بعد أن هدأ غبار الزلزال، كوارث إنسانية و خذلان دولي
إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن الوحدة المجتمعية
بعد ما يزيد عن 80 ساعة على حدوث الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في فجر السادس من شباط لعام 2023، دخلت 6 شاحنات إغاثية إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى الحدودي، والتي حملت مستلزمات النظافة والبطانيات، والإسفنجات، ضمن مساعدات مُجَدوَلة مسبقاً في فترة ما قبل الزلزال، مع وعود بدخول مساعدات خاصة لم يحدد موعدها[1].
وقد جاءت هذه الخطوة بعد إطلاق العديد من المناشدات والحملات بهدف الضغط على المجتمع الدولي لتقديم مساعدة للمنكوبين في الشمال السوري الذين تضرروا بشكل كبير جراء الزلزال، وقامت عشرات المنظمات بتنظيم حملات تواقيع تدعو فيها المجتمع الدولي إلى تفعيل أعلى مستوى من الاستجابة الطارئة عبر الحدود وتوفير المعدات والآليات اللازمة لعمليات البحث والإخلاء والإنقاذ[2].
تداعيات الزلزال في مناطق سيطرة المعارضة السورية
تعرضت مناطق شمال غرب سوريا والتي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية لأضرار عنيفة جراء الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي، حيث ظهرت الأضرار بشكل واضح في تهدم العديد من الأبنية السكنية، وتحولت أحياء كاملة إلى أنقاض دفنت تحتها العشرات من العائلات، لا سيما في منطقة جنديرس في ريف مدينة عفرين التي تهدم فيها 257 بناء، وتضرر 1100 بناء آخر وتسبب في وفاة ما يزيد عن 750 شخصاً[3].
تشير التحديثات الدورية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، إلى أن إجمالي عدد الضحايا في اليوم الرابع للزلزال تجاوزت 2000 حالة وفاة و 5000 إصابة على الأقل موزعة ضمن 56 منطقة شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 2000 مبنى بالكامل وما يزيد عن 5100 مبنى بشكل جزئي ، وقد تركزت الأضرار بشكل رئيسي في كل من حارم ، أطمة ، سرمدا ، الأتارب ، وكفر تخاريم بشكل رئيسي، وتسببت بتشريد 11 ألف عائلة، مع توقعات بارتفاع أعداد الخسائر البشرية خاصة مع وجود أعداد كبيرة من العالقين تحت الأنقاض ممن تتضاءل فرصهم بالنجاة يوماً بعد يوم[4].
وتأتي الآليات الثقيلة لإزالة الأنقاض على رأس الاحتياجات الإنسانية المطلوبة العشرة الأكثر إلحاحاً وفقاً لتقرير الأوتشا ، يليه التوزيع النقدي والخيام، ومواد العزل الخاصة بها، بالإضافة إلى المواد غير الغذائية ومواد التدفئة والمساعدات الغذائية الطارئة والخبز، والمياه بالإضافة إلى دعم خدمات النقل وتأمين سيارات الإسعاف والأدوية، والوقود اللازم للمستشفيات والمراكز الصحية، والمراكز الخاصة باستقبال للنازحين[5].
ومن جهة أخرى، يشير التقرير إلى استنزاف في القطاع الطبي، نتيجة الضغط الكبير على المشافي والمراكز الصحية، حيث تركز الاحتياجات الطبية العاجلة في المستشفيات على الأمصال والشاش والضمادات والمسكنات والجص الطبي وأكياس الدم وأكياس الدفن، إلى جانب الحاجة الماسة للوقود لتأمين تشغيل هذه المرافق التي تأثرت بانقطاع التيار الكهربائي إلى نقص الوقود في المستشفيات والذي تتم تغذيته من تركيا[6].
وقد أشار التقرير إلى أن الصندوق الإنساني عبر الحدود التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا (SCHF) في حاجة ماسة إلى مساهمات جديدة من أجل تخصيص استجابة للزلزال، خاصة بعد أن أصدر صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF) منحة بقيمة 25 مليون دولار للمساعدة في “بدء” الاستجابة للزلزال في عموم سوريا، حيث يفترض أن تتم في الأيام المقبلة رسم خريطة للثغرات والاحتياجات والمتطلبات المالية لفترة أولية مدتها ثلاثة أشهر حتى 10 مايو 2023، فيما أعلنت الأمم المتحدة وشركاؤها استعدادهم لقافلة مساعدات عبر الحدود يوم الخميس 9 من شباط[7].
ويؤكد التقرير أن الاستجابة التي تقوم بها الفرق المحلية لاسيما الدفاع المدني لم تغط سوى 5% من المواقع المبلغ عنها، وذلك بسبب عدم توافر الآليات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض والظروف الجوية السيئة، مشيراً إلى أنه يمكن تأمين قرابة 3000خيمة، و3500 مجموعة غير غذائية من مخازن المنظمة الدولية للهجرة وشركاء المفوضية داخل وخارج سوريا[8].
تداعيات الزلزال في مناطق سيطرة نظام الأسد
تأثرت المناطق الشمالية والغربية من سوريا بالزلزال، وقد أحس به سكان دمشق وما حولها، وخلف العديد من الأضرار في مناطق مختلفة أبرزها مدينة حلب وجبلة محافظات اللاذقية وحماة وحمص، حيث سقطت على الفور عشرات الأبنية والمنشآت وعلق العديد من العائلات تحت الأنقاض.
وتشير تصريحات وزير صحة نظام الأسد إلى ارتفاع عدد ضحايا الذين قضوا في الزلزال إلى 1262 وفاة و2285 إصابة وذلك في حصيلة غير نهائية[9]، كما تحدث عن تشريد قرابة 293 ألف شخص، وإنشاء 180 مركز إيواء لاستيعابهم[10]. في حين ذُكرَ تضرر ما يقارب 248 مدرسة، بينها 71 مدرسة في محافظة حلب و50 مدرسة في محافظة اللاذقية و27 مدرسة في محافظة حماة و99 مدرسة في محافظة طرطوس ومدرسة واحدة في ريف إدلب[11].
وعلى الرغم من الواقع الاقتصادي السيئ في مناطق سيطرة نظام الأسد، فقد انطلقت العديد من المبادرات المحلية لجمع التبرعات العينية والنقدية وإيصالها للمتضررين، بينما ذُكرَ أنه بلغت التبرعات التي قدمتها الفعاليات الاقتصادية والتجارية والأهلية في محافظة ريف دمشق اليوم 4 مليارات و481 مليون ليرة سورية[12]، أي ما يقارب 650 ألف دولار تقريباً، إضافة إلى ما قيل عن عشرات الأطنان من المواد الغذائية والحرامات والألبسة وغيرها من المواد التي ستشحن إلى المحافظات المتضررة من الزلزال، في حين تركزت إدارة عمليات الاستجابة الإنسانية على عاتق اللجنة العليا للإغاثة واللجان الفرعية في المحافظات والوزارات المعنية، بالإضافة إلى الهلال الأحمر العربي السوري وممثلي المجتمع الأهلي و الأمانة السورية للتنمية التابعة لأسماء الأسد[13].
هذا وقد استلمت حكومة نظام الأسد العديد من المساعدات عبر42 طائرة من دول عدة كفنزويلا، وباكستان والهند وروسيا وعثمان وأرمينيا وصربيا والعراق والإمارات والجزائر وتونس ومصر ولبنان وليبيا والبحرين، كما قدمت بعض فرق الإنقاذ الداعمة من كل من تونس والجزائر ومصر والأردن ولبنان للمساعدة في عمليات الإنقاذ[14].
ومن الجدير بالذكر نشاط الفرق المحلية والتطوعية التي قامت بجمع تبرعات عينية أو نقدية للمتضررين من الزلزال في بعض المناطق، إلا ان قوات الأمن التابعة لنظام الأسد منعت بعضهم من توزيع المساعدات بشكل مباشر على الأهالي واشترطت عليهم الحصول على تصريح أمني أو تسليم تلك المساعدات لمبنى المحافظة[15]، كما انتشرت العديد من الأخبار على الصفحات المحلية التي تفيد بقيام جهات بسرقة المساعدات المحلية[16] أو حتى تلك المقدمة من الدول وبيعها في الأسواق[17]، كما يحصل عادة مع المساعدات الأممية طوال السنوات الماضية، أو توزيعها بشكل غير عادل من قبل القائمين على مراكز الإيواء[18] أو مراكز توزيع المساعدات[19].
وقد تواصل فريق البحث مع بعض الأفراد العاملين ضمن الفرق التطوعية في مناطق نظام الأسد، حيث أكد بعضهم تعرض القوافل المحلية التي ينظمها ناشطون لنقل المساعدات للمحتاجين لعمليات السرقة والتشليح تحت تهديد السلاح، كما تعرضت بعض الفرق خلال عمليات التوزيع في الملاجئ لدخول عصابات مسلحة قامت بتهديد المتطوعين وضربهم بهدف سرقة ما قاموا بتجميعه من مساعدات وهو ما دفع بعض الفرق إلى التراجع عن نقل المساعدات لتأكدهم أنها لن تصل للمحتاجين.
وقد أشار مصدر آخر إلى أن هناك بعض مراكز الإيواء ضمت أشخاصاً غير متضررين بفعل الزلزال وإنما تم الزج بهم في تلك المراكز بهدف الحصول على أكبر قدر من المعونات، في حين غاب المتضررون الحقيقيون أو غيبوا عن تلك المراكز، كما تعرض متطوعون آخرون لهجوم من قبل القاطنين في مراكز الإيواء وتعرضوا للضرب والتخويف وسط غياب مفاجئ لأي جهة حكومية، ويعتبر البعض هذه الممارسات بأنها ممارسات منظمة في محاولة لتخويف العاملين في الجمعيات الأهلية والمتطوعين وثنيهم عن أي مبادرات فردية خارج إطار المنظمات التابعة للنظام وأعوانه.
تسييس المساعدات، وتجاهل للمأساة الإنسانية
استنكر العديد من العاملين في الشأن الإنساني حالة التراخي وضعف التجاوب الأممي مع الكارثة في سوريا، لا سيما مع وجود تقييمات دورية وشركاء فاعلين منفذين، حيث أشار مدير مكتب العلاقات العامة في معبر باب الهوى، إلى عدم وجود عوائق لوجستية تمنع دخول المساعدات إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، لاسيما وأن مستودعات الأمم المتحدة تبعد أمتاراً عن الجانب التركي من المعبر[20].
فيما اعتبر العديد من الناشطين المعنيين بالعمل الإنساني الحجج التي تذرعت بها الأمم المتحدة حول أسباب تأخر تقديم المساعدة للمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية غير منطقية، فقد حمل رئيس الدفاع المدني الأمم المتحدة المسؤولية في التأخر بالاستجابة بسبب بيروقراطيتها، في حين أشار آخر إلى أن الادعاء بوجود صعوبات لوجستية بالوصول أمر غير دقيق، خاصة وأن الخريطة التفاعلية لقطاع اللوجستيات تظهر أن الطرقات عادت للعمل باستثناء طريق الريحانية -انطاكية و الذي يمكن إيجاد بديل عنه للوصول للمعبر[21].
وقد تسبب الزلزال بتضرر منصة تنسيق الاستجابة الإنسانية لشمال غرب سوريا بشكل كبير، وذلك لأن مكاتبها تقع في جنوب تركيا، ويقوم عليها أشخاص قد تضرروا من الزلزال، وهو ما يستدعي تفعيل الآليات الأممية الخاصة بالكوارث في شمال غرب سوريا، في حين تضررت طواقم غالبية المنظمات الإنسانية السورية التي تدير العمليات الإنسانية في سوريا والتي تتركز مكاتبها في الجنوب السوري، فأغلب طواقم العمل يتابعون مهامهم من مراكز الإيواء أو من سياراتهم أو من الحدائق بهدف تقديم كل الدعم الممكن للمتضررين داخل سوريا وتقديم الاستجابة المتاحة بما يتوفر من موارد في مستودعاتها[22].
وانتقد ناشطون التصريحات الدولية وخاصة الأمريكية التي تشير إلى ضرورة التفاعل مع الاحتياجات الطارئة في المناطق المنكوبة، على اعتبار أن دول التحالف تملك قواعد عسكرية في سوريا تضم معدات ولوجستيات كان بإمكانهم تحريكها لإنقاذ المدنيين، حيث أن هذه الدول حركت حواماتها وقامت بعمليات إنزال بحجة ملاحقة عناصر من “داعش” بشكل استعراضي، فيما اكتفت بالتصريحات المنددة فيما يتعلق بالشأن الإنساني[23].
وعلى الطرف الآخر، استثمر نظام الأسد على الفور الكارثة الإنسانية لإطلاق حملات مكثفة على السوشيال ميديا تطالب بإلغاء العقوبات على سوريا تحت ذريعة أن هذه العقوبات هي أحد الأسباب في ضعف الاستجابة الإنسانية وحرمان السوريين من المساعدات[24]، وعلى الرغم من قيام مدفعية نظام الأسد بقصف المناطق المنكوبة عقب الزلزال بسويعات[25] كما أشار سفير نظام الأسد لدى الأمم المتحدة إلى أن حكومته يجب أن تكون مسؤولة عن إيصال جميع المساعدات إلى سوريا، بما في ذلك تلك المناطق التي لا تخضع لسيطرة نظام الأسد، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الأميركية للرد على تلك الاتهامات والتأكيد بأن العقوبات تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري[26].
هذا وقد أعلن رئيس الهلال الأحمر العربي السوري في مؤتمر صحفي سابق عقده قبل أيام، أن المنظمة مستعدة لإرسال قوافل مساعدات “على الفور” إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك إدلب، عبر الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن منظمته لا تمتلك ما يكفي من المعدات، ولا الآليات الثقيلة للتعامل مع الكارثة، ومطالباً برفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا كونها تؤثر على عمليات الإغاثة[27].
بينما صرحت بثينة شعبان مستشارة بشار الأسد، أنهم يرحبون بأي مبادرة تقدمها الدول والمنظمات الدولية للمساعدة في مواجهة الآثار الكارثية للزلزال من أي دولة في العالم “شريطة أن يتم ذلك دون تسييس”، متهمة الدول الغربية بتقديم المساعدة ” للإرهابيين في المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة السورية” ، وبأنها تولي الاهتمام بالدرجة الأولى لحماية “داعش” وجبهة النصرة والخوذ البيضاء ولا تهتم بالمناطق التي يعيش فيها معظم السوريين[28].
كما طالبت حكومة نظام الأسد بتفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، بهدف إرسال المساعدات الإنسانية للمدنيين، خاصة بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص 3.5 مليون يورو للمتضررين في سوريا في كافة المناطق، وقد أكد مسؤولون في الاتحاد أن العقوبات المفروضة على سوريا لا تعيق عملية إيصال المساعدات الإنسانية حيث تتركز المشكلة في التحديات المرتبطة بإيصال تلك المساعدة[29].
الشكل 1: ألية عمل الحماية المدنية في الاتحاد الأوروبي
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد