الأبحاث والدراساتالإصداراتالتوافق الوطنيوحدة الهوية المشتركة والتوافق

إضاءات على إدارة التنوع في سوريا – في لزوم الوعي الوطني مع المواطنة

الملخص:

تمثّل هذه الورقة محاولةً للإضاءة على واقع التنوع وإدارته وإشكالياته في سوريا، والفرص التي يمكن العمل عليها فيه مستقبلاً، عبر استخدام المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن.

إدارةُ التنوعِ في أي مجتمعٍ متنوعٍ قضيةٌ جوهريةٌ في بناء هوية وطنية جامعة؛ إذ إن التنوع يتحول من دونها إلى عاملِ تفتيتٍ من الداخل، وقد نجحت بعض الدول في تحويل تنوعها إلى عامل قوة، كما حصل في التجربتَين الماليزية والكندية اللتَين ركزت عليهما الورقة.

في الحالة السورية لم يكن التنوع العرقي والطائفي والمذهبي تاريخياً في حدّ ذاته عاملاً سلبياً يؤثر في التعايش السلمي بين مختلف المكونات؛ إلا أن عوامل أخرى متعددة أسهمت في إفشال إدارته، يأتي في مقدمتها السياسات التي اتبعتها السلطة الحاكمة؛ بدءاً من الانتداب الفرنسي والسياسات التمييزية التي اتبعها، ثم ليكمل نظام الأسد تدمير هذا التنوع عبر حزمة متعددة من السياسات سياسياً واجتماعياً وثقافياً أدت من حيث النتيجة إلى زيادة الشروخ الاجتماعية بين مختلف المكونات.

جاءت الورقة في سبعة محاور؛ بُحث في الأول والثاني اللذان مثلا إطاراً نظرياً وتمهيدياً للموضوع، أدوات إدارة التنوع التي يمكن اللجوء إليها وسياق تطبيقها في تجربتين هما: التجربة الماليزية والتجربة الكندية؛ فتبيّن اعتماد التجربة الماليزية على أدوات وآليات متعددة في إدارتها للتنوع، إذ ركّزت على أدوات الاستيعاب عبر نموذج الحكم الائتلافي، في حين ظهر أن التجربة الكندية ركّزت بصورة أساسية على الأدوات التي تستهدف المجتمع، كالتعليم وتفعيل المشاركة العامة.

أوضح المحور الثالث واقع التنوع في المجتمع السوري من منظور العلاقة بين المجالَين العام والخاص؛ فكشف عمق الأزمة في مجال التنوع السياسي بصورة خاصة، فقد غابت التعددية السياسية شيئاً فشيئاً من الفضاء العام، في حين أن التنوعات العرقية والدينية كان لها نسبياً هامشٌ يسمح بحريتها في المجال العام، وإن لم يكن يشجع عليها.

تحدث المحور الرابع عن مطالب “الأقليات” السورية؛ فأشار إلى أنها تركز على الهوية أكثر من المطالب المتعلقة بسياسات النظام السياسي المتعلقة بتوزيع الخدمات، وأنها لا تركز على احترام خصوصياتها بقدر ما تركز على محاولة تحصيل تنازلات من “الأغلبية” خصوصاً في مجالي “العروبة والإسلام” اللذين شكلاً المرجعية المكونة للهوية الجماعية السورية تاريخياً.

جاء المحور الخامس ليفصّل في العوامل التي أسهمت في فشل إدارة التنوع السوري، ومن أبرزها: غياب الطابع الوطني الحقيقي عن الدولة، وإشكالية النخب، وضعف المؤسسات الوسيطة، إلى جانب الظروف الخارجية؛ فأوضحت الورقة أن “الوعي الأقلّويّ” الذي ساهمت التدخلات الخارجية في تغذيته وتكريسه قد أسهم بشكل مباشر في دفع “الأغلبية” إلى التفكير بطريقة “أقلّوية” للمساواة مع بقية المكونات “المحاصصة الطائفية عملياً”.

أوضح المحور السادس أن جهود إدارة التنوع التي بذلتها قوى الثورة والمعارضة أقرب إلى الشكلية لأسباب متعددة أهمها: السياق الموضوعي. ومع ذلك فقد حاولت التركيز على الخطاب، وإلى حد ما على أدوات تقاسم السلطة وفق الهامش المتاح لها، مع ضعف واضح فيما يتعلق ببذل مساهمات أكبر في مجال الثقافة العامة التي تركز على الهوية الوطنية داخل المجتمع أكثر من الخطاب النخبوي.

ركز المحور السابع والأخير على الخطوات التي يمكن العمل عليها لإدارة التنوع وطنياً؛ فأكّد أن الشرط اللازم غير الكافي هو تحقيق انتقال سياسي يسهم في التخلص من نظام الأسد المسبب الأبرز لفشل إدارة التنوع، وأنه بعد ذلك يمكن أن تُتاح للمجتمع السوري والنخب السورية مساحة مناسبة لإيجاد حلول فعالة لمشكلة “الأقليات” والطائفية، عبر أدوات منها: التركيز على الثقافة الاجتماعية المشتركة، ومن ثم الانتقال إلى معالجة النصوص القانونية التي كان لها دور سلبي في هذا المجال.

أوصت الدراسة بضرورة توجيه المؤسسات التعليمية والجامعات في الداخل إلى إدراج مواضيع عن التنوع السوري في المناهج، وتشجيع اللاجئين السوريين في مختلف بلاد اللجوء على تشكيل منصات حوارية، وتعزيز فكرة اللامركزية في إدارة التنوع، ودفع منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية للقيام بدورها في مجال تعزيز ثقافة التنوع والتعايش مع الآخر.

مقدمة:

عقب أي “نزاع داخلي” -دون النظر في مسبباته ومظاهره- تتعرض المجتمعات المتنوعة إثنياً وطائفياً وعشائرياً إلى هزّات عنيفة سياسية واجتماعية تُودِي بجزء كبير من الثقة بين مكوناتها؛ هذا إن كانت هذه الثقة قائمة، ليأتي السؤال الأبرز في المراحل الانتقالية أو أثناء هذا النزاع عن الآليات والأدوات المناسبة لاستعادة هذه الثقة واللُّحمة بين المكونات.

برزت مصطلحات كثيرة في الإطار الأكاديمي والتجريبي لمعالجة هذه المظاهر، لعل من أبرزها: مفاهيم إدارة التنوع، وأدوات التعايش السلمي، التي تعددت تطبيقاتها في كثير من الدول كماليزيا والبرازيل والهند ولبنان والعراق.. إلخ؛ لتنجح تارة وتفشل تارة أخرى[1].

يشير المجتمع المتنوع إلى وجود عدة مكونات داخل المجتمع ثقافية وعرقية ودينية وسياسية …إلخ[2]، بما يعنيه ذلك من وجود مجتمع واحد ولكن بأعراق وطوائف وثقافات مختلفة، وهو بذلك يختلف عن المجتمع المتعدد “الذي يتكون من مكونات ثقافية مغلقة تشمل كل منها هوية خاصة، وتتسم بأنها مكونات مغلقة لا تلتقي إلا في السوق ولأغراض اقتصادية غير شخصية”[3].

مثّلت الحالة السورية -نتيجة الصراع الذي يخوضه الشعب السوري ضد الطغمة الحاكمة- حالة واقعية في خصوصيتها من حيث قدرة السلطة على تحويل التعايش السلمي الذي كان قائماً في سوريا إلى بذور للصراع المجتمعي، الأمر الذي أنشأ تحديات كبيرة أمام السوريين لمواجهة تبعات تطور هذا الصراع، وأثار الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول أفضل السبل والآليات لمواجهة التدهور الذي أصاب التنوع السوري، خصوصاً بعد عشر سنوات من “النزاع” تعمقت فيه الشروخ بين مختلف المكونات السورية[4].

تسعى الورقة البانورامية هذه للإجابة عن السؤال الآتي: كيف آلَ التنوع السوري بعد عقد من حرب نظام الأسد على الشعب السوري؟

وتتفرع عن هذا السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية:

  • هل ثمّة تجارب في إدارة التنوع يمكن الاستفادة منها في السياق السوري؟
  • ما هي الإشكاليات التي يعاني منها التنوع السوري؟
  • ما هي ماهية المطالب التي تنادي بها بعض المكونات السورية؟ وكيف يمكن تفسيرها؟
  • ما هي الأدوات المتاحة لإدارة التنوع السوري بصورة فعّالة؟
  • ما هي الوسائل والأدوات التي يمكن لقوى الثورة والمعارضة استخدامها لإدارة التنوع السوري بطريقة إيجابية؟

تبرز أهمية الورقة في أنها تسهم في تحديد أبرز النقاط -سلوكياً وخطابياً- التي تؤثر سلباً في إدارة التنوع السوري، وتحليل تعاطي قوى الثورة والمعارضة معها، بما يُظهر نقاط القوة والضعف، وتقدّم مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تنعكس إيجاباً على إدارة التنوع في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ السوري.

بما أن هدف الورقة هو تحليل إدارة التنوع في سوريا والوقوف على مظاهرها ونقاط قوتها وضعفها كان اختيار المنهج الوصفي التحليلي، وكذلك اعتُمد المنهج المقارن بما يساعد في الاستفادة من بعض التجارب المقارنة في مجال إدارة التنوع.

تضمنت الورقة سبعة محاور: خُصّص الأول والثاني للحديث عن الإطار النظري والقواعد العامة الخاصة بأدوات إدارة التنوع وبعض التجارب المقارنة، فيما خُصّص الثالث لتوصيف واقع التنوع في المجتمع السوري من منظور الفضاءين العام والخاص، وتناول الرابع والخامس ماهية مطالب “الأقليات” في الحالة السورية وتفسيرات نشوئها، وبحث السادس دور مؤسسات قوى الثورة والمعارضة، وختم السابع بما يمكن العمل عليه لتعزيز إدارة التنوع على المستوى الوطني السوري.

أولاً: أدوات إدارة التنوع[5]: أدوارٌ مأمولةٌ من السلطة والمجتمع المدني

تتميز مجتمعات دول “الشرق الأوسط” بتنوعها العرقي والديني والطائفي بحكم تعاقب الحضارات عليها، لاسيما في سوريا التي تُعد من أكثر المجتمعات الشرق أوسطية تنوعاً. وعلى الرغم من تزايد الانقسامات وظهور ملامح الصراع الهوياتي داخل بعض الدول لأسباب متعددة؛ إلا أن السمة التعددية التي تستوعب مختلف الأجناس والأعراق والأديان ما تزال السمة الرئيسة لهذه المجتمعات[6].

تشير الأدبيات السياسية إلى وجود عدة أدوات يمكن للمجتمعات والدول اللجوء إليها لتحقيق إدارة التنوع، حيث تُقسم إلى: استيعابية، وقسرية، وآليات تقاسم السلطة، وسياسات عامة[7].

  • الآليات الاستيعابية: تركز هذه الآليات على القواسم المشتركة، وذلك عبر السعي لإذابة الخلافات من أجل بناء مجتمع موحد، بحيث يستهدف الاستيعاب إنشاء هوية وطنية مشتركة؛ فالاستيعابُ عادةً يمثل فقدان مجموعة ما جزءاً من هويتها الأصلية -كاعتمادها لغة الأكثرية- لصالح المجموع الأكبر. وتتنوع السياسيات الاستيعابية المتبعة، فمنها: تبنّي لغة رسمية للأكثرية، وبناء نظام قومي تعليمي يتبنى رواية الأكثرية وأفكارها، ومركزية الحكم السياسي، ونظام قضائي بلغة الأكثرية وتراثها القانوني، ونشر ثقافة الأغلبية، وتبنّي سياسات هجرة واستيطان لمصلحة الأغلبية… إلخ.
  • آليات تقاسم السلطة: تهدف إلى إرساء التعايش ضمن أطر مؤسساتية تسمح بالحفاظ على الخصوصية لكل مكون؛ لذلك تقوم هذه الآليات أساساً على الاعتراف بالتعددية، وتقوم بمجملها على نوعَين من الأطر والصيغ: التوافقية والتكاملية، وتتمثل آليات تقاسم السلطة في كل من[8]:
    • آليات اللامركزية السياسية الفدرالية: تمثل بديلاً عن فكرة الهيمنة والسيطرة؛ فهي تركز – ضمن ما تركز لإعطائها فرصة للنجاح- على الحوار بين الهويات وتقاسم الفرص والثروات بين المكونات، وتتمثل أبرز إيجابيات هذه الآليات في: الاعتراف الدستوري بوجود المكونات، والسماح للأقاليم بإجراء تجاربها الخاصة، ودعم ترابط الأجزاء في العلاقات الخارجية.
    • الآليات التوافقية[9]: تركز على مجموعة من الآليات والنظم التي تسمح بتمثيل المكونات في السلطة، من أبرزها: الحكومة الائتلافية الكبيرة التي تضم عادة عدة أحزاب، ونظام التمثيل النسبي بدلاً من الأغلبية، والفيتو المتبادل خاصة في القرارات ذات الأهمية، والإدارة الذاتية للمكونات في الشؤون المحلية (ثقافية واجتماعية واقتصادية)، أي: “الاستقلال القطاعي”.

وُجّه النقد إلى هذه الآليات بوصفها لا تحقق “التعددية السياسية” بسبب إسقاط فكرة “المعارضة الفاعلة”، لعدم خلوّها من مسحة دكتاتورية؛ كما أنها قد تعجز عن تحقيق استقرار سياسي، وتعطي في الوقت نفسه وزناً أكبر لـ “الأقليات” من خلال الفيتو، وقد تؤدي إلى تعايش مؤقت ثم تتفكك الدولة في حال الفشل.

    • الآليات التكاملية: يطرح أنصار هذه الآليات فكرة “المؤسساتية” أساساً للآليات التكاملية لإدارة التنوع، من خلال ضبط القواعد المؤسسية وتفعيلها، وإدخال نظم سياسية تشجّع على الاعتدال وتسهّل عملية الاتصال وتعزّز الحوار، ويراهنون على أن عمل المؤسسات بالطريقة المثلى سيؤدي إلى زوال الاضطرابات تدريجياً، وأبرز آلياتها: تكوين ائتلافات عابرة للطائفية، ونظام انتخابي يدعم الاعتدال، واللامركزية الإدارية.

على الرغم من التشابه بين هذه الآليات وتلك الاستيعابية (المشار إليها في الفقرة أعلاه) إلا أن الفارق الأساسي هو: تركيز الآليات التكاملية على فكرة “المؤسساتية”؛ أي تحقيق التكامل عبر المؤسسات التي تضم مختلف المكونات، في حين أن الآليات الاستيعابية تشمل الأدوات المؤسساتية وغيرها كقضية اللغة والقوانين.. إلخ.

  • الآليات القسرية: تستخدمها بعض الدول، خاصة الشمولية، وتتمثل بعدة آليات منها: هيمنة الدولة عبر استقطاب الولاءات، وتشجيع سياسة فرض اللغة والتعليم والثقافة، وسحق التنوع عسكرياً، والتطهير الإثني عن طريق التهجير والتعديل السكاني، والإبادة بأنواعها الجسدية والثقافية؛ كما هو الحال في روسيا والصين[10].
  • آليات السياسات العامة[11]: يُعد نجاح السياسات العامة في تنمية المجتمع ككل وتحقيق الاستقرار لجميع المكونات تعبيراً عن حسن إدارة التنوع، وتنقسم هذه السياسات إلى أربعٍ رئيسةٍ: استخراجية؛ تشير إلى قدرة النظام على تعبئة الموارد كتحصيل الضرائب. وتوزيعية؛ يُقصد بها توزيع القيم سواءٌ المادية أو المعنوية مع مختلف مكونات المجتمع. وتنظيمية؛ تتمثل في رقابة النظام السياسي على سلوك الأفراد والمكونات في المجتمع. إلى جانب سياسات رمزية؛ عبر إنشاء أو استخدام الرموز السياسية التي تدعم الشعور بالمواطنة وتغذي الإحساس بالولاء[12].

شكل (1) يوضح آليات إدارة التنوع

تُظهر الأدبيات التي تم استعراضها وجود فلسفتَين رئيستَين لإدارة التنوع:

الأولى: تقوم على إضعاف الهويات الفرعية لمصلحة هوية جامعة قوية وصلبة، من خلال مسارَين؛ الأول: يركّز على الأدوات الناعمة، وهنا تبرز الآليات الاستيعابية التي تسعى لامتصاص الاختلافات، ولذا يُدافع فيها عن التدريس بلغة واحدة، وتقديم الخدمات على أسس موضوعية، بعيداً عن فكرة المكونات والتوزيع بما يشجع التعايش بدلاً من التمييز تحت شعار هوية وطنية واحدة، وهذا ما يتقاطع مع الآليات الاندماجية نسبياً، وتبرز فرنسا مثالاً على تطبيق هذا النموذج[13]. والثاني: يركّز على الأدوات الخشنة -إن صح التعبير- ذات البُعد الأمني والعسكري، ويصل إلى درجة انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك عبر الآليات القسرية التي تسعى لإلغاء التنوع والحد منه[14].

الثانية: تسعى لتحقيق التناغم بين الهويات المستقلة، مع الحفاظ عليها في ظل إطار جامع من دون إلغاء الخصوصية للمكونات، وهو ما يبرز من خلال نظريات التوافق التي تركز على تجاوز فكرة الأغلبية، وإيجاد التوازن بغضّ النظر عن العدد للمكونات، ونظرية الاندماج عبر السعي لتنظيم الحياة السياسية بشكل دامج للمكونات برؤى برامجية ووطنية من دون السماح بالتكتلات والتعطيل، وفي كلا الحالتين تبرز آلية الفدرالية؛ سواءٌ أكانت على أساس عرقي أو إداري لتقاسم السلطة والنفوذ ومنح الشعور لجميع المكونات بالقدرة على حكم نفسها في إطار وطني جامع، وهو ما يتطلب تبعاً تطبيق آليات  السياسات العامة، خصوصاً التوزيعية على مستوى الإنتاج المادي والمعنوي.

كذلك تشير التقسيمات السابقة إلى أن ثمّة تركيزاً في مجال إدارة التنوع على أجهزة الدولة ومؤسساتها والأدوات التي تستخدمها، سواءٌ على المستوى المؤسساتي ممثلاً بالسلطات والمؤسسات أو على المستوى الموضوعي ممثلاً بالقوانين والقرارات؛ ولعل ذلك يعود إلى مستوى الهيمنة الذي وصلت إليه الدولة الحديثة بأجهزتها وبيروقراطيتها[15].

مع ذلك فثمّة توجهات أخرى تشير إلى الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني بمختلف تخصصاتها وأنواعها في مجال إدارة التنوع، عبر قيامها بمجموعة من الإجراءات، منها: إنشاء مؤسسات تُعنى بالتنوع، وتشكيل منصّات للحوار والتواصل.

شكل (2) يبين أبرز أدوات إدارة التنوع[16]

يبين الشكل السابق مدى الارتباط بين موضوع إدارة التنوع والمؤسسات الوسيطة بين الفرد والمجتمع “منظمات المجتمع المدني”؛ حيث إن قلة من هذه الأدوات يدخل في مجال السلطة، مثل “سنّ قوانين تجرم التمييز”[17]، أو يكون مشتركاً بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، مثل: نشر ثقافة التنوع والقبول بالآخر، وإنشاء مؤسسات تُعنى بالتنوع… إلخ، في حين أن أهمها يدخل عادة في مجال نشاط المجتمع المدني، مثل التدريب والتأهيل، وإنشاء المنصات الحوارية، وإنْ دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أهمية الدور المناط بالمجتمع المدني في إدارة التنوع؛ غير أن ذلك قد لا ينطبق على الواقع في البلاد النامية، بما فيها سوريا؛ نظراً  للطابع المركزي للسلطة الذي يسود فيها[18]، ولإحكامها قبضتها على كل الملفات، بما يجعل هامش حركة المؤسسات الوسيطة ضعيفاً أو شبه معدوم[19].

ثانياً: تجارب دولية مقارنة في إدارة التنوع: أدوات مع بعد الانتماء الوطني

يساعد استعراض تجارب بعض الدول في إدارة التنوع على أخذ دروس يُستفاد منها في الحالة السورية، ولعل أبرز التجارب التي يُشار إليها في مجال إدارة التنوع هما: التجربتان الماليزية والكندية.

1- التجربة الماليزية في إدارة التنوع: الاستيعاب عبر الائتلاف

أسهم الوضع الإثني المعقد الذي ورثته ماليزيا بعد الاستقلال -خصوصاً بعد أحداث عام 1969م[20]– في استشعار خطورة الموقف[21]؛ حيث شرع القادة الماليزيون بنظرة في وضع آليات استراتيجية لإدارة هذا التنوع قبل أن يتحول إلى معضلة حقيقية يصعب حلها، لذا لم يعتمد صنّاع القرار في ماليزيا على نموذج واحد، وإنما اتبعوا توليفة مركبة من مجموعة من الآليات التي تتناسب مع الخصوصية الماليزية، وهي[22]:

1- الاستيعاب: حاولت الدولة الماليزية كغيرها من الدول حديثة العهد بالاستقلال تطبيق آلية الاستيعاب في مختلف النواحي الثقافية والمادية والمؤسساتية، إذ كان الهدف منها التخفيف من حدّة الاختلافات بين المكونات الإثنية، ومحاولة تكوين هوية وطنية على المدى المتوسط والبعيد، عبر تطبيق آلية الاستيعاب الثقافي من خلال التعليم بناءً على توصيات تقرير” رزاق”[23]، ومن خلال تفعيل الاحتفالات والطقوس المشتركة، ومن خلال الاستيعاب المؤسسي عبر المؤسسات والتحالفات العابرة للمكونات.

2- تطبيق آليات تقاسم السلطة: عمدت ماليزيا إلى الدمج بين الآليات الثلاث لتقاسم السلطة: الفدرالية، والتوافقية، والتكاملية (الاندماجية)، وذلك على النحو التالي:

  • تطبيق آلية اللامركزية السياسية “الفدرالية”: تضم ماليزيا 13 ولاية و3 أقاليم، وقد تم التوافق بين القوى الرئيسة في البلاد على هذه الآلية بسبب تنوع أعراق الشعب الماليزي وتناثره في جزر متباعدة، وانضمام ولايات صباح وسرواك للاتحاد شريطة الحفاظ على حكمهم الذاتي.

وتبعاً لذلك تم إقرار مجموعة مبادئ للنظام الدستوري للبلاد تنص على حكومة مركزية قوية مع ولايات مستقلة ذاتياً، وإنشاء قومية عامة لكل البلاد، وحماية مصالح مكون الملاوي والمجتمعات المحلية في الوقت نفسه، وعبر هذه المبادئ تم إيجاد حالة التوازن لمصالح المكونات الثلاث ىالأغلبية من جهة، وللأقليات في إطار تقاسم للسلطة عبر النظام الفدرالي من جهة أخرى[24]، والذي لم يكن على سوية واحدة؛ حيث مُنحت ولايتا “سباه” و”ساراواك” سلطاتٍ تقع عادةً ضمن نطاق الصّلاحية الفدرالية، بما يُظهر أنّهما متميّزتان إثنياً؛ إذ تمتعت هاتان الولايتان البورنيتان باستقلاليّة أكبر بكثير من الولايات الإحدى عشرة المتبقيّة، في مجالات مثل الضّرائب (خاصة الجمارك والرّسوم)، والهجرة والتّجارة، والنّقل والمواصلات[25].

  • تطبيق الآليات التوافقية: اتبعت ماليزيا بعض الأدوات التوافقية لإدارة التنوع، وذلك عبر منح الأغلبية الحق في إدارة الشؤون المحلية من خلال “الفيدرالية” أو ما يُطلق عليه: “الاستقلال القطاعي” في المناطق الشرقية “سارواك وصباح” ذات الأغلبية من المالاي، واعتمدت على المستوى المركزي الفيدرالي آلية الائتلاف الكبير الذي يتيح فرص المشاركة في السلطة لأغلب المكونات المجتمعية في الدولة على أسس عرقية[26].
  • تطبيق الآليات التكاملية: عمدت ماليزيا لتطبيق نظام انتخابي تعددي يرتكز على نظام الفائز الأول، مع عدم الاعتماد على آلية الفيتو المتبادل ونظام الحصص بين العرقيات[27]؛ بهدف تجنُّب الابتزاز السياسي، ودعم مسار التنمية وتحقيق الاستقرار. وعمدت إلى تطبيق فدرالية إدارية (الفيدرالية غير الإثنية) في القسم الغربي من ماليزيا، مع قوة الحكومة المركزية فيها، بسبب تقارب الأقاليم وقوة شخصية رئيس الوزراء في عهد مهاتير محمد، وبسبب التداخل الجغرافي فيها بين العرقيات الثلاث (المالاي – الصينيون – الهنود).

3- آليات قسرية: وُضعت قوانين صارمة ضد الأفراد والمكونات التي تحاول تهديد الوحدة الوطنية، منها: قانون الأمن الداخلي الذي يجيز الاحتجاز دون محاكمة أو مذكرة قضائية، والذي أُلغي عام 2011 بسبب الانتقادات لجهة تناقضه مع حقوق الإنسان، وحلّ محلَّه قانون التدابير الخاصة كنسخة معدلة ومخففة، وقانون مكافحة التحريض.

4- آليات السياسة العامة: من خلال سياسات توزيعية وسياسات تنمية اقتصادية جديدة، تهدف لحفظ حقوق الجميع وعلاج الاختلالات، ومن خلال السياسات القومية والسياسات الرمزية التي تجمع كل الشعب من خلال أيديولوجيا قومية تقوم على (الإيمان بالله والإخلاص للملك والدولة وإعلاء الدستور والقانون وثقافة الحوار)[28].

لعل أبرز ما يميز التجربة الماليزية هو اعتمادها على أدوات وآليات متعددة في إدارتها للتنوع؛ فمن أجل تعزيز الهوية الوطنية الجامعة اعتمدت بصورة استثنائية على الآليات القسرية، في حين كان تركيزها الأكبر على أدوات الاستيعاب عبر نموذج الحكم الائتلافي، واعتماد سياسات عامة وتوزيعية وتنموية شاملة لكل المناطق، وأدوات ناعمة في مجال الثقافة والتعليم عبر تكريس الاحتفالات والأعياد المشتركة وإعلاء الرموز الوطنية. أما في مجال الحفاظ على الخصوصيات فكان اعتمادها على الفيدرالية بصورة أساسية ما بين جغرافية في المناطق التي تحتوي عدة مكونات، وعرقية في المناطق التي يغلب عليها أغلبية كبيرة من مكوّن عرقي ما.

إن عوامل المشاركة في السلطة، واحترام الخصوصيات على مستوى العادات والأعياد[29]، إلى جانب عدم التدخل الخارجي، وحتى الخشية من الانزلاق إلى نزاعات داخلية[30]؛ قد شكّلت دافعاً لمختلف المكونات الماليزية -خصوصاً من غير السكان الأصليين “ذوي الأصول الهندية والصينية”- للقبول ببعض الإجراءات التمييزية والاستيعابية لصالح أغلبية الملايو وفق معادلة “ربح-ربح”؛ لأنهم يعلمون أن انفجار الملايو نتيجة الشعور بالظلم والاستغلال سيدمّر كل ما بنوه، ولأن النصيب الذي سيأخذه الملايو سيكون ناتجاً عن عملية التوسع والنمو الاقتصادي، وهو ما يعني أنه ستُتاح الفرصة للصينيين والهنود أيضاً لزيادة ثرواتهم[31].

لا شك أن التجربة لم تكن مثالية تماماً؛ فثمّة العديد من المآخذ عليها بحسب البعض، ومن أبرزها: قوانين التمييز الإيجابي لصالح السكان الأصليين[32]، وهو ما لقي معارضة من قبل بقية المكونات[33]، “بالإضافة للقوانين القسرية التي تحدّ من الحريات، وانتقاد النظام الانتخابي الذي لا يسمح بتمثيل عادل للمكونات الصغيرة”[34].

2- تجربة كندا في إدارة التنوع أولوية الثقافة والتعليم

يُشار عادة إلى أن ملف إدارة التنوع في كندا يمثل سياسة حكومية ناجحة؛ فقد نجحت في تشجيع الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي من خلال وضع جميع الثقافات في مستوى واحد، فعلى الرغم من تنوع الثقافات فيها بحكم أنها بلد يحوي أعلى معدلات الهجرة[35] فهي تقوم بإيجاد قيم مشتركة، وتبنّت التنوع من خلال قانون التعددية الثقافية سياسة رسمية عام 1971م، وهي ترتكز على الاحترام المتبادل بين الكنديين من الخلفيات كافة، ويهدف قانون التعددية الثقافية إلى الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي للمجتمع الكندي، وفي الوقت نفسه دعم فكرة أن التعددية الثقافية بحدّ ذاتها هي ميزة أساسية للتراث والهوية الكندية.

انعكست هذه السياسات الاستراتيجية على مستوى سياسات التعليم من خلال مجموعة إجراءات عملية، من أبرزها: التخطيط الإستراتيجي لإدارة التنوع، وذلك من خلال تصميم نُظم تعليمية تستوعب التنوع بعمومه، مع بعض الاستثناءات بخصوص المدارس الدينية الإسلامية واليهودية[36]، والرقابة لضمان تنفيذ سياسات التنوع، إلى جانب استخدام الفيدرالية كإحدى الآليات لتطبيق مبدأ سيادة القانون وإدارة التنوع، وليس طريقة إجبارية؛ وذلك لمنع تفكك الدولة كما حدث في بعض الدول النامية كالعراق[37]. بمعنى آخر: كانت هنالك رغبة في التعايش المشترك بين المكونات، خصوصاً الإنكليزية والفرنسية، ثم تم التوافق على استخدام الفيدرالية حلاً لتحقيق هذا التعايش. بالإضافة إلى وجود علاقة واضحة بين النجاح في إدارة التنوع في كندا وتكريس حرية إبداء الرأي في الفضاء العام الفعلي والافتراضي[38]، وهو ما ساعد في الالتزام بميثاق التعددية الثقافية وتطبيقه بين مختلف مكونات المجتمع الكندي[39].

نلحظ أن نجاح كندا في إدارة التنوع يعود بصورة أساسية إلى تركيزها على الأدوات الخاصة التي تستهدف المجتمع، كالتعليم وتفعيل المشاركة العامة إلى جانب الأدوات المتعلقة بتقاسم السلطة؛ غير أن الأخيرة أيضاً ناتجة عن ثقافة عامة حريصة على التعايش السلمي المشترك[40]، وهو ما قد يُنبئ بأن نجاح هذه الأدوات مرتبط بصورة أو بأخرى بالقبول المجتمعي[41].

ثالثاً: واقع التنوع في المجتمع السوري: العلاقة بين الفضاءَين العام والخاص

يصف الكتّاب تنوع المكونات التي يتشكل منها المجتمع السوري عادة بأنه “الفسيفساء السورية”[42]، ويفترض أن ينعكس هذا التنوع على المجالين العام والخاص؛ فالنتيجة الطبيعية لمثل هذا التنوع أن يكون له قبول وتشجيع على مستوى الحياة العامة والخاصة.

يُقصد بالمجال العام في هذا السياق: الفضاء المستقل عن الأجهزة الإدارية للدولة ذات الطبيعة التدخلية والانضباطية، والمستقل كذلك عن السيطرة العائلية وغيرها من أشكال الروابط الأخرى كالقبيلة والعشيرة. وهذا الفضاء هو الذي نجده في الأسواق، والمقاهي، والصحافة، والمحكمة وكتابة العرائض، وغيرها من الفضاءات العامة التي تدور فيها النقاشات، وتشمل حالياً الفضاءات الافتراضية التي تحظى بالنقاشات العامة كالغرف الصوتية وفيسبوك وتويتر…إلخ[43].

أما المجال الخاص فهو مجال الأسرة والحياة المنزلية، الذي لا يخضع من الناحية النظرية لتأثير الحكومة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى؛ حيث تقع مسؤولية الفرد على نفسه وتجاه أفراد الأسرة الآخرين، ويمكن أن يتم العمل والتبادل داخل المنزل بطريقة منفصلة عن اقتصاد المجتمع الأكبر، كما يُوصف المجال الخاص بالمرونة والقابلية للاختراق والتطور والتقلب، فضلاً عن أن حدوده مع المجال العام ليست ثابتة[44].

يذهب بعض الكتّاب إلى أن نموذج المجتمع المتنوع يمكن التعرف عليه وفقاً للتمييز بين المجال الخاص والمجال العام، وفي هذا الصدد تظهر أربع احتمالات هي:

  1. قد يكون مجتمعاً موحداً في المجال العام، ويشجع على الاختلاف في المجال الخاص والأمور المجتمعية.
  2. قد يكون مجتمعاً موحداً في المجال العام، ومشجعاً على الاتحاد في الممارسات الخاصة أو المجتمعية.
  3. قد يكون مجتمعاً يسمح بالحق في الاختلاف والتنوع في المجال العام، ويشجع على التنوع في الممارسات الثقافية من قبل المكونات المختلفة.
  4. قد يكون مجتمعاً لديه حقوق مختلفة ومتنوعة في المجال العام، حتى وإن كان هناك وحدة ملحوظة في الممارسات الثقافية بين المكونات.
المجال العام المجال الخاص والممارسات الثقافية
نموذج1 موحد يشجع على التنوع في الممارسات الثقافية
نموذج2 موحد وحدة في المجال الخاص والممارسات الثقافية
نموذج3 يسمح بالحق في الاختلاف والتنوع يشجع على التنوع في الممارسات الثقافية
نموذج4 يسمح بالحق في الاختلاف والتنوع وحدة في المجال الخاص والممارسات الثقافية

جدول 1 يبين العلاقة بين المجال العام والمجال الخاص

قبل الحديث عن واقع التنوع السوري في العقود الأخيرة لابد من الإشارة إلى أنه بعد انقلاب البعث عام 1963 وإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة خمسين سنة، ومع قلة النصوص القانونية التي تحكم المجال العام كان لطبيعة السلطة الاستبدادية الحاكمة وأوامرها العرفية الأثر الأكبر في المجالين العام والخاص؛ وذلك لتغوّلها في حياة المجتمع والأفراد، حيث خضع هذان المجالان لتأثيرها بصورة أدت إلى تراجع حضورهما؛ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى كان هنالك تفاوت من قبل السلطة المستبدة في التعاطي مع مجالات التنوع “العرقية والدينية والسياسية”؛ فبينما كانت رقابتها وتأثيرها في المجال السياسي مطلقة كانت هنالك هوامش أكبر في المجال الديني، كما سنبيّن.

في هذا السياق يمكن توصيف واقع التنوع داخل المجتمع السوري من خلال علاقته بالمجالين العام والخاص، بحسب المجالات العرقية والدينية والسياسية وفق ما يلي[45]:

  • التنوع العرقي[46]: ظهر التوجه الواضح نحو القومية العربية مع بداية تأسيس الدولة السورية، ليتم تكريس الأمر مع وصول البعث إلى السلطة، وتبنّيه مشروع “القومية العربية” مشروعاً صهرياً ودمجياً لكل قاطني المنطقة، ولينعكس ذلك سلباً على غالبية المكونات العرقية الأخرى غير العربية في ممارسة حقوقها اللغوية والثقافية، خصوصاً في المجال العام[47]. فقد حُرمت غالبيتها من تعلم لغاتها وأحياناً التخاطب بها، والإشارة إلى ثقافاتها ومساهماتها التاريخية في سوريا ضمن المناهج التعليمية، إلى جانب حرمانهم من استخدام لغاتها في أماكن العمل أو الأعياد أو الأعراس[48]، خصوصاً المكون الكردي[49].

غير أن ذلك لم يمنع من معاملة خصوصية لبعض المكونات العرقية، مثل الأرمن والشراكسة الذين كان باستطاعتهم استخدام لغاتهم في الطباعة والكتاب، مع وجود مؤسسات دينية وثقافية تابعة لهم تؤمّن تعليم اللغة القومية، وتقدم خدمات متعددة تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي الخاص[50].

  • التنوع الديني: على الرغم من وجود نصوص دستورية واضحة تنصّ على حرية الشعائر الدينية، واحترام الدولة جميع الأديان[51]، وترافق ذلك بحرية نسبية في المجال الشعائري أتاحت لمختلف المكونات ممارسة شعائرها[52]؛ إلا أن ذلك لم ينعكس على بقية نواحي الفضاء العام؛ كما هو الحال في مجال التعليم الخاص والمجتمع المدني[53]. ففي مجال التعليم الخاص عمل البعث وبعده نظام الأسد على تأميم غالبية المدارس الخاصة بالمكونات الدينية، بما في ذلك الإسلامية، لتصبح ملحقة بالتعليم الرسمي[54]، أما في مجال المجتمع المدني فعمد إلى التضييق على المجتمع المدني ذي الطابع الإسلامي مع فتح المجال للمنظمات المسيحية[55].
  • التنوع السياسي: مع انقلاب البعث في آذار عام 1963 أُعلنت حالة الطوارئ وأُغلقت تراخيص الصحف والمطبوعات والمجلات وصُودرت المطابع، لتدخل البلاد مرحلة الإعلام الحكومي المسيطر عليه بعثياً[56]، ولتتم السيطرة تباعاً على مختلف مجالات الفضاء العام السياسي الذي أصبح حكراً على السلطة بشكل مطلق مع وصول آل الأسد إلى السلطة وانفرادهم بالحكم، لتدخل سوريا مرحلة حرجة على مستوى التنوع السياسي؛ إذ حُصر العمل السياسي من خلال حزب البعث الذي أصبح بموجب المادة الثامنة من دستور 1973 قائد الدولة والمجتمع، فأصبح الشعب بأكمله -دستورياً- مجرّداً ليس من الحقوق السياسية فحسب، ولكن من الحقوق المدنية التي تنصّ على المساواة وعدم التمييز بين الأفراد أمام الدولة والقانون أيضاً، وترافق ذلك مع قبضة أمنية وحشية تضبط الحياة الاجتماعية وسلوك الأفراد وتقيد حقوقهم وحرياتهم[57].

لم يقتصر أثر هذه السياسات القمعية على سحق السياسة في المجال العام، إنما امتدّ أثرها إلى المجال الخاص الذي أصبح بيئة تنتشر فيها قصص التحذير من العمل السياسي وممارسة السياسة[58].

يوضح التوصيف السابق لواقع إدارة التنوع عمق الأزمة التي عانى منها في ظل حكم البعث والأسد في مختلف مجالاته[59]؛ ففي مجال التنوع العرقي كانت السياسة التمييزية التي اتبعها نظام الاستبداد تجاه المكونات واضحةً، إذ كان لتبنّيه مشروع “القومية العربية” من ناحية، وتمييز بعض الأقليات العرقية على حساب البعض الآخر من ناحية أخرى أثرٌ ملحوظٌ في تعميق الشروخ العرقية بين المكونات المختلفة؛ من جهة حرمان بعضها -خصوصاً المكون الكردي- من احترام خصوصياته الثقافية واللغوية ضمن الفضاء العام. وعلى صعيد التنوع الديني لم تَحُل إتاحة نظام الاستبداد للحرية النسبية في مجال ممارسة الشعائر الدينية دون تضييقه على بعض المكونات الدينية في مجالي المجتمع المدني والتعليم الخاص اللذين يُفترض أنهما مساحة عامة مناسبة لاحترام الخصوصيات الدينية لكل مكون[60]. أما على الصعيد السياسي فكان الوضع هو الأسوأ؛ فلم يقتصر سحق التنوع على المجال العام فحسب، إنما كان الأمر يصل إلى مستوى المجال الخاص الذي توحّد بالإكراه والجبر حول توجهات حزب البعث السياسية التي أضحت السائدة في المجتمع السوري.

على الرغم من التنوع السوري في مختلف المجالات العرقية والدينية والسياسية فإن طبيعة النظام السياسي الذي تأسس بعد حقبة البعث، وقام على فكرة تغول السلطة وأحادية الحزب وتقديس الفرد؛ قد أسهمت في الإساءة لهذا التنوع في المجال العام كما سنرى لاحقاً، وانتهى إلى ترجيح التوحد على احترام التنوع وقبوله، وحصر الحديث عنه في المجال الخاص الذي أضحى المتنفس الوحيد للتنوع السوري، وإن كان هذا لم يَسلَم في كثير من الأحيان من الإرادة التدخلية للسلطة، خصوصاً على الصعيد السياسي[61]. بمعنى آخر: أضحى التنوع السوري الذي هو الصورة الحقيقية للمجتمع السوري مُقَولَباً وفق شكل السلطة الاستبدادية التي مثلها نظام الأسد، والذي يقوم على الفردانية والرأي الواحد.

رابعاً: ماهية مطالب “الأقليات” في سوريا[62]: بين الهوياتية والسياساتية نصّاً، والرغبة في السيطرة على الدولة فعلاً

التنوع الإثني والطائفي أمر طبيعي في الدولة، وتضم غالبية دول العالم العديد من الطوائف والمكونات، واستطاعت بعضها تحويل هذا التنوع إلى عامل غنى وقوة للدولة[63]، على عكس البعض الآخر، خصوصاً الدول النامية؛ حيث ظهرت فيها مشاكل الطائفية وضعف الهوية الوطنية، خصوصاً عند سعي بعض “الأقليات” لربط نفسها بقناة سياسية أو عسكرية[64]، أو تحصيل أكبر تنازل من “الأغلبية” عن خصوصيتها الثقافية وهويتها، وجعلها المقابل لقبولٍ شكليٍّ من الأقلية للانخراط في الهوية الوطنية[65]. في مقابل توجه الأغلبية أحياناً لتخليص الطائفة أو الأقلية من خصوصيتها الثقافية “التمايز الذاتي”[66].

عادة ما تكون مطالب “الأقليات” محصورة ضمن هذا المدى؛ أي: مطالب لا تتعلق بأصل الانتماء إلى الدولة، غير أن ذلك لا ينفي إمكانية أن تصل المطالب إلى هذا الحد عملياً لا نظرياً، لاسيما وأنه غالباً ما تمتنع عن التصريح بذلك خشية اتهامها بعدم الوطنية عند مطالبتها صراحة بالانفصال. وفق ذلك يمكن التمييز بين مطالب نظرية -قد تكون عملية- تتعلق بهوية الدولة أو شكلها أو سياساتها[67]، وأخرى عملية تظهر في سلوك هذه “الأقليات” ولا تصرّح بها عادة.

في الحالة السورية لا تختلف -من حيث الجوهر- مطالب “الأقليات” عما ورد أعلاه؛ إذ يمكن تقسيمها إلى نظرية -قد تتحول لاحقاً إلى عملية- تعلنها هذه المكونات في الوثائق والمواثيق[68]، وعملية تشير إليها الأحداث والوقائع وإن لم تصرّح بها[69]، وفق الآتي:

  • المطالب المتعلقة بالهوية: مع التنبيه إلى وجود نص مشترك تطالب به مختلف “الأقليات” يتضمن الاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية الخاصة بها، ومن أهمها: حقهم بالاحتفاظ بهويتهم والمحافظة على لغتهم ونشر ثقافتهم …إلخ، إلى جانب المطالبة باحترام الخصوصيات الدينية. غير أن هنالك مطالب أخرى تتعلق بالهوية الوطنية السورية الجامعة؛ فعلى اعتبار أن المرجعية المكونة للهوية الجماعية السورية ارتكزت على أساسَين تاريخياً هما العروبة والإسلام[70]، وتكرس هذا الأمر مع نشوء الدولة الوطنية الحديثة دستورياً فإنه ما تزال هنالك مطالب لدى “الأقليات” تعترض على مرتكزات هذه المرجعية.
    • المطالب المتعلقة بالعروبة: من خلال الوثائق والرؤى التي وقّعت عليها القوى الكردية “المجلس الوطني الكردي” كما هو الحال في الرؤية السياسية لجبهة السلام والحرية، أو التي تحفظت عليها مثل: الإطار التنفيذي لبيان جنيف1؛ فقد كانت هنالك مطالب واضحة على مستوى الوثائق بعدم ذكر العروبة في اسم الدولة أو على مستوى الانتماء، في حين لم يظهر هذا الأمر لدى بقية المكونات[71].
    • المطالب المتعلقة بالإسلام: باستثناء المكون التركماني فإن ثمّة مطالب واضحة على مستوى الوثائق التي وقّعت عليها قوى أخرى تنتمي للمكونات الكردية والآشورية بعدم التصريح بانتماء الشعب السوري للأمة الإسلامية أو بعلاقة الدين بالدولة، بما يشمل مكانة الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى التشريع أو الإسلام كدين للدولة أو رئيسها؛ إذ غالباً ما تتمسك هذه المكونات بعلمانية الدولة[72].
  • المطالب المتعلقة بشكل الدولة: على الرغم من تمسك جميع المكونات السورية دون استثناء بشكل عام بمبدأ وحدة سوريا[73]؛ إلا أن أدبيات بعض القوى تطالب صراحة بالفيدرالية الإقليمية شكلاً لسوريا المستقبل[74].
  • المطالب المتعلقة بسياسات النظام السياسي ومؤسساته: باستثناء المطالبة بإتاحة منصب رئيس الدولة أمام جميع المكونات وعدم حصره بـ “الأغلبية” كما هو حال الوثائق الدستورية السورية السابقة، فلا مطالب تفصيلية واضحة خارج المبادئ العامة التي تتحدث عن احترام التعددية السياسية ومبادئ المساواة وتكافؤ الفرص.

من الناحية النظرية تركز مطالب “الأقليات” في الحالة السورية على الهوية؛ كما هو الحال في مواضيع الانتماء وعلاقة الدين بالدولة، وشكل الدولة؛ مثل قضيتي اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية، أكثر من المطالب المتعلقة بسياسات النظام السياسي المتعلقة بتوزيع الخدمات والعائدات والثروات. كما أن “الأقليات” السورية لا تركز في مطالبها على احترام خصوصياتها -وهذا حق لها- بقدر ما تركز على محاولة تحصيل تنازلات من “الأغلبية” في مجال مقومات هويتها، كاللغة والدين والانتماء[75]؛ وكان بعضها مدفوعاً بـ “المظلومية” التي يعتقد أنه تعرّض لها بمفرده على يد نظام الأسد، مع أنه في الحقيقة لم يستثنِ أحداً من السوريين، بمَن فيهم “الأغلبية”.

من الناحية العملية يمكن النظر إلى المطالب السابقة على أنها آتية ضمن نطاق “المطالب الوطنية”؛ أي: بعد إيمان هذه المكونات بالدولة الوطنية، إلا أن الواقع يشكّك في ذلك بحسب باحثين؛ إذ “بقي السنة[76] والروم الأرثوذكس والعلويون والإسماعيليون، برغم الدساتير وقوانين الدولة المكتوبة، متجاورين أحدهم إلى جانب الآخر دون أن يشعروا برابطة تضامن حقيقية. لا تأثير للإحساس بالقرابة الاجتماعية على الأجندة الوطنية السورية، التي تظل بالمطلق أقل أهمية من المجتمع الديني والقبيلة والعائلة”[77].

في حال صحت هذه الفرضية: (ضعف إيمان “الأقليات” بالدولة الوطنية) قد تبدو مطالب “الأقليات” النظرية هي مجرد تغطية ومناقشة لقضايا “جدلية ونظرية” للتغطية على الإشكالية الحقيقية، وهي: ضعف إيمانها بالمواطنة المتساوية والدولة-الأمة الحديثة؛ إذ يتضح من خلال سلوك بعضها في سوريا -خاصة “العلويين”[78]– أن مطالبها الفعلية تتمثل في الاستمرار ضمن الدولة الوطنية شريطة المحافظة على “امتيازاتها الطائفية” عبر أدوات من أبرزها: سعيها للسيطرة السياسية الكاملة على أجهزة الدولة، أو البحث عن حماية خارجية لها، وفي كلا الحالتين كان لديها اعتقاد بأن هذه الوسائل هي التي يمكن أن تجلب الأمان لها، وليس النصوص القانونية -بما فيها الدستورية- التي لا تثق بها[79].

أسهم هذا السعي العملي للاحتفاظ بـ “المعاملة التمييزية” بإحداث تناقض مع ما سبق لهذه المكونات، وإن كانت تؤكده في خطابها حول سعيها “لدولة مواطنة متساوية”[80]؛ فثمّة تمسُّك عمليّ بامتيازاتها كطوائف، في الوقت الذي تعلن فيه نظرياً تمسُّكها بالمساواة كأفراد[81].

خامساً: تفسيرات فشل إدارة التنوع في سوريا: على السلطة الوِزر الأكبر

في ظل الهامش الذي أتاحته الثورة السورية لتُبديَ جميع المكونات رُؤاها ومطالبها في الوثائق التي تتناول سوريا المستقبل ظهرت إلى العلن وفي كثير من المناسبات مطالب هذه المكونات التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة، إلى جانب السلوك العملي الذي قد يُستشفّ منه مطالبها الفعلية. لكن السؤال هو: لماذا ظهرت هذه المطالب النظرية منها والعملية؟ وهل ثمّة مقاربات يمكن من خلالها تفسيرها؟

ثمّة خمس مقاربات لتفسير تصاعد مطالب “الأقليات” يمكن تلخيصها فيما يلي[82]:

  • الاختلاف في الهوية “المقاربة النشوئية”[83]: فاختلاف الهوية هو الذي يدفع كل فريق للمطالبة بأشياء محددة تتناسب وثقافته[84].
  • المقاربة التفاعلية: تذهب إلى أن التفاعل بين مختلف المكونات داخل إقليم الدولة الواحدة يسهم بشكل كبير في تراجع حدة الصراع داخل المجتمع.
  • المقاربة الواقعية: يرى أصحابها أن محرّكات العلاقة بين المكونات داخل الدولة هي الخوف وعدم الأمن.
  • المقاربة البنائية: على عكس النظرية الواقعية تركز المقاربة البنائية على تأثير الأفكار؛ وتقدم ثلاثة أسباب رئيسة للصراع الهوياتي، وهي: الأزمة الاجتماعية الاقتصادية، وأزمة الدولة، وأزمة التجانس، وتركز هذه المقاربة على الأفكار وتولي أهمية كبيرة للخطاب السائد في المجتمع، باعتباره أحد أهم الوسائل لتجاوز هذه المنازعات.
  • المقاربة الليبرالية: يركز الليبراليون على متطلبات رئيسة، وهي: احترام حقوق الإنسان، وضمان تدفق الرفاه الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية. وتتمحور أفكارهم بشكل عام حول ثلاث نقاط أساسية هي: الاعتقاد بأن الديمقراطية هي جوهر السلام، والدور الجوهري والفعال للاقتصاد بحيث يسمح تطوره بظهور طبقة متوسطة قوية تسهم في العملية الديمقراطية، وأهمية المؤسسات الدولية باعتبارها أطرافاً فاعلة في حفظ السلام[85].

تقدم لنا هذه المقاربات ديناميات متعددة لتفسير نشوء مطالب “الأقليات”، ثم انعكاسها بعدُ على سوء إدارة التنوع؛ فإننا نعتقد أنه في الحالة السورية يمكن ربطها بنيوياً بثلاث “هياكل” رئيسة، هي: المجتمع، والسلطة، والنُّخب؛ فقد أثّرت طبيعة هذه “الهياكل/البُنى” وسلوكها في قضية إدارة التنوع سلباً أو إيجاباً.

1-   دور المجتمع السوري: عندما يتحول المجتمع إلى “أقليات”

ثمّة مَن يرى أن المجتمع السوري لم يصطبغ تاريخياً بصبغة هوياتية مشتركة، بل كان يحتوي على شروخ وانقسامات متعددة أبقت مكوناته على عداوات مستمرة[86]، بينما يرى آخرون -وهو المرجَّح- أن التنوع في السياق السوري ليس وليد فترة تاريخية قصيرة، بل كان سمة رئيسة مرافقة لسوريا “الجغرافية” على مر العصور؛ فقد استطاعت المكونات السورية التعايش لفترات طويلة، ولم تشهد سوريا تاريخياً مذابح دموية بين المكونات أو صراعاً هوياتياً بينها[87]. بل على العكس كان التعايش بين السوريين على مرّ العصور سمة ثابتة، مما يعني عدم وجود خلاف هوياتي بين المكونات السورية، لاسيما وأن غالبية المكونات و”الأقليات” تتشابه في مظاهرها الثقافية والهوياتية[88].

إلى جانب ذلك، ومع نشوء الدولة السورية الحديثة وانفصالها عن الحكم العثماني امتلك هذا المجتمع في أساسه مقومات “المجتمع المتوازن”؛ ولعل الحراك السياسي والاجتماعي الذي حدث إبان تشكيل المؤتمر السوري العام يوضح لنا حيوية المجتمع وإمكانية تأقلمه مع نمط الدولة الذي فُرض عليه، على الأقل خلال السنوات القليلة التي أُتيح له فيها بناء مؤسساته وتصدير خطابه؛ إذ كان هنالك حراك ملحوظ للأحزاب والتيارات والجمعيات “المؤسسات الوسيطة”[89].

غير أن فترة الانتداب وما تلاها من حكم عسكري وأقلوي، وما رافق ذلك من سياسات كان لها أثرٌ واضحٌ في تجديد “الوعي الأقلوي”[90] لدى بعض “الأقليات” السورية، خصوصاً العلوية، وقد تجلى ذلك في ثلاثة مظاهر هي: الأول: الرفض الشامل لزوال الطوائف، من خلال ما عبّرت عنه نُخَبها إبان تأسيس الدول القومية الحديثة التي قوّت الفئات الطائفية، وقدّمت لها فرصة تاريخية للوصول إلى السلطة. الثاني: تغليف الدفاع عن مصالح العصبيات بتبنّي خطاب عن الدولة والأمة. الثالث: الصراع بوصفه سمة للحفاظ على مجتمع العصبيات، وقد يكون هذا الصراع في أقل الأحوال سوءاً هو العنف السياسي كما حصل في عهد عائلة الأسد، وفي أسوئها يكون “الحرب الأهلية”[91]؛ كما حصل عقب الثورة السورية نتيجة عنف نظام الأسد اللامحدود ضد غالبية الشعب[92].

عملَ هذا “الوعي الأقلوي” في سوريا بوصفه وعياً طائفياً، وبوصفه مواجهةً مع الآخر أيضاً، ليتجلى ذلك في وجود إرادة ضمنية على الأقل لاستئصال الآخر؛ فخلافاً للحالة اللبنانية حيث كان ممكناً تأجيل موت الآخر إبان الحرب الأهلية عبر الاكتفاء بعمليات الخطف فإن العنف الممارس في سوريا، خاصة عنف نظام الأسد، يشهد على إرادة استئصال الآخر[93].

النتيجة الأهم لبروز هذا الوعي الأقلوي وتمكنه ستكون دفع الأغلبية “المكون السّنّيّ” نحو محاولة تشكيل وعي “طائفي مماثل” ردَّ فعلٍ -وهو ما لم ينجح نتيجة عوامل متعددة اجتماعية وجغرافية[94]– يجعلها تتصرف كأنها طائفة، بعد أن كانت تسلك تجاه ذاتها وأعضائها وتجاه المكونات الأخرى سلوك الأمة، أو ما يمكن أن يؤسّس للأمة[95]. ولعل مما يؤكد صحة ذلك هو سلوك “الأغلبية” عند تشكل الدولة السورية عقب الانسحاب العثماني، والذي تجلى بصورة واضحة أثناء كتابة دستور 1920، من جهة دعوتها لتشكيل دولة وطنية لجميع السوريين؛ بغضّ النظر عن دينهم وعرقهم وطائفتهم[96].

2- دور التدخلات الخارجية: التشويه الفرنسي للتنوع

في ظل تنامي التأثير الدولي -خصوصاً الدول الفاعلة- في السياسات الداخلية لبعض الدول، إلى جانب التأثر بالمحيط الإقليمي؛ فإن تلك السياسات لم تعد ناتجة عن محددات داخلية، بل في كثير من الأحيان يكون للعامل الخارجي تأثير يفوق العوامل الذاتية فيها[97]، يُضاف إلى ذلك استعداد بعض المكونات في الدول النامية للاستلاب الخارجي والاستقواء به في مواجهة أبناء وطنها[98] بغية ابتزازهم وتحصيل مكاسب غير عادلة[99]، وهذا ما حصل في سوريا[100]؛ إذ بدأ الخلل في إدارة التنوع مبكراً بعد ولادة الدولة السورية الحديثة نتيجة سياسات فرضتها سلطة الانتداب الفرنسية للحد من التفاعلات الطبيعية التاريخية بين مختلف المكونات السورية، وذلك عبر سياستَين:

الأولى: سياسة “فرِّقْ تَسُدْ” التي قادت إلى تقسيم سوريا عدة دويلات[101]، مع دعم قوى الانفصال والتفرقة في المجتمع السوري، بما في ذلك تأجيل العداوات الطائفية والمناطقية[102]، بما سيسهم لاحقاً بعد الاستقلال في تنامي مشاعر “ضعف الانتماء الوطني”، وظهور نظام “المجتمع المغلق”[103] الذي يقوم على تناحر المكونات[104].

الثانية: سياسية “تمكين الأقليات”[105]، بما في ذلك تأسيسهم “القوات الخاصة للشرق” التي اعتمدت على “الأقليات” بصورة رئيسة، وهي النواة الأولية للجيش السوري لاحقاً[106]، والتي ستؤدي لاحقاً إلى دفعها لمحاولة استخدام “السلطة” والقوة العسكرية تارة، أو المطالبة بحماية خارجية تارة أخرى كوسيلة لاستمرار “المعاملة التمييزية” التي حصلت عليها، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.

3- دور السلطة[107]:  لا مكان للتنوع في حضورها

تعمّقت مشكلة إدارة التنوع مع طبيعة السلطة التي تشكلت عقب الاستقلال من جهة تسلُّط العسكر والدخول في دوامة الانقلابات التي أسهمت في وصول البعث ومن بعده عائلة الأسد التي حوّلت الدولة السورية إلى دولة متوحشة[108]، تهيمن عليها سلطة طائفية عشائرية عائلية[109]. فقد كان لذلك دورٌ مدمِّرٌ للتنوع السوري؛ إذ اتبعت سياسات غير مألوفة على المستويين الاجتماعي والسلطوي، تمثلت بـ: أحادية الأيدولوجيا السياسية؛ ذات الشعار القومي الذي يطمس المكونات الأخرى ويفرض هوية جامعة عابرة للقطر. وأحادية طائفية؛ ظهرت بوضوح بعد انقلاب شباط 1966 تمثلت بالحكم “الأقلوي العلوي”، وأحادية الفرد القائد الذي حسم صراعه مع زملائه في اللجنة العسكرية السرية طائفية التكوين[110].

أسهم كل ذلك في زيادة الشروخ بين المكونات، خصوصاً مع السياسات القمعية التي واجهت بها السلطة أية بوادر على المستوى الاجتماعي أو المدني لتحدّي نمط السلطة الذي بدأ يترسخ في سوريا، وتحديداً بعد أحداث الثمانينات، وهو ما انعكس بدوره على الحدّ من التفاعلات الطبيعية الاجتماعية والسياسية بين المكونات السورية؛ إذ كان لنظام الأسد دوره المباشر في جعل “الأقليات” -خصوصاً “العلويين”- تركز على ما يفرّقها عن بقية السوريين، وعلى منعهم من رؤية ما يتشاركون فيه مع باقي السوريين[111] (المقاربة التفاعلية).

لم يكتفِ نظام الأسد بالحدّ من التفاعل بين المكونات السورية، وإنما استخدم كل ما يمكن العمل عليه لزرع ثقافة “الخوف، واللا أمن” فيما بينها؛ ليس الخوف من السلطة عبر القمع الوحشي فحسب، بل الخوف من عدو متخيل يأخذ في الغالب صورة “مجتمع الأغلبية السنية” في داخل الوعي “الأقلوي” الذي يتغلغل تحت غطاء العلاقات الاجتماعية ليصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية[112]، بما يسهم في إضعاف التفاعل الذي كان قائماً فيما بين المكونات السورية، والذي كان له دوره في تراجع الثقة وتأجيج الصراع فيما بينها[113](المقاربة الواقعية).

إلى جانب ذلك استخدمت السلطة الطائفية النُّخَب لترسيخ نفوذها؛ فقد عملت على نسف النُّخب التقليدية وإحلال نُخَب تقوم سلطتها على قوة العصبية السياسية التي تدعم السلطة القائمة[114]، وقادت حملات متكررة لتكريس النخب المرتبطة بها، مما أدى إلى ظهور نخب فاقدة للمسؤولية ومسيطرة على مقدرات الدولة، وتوظف إمكاناتها -في حال وجودها- لصالح الفئة التي تحكم وليس لصالح الشعب[115] (المقاربة البنائية).

ترافق كل ما سبق مع سحق السلطة حقوق الإنسان، وتراجع العدالة الاجتماعية ومؤشرات النمو الاقتصادي داخل سوريا، خصوصاً في أواخر القرن العشرين[116]، وهو ما أسهم كذلك في فقدان المواطنين إيمانهم بالمواطنة (المقاربة الليبرالية).

كذلك يمكن التنبيه إلى الخلل الذي أحدثته سياسات البعث والأسد على مستوى دور الذاكرة التاريخية في تدعيم الهوية الوطنية السورية وتعزيز التعايش بين المكونات، من جهة قيامهما بطمس ذكرى بعض الأحداث الإيجابية التي كان من الممكن أن تسهم في تعزيز التعايش السلمي[117]، واكتفائه بالأحداث التي تمجّد انقلاب البعث وعائلة الأسد، في الوقت الذي افتقد التاريخ السوري لأحداث مؤلمة كان من الممكن أن تلعب دوراً في توحيد المكونات السورية على اعتبار أن ذاكرة المآسي والآلام المشتركة توحد الأفراد والمكونات أكثر من الأفراح بحسب بعض الكتابات[118]، فافتقدت الذاكرة التاريخية دوراً مهماً إيجابياً كان من الممكن أن تسهم به في تعزيز التعايش بين المكونات السورية؛ فلا الأحداث الإيجابية استُحضرت، ولا وجود لمآسٍ وآلام يمكن أن تدفع الأفراد والمكونات إلى العيش السلمي المشترك.

على مستوى أدوات إدارة التنوع: كان هنالك تغييبٌ شبه كامل من قبل نظام البعث والأسد لأدوات إدارة التنوع الخاصة بتقاسم السلطة، وفشلٌ في مجال أدوات السياسات العامة، إلى جانب التركيز المبالغ فيه على الآليات الاستيعابية من جهة المبالغة في محاولة فرض الهوية العربية على مختلف المكونات العرقية الأخرى[119]. كل ذلك أنتج مشهداً مختلاً لإدارة التنوع؛ فبدلاً من تحقيق التوازن بين الأدوات الاستيعابية لتقوية الهوية الوطنية وتعزيزها وأدوات تقاسم السلطة والسياسات العامة لطمأنة المكونات بمختلف انتماءاتها؛ كان هنالك تركيز على الأولى فقط، مما ولّد نفوراً في كثير من الأحيان من الرابطة الوطنية التي أضحت بنظر مختلف فئات الشعب السوري مصدراً للظلم والقهر والتمييز.

فكانت النتيجة الأساسية لهذا التأجيج وسوء الإدارة، والتلاعب بالمكونات والحدّ من التفاعل بينها، وقطع العلاقة بينها وبين النخب هي دفعها إلى التقوقع على ذاتها، ليصبح المجتمع السوري مجتمعاً متصارعاً لا متوازناً[120]، ولتظهر تبعات ذلك عقب الثورة من خلال الشروخ الاجتماعية بين المكونات السورية وتراجع الثقة فيما بينها[121]. وقد تفاقم ذلك نتيجة سياسات نظام الأسد التي أدت إلى غياب الطابع الوطني عن الدولة[122]، وقد ربطت بعض “الأقليات” به بصفته “حامياً لها”[123]، ووضعت بعضها “الأقليات” الأخرى الدفاع عن مصلحتها الطائفية فوق الدفاع عن المصلحة الوطنية، ولعل من أبرز الأدلة على ذلك دفاعها عن نفسها عبر الميليشيات العسكرية؛ لعدم ثقتها بدولة لا تتحكم هي فيها تماماً[124].

4- دور النُّخبة والمؤسسات الوسيطة: تفاعلٌ مع التخريب

شهدت سوريا -بوصفها إحدى الدول النامية- بعد مجيء البعث وعائلة الأسد إلى السلطة تسلُّط نُخَب ليس لها أي شعور بالمسؤولية، وأصبحت النخبة التي تسيطر على مقدرات الدولة توظف إمكاناتها لصالح عائلة الأسد، وليس لصالح الشعب[125]، وهذا بدوره انعكس على النخب المعارضة وصورتها الذهنية لدى الحاضنة؛ إذ أفقدها الثقة التي تؤهلها لمخاطبة التيار الشعبي العريض.  إلى جانب ذلك عزّزت أكثرية النخب السياسية نفوذها بالاستناد إلى انتمائها الطائفي؛ فقد واجه الزعماء الدينيون والسياسيون مجتمعين الحريات الفردية التي قد تُضعف المجموعة الطائفية، فأسهموا في تعزيز “الوعي الأقلوي”[126]، بما يعنيه ذلك من أن غالبية النُّخب كانت على قسمَين: إما داعمة للنظام ومستفيدة منه، وإما مستندة للطائفية رافعةً لها، وفي كلتا الحالتين كان هنالك تغييبٌ شبه كامل للنُّخب الوطنية.

لم يكتفِ نظام الأسد بتغييب النُّخب الوطنية، وإنما عملَ أيضاً على تطبيق السياسة نفسها مع المنظمات الوسيطة[127]، التي كان لضعف حضورها في المشهد العام[128] وارتباطها بشكل مباشر بتنفيذ سياسات نظام البعث والأسد[129] دورٌ سلبيٌّ على إدارة التنوع السوري؛ حيث لم يسهم ذلك في حرمان المجتمع السوري من جهود إيجابية يمكن أن تساعد في تخفيف السياسات السلبية التي مارستها سلطة البعث والأسد تجاه التنوع السوري فحسب، وإنما كان المجتمع المدني ذاته داعماً لتلك السياسات الممارسة من قبل السلطة، وأصبح مع النُّخب السلطوية “مجتمعاً مضاداً” يناقض المواطنة ولا يحترم مبادئها، ولا يتشارك أعضاؤه قيمها أو يحترمون قوانينها[130].

في المجمل: كانت الضربة الأولى لبوادر هذا المجتمع المتوازن هي السياسات التي اتبعها الانتداب الفرنسي حينما بدأ بتنفيذ سياسة “تمكين الأقليات”، وإثارة الخلافات بينها وبين غالبية الشعب السوري من جهة، وبنمط المؤسسات التي أسّسها وتحديداً الجيش من جهة أخرى[131]. ثم جاءت الضربة الثانية مع وصول البعث وعائلة الأسد إلى السلطة؛ حين تحولت الدولة إلى سلطة متوحشة قائمة على الجبر والإكراه، ومتركزة في يد فئة وطائفة محددة، وسُحقت المؤسسات الوسيطة باستثناء تلك المرتبطة بها، وكان لهذا أثرٌ سلبيٌّ مباشرٌ على المجتمع السوري والعلاقة بين مكوناته. ثم لتأتي الحرب التي شنّها نظام الأسد على الشعب السوري لتزيد الأمور سوءاً على مستوى العلاقة بين السلطة والمجتمع من جهة، ومكونات المجتمع فيما بينها من جهة ثانية. كل ذلك يوضح أن سمات التوازن القليلة التي تمتع بها المجتمع السوري تعرّضت للتشويه الممنهج من قبل السلطة التي أنشأها الانتداب أولاً، وتسلط عليها العسكر والحكم الأقلوي ثانياً، ليصبح هذا المجتمع أقرب لنموذج الصراع.

وفق ذلك كان لعاملَي التدخلات الخارجية ونمط السلطة التأثيرُ الأكبرُ في تشويه التنوع السوري وتكريس “الطائفية”؛ إلا أن ذلك لا ينفي وجود بيئة داخلية قابلة للتوظيف والعلاقة الزبائنية، سواءٌ على مستوى بعض المكونات السورية أو على مستوى النخبة السورية، بما يشير إلى أن فشل إدارة التنوع ليس مرتبطاً بعامل واحد فحسب.

سادساً: دور مؤسسات قوى الثورة والمعارضة في إدارة التنوع: الشكلية في سياق موضوعي حاكم

على الرغم من الإرث السلبي الذي أصاب التنوع السوري نتيجة العوامل المشار إليها في الفقرة السابقة، خصوصاً سياسات السلطة؛ فإن قوى الثورة والمعارضة بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011 قد سعت مع الهامش التي تشكل لديها في خارج سوريا وداخلها في المناطق التي أضحت خارج سيطرة نظام الأسد إلى تطبيق بعض أدوات إدارة التنوع التي يمكن أن تسهم في تخفيف من الآثار التي لحقت التنوع السوري.

سعت بعض الأجسام السياسية في المراحل الأولى إلى استخدام بعض آليات إدارة التنوع المرتبطة بتقاسم السلطة، كما فعل المجلس الوطني السوري ثم الائتلاف الوطني بهدف تمثيل المكونات السورية في هذه الهيئات، وهو ما برز بصورة واضحة في تقلُّد رئاسة هذه الهيئات[132]، ولاحقاً في تخصيص منصب نائب رئيس الائتلاف الوطني للمجلس الوطني الكردي على سبيل المثال.

إلى جانب استخدام بعض آليات تقاسم السلطة عملت القوى السياسية منذ اللحظات الأولى لتشكلها وظهورها على إرسال مؤشرات ورسائل طمأنة للمكونات السورية على مستوى النصوص؛ وهو ما سار عليه المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وعموم النخب السياسية السورية، التي دأبت على إرسال تطمينات لكل المكونات، وأكدت في أكثر من موضع مفاهيم المساواة والمواطنة والتعددية واحترام الخصوصيات…إلخ[133]، إلى جانب إظهار احترام خصوصيات “الأقليات” فيما يتعلق بالأعياد الدينية، خصوصاً في الفضاء الافتراضي.

أما القوى العسكرية فكان استخدامها الأدوات المرتبطة بالخطاب خصوصاً في بداية تشكيل مجموعات وكتائب الجيش الحر؛ إذ كانت تشير في غالبية بياناتها إلى دفاعها عن جميع السوريين في وجه نظام الأسد، وتحقيق الحرية والكرامة لمختلف المكونات دون تمييز[134]، دون تطبيق أدوات أخرى على مستوى تقاسم السلطة لظروف موضوعية أكثر منه عوامل ذاتية؛ من أبرزها: افتقاد مشاركة مكونات من الأقليات الطائفية في العمل العسكري؛ فلا توجد فصائل عسكرية من طوائف أخرى حتى تتقاسم معها السلطة، فضلاً عن أن العمل الفصائلي في معظمه قام على روابط مناطقية[135].

مع ذلك فقد شهدت الجغرافية السورية تحكُّم بعض قوى الأمر الواقع ذات الولاءات العابرة للحدود كـ “قسد” و”داعش” ومليشيات المشروع الإيراني بالمناطق السورية، مما ستكون له تداعياته السلبية على إدارة التنوع السوري مستقبلاً[136].

أما على صعيد منظمات المجتمع المدني فقد عملت مع مجالس الإدارة المحلية وهيئات شبه حكومية أخرى على توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها[137]، كما كان لها دور من خلال أنشطتها المتنوعة في العناصر الثلاث الرئيسة للمواطنة (العنصر السياسي والمدني والاجتماعي)[138]؛ إذ شكّل مجمل خطاب هذه المنظمات وأنشطتها أحد العوامل التي تسعى لتعزيز التعايش والحوار والتفكير المشترك بين السوريين، وبشكل خاص الأنشطة التي تواجه مباشرة الطائفية والمناطقية، والتركيز على المفاهيم المدنية المرتبطة بالحقوق والحريات[139].

إلى جانب ذلك سعت العديد من هذه المنظمات -خصوصاً العاملة في مجال التوعية والتمكين- إلى التمسك بمبادئ إدارة التنوع على المستويين البنيوي والوظيفي:

  • على الصعيد البنيوي: عمدت الكثير من المنظمات السورية إلى مراعاة التنوع في تصميم الهيكل الوظيفي لها وفي مجموعات السياسات التي تقرّها[140]، وهو ما يعود أساساً لما فرضته الجهات المانحة الدولية على المنظمات عبر مجموعة المبادئ والسياسات التي تراعي إدارة التنوع وفق الجنس والعمر والمنطقة، وسياسات التوظيف بناءً على معيار الكفاءة. إلا أن الكثير من هذه المبادئ لم تُطبق فعلياً لأسباب عديدة، من أهمها: طريقة تركيب هذه المنظمات التي كانت مستمدة من الثقافة الأحادية المبنية على المصلحة أو المنفعة المادية، وقلة الوعي بالعمل المدني، فتحولت الكثير من المنظمات بسبب المحسوبيات والشللية والأيديولوجيا إلى عملية استقطاب مخالفة للقيم النظرية، ولذلك وُجدت بعض المنظمات المحسوبة على أبناء مدينة واحدة أو تيار أيديولوجي، وهو ما أدى لتقويض ما كانت تنادي به من التمسك بالرابطة الوطنية ومراعاة قواعد التنوع السوري في هياكلها[141].
  • على المستوى الوظيفي: أسهمت مجموعة من الأنشطة والبرامج التي نفّذتها بعض المنظمات في مساعي إيجاد جسور بين المكونات السورية في الداخل والخارج[142]. أي أن جهود المجتمع المدني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ركّزت على الخطاب والتوعية[143]، وهي المجالات التي نجح فيها المجتمع المدني الناشئ تارة وفشل تارة أخرى؛ لاسيما على مستوى التنفيذ والتطبيق[144]، أما المجالات الأخرى المتعلقة بالسلطة بصورة أساسية كالأدوات التكاملية والتوافقية والاندماجية فيبقى هامش المنظمات فيها ضئيلاً.

يمكن توصيف جهود إدارة التنوع التي بذلتها قوى الثورة والمعارضة بالشكلية التي حاولت التركيز على الخطاب، وإلى حدّ ما على أدوات تقاسم السلطة وفق الهامش المتاح لها، ولكنّ هنالك ضعفاً على مستوى الثقافة العامة التي تركز على الهوية الوطنية داخل المجتمع أكثر من الخطاب النخبوي، أي على مستوى تشكيل وعي عام من خلال الرموز والقصص والحكايا يؤمن بوجود هذا التنوع ويتقبله؛ ولعل ذلك يعود إلى عوامل موضوعية تتصل بطبيعة السياق الحالي الذي يتسم بالنزاع وفقدان شبه كلي لعوامل الاستقرار المجتمعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن أن قضية الوعي تتطلب عادة وقتاً طويلاً للتشكُّل.

سابعاً: خطوات في مجال “إدارة التنوع مع سوريا”: إضاءاتٌ لما يمكن العمل عليه

توضح لنا مقاربات تفسير فشل إدارة التنوع سورياً أن الخطوة الأولى التي يُفترض القيام بها هي ترميم الهوية الوطنية السورية، ومعالجة مشكلة الطائفية و”الأقليات” قبل الحديث عن أدوات إدارة التنوع، وفي هذا الصدد تكون الخطوة الأولى الضرورية والمؤسِّسة لما بعدها هي: التخلص من السلطة التي أسّسها نظام الأسد القائم على العصبية الطائفية؛ ففي مثل هذا النظام تكون الإشكالية هيكلية وليست موضوعية، أي أنه وإن كانت ثمّة أنظمة وقوانين وقواعد جيدة لإدارة التنوع فلا فائدة منها ما دامت تقوم بتطبيقها أجهزة حكومية محرِّكها الأساسي هو الانتماء الطائفي؛ ولعل ذلك هو الدافع الرئيس لفقدان الثقة بالأدوات القانونية والسياساتية في تجاوز الانقسامات المجتمعية والطائفية[145].

فلا يمكن لنظام غير وطني بالمعنى السياسي الاجتماعي -كما حالة نظام الأسد- التقدم بخطوات إيجابية في مجال إدارة التنوع بحكم طبيعته[146]؛ فالاعتبارات غير الوطنية كالطائفية والعشائرية والأسرية ستكون كفيلة بنسف أية أدوات أشرنا إليها سابقاً، كتقاسم السلطة والأدوات التوفيقية والتكاملية، ولذا ستكون جهوده منصبّة على تلافي الآثار السلبية لفشل إدارة التنوع، كمعالجة أعراض الطائفية وضعف الانتماء الوطني …إلخ.

ينبني على ما تقدم نتيجة مهمة هي: لا يمكن الحديث عن أي دور فعّال ومؤثّر في مجال إدارة التنوع في سوريا دون تحقيق انتقال سياسي يتجاوز المسبِّب الرئيس لفشل إدارة التنوع السوري وهو نظام الأسد، والانتقال إلى نظام وطني يمتلك مؤهلات إدارة التنوع؛ فهذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يتطلب وجود قناعات حقيقية بضرورة احترام قضايا الانتماء والهوية المرتبطة بغالبية الشعب السوري، أي تجاوز مسألة المطالبة بـ”وضع نصوص شكلية” لتكريس العلمانية والدعوات الدينية إلى التسامح[147]، التي تقتصر عادة على تصدير أو الاتفاق على نصوص وبيانات ووثائق لا أرضية لها حتى في وعي الموقّعين عليها وسلوكهم.

بعد تجاوز مشكلة السلطة يمكن أن تُتاح للمجتمع السوري والنُّخب السورية مساحة مناسبة لإيجاد حلول فعّالة لمشكلة “الأقليات” والطائفية عبر أدوات، منها: التصدي للوعي الأقلوي من قبل النخب التي تمثلها، والتركيز على الثقافة الاجتماعية المشتركة، من خلال تشجيع الذاكرة على النهل من السردية التاريخية الرسمية التي يمكن أن تسهم في رفع قيمة الإنجازات المشتركة المهمة للسوريين[148]؛ كالنهضة، والنضال ضد فرنسا، والفضل في إعلاء قيمة الشخصيات المعروفة المنحدرة من كل الطوائف، كذلك تثمين الانتماء إلى تاريخ مشترك، وإعادة تفعيل الموضوعات الإيجابية[149].

عند ذلك يمكن التركيز على أدوات إدارة التنوع التقليدية من أدوات استيعابية وتقاسم للسلطة وتكاملية تضمن احترام التنوع السياسي والديني والثقافي؛ كلٌّ بحسب سياقه ومتطلباته.

شكل (3)  توضيحي لمراحل إدارة التنوع في سوريا

بناءً على ذلك: نعتقد أنه في حالات كثيرة قد يكون المطلوب في الحالة السورية ليس التركيز على النصوص القانونية بحكم وجودها واحترامها وضمانها للتنوع، وإنما التركيز على سلوك السلطة، وتطوير الوعي داخل المجتمع للقبول بها، بل وتشجيعها. فعلى سبيل المثال: تتطلب إدارة التنوع الديني والشعائري والثقافي “العادات والتقاليد تحديداً” احتراماً من السلطة لهذا التنوع، واعترافاً به على المستوى التربوي والأسري واحتراماً له “المجال الخاص” أكثر من الحاجة إلى نصوص قانونية؛ لأن الأخيرة موجودة بشكل عام في البناء القانوني السوري[150]. كذلك الأمر على مستوى التنوع العرقي يُفترض أن يكون هنالك سعيٌ واضحٌ لتكريس فكرة الحقوق المتساوية بين مختلف المكونات في المجال العام[151]، وقبولٌ للتنوع في المجال الخاص، بحيث تعتاد الأجيال السورية على قبول اختلافاتهم العرقية.

في المقابل: يتطلب التنوع السياسي إلى جانب القبول المجتمعي والتربوي عبر المناهج وغيرها من الأدوات سياجاً قانونياً يحميه ويكرّسه في الوقت ذاته، لاسيما بعد فترة التصحُّر السياسي التي عاشتها سوريا في ظل حكم الأسد، بما يسمح بوجود هذا التنوع ضمن الفضاء العام. وتشجيعاً للتنوع في المجال الخاص، لاسيما وأن أجيالاً سورية عدة نشأت في ظل نظام “الحزب الواحد” و”القائد الواحد”، بما انعكس سلباً على تقبل فكرة التنوع والتعدد السياسي.

نوع التنوع المأمول في المجال العام المأمول في المجال الخاص
التنوع العرقي حقوق متساوية قبول التنوع
التنوع الديني الشعائري يسمح بالتنوع يحترم التنوع
التنوع السياسي يسمح بالتنوع ويحميه يشجع على التنوع
التنوع اللغوي والعادات والتقاليد والأعياد يسمح بالتنوع ويعترف به يعترف بالتنوع ويحترمه

جدول 3 يحدد المناسب للتنوع السوري في المجالين العام والخاص

خاتمة وتوصيات:

تبين لنا التجارب المقارنة أن الركيزة الأساسية للنجاح في إدارة التنوع هي: وجود ثقافة عامة لدى مختلف المكونات تقبل بالعيش المشترك، وهذا ما حدث في ماليزيا وكندا؛ فعلى الرغم من حالة التنوع التي صبغت المجتمعَين إلا أنهما استطاعا وبوجود سلطة وطنية حريصة على بناء هوية وطنية إدارته بطريقة إيجابية تمثلت في بُعدَين؛ الأول: استيعاب مختلف المكونات ضمن بوتقة وطنية واحدة “الأدوات الاستيعابية”، والثاني: احتفاظ كل مكون بخصوصيته بما لا يتناقض مع البعد الأول “أدوات تقاسم السلطة وأدوات السياسات العامة”.

كان الدور الأكبر في تشويه التنوع السوري مرتبطاً بالسلطة، خصوصاً ما قام به نظام الأسد من خنق الفضاء العام، وتأثيره في الثقافة المجتمعية المتعلقة بالتعايش مع الآخر ضمن الفضاء الخاص، وخنقه النطاق الطبيعي الذي يمكن من خلاله للمجتمع المدني إدارة هذا التنوع بشكل إيجابي، إلى جانب تركيزه على الأدوات الاستيعابية دون غيرها، ومساهمته في نشوء “الوعي الأقلوي” على مستوى الأسرة والثقافة والمجتمع، والذي انعكس في أحد مظاهره على مطالب المكونات التي أخذت أبعاداً تركز على الهوية والانتماء، ويُفترض أنها محلّ إجماع وطني على الأقل بملامحها الرئيسة؛ وهذا -كما أشرنا إليه- يتطلب بداية التخلص من هذا النظام عبر عملية انتقال سياسي فعلية تسهم في فتح نافذة يمكن من خلالها للمجتمع المدني ممارسة دوره في ترميم التنوع السوري.

ألقى الدور السلبي للسلطة بأعباء مضاعفة على المجتمع بشكل عام وعلى النخب والمجتمع المدني ممثلاً بمؤسساته وجمعياته ونواديه بشكل خاص، تتطلب منهما -خصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد داخل سوريا، وفي بلاد اللجوء- العمل على الأدوات المتاحة لإدارة التنوع إيجابياً؛ وذلك عبر إنشاء المنصات الحوارية، ونشر ثقافة التنوع والقبول بالآخر، والتدريب والتأهيل في آليات الاختلاف والتنوع، بالإضافة إلى الجوانب التعليمية والتثقيفية والتوعوية “التوعية المجتمعية” التي يمكن أن تسهم في بناء نسق وطني سوري[152]، وهذا البناء التحتي -إن صحّ التعبير- قد يتطلب وقتاً طويلاً لتنفيذه؛ لأن سياق المراحل الانتقالية عادة -كما هو الواقع السوري- يقوم على: الاستدامة وطول المدة، ويركز على أدوات الإقناع والتوافق أكثر من الأدوات القسرية[153].

بناءً على ذلك: ريثما يتحقق الانتقال السياسي -وهو الشرط الأساسي لإيجاد مناخ يفتح المجال لإدارة صحيحة لإدارة التنوع- فإنه يمكن العمل تدريجياً ضمن نطاق المناطق المحررة خاصة على ما يلي:

  • توجيه المؤسسات التعليمية والجامعات في الداخل إلى إدراج مواضيع عن التنوع السوري وتجارب العيش المشترك بين المكونات السورية، أو على الأقل بين المكونات الموجودة ضمن المناطق المحررة.
  • حثّ المجتمع المدني على مباشرة دوره الأساسي في بناء الهوية الوطنية وإدارة التنوع السوري، ثم بعد ذلك سعيه لنشر ثقافة تقبُّل التنوع وثقافة الاختلاف.
  • ضرورة تعزيز فكرة اللامركزية في إدارة التنوع عبر توعية منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية -بغضّ النظر عن المشاكل التي تعاني منها بنيوياً ووظيفياً في الوقت الحالي- بدورها في مجال تعزيز ثقافة التنوع وقبول الآخر.
  • العمل على تحقيق بيئة تفاعلية بين المكونات السورية على الأقل في الجانب الافتراضي كالمنتديات والجلسات الحوارية، لاسيما في المناطق المحررة وبلاد اللجوء؛ فانعدام التفاعل سيؤدي -خصوصاً في الحالة السورية- إلى زيادة الشروخ الاجتماعية حتى داخل المكون نفسه، ومن باب أولى بين المكونات[154].
  • إيجاد البيئة القانونية والاجتماعية والثقافية التي تشجع على التنوع في الفضاء العام عبر البرامج الحوارية التي تُظهر الاختلاف وتحترمه.
  • يتطلب احترام التنوع عدم السعي لتخليص “الأقليات” والمكونات من خصوصيتها الثقافية، في مقابل التزامها بعدم مطالبة الأكثرية بتنازلات على مستوى الهوية والانتماء، وهذا يقودنا إلى ضرورة أن تتركز مطالب المكونات على الجوانب المرتبطة بالسياسات العامة أكثر من التركيز على الأبعاد الهوياتية التي تمسّ الأكثرية؛ ونعتقد أن الصيغة التي تكرّست في دستور 1950تمثل أساساً يمكن الاحتفاظ به والبناء عليه.

كذلك يفترض بالقوى السياسية -خصوصاً المحسوبة على مكونات عرقية أو طائفية- التركيز في مطالبها على المحافظة على خصوصيتها “أدوات تقاسم السلطة والسياسات العامة”، أكثر من التوجه إلى المطالبات الهوياتية التي تمثل في كثير من الأحيان مطالبةً للأكثرية بالتنازل عن جزء من هويتها.

  • تمثل الأدوات الاستيعابية المجال الأساس لبناء هوية وطنية جامعة، وانعدامها يعني اتجاه الدولة نحو التفتت والتمسك بالهويات الفرعية، طائفية كانت أم عرقية؛ ولذا يجب على المجتمع المدني السوري تخصيص جزء من جهوده لإبراز الهوية الوطنية وثقافتها وإرثها، وليس الاكتفاء بالحديث عن الأدوات التوافقية والاندماجية والسياساتية العامة التي تسعى للحفاظ على خصوصية المكونات.
  • توعية الأسر السورية بأهمية قبول التنوع والتشجيع عليه ضمن مجالها الخاص للتخلص من تبعات حقبة الاستبداد ورفض الآخر التي كرستها سياسات نظام البعث والأسد. على سبيل المثال: يمكن عبر المناهج والبرامج الأسرية تعريف المكونات السورية بعادات وتقاليد بعضها البعض، وبيان ضرورة احترامها.
  • بما أن العوامل التي أسهمت في فشل إدارة التنوع السوري كالخوف واللاأمن، وعدم احترام الحقوق والحريات، وضعف التفاعل، ونمط الخطاب السائد كلها مرتبطة بالسلطة بصورة أساسية فإن إيجاد حلول جذرية ومباشرة لها مرتبطة بحدوث التغيير السياسي، وطالما أن هذا لم يتحقق حتى الآن فإن المجالات الجزئية تبقى محصورة؛ من جهة بالسلطات القائمة في المناطق المحررة بحيث تقدم صورة مناقضة لتلك التي كرّسها نظام الأسد على مستوى هذه العوامل، وبالمجتمع المدني والنخب السورية من جهة ثانية.
  • تمثل القضية الكردية إحدى التحديات الأساسية لإدارة التنوع السوري، ونعتقد أن الحل هو عبارة عن خليط من الأدوات التوفيقية؛ كالفيدرالية الجغرافية، والاستيعابية، كتلك التي تركز على التمسك بالهوية الوطنية المشتركة، والسياساتية العامة المتعلقة بتوزيع الناتج المادي والمعنوي مثلاً، مع تأكيد أن التمسك بأي جانب من هذه الأدوات على حساب الأخرى قد يؤدي إلى الفشل؛ فالتركيز على التوافقية على حساب الاستيعابية قد يؤدي إلى التقسيم، كما أن التركيز على الاستيعابية على حساب التوافقية والسياساتية العامة قد يقود إلى إلغاء الخصوصيات الثقافية.

لتحميل الورقة PDF:

اضغط هنا


[1] لا تجادل الورقة في أصل المفهوم وتطبيقاته كأحد أدوات الدولة الحديثة للتعامل مع قضية إدارة التنوع، بل تنطلق من هذه الافتراضات لتبني عليها، وتبين كيفية تطبيقه في الحالة السورية، بمعنى أن الورقة لن تناقش صوابية أصل فكرة إدارة التنوع وقدرتها على التعامل مع المجتمع المتعدد المكونات، وإنما تسلّم بأن هذا المفهوم وما يُبنى عليه من أدوات هو الواقع الذي يُفترض التعامل معه.
[2] Thomas G. Ryan, Diversity and community relationships: The role within. The Scholar-Practitioner Quarterly, 2012, 6 (4), p. 375; Cong Lin, Understanding Cultural Diversity and Diverse Identities, Springer Nature Switzerland, AG 2019, p. 1
[3] يُنظر: إسحاق عياش، الهوية وإدارة التعدد والتنوع المجتمعي، المعهد المصري للدراسات، 28-12-2018، شوهد في: 15-3-2022.
[4] يُنظر: راميا إسماعيل وآخرون، التصدع الاجتماعي في سوريا: أثر النزاع في رأس المال الاجتماعي، المركز السوري لبحوث السياسات، دمشق-سوريا، 2017: ص6.
[5] لعل من الانتقادات التي يمكن توجيهها -بحق- لهذه الأدوات المرتبطة بالدولة الحديثة أنها سكونية إلى حد كبير، لا تميز بين مجتمع مستقر بإمكانيات كبيرة، ومجتمع ضعيف مشتت لم يخرج بعد من حرب مزقته. فصحيحٌ أن المزج بين هذه الأدوات قد يكون هو “الخلطة” التي تناسب كل سياق على حدة، ولكن قد يكون الأمر بحاجة للتفكير بأدوات خاصة بالمجتمعات والدول التي عانت من نزاعات طويلة، كما هو الحال في سوريا والعراق ولبنان.
[6] د. بشير زين العابدين، إدارة المشاريع السياسية، مركز شارك، 2020: ص332.
[7] بلقاسم مربعي، اليات إدارة التعددية الاثنية ودورها في إدارة الدولة (دراسة في النموذج الماليزي)، الجزائر، جامعة محمد خضير بسكرة، رسالة ماجستير تخصص علاقات دولية واستراتيجية، عام 2014 – 2015: ص 92 وما بعدها.
[8] قد يعترض البعض بأن آليات تقاسم السلطة تركز على البعد السياسي أكثر من تركيزها على الأبعاد الثقافية أو الاجتماعية مثلاً، ولكن قد تكون هذه الأدوات بالأساس ذات طابع سياسي، على اعتبار أن الأدوات الاجتماعية والثقافية مرتبطة أكثر بالتعليم والمناهج والأسرة.
[9] تستند هذه الآليات إلى مفهوم الديمقراطية التوافقية الذي يُعد شكلاً من أشكال ممارسة السلطة في البلدان المتنوعة مجتمعياً، التي تعاني من ضعف في الوحدة الوطنية وتواتر في الأزمات السياسية، لذا فإن عملية إشراك جميع المكونات المجتمعية “الأغلبية والأقلية” في صنع القرار السياسي يُعد حسب مؤيدي هذا الشكل من الديمقراطية ضمانة لعدم الانزلاق في مواجهات وحروب أهلية، مما يؤدي إلى تحقيق التكامل والاندماج المجتمعي.
للتوسع يُنظر: د. عياد محمد سمير، الديمقراطية التوافقية، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، المجلد 1 العدد 1، جانفي 2013، شوهد في: 5-4-2022.
[10] تتبع الصين إجراءات قسرية عبر التغيير الديموغرافي والإبادة الجسدية والثقافية ضد أقلية الإيغور المسلمة، والأمر ذاته ينطبق على روسيا سابقاً في تعاملها مع الأقليات.
يُنظر بخصوص انتهاكات الصين بحق أقلية الإيغور: “القضاء على الفيروسات الإيديولوجية”: حملة الصين لقمع مسلمي شنيجيانغ، هيومن رايتس ووتش، سبتمبر/أيلول 2018، وحنان صبحي عبد الباقي حسن، مشكلة الإيغور وأبعادها الجيوبولتيكية من المنظور الصيني، المركز الديمقراطي العربي، 16-7-2018، شوهد في: 15-12-2022.
ويُنظر بخصوص انتهاكات روسيا بحق المسلمين: أحمد عبد الحافظ فواز، المسلمون في روسيا: ما بين الإرث التاريخي والإشكاليات المعاصرة، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 442، كانون الأول/ديسمبر 2015: ص82 وما بعدها.
[11] ثمّة الكثير من التعريفات للسياسات العامة بسبب اختلاف المنطلقات النظرية، منها: “السياسة العامة: هي مجموع التدخلات المقررة من طرف سلطة عمومية قصد حل مشكل يدخل في نطاق اختصاصها”.
يُنظر: د. أمينة سرير عبد الله، محاضرات تحليل السياسات العامة، جامعة محمد بوقرة، كلية العلوم السياسية، 2019-2020، شوهد في: 14-3-2022: ص2 وما بعدها، ومحمد شخير، مفاهيم سياسية: تحديد مفهوم السياسة العامة، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 4-8-2019، شوهد في: 14-3-2022.
ونودّ الإشارة هنا إلى أن البعض قد يعترض على تمييز “السياسات العامة” كأداة متميزة لإدارة التنوع على اعتبار أن ما سبقها من أدوات كالأدوات القسرية وتقاسم السلطة إنما هي شكل من أشكال السياسات العامة؛ ونعتقد أن هذا الأمر دقيق، ولكن تبقى القضية شكلية تقسيمية أكثر منها موضوعية، وهي مرتبطة بمعيار التقسيم الذي لا يكاد يخلو واحد منها من عيوب.
[12] نبيلة سالك، الآليات المؤسساتية لإدارة التعدد الإثني، أطروحة دكتوراة، الجزائر، جامعة باتنة 1، كلية العلوم السياسية، 2015-2016، شوهد في: 14-3-2022: ص 165.
[13] المرجع السابق: ص 155.
في هذا السياق نود التنبيه إلى أن هذه الخطوات تُعد أصلاً في الدولة الحديثة “الأمة” التي يتطلب قيامها استخدام هذه الأدوات من أجل تشكيل بعض جوانب الهوية الوطنية، كقضية اللغة.
[14] إدراج الآليات القسرية ضمن أدوات إدارة التنوع قد يُعد قضية إشكالية، لاسيما وأن بعضها قد يكون غير قانوني وغير أخلاقي، فلابد من التمييز في هذا الصدد بين توصيفها كأداة من جهة، ومشروعيتها ومدى أخلاقيتها من جهة أخرى.
[15] يشير وائل حلاق إلى وجود خمس خصائص رئيسة للدولة الحديثة، هي: تكوين الدولة كتجربة تاريخية محددة ومحلية، وسيادة الدولة، واحتكار الدولة التشريع وما يتعلق بذلك من احتكار ما يُسمى العنف المشروع، وجهاز الدولة البيروقراطي، وتدخل الدولة الثقافي الهيمني في النظام الاجتماعي.
يُنظر في ذلك: الدولة المستحيلة “الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2014، بيروت: ص63.
[16] زين العابدين، إدارة المشاريع السياسية، مرجع سابق: ص332.
[17] لا بد من التنبيه إلى المساهمة المتزايدة للمجتمع المدني في صياغة القوانين في العقود الأخيرة؛ إذ لم يعد هذا المجال حكراً على السلطة بشكل مطلق، وإنما بات يخضع للمشاركة المجتمعية في إعداد القوانين، على سبيل المثال: في تونس جاء في المرسوم رقم 22 لعام 2012 المنشئ لوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في الفصل 5 أن من مهام الوزارة “تنظيم استشارات بخصوص الإطار القانوني للعدالة الانتقالية ُ وسبل تفعيلها وذلك بالتنسيق مع الأطراف الحكوميّة ذات الصلة والمجتمع المدني، واقتراح النصوص القانونيّة في المجال”، حيث أنشئت لاحقاً لجنة فنية مكونة من منظمات المجتمع المدني لتقود فعلياً عملية الحوار المجتمعي في تونس، وقامت بإعداد مشروع لقانون العدالة الانتقالية.
يُنظر: عمر الصفراوي، مسار العدالة الانتقالية في تونس توجه سليم أم فرصة مهدورة، تونس الانتقال الديمقراطي العسير، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2017، شوهد في: 16-12-2022: ص 140 وما بعدها.
[18] من ناحية النصوص القانونية فضلاً عن الممارسات فإن كلاً من “قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة” رقم 93 لعام 1958 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 1330 لعام 1958؛ قد تضمنت مجموعة واسعة من الانتهاكات لحرية واستقلال المنظمات غير الحكومية وفق المعايير الدولية.
[19]  سنتحدث بالتفصيل عن وضع إدارة التنوع عقب الثورة في الفقرة الأخيرة من هذه الورقة.
[20] احتلت بريطانيا شبه جزيرة ملايو عام 1896م واتبعت سياسات أدت لتغيير التركيب السكاني للبلاد؛ حيث استقدمت عمالاً من الهند، وكرّست أسس مجتمع شديد الانقسام ومختلّ مادياً لمصلحة الإثنية الصينية، وتبنّت سياسات تعليمية وإدارية كرست التفاوت في المجتمع، وعليه أصبح المهاجرون هم الطبقة المالية والإدارية، في حين انكفأ السكان الأصليون للزراعة في المناطق الفقيرة، فورثت السلطة بعد الاستقلال معادلة وصفت  بـ”القنبلة”، وقد جاءت أشهر الاضطرابات العرقية عام 1969م تعبيراً عن الخلل الاجتماعي والأزمة بين المالاي والصينيين، حيث اندلعت أعمال عنف كبيرة أدت لمقتل 143 من الصينيين و25 من المالاي وجرح الآلاف، وذلك إثر إعلان نتائج الانتخابات التي حصلت فيها الأحزاب الصينية على نسب كبيرة داخل البرلمان، تبعها مظاهرات فرح للإثنية الصينية استفزت الملاي بهتافاتها، وقد مثلت هذه الأحداث صدمة كبيرة للرأي العام وللحزب الحاكم كونها أخلّت بحالة التعايش الهشّ بين مكونات الشعب المتوارثة منذ أيام الاستعمار البريطاني.
يُنظر: بلقاسم مربعي، مرجع سابق: ص 154وما بعدها، ومحمد شعبان عبد العزيز، القيادة والتنمية السياسية دراسة حالة النموذج الماليزي: مهاتير محمد،  المركز الديمقراطي العربي، 31-1-2022، شوهد في: 5-3-2022.
[21] تتألف التركيبة السكانية في ماليزيا من السكان الأصليين من (البوميبوترا) معظمهم من عرقية الملايو بنسبة 65,1%، والمهاجرين الصينيين بنسبة 26%، والمهاجرين الهنود بنسبة 7.7%، بالإضافة إلى مجموعات أخرى كالأستراليين والتايلنديين والكادزان والأبيان بنسبة 1.2%، وقد وفد المهاجرون تدريجياً منذ أكثر من 600 عام إليها، وأسهم الاستعمار البريطاني بجلب الكثير من الهنود والصينيين للعمل في صناعة القصدير والمطاط، وفصلوهم عن السكان الأصليين.
يدين غالبية السكان بالإسلام بنسبة 60% منهم، ويدين بالبوذية 19.2%، وبالمسيحية 9.1%، وما تبقى يتبعون ديانات ومعتقدات مختلفة.
يُنظر: بلقاسم مربعي، مرجع سابق: ص 145وما بعدها.
[22]  للتوسع يُنظر: المرجع السابق: ص169.
[23] هو التقرير الذي صدر عام  1956 عن اللجنة التي كونها تنكو عبد الرحمن رئيس جبهة الاتحاد بعد فوزها بانتخابات عام 1955، والتي مهدت لاستقلال ماليزيا؛ حيث كُلفت اللجنة ببحث أوضاع التعليم واقتراح أسس تطويره، وكان أبرز ما خلص إليه: أن نظام التعليمي استعماري، وأن الكتب قلما تُؤلف بلغة وطنية.
[24] كان أساس التوافق والتوازن أنه لابد للوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي من أن يكون توازن وتوافق بين الملايو والمكونين الهندي والصيني، بحيث يُتاح للملايو الحصول على حصة عادلة من ثروة بلادهم، وأن تُعطى لهم ضمانات بأن قيادة النظام السياسي ستكون بأيديهم. ولأن الملايو لم يكونوا يملكون إمكانات مادية ذاتية فقد جعل نظام الحكم من مسؤوليته إعطاء مزايا وحوافز للملايو في الاقتصاد والتعليم والعمل الحكومي؛ تتيح لهم مع الزمن السيطرة على جزء معقول من الاقتصاد. وفي الوقت نفسه أعطى النظام ضمانات المواطنة الكاملة للصينيين والهنود، وأكد أن تحسين أوضاع الملايو لن يكون بتعويق أو إضعاف أوضاع غيرهم، وأن غير الملايو يستطيعون المحافظة على ثقافتهم وعاداتهم، وأن تكون لهم مدارسهم التي يستخدمون فيها لغتهم المحلية إلى جانب اللغة الماليزية.
للتوسع يُنظر: محسن صالح، النموذج السياسي الماليزي وإدارة الاختلاف، مركز الجزيرة للدراسات، 21-6-2021، شوهد في: 24-4-2022.
[25] الخيارات الفيدرالية وغيرها من الوسائل للتوفيق بين المجموعات المتنوعة، منتدى الاتحادات الفيدالية، أوتاوا، كندا، دون تاريخ: ص12.
[26] تحالف أكبر حزب للملايو مع أكبر حزب للصينيين وأكبر حزب للهنود، وتطور هذا التحالف ليشكل الجبهة الوطنية التي اتسعت لـ 14 حزباً، بحيث ضمنت أغلبية مريحة دائمة في مجلس النواب، وهذا ما جعل المكونات الرئيسة الثلاث تشعر بأنها موجودة في السلطة.
يُنظر: محسن صالح، مرجع سابق.
[27] يُقصد بنظام حق النقض المتبادل: توفير ضمانات متبادلة للمجموعات العرقية وبالأخص الصغيرة بمواجهة الكبيرة عبر “عدم السماح”، وهو حق إجهاض أي تشريع أو قرار لا يرضاه المكون مالك الحق، وهو ما يسهم في إصدار قرارات توافقية.
أما نظام الفائز الأول (FPTP): فهو يُعد أبسط نظم الأغلبية، حيث يتم استخدامه ضمن دوائر انتخابية فردية، وهو نظام يتمحور حول المرشحين الأفراد؛ إذ يقوم الناخب باختيار واحد فقط من مجموع المرشحين المدرجين على ورقة الاقتراع، وببساطة فإن المرشح الفائز هو الحاصل على أعلى عدد من أصوات الناخبين.
يُنظر: أندرو رينولدز وآخرون، أشكال النظم الانتخابية، ترجمة أيمن أيوب، دليل المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، الطبعة الثانية، 20120: ص53.
[28] قد يعترض البعض بأن استخدام أدوات متعددة لإدارة التنوع يشير إلى نوع من التناقض، لاسيما وأن بعضها قد يظهر وكأنه على طرفي نقيض، ولكننا نعتقد أن الجمع بين هذه الأدوات أمر طبيعي؛ فالحديث هنا عن حزمة أدوات لإدارة التنوع، ومن الطبيعي أن يكون بينها مزج، مع ترجيح واحدة على أخرى، وليس المقصود من تصنيفها إبراز فردانية بعضها أو التناقض فيما بينها بقدر ما هي قضية تصنيفية تراعي معايير محددة تستجيب لطبيعة التنوع في المجتمع؛ فالتصنيفات التي تُورد لمثل هذه الأدوات عادة تكون لها أبعاد معرفية أكاديمية، في حين أنه يمكن الجمع بينها على مستوى التطبيق.
[29] شاروكيسي رامادوراي، ما الذي يجعل الماليزيين منسجمين مع بعضهم رغم اختلافاتهم العرقية؟ بي بي سي، 23-3-2021، شوهد في: 24-4-2022.
[30] على الرغم من عدم حصول حروب أهلية بين مكونات الشعب الماليزي، إلا أن الأحداث العرقية التي حصلت بين الملايو والصينيين وأدت إلى مقتل 143 من الصينيين و25 من الملايو عبّرت عن مدى خوف الملايو على مستقبلهم، في ظل سيطرة الصينيين على الاقتصاد وتزايد نفوذهم السياسي. يُنظر: محسن صالح، مرجع سابق.
[31] المرجع السابق.  
[32] قد يُردّ على هذا الرأي بأن الحاجة لجبر المظالم التاريخية للأغلبية تطلب تطبيق القوانين التمييزية في الحالة الماليزية.  
[33] من ذلك: تقسيم الدوائر جغرافياً، بحيث تُعطَى نسبة تمثيل أعلى للملايو، وفرص نجاح أفضل لمرشحيهم،
يُنظر: محسن صالح، مرجع سابق.
[34] للتوسع في تقييم التجربة يُنظر: محسن صالح، مرجع سابق، وبلقاسم مربعي، مرجع سابق: ص 209 وما بعدها.
[35]  تُعد كندا دولة فيدرالية، وهي دولة ثنائية اللغة، وتتألف من عشر مقاطعات وثلاثة أقاليم، وهي البلد الثاني عالمياً من حيث المساحة الكلية، وأراضي كندا مأهولة منذ آلاف السنين من قبل مجموعات مختلفة من السكان الأصليين، ومع حلول أواخر القرن الخامس عشر بدأت الحملات البريطانية والفرنسية استكشاف المنطقة، ثم استوطنتها. بلغ عدد سكانها ما يقارب 32 مليوناً عام 2006م، وازداد تعداد سكان كندا بين 1990م ــ 2008م بنحو 6.5 مليون، ويعود النمو السكاني لسبب الهجرة؛ حيث تمتلك أحد أعلى معدلات الهجرة للفرد في العالم، وأكبر العرقيات بحسب ما صرّح به السكان: 32% من أصول كندية، ثم الإنجليزية بـ 21% والفرنسية بـ 15.8%، ويلها على التوالي الأسكتلنديون والأيرلنديون، والألمان والإيطاليون والصينيون.
[36] يُعد التعليم في كندا مسؤولية إقليمية “مسؤولية الولايات” من حيث الأصل، ولكن السياسة في تمويل المدارس الدينية تختلف من منطقة إلى أخرى؛ حيث تقوم بعض الولايات مثل أونتروا وألبرتا بتمويل المدارس الكاثوليكية بشكل كامل بنسبة 100%، في حين تقوم ولايات أخرى مثل مونتيبا وكولومبيا البريطانية بتمويل المدارس الدينية جزئياً بنسبة 40-60%، بغض النظر عن نوعها في حال حققت بعض المعايير.
 28 Sep 2008; Kerry Gillespie, Families caught in religious schools funding controversy, Toronto Star, 11 Augustus 2007.
[37] قد يظهر للوهلة الأولى أن انتقاد استخدام الدولة للقوة الخشنة من أجل المحافظة على وحدتها بمثابة انتقاد لهذا الهدف النبيل “المحافظة على وحدة الدولة”؛ ولكن الواقع يفترض التمييز بين الهدف والوسائل، فمنع التفكك هدف نبيل، ولكن ثمة ما يحول دون التفكك بتطبيق مبدأ سيادة القانون وتوزيع السلطة كما في كندا، وثمة مَن يحقق ذلك بسياسات القهر والقوة كما حدث في العراق؛ فالانتقاد هنا للسياسات، وليس لتحقيق الهدف النبيل.
[38] قد يرى البعض أن جميع الديمقراطيات الغربية تحترم حرية الراي في الفضاء العام وليس الأمر خاصاً بكندا فقط، ولكن نعتقد أن الخلاف بين الحالتين هو في السياق والهدف على الرغم من التشابه في التطبيق. حيث أن السياق الكندي باعتباره مرتبط بدولة تتعدد فيها المكونات العرقية والدينية “مجتمع مهاجرين” استطاع توظيف هذه الأداة لتحقيق الاندماج، على عكس الدول الأوروبية العريقة التي قامت بالأساس على مبدأ “الدولة، الأمة”، وكانت حرية الرأي في الفضاء العام هي من القواعد الأساسية التي رافقت تأسيسها.
[39] يراجع: د. وليد عبد جبر، إدارة التنوع الثقافي واستدامة التنمية في المجتمعات الانتقالية “العراق أنموذجاً“، دراسة اجتماعية- تحليلية، مجلة الآداب، العدد 119، كانون الأول/ 2016، جامعة واسط، العراق، ص251 وما بعدها.
[40] يشير بعض الكتاب إلى أن دور كل من إحياء الذكرى والنسيان في تشكيل الهوية الجمعية للمجتمع؛ بحيث يتم التركيز على الأحداث المفعمة وجدانياً، في مقابل العمل على توجيه النسيان فيما يخص السيء منها. كذلك يؤكدون أن الآلام المشتركة توحد الأفراد والمكونات أكثر من الأفراح “ذاكرة الحروب”، ومن ثم فإن الهوية التاريخية تنبني أساساً على ذاكرة المآسي “ذاكرة اليهود الألمان الذين تم نفيهم”.
ينظر: عبد الرحيم الحسناوي، الذكرة والهوية: إضاءة إبستيمولوجية، مركز دراسات الوحدة العربية، 2018، شوهد في: 24-4-2022.
[41] إن تركيز الدراسة على العوامل السياساتية المرتبطة بإدارة التنوع في كندا، لا ينفي وجود عوامل أخرى موضوعية قد تكون مؤثرة في هذا الملف مثل الاستقرار الإقليمية ووفرة الموارد والتنمية الاقتصادية …إلخ؛ فالظواهر الاجتماعية مركبة، كما هو متعارف عليه.
[42] ينظر على سبيل المثال: ماكس وايس، المجتمع والطائفة والأمة: الخطابان الاستعماري والعلمي- الاجتماعي: حول العلويين في سوريا خلال فترتي الانتداب والاستقلال المبكر، بحث منشور ضمن كتاب: العلويون في سوريا، تحرير: مايكل كير- كريغ لاركين، ترجمة: رضوان زيادة، أحمد العبدة، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، 2021، ص85، د. برهان غليون، الهوية الوطنية ضحية العنف وعبادة الشخصية، العربي الجديد، 27-6-2022، شوهد في: 10-13-2022، حسان عباس، إدارة التنوع في سوريا، مبادرة الإصلاح العربي، حزيران/يونيو 2012، ص2.
[43] يعد مفهوم “المجال العمومي” من مفاهيم القرن الثامن عشر، وكان يُقصد به مجموع الناس الذين يجتمعون في مكان عام. ثم عاد ليظهر المصطلح مرة أخرى في عام 1961 عندما أصدر هابرماس دراسته الرائدة والتي جاءت بعنوان “التحول البنيوي للمجال العام”.
[44] Jorgen Habermas, The Structural Transformation of The Public Sphere: An Inquiry into a Category of Bourgeois Society, Translated by: Thomas Burger and Frederick Lawrence, 2nd edition, Cambridge: The MIT Press, 1989, P:30.
[45] نود التنبيه إلى أننا لن نركز في بحثنا على النصوص الدستورية التي وردت حول التنوع السوري وحمايته، على اعتبار أنها بقيت كغيرها من النصوص خاضعة لتفسير السلطة الاستبدادية الحاكمة، لذلك سنكتفي بالإشارة إليها في الحواشي.
[46] بحسب بعض الإحصائيات تتوزع الأقليات العرقية كما يلي: الأكراد 8.5%، والأرمن 4%، والتركمان 3%، وكذلك الشراكسة.
يُنظر: نيكولاس فان دام، الصراع على السلطة في سوريا “الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة، مكتبة مدبولي -القاهرة، الطبعة الإلكترونية الأولى: ص16-17.
[47] د. نائل جرجس، الأقليات في نظام القانون السوري ومبدأ حيادية الدولة، المركز الأوروبي للدراسات الكردية، آب 2020: ص10-11، وهل تفقد سوريا تنوعها الديني والإثني؟ عنب بلدي، 21-1-2021، شوهد في: 10-14-2022.
[48] على سبيل المثال: يمكن المقارنة بين الاحتفال بعيد النيروز بالنسبة إلى الكرد والاحتفال بعيد “الفرح بالله” لدى الطائفة المرشدية؛ فكان العيد الأول ممنوعاً التجمع فيه وإعلانه في الأماكن العامة، حيث كان الكرد يضطرون للخروج خارج المدن للاحتفال به، على عكس العيد الثاني الذي كانت تسمح به السلطة، على الرغم من أن العيدين لم يكونا مدرجين كأعياد رسمية في الدولة.
[49] جرجس، الأقليات في نظام القانون السوري ومبدأ حيادية الدولة، مرجع سابق: ص11، ومجموعة الأزمات الدولية، أكراد سورية: صراع داخل الصراع، تقرير الشرق الأوسط رقم /136/، كانون الثاني 2013: ص5.
[50] حسان عباس، مرجع سابق: ص8.
[51] هنالك اضطراد دستوري سوري في التأكيد على حرية الطوائف في ممارسة شعائرها الدينية، تحديداً المادة 3 في دساتير 1950 و1973 و2012 التي جاء فيها: “تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها؛ على ألا يخلّ ذلك بالنظام العام”.
يُنظر: جرجس، الأقليات في نظام القانون السوري ومبدأ حيادية الدولة، مرجع سابق: ص6 وما بعدها، مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، موقع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، 2019: ص43 وما بعدها.
[52] نود التنبيه هنا إلى أن مختلف الدساتير السورية قيدت حرية ممارسة الشعائر الدينية بعدم الإخلال بالنظام العام، ووفقاً لذلك كان يُمنع مثلاً القيام بالأعمال التبشيرية، وهو ما اعتبره البعض إخلالاً بإدارة التنوع الديني.
[53] ثمّة العديد من الكتابات حول قضية إدارة التنوع على مستوى النصوص القانونية، التي ترى أن هنالك إساءة في إدارة التنوع على مستوى قوانين الأحوال الشخصية، والنظام التعليمي السوري الرسمي.
للتوسع، يُنظر: المرجع السابق: ص6 وما بعدها، ود. نائل جرجس، إدارة التنوع في مجال الأحوال الشخصية في دول المشرق العربي، مبادرة الإصلاح العربي، حزيران/يونيو 2012: ص2 وما بعدها.
ونعتقد أن الدخول في تقييم النصوص القانونية الخاصة بالتنوع السوري يتطلب دراسة منفصلة لاتساع الموضوع وتشعبه في أكثر من مجال قانوني.
يُنظر: روجيه ليسكو، اليزيدية في سوريا وجبل سنجار، ترجمة: أحمد حسن، دار المدى للثقافة والنشر، الطبعة الأولى، 2007: ص243 وما بعدها.
[54] يُنظر: جرجس، الأقليات في نظام القانون السوري ومبدأ حيادية الدولة، مرجع سابق: ص12، وسليمان يوسف، مسيحيو سوريا: الولاء للوطن السوري، الناس نيوز، 17-11-2020، شوهد في: 17-10-2022.
[55] “واصلت الحكومة سماحها للمنظمات غير الحكومية المسيحية الأجنبية بالعمل تحت رعاية إحدى الكنائس الموجودة في البلد منذ فترة طويلة، دون أن تسجّل المنظمة رسمياً لديها. واستمرت في مطالبة المنظمات الإسلامية الأجنبية بالتسجيل والحصول على موافقة من وزارة الأوقاف كي تتمكن من ممارسة نشاطاتها، وواصلت قوات الأمن استجواب هذه المنظمات الإسلامية حول مصادر دخلها واستمرت في مراقبة مصروفاتها، كما واصلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية منع الزعماء الدينيين من العمل كمدراء في مجالس إدارة الجمعيات الخيرية الإسلامية”. التقرير الدولي بشأن الحرية الدينية في سوريا، سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، 10-6-2021، شوهد في: 17-10-2022.
[56] يُنظر: حالة الإعلام وحرية التعبير سوريا 2006، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير SCM، دون تاريخ: ص6.
[57] د. برهان غليون، الهوية الوطنية بين العنف وعبادة الشخصية، العربي الجديد، 27-6-2022، شوهد في: 19-10-2022.
[58] يُنظر: حسن النيفي، عن غياب السياسة لدى المجتمع السوري، تلفزيون سوريا، 2-4-2021، شوهد في: 19-10-2022، ومصطفى المصطفى، من أجل معالجة التصحر السياسي.. من أين نبدأ؟، أورينت نت، 4-8-2022، شوهد في: 19-10-2022.
[59] دستورياً: أشارت الدساتير السورية المتعاقبة إلى حماية وجود الأقليات وعدم التمييز ضدها من خلال النص على المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، كما جاء في المواد: (10) من دستور 1920، و(6) من دستور 1930، و(7) من دستور 1950، و(7) من دستور 1958، و(25) من دستور 1973، و(23) من دستور 2012.  أما بالنسبة إلى حماية الهوية الدينية والثقافية واللغوية فعلى الرغم من وجود اطراد دستوري بالنسبة للحفاظ على التنوع الديني، واحترام الطوائف الدينية؛ إلا أننا لا نجد ذلك بالنسبة إلى الهوية الثقافية واللغوية، مما يعني أن النص الدستوري السوري اقتصر تركيزه على التصريح بحماية التنوع الديني، والاكتفاء بالنصوص العامة التي تتحدث عن المساواة والمواطنة فحسب، في إشارة ضمنية لاحترام التنوع اللغوي والثقافي.
يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، مرجع سابق، ص30 وما بعدها.
[60] يؤكد أحد الآراء أنه ليس المطلوب أن يتحرر المجتمع المدني من عصبياته أو تضامناته الطبيعية المتعددة، الدينية أو المذهبية أو العرقية، التي تعكس واقع الحال، خصوصاً في مجتمعات تقليدية، أو خارجة حديثاً من التقاليد.
يُنظر في هذا الرأي: د. برهان غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الثالثة، 2012: ص16-17.
[61] يُنظر: شمس الدين الكيلاني، مدخل في الحياة السياسية السورية: من تأسيس الكيان إلى الثورة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى، 2017: ص103 وما بعدها.
[62] سنقتصر في ذلك على مطالب “الأقليات” النظرية كما صرّحت بها بعد انطلاق الثورة السورية، ممن هي محسوبة على قوى الثورة والمعارضة؛ على اعتبار أن هذه الأخيرة أصبح أمامها هامش للتصريح بذلك، على عكس تلك المقيمة في مناطق سيطرة نظام الأسد الذي لا يسمح بالاقتراب من هذا الأمر بحكم طبيعته الشمولية. أما فيما يتعلق بالمطالب الفعلية فالأمر يتطلب تحليل سلوك “الأقليات”، وهذا ما سنسعى إليه، بغضّ النظر عن كون هذا السلوك كان قائماً قبل الثورة أم بعدها، وسواءٌ أكانت محسوبة على قوى الثورة والمعارضة أم لا.
[63] كما هو الحال في التجربتين الماليزية والكندية، كما سبق.
[64] كأن يكون للطائفة أو الأقلية حزب سياسي خاص بها أو ميليشيا عسكرية.
[65] يؤيد هذا الأمر ما تم نقله عن القنصل البريطاني عام 1945؛ فقد جاء في رسالته: “لقد أفسد الفرنسيون أبناء الطوائف بإضفاء الحماية عليهم وتفضيلهم على غيرهم، وبالتالي زرعوا في نفوسهم الشعور بالاستعلاء، مما جعلهم يبالغون في المطالبة بحقوقهم أو التعبير عن مظالمهم. وإذا استطاع هؤلاء أن يتخلوا عن هذه المشاعر والتصرف على أساس أنهم مواطنون سوريون بالدرجة الأولى فإنه لن يكون هناك مبرر لشعورهم بالخوف”.
د. بشير زين العابدين، الجيش والسياسة في سوريا: دراسة نقدية، دار الجابية، الطبعة الأولى، 2008: ص66.
[66] ثمة تقسيمات متعددة “للأقليات”، لعل من أبرزها المعيار الذي يعتمد وجود لغة وقيم وتاريخ مشترك لدى الأقلية، أو ما يطلق عليه “التمايز الذاتي”، الأمر الذي يتحقق في “الأقليات” العرقية أكثر من “الأقليات” الطائفية والمذهبية.
يُنظر: غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص24، 38 وما بعدها.  
[67] تتضمن مطالب الأقليات النظرية المتعلقة بالهوية الجوانب الرمزية من الدولة ككل، كالاعتراف بلغة المكون أو الدين أو الثقافة أو العادات والتقاليد، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القيم العامة للدولة، أما المطالب المتعلقة بشكل الدولة فتشمل مطالب الاستقلال الإداري عبر اللامركزية وصولاً للحكم الذاتي، في حين ترتبط المطالب المتعلقة بسياسات النظام ومؤسساته بتوزيع الموارد والتمثيل في الوظائف والمؤسسات.
بلقاسم مربعي، مرجع سابق: ص 77 وما بعدها.
[68] على اعتبار لا توجد آلية واضحة حالياً لتمثيل هذه “الأقليات” فإن الورقة مبنية على افتراض أن الوثائق التي وقعت عليها شخصيات وقوى تنتمي لهذه “الأقليات” تعبّر عن مطالبها، بغضّ النظر عن شرعية هذه القوى والشخصيات ومدى تمثيلها لمطالب هذه “الأقليات”.
[69] نعتقد من الأهمية بمكان النظر إلى مطالب “الأقليات” العملية إلى جانب النظرية؛ لأن ذلك سيقود إلى النفاذ إلى حقيقة المسألة في سوريا، وعدم الاكتفاء بتقديم مقاربات شكلية تتعاطى مع جزء بسيط من المطالب، والذي قد يكون هامشياً إذا ما قُورن بحجم المطالب الفعلية؛ هذا من جهة. ومن وجهة أخرى نعتقد أن إمكانية تعارض المطالب الفعلية والواقعية “للأقليات” مع مقتضى المواطنة قد يدفعها لتغطيتها بمطالب نظرية غير حقيقية.
[70] د. برهان غليون، المحنة العربية: الدولة ضد الأمة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الرابعة، 2015: ص16.
[71] على سبيل المثال: جاء في بلاغ صادر عن اجتماع المجلس الوطني الكردي في سوريا ما يلي: “عدم قبول اعتبار الشعب السوري جزءاً من الأمة العربية”.
 بلاغ صادر عن اجتماع المجلس الوطني الكردي في سوريا،  المجلس الوطني الكردي في سوريا، 4-4-2016، شوهد في: 3-2-2022.
للتوسع في ذلك يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني،  2017، مرجع سابق: ص24 وما بعدها، ود. أحمد قربي، أبعاد التوافق الوطني: قراءة تحليلية في وثائق ائتلافية لقوى الثورة والمعارضة، مركز الحوار السوري، 2-9-2020: ص17 وما بعدها.
[72] جاء في الوثيقة السياسية المرحلية للمجلس الوطني الكردي التي أقرّها المؤتمر الثالث ما يلي: “إن المجلس الوطني الكردي وانطلاقاً من مسؤولياته الوطنية يعمل من أجل: تشكيل هيئة تأسيسية تتكون من جميع المكونات لوضع دستور توافقي جديد للبلاد يضمن: … 2 – فصل الدين عن الدولة”.
يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، مرجع سابق: ص25 وما بعدها، وقربي، أبعاد التوافق الوطني، مرجع سابق: ص27 وما بعدها.
[73] يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، مرجع سابق: ص18 وما بعدها، وقربي، أبعاد التوافق الوطني، مرجع سابق: ص11 وما بعدها.
[74] على سبيل المثال: جاء في مشروع الوثيقة السياسية المرحلية للمجلس الوطني الكردي الذي أقرّه المؤتمر الثالث: ” له الحق -أي المكون الكردي- كل الحق في التمتع إلى جانب تلك المكونات بحقوقه القومية والديمقراطية كافة، وذلك وفق العهود والمواثيق الدولية في هذا الشأن، ومن خلال بناء الدولة الاتحادية (الفيدرالية)”.
مشروع الوثيقة السياسية المرحلية للمجلس الوطني الكردي الذي أقره المؤتمر الثالث، مصدر سابق.
للتوسع في رؤية القوى والائتلافات السورية المعارضة تجاه شكل الدولة السورية يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، مرجع سابق: ص47 وما بعدها، وقربي، أبعاد التوافق الوطني، مرجع سابق: ص29 وما بعدها.
[75] يُنظر: غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص26 وما بعدها.
[76] من الأهمية بمكان التنبيه إلى أن تفكير “السنة” بصفتهم “الأغلبية” بطريقة أقلوية هو نتيجة “للوعي الأقلوي” الذي تكرّس لدى غالبية الأقليات، كما سيأتي توضيحه في الفقرة اللاحقة عن دور المجتمع السوري في فشل إدارة التنوع السوري.
[77] Etienne de Vaumas, Le Dejbel Anasarieh: Etudes de géographie humaine, Revue de géographie alpine, Vol. 48, No. 2 (1960), p.278.
وهو مشار إليه لدى: ماكس وايس، المجتمع والطائفة والأمة: الخطابان الاستعماري والعلمي- الاجتماعي، مرجع سابق: ص95-96.
[78] قد يرى البعض أن نظام الأسد وظّف الطائفة للمحافظة على حكمه، ولكن “الأقلية” قد سايرت الدولة الشمولية لتحقيق البقاء في السلطة.
يُنظر: نادين المعوشي، الأقليات والبناء الوطني في سورية الأسد، سياسات عربية، العدد 48، كانون الثاني/يناير 2021: ص104.
[79] المرجع السابق، ص100.
[80] لا تكاد وثيقة سياسية أو دستورية تخلو من تأكيد مبدأ “دولة المواطنة والمساواة”. للتوسع يُنظر: مركز الحوار السوري، الدراسة البحثية الخاصة بمشروع مبادرة وثيقة التوافق الوطني، مرجع سابق: ص34-35.
[81] المعوشي، مرجع سابق: ص100.
[82] نود التنبيه هنا إلى أن الأدبيات النظرية تشير إلى هذه المقاربات في حالة التنوع العرقي فقط، ولكن من وجهة نظرنا فإن الأمر ينسحب حتى في حالات التنوع الطائفي والديني في حالات محددة، وهي: تلك التي يكون فيها هذا التنوع مصاحباً لاختلافات ثقافية بين المكونات.
[83] سومية محمد علي، جنوب السودان: آليات إدارة التعددية الاثنية وأزمة تحقيق المواطنة (2005-2017)، المركز العربي للبحوث والدراسات، 19-10-2017، شوهد في: 18-6-2022.
[84] من أبرز الانتقادات التي تعرضت لها هذه المقاربة أنها قد تنجح نسبياً في تفسير الصراع بين الدول ذات الإرث الحضاري المتباين، إلا أنها لا تنطبق على العلاقة بين المكونات؛ لعدم وجود حدود ثقافية واضحة تفصل أبناء المكون الواحد، كما أن هذه المقاربة تعجز عن تفسير الصراع الذي ينشأ بين المكونات التي تنتمي إلى ثقافة واحدة.
[85] نبيلة سالك، مرجع سابق: ص 101.
[86] يقول المبشر وليم تومسون، الذي وصف المجتمع في سوريا خلال القرن التاسع عشر: “السنّة يكفّرون الشيعة، وكلاهم يكره الدروز، وثلاثتهم يمقتون النصيرية…. ليس هنالك رابط وحدة مشترك؛ ليست للمجتمع أنساق تحتية مستدامة يمكن أن تنفتح وتعمل للصالح العام، بل عددٌ لا متناهٍ من التشظيات والصدوع والحواجز المفككة التي توقع عامة الناس في اضطراب بائس، وتبقيهم على عداوة متبادلة من كل زاوية تخطر ببال”.
William Thompson, The Land of the Book, T.Nelson & Sons, London, 1861, pp.247-8.
وهو مشار إليه لدى: مايكل كير، “الله، سورية، بشار وبس؟”، مقدمة كتاب: العلويون في سوريا، تحرير: مايكل كير- كريغ لاركين، ترجمة: رضوان زيادة، أحمد العبدة، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، 2021: ص11.
[87] لا بد من الإشارة إلى دور المرجعيات الإسلامية تاريخياً في احتواء أية نزاعات حصلت بين المكونات، كما حصل في أدوراها الإيجابية إبان فتنة 1860 بين الدروز والنصارى.
يُنظر: معاذ الخطيب، دور السياسة الدولية في إثارة النعرات الطائفية والوعي الإسلامي تجاهها (جمعية التمدن الإسلامي نموذجاً)، الشرق العربي، دون تاريخ: ص18 وما بعدها، شوهد في: 15-12-2022.
[88] يُنظر: نيكولاس فان دام، مرجع سابق: ص16، وحسان عباس، مرجع سابق: ص6، ود. ياسر العيتي، المواطنة والهوية بين العقد المشترك والمحفز الحضاري، ورقة مقدمة إلى ندوة “نحو تطوير الخطاب السياسي للثورة”، مركز الحوار السوري، 8-10-2016: ص72.
[89] أشار البعض إلى أن من سمات هذه الفترة تعدد الأحزاب، وإن اعتبرها ظاهرة سلبية بحجة أن ظرف البلاد آنذاك كان يحتاج إلى الوحدة وليس إلى الجدل والخلافات الشخصية. 
يُنظر: محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا “دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب وتطورها بين 1908-1955، منشورات دار الرواد، الطبعة الأولى، 1955: ص78.
[90] “الوعي الأقلوي: وعي جمعي يستحوذ عليه كل عضو في الطائفة الأقلوية، وينشر شفيهاً في الوسط الذي يعيش فيه الفرد “العائلة، المدرسة، الوسط الاجتماعي وحتى السياسي”، ويبدو مختلفاً عن الأيديولوجيا، هذا الوعي يظهر في صورة غير زمنية عن الذات والآخر، وهو مبنيّ على فكرة الاضطهاد المستمر ويقتضي تعويضاً لا ينتهي وانتقاماً أبدياً من التاريخ، وتبرز النخب الطائفية هذه الهوية الذاتية لابتكار سردية تذكارية يتشارك فيها كل أعضاء المكون، إن الفرد الذي لا يتماهى مع إيعاز الذاكرة هذا يمكن اعتباره خارجاً عن الجماعية، إنه وعي مزدوج، يعارض بين الحضارة أو الخير ممثلاً بالأقلية، وبين البربرية “أي الإسلام، والإسلام السني في الحالة السورية”. المعوشي، مرجع سابق: ص101.
[91] “قد ينطبق نظرياً توصيف الحرب الأهلية على ما يجري اليوم في سوريا في سياق وجود أطراف سورية متصارعة في حرب فيما بينها، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الشعب السوري خرج في مظاهرات سلمية كانت تطالب بالإصلاحات والحريات في بلد يحكمه نظام ديكتاتوري منذ خمسة عقود من الزمن”، وبالتالي يكون من الإجحاف توصيف ما حدث في سوريا بأنه “حرب أهلية”.
للتوسع يُنظر: د.حسام الدين درويش، في مفهومي “الحرب الأهلية” و”الثورة” في سوريا، حكاية ما انحكت، 15-3-2020، شوهد في: 4-1-2023، وغياث بلال، هل ما في سوريا اليوم ثورة أم حرب أهلية؟ الجزيرة نت، 8-2-2014، شوهد في: 4-1-2023.
[92] المعوشي، مرجع سابق: ص101.
[93] المرجع السابق، ص103.
نود التنبيه هنا إلى مساواة الكاتبة المعوشي بين إرادة الاستئصال لدى كل من نظام الأسد بوصفه انعكاساً للوعي الطائفي لدى العلويين وتنظيم داعش بوصفه انعكاساً للوعي الطائفي لدى السنة، ونعتقد أن الصوابَ جانبَها للأسباب التالية:
  • ثمّة صمتٌ واضح -إن لم نقل: قَبول- من الجهات الاعتبارية “العلوية” على إرادة الاستئصال؛ فلم يصدر عن أيٍّ منها موقف واضح رافض لهذه السلوكيات، على عكس حالة تنظيم داعش؛ فموقف الجهات الاعتبارية “السنّيّة” المعارضة مثل المجلس الإسلامي السوري وغيره كان واضحاً في إدانة التنظيم واعتباره حالة طارئة لا تمثل “السنّة” بوصفه من الخوارج.
  • إرادة الاستئصال في الحالة “الأقلوية العلوية” كانت موجهة ضد الآخر “السنّي”، بينما في حالة داعش فإن هذه الإرادة كانت موجهة بالدرجة الأولى لمن يفترض أنه يدّعي تمثيلهم “السنّة” قبل الآخر؛ ولذا استهدفت غالبية جرائم التنظيم السنّة أكثر من استهدافها الآخر “الأقلوي” تطبيقاً لقاعدتهم المشهورة “قتال المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي”.
  • مثل السلوك الطائفي لدى “العلويين” تحديداً حالة مستمرة منذ وصولهم للحكم في سوريا وحتى الآن، على عكس السلوك الطائفي لداعش -إذا سلّمنا جدلاً أنه يمثل “السنّة”- الذي يُعد حالة طارئة مستنكرة بشدة من عموم السنة.
  • تشكل الوعي الطائفي لدى غالبية “العلويين” بدلالة ما ذكرناه في الفقرتين 1و3 أعلاه، في حين أن الوعي الطائفي لدى داعش انحصر في فئة أقلوية منبوذة داخل “السنّة”، ولم يكن في فترة من الفترات حالة سائدة ضمنهم.
[94] أشار بعض الباحثين إلى ذلك في تحليلهم على سبيل المثال فشل “الإخوان المسلمين” في مواجهة عنف السلطة نتيجة عدم قدرتهم على حشد “المجتمع السني” لعوامل متعددة، من أبرزها: انقسام هذا المجتمع على نفسه مناطقياً “دمشق حلب، الريف والمدينة”، واقتصادياً “الأرستقراط والملاك والصناعيون من جهة، والفلاحون وأبناء الريف من جهة ثانية”.
يُنظر في ذلك: ريموند هينبوش، علويو سوريا وحزب البعث، بحث منشور ضمن كتاب: العلويون في سوريا، تحرير: مايكل كير- كريغ لاركين، ترجمة: رضوان زيادة، أحمد العبدة، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، 2021: ص147 وما بعدها.
[95] غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص40.
[96] هذا لا ينفي أن النخب التي كانت تمثل الأقليات في المؤتمر السوري العام 1918-1920 لم تنادِ بالدولة الوطنية، بل المقصود هو الإشارة إلى وجود حالة وطنية تشمل جميع المكونات، ليكون المتغير الأساسي الذي طرأ لاحقاً هو الانتداب الفرنسي وسياساته التدميرية لهذه الحالة الوطنية، والتي أسهمت لاحقاً في تكريس “الوعي الأقلوي” لدى بعض الأقليات.
[97] يُشار عادة إلى أن من عوامل نجاح التجربة الماليزية في إدارة التنوع وتحقيق التعايش السلمي الابتعاد عن التأثيرات الخارجية والإقليمية وبؤر الصراع الساخنة، وعن مفاصل التركيز للقوى الكبرى.
يُنظر: محسن صالح، مرجع سابق.
[98] ثمة مَن يرى أن مشكلة “الأقليات” في سوريا نتجت عن عوامل خارجية متعددة، منها: أن أفكار الحداثة الأوروبية التي دفعت السلطنة العثمانية لإعلان المساواة بين الرعايا في الفترة 1856-1858 سمحت للأقليات بالمطالبة بتقديم مطالب من النوع الحديث “الحق في التمثيل، وحق الشعوب في تقرير المصير ..إلخ”، كذلك فإن كل القوى الغربية والإقليمية جمعت واستثمرت جميع ظواهر الزبائنية المحلية، ولاسيما فرنسا التي سمحت لسوريا الواقعة تحت انتدابها بالانتقال من مجتمع طوائف منخرطة في نظام قديم غير متساوٍ إلى مجتمع منقسم بين سنّة وأقليات في إطار رسمي للمساواة.
يُنظر: المعوشي، مرجع سابق: ص99.
[99] لعل التجربة العراقية تثير تساؤلات حول المسؤول عن النظام الطائفي القائم؛ هل هو نابع من إرادة خارجية بحتة أم من ظروف داخلية استغلها الخارج وأقام عليها هذا النظام، أم من السياقين معاً؟
[100] يُنظر: حسان عباس، مرجع سابق: ص8، والخطيب، مرجع سابق: ص5 وما بعدها.  
[101] اختارت الحكومة الفرنسية بإقامتها إقليم حكم ذاتي للعلويين اتباع سياسة أقلوية تنسجم مع تقاليد فرنسا في المشرق، وتقوم على حماية الأقليات المسيحية والحفاظ على روح الانتداب.
يُنظر: ماكس وايس، مرجع سابق: ص92.
[102] أسلم فاروق علي، تكوين مجتمع سورية العلوي، بحث منشور ضمن كتاب: العلويون في سوريا، تحرير: مايكل كير- كريغ لاركين، ترجمة: رضوان زيادة، أحمد العبدة، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، 2021: ص52.
[103] عادة ما يُقابل مصطلح “المجتمع المنغلق أو المغلق” مصطلح آخر معروف ضمن علم الاجتماع والفلسفة، وهو: “المجتمع المفتوح” الذي أصّل له كارل بوبر في كتابه “المجتمع المفتوح وأعداؤه”، حيث يشير هذا المصطلح بغضّ النظر عن تأصيله الفلسفي إلى المجتمع الذي تسوده قيم الحرية والديمقراطية والشفافية، ويكون فيه احترام من قبل السلطة للمجتمع.
يُنظر: حلوز أسماء، مفهوم “المجتمع المفتوح” عند كارل بوبر، رسالة ماجستير، جامعة د. مولاي الطاهر سعيدة، 2016/2017: ص64 وما بعدها.
[104] يُنظر: ماكس وايس، مرجع سابق: ص86، وفاروق علي، مرجع سابق: ص52.
[105] تلقت بعض المجتمعات في أراضي سوريا الكبرى عناية مفرطة من إدارة الانتداب، بغضّ النظر عن العلاقات طويلة الأمد التي ربطت فرنسا بمجتمعات مسيحية معينة في المشرق، تلقت الأقليات الإسلامية المغايرة كذلك، مثل الشيعة الإمامية والدروز والإسماعيليين والعلويين، معاملة تفضيلية (أو على الأقل مختلفة) أيضاً، مقارنة بمسلمي سورية السنّة الذين شكّلوا أكثر من 70% من السكان.
يُنظر: ماكس وايس، مرجع سابق: ص87، وفاروق علي، مرجع سابق: ص50.
[106]  يُنظر: زين العابدين، الجيش والسياسة في سوريا، مرجع سابق: ص88 وما بعدها، وفان دام، مرجع سابق: ص51، وفابريس بالانش، “روح ع الشام يا ابني”: التحولات الديمغرافية العلوية تحت حكم حزب البعث، بحث منشور ضمن كتاب: العلويون في سوريا، تحرير: مايكل كير- كريغ لاركين، ترجمة: رضوان زيادة، أحمد العبدة، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى، 2021: ص109.
[107] نعتقد أنه لا يمكن الحكم بشكل واضح على سياسات السلطة التي تشكلت في ظل الحكم العربي في دمشق 1918-1920 وتأثيرها في إدارة التنوع السوري؛ نظراً لقصر مدتها.
[108] ميشيل سورا، سورية الدولة المتوحشة، ترجمة: أمل سارة، مارك بيالو، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2017، بيروت.
[109] يُنظر: نيكولاس فان دام، مرجع سابق: ص192.
[110]  هي لجنة عسكرية سرية من الضباط البعثيين في الجيش السوري، بدأت عملها في القاهرة سرّاً عام 1960 أثناء الوحدة مع مصر، واستطاعت الوصول للسلطة في سورية إثر الانقلاب الذي نفذته في 8 آذار 1963، واستمرت حتى 13 تشرين الأول 1970 حيث انتهت إثر انقلاب حافظ الأسد واستيلائه على السلطة.
للتوسع حول اللجنة ودورها في سوريا يُنظر: د. سامر علي:  من قضايا التاريخ السوري اللجنة العسكرية في حزب البعث وتدمير الدولة،  المركز السوري، سيزر، 15-8-2020، شوهد في: 5-3-2022.
[111] يُنظر: المعوشي، مرجع سابق: ص107.
[112] أصبحت الصورة النمطية التي طالما روّج لها النظام قبل الثورة وبعدها، وعمل على تكريسها وتخويف “الأقليات” بها في أن حدوث أي تغيير ومشاركة الأغلبية “العرب السنة” في الحكم ستعني: “تحويل سوريا إلى إمارة إسلامية، والفتك بالطوائف بالاستناد إلى مرجعيات سابقة كابن تيمية وغيره”.
يُنظر: المعوشي، مرجع سابق: ص102. ومايكل كير، مرجع سابق: ص16، وستيفان ونتر، مرجع سابق: ص67، 82.  
[113] على سبيل المثال: شبَ صدام حادّ بين دروز السويداء وبدوها في نهايات عام 2000 بسبب خلافات حول الزراعة والمراعي، سقط خلال الصدام ضحايا كثر بين قتلى وجرحى ومهجّرين، وكان للنظام دور كبير في إذكاء الفتنة ذات البعدين الاجتماعي والطائفي؛ إذ إن البدو في غالبيتهم من السنة، وهم بذلك أقلية داخل أقلية أكبر في السويداء، حيث سمح للبدو بالتسلح وارتبط بعض منهم بأجهزة الأمن التي اتبعت منذ السبعينات سياسة زرع الخلافات والتفرقة بين مكونات المحافظة، والحد من التفاعل فيما بينها.
يُنظر: حسان عباس، مرجع سابق: ص10، وأمين العاصي، السويداء سناريو متكرر في افتعال الازمات، العربي الجديد، 6-4-2021، شوهد في:5-3-2022، وتجدُّد الاشتباكات بين البدو والدروز في السويداء، الجزيرة نت، 28-11-2000، شوهد في: 5-3-2022
[114] المعوشي، مرجع سابق: ص104، وحسان عباس، مرجع سابق: ص7-8.
[115] غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص11، والمعوشي، مرجع سابق: ص103-104.
[116]  يُنظر على سبيل المثال: لا مجال للتنفس، القمع الحكومي للنشاط بمجال حقوق الإنسان في سوريا،  هيومن رايتس وتش، 16 تشرين الأول 2007، والعقد الضائع حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد، هيومن رايتس وتش، 16 تموز 2010، وخالد المطلق، كيف حصن الأسد مملكة الرعب، مركز حرمون، 6-2-2021، شوهد في: 6-4-2022.
[117] مثل: معركة ميسلون، وانطلاق الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي والإضراب الستيني ضده.
[118] يُنظر: عبد الرحيم الحسناوي، مرجع سابق.
[119] كحرمانه بقية المكونات من استخدام لغتهم الخاصة في الإعلام.
[120] للتوسع أكثر حول نموذجي الصراع والتوازن في المجتمع يُنظر: عبد جبر، مرجع سابق: ص258-259.
[121]  يُنظر: د. احمد قربي وآخرون، في الإجابة على سؤال ما العمل؟ تصورات لبناء الثقة الاجتماعية بين السوريين، مركز الحوار السوري، مقال تحليلي، تموز 2021.
[122] غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص9.
[123] ميدل إيست آي: المسيحيون السوريون يقولون إن الأسد “أخذهم كرهائن“، الجزيرة نت، 29-4-2021، شوهد في: 6-4-2022، ونورا عامر، المأساة المنسيّة للمسيحيين السوريين…هل الأسد حقاً حامي الأقلية؟ النهار العربي، 10-6-2021، شوهد في: 6/4/2022، وعبد الوهاب بدر خان، نظام الأسد وداعش شريكان في ترهيب الأقليات، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 3-8-2018، شوهد 6-4-2022.
[124] المعوشي، مرجع سابق: ص103-104.
[125] غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص11.
[126] المعوشي، مرجع سابق: ص101.
[127] نقصد بها: المؤسسات التي تتوسط العلاقة بين المواطن/المجتمع والدولة، وتكون خارج السلطة، والتي يمثلها المجتمع المدني بمختلف مكوناته، وحتى الأحزاب والتيارات السياسية. حيث تتصف هذه المؤسسات في الدول النامية بما في ذلك في سوريا بالضعف نتيجة تغول السلطة من جهة، وحالة القطيعة مع الشعب التي فرضت عليها من جهة أخرى. ولذا فإن ضعف هذه المؤسسات يحرمنا من استخدام حزمة واسعة من أدوات إدارة التنوع، أو على الأقل يحدّ من تأثيرها.
[128] حتى عام 1990 كان مجموع الجمعيات القانونية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية والدينية والخيرية لا يتجاوز 504 في القطر كله، أي أقل بـ 150 جمعية قبل عشر سنوات، وحتى عام 2001 ارتفع عدد الجمعيات الأهلية المسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى 540 جمعية، في حين كان عدد الجمعيات والمنظمات في المغرب على سبيل المثال في الفترة الزمنية نفسها /25/ ألف منظمة، وفي مصر /17/ ألفاً.
يُنظر: د. رضوان زيادة، استشراف آفاق الحياة السياسية وقوى المجتمع المدني في سورية، سلسلة أوراق سورية 2025، UNDP، دون تاريخ: ص37.
[129]  هيمن حزب البعث بوصفه “قائداً للدولة والمجتمع” على النشاط المدني والسياسي في المجتمع، وتحولت الجمعيات الأهلية والمنظمات والأحزاب والمؤسسات المدنية إلى أذرع وأدوات للحزب “القائد”، الذي تبنى مفهومه الخاص للمجتمع المدني (القطاع الثالث)  من خلال المنظمات الشعبية المنضبطة تحت لوائه وأهدافه ورؤيته، ومن أبرز هذه المنظمات: منظمة طلائع البعث المؤسسة عام  1974 لتضم الأطفال في المرحلة الابتدائية، واتحاد شبيبة الثورة للمرحلة الإعدادية والثانوية، والاتحاد الوطني لطلبة سورية المؤسس عام 1963، والاتحاد العام لنسائي والاتحاد العام لنقابات العمال والفلاحيين والحرفيين. أما على صعيد النقابات المهنية كالمحامين والأطباء والمهندسين فقد قاومت هذه النقابات نظام الأسد في السبعينات وقادت إضراب آذار 1980 الشهير، لكن نظام الأسد قرّر حلها وإعادة تشكيلها وزجّ بالنقابيين الأحرار في السجون لمدد طويلة، لتصبح منذ ذلك الحين كحال المنظمات والتشكيلات المدنية خاضعه لسيطرة السلطة تماماً.
يُنظر: محمد علي النجار، منظمات المجتمع المدني السوري الجذور والواقع والمستقبل، مقاربات، 79، شوهد في: 6-4-2022، وسلطان جبلي، القطاع الثالث في سورية، دراسة تحليلية لبنيته وأدائه خلال سنوات ما قبل الثورة، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 30-1-2018، شوهد في: 6-4-2022، ومحمد ياسين نجار، في الذكرى الأربعين لإضرابها الشامل ..النقابات المهنية السورية شمعه لن تنطفئ،  الجزيرة نت، 12-4-2020، شوهد في: 6-4-2022.
[130] حسان عباس، مرجع سابق: ص11.
[131] يُنظر على سبيل المثال: زين العابدين، الجيش والسياسة في سوريا، مرجع سابق: ص58 وما بعدها، 89 وما بعدها.
[132] مثل: انتخاب عبد الباسط سيدا (الكردي) رئيساً للمجلس الوطني في 9 حزيران 2012، وفي 9 تشرين الثاني عام 2012م انتخب جورج صبرا (المسيحي) رئيساً، كما كان في رئاسة الائتلاف الوطني شخصيات من الأقلية التركمانية (خوجة) أو المسيحية (صبرا).
[133] باستعراض خمس من الوثائق الائتلافية الصادرة عن قوى الثورة والمعارضة بمختلف توجهاتها، وهي: “وثائق القاهرة، ووثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية والإطار التنفيذي لبيان جنيف 1، وإعلان الوطنية السورية، والرؤية السياسية لجبهة السلام والحرية” نجد حالة توافق شبه كامل حول ثوابت الثورة السورية، كوحدة سوريا واستقلالها ورفض المحاصصة والحفاظ على الهوية الوطنية السورية الجامعة، وأن الانتماء الوطني لسوريا مصدر أساسي للعلاقات بين السوريين، وتوافق نسبي حول كيفية ضمان الخصوصيات الثقافية والدينية لمختلف المكونات.
للتوسع يُنظر: د. أحمد قربي، أبعاد التوافق الوطني، مرجع سابق: ص10 وما بعدها.
[134] يُنظر على سبيل المثال: بيان انشقاق المقدم حسين هرموش، شبكة رصد على يوتيوب، 9-6-2011، شوهد في: 4-8-2022، وبيان تشكيل جبهة تحرير سوريا، يوتيوب، 12-9-2012، شوهد في: 10-4-2022.
وقد أكّد ميثاق الجبهة الإسلامية أن التراب السوري فيه “نسيج متنوع” من الأقليات، وأن حقوقهم مصانة في ظل الشريعة الغراء، وميثاق مجلس قيادة الثورة السورية عبر التركيز على “النسيج الاجتماعي المتنوع الذي ينعم كافة أطيافه بالحرية والعدالة.”  وقد ذكر على لسان روّاد الثورة أن لا تهميش أو إقصاء لأحد في بلد تسوده الحرية والعدالة، وتصريحات الكثير من فصائل الجيش الحر التي تنادي باحترام الإرادة الشعبية لكل السوريين في نظام حكم تعددي بعد سقوط نظام الأسد.
للتوسع يُنظر: خطاب الفصائل السياسي والأيديولوجي: عرض وتطوير، مركز الحوار السوري، 1-12-2015.
[135] الرؤية المستقبلية لفصائل الثورة، مركز الحوار السوري، 1-12-2015، شوهد في: 4-5-2022: ص13.
[136]  ركز المشروع الإيراني في سوريا عبر التغلغل الثقافي بمجموعة من الأدوات الدينية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية والديمغرافية على استهداف الهوية السورية الأصيلة لإرساء هوية بديلة عنها، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الوحدة الوطنية وإثارة الانقسامات الطائفية وإضعاف الدولة لحساب النموذج المليشياوي الذي رسخ في العراق ولبنان واليمن، وتتمثل هذه المخاطر بما يلي: نشر التشييع السياسي على حساب الهوية الدينية السورية، ليس للسنّة فقط بل داخل الطوائف المختلفة كالعلوية والإسماعيلية والدروز، ونشر اللغة الفارسية عبر المراكز التعليمية وداخل المؤسسات المختلفة بما فيها الجامعية، وسعت إلى السيطرة على التنشئة الاجتماعية في سوريا عبر معسكرات الأطفال والأنشطة الطائفية الموجهة ببرامج مختلفة في المنازل والأحياء والمراكز والمدارس.
للتوسع، تُنظر سلسلة إصدارات مركز الحوار السوري الأربع حول التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا، وهي على التوالي:
[137]  أسعد العشي، كيف خَسِرَ المجتمع المدني السوري استقلاليته في حرب الأجندات المتصارعة، مالكوم كير كارينغي، 22-5-2020، شوهد في: 22-12-2021.
[138] للتعرف على عناصر المواطنة بشكل مفصل يُنظر: زياد علاونة، المواطنة، وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، الأردن، دون تاريخ: ص14.
[139] صالح سرية، دور المنظمات غير الحكومية السورية في تعزيز مفهوم المواطنة، منتدى الحوار الشبابي، 22-12-2021، شوهد في: 23-12-2021.
[140] نود التنبيه هنا إلى أن تطبيق مبادئ إدارة التنوع في المجال الهيكلي لمنظمات المجتمع المدني ينطبق فقط على تلك المنظمات التي تتقدم بخطاب وطني، ولا تعد نفسها محصورة بفئة أو طائفة معينة. غير أن ذلك لا يقتضي في المقابل تعميم نفي “التوجه الوطني” على جميع منظمات المجتمع المدني التي تربط نفسها بطائفة أو عرق أو منطقة معينة؛ فالمجتمع المدني هو الميدان الطبيعي لمراعاة الانتماءات القائمة في مجتمعنا.
يُنظر في ذلك: غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص15-16. 
[141]  علي العبد الله، عن طبيعة المجتمع المدني ودوره، العربي الجديد، 31-3-2021، شوهد في: 27-4-2022، ود. عبد الله تركماني ومنذر الشيخ، إعادة بناء المجتمع المدني السوري بعد التغيير، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 5-7-2021: ص16 وما بعدها، 21 وما بعدها، ومقابلة نفّذها فريق البحث مع أحد نشطاء المجتمع المدني السوري وهو عضو سابق في المجلس المحلي لمدينة حلب، بتاريخ 6-4-2022.
[142] أفاد البعض بأن هنالك عدة مشاريع عابرة للمكونات والمناطق ولكن بشكل غير معلن في كثير من الأحيان خوفاً من المخاطر الأمنية، ومنها: برنامج واسع لبناء السلام نُفّذ في عام 2020 وهو مستمر حتى اليوم، ويقوم على دعم قدرات منظمات محلية في 6 مناطق في كل الجغرافيا السورية ضمن مناطق سيطرة مختلفة، ويهدف هذا البرنامج- بحسب ما يدّعي القائمون عليه- إلى خفض النزاعات ضمن المجتمعات المحلية، وبناء جسور التواصل بين المناطق المختلفة، وطرح مواضيع حول المواطنة وسوريا المستقبل والحل السياسي، ودور المجتمع المدني في بناء السلام والأرضية المشتركة بين السوريين.
من مقابلة نفّذها فريق البحث مع أحد نشطاء المجتمع المدني السوري وهو عضو سابق في المجلس المحلي لمدينة حلب، بتاريخ 6-4-2022.
[143] في هذا السياق: نفّذت إحدى المنظمات السورية خلال السنوات الثلاث الماضية مشروعاً تحت مسمى “نادي المواطنين الشباب”، ويضم مجموعة متنوعة من الشباب السوري مقيمين ونازحين، وتم بناء قدراتهم الثقافية والمعرفية عبر مجموعة من التدريبات والجلسات الحوارية لقضايا المواطنة والمناصرة وحقوق الإنسان، وتم دعمهم للقيام بتنفيذ حملات ومبادرات مجتمعية لقضايا تحتاج لتغيير في المجتمع، كمناصرة حق التعليم للإناث، خاصة المهجرات في ريف حلب.
من مقابلة قام بها فريق البحث مع مدير منظمة مدنية في الداخل السوري، بتاريخ 5-4-2022.
[144] على سبيل المثال: تم توجيه الكثير من الخدمات بناء على معايير مناطقية ومصلحية، ومنها ما قامت به إحدى المنظمات مؤخراً في عفرين “غصن الزيتون” بتنفيذ مشروع دمج مجتمعي يهدف لتعزيز التماسك المجتمعي بين مختلف المكونات، لكنها عملياً اختارت مجموعة فرق محلية مجتمعية من لون واحد فقط، وهو لون المنظمة.
المصدر السابق.
[145] يجادل البعض بأنه لا قدرة للنصوص القانونية على تخفيف التنافر الطائفي، وبناء هوية وطنية واحدة.
يُنظر في ذلك: ماكس وايس، مرجع سابق: ص96.
[146] “إن إدارة نظام الأسد لا يمكن البتة أن تكون إدارة صحيحة تجتهد في بناء علاقات مواطنة بين المواطنين والدولة وبين المواطنين بعضهم بعض، وتعمل على خلق نظم التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية دينية كان أم قومية؛ فالنظام الطائفي بهذا المعنى يعمل -على العكس تماماً- على إعادة إنتاج الاختلاف وعلى تعميق التصدعات لأن في ذلك بقاؤه”. حسان عباس، مرجع سابق: ص11.
[147] يُنظر في هذا الرأي: غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، مرجع سابق: ص120.
[148] قد يكون افتقاد التاريخ السوري لأحداث ذاكرة المآسي والآلام المشتركة التي توحّد الأفراد والجماعات أكثر من الأفراح قد فوّت الفرصة على إمكانية استخدام مثل هذه الذكريات لتعزيز التعايش بين المكونات السورية.
يُنظر في دور المآسي في توحيد الأفراد والجماعات: عبد الرحيم الحسناوي، مرجع سابق.
[149] يُنظر: المعوشي، مرجع سابق: ص107.
[150] نصّت الدساتير السورية المتعاقبة على احترام الدولة جميع الأديان، وتكفلها بحرية أداء الشعائر الدينية (المادة 35 من دستور 1973، والمادة 3 من دستور 2012).
يُنظر: التقرير الدولي بشأن الحرية الدينية في سوريا لعام 2020، سفارة الولايات المتحدة في سوريا، 10-6-2021، شوهد في: 6-5-2022.
كذلك نصت المادة (462) من قانون العقوبات السوري على ما يلي: “من أقدم بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 208 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حثّ على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عُوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين”. إلى جانب المادة (463) التي جاء فيها: “يُعاقب بالحبس من شهر إلى سنة: أ- مَن أحدث تشويشاً عند القيام بإحدى الطقوس أو بالاحتفالات أو الرسوم الدينية المتعلقة بتلك الطقوس أو عرقلها بأعمال الشدة أو التهديد”.
[151] هذا مقتضى ما نصّت عليه الدساتير السورية المتعاقبة حول فكرة المساواة في الحقوق والواجبات بين السوريين.
يُنظر: المادتان /9-10/ من دستور 1920، والمادة /6/ من دستور 1930، والمادتان /7-8/ من دستور 1950، والمادتان /8-9/ من دستور 1953، والمادة /7/ من دستور 1958، والمادة /25/ من دستور 1973، والمادة /33/ من دستور 2012.
[152] تدرس نظرية النسق التي بلور معالمها تالكوت بارسونز الأنساق الثلاثة وهي: الثقافة، والشخصية، والنظام الاجتماعي.
يُنظر: إيان كريب، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: د. محمد حسين غلوم، عالم المعرفة، 1999: ص72 وما بعدها.
[153] عبد جبر، مرجع سابق: ص239.
[154] مع التنبيه إلى أن ذلك لا يعني الإقرار بشرعية الجهات التي تحكم المناطق التي تقيم فيها هذه المكونات، أو التطبيع مع الأفراد الذين لديهم سجل في تأييد الإجرام الذي ارتكبه نظام الأسد بحق السوريين؛ كل السوريين.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

باحث مساعد في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى