
إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد الصراعات: دراسة حالة رواندا وإمكانات التطبيق في السياق السوري
تقرير صادر عن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري
تعاني الدول بعد الثورات والصراعات من فوضى شديدة تمتد لسنوات، تؤثر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة، وغالباً ما تُصاب مؤسساتها بالضعف الحاد أو الانهيار الكامل، وقد فشلت كثير من الدول في النهوض بعد تلك الأحداث، ومن الأمثلة على ذلك دولة هايتي؛ التي واجهت اضطرابات متواصلة عقب ثوراتها، تبعتها عمليات اغتيال وفوضى سياسية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية وتدمير مؤسسات الدولة، في وقت استمرت فيه التدخُّلات الخارجية في تعقيد الوضع[1].
في المقابل كان هناك نماذج لدول استطاعت النهوض والتطور بعد أزمات وصراعات الطويلة، مثل: سنغافورة، والأرجنتين، ورواندا، واليابان، وغيرها من الدول التي تمكنت من تجاوز الصعوبات واستعادة الاستقرار بفضل الإصلاحات الجذرية والتخطيط الاستراتيجي؛ مما يبرز إمكانية التعافي والتحول حتى في أعقاب الأزمات الكبرى.
سيتناول هذا التقرير البحثي تجربة رواندا في إعادة بناء مؤسسات الدولة بعد الإبادة الجماعية، بالتركيز على الجهود المبذولة في إصلاح المؤسسات وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة، مع استعراض الدروس المستفادة من هذه التجربة وتطبيقاتها المحتملة في السياق السوري؛ بهدف استكشاف سبل إعادة بناء مؤسسات الدولة فيها.
نبذة عن تاريخ رواندا وحال المؤسسات فيها قبل الحرب الأهلية وبعدها:
رواندا دولة صغيرة في شرق إفريقيا، عُرفت بلقب “أرض الألف تل” نظراً لتضاريسها الجبلية، وقد شهد تاريخها الحديث صراعات عرقيّة حادّة بين قبيلتي التوتسي والهوتو؛ حيث كانت التوتسي تشكل الأقلية الحاكمة، بينما كان الهوتو يشكلون الأغلبية من السكان[2]، وفي عام 1994 شهدت رواندا إبادة جماعية مروعة استمرت لمدة 100 يوم[3]، قُتل فيها ما يقارب 800,000 شخص معظمهم من التوتسي على يد ميليشيات متطرفة من الهوتو، وتُعد هذه الإبادة واحدة من أسوأ المذابح في التاريخ الحديث. انتهى الصراع في رواندا بانتصار الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي، الذي نجح في الإطاحة بنظام حكومة الهوتو المتورطة في الإبادة الجماعية[4]؛ فكانت رواندا بحاجة ماسّة إلى عملية شاملة لإعادة الإعمار في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية [5]، بعد أن تُركت البلاد في حالة من الدمار الكامل، مع تدمير للبنية التحتية وتفشّي الفقر والبطالة[6].
تعرضت المؤسسات الحكومية لدمار شامل بعد الإبادة الجماعية في رواندا؛ حيث تسبّبت الحرب بانهيار البنية السياسية والإدارية، فتم تدمير أو تعطيل معظم الهياكل الحكومية[7]، بالإضافة إلى ذلك فرَّ العديد من الموظفين الحكوميين أو قُتلوا، مما أسهم في تعميق الأزمة، فعلى سبيل المثال: كانت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي شبه فارغة عندما استُؤنف عملها، حيث لم يتبقَّ فيها سوى سبعة موظفين فقط[8]، مما صَعَّب عملية إعادة بناء الدولة، وأدى إلى تراجع الخدمات العامة الأساسية فيها[9].
كما تَقوّضت مصداقية الدولة في رواندا بعد أن شاركت معظم المؤسسات العامة في الإبادة الجماعية، بما في ذلك الجيش والشرطة، بالإضافة إلى الكنائس والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام؛ مما أدى إلى فقدان الثقة في السلطة[10]. في الوقت ذاته تدهور القطاع الزراعي[11]، وانخفض رأس المال البشري بسبب الخسائر الفادحة في القوى العاملة[12]، في حين زادت المديونية الخارجية بسبب تفشي الأمراض وضعف البنية التحتية[13]، كما شكّلت حواجز التجارة الخارجية تحدياً إضافياً واعتمدت البلاد على الطرق البريّة المكلفة نظراً لبُعد الموانئ البحرية للبلدان المجاورة للتصدير والاستيراد[14].
كيف عملت رواندا على إصلاح المؤسسات الحكومية؟
تبنّت رواندا استراتيجية شاملة لإعادة بناء الدولة، تمحورت حول إنشاء مؤسسات حكوميّة عالية الأداء، وقد استند نجاح هذه المؤسسات إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
- العامل السياسي: حيث أدى تركيز السلطة بيد الحكومة إلى تسهيل تنفيذ خططها دون معارضة كبيرة.
- العامل التنظيمي: الذي تجلّى في وجود قيادة فعّالة تعتمد على تحديد مهام واضحة وقابلة للقياس؛ حيث وضعت أهدافاً محدّدة بدقة من خلال معايير وأدوات محدّدة تتيح تقييم الأداء ومدى تحقيق الأهداف. على سبيل المثال: بدلاً من وضع هدف عام مثل “تحسين قطاع التعليم” كان يُحدّد هدف أكثر دقة بمستهدف واضح مثل “رفع نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية إلى 95% خلال خمس سنوات”، بحيث يمكن قياس التقدم من خلال الإحصائيات والبيانات، مما عزّز كفاءة الأداء.
- العامل العابر للحدود: أسهم المجتمع الدولي في إعادة بناء رواندا، من خلال المساعدات المالية لدعم البنية التحتية والخدمات الأساسية، والدعم التقني والاستشاري من منظمات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي لإصلاح المؤسسات وتعزيز الحوكمة، بالإضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية التي ساعدت في تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز الاستقرار والتنمية[15].
أطلقت الحكومة حزمة من الإصلاحات المؤسسية بهدف إعادة بناء الدولة على أسس متينة، سعياً لتجاوز التحديات الراهنة، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية. وفيما يلي أبرز هذه الإصلاحات:
1. إعادة تأهيل الكوادر وتعويض النقص الحاصل:
واجهت رواندا تحدّيات كبيرة في إعادة بناء مؤسسات الدولة وتنمية الاقتصاد بسبب النقص الحادّ في الكفاءات والخبرات، وللتغلّب على هذه العقبات تبنّت الحكومة الرواندية مجموعة من الاستراتيجيات الهادفة إلى إعادة تأهيل الكوادر الوطنية وتعزيز قدراتها، فأطلقت برامج تدريبية مكثفة لتمكين الشباب وتأهيلهم في مجالات رئيسية كالتعليم والصحة والهندسة والإدارة، كما نفّذت برامج لإعادة تأهيل الناجين من الإبادة الجماعية ممن كانوا يشغلون وظائف حكومية، بهدف تطوير مهاراتهم وتحديث معارفهم لمواكبة المتطلبات الجديدة لسوق العمل، إلى جانب ذلك استعانت رواندا بخبراء من مختلف الدول لنقل المعرفة والتكنولوجيا والمساهمة في تدريب الكوادر المحلية؛ مما ساعد في سدّ الفجوة المعرفية الناجمة عن فقدان عدد كبير من المتخصصين، وشكّلت النساء جزءاً أساسياً من استراتيجية التعويض وإعادة البناء، حيث تولّت العديد منهن أدواراً قيادية في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، مما ساعد في سدّ النقص في الموارد البشرية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي[16].
2. إعادة بناء المؤسسات وصنع السياسات:
اتخذت رواندا عدة خطوات استراتيجية لإعادة بناء مؤسساتها وصياغة السياسات العامة بعد الإبادة الجماعية؛ حيث تم الشروع في إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية لتصبح أكثر كفاءة ومرونة[17]، من خلال تصحيح أوجه القصور الإداري، وتوجيه الموارد بشكل أكثر فعالية، فتمّ خلق جيوب من الفعالية ” Pockets of Effectiveness[18]” داخل المؤسسات الحكومية، وهي عبارة عن وحدات وأقسام تتمتع بكفاءة عالية وأداء متميز مقارنة ببقية المؤسسات الحكومية، وقد ساعدت هذه الجيوب في تحقيق نتائج إيجابية من خلال تقديم خدمات أفضل وتنفيذ مشروعات ناجحة، وكانت هذه الوحدات بمثابة نماذج للاحتذاء بها[19]، وقد أدّى نجاحها إلى تحفيز بقية المؤسسات على التحسين والتطوير، كما تم وضع سياسات طويلة الأمد[20] لتحسين البنية التحتية ودعم القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية؛ وذلك لضمان أن تكون الجهود التنموية مستدامة، وتعزّز استقرار الدولة على المدى البعيد[21].
3. مكافحة الفساد:
انتشر الفساد في رواندا قبل الإبادة الجماعية؛ فأسهم في تأجيج الصراعات القبلية وتعميق الانقسامات داخل المجتمع[22]، لكنّه تفاقم خلال فترة الإبادة وما بعدها، وقد أدركت الحكومة الرواندية ضرورة مكافحته فوضعت ذلك في قلب استراتيجيتها، وتبنَّت استراتيجية صارمة من خلال تطبيق “سياسة صفر تسامح”، مع تنفيذ إصلاحات مؤسسية لتعزيز الحوكمة الرشيدة[23]، كما انضمت إلى الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، وأسست هيئات رقابية مثل ديوان المظالم ومكتب المراجع العام، إلى جانب إطلاق حملات توعية لتعزيز دور المواطنين في التصدي للفساد[24].
اعتمدت رواندا نظماً إلكترونية لمراقبة الإنفاق العام بهدف تقليل فرص التلاعب بالموارد المالية[25]، وفي الوقت نفسه تم تطبيق نظام المساءلة بشكل صارم من قبل الحكومة الرواندية نفسها لضمان الشفافية والمحاسبة؛ ففُرضت رقابة فعّالة على أداء المؤسسات الحكومية، وأُجريت مراجعات مالية دورية لمتابعة تنفيذ السياسات والكشف عن أية تجاوزات مالية محتملة[26].
فضلاً عن ذلك، تم تعزيز دور القيادة الحكومية من خلال تنظيم اجتماعات دورية لمتابعة تقدم تنفيذ السياسات وتقييم الأداء الحكومي، كما تم وضع آليات فعّالة لمراقبة السياسات الحكومية لضمان تحقيق الأهداف المرسومة، وتعزيز الشفافية في المستويات الإدارية كافة[27].
بهذا الشكل أصبحت الحوكمة الرشيدة والمسؤولية المؤسسية حجر الأساس في جهود رواندا لمكافحة الفساد؛ مما عزّز من ثقة المواطنين في الحكومة، ورسّخ مبدأ العدالة والمساءلة في الإدارة العامة.
4. الإصلاحات الاقتصادية والتنموية:
نفّذت رواندا مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، التي كانت محورية في بناء مستقبل مستدام؛ إذ ركّزت على استثمار رأس المال البشري عبر تحسين التعليم والرعاية الصحية، كما عزّزت الحكومة التجارة الخارجية من خلال تشجيع الصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية، فقد شهدت البلاد تدفُّقاً كبيراً من الدعم المالي الدولي عقب انتهاء الصراع، واعتمدت سياسة انتقائية في قبول المساعدات الفنية والمالية لضمان فعاليتها وتأثيرها الإيجابي في الاقتصاد الوطني[28].
كما عملت على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا والسياحة، مما أسهم في تحقيق نمو اقتصادي، كما شجّعت الحكومة القطاع الخاص من خلال إنشاء صندوق إعادة التوطين للاستثمارات[29]، الذي يهدف إلى دعم المشاريع الاستثمارية وتعزيز النشاط الاقتصادي في البلاد.
لعبت هيئة تنمية رواندا (RDB) دوراً رئيسياً في تبسيط الإجراءات الاستثمارية عبر تقديم خدمات “المحطة الواحدة”، من خلال تجميع كل الخدمات والإجراءات الضرورية في مكان واحد، بدلاً من إرهاق المستثمرين بالتعامل مع جهات متعدّدة، مما أتاح تسجيل الشركات خلال 24 ساعة وأسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي.
وفي إطار جهودها للقضاء على الفقر المدقع، أطلقت الحكومة الرواندية برنامج “رؤية أومورينجي”(VUP) ضمن استراتيجيتها التنموية، ويهدف البرنامج إلى تعزيز النمو الريفي والحماية الاجتماعية، من خلال تصنيف الأسر الفقيرة وفق قدراتها الاقتصادية، ويتم تصنيف الأسر إلى أربع فئات: غير القادرين على العمل، والباحثون عن فرص تشغيل، وأصحاب الموارد المحدودة، والقادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتي بدعم محدود. يرتكز البرنامج على ثلاث آليات رئيسية: تقديم مساعدات نقدية مباشرة للأسر غير القادرة على العمل، ودعم سبل العيش عبر القروض والتدريب المهني للأسر القادرة على العمل، وتعزيز المشاركة المجتمعية من خلال الأنشطة.
على الرغم من الجهود الاقتصادية والتنموية التي بذلتها رواندا إلا أن البلاد تواجه تحديات تتعلّق بسياساتها التنموية التي تفتقر إلى الشمولية؛ حيث تُركّز هذه السياسات في بعض الأحيان على قطاعات أو فئات معيّنة من المجتمع، مما يؤدي إلى زيادة التفاوت بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وقد يقيّد هذا النهج فرص استفادة كل الفئات من النمو الاقتصادي المستدام، ويشكّل تحدياً أمام تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة في جميع أنحاء البلاد[30].
5. إعادة دمج المقاتلين والمبادرات المجتمعية:
بعد الإبادة الجماعية واجهت رواندا تحديات كبيرة في إعادة دمج المجتمع وإعادة بناء النسيج الاجتماعي، وقد كان دمج المقاتلين السابقين في الجيش جزءاً أساسياً من هذه العملية[31]؛ حيث تم تحويل عقيدة الجيش من الولاء العرقي إلى الولاء للدولة الوطنية، وقامت الحكومة بتطبيق برامج لدمج المقاتلين السابقين في مؤسسات الدولة، كما تم مراعاة الجدارة في التوظيف وليس الانتماء العرقي[32]. إضافة إلى ذلك تم تنفيذ برامج لتعزيز التماسك الاجتماعي تشمل التدريب على المصالحة والمشاركة في تطوير المجتمع، من ضمنها برنامج “أوموجاندا”؛ وهو ممارسة مجتمعية تُقام آخر سبت من كل شهر في رواندا، يشارك المواطنون في العمل الجماعي لخدمة المجتمع، مثل: بناء الطرق، وتنظيف الأماكن العامة، وبعد ذلك يتم عقد اجتماع لنقل القوانين وجمع ردود الفعل حول السياسات والمشاريع المحلية؛ مما يعزّز المشاركة المجتمعية، ويُسهم في تحسين مستوى الخدمات الحكومية وتطوير سياسات تتماشى مع احتياجات المجتمع[33].
قطعت رواندا أشواطاً كبيرة في إصلاح مؤسساتها الحكومية وإعادة بناء دولتها بعد الإبادة الجماعية من خلال رؤية قيادية حازمة، وإصلاحات مؤسسية شاملة، وجهود متواصلة لمكافحة الفساد، فنجحت رواندا في تحقيق نموّ اقتصادي ملحوظ، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومع ذلك لا يزال الطريق أمامها طويلاً، حيث تواجه تحديات مستمرة في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
6. إعادة بناء القطاعات الرئيسية في الدولة:
عملت الحكومة الرواندية على تنفيذ سلسلة من الإصلاحات في مختلف القطاعات بهدف استعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وقد شكلت الإصلاحات التي تم تبنّيها في قطاعات مثل الصحة والتعليم والزراعة جزءاً محورياً من استراتيجيتها لتحسين الخدمات الأساسية ورفع جودة الحياة للمواطنين.
إصلاحات القطاع الصحي:
شهد القطاع الصحي في رواندا إصلاحات مهمة بعد الإبادة؛ فقد تبنّت الحكومة استراتيجيات فعّالة لتحسين الرعاية الصحية، ومن أبرز هذه الإصلاحات:
- تطوير نظام التأمين الصحي المجتمعي :أدخلت رواندا نظام التأمين الصحي المجتمعي الذي يتيح للمواطنين -خاصة في المناطق الريفية- الحصول على رعاية صحية بأسعار معقولة عبر اشتراكات صغيرة، مما يضمن العدالة الاجتماعية في الوصول إلى الرعاية الصحية[34].
- الاستثمار في المراكز الصحية الريفية: أسهم الاستثمار بتحسين المراكز الصحية في المناطق الريفية في زيادة الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وتشمل هذه الخدمات الرعاية الصحية الأولية، والتطعيمات، وعلاج الأمراض المعدية، بالإضافة إلى الاستشارات الصحية. وتُقدَّم هذه الخدمات بأسعار معقولة من خلال نظام التأمين الصحي المجتمعي[35].
- تعزيز الشراكات الدولية: عزّزت رواندا شراكاتها مع منظمات عالمية مثل منظمة الصحة العالمية، مما أتاح لها الحصول على الدعم المالي والتقني لتنفيذ برامج صحية، مثل التطعيم ومكافحة الأمراض المعدية[36].
- بناء القدرات الصحية: تم تدريب العاملين في القطاع الصحي على أساليب طبية حديثة؛ ممّا ساعد في تحسين جودة الرعاية الصحية وتوسيع قاعدة المعرفة للتعامل مع الأمراض المعقدة[37].
تمكنت رواندا من تحقيق تقدم ملحوظ في هذا القطاع؛ مما أسهم في تحسين الوصول إلى الخدمات الطبية، وتقليل الفوارق الصحية بين المناطق الحضرية والريفية. ومع ذلك تواجه البلاد تحديّات عديدة، مثل: نقص الكوادر الصحية المدربة في بعض المناطق النائية، وضغوطات النظام الصحي بسبب زيادة الطلب على الخدمات الصحية نتيجة زيادة عدد السكان وتوسع الالتحاق بالتأمين الصحي[38].
إصلاح القطاع التعليمي:
كان الإصلاح التعليمي جزءاً أساسياً من جهود الحكومة بعد الإبادة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، ومن خلال الإصلاحات التي تم تنفيذها عملت الحكومة على توجيه المساعدات الحكومية والدولية لتحسين البنية التحتية للتعليم[39].
أطلقت الحكومة الرواندية “برنامج التعليم الأساسي لمدة 12 عاماً”، وهو مبادرة تهدف إلى ضمان التعليم المجاني والإلزامي لجميع الأطفال، وقد بدأ البرنامج عام 2009 بتوسيع نطاق التعليم الأساسي المجاني من 9 سنوات إلى 12 عاماً، ليشمل التعليم الابتدائي حتى الثانوي.
كما ركّزت الإصلاحات التعليمية في رواندا بشكل كبير على إعادة تأهيل المعلمين وتزويدهم بالأساليب والمناهج الحديثة؛ فتم تخصيص جزء كبير من المساعدات لتدريب المعلمين على أساليب التدريس الحديثة، مما أسهم في رفع جودة التعليم. وفي إطار الإصلاحات تم التركيز أيضاً على الحدّ من التسرّب الدراسي، خصوصاً في المناطق الريفية، وقد تم تبنّي استراتيجيات متنوعة لتحفيز الطلاب على مواصلة التعليم، بما في ذلك تقديم حوافز إضافية، مثل الدعم المالي للأسر ذات الدخل المحدود. كما أطلقت الحكومة برامج توعية تهدف إلى تعزيز فهم أهمية التعليم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية[40]، بالإضافة إلى ذلك عزّزت رواندا استخدام التكنولوجيا في المدارس كأداة تعليمية فعالة، وأولت اهتماماً خاصاً بالتعليم الفني والمهني لتزويد الطلاب بالمهارات المطلوبة في سوق العمل[41].
أسهم تطبيق التعليم الأساسي المجاني في زيادة معدّلات الالتحاق بالمدارس في البلاد؛ مما أدّى إلى تقليص الفجوات الاجتماعية بين مختلف الفئات، وأسهم هذا القرار في تشجيع الأسر على إرسال أطفالها إلى المدارس، مما ساعد في محاربة الأمية وتعزيز العدالة الاجتماعية في التعليم[42].
يمكن اعتبار الإصلاح التعليمي في رواندا نموذجاً إيجابياً في استثمار المساعدات[43] لتحقيق تغييرات جوهرية، من خلال تحسين البنية التحتية، وتدريب المعلمين، وتوفير التعليم المجاني. ورغم النجاح الكبير؛ يواجه النظام التعليمي تحديات، مثل: نقص الموارد، واكتظاظ الفصول، وضعف تدريب المعلمين في بعض المناطق النائية[44].
إصلاح القطاع الزراعي:
تُعد الإصلاحات الزراعية في رواندا جزءاً أساسياً من استراتيجيتها الاقتصادية الشاملة التي تهدف إلى تحسين مستويات المعيشة في المناطق الريفية، وقد شهد القطاع الزراعي في رواندا تغييرات كبيرة خلال العقدين الماضيين؛ حيث تبنّت الحكومة مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج الزراعي وزيادة الأمن الغذائي، ويمكن تلخيص أبرز الإصلاحات التي تبنتها الحكومة الرواندية في هذا المجال فيما يلي:
- تعزيز الزراعة التجارية الصغيرة: من خلال برامج عدة، مثل برنامج تكثيف المحاصيل[45] (CIP)الذي يهدف إلى تحسين الوصول إلى الأراضي والمدخلات الزراعية الحديثة، مثل الأسمدة والبذور المحسّنة، ويركز البرنامج على تحويل الزراعة المعيشية إلى زراعة تجارية لتعزيز الأمن الغذائي[46].
- الإصلاحات في إدارة الموارد المائية لدعم الزراعة: مثل تحسين نظم الري بالتنقيط، وتخزين مياه الأمطار لمواجهة فترات الجفاف، كما تم تدريب المزارعين على تقنيات إدارة المياه المستدامة بهدف تعزيز الإنتاجية الزراعية وتحقيق الاستدامة في ظل التغيرات المناخية[47].
- تحسين وصول المزارعين إلى الأراضي والمدخلات الزراعية الحديثة: مثل الأسمدة والبذور المحسّنة؛ مما عزّز الإنتاجية الزراعية، كما تم تحسين التنظيم والإدارة في التعامل مع الأراضي، وتنظيم الأسواق وسلاسل التوريد[48]، مما ساعد المزارعين على تحسين عائداتهم[49].
- تحسين النظم الغذائية[50]: من خلال استراتيجيات استهدفت تحسين الإنتاج الزراعي وزيادة التوظيف في المناطق الريفية، فكان هيكل نمو النظام الزراعي محورياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل: تقليل الفقر، وتحسين التغذية، وخلق فرص عمل دائمة[51].
- التحوّل الزراعي: أسهم التحضر والتوسع في الأنشطة غير الزراعية في دعم التحوّل الزراعي وتعزيز الاقتصاد الوطني. فقد أدى نمو القطاعات الاقتصادية الداعمة للزراعة، مثل الحرف اليدوية والصناعات الصغيرة، إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة الدخّل، مما ساعد على تقليل الاعتماد على الزراعة التقليدية والتخفيف من تأثير التقلّبات المناخية على المزارعين. كما ساهم توسّع الأنشطة غير الزراعية في المدن في تعزيز قدرة المناطق الريفية على التكيّف مع التغيرات الاقتصادية وزاد مشاركتها في الأسواق التجارية[52].
رغم النجاحات التي حقّقتها الحكومة في هذا المجال فإن القطاع الزراعي في رواندا ما زال يواجه تحديات، منها: صعوبة حصول المزارعين على التمويل اللازم لشراء المدخلات الزراعية الحديثة، بالإضافة إلى تأثيرات التغيرات المناخية التي تشكل تهديداً مباشراً للإنتاج الزراعي؛ مما يستدعي تطوير سياسات زراعية أكثر تكيّفاً مع المناخ. كما أن هناك حاجة إلى تعزيز البحث العلمي والابتكار الزراعي لضمان استدامة الإنتاجية في ظل محدودية الموارد الطبيعية، إضافة إلى أنّ التركيز على الزراعة التجارية _دون تحسين استدامتها البيئية_ يؤدي إلى تدهور الموارد الطبيعية، مما يهدّد الأمن الغذائي على المدى البعيد[53].
ملامح التشابه بين رواندا والحالة السورية تحت النظام البائد:
تُظهر التجربة الرواندية والحالة السورية الحالية عدة أوجه تشابه، خاصة فيما يتعلق بطبيعة الصراع وأسبابه والانقسامات الاجتماعية التي خلّفها، بالإضافة إلى تأثير الصراع في مؤسسات الدولة وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية؛ ففي كل من رواندا وسوريا أدت الحروب والصراعات المدمرة إلى تدمير شبه كامل للمؤسسات الحكومية، مما أسفر عن تدنٍّ كبير في كفاءة الإدارة العامة وزيادة الفجوة بين الدولة والمجتمع.
في رواندا: انتشر الفساد بشكل واسع؛ ففي ظل الفوضى العارمة تم نهب الموارد العامة بشكل مفرط، كما تم استخدام المال العام لتمويل حملات سياسية أو عسكرية بدلاً من تحسين أوضاع المواطنين ، وفي سوريا: تجذّر الفساد بشكل عميق في جميع مستويات الحكومة، بدءاً من المؤسسات الأمنية وصولاً إلى الخدمات العامة، وشمل هذا الفساد عمليات نهب الموارد العامة، فكانت الأموال المخصصة للمشاريع التنموية والخدمية تُحوّل إلى حسابات خاصة أو تُستخدم في دفع الرشاوى للحصول على خدمات أساسية، كما كان الفساد يتغلغل في القطاعات الاقتصادية؛ مما أضعف الاقتصاد الوطني، وأدى إلى تدهور البنية التحتية وانتشار الفقر[54].
وفي كلا البلدَين، كان غياب الشفافية والتدابير الرقابية الفعالة من العوامل الأساسية التي ميّزت الوضع المؤسساتي؛ ففي سوريا استُخدمت المؤسسات الحكومية أدوات للرقابة على الشعب، حيث كانت تُدار الموارد العامة بشكل غير شفاف، مما أدى إلى إخفاء الفساد وتوسيع دائرة المحسوبية. ولأنه لم تكن هناك آليات فعّالة للمساءلة تحوّل فساد المسؤولين إلى سمة بارزة في غالبية القطاعات الحكومي[55]. وبالمثل كانت المؤسسات الحكومية في رواندا تفتقر إلى الشفافية؛ حيث كانت تُستخدم الموارد العامة في خدمة مصالح النخبة الحاكمة، وهو ما جعل غياب الشفافية يشلّ قدرة الدولة في كلا البلدين على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وقد تكرّر في كلا البلدين مشهد عدم وجود آليات فعالة للمراجعة أو الشفافية التي كان من شأنها تعزيز فعالية الحكومة.
ومن المهم أن نلاحظ أن الفساد في كلا الحالتين لم يقتصر على القضايا المالية فحسب؛ وإنما شمل أيضاً تقويض العدالة الاجتماعية والمساواة، ففي كل من سوريا ورواندا كان الفساد يؤثر في قدرة المواطن العادي على الحصول على حقوقه الأساسية، مثل التعليم، الرعاية الصحية، والعمل؛ ففي غياب الإصلاحات الفعّالة يصبح الفساد أحد أكبر العوائق التي تحول دون استعادة الثقة في المؤسسات الحكومية وفتح آفاق للتنمية الشاملة.
وكما هي حال القطاعات المختلفة في رواندا تعرّض أغلب القطاعات الحيوية في سوريا -مثل التعليم والصحة- إلى تدهور كبير نتيجة الدمار الواسع وفقدان الكوادر المؤهلة؛ ففي قطاع التعليم تأثرت المنظومة التعليمية في سوريا بشكل كبير عقب اندلاع الثورة، حيث فقدت البلاد العديد من المعلمين بسبب النزوح أو السفر أو الاستقالة، مما أدى إلى نقص حاد في الكوادر التدريسية. كما تعرضت العديد من المدارس والمرافق التعليمية للتدمير أو التضرر، مما أثر سلبًا على قدرة الطلاب على الوصول إلى تعليم منتظم، هذا الوضع أسهم في تدهور جودة التعليم بشكل ملحوظ، إذ يواجه الطلاب صعوبة في الحصول على تعليم ذي جودة عالية بسبب نقص الموارد والكوادر المؤهلة[56]، كما أن الحرب أثرت على أخلاقيات مهنة التعليم، حيث تراجع التزام المعلمين بالقيم الاجتماعية والمهنية[57]، إضافة إلى ذلك، تعطّل تعليم الأطفال بسبب النزوح وانعدام الأمن، حيث ترك الكثير من الطلاب المدارس، مما يزيد من تعقيد الوضع ويستدعي استراتيجيات عاجلة لإعادة بناء النظام التعليمي، مثل توفير الموارد، تدريب الكوادر التعليمية، وإعادة تأهيل المنشآت التعليمية المتضررة[58].
أما قطاع الصحة في سوريا؛ فقد تعرّض لتدمير هائل جراء القصف الممنهج من النظام البائد وحلفائه للمرافق الصحية، ما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة[59]، إضافة إلى نقص حاد في الكوادر الطبية بعد اعتقال وفرار الأطباء والممرضين جراء استهدافهم بشكل متعمد[60]، كما تراجع مستوى الخدمات الصحية الأساسية بسبب تدمير البنية التحتية، مما أدى إلى تفشّي الأمراض المعدية وعودة أوبئة مثل شلل الأطفال والحصبة، في ظل ضعف برامج التحصين وتدهور الظروف المعيشية[61]. من جهة أخرى، استمر تدهور القطاع الصحي في مناطق سيطرة الأسد بسبب الفساد وسوء الإدارة، حيث تم نهب الإمدادات الطبية وانتشرت المحسوبيات وارتفعت تكاليف العلاج، بينما انخفضت معايير الرعاية الصحية، كما فاقمت العقوبات والأزمة الاقتصادية نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، مما صعّب على المرضى الحصول على العلاج ورفع أسعار الأدوية بشكل كبير[62].
كما كان الحال في تدهور القطاع الزراعي في رواندا، شهدت سوريا ظروفًا مشابهة أدت إلى خسارة مساحات زراعية واسعة بسبب الحرب، حيث تحولت بعض الأراضي إلى ساحات معارك أو مناطق غير آمنة للزراعة نتيجة انتشار الألغام[63]، بالإضافة إلى ذلك، سيطرت ميليشيات موالية للنظام البائد على العديد من الأراضي الزراعية وفرضت إتاوات على الفلاحين مقابل السماح لهم بالزراعة، مما زاد من معاناتهم[64]، وأدى هذا الوضع -إلى جانب موجات الجفاف المتكررة-[65] إلى تراجع كارثي في إنتاج القمح، الأمر الذي أجبر سوريا على استيراده بكميات ضخمة بعد أن كانت من الدول المنتجة والمصدّرة. كما أسهمت الزيادة الحادة في تكاليف الأسمدة والمبيدات والبذور في دفع العديد من المزارعين إلى ترك الزراعة أو التحوّل إلى زراعات بديلة ذات عوائد أسرع لكنها أقل استدامة، مما عمّق أزمة القطاع الزراعي في البلاد[66].
هذا التداخل بين الفساد والصراع والتغيرات المناخية جعل القطاع الزراعي في سوريا عرضة للتدهور الشامل، كما حدث في رواندا، حيث أسهمت هذه العوامل في تعميق أزمة الأمن الغذائي.
إن هذه التشابهات بين التجربتين الرواندية والسورية تُبرز التحديات المشتركة التي تواجه الدول في مرحلة ما بعد الصراع، وتشير إلى إمكانية الاستفادة من التجربة الرواندية في النهوض بعد الصراع؛ فيمكن أن تُشكّل الإصلاحات الجذرية في المؤسسات الحكومية التي نجحت رواندا في تطبيقها نموذجاً يمكن اتباعه في سوريا لتحقيق إعادة بناء الدولة وتعزيز الاستقرار.
أوجه التشابه بين رواندا وسوريا في تأثير الصراع على الدولة والمجتمع | ||
المجال | رواندا | سوريا |
الفساد والحوكمة | الفساد ظاهرة ممنهجة، حيث تم تحويل الموارد العامة لخدمة النخبة السياسية والعسكرية. | الفساد بنية متجذرة في كافة مؤسسات الدولة، حيث تحوّلت الوزارات والإدارات العامة إلى مراكز للمحسوبية والرشاوى. |
غياب الشفافية، وعدم وجود رقابة فعلية على الإنفاق العام. | استيلاء المسؤولين الحكوميين التابعين للأسد على أموال الإغاثة والمساعدات الإنسانية. | |
استغلال المال العام في تمويل ميليشيات مسلحة واستمرار الصراع. | تهريب الأموال إلى الخارج، واستثمارها في عقارات خارج سوريا بدلاً من إعادة إعمار البلد. | |
توزيع المناصب الحكومية والعسكرية وفق مبدأ المحسوبيات، مما أدى إلى تعيين غير المؤهلين في مواقع حساسة. | انتشار المحسوبيات في التعيينات الحكومية، مما جعل الكفاءات خارج دائرة القرار. | |
القضاء أداة في خدمة النظام الحاكم بدلاً من تحقيق العدالة. | استخدام القضاء كأداة لترسيخ السلطة، مما أدى إلى غياب العدالة القانونية. | |
التعليم | نقص حاد في المعلمين، وهجرة واسعة للكفاءات التربوية. | نقص حاد في المعلمين بسبب الاعتقالات والهجرة، مع إحلال معلمين غير مؤهلين موالين للنظام في مواقع التدريس.. |
تدمير المدارس، مما أدى إلى انقطاع أجيال عن التعليم وصعوبة إعادة تأهيل القطاع. | تضرر آلاف المدارس بسبب القصف أو تحولها إلى مراكز عسكرية حرمان الكثير من الاطفال من حق التعليم بسبب ظروف الحرب | |
غياب المعلمين الأكفاء، مما أثّر في جودة التعليم. | انتشار التعليم الموازي المدعوم ، مما أدى إلى تباين في المناهج التعليمية. | |
غياب التمويل اللازم لإعادة بناء البنية التحتية التعليمية. | اعتماد المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد على مبادرات أهلية ومساعدات خارجية لسد الفجوة التعليمية. | |
الصحة | انهيار النظام الصحي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بسبب نقص الأدوية والمرافق الصحية. | استهداف المنشآت الطبية بالقصف، مما أدى إلى تدمير المستشفيات وهروب الكوادر الطبية. |
استغلال المساعدات الطبية من قبل المسؤولين وتحويلها إلى السوق السوداء. | تحكم الأجهزة الأمنية في توزيع الأدوية والمساعدات الطبية أو سرقتها، مما أدى إلى انعدام العدالة في حصول المدنيين على العلاج. | |
ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، مما جعل الخدمات الطبية الجيدة متاحة فقط للأثرياء والمقربين من النظام. | صعوبة الحصول على الرعاية الصحية بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض جودة الخدمات الطبية. | |
الزراعة والأمن الغذائي | تراجع الإنتاج الزراعي بسبب الحرب، مما أدى إلى نزوح الفلاحين نحو المدن. | خسارة سوريا لمساحات زراعية واسعة بسبب الحرب، مع تحول بعض الأراضي إلى ساحات معارك أو مناطق غير آمنة للزراعة بسبب انتشار الألغام. |
انعدام الأمن الغذائي نتيجة تدمير البنية الزراعية، مما جعل البلاد تعتمد على المساعدات الخارجية. | سيطرة ميليشيات موالية للنظام على الأراضي الزراعية، وفرض الإتاوات على الفلاحين مقابل السماح لهم بالزراعة. | |
تفكك شبكات التوزيع، مما أدى إلى تضخم أسعار المواد الغذائية. | تراجع كارثي في إنتاج القمح، مما أجبر سوريا على استيراده بكميات ضخمة بعد أن كانت من الدول المنتجة والمصدرة. | |
ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية، مما أدى إلى عزوف المزارعين عن الزراعة أو اللجوء إلى محاصيل ذات عائد سريع لكنها أقل استدامة. | موجات الجفاف المتكررة، مما أدى إلى تفاقم أزمة القطاع الزراعي وزيادة انعدام الأمن الغذائي |
خاتمة:
يُعد إصلاح القطاع الحكومي في مراحل ما بعد الصراع خطوة جوهرية لا غنى عنها في عملية إعادة بناء الدولة وتحقيق استقرار طويل الأمد؛ فالقطاع الحكومي يشكّل العمود الفقري لأي مسعى تنموي أو إصلاحي يهدف إلى توفير الخدمات العامة الأساسية وتعزيز الحوكمة الرشيد، لكنّ هذا القطاع في حالات ما بعد الصراع يعاني من تحديات جمّة، تشمل انهيار الهياكل الإدارية بشكل عام، وتفشي الفساد الذي يعيق الإصلاحات، فضلاً عن ضعف الكوادر البشرية المؤهلة، والحاجة إلى تمويل كبير لمحاولة النهوض من جديد، ولذا فإن إصلاح الإدارة العامة يُعد جزءاً أساسياً من أية استراتيجية للتحول الوطني، إذ إنّه يسهم بشكل مباشر في تعزيز العدالة الاجتماعية، ويضيّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويضمن تقديم خدمات فعالة للمواطنين.
تكشف تجارب الدول التي نهضت بعد صراعات مدمرة، مثل رواندا، عن أهمية استخلاص الدروس والاستفادة منها في بناء مؤسسات أكثر كفاءة واستدامة ومع ذلك، لا ينبغي استنساخها بشكل حرفي في السياق السوري، بل يجب تكييفها بما يتناسب مع تعقيدات الوضع السوري وخصوصياته، بحيث يتم تبنّي الحلول الناجحة وتطويرها وفقاً للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي القائم.
في حالة سوريا، يتطلب إصلاح القطاع الحكومي إعادة هيكلة المؤسسات؛ بما يتماشى مع مطالب الشعب السوري في تحقيق استقلالية هذه المؤسسات وشفافيتها، وإعادة هيكلتها، وتدريب موظفيها على تقديم الخدمات الأساسية بشكل فعّال، والأهم من ذلك معالجة منظومة الفساد والرشاوى والوساطة المتجذرة فيها، وهو ما يزيد من تعقيد التحديات أمام أية عملية إصلاح.
إن المعنيين بإصلاح القطاع الحكومي في سوريا هم الجهات الحكوميّة الجديدة التي يجب أن تتولى المسؤولية، والمجتمع المدني الذي يُعد شريكاً أساسياً في رسم السياسات العامة ومراقبة تنفيذها، بالإضافة إلى المنظمات الدولية التي يمكن أن تسهم في تقديم الدعم الفني والمالي؛ كما يجب أن يتم هذا الإصلاح بشكل تدريجي ومدروس، مع ضمان أن يشمل المجالات الحيوية كافة، مثل الصحة والتعليم والاقتصاد، بما يضمن تحسين فعالية المؤسسات الحكومية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.