تأثيرات الملف النووي والتغيرات الداخلية على العلاقات الإيرانية الأمريكية
تقرير تحليلي من إعداد وحدة تحليل السياسيات
مقدمة:
شكّل صعود الثورة الإيرانية في العام 1979م تحوّلاً مهماً في المنطقة عموماً، لاسيما بعد تبنّي النظام الإيراني الجديد استراتيجية “تصدير الثورة” إلى البلدان المجاورة؛ وهو الأمر الذي مثّل تهديداً أمنياً لتلك الدول، وصولاً إلى ما نشهده حالياً من تغلغل الأذرع الايرانية المسلحة وغير المسلحة في مختلف الدول، ابتداءً من العراق، وليس انتهاءً بسوريا واليمن[1].
وفي السياق ذاته حملت الثورة الايرانية مع مجيئها شعارات أيديولوجية جذّابة للكثيرين في المنطقة العربية، كنصرة المظلومين والمستضعفين، عزّزها ما ظهر من توتر مع الولايات المتحدة، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وتحويل السفارة “الإسرائيلية” إلى سفارة فلسطين، وحدوث عدة احتكاكات إيرانية مع الولايات المتحدة (أبرزها أزمة السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران)، وذلك بالتزامن مع ممارسات ذات دلالات متناقضة؛ كالإصرار على الحرب الإيرانية العراقية، ثم لاحقاً حدوث التعاون الأمريكي الإيراني في العراق وأفغانستان؛ مما أثار جدلاً حول حقيقة تعاملات النظام الإيراني مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” وديناميكيات العلاقة بينهما، مع ظهور بعض المحاولات لاخترال توصيف العلاقة بتوصيفات موجزة؛ كالعداء، أو التحالف السرّي، أو التبعية، وهو ما بات يُعرف بـ “نظرية المؤامرة”؛ التي ترى أنَّ كل ما يحدث من مواجهات أمنية وعسكرية وسياسية بين الطرفين لا تعدو أن تكون تمثيليات ضمن خطة للهيمنة على العالم العربي وتقاسم النفوذ فيه[2]. وفي المقابل يتم يتحدث آخرون عن “صراع وجودي” حقيقي مستمد من الأيديولوجيا، وله أبعاد دينية تعيق إيران و”إسرائيل” تحديداً من التوصل إلى حلٍّ شامل لإنهاء حالة التوتر المستمر بينهما[3].
تأتي هذه الورقة جزءاً من سلسلة للإضاءة على هذا الموضوع، في محاولةٍ للوصول إلى فهمٍ واقعيٍّ موضوعيٍّ متكاملٍ للأحداث والديناميكيات، ولكشف الغموض عن العلاقة المعقّدة المتداخلة التي جمعت إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف بناء القدرات على استشراف مآلات العلاقات بين الطرفين، وفهم العوامل المحركة لها توافقاً واختلافاً، بما يساعد على وضع تصور أقرب للدقة في التعامل مع المحيط الإقليمي والدولي، وفهم التقاطعات والمصالح المشتركة التي يمكن البناء عليها للتصدّي لمخاطر المشروع الإيراني في سوريا.
أُعدت هذه الدراسة التحليلية بناءً على استقراءٍ وتحليلٍ للأحداث والمنعطفات المتعلقة بالعلاقات الإيرانية “الإسرائيلية” الأمريكية، من خلال الرجوع إلى ما توفر لدى الفريق البحثي من الدراسات والتحليلات والوثائق التي كُتبت عن تلك الأحداث من مختلف الباحثين أو السياسيين، باعتبارها معلومات تحتاج التحقق والمقارنة والمعالجة التحليلية للخروج بنتائج، وهو ما سعى إليه فريق البحث للوصول إلى الحقائق قدر المستطاع.
وبعد أن استعرضنا في الأجزاء الثلاثة السابقة العلاقة الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية؛ بدءاً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، مروراً بانتصار الثورة الإيرانية في العام 1979م ومحاولاتها تصدير الثورة والتحولات التي طرأت على السياسة الخارجية الإيرانية، وانتهاءً بدراسة أهم المنعطفات المتعلقة بالعلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” الإيرانية فيما بعد الحرب العراقية الإيرانية حتى فترة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد[4]؛ فإننا نركّز في هذا الإصدار على إبراز أهم المحطات التي أثّرت بشكل مباشر في مجمل العلاقات الإيرانية الأمريكية “الإسرائيلية” بعد وصول التيار الأصولي إلى سدّة الحكم في إيران في العام 2005م، وتسليط الضوء على ملف إيران النووي وما حمله من انعكاسات وتأثير في العلاقة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وأخيراً محاولة بناء استشراف حول مستقبل الاتفاق النووي، واحتمالات عودة الولايات المتحدة إليه بعد صعود جو بايدن إلى البيت الأبيض وفوزه على منافسه الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020م.
أولاً. ديناميكية العلاقة الأمريكية “الإسرائيلية” الإيرانية بعد صعود التيار “الأصولي” بقيادة أحمدي نجاد في إيران:
على الرغم من التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وإيران في أفغانستان والعراق؛ إلا أن العلاقة بينهما وصلت أعلى مستوى لها من التوتر والعدائية وتبادل الاتهامات، ولاسيما بعد تصنيف الولايات المتحدة لإيران ضمن “محور الشرّ” تحت جملة من الدوافع والأسباب[5]، الأمر الذي يبدو أنه قد شكّل فشلاً ذريعاً لحكومة محمد خاتمي المنتمي للتيار “الإصلاحي” ولسياسته “الانفتاحية”[6]، وهو ما كان سبباً من الأسباب التي أدت إلى إقصاء الإصلاحيين عن اللعبة السياسية، وصعود التيار “الأصولي” بقيادة أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في إيران في العام 2005م.
1.1. تأثير صعود التيار الأصولي”المحافظ” إلى السلطة في إيران على ديناميكيات العلاقة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”:
مثّل وصول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى سدّة الحكم في إيران بداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”؛ إذ أظهرت شخصية نجاد المحافظة وميوله المتشددة[7]، وسيطرة الأصوليين على المؤسسات السياسية المنتخبة في إيران، والعلاقة الوثيقة التي جمعت نجاد بـ “الحرس الثوري الإيراني” القوة الرئيسة السياسية والعسكرية والاقتصادية في إيران[8]، وقد كشف كلَّ ذلك حجمُ التحول الذي ستنتهجه إيران على صعيد سياستها الخارجية. ولعل نجاد -الذي كان سابقاً أحد أفراد الحرس[9]– رأى في الحرس الثوري ملاذاً للتعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه النظام الإيراني؛ كونها إمبراطورية اقتصادية لها أثر كبير في سير البرنامج النووي الإيراني ومستقبله، وتحمّل العقوبات الاقتصادية المستمرة على إيران أو إجهاضها من خلال سيطرتها على قطاعات اقتصادية واسعة في إيران، كقطاع الطرق والبناء والطاقة والاتصالات والغاز والنفط وغيرها[10]. ويبدو أنَّ التوافق شبه التام بين خطاب نجاد وتوجهات الحرس الثوري[11] فيما يتعلق بـ”التمسك بقيم ومبادئ الثورة الإسلامية”، و”مواجهة قوى الاستكبار”، وعدّ التقارب مع الولايات المتحدة خروجاً عن مبادئ “الثورة الإسلامية”، ونقد محاولات البعض فتح باب الحوار معها[12]؛ قد أفرز حركية وتفاعلات أدت إلى لجوء إيران إلى سياسة أكثر تصعيداً[13] تتسم بـ”التحدي والمناكفة” لتحقيق أهدافها وطموحاتها الإقليمية، وتخلّت على صعيد سياستها الخارجية عن سياسة الانفتاح على الغرب وخطاب”حوار الحضارات”؛ الذي تبنَاه التيار “الإصلاحي” بقيادة محمد خاتمي.
ويبدو أنَّ الخطابات الاستهلاكية التعبوية والمواقف السياسية الراديكالية التي تبنتها حكومة نجاد، كرفع حدة الخطاب المعادي لـ”إسرائيل” والتشكيك في حدوث محارق نازية لليهود، والدعوة إلى محو “الدولة اليهودية” من الخريطة[14]؛ قد عكست فعلياً محاولة إيران التوجه مجدداً للعب دور قيادي “إسلامي” عبر مخاطبة الجماهير العربية والإسلامية وتقويض الأنظمة العربية التي تعارض الطموحات الإيرانية في المنطقة[15]، مستغلةً حالة الفراغ الأمني والسياسي على حدود إيران الشرقية والغربية، وتخبُّط السياسة الأمريكية وانشغال قواتها بتثبيت وجودها في العراق وأفغانستان.
وفي السياق ذاته زادت إيران دعمها الانتقائي للجماعات المناهضة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كـ”حزب الله” في لبنان، والفصائل الطائفية الموالية لإيران في العراق، وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين عبر ما يُسمى “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن العمليات خارج الحدود الإيرانية[16]، وربما وجدت إيران في تلك الجماعات نقطة ارتكاز رئيسةً يمكن أن توفّر لها ورقة ضغطٍ تعتمد عليها في إشغال الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وإبعادهم عن التفكير في توجيه ضربات عسكرية مباشرة لها على غرار العراق وأفغانستان، وهو ما يجعلها قادرة فيما يبدو على التقدم نحو سعيها الطموح للحصول على إقرار عالمي وإقليمي بشرعية دورها في المنطقة باعتبارها لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، وتعزيز أمنها ودعم سياساتها الإقليمية التوسعية، دون الحاجة إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” (ما يُسمى بالحرب غير المباشرة)[17]، الأمر الذي كان واضحاً في تعامل إيران مع الغزو الأمريكي للعراق، وجهودها في احتواء ارتدادات وآثار الاحتلال، وذلك بالمساهمة في عدم تمكين الولايات المتحدة من العراق بما يكفي لضربها عسكرياً، عبر استثمارها في الميليشيات الطائفية المرتبطة بها، وبناء ركائز نفوذ متداخل في المناحي السياسيّة والأمنيّة والاقتصادية وغيرها في العراق[18]؛ الأمر الذي يبدو أنَّه قد لاقى نجاحاً نسبياً مع انشغال الولايات المتحدة وفشلها في إدارة الملف العراقي بعد احتلالها العراق[19]، وفشلها في تحقيق استقرار دائم في العراق، واستمرار الانحدار الأمني وتصاعد العنف والفوضى في عموم أرجائه[20].
ثانياً. انعكاسات البرنامج النووي الإيراني على العلاقة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة:
بدأ البرنامج النووي الإيراني منتصف خمسينات القرن الماضي عقب توقيع الشاه محمد رضا بهلوي اتفاقاً تعاونياً مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1957م؛ حصلت إيران بموجبه على مساعدات نووية فنية من الولايات المتحدة، أسهمت لاحقاً في تأسيس مركز طهران للأبحاث النووية في العام 1967م[21]، ويبدو أنَّ مناخ الحرب الباردة كان أحد أهم العوامل التي دعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة حينها إلى دعم البرنامج النووي الإيراني؛ إذ كان جلّ الاهتمام الأمريكي حول الطريقة الأمثل التي يمكن أن تحول دون انتشار النفوذ الشيوعي في العالم[22].
ومع انتصار الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه في العام 1979م، ودخول العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران مرحلة مختلفة؛ تعرض المشروع النووي الإيراني لحالة من الجمود بعد انسحاب الشركات الغربية من المشاريع النووية الإيرانية ورفض التعاون النووي معها، وقد كان فيما يبدو للحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م) وتركتها الثقيلة على إيران عظيم الأثر في حساباتها النووية[23]، وهو ما أدّى فعلياً إلى توجه الإدارة الإيرانية نحو إعادة إحياء برنامجها النووي؛ إذ شهدت البنية النووية الإيرانية تطورات سريعة، واستُؤنفت البحوث النووية، وأعادت إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعملت على توقيع عقود مع الدول الأوربية لبناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية[24]؛ وذلك ضمن سياسة إيرانية شاملة لإعادة بناء القدرات الإيرانية المنهارة نتيجة الحرب.
ويمكن القول: إنَّ السياسات النووية لإيران الحالية هي استمرار لسياسات نظام الشاه السابق، مع اختلاف الدوافع والأهداف والوسائل المتبعة، وهي بذلك تثبت الاستمرارية والتراكم في سياسات دولة قومية لها تاريخ، تسعى لتعزيز أمنها والاستحواذ على مكانة إقليمية متميزة ضمن متغيرات إقليمية ودولية محددة[25]، وربما رأت القيادات الإيرانية في البرنامج النووي أداة يمكن أن تدعم التطلعات الإيرانية وجهودها الرامية لتعزيز مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية، وهو ما يبدو أنه قد كان مدعاةً لإثارة المخاوف لدى القوى والفواعل الدولية والاقليمية، خاصة الولايات المتحدة و “إسرائيل”؛ لـِمَا سيوفره وصول إيران للقدرة على امتلاك سلاح نووي من تشكيل معادلة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط.
1.2. موقف الولايات المتحدة و”إسرائيل” من النشاطات النووية الإيرانية بعد العام 2001م:
إنَّ المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة مع أحداث 2001م وما تبعها من غزو أمريكي للعراق وأفغانستان، وما رافق ذلك من مشاكسات إيرانية ومحاولتها توسيع نفوذها ومزاحمة النفوذ الأمريكي في العراق وأفغانستان، واستثمارها في القضية الفلسطينية والتشويش على “عملية السلام”، وتصنيف الولايات المتحدة لها ضمن “محور الشر”؛ قد شكّل فيما يبدو منعطفاً أساسياً في تصعيد الخلافات بشأن البرنامج النووي الإيراني مع الغرب، لاسيما بعد كشف المعارضة الإيرانية (منظمة مجاهدي خلق) في العام 2002م النقاب عن منشآت كبيرة لتخصيب اليورانيوم في مفاعل “ناتنز”[26]؛ إذ أبدت السياسة الأمريكية حساسية أكبر تجاه التحركات والنشاطات النووية الإيرانية، خصوصاً بعد صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي كان سلبياً تجاه تعاون إيران مع الوكالة، وتأكيده على إخلال إيران بالتزاماتها التي اتخذتها في إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية[27].
وعلى الرغم من ازدياد حدة توتر العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة بعد صعود نجاد إلى السلطة في إيران، وإعادته العمل في تخصيب اليورانيوم في البلاد، وإعلانه دخول إيران “النادي النووي” في العام 2006م[28]؛ إلا أنَّه يُلاحظ أنَّ ردود الفعل الأمريكية اقتصرت على زيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، مع فتح باب التفاوض والحوار مع الجانب الإيراني[29]، وبالتالي يبدو أن التخبط الأمريكي في العراق وأفغانستان قد أسهم في التراجع عن استراتيجية “الهجوم الوقائي” واستخدام القوة الصلبة لحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية[30] التي تبنّتها إدارة جورج بوش الأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر في العام 2001م، لاسيما في طبيعة تعاملها مع إيران، لتتحول من الحديث عن تغيير النظام الإيراني عسكرياً[31] إلى تبنّي سياسة جديدة تعتمد على التغيير “الناعم” للنظام، وذلك عبر الانخراط في استراتيجية دبلوماسية نشطة ومركّزة يتم فيها ممارسة “نقاط ضغط متعددة” للتأثير على النظام الإيراني، من خلال دعم مؤسسات المجتمع المدني الإيراني ومشاريع حقوق الإنسان داخل إيران[32]، ودعم المعارضة الإيرانية، والعمل على عزل إيران إقليمياً عبر زيادة العقوبات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية عليها، والعمل على منع نقل التكنولوجيا والمعدات والمواد النووية إلى إيران؛ كل ذلك مدعوماً بالتهديد العسكري المستمر[33].
وعلى صعيد آخر أدى بروز إيران كقوّة إقليمية رئيسة في الشرق الأوسط بعد انهيار العراق عقب الغزو الأمريكي في العام 2003م، وانزياحه عن الصراع الإقليمي الجيوسياسي إلى تعزيز المخاوف الإسرائيلية من محاولات إيران ملء الفراغ الجيوسياسي الذي خلّفه سقوط العراق، عبر استثمارها في الميليشيات الطائفية التابعة لها في العراق، وتأثيرها المباشر في الجماعات والفصائل المعارضة للسياسة الإسرائيلية كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”حزب الله”، وهو الأمر الذي زاد من التخوفات “الإسرائيلية” من النشاطات النووية الإيرانية؛ إذ إنَّ تمكُّن إيران من تطوير مشروعها النووي والحصول على القنبلة النووية سيؤدي إلى إفراز العديد من التحديات لـ”إسرائيل” على مختلف الأصعدة، لعل من أبرزها:
- تبلور واقع جيوستراتيجي إقليمي جديد يهدّد التفوق الإقليمي “الإسرائيلي”، ويضع حداً للاحتكار “الإسرائيلي” للسلاح النووي في الشرق الأوسط، وربما يؤدي بدوره إلى دفع دول إقليمية أخرى كالسعودية ومصر وتركيا إلى محاولة امتلاك القدرة النووية، وهو ما يؤثّر بشكل مباشر في “التوازن والاستقرار الإقليمي”[34]؛ فقد بات الاحتكار “الإسرائيلي” للسلاح النووي جزءاً من نظرية الأمن القومي “الإسرائيلي”، وهو أحد العوامل المؤثرة في الحفاظ على مكانتها القيادية الإقليمية.
- تحجيم مكانة ونفوذ “إسرائيل” في المنطقة، والتأثير في قدرتها على المناورة الاستراتيجية، والحدّ من قدرتها على التعامل مع القوى المناهضة لها والمتحالفة مع إيران، كـ “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”[35].
- خلق حالة من عدم الاستقرار داخل المجتمع “الإسرائيلي”؛ مما يمكن أن يقود إلى وقف الهجرة اليهودية، وانخفاض الاستثمارات في “إسرائيل”[36].
أسهم كل ذلك في تكوين استراتيجية “إسرائيلية” تركز حول كيفية منع إيران من تطوير مشروعها النووي؛ إذ عملت “إسرائيل” على جعل البرنامج النووي الإيراني مصدر قلقٍ دولي، وكانت المحرك الأساسي للنشاط الدولي ضد إيران، ومارست مختلف الضغوطات على الإدارة الأمريكية عبر منظمة “الأيباك” أكبر اللوبيات الإسرائيلية الناشظة في واشنطن لحملها على التحرك نحو زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران[37]، والتحرك عسكرياً لضرب المنشآت النووية الإيرانية[38]، مع التهديد المستمر باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية بشكل منفرد لضرب المنشآت والمواقع النووية الإيرانية[39] إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية في ردع إيران عن المضي قدماً في برنامجها النووي[40]، ويبدو أنَّ تلك التهديدات لا تعدو كونها محاولة “إسرائيلية” لخلط الأوراق والضغط على الولايات المتحدة لمنعها من تقديم تنازلات لإيران ولمشروعها النووي، عبر تحذيرها من عواقب التصعيد “الإسرائيلي” الإيراني على صعيد المصالح الأمريكية في المنطقة[41].
2.2. خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي الإيراني”، والانفراج في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية:
حظيت إيران بأولوية في الاهتمام الأمريكي مع وصول إدارة باراك أوباما الديمقراطية إلى الحكم في البيت الأبيض في العام 2009م؛ فقد أكّد أوباما عزمه الوقوف ضد حصول إيران على سلاح نووي[42]، وفي الوقت ذاته ابتعدت إدارة أوباما عن الأساليب الأحادية والمقاطعة والتهديدات العسكرية التي تميزت بها سياسة إدارة جورج بوش الجمهورية في تعاملها مع إيران ومشروعها النووي[43]، محاولة رسم مسار جديد قائم على الدبلوماسية والحوار والتفاوض المباشر مع إيران، بدلاً عن التلويح بالخيار العسكري لإقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي[44].
ويبدو أنَّ تبنّي الإدارة الأمريكية للخط الدبلوماسي، وفتح قنوات الحوار والتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي[45] تماهى مع رؤية أوباما الأوسع للسياسة الخارجية الأمريكية ولدور الولايات المتحدة على الخارطة الدولية؛ والتي قامت على حماية المصالح الأمريكية الاستراتيجية، وتعظيم الدور الأمريكي العالمي من خلال تمتين العلاقات مع الحلفاء، والعمل على حل الخلافات والنزاعات عبر الأدوات والوسائل الدبلوماسية[46]، والابتعاد النسبي عن النزعة إلى التدخل واستعمال القوة العسكرية التي عرفتها مرحلة الرئيس جورج بوش، مستجيباً بذلك لميل كثير من الأمريكيين إلى الانكفاء عن الحروب[47]، لاسيما التي قادتها الولايات المتحدة كحربَي أفغانستان والعراق، والحرص على عدم التورط في مواجهات عسكرية جديدة، وهو ما عبّر عنه إعلان أوباما عزمه استكمال فكّ الارتباط العسكري مع الشرق الأوسط، عبر إنهاء الوجود الأمريكي في أفغانستان والعراق[48]، ضمن مسار استراتيجي يهدف إلى تخفيف الأعباء التي تتحملها الولايات المتحدة، بهدف التركيز على”محور آسيا” أو “إعادة التوازن”بهدف احتواء العملاق الصيني[49]. الأمر الذي قد كان له أثر كبير في العلاقة مع إيران؛ إذ استبعدت إدارة أوباما كما يبدو قطع العلاقات الدبلوماسية كاملة معها، أو معالجة البرنامج النووي الإيراني عسكرياً، لما قد يؤديه ذلك إلى توجه إيران نحو تحسين علاقتها بشكل أكبر مع روسيا والصين، ولاعتقاده كما يبدو أيضاً أن “ضرب إيران عسكرياً سيسرع حصول إيران على قنبلة نووية”[50]؛ وهو ما جعل أوباما يتحرك نحو صياغة سياسة مركبة اعتمدت على فرض حزمة عقوبات اقتصادية على إيران بتعاون دولي واسع النطاق، والدخول في محادثات مباشرة وغير مشروطة عبر قنوات تواصل مباشر معها[51]؛ والتي تشكلت في أعقاب فوز الرئيس حسن روحاني في العام 2013م؛ الذي عمل بدوره على كسر حدة السياسة الخارجية الإيرانية وتبنّي سياسة براغماتية وانفتاحية، خصوصاً في القضية النووية وفي العلاقات مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”[52]؛ إذ اعتمد خطاباً أقل تشدداً تجاه “إسرائيل”، معتبراً أنَّ ما يُعرف بـ”المحرقة اليهودية _ الهولوكوست” “جريمة تستحق الإدانة”[53]، مشدداً على ضرورة تفاعل إيران مع دول العالم، وتكثيف الجهود لتطوير علاقات إيران مع الآخرين، وإعطاء دور أكبر للدبلوماسية، ضمن مقاربة أسماها بـ”المشاركة البنّاءة”[54]. ويمكن القول هنا: إنَّ العوامل الداخلية المتمثلة بوصول “الإصلاحيين” إلى السلطة في إيران، وقدوم إدارة أوباما الديمقراطية كان لهما أبرز الأثر في كسر الجليد بين البلدين بعد مرحلة جورج بوش الابن ونجاد؛ إذ تعدُّ المحادثة الهاتفية التي جرت بين باراك أوباما وحسن روحاني في نيويورك، بعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني عام 2013م، أحد أبرز الدلائل على استعداد الطرفين لتحسين العلاقة بينهما كونها كانت أول اتصال مباشر بين البلدين على هذا المستوى بعد أكثر من ثلاثين عاماً[55].
ومن المرجح أنَّ العقوبات الاقتصادية الغربية المتراكمة المفروضة على إيران قد أثّرت بعمق في قرار القيادة الإيرانية فيما يخص الاتفاق النووي والحوار مع الولايات المتحدة؛ لـِمَا سببته من اهتزازات عديدة أصابت الاقتصاد الإيراني، وهو ما كان له تداعيات سلبية على الداخل الإيراني بتقسيماته الاجتماعية المختلفة[56]، الأمر الذي يبدو أنه قد دعا المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي لإعطاء ضوءٍ أخضر للحكومة الإيرانية للدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة في سبيل التوصل إلى اتفاق نووي[57]؛ يُخلّص إيران من معضلة العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، ويكسر حاجز العزلة السياسية المفروضة عليها، وبهذا أفضت المحادثات بعد شهور إلى إعلان مجموعة القوى الكبرى 5+1 (الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي في العام 2015م، يقضي برفع العقوبات الاقتصادية والمصرفية الدولية عن إيران، مقابل تقليص قدرات برنامجها النووي[58].
وبالمحصلة: فتحت استراتيجية أوباما المرنة مع إيران فرصاً لتوسيع نفوذ إيران ولتمددها إقليمياً، لاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي الذي حدَّ من قدرة إيران النووية؛ ولكنه في المقابل أمّن اعترافاً أمريكياً غربياً بحق إيران النووي، وغضّ الطرف عن دورها الإقليمي والدولي، ما عنَى تحرّر المشروع السياسي الإيراني من الكثير من العقبات أمام نشاطاته الإقليمية التوسعية، وأطلق يد إيران للتمدد إقليمياً عبر ميليشياتها المختلفة؛ حيث استغلت إيران رفع العقوبات الاقتصادية عنها ورفع الحظر عن بعض أصولها المالية المجمدة في البنوك الأجنبية في زيادة دعمها لوكلائها وتكريس نفوذها وهيمنتها في المنطقة[59]، وهو ما انعكس سلباً على المنطقة، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لذلك وقبل التوصل للاتفاق النووي يلاحظ أنَّ إيران واظبت على التفريق بين الملف النووي والقضايا الإقليمية الأخرى، وهو ما أكّده مرشد الثورة الإيرانية “علي خامنئي” بعد أيّام من الاتفاق بإعلانه: “أن مواقف بلاده من الولايات المتحدة الأميركية لن تتغير، وإنها لن تدخل في مفاوضات معها حول قضايا الشرق الأوسط”[60]؛ الأمر الذي يبدو أنه قد لاقى قبولاً لدى الطرف الأمريكي، وزاد في الوقت نفسه من صعوبات منافسي إيران الإقليميين، حيث يضع الاتفاق في مجمله حداً للعقوبات الدولية ضد إيران، ويُنهي عزلتها الدولية والإقليمية؛ ما يعني تعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتطوير مختلف صناعاتها العسكرية التقليدية، وهو ما سيعزّز من مكانة إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، ويحدّ في الوقت نفسه من قدرة منافسيها الإقليميين على تطويق وتقليص نفوذها في المنطقة. وهذا ما يفسّر رفض “إسرائيل” للاتفاق النووي، وشنّ نتنياهو فور الإعلان عن التوصل إلى اتفاق حملةً ضده، ووصفه إياه بـ”الخطأ الاستراتيجي”، وأنّ الدول العظمى “تجازف بمستقبلنا الجماعي” حسب قوله، وأنّ “العالم أصبح بعد هذا الاتفاق أكثر خطورة ممّا كان عليه بالأمس”، وأنّ الاتفاق يمكّن إيران من “امتلاك القدرة على إنتاج ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية”، مؤكّداً على ضرورة حرمان إيران تماماً من قدراتها على تخصيب اليورانيوم[61]، وعلى “حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها”[62].
وقد كان للتغييرات التي طرأت في البيت الأبيض، وانتقال السلطة من أيدي الديمقراطيين إلى الجمهوريين، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في العام 2016م إيذاناً بعودة العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى فضاء ما قبل مرحلة أوباما، وهيمنة التوتر والتصعيد على طبيعة العلاقة بين البلدين.
3.2. ما بين الانسحاب من الاتفاق النووي وسياسة “الصبر الاستراتيجي”:
أحدثَ قدوم الجمهوريين برئاسة دونالد ترامب؛ والذي يُصنف بحسب خلفيته الفكرية وخياراته السياسية من أقصى اليمين الأمريكي، تحوّلاً ملحوظاً على صعيد السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ فعلى العكس من خطاب أوباما المبني على مبدأ الانسحاب من بُؤَر الصراع في الشرق الأوسط واعتماد خط الدبلوماسية والحوار في التعامل مع الأزمات والصراعات، ودعم الحلفاء؛ تمحور الخطاب السياسي الأمريكي في عهد ترامب حول مبدأ “أمريكا أولاً”[63]؛ الذي يتسم بالميل أكثر نحو الانعزالية في إدارة الشؤون الخارجية، واستعمال القوة الصلبة، وتصعيد المواجهة للتأكيد على قوة ومكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. وهذا ما انعكس على طريقة تعاطي الإدارة الأمريكية الجمهورية مع الملف الإيراني؛ إذ شهدت العلاقة مع إيران تجاذبات حادّة وتهديدات متبادلة أدّت لاحقاً إلى إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران في العام 2018م، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها؛ مجادلاً بأن الاتفاق “مَعيب في جوهره”، وأن الانسحاب منه جاء لعدم نجاح الاتفاق في وقف أنشطة إيران الإقليمية التوسعية ومساعيها للحصول على سلاح نووي، وردعها عن متابعة برنامجها للصواريخ الباليستية[64].
وقد بدا واضحاً تقارب وجهات النظر الإسرائيلية مع إدارة ترامب الجمهورية حول ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي، والعمل على الحد من نفوذ إيران إقليمياً، واستهداف القدرات العسكرية الإيرانية وفي مقدمة ذلك برنامجها الصاروخي، وهو ما يشير إلى الدور المهم الذي تلعبه اللوبيات الصهيونية في التأثير على قرارات الإدارات الأمريكية الجمهورية ربما بشكل أوضح من الإدارات الديمقراطية؛ التي غالباً ما تكون مسرحاً متسعاً لنشاط اللوبي الإيراني[65]، وشّكل في الوقت ذاته تحديات وصعوبات حقيقية أمام صنّاع القرار في إيران، لاسيما بعد شروع الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة “الضغط الأقصى”؛ والتي تضمنت سلسلة من العقوبات الاقتصادية استهدفت أغلب قطاعات الاقتصاد الإيراني[66]، في محاولة لإجبار إيران على إعادة التفاوض على اتفاق نووي جديد يُنهي العقوبات الاقتصادية عليها، ويعالج مجموعة واسعة من مخاوف الإدارة الأمريكية؛ والتي أجملها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك (مايك بومبيو) بـ” وقف برنامج إيران للصواريخ البالستية، وإنهاء أنشطتها الرامية إلى توسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة، وبخاصة في العراق وسورية واليمن وأفغانستان، والأهم من ذلك وقف تخصيب اليورانيوم، وعدم محاولة معالجة البلوتونيوم من جديد، وإغلاق مفاعلها للماء الثقيل”[67].
وقد آثرت إيران التعويل على نتائج الانتخابات الأمريكية في العام 2020م التي جلبت الديمقراطيين مجدداً إلى رئاسة الولايات المتحدة؛ إذ اعتمدت إيران سياسة “الصبر الاستراتيجي”؛ والتي تقوم على الامتناع عن التصعيد في ردود الفعل، وامتصاص الصدمات، وانتظار تغيير المناخ السياسي وتبدل حالة الخصم[68]؛ فعلى الرغم من الضغوطات الأمريكية و”الإسرائيلية” المستمرة، كتكثيف هجمات “إسرائيل” المتكررة ضد أهداف إيرانية في سوريا، وتشديد الولايات المتحدة الخناق على الاقتصاد الإيراني، ووضعها “الحرس الثوري الإيراني” في العام 2019م على قائمة التنظيمات الإرهابية[69]، إضافة إلى عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني في خطوة تصعيدية لا تخلو من كونها تأتي ضمن استراتيجية أمريكية أوسع لردع إيران[70]، فإن إيران قابلت ذلك بردٍّ متواضعٍ ومحدود؛ شمل قصفاً بصواريخ متوسطة المدى على قاعدتين عراقيتين تضم جنوداً أمريكيين، دون تسجيل أية إصابات بشرية أمريكية أو عراقية أو حتى خسائر مادية ملموسة، الأمر الذي يشير إلى حرص إيران حينها على تفادي الاستفزازات الأمريكية و”الإسرائيلية” لتتجنّب ردّاً أمريكياً وتصعيداً عسكرياً واسعاً تدرك أنها لن تخرج منتصرة منه، وهو ما يبدو أنه لم يترك أمامها سوى انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020م.
ثالثاً. صعود الديمقراطيين، وعقبات أمام العودة للاتفاق النووي مع إيران:
على الرغم من اتفاق بايدن مع ترامب في رؤيته لإيران باعتبارها قوة “مزعزعة للاستقرار” في المنطقة، وأنَّ امتلاكها أسلحة نووية خطٌّ أحمر بالنسبة للولايات المتحدة؛ إلا أنه يتبنى نهجاً مختلفاً في التعامل معها، فقد أظهر برنامج الحزب الديمقراطي الأمريكي عزمه العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمته إدارة أوباما الديمقراطية في العام 2015، معتبراً أنَّ العودة لا تزال “أفضل وسيلة لإغلاق جميع مسارات إيران إلى قنبلة نووية بشكل يمكن التحقق منه، وأنه كان من الخطأ أن ينسحب ترامب منها”، وأنَّ “الرئيس ترامب عزلنا عن حلفائنا، وفتحَ الباب أمام إيران لاستئناف مسيرتها نحو بناء قدرة نووية مسلحة؛ هذا هو السبب في أن العودة إلى الامتثال المتبادل للاتفاقية أمر ملحٌّ للغاية”[71].
فضلاً عن ذلك تجادل إدارة بايدن بأنَّ الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واتباع سياسة “الضغط القصوى” قد دفع إيران نحو تحسين علاقاتها مع كل من الصين وروسيا؛ مما أعطى على الأرجح حافزاً إضافياً لها للعمل على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لاسيما بعد قيام إيران بالتوقيع على اتفاقية تعاون استراتيجي شامل لمدة 25 عاماً مع الصين[72]، في ظروف ازدادت فيه التوترات بين الصين والولايات المتحدة وسط صعود الصين عالمياً.
وكان بايدن قد أخبر مجلس العلاقات الخارجية: “إذا عادت إيران للامتثال بالتزاماتها النووية فإنني سأعود مجدداً لخطة العمل الشاملة المشتركة، وسأستخدمها كنقطة للانطلاق في مواجهة تصرفات طهران الخبيثة الأخرى في المنطقة؛ ليكون بوابة للحدّ من نفوذها المناوئ لواشنطن أو لحلفائها في منطقة الخليج”[73]، كما عبّرت أيضاً المسودة النهائية لبرنامج الحزب الديمقراطي عن أهمية تقييد “العدوان الإقليمي، وبرنامج الصواريخ البالستية، والقمع المحلي”[74]، وهو ما يستبعد العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته السابقة في حال تم التوصل لاتفاق، بسبب اختلاف سياسة إدارة أوباما التفاوضية مع إيران عن إدارة بايدن؛ ففي حين وافقت إدارة أوباما سابقاً على الطلب الإيراني المتمثل في فصل الملف النووي عن الملفات الإقليمية الأخرى؛ والذي أفضى إلى الاتفاق النووي في العام 2015م، ذهبت إدارة بايدن إلى ما هو أبعد من خطاب “العودة للاتفاقية الأصلية”، من خلال التفاوض على اتفاق جديد يكون “أطول أمداً وأقوى من ناحية المضمون”[75]؛ يأخذ في عين النظر معالجة الثغرات التي تضمنها الاتفاق النووي السابق، ويشمل قضايا أخرى كبرنامج إيران للصواريخ البالستية والتمدد الإيراني الإقليمي، وهو ما تستبعده القيادة الإيرانية بإعلانها رفض إدراج ملفات أخرى ضمن شروط عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي[76]؛ إذ تشكل القوة الصاروخية الإيرانية البالستية “استراتيجية ردع” فعّالة تهدد جيران إيران وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، دول الخليج العربي و”إسرائيل”، وتهدّد أيضاً مناطق في شرق أوروبا وجنوبها بعد تطوير إيران لصواريخ بالستية بمدى يصل 2500كم، وتهدد بشكل أساسي مصالح الولايات المتحدة ووجودها العسكري في المنطقة[77]، الأمر الذي قد يستغرق مزيداً من الوقت للوصول إلى اتفاق جديد، لاسيما بعد التطورات المهمة التي أصابت الملف النووي الإيراني؛ إذ تراجعت إيران عن التزاماتها التي تعهدت بها بموجب الاتفاق النووي في العام 2015م بعد خروج ترامب منه، معاودةً استئناف أنشطتها النووية[78]، لتعلن فيما بعد رفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%، لتقترب من المستويات المطلوبة للحصول على سلاح نووي[79]، وهو ما يُفهم من كلام وزير الخارجية الأمريكية (أنتوني بلينكن) الذي قال: “إن أوضاعاً كثيرة اختلفت منذ انسحاب واشنطن من ذلك الاتفاق النووي”[80].
ويبدو أنَّ إصرار إدارة بايدن على تضمين الاتفاق النووي لملفات إقليمية أخرى ربما يعود في مجمله إلى رغبتها في بناء مساحة تفاوضية للمناورة في سبيل تقديم إيران لاحقاً تنازلات فعلية مقابل تخلّي الولايات المتحدة عن شمل القضايا الأخرى بالملف النووي، وربما أيضاً محاولة منها لإرضاء وتطمين الرافضين لعودة الولايات المتحدة لإتفاق عام 2015م، كصقور الحزب الجمهوري الذين يبذلون جهوداً مضاعفةً لعرقلة أي عودة أمريكية محتملة إلى الاتفاق[81]، إضافة إلى “إسرائيل” ولوبياتها[82]؛ التي تقوم بجهود موازية في العاصمة الأمريكية لحثِّ إدارة بايدن على الإصرار على اتفاق شامل يشمل برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها الإقليمية[83].
رابعاً. تداعيات فوز الأصولي رئيسي في الانتخابات الرئاسية على سير محادثات فيينا؛ سيناريوهات محتملة:
يمثّل فوز المرشح الأصولي “المتشدد” (إبراهيم رئيسي) في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مؤخراً بداية مرحلة جديدة في مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية؛ إذ يُعد رئيسي أول رئيس إيراني تشمله العقوبات الأمريكية في مجال حقوق الإنسان، بسبب دوره البارز في إصدار أحكام إعدامات عام 1988م؛ التي طالت آلاف المعارضين للنظام الإيراني في السجون[84]، إضافة إلى قربه من الحرس الثوري الإيراني ومن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (علي خامنئي)، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل عن مستقبل توجهات السياسة الخارجية لإيران، لاسيما مع إقصاء الإصلاحيين وتمكن الأصوليين من مراكز صنع القرار في إيران بعد فوزهم بغالبية مقاعد البرلمان الإيراني “مجلس الشورى” في انتخابات عام 2020م[85]، في ظل استمرار محادثات فيينا مع القوى الدولية.
يتمسك التيار الأصولي بما يعدّه “قيم ومبادئ الثورة الإسلامية” ومنها “مواجهة قوى الاستكبار”، ويحمل نظرة سلبية تجاه التفاوض مع الولايات المتحدة، ويعدّ التقارب معها خروجاً عن “مبادئ الثورة”، وينتقد محاولات الاصلاحيين فتح باب الحوار معها. ومع ذلك دخل الرئيس “الأصولي” السابق أحمدي نجاد في مفاوضات مع الولايات المتحدة في آخر عهده الرئاسي؛ الأمر الذي مهّد لتوقيع الاتفاق النووي في العام 2015م، وإن كان على يد “الإصلاحيين”. فيمكن بالتالي لفوز “رئيسي” في الانتخابات الرئاسية أن يُعقّد العملية التفاوضية بشأن العودة للاتفاق النووي، لكنه لن يوقفها؛ لاسيما وأن إيران مدفوعة للتخلص من العقوبات الجاثمة على الاقتصاد الإيراني منذ عقود، في الوقت الذي يتربّع المرشد الأعلى علي خامنئي على قمة هرم السلطة، وهو صاحب السلطة العليا في إيران، بما في ذلك السياسة النووية[86]؛ فالأمر ليس مرتبطاً فحسب بأجندة مؤسسات الحكومة الإيرانية وبتوجّه الرئيس الإيراني، وقد دعم خامنئي المفاوضين الإيرانيين في فيينا، على الرغم من مهاجمة التيار الأصولي للمفاوضين ومطالبتهم بالانسحاب من محادثات فيينا، لاسيما بعد هجمات منشأة نطنز في حزيران 2021م[87]، مع رسمه في الوقت ذاته “خطوطٍ حمراء” لا يمكن للمفاوض الإيراني تجاوزها، كتأكيده المتكرر أنه “لا عودة للاتفاق إلا في حال رفع العقوبات كاملة عن إيران”[88]، و”عدم إطالة الوقت والاستنزاف في المفاوضات أكثر من اللازم”[89].
وعليه: يمكن الاستنتاج أنه مع قدوم الرئيس “الأصولي” قد يزداد تعنّت إيران تجاه التفاوض، والتشدد في تقديم التنازلات على صعيد برنامج إيران النووي والصاروخي ونفوذها الإقليمي مقابل الوعود الأمريكية بتخفيف أو رفع العقوبات عنها، وهو ما قد يفتح الباب أمام عودة شعار “اقتصاد المقاومة”؛ وهو المفهوم الذي صاغه خامنئي قبل سنوات، ويقوم على فكرة أنَّ العقوبات ستساعد إيران على تقليل الاعتماد على النفط وعلى الغرب[90]، الأمر الذي قد يخفف نوعاً ما من تأثير العقوبات الاقتصادية على القرار الإيراني[91]، في ظل حديث الأوساط الأصوليّة عن قدرة البلاد على تجاوز العقبات الاقتصادية عبر تنمية العلاقات مع الشرق، خاصة مع روسيا والصين، لاسيما بعد اتفاق وقعته إيران مع الصين وُصف بالاستراتيجي وطويل الأمد؛ الأمر الذي قد يخفف نوعاً ما من تأثير العقوبات الاقتصادية على القرار الإيراني، وبالتالي تعقُّد العملية التفاوضية وإطالة أمد المفاوضات، وعدم استحالة احتمال فشلها في نهاية المطاف.
ومن جهة أخرى تمثل الأيام التي تسبق موعد تسلُّم رئيسي مهامه الرئاسية ضغطاً غربياً للوصول إلى اتفاق نهائي بين إيران والقوى الدولية؛ فقد شهدت الساعات الأولى عقب الإعلان عن فوز المرشح الأصولي في الانتخابات نشاطاً دبلوماسياً للقوى المشاركة في محادثات فيينا، إذ صرّح مساعدو بايدن أنَّ “لحظة الاتفاق مع إيران قد حانت، وأنَّ الفترة قبل تنصيب رئيسي تقدم نافذة فريدة للتوصل لاتفاق مع إيران”[92]، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن اجتماع مفاجئ لأطراف الاتفاق النووي في فيينا على مستوى مساعدي وزراء الخارجية يهدف إلى “بحث عودة محتملة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وكيفية ضمان التنفيذ الكامل والفعال للاتفاق”، وهو ما يفتح المجال ربما أمام احتمالية مسارعة إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق مع إيران في سباق مع الزمن قبل استلام رئيسي مهامه، خشية تعقّد العملية التفاوضية مع استلام الأصوليين. مع ذلك، وعلى الرغم من ظهور العديد من المؤشرات التي تدل على تصميم إدارة بايدن على العودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” وعلى جديّة المفاوض الإيراني؛ إلا أنه ما يزال الوقت مبكراً للجزم باقتراب الولايات المتحدة وإيران من توقيع اتفاق نووي جديد، ويُرجح أنَّ مسار استئناف التواصل الجديد متعدد الأطراف سيكون طويلاً نوعاً ما وشاقاً، خاصة مع وجود العديد من العقبات السياسية والفنية؛ فمن جهة تمثّل العقوبات الاقتصادية المفروضة حالياً على إيران لبَّ الخلاف بين الطرفين، إضافة إلى سعي الولايات المتحدة إلى انتزاع اتفاق ينص على قبول إيران إجراء مفاوضات لاحقة بشأن البرنامج الصاروخي وملف حقوق الانسان ودور إيران في المنطقة مقابل رفعٍ متدرج للعقوبات، وهو ما ترفضه إيران وتطالب برفع كل العقوبات المفروضة عليها، دون شرط خطوة مقابل خطوة أو الامتثال مقابل الامتثال مقابل عودتها للالتزام باتفاق 2015م. وبينما تمثّل شبكة العقوبات الموسعة التي فرضتها إدارة ترامب على إيران مكسباً حقيقياً، ورأس مال دبلوماسي سياسي لا يمكن لإدارة بايدن التفريط فيه بسهولة[93]؛ لما تشكّله من ورقة تفاوضية إضافية بيد الولايات المتحدة، إلا أنَّ رفع كامل العقوبات المفروضة على إيران ليست كما يبدو بالأمر السهل الذي تستطيع إدارة بايدن القيام به في حال أرادت ذلك؛ بسبب ارتباط جزء من العقوبات بملفات أخرى، كالبرنامج الصاروخي الإيراني، وملف حقوق الإنسان، و”الإرهاب”، وملف النفوذ الإقليمي الإيراني، وهو الأمر الذي يلاقي معارضةً من الكونغرس الذي ينشط فيه الجمهوريون، ومعارضةً أيضاً من قبل بعض التيارات الديمقراطية في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين[94]، وهو الأمر الذي سيمدد على الأرجح أمد المفاوضات، ما لم تتنازل الولايات المتحدة عن بعض مطالبها لإيران، كإصرارها على عدم الفصل بين الملف النووي والملفات الأخرى، خاصة مع وجود تعنّت إيراني، ورغبة إيرانية في الضغط على الولايات المتحدة للعودة الكاملة لاتفاق 2015م ورفع كل العقوبات، لاسيما أنَّ إيران ليست في عجلة من أمرها مع قدوم الديمقراطيين (الذين لا يرجحون استخدام القوة الخشنة مع إيران)، على العكس من الولايات المتحدة التي يبدو أنها تفضّل التوصل لاتفاق قبل تنصيب رئيسي؛ الذي سيكون أكثر تشدداً حيال ملف العقوبات الاقتصادية المتراكمة على إيران، وسيطالب بتقديم تنازلات أكبر للعودة للاتفاق النووي، وربما يتعنّت في الملف الصاروخي ودور إيران في المنطقة.
خاتمة:
من خلال تتبع أبرز المنعطفات التاريخية في ديناميكية العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران يمكن القول: إنه وعلى الرغم من التوترات التي شابت العلاقة بين الطرفين فمن المستبعد نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، وعلى أقل تقدير لم يعد الخيار العسكري للتعامل مع إيران وملفها النووي متاحاً على طاولة صانع القرار الأمريكي خلال الفترة القادمة، لاسيما مع حساسية منطقة الشرق الأوسط وتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية فيها، وإمكانية تهديد سوق النفط العالمي، فضلاً عن الحضور القوي للتجارب الأفغانية والعراقية المريرة في الذهن الأمريكي، في ظل لجوء إيران لأساليب ردعية غير مباشرة باستخدام وكلائها من المليشيات في المنطقة، كما يحفل تاريخ العلاقات الإيرانية ـــ الأمريكية بالتسويات والمفاوضات والعلاقات البراغماتية؛ التي أتاحت تجاوز مواقف توتر عالية بينهما على امتداد عقود من الزمن.
وعلى الرغم من أنَّ عودة “الأصوليين” إلى الحكم في إيران ستفتح الباب أمام عودة حالة توتر العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وزيادة حدة التجاذبات الإقليمية، وتعقيد العملية التفاوضية بشأن البرنامج النووي؛ إلا أنها لا تستلزم إيقاف إيران المفاوضات مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، خاصة مع الولايات المتحدة؛ إذ إنَّ قرار الدخول في المفاوضات للتوصل لحلٍّ بخصوص الملف النووي ينهي عقدة العقوبات الجاثمة على الاقتصاد الإيراني منذ عقود هو في الغالب توّجهٌ عامٌّ لدى النظام الإيراني، الذي يتربّع المرشد الأعلى (علي خامنئي) على قمة الهرم فيه، وهو أعلى سلطة في النظام وصاحب القرار الفعلي في إيران، بما في ذلك السياسة النووية والخطوط الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية وقرار الحرب والسلم، فضلاً عن السلطة المباشرة على المؤسسات البيروقراطية غير المنتخبة، كالجيش والحرس الثوري وأجهزة المخابرات والنظام القضائي[95]. ولكن مع ذلك يبقى للرئيس الإيراني هامش يستطيع من خلاله تغيير أوجه السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، وترك بصمته الخاصة على الفترة التي يتولى فيها الرئاسة، ومن ذلك تعيين المسؤولين وبناء قاعدة كبيرة تتيح له توجيه النظام وإعادة هيكلة السياسة الخارجية، وكل ذلك بمصادقة “المرشد الأعلى” وموافقته[96].
تمثل طموحات إيران للحصول على دور “القيادة الإقليمية”، والوصول إلى قيادة العالم الإسلامي من خلال تبنّيها نموذجها الخاص عبر “ولاية الفقيه”، وتوظيف ذلك لصالح جهودها لانتزاع دور دولي مؤثر، والتصدي لمحاولات تغيير النظم، محلية كانت أو دولية، أولويّةً على باقي الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني[97]، وتدخل في جوهر وصميم تركيبة النظام الإيراني؛ الأمر الذي يحتّم بدوره على إيران التمسك بتفوقها ونفوذها الإقليمي، والمحافظة على دعم وكلائها وحلفائها في المنطقة، لاسيما بعد تحقيق جزء من طموحاتها التوسعية في سوريا والعراق ولبنان واليمن (خاصة مع التماهي الأمريكي مع هذا الهدف في عهد أوباما). وفي سبيل ذلك تستخدم إيران أوراقاً تعتبرها قوّة داعمةً تمكّنها من تحقيق مكانة ريادية ونفوذ واسع في المنطقة، واعتراف دولي بمكانتها وتأثيرها، ومن هذه الأوراق الملف النووي ومشروعها للصواريخ البالستية، وبالتالي قد تتراجع إيران مؤقتاً عن مرحلة الوصول إلى امتلاك سلاح نووي، وربما تجميد مشروعها الصاروخي في حال تم الاعتراف بدورها ونفوذها الإقليمي في المنطقة، وهو ما أكده توقيع إيران الاتفاق النووي في العام 2015م وقبولها الحد من قدراتها النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عليها؛ والذي أدى إلى تحررها وزيادة توسعها إقليمياً.
وبعد الوقوف على أبرز المحطات التي مرت بها العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” بدءاً بفترة ما قبل الثورة الإيرانية وما تخللها من انجذاب إيراني نحو المعسكر الغربي، مروراً بانتصار الثورة الإيرانية وصعود نظام الخميني وما رافق ذلك من محاولات التصدير العنيف والناعم للثورة، إلى جانب ما شهدته العلاقة لاحقاً من عوامل جذب ودفع في ظل تقلبات السياسة الداخلية في كلٍّ من إيران (ثنائية الإصلاحيين والمحافظين) والولايات المتحدة (ثنائية الجمهوريين والديمقراطيين) سلباً أو إيجاباً، وانتهاءاً باستشراف مستقبل العلاقة مع عودة المحافظين إلى الحكم في إيران بعد فوز المحافظ (إبراهيم رئيسي) في الانتخابات الرئاسية لعام 2021م؛ يجدر بنا الانتقال إلى دراسة انعكاس التغيرات في العلاقات بين الأطراف على الملف السوري، لـِمَا لهذه العلاقة من تأثير واضح على الساحة السورية، ومحاولة الخروج بمقاربة تشكّل الخطاب الأنسب لتعامل السوريين مع تفاعلات هذه العلاقة، وهو ما سنخصص له ملحقاً إضافياً في هذه السلسة.
لمشاركة تقرير: https://sydialogue.org/5llk
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد