلياً جملة من المحفزات والمكاسب لروسيا خلال قمة سوتشي الأخيرة التي جمعت الرئيسين التركي والروسي فيما يتعلق بكسر العقوبات الغربية على روسيا والتعامل بالروبل الروسي، واستكمال بناء المحطة النووية؛ مما يعني تعزيز نفوذ روسيا في تركيا، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع روسيا عن معارضة العملية العسكرية[25]. وتتخوف بعض أطراف المعارضة السورية من حصول تغاضٍ تركي بالمقابل عن هجوم لنظام الأسد على مناطق إدلب، خاصة وسط الحديث عن تقديم روسيا مقترحاً لتركيا يقضي بتمدد نظام الأسد إلى معبر باب الهوى شمالي سوريا مقابل التغاضي الروسي عن العملية التركية[26].
- عدم تحقيق تغيير جذري ملموس في الموقف الروسي، والتوصل لتفاهم تركي روسي يقضي بتأجيل العملية العسكرية التركية؛ وهو أمر ممكن أيضاً. ويدعم ذلك المستجدات التي طرأت على العلاقات الإيرانية الروسية الاستراتيجية؛ مما يعني رفض روسيا عقد صفقات خاصة مع تركيا على حساب إيران في الظروف الحالية، لاسيما وأنَّ خيارات تركيا باتت محدودة في ظل الرفض الأمريكي/الغربي للعملية التركية، وتوتر علاقتها مع الولايات المتحدة بسبب موقفها الداعم للتحركات اليونانية في الجزر المتنازع عليها مع تركيا.
- إقناع روسيا تركيا بالتخلي عن عمليتها العسكرية مقابل إخراج “قسد” من منبج وتل رفعت ودخول قوات نظام الأسد إلى تلك المناطق، أو التنسيق التركي مع نظام الأسد وروسيا وإيران بحيث يحلّ نظام الأسد بديلاً عن قوات “قسد” في المناطق التي تقع ضمن نطاق الهجوم التركي المحتمل، وهو ما يبدو أنه خيار مستبعد حتى الآن؛ لعدم قدرة روسيا ونظام الأسد وإيران أولاً على إقناع “قسد” بالتنازل بشكل كامل عن مناطق نفوذها، والسماح بدخول قوات نظام الأسد إليها واستلامها لأنها تعدّ نفسها خاسرة في الحالتين، كما أنَّ خطة إنشاء المنطقة الآمنة وعودة اللاجئين إليها تُعدُّ هدفاً تركياً مهماً ودافعاً حقيقياً لشنِّ عمليتها العسكرية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إذا سيطرت قوات نظام الأسد على تلك المناطق.
انعكاسات العملية التركية على الأرض:
تأتي أهمية المنطقتَين (تل رفعت ومنبج) اللتَين أعلنت تركيا أكثر من مرة عزمها السيطرة عليهما من حقيقة قربهما من مناطق النفوذ التركي، وبات يشكل وجود “قسد” فيهما قاعدة لضرب المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية تحت النفوذ التركي في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، مثل أعزاز ومارع، انطلاقاً من تل رفعت المجاورة. وبالتالي تهديد أمن تلك المناطق باستمرار من قبل قوات “قسد”، التي تستغل وجودها في تلك المنطقة إلى جانب روسيا لإرسال رسائل نارية لتركيا كل مدة، من خلال قصف مناطق النفوذ التركي واستهدافها وإظهار هشاشتها الأمنية، وإحراج تركيا، ومحاولة إجهاض فكرة المنطقة الآمنة التي تمثّل أولوية قصوى لدى تركيا وأحد المحركات الأساسية لعمليتها العسكرية المحتملة، والتي ستكون في حال تنفيذها رافعة مقوية للحكومة بوصفها تعزيزاً للأمن القومي، وتهدف -ضمن جملة أهدافها- إلى إعادة توطين مليون لاجئ سوري في المنطقة، وهو أحد الملفات الأكثر سخونة في الانتخابات التركية القادمة.
وإلى جانب ما تمثله السيطرة على منطقتَي منبج وتل رفعت من أهمية أمنية في تأمين مناطق النفوذ التركي، وتهيئتها لإعادة اللاجئين، وتأمين الحدود التركية من خطر الإرهاب وضرب مشروع “قسد” الانفصالي؛ تمتلك مدينة منبج أهمية رمزية خاصة، باعتبارها أول منطقة عبرت إليها “قسد” من شرق الفرات إلى غربه، وهو ما اعتبرته تركيا تجاوزاً كبيراً وقتها في العام 2016م، فضلاً عن أهميتها الاستراتيجية لكونها تمثل رابطاً اقتصادياً بين مدينة حلب وطرفَي نهر الفرات الشرقي والغربي، كما تمتلك مدينة تل رفعت أهمية رمزية خاصة لقوى الثورة والمعارضة باعتبارها معقلاً لها، ويشكل طرد “قسد” منها فرصة كبيرة لعودة أهلها النازحين إليها.
خاتمة:
قد تكون العملية العسكرية التركية المرتقبة ذات أهمية كبيرة للأمن القومي التركي بالدرجة الأولى، كما أنها قد تدفع قوات “قسد” بعيداً عن مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة؛ مما يجعلها أكثر أمناً نسبياً، وهو ما يصبّ في مصلحة السكان المحليين السوريين وأمنهم والمصلحة الوطنية السورية. ومع ذلك فمن المهم التأكيد أن المعضلة الأساسية لدى قوى الثورة والمعارضة لا تتمثل في مدى مساحة الأراضي التي تسيطر عليها، بل في الكيفية التي تتم فيها إدارة تلك المنطقة بالشكل الأمثل في الظروف الحالية، وهو ما تعاني منه عموم المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في شمال سوريا؛ حيث تعاني تلك المناطق من سوء الإدارة والحوكمة، الأمر الذي أدى إلى اضطرابات ومظاهرات متكررة، مما قد يقلّل من الدعم الشعبي لمثل تلك العملية، لاسيما إذا ما رافقها بالفعل تنسيق مع القوات الروسية أو قوات نظام الأسد بشكل أو بآخر.
وفي ظل تلك التجاذبات وتبادل الضغط والمصالح بين تركيا والدول المؤثرة بخصوص العملية المرتقبة تثور تساؤلات كثيرة عند السوريين عن تلك العملية المزمعالقيام بها في أرضهم وانعكاساتها عليهم، وعن أدوار فصائل الجيش الوطني ووزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة.
فبينما يبدو الرأي العام الشعبي مؤيداً لأي عملية توسّع رقعة السيطرة وتُبعد مخاطر القصف عن السكان المدنيين في شمال غرب سوريا، وتُعيد قسماً من المهجَّرين إلى بيوتهم وأراضيهم؛ تظهر في الوقت ذاته مخاوف حقيقية عند شريحة واسعة من مؤيدي قوى المعارضة من عدم مراعاة المطالب والمصالح الوطنية السورية واعتبارات سكان المنطقة، خصوصاً مع وجود أجندات إعادة توطين لأعداد كبيرة من السوريين فيها. والجدير بالذكر هنا أن هذا يتزامن مع احتقان الشارع في الشمال السوري بسبب عدة قضايا؛ منها: ما حصل مؤخراً إثر إعلان نتائج الشهادة الثانوية، وقبلها حراك المعلمين، والحراك ضد شركات الكهرباء، وأخيراً ضد تصريحات تركيا التي يُفهم منها التقارب مع نظام الأسد[27]؛ مما يُنذر – من جهة أولى – بتفاقم أزمة الثقة بين الحاضنة الشعبية وقيادات الحراك الثوري المدنية والعسكرية، وما يُنذر – من جهة أخرى – بتأزم أكبر عند الرأي العام الشعبي تجاه الأتراك، بعد حديث طويل خلال المدة الماضية عن العملية ثم تعليقها أو تأجيلها وفق السيناريوهات التي عرضناها، دون اعتبار مصالح وآراء السوريين، الأمر الذي يوجب تكثيف الحوار الوطني السوري الداخلي لبلورة موقف متوازن يحقق المصالح الوطنية السورية، ويعزّز المصالح المشتركة مع تركيا بوصفها الحليف الرئيس للثورة، والحوار الشفاف كذلك مع الأشقاء الأتراك بضرورة مراعاة مخاوف الشعب السوري من التطبيع مع الأسد، وما قد يؤدي إليه ذلك من مزيد من الاحتقان الشعبي ضد الوجود التركي.
لمشاركة التقرير: https://sydialogue.org/239l
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد