الإصداراتالتقارير الموضوعيةوحدة تحليل السياسات

جريمة زيدل بحمص وتفاعلاتها في الساحل.. قراءة في الرسائل والانعكاسات ومحاولات الاستثمار السياسي

مقدمة:

توتر أمني شهدته بعض مناطق مدينة حمص يوم الأحد 23 نوفمبر 2025 على خلفية جريمة قتل نفذها مجهولون في قرية زيدل جنوبي حمص بحق رجل وزوجته والتنكيل بجثمانيهما وكتابة عبارات طائفية بموقع الجريمة[1]، الأمر الذي دفع أفراداً من عشيرة الزوجين إلى شن هجمات محدودة على بعض الأحياء التي تقطنها أغلبية علويّة في مدينة حمص قبل أن تُرسل قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع قوات إلى المنطقة وتمنع وقوع أي هجمات انتقامية[2].

إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ خرجت احتجاجات لم تخلُ من شعارات طائفية في بعض مناطق الساحل السوري استجابة لدعوى غزال غزال الذي يُصدِّر نفسه كمتحدث باسم العلويين عبر ما يُسمّى بـ”المجلس الإسلامي السوري العلوي في المهجر”[3].

تثير هذه التطورات مجموعة من التساؤلات، خصوصاً أنها تأتي مع استعداد السوريين للاحتفال بالذكرى الأولى لسقوط النظام البائد، فضلاً عن أنها تتزامن مع استمرار انسداد أفق الحلول بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية – قسد” ومطالبة مظلوم عبدي مؤخراً بإشراك ممثلين عن العلويين والدروز في المفاوضات مع دمشق، وكذلك في ظل حالة الاستعصاء المستمرة في السويداء والتدخلات “الإسرائيلية”. ولعل من أبرز هذه التساؤلات:

  • هل حاول الجناة إشعال فتنة طائفية واسعة في سوريا لزيادة الإرباك في المشهد السوري؟
  • ما حدود قدرة غزال غزال على إشعال التوترات في الساحل السوري؟
  • ما أهمية حماية الأمن الداخلي للاحتجاجات رغم شعاراتها الاستفزازية؟
  • إلى أي مدى ترتبط هذه التوترات بالسياقات الداخلية مثل التعثُّر مع “قسد”، وحالة الاستعصاء في السويداء، والتدخُّلات “الإسرائيلية” في جنوب غربي سوريا؟

بناءً على ذلك، يُحاول هذا التقرير تقديم قراءة مختصرة في حيثيات هجوم زيدل والرسائل المرادة منه وانعكاساتها في بعض المناطق بحمص والساحل، ثم يختتم بمجموعة من التوصيات التي قد تُسهم في تعزيز حالة الاستقرار والسلم المجتمعي ومنع الانزلاق إلى موجة من العنف الطائفي.

حيثيات الهجوم والرسائل المرادة منه وطريقة تعاطي الحكومة السورية:

تبدو جريمة قرية زيدل جنوبي حمص أقرب إلى فعلٍ محسوبٍ في اختيار مكانه وطريقة تنفيذه والحاضنة الاجتماعية التي استهدفها، فالتفاصيل المتوافرة حول الجريمة تُشير إلى رغبة واضحة من قِبل الفاعلين في إحداث انفجار مجتمعي بين المكوّنات السورية، إذ تم استهداف زوجين من عشيرة بني خالد التي تُعدّ أحد أكبر العشائر في حمص، ومن ثم كتابة عبارات طائفية بدماء الضحيتين لدفع العشيرة إلى شن هجمات انتقامية ودفع الناس لقراءة الحدث باتجاه مُعيَّن، وهو ما لقي صدى على الأرض عبر هجمات محدودة نفّذها أبناء العشائر على منازل وسيارات في بعض الأحياء التي تقطنها أغلبية علويّة قبل تدخُّل قوى الأمن ومنعها وقوع تجاوزات[4].

وقد بيّنت الداخلية السورية أن الجريمة ذات بُعد جنائي لا طائفي[5]، في تحقيقاتٍ أولية قد يكون المراد منها بالوقت الحالي تهدئة الشارع السوري وخاصة ذوي الضحيتين، لاسيما أنه لم يتم اعتقال الجناة حتى الآن، ولكن مع ذلك فإنه لا يمكن الجزم بأن الجريمة ذات أبعاد طائفية رغم محاولة مُنفّذيها تسويقها بهذا الصدد، إذ يمكن لأي مجرم ارتكب الجريمة أن يكتب ما يشاء من العبارات، ومن الواضح أن اختيار حمص التي تشتهر بتنوّعها الديني وعانت بشكل كبير من المجازر الطائفية التي ارتكبها النظام البائد خلال السنوات الماضية يهدف إلى جرّ المنطقة نحو انتقامات طائفية بحيث تكون الشرارة من حمص وتمتد إلى الساحل، بما يمكن أن يؤدي إلى موجة عنف طائفية تشعل التوترات في المنطقة.

من حيث التوقيت، جاءت الجريمة في الوقت الذي يستعد فيه السوريون للاحتفالات بالذكرى الأولى لسقوط النظام البائد، وكذلك بعد أيامٍ من بدء المحاكمات العلنيّة لمرتكبي الانتهاكات خلال أحداث الساحل ومن بينهم عناصر من فلول النظام البائد[6]، وأيضاً بالتزامن مع بعض النجاحات الداخلية مثل حملات التبرُّع الشعبية، وكذلك زيادة الانفتاح الخارجي على سوريا لاسيما مع الولايات المتحدة وتعزيز شرعية العهد الجديد، ما يفتح الباب أمام الجهات المستفيدة من مثل هذا الحدث.

في ظل هذا المشهد، يبرز موقع فلول النظام البائد بوصفهم الجهة الأكثر مصلحة في إرباك الداخل وإضعاف الثقة العامة، خصوصاً بعد مواصلة وزارة الداخلية اعتقال العشرات منهم وملاحقة شبكاتهم الأمنية طوال الأشهر الماضية، ما أدى إلى تقليص مساحتهم وإضعاف قدرتهم على الحركة واستهداف القوى الأمنية، الأمر الذي يبدو أنه خلق دافعاً لدى بعض تلك المجموعات لافتعال توترات عبر اختيار ضحايا لا يملكون قدرات للدفاع عن أنفسهم.

ويتقاطع ذلك مع عامل آخر يتعلّق بإرباك المشهد السوري عموماً، فهجوم ذو صبغة طائفية في مدينة مثل حمص يحمل القدرة على جعل العلويين يشعرون أن دائرة الخطر تقترب منهم، وهو إحساس لطالما استُخدم سابقاً لتغذية خطاب “الحماية” وفتح الباب أمام دعوات تدخُّل خارجي[7]، فمثل هذا النوع من الأحداث ينفخ في ادعاء المظلومية، ويخلق بيئة تسمح للجماعات المتضررة من المرحلة الحالية بإعادة طرح مطالب “الحماية الدولية” التي صدرت عن بعض الجهات في فترات سابقة؛ سواء في الساحل أو في غيره مثل السويداء[8].

احتجاجات الساحل بعد حادثة زيدل.. توظيف سياسي ومحاولات لإحياء خطاب الحماية:

وفي الوقت الذي التزم فيه ذوو الضحايا بالمسار القانوني[9]، دخل على الخط الشيخ غزال غزال الذي يُقدّم نفسه بوصفه ممثلاً للعلويين عبر ما يُسمى “المجلس الإسلامي السوري العلوي في المهجر”، مُستغلّاً تداعيات حادثة زيدل للدعوة إلى اعتصامات ومظاهرات “سلمية”[10].

وقد وجّه غزال خطابه إلى مختلف “المكوّنات الدينية والعرقية” مطالباً إياها بالوقوف ضد “الظلم والقتل والخطف وتدنيس الحرمات”، وبالدفاع عن “الكرامة المهدورة ورفض القتل الممنهج”، في بيانٍ يحمل إيحاءات واضحة تتهم الحكومة السورية بعدم حماية المكوّن العلوي وتقصيرها في مواجهة “الانتهاكات”، وهو ما يمنح تحرُّكه طابعاً سياسياً يتجاوز رد الفعل الطبيعي على الحادثة الأخيرة ومحاولة توظيف التوتر لخلق انطباع بوجود فراغ في “الحماية”.

 لقيت دعوة غزال استجابةً على الأرض ببعض المناطق في الساحل وحمص، حيث خرجت مظاهرات رُفعت فيها شعارات متعددة مثل تطبيق الفيدرالية و”اللامركزية السياسية”[11]، وشعارات أخرى تنادي بالطائفية في محاولة لاستفزاز مشاعر السوريين، ما أدى لخروج تظاهرات مضادة ومناوشات بين المتظاهرين قبل أن تعمل قوى الأمن على تهدئة الموقف والفصل بين المظاهرتين.

في مناطق أخرى مثل دوار الزراعة؛ أحد الدورات الرئيسية في مدينة اللاذقية أنزل متظاهرون علم الدولة السورية وهتفوا بشعارات مثل “الشعب العلوي واحد”[12]؛ في استثمار واضح للحدث وإحياء مطالب الانفصال والحكم الذاتي، كما رُفِعت شعارات أخرى تطالب بالإفراج عن “المعتقلين”، في إشارة إلى ضباط وفلول النظام البائد الذين تم اعتقالهم؛ سواء في أحداث الساحل أو ممن رفضوا تسليم أنفسهم أو كانوا ضليعين بانتهاكات طيلة سنوات الثورة.

بالمجمل، كشفت الحادثة الأخيرة أن غزال غزال لديه قدرة على تحريك جزءٍ من العلويين في الساحل السوري في محاولة فيما يبدو لاستنساخ نموذج حكمت الهجري في السويداء بشكل تدريجي، إلا أن ردة فعل الحكومة السورية تجاه المظاهرات والشعارات الاستفزازية طوّقت محاولات الجهات الخارجية مثل غزال غزال استثمار الحادثة لتوسيع التوترات وإشعال المنطقة.

ومع ذلك، تكشف هذه الحادثة وجود هوامش يمكن أن يحاول غزال غزال استغلالها مستقبلاً، خاصة بعد أن بدا أن لديه قاعدة محدودة لكنها قادرة على التحرك عند أول حدث يمكن توجيهه نحو خطاب الحماية أو مطالبات الحكم الذاتي بذريعة وقوع انتهاكات.

وفي حين تتركز الأنظار نحو فلول النظام في الساحل السوري، إلا أنه وبشكل عام فإن أي أحداث أو توترات أمنية في المناطق ذات الغالبية العلويّة تأتي في محل استثمار من قبل جهات أقلويّة أخرى تعمل على تعزيز الانقسامات بين السوريين، إذ تحولت الحادثة إلى مادّة جاهزة للاستثمار من منصات موالية لـ “قسد” ولفصائل حكمت الهجري[13]، حيث جرى تضخيم ما حدث وتصويره كدليلٍ على عجز الدولة عن حماية المكوّنات، على الرغم من أن الأجهزة الأمنية تحركت بسرعة وفرضت السيطرة على الأحياء المتوترة خلال الساعات الأولى.

ويتقاطع هذا أيضاً مع تصريحات صدرت مؤخراً عن مظلوم عبدي، دعا فيها إلى إشراك الدروز والعلويين في أي مفاوضات مقبلة مع دمشق[14]، في خطوة تعكس رغبة “قسد” في تقديم نفسها كطرفٍ قادرٍ على تمثيل الأقليات وضمان حقوقها، وأن “قسد” تمتلك موقعاً يمكن من خلاله لعب دور الحماية أو الوساطة.

ومما يُشجِّع من ذلك أن “قسد” سبق أن احتضنت ما وُصِف بمؤتمر تحالف الأقليات في الحسكة بآب الماضي، حيث حاول تشكيل نواة لتحالف أقلوي منظّم يرفع مطالب اللامركزية السياسية، ويُسوّق نفسه محلياً ودولياً كـ “حامٍ للتنوع”[15]، وحينها شارك بالمؤتمر كل من غزال غزال وحكمت الهجري.

ومع بروز شبكة التنسيق والتحالف بين هذه الأطراف الثلاثة (“قسد”، حكمت الهجري، غزال غزال)، يتعزز أيضاً البعد الإقليمي للملف؛ إذ تحضر “إسرائيل” في الخلفية كلاعب يسعى إلى استثمار أي توتر ذي صبغة أقلوية، وبالأخص في الجنوب الغربي، حيث سجلت الأشهر الماضية تمدُّداً إسرائيلياً واضحاً تحت شعار “الحماية” و”منع التهديدات”، ويأتي ذلك في سياق سياسة “إسرائيلية” تقوم على تفكيك البنى الاجتماعية الهشة ودعم مطالب الانفصال أو الإدارة الذاتية لدى بعض المجموعات بهدف خلق بيئات متباعدة ومنقسمة يسهل التأثير عليها[16].

وقد لا تكون “إسرائيل” مهتمة في الأصل بدعم مطالب الفئات الأقلوية، فعلى سبيل المثال تكرّرت حوادث رفع العلم “الإسرائيلي” في السويداء والمناشدات من قبل بعض الجهات فيها بفتح ممر بري، بينما ظلّ الدعم “الإسرائيلي” لفصائل الهجري محكوماً بسياق سياسي أو في سياق المفاوضات مع دمشق على ملفات أخرى، وأحياناً يصبح في سياق عسكري للضغط على دمشق وإقناع الدروز بأن “إسرائيل” تُقدِّم لهم “الحماية” مثلما جرى بحادثة قصف مبنى وزارة الدفاع قبل أشهر.

ومع تراكم هذه العناصر، يصبح استثمار حادثة زيدل في حمص جزءاً من سلسلة أوسع من محاولات دفع الأقليات إلى الشعور بالقلق وإقناعها بوجود فراغ في الحماية الرسمية، ما يفتح الباب أمام مشاريع خارجية -ومنها الإسرائيلية- تحاول إعادة تشكيل الخريطة السورية عبر بوابة الأقليات، لذلك من غير المستبعد أن يلجأ غزال غزال إلى طلب الحماية “الإسرائيلية” والغربية ويُحرك الشارع مجدداً بهتافات طائفية استفزازية، وهنا تبرز أهمية طريقة تعاطي الحكومة السورية مع مثل هذه الأفخاخ.

توصيات لتعزيز الاستقرار والحد من قابلية التوتر الطائفي:

انطلاقاً من المعطيات السابقة وما حملته حادثة زيدل من رسائل ومحاولات لتفجير الأوضاع تبدو الحاجة ملحّة لتطبيق حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تُسهم في تقليص قابلية المناطق للتوتر، ومن أبرز هذه التوصيات:

  • تعزيز الشفافية في مسار التحقيق بجريمة زيدل: وذلك عبر إبقاء مسار التحقيق مفتوحاً للرأي العام بما يُشكّل عاملاً أساسياً في الحد من انتشار الشائعات وفي ذات الوقت يُطمئن ذوي الضحايا.
  • تسليط الضوء عبر وسائل الإعلام المحلية والوطنية على حماية الأمن للمظاهرات في مشهدٍ يُكرِّس ما خرج لأجله السوريون طيلة السنوات الماضية، وفي ذات الوقت لدحض بعض روايات الإعلام الغربي حول تعاطي قوى الأمن الداخلي مع احتجاجات الساحل[17].
  • تعزيز الانتشار الأمني في المناطق المتداخلة طائفياً: ويكون هذا بشكل رئيسي في بعض مناطق حمص والساحل، بما يؤدي إلى تقليل أي احتكاكات أو هجمات حال أي وقوع محاولات استفزاز طائفية، لاسيما مع ما ظهر من قدرة غزال غزال على حشد جزء من الشارع في بعض مناطق الساحل.
  • تفعيل مسار العدالة الانتقالية: تظهر حادثة زيدل وردة الفعل الشعبية تجاهها؛ سواء على الأرض أو في مواقع التواصل أن إطلاق مسار العدالة الانتقالية لم يعد كافياً بحد ذاته؛ بل لا بد من تفعيله والبدء بالمحاسبة وإعلان العقوبات، فكمُّ الجرائم التي تحمل صبغات طائفية من قبل النظام البائد خلال السنوات الماضية يتطلّب آليات واضحة تُعيد الثقة بين السوريين وتمنع استثمار المظالم في إشعال توترات جديدة، ورغم أن الجريمة الأخيرة لم يثبت حتى الآن أن منفّذيها ينتمون إلى مكوّن محدد، إلا أن طريقتها توحي بوجود رغبة في إلباسها طابعاً طائفياً، وهو ما يؤكد الحاجة إلى مسار عدالة قادر على التعامل مع هذا النوع من الجرائم دون أحكام مُسبقة ودون السماح لأي طرف بفرض روايته.
  • مراقبة الخطاب الإعلامي والجهات التي تحض على الكراهية سواء من منصات موالية لفلول النظام أو من جهات أقلوية تستثمر في الهواجس الطائفية، وذلك من خلال توثيق الخطابات المحرِّضة وقطع الطريق على الأخبار المفبركة عبر مواجهتها من خلال وسائل الإعلام الوطنية.
  • استكمال حملات تفكيك شبكات فلول النظام: قد يكون مثل هذا الأمر ضمن أجندة قوى الأمن الداخلي إلا أن زيادة الحملات الأمنية خاصة مع اقتراب ذكرى الثورة قد يشكل أولوية بالوقت الحالي لمنع وقوع أي هجمات تستهدف المدنيين أو القوى الأمنية، بما يُطمئن المجتمع أيضاً بأن هناك تقدماً فعلياً في ملف تفكيك بقايا النظام.
  • تشجيع العلويين على التعاون مع القوى الأمنية: فتعزيز قنوات التواصل بين أبناء الطائفة العلوية ومؤسسات الدولة يُشكِّل خطوة أساسية لحمايتهم ومنع أي جهات إجرامية من استغلال مناطقهم أو اتخاذها ملاذاً، ويُفضَّل أن يجري هذا التعاون بصيغة هادئة وغير معلنة، بما يراعي حساسيتهم ويُجنّبهم أي شعور بالاستهداف أو الخطر من ردود فعل انتقامية محتملة.
  • تعزيز حضور القيادات المجتمعية الوطنية داخل الأقليات: من الضروري العمل على تقوية حضور القيادات المجتمعية العاقلة داخل المكوّنات الأقلوية، وإسناد دور أكبر لها بوصفها مرجعيات محلية قادرة على التهدئة وتخفيف أثر الأصوات الخارجية التي تحاول استثمار الهواجس الطائفية، حيث يساعد ذلك في بناء قنوات ثقة مستقرة بين الدولة وهذه المكوّنات، ويحدّ من قدرة الفاعلين الخارجيين على التأثير في قرارها أو توجيهها نحو مشاريع تفتيتية أو انفصالية.

خاتمة:

تكشف حادثة زيدل وما تلاها أن إدارة التنوع في سوريا ما زالت هشّة وقابلة للاهتزاز عند كل توتر، سواء أكان مصدره جهات داخلية متضررة من التحولات الجارية، أم أطرافاً خارجية تبحث عن مساحات نفوذ عبر تأجيج الانقسامات، ولذلك فإن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا لا يرتبط فقط بقدرة الدولة على ضبط الأمن، بل أيضاً بقدرة الفاعلين المجتمعيين والنُّخب على إنتاج خطاب يحدّ من التطييف ويحاصر محاولات تحويل الاختلافات إلى صراع وجود.

وتُظهر الاستجابات التي رافقت الحادثة، خصوصاً في الساحل، أن سردية “الحماية” التي ترفعها بعض الجهات الأقلوية باتت تتطور من كونها رد فعل إلى محاولة بلورة مشروع سياسي بديل يقوم على فكرة أن المكونات غير قادرة على حماية نفسها إلا عبر هياكل منفصلة أو لا مركزيات حادة أو أقاليم حكم ذاتي، خاصة مع مطالب مماثلة من “قسد” شمال شرقي سوريا ومن الهجري في السويداء.

إجمالا، يبقى مشروع بناء دولة مستقرة تستند إلى سيادة القانون الطريق الأول رغم أنه طويل وشاق ويتطلب سنوات من الإصلاح وبناء المؤسسات وقد يتعثر أو يواجه تحديات، لكنه يظل المسار الوحيد القادر على إنتاج دولة عادلة تُوفّر الكرامة والأمان لجميع السوريين، أما الطريق الثاني فلا يُثمر إلا مزيداً من الدم والتهجير والانقسامات، مستفيداً من الجراح التي خلّفها النظام البائد طوال عقود.


[1] حظر تجوال في حمص إثر مقتل رجل وزوجته وكتابة عبارات طائفية، الجزيرة نت، 23 / 11 / 2025، شوهد في: 25 / 11 / 2025
[3] مظاهرات واعتداءات ومطالب متباينة.. ما الذي جرى في الساحل السوري؟، تلفزيون سوريا، 25 / 11 / 2025، شوهد في: 26 / 11 / 2025
[9] رابط إكس، شوهد في: 26 / 11 / 2025
[10] بعد دعوة الشيخ “غزال غزال” للاعتصام السلمي.. احتقان واستنفار أمني في الساحل السوري، “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، 25 / 11 / 2025، شوهد في: 25 / 11 / 2025
[11] يُنظر مثلاً: رابط فيس بوك، شوهد في: 25 / 11 / 2025
[13] رُصدت في هذا الصدد عشرات المنشورات المضللة في مواقع التواصل الاجتماعي ضمن منصات تروج لـ”قسد” وفصائل الهجري أو فلول النظام البائد تعمل على تضخيم ما جرى في “الأحياء العلوية” بحمص، ينظر مثلاً: رابط فيس بوك: شوهد في:25 / 11 / 2025
[14] عبدي يوسع نطاق المفاوضات مع دمشق لتشمل الساحل والسويداء، middle-east-online، 24 / 11 / 2025، شوهد في: 25 / 11 / 2025
[15] عامر المثقال، مؤتمر “قسد” في الحسكة.. الرسائل والأبعاد والسيناريوهات، مركز الحوار السوري، 12 / 8 / 2025، شوهد في: 26 / 11 / 2025
[16] سبق أن أصدر مركز الحوار السوري تقريرا حول ملامح المشروع الجيوسياسي المعروف باسم “ممر داوود”، مستعرضاً الأبعاد الأيديولوجية لهذا المشروع، والجذور التاريخية التي يستند إليها، وصدى المشروع في الأوساط “الإسرائيلية” وارتباطه بالتطورات على الأرض خاصة بعد أحداث السويداء الأخيرة، كما استعرض الأهداف “الإسرائيلية” من المشروع والتحديات التي تعترضه وسُبل مواجهته، يُنظر:
[17] على سبيل المثال إحدى وسائل الإعلام الغربية الشهيرة زعمت أن قوى الأمن أطلقت النار على المتظاهرين، دون التطرق لطبيعة ما جرى وأن قوى الأمن هي من تعرضت لإطلاق نار وتكسير لبعض السيارات، وفي ذات الوقت استمر الحضور الأمني لحماية المتظاهرين، يُنظر مثلا:

باحث مساعد في مركز الحوار السوري، يعمل ضمن وحدة تحليل السياسات، كتب وشارك في العديد من الأوراق المتعلقة بتحليل سياسات الفاعلين في سوريا، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى