نظرة عامة على أهم الأحداث التي أثرت في القضية السورية في العام 2020
تقرير خاص
لم يحمل العام 2020م المنصرم معه بالنسبة للأحداث في سوريا تغيرات جذرية أو دراماتيكية تغير من طبيعة التوازنات أو السيطرة على الأرض وعلى طاولة التفاوض، ربما باستثناء تغيُّر بعض نِسب السيطرة في إدلب لصالح النظام والمليشيات الموالية له؛ إلا أنه حمل معه كثيراً من التطورات الكبيرة داخل صفوف الفاعلين أنفسهم على مستوى السيطرة والتحكم أو التهميش والإقصاء بشكل متفاوت فيما بينهم. يظهر هذا عند التدقيق مثلاً في التطورات التي حملها النزاع داخل النواة الضيقة بين “أمراء” القصر الجمهوري من عائلة مخلوف وعائلة الأسد، وفي عمليات التفاوض داخل الصف الكردي نفسه وخارج الصف الكردي التي قامت بها “قوات سوريا الديموقراطية: قسد”، وفي النزاعات المسلحة بين “الجماعات الجهادية” الأكثر تشدداً و”هيئة تحرير الشام”.
فعلى المستوى العسكري: تعرضت فصائل عسكرية لقوى الثورة والمعارضة لخسارات ثقيلة؛ إذ تمكّن النظام من السيطرة على عدد من المدن التي شكلت أبرز معاقل الثورة في محافظة إدلب شمال سوريا[1]، وفي الجنوب استمرت حلقات الصراع والتنافس بين الأذرع العسكرية المحلية التابعة لكل من موسكو وطهران في محاولات حثيثة من قبل الروس لإيجاد نفوذ مستقل لهم على الأرض[2]، وفي وسط سوريا شهد النصف الثاني من العام 2020م انبعاثاً جديداً وقوياً للخلايا والجيوب العسكرية التابعة لتنظيم “داعش”؛ حيث شنّ التنظيم حرب عصابات واستنزاف ضد القوافل التابعة للنظام السوري والمليشيات التابعة والموالية له، وكذلك ضد “قسد”[3]، وقد شهدت المناطق التابعة لـ “قسد” شمال شرق سوريا حالة من الهدوء العسكري خلا تجليات عملية التنافس المتمثلة ببعض الاحتكاكات الصغيرة بين مختلف الفاعلين.
وعلى المستوى الدولي: كان لكلٍّ من جائحة كورونا والانتخابات الأمريكية وتعقدات العلاقة بين روسيا وتركيا، إضافة إلى تعنّت النظام السوري المعهود تأثيرٌ في تجميد عمليات الحل السياسي، وعدم وصولها إلى نتائج مقنعة أو حقيقية، رغم عقد جولات جديدة من مسار اللجنة الدستورية المنبثق عن اتفاق سوتشي 2018م[4]، وقد ساهمت هذه أيضاً في ازدياد مساعي تعويم وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد عربياً أو من خلال البوابة الروسية؛ إلا أن هذه المساعي لم تحقق نجاحات تُذكر حتى الآن.
على المستوى الإنساني: كان العام 2020م من أكثر أعوام الثورة قسوةً وشدةً على السوريين في شتى أنحاء البلاد؛ فقد شهدت محافظة إدلب موجات نزوح ضخمة بمئات الآلاف هرباً من قصف الطيران الروسي جوّاً وتقدُّم النظام السوري برّاً[5]، كما لم يَسلم السوريون الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام من الظروف المعيشية الصعبة للغاية، بسبب شحّ المواد الغذائية والحياتية وانهيار الليرة السورية أمام الدولار، ولم يمضِ هذا العام حتى كان 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفق منظمات عالمية[6].
نستعرض في الفقرات التالية عناوين بارزة على مستوى الأحداث وعلى مستوى نشاطات أبرز الفاعلين.
تفاهم موسكو يوقف معركة إدلب ويرسخ فترة الهدنة:
شهدت بداية العام 2020م تصاعداً ممنهجاً في العمليات العسكرية في محافظة إدلب؛ إذ استطاعت قوات النظام مدعومة من الطيران الروسي السيطرة على مساحات واسعة من المحافظة وتهجير عدد كبير من سكانها، مما تسبب بأزمة إنسانية كبيرة، وجلبت هذه العمليات معها تدخلاً تركياً غير مسبوق ضد قوات النظام؛ فقد هاجمت تركيا عشرات الأهداف التابعة له، لاسيما بعد الهجوم الذي تعرض له الجنود الأتراك، مما زاد المشهد تعقيداً ، ودفع الرئيسَين “بوتين” و”أردوغان” لعقد اجتماع طارئ في موسكو وضع حائطاً أمام خطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين البلدين[7].
كانت عمومية البنود التي خرج بها التفاهم تشير إلى كونه اتفاقاً سريعاً هشّاً يهدف إلى التقاط الأنفاس ووقف القتال، ثم الاتفاق بشكل تفصيلي بعد ذلك على أهم القضايا العالقة بين الطرفين، مثل الطرق الدولية واتفاق سوتشي. وقد اجتمعت بعد ذلك عوامل عدة في تثبيت هذا الاتفاق وصموده حتى يومنا الحالي، أهمها قواعد الاشتباك الجديدة التي أرساها التدخل التركي ضد قوات النظام، الأمر الذي تم تعزيزه أيضاً بانتشار عسكري تركي واسع في مناطق استراتيجية؛ فأصبح الوجود التركي في محافظة إدلب أشبه بحائط صدّ وردع ضد قوات النظام[8]، لاسيما مع تغيُّر قواعد الاشتباك بالنسبة لهذه القوات وإمكانية دخول قوات النظام ضمن أهدافها إذا ما رأت أنقرة ذلك. وحتى الآن لا يبدو أن هناك توجهاً روسياً لحملة عسكرية واسعة على الرغم من رغبة النظام السوري بذلك؛ إلا أن احتمالاته تبقى واردة، وتتعلق بشكل أساسي بما ستسير عليها العلاقات بين كل من روسيا وتركيا، وبالدور المتوقع الذي ستلعبه الولايات المتحدة خلال فترة بايدن المقبلة.
تنافس روسي إيراني متصاعد في الجنوب السوري واغتيالات مستمرة:
شكّلت الضربة التي تلقتها إيران باغتيال قائد مليشيا “فيلق القدس” “قاسم سليماني” بداية عام 2020 خسارة رمزية ومعنوية ثقيلة على مستوى القوة العسكرية لإيران، يُضاف إليها تكثيف الاستهداف “الإسرائيلي” للميلشيات الإيرانية في عدد من المناطق، خاصة في الجنوب السوري، والجهود التي تبذلها روسيا منذ عام 2018م لإيجاد نفوذ مستقل لها؛ مما حوَّل منطقة الجنوب السوري إلى ساحة تنافس على النفوذ والانتشار، يبرز فيه دور القوى المحلية بشكل أكبر؛ حيث يتنافس كل من “الفيلق الخامس” المدعوم روسياً و”الفرقة الرابعة” المدعومة إيرانياً في استقطاب أبناء محافظة درعا من أصحاب “التسويات” وتجنيدهم[9]، وقد أدى هذا الصراع إلى سلسلة من عمليات الاغتيال وتفجير العبوات والسيطرة على الحواجز زادت الوضع الأمني في درعا توتراً طوال ذاك العام[10].
“داعش” إلى الواجهة من جديد عبر بوابة البادية السورية:
أدت الضربات القاسية التي تعرض لها تنظيم “داعش” عام 2019م إلى تقويض فاعليته بشكل كبير؛ فقد انحسر وجوده إلى جيوب متفرقة في صحراء البادية السورية، بعد القضاء على آخر معاقله في معسكر الباغوز شمال شرق سوريا، ثم ما ذُكر عن اغتيال رأس التنظيم “أبو بكر البغدادي” متخفياً في ريف إدلب. إلا أن الفراغ الأمني والعسكري الذي سببه تراجع الحشد بعد الإعلان عن انتهاء مهمة قوات التحالف الدولي والانسحاب الأمريكي الجزئي من سوريا، إضافة إلى الظلال التي ألقتها جائحة كورونا على المشهد العالمي والانشغال الكبير بها، وتحوُّل البادية إلى ملجأ لعناصر التنظيم الهاربين من مختلف المناطق التي هُزم فيها؛ كل هذه العوامل أسهمت في ازدياد العمليات العسكرية وتنشيط أسلوب حرب العصابات الذي اتبعه التنظيم[11].
ومع النصف الثاني من عام 2020م شنَّت قوات النظام مدعومة من الطيران الروسي سلسلة من حملات التمشيط والتطهير في مساحات من البادية السورية بحثاً عن خلايا التنظيم؛ إلا أن وتيرة العمليات واستهداف القوافل العسكرية ازدادت بشكل ملفت للنظر، مما دفع الكثير من المراقبين ومراكز الأبحاث للحديث عن “ولادة جديدة ” للتنظيم[12]. ومع الأخذ بعين النظر عوامل الإصرار الأيديولوجي لعناصر التنظيم والقدرة على التكيف مع الظروف الجديدة، إضافة إلى الفراغات العسكرية والأمنية التي تشهدها المنطقة، واستمرار عوامل الاحتقان الطائفي التي يتغذى عليها التنظيم، ومع ما يُعرف من سهولة التوظيف والاستثمار الدولي لمثل هذه الجماعات؛ فإن هذه العوامل مجتمعة تشير إلى إمكانية انبعاث جديد للتنظيم قد يكون أكثر خطورة، وإن كان أقل انتشاراً من ناحية المساحة الجغرافية[13].
شمال شرق سوريا.. بؤرة جديدة للصراعات الدولية والإقليمية:
لم تشهد منطقة شرق الفرات عمليات عسكرية ضخمة أو تحولات جذرية في السيطرة والنفوذ؛ إلا أنها كانت مسرحاً للتنافس المحموم بين القوى الدولية والإقليمية عن طريق الأذرع والفواعل المحلية أو عن طريق التدخل المباشر، وقد شكلت عملية إعادة الانسحاب العسكري الجزئي للولايات المتحدة الامريكية وتبعات عملية “نبع السلام” التركية والاتفاقات التي تلتها بوابة التدخل الروسي في المنطقة، وتمثل في صور متعددة من إقامة النقاط العسكرية، واستقطاب العشائر العربية، وتحريض المكوّن العربي على “قسد” ومشروع “الإدارة الذاتية” المرتبط بها والوجود الأمريكي. وقد سعت موسكو من خلال هذه الممارسات للضغط على “الإدارة الذاتية” ودفعها للتفاوض مع النظام السوري حول مستقبل “الإدارة الذاتية” وشرعيتها. إضافة إلى ذلك فقد استثمرت موسكو التهديدات والتحركات التركية ضد “قسد” للضغط عليها لتسليم هذه المناطق لقوات النظام والدوريات الروسية، كما في حالة بلدة عين عيسى الاستراتيجية[14].
النظام السوري، تصدُّع في النواة الصلبة:
شهد النظام السوري حالات من التصدُّع والخلافات على مستوى الدائرة القريبة من القصر الرئاسي في العام 2020؛ فقد طفت للمرة الأولى إلى العلن الخلافات بين “رامي مخلوف” و”أسماء الأسد”، فيما عدّه كثير من المراقبين انعكاساً للتنافس الروسي الإيراني على النفوذ داخل دائرة الحكم[15]، وقد آلت هذه الخلافات إلى الاستحواذ على موارد “مخلوف” وتوسع نفوذ “أسماء الأسد” وأذرعها الاقتصادية على حسابه. إلى جانب ذلك فقد أرهقت العقوبات الأمريكية وقانون قيصر “القوة الاقتصادية” للنظام السوري، وأسهمت في عرقلة الكثير من تحركاته السياسية والعسكرية[16].
وفي مشهد آخر من مشاهد الصراع على النفوذ داخل دوائر القرار المتصلة بالنظام السوري بدا واضحاً تغلغل الأذرع الإيرانية في انتخابات “مجلس الشعب” السوري التي أجريت منتصف العام، عبر ترشيح العديد من الأسماء المحسوبة على طهران وتربطها بها علاقات اقتصادية وثيقة، وتسعى إيران من وراء هذا التغلغل إلى ضمان دور مستقبلي في بنية المجتمع والدولة يبقي لها هوامش التأثير والتحكم إذا تم الاتفاق دولياً على صيغة سياسية للحل لا تراعي مصالحها، ومع أن هذه الانتخابات البرلمانية لا تحمل أية قيمة شرعية أو مصداقية في التمثيل؛ إلا أن النظام سعى من خلالها لإيصال عدد من الرسائل الداخلية والخارجية، في محاولةٍ منه لتثبيت وجوده وشرعنة حكمه وسيطرته[17].
القوى والفصائل الكردية:
شهد العام 2020م تحركات كثيفة وجولات متكررة من المفاوضات داخل الصف الكردي نفسه وخارجه، رعت الولايات المتحدة الامريكية جولات المفاوضات الداخلية التي تهدف إلى رأب الصدع داخل الصف الكردي، وإلى توسيع دائرة مشاركة الأحزاب والقوى الكردية المختلفة في مشروع “الإدارة الذاتية”، وقد نجح في جولاته الأولى ورشح عنه تشكيل “المرجعية السياسية الكردية العليا”[18]؛ إلا أن القضايا الخلافية الكبرى مثل ارتباط “قسد” بحزب العمال الكردستاني وعودة قواة البيشمركة وغير ذلك، والتي تم تعليقها والتغاضي عنها في الجولات الأولى، شكلت حجر عثرة أمام إتمام هذه الاتفاقات في الجولات التالية وأوصلتها إلى طريق مسدود، ولم يكن الحرص الامريكي الكبير على إنجاح هذه المفاوضات كافياً لحلها، لتبقى تلك المفاوضات معلقة حتى إشعار آخر[19].
وعلى صعيد العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية رعت موسكو اتفاقاً تم توقيعه بين “مسد” الجناح السياسي لـ “قسد” وحزب “الإرادة الشعبية” ممثل ما يُعرف باسم “معارضة الداخل”[20]، وقد عُدّ هذا الاتفاق خطوة للتقارب بين “الإدارة الذاتية” والنظام السوري، ومحاولة روسية لإبعاد “قسد” -ولو قليلاً- عن المظلة الأمريكية، مما يعطيها ثقلاً أكبر على الأرض وعلى طاولة المفاوضات المتعلقة بشأن منطقة شرق الفرات؛ إلا أن هذا الاتفاق يبقى مرهوناً بمستقبل المفاوضات الكردية الداخلية، وبمستقبل مشروع الإدارة الذاتية في ظل الرفض التركي الصارم وضبابية الموقف الأمريكي[21].
الصراع بين”هيئة تحرير الشام” والجماعات “الجهادية” الأكثر تطرفاً:
أدّى اتفاق موسكو الموقع في شهر آذار إلى فترة من التهدئة النسبية شملت محافظة إدلب شمال سوريا، وقد استثمرت “هيئة تحرير الشام” هذه الفترة في القضاء على خصومها من “الجهاديين” المتشددين والرافضين لسلوك التماهي مع الاتفاقات الدولية وإعادة التدوير والتصدير الذي تقوم به “هيئة تحرير الشام”[22]، رغبةً منها في كسب الشرعية والقبول الإقليمي والدولي وفي وضع نفسها داخل مسار الحل السياسي، كما أبدت “هيئة تحرير الشام” في العام 2020م مستوى كبيراً من التناغم مع القرارات والسياسات الدولية، وقدمت نفسها كضامن لتنفيذ الاتفاقات الروسية التركية، وأبدت استعدادها كذلك للتماهي مع الشروط الدولية كما صرح بذلك زعيم “هيئة تحرير الشام” ثم شرعيّها العام[23]. إلا أن الموقف الأمريكي الرسمي من “هيئة تحرير الشام” لم يتغير حتى الآن، وقد أعادت واشنطن إعلانها عن رصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن زعيمها “أبو محمد الجولاني”[24]. ويرى عدد من الباحثين أن التحولات الأخيرة لـ “هيئة تحرير الشام” تفتقد للمصداقية، وأنها أقرب إلى التقلبات البراغماتية المرحلية بهدف الحفاظ على الكيان والنفوذ[25].
قانون قيصر وتذبذات في العلاقات التركية الروسية:
قلَّصت جائحة كورونا التي أربكت الدول من مساحة الاهتمام الدولي بالقضية السورية، كما أن انتخابات الرئاسة الأمريكية والمشاكل الداخلية التي عاشتها الولايات المتحدة حجمت من جهودها في القضية السورية، مما أفسح المجال قليلاً أمام تدخل الفاعلين الآخرين؛ ليمعن النظام بشكل أكبر في عرقلة مسار اللجنة الدستورية وعدم تفعيلها بشكل جدّي، فيما استمرت الولايات المتحدة في تطبيق قانون قيصر وسط استثناءات وثغرات استغلها بعض الفاعلين؛ إذ استمرت “قسد” في تزويد النظام السوري بالنفط[26]، فيما بذلت بعض الدول العربية جهوداً دبلوماسية في تنشيط العلاقات مع النظام السوري على الرغم من العقوبات الأمريكية.
ومن جهة أخرى شهدت العلاقات الروسية التركية توتراً ملحوظاً أسهم كذلك في تعليق الحل العسكري والسياسي بشكل جزئي؛ فقد تصاعد التنافس الروسي التركي في كل من ليبيا وأذربيجان، وتطور بعد ذلك إلى دعم للأطراف المتنازعة في تلك البلدان، مما أدى إلى ربط صراعهما في سوريا بنتائج تلك النزاعات، ومع ذلك فقد حافظَ البلدان على صيغة من العمل والتوافق منعت من الانزلاق إلى مواجهات واسعة النطاق.
المساعي الروسية لقطف الثمار:
وفي مسار دولي وعربي آخر بذلت موسكو العديد من المساعي لإعادة تلميع النظام السوري وإسباغ الشرعية عليه؛ فقد رعت مؤتمر اللاجئين السوريين الذي دعت إليه في دمشق[27]، ودفعت للتقارب العربي مع النظام السوري، في رغبة منها لقطف ثمار انخراطها العسكري ودورها الكبير في تثبيت أركان نظام الأسد ومنع سقوطه بعد إتمام تدخلها في سوريا عامه الخامس، فأبرمت روسيا مع نظام الأسد في سبيل ذلك عدداً من الاتفاقات والشراكات الاقتصادية، وحاولت ضمان حصتها من عقود إعاة الإعمار بعد انتهاء الأزمة.
المشهد الإنساني:
دخلت القضية السورية في العام 2020م عامها العاشر، مع غياب تام لأفق الحل الذي يُنهي المأساة الإنسانية في سوريا، وقد ابتدأ العام بموجة نزوح وتهجير ضخمة سببتها العمليات العسكرية للنظام السوري وغارات الطيران الروسي، وقد زادة أزمة كورونا من مأساوية هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة، مع غياب تام لسبل الوقاية والعلاج وتوجهات الوعي المحلي والشعبي[28].
وتعميقاً للمأساة الإنسانية خاضت موسكو حرباً دبلوماسية دولية أدت في نهاية المطاف إلى تقليص عدد البوابات التي تدخل منها مساعدات الأمم المتحدة للشمال السوري إلى معبر واحد[29]، وأرادت موسكو من هذه المساعي تمكين النظام من الحصول على هذه المساعدات بدلاً من “وصولها إلى الفصائل المتشددة التي تسيطر على شمال سوريا”، في مناورة سياسية تزيد من حجم المعاناة السورية [30].
ولم يكن السوريون في مناطق النظام أفضل حالاً؛ فقد تصاعدت معدلات الفقر والجريمة وغلاء الأسعار، خصوصاً بعد الانهيار الضخم لقيمة الليرة السورية، والخلافات الاقتصادية داخل أروقة النظام التي انتهت بإقصاء “رامي مخلوف” عن المشهد العام، وقد دخلت تلك المناطق في حالة فقدان لأساسيات المعيشة اليومية كالمحروقات والخبز والمواد الغذائية، وأصبح من المعتاد رؤية الطوابير الطويلة عند الأفران ومحطات المحروقات[31]، كما أن الحرائق الضخمة التي طالت مساحات واسعة من الغابات في مناطق الساحل السوري فاقمت الأوضاع المعيشية الصعبة[32].
خاتمة:
ودّعت القضية السورية العام 2020 م وقد تقلصت بشكل كبير مساحات تأثير قوى الثورة والمعارضة وعموم الفاعلين المحليين لصالح القوى الإقليمية والدولية، ودخل مسار الحل السياسي في مرحلة من الجمود، يُبقي الشعب السوري عموماً في أوضاع صعبة، حيث يرزح تحت أوضاع إنسانية وأمنية مزرية داخل سوريا، ويتعرض لموجات كراهية وعنف متفاوتة في مخيمات ودول اللجوء.
وعلى الرغم من سوء الأوضاع عموماً فلا تزال بعض الفرص متاحة لقوى وفصائل الثورة والمعارضة، من خلال العمل على تجسيد النموذج المحلي المعبر عنها عسكرياً وسياسياً وإدراياً، والسعي في عملية التصالح مع الحاضنة الشعبية وضمان تمثيلها الحقيقي في قوى الثورة، والتعامل الناجز مع ملف الجماعات “الجهادية” وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”؛ مما سيتيح لها امتلاك بعض هوامش القوة التي تضمن لها استمرار العمل لتحقيق الانتقال السياسي.
لمشاركة الصفحة: https://sydialogue.org/k1k3
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة