الأبحاث والدراساتالإصداراتالقوى الدولية الفاعلة في الملف السوريوحدة تحليل السياسات

تموج العلاقات وسط أحداث اقليمية ودولية كبرى

تقرير تحليلي من إعداد وحدة تحليل السياسيات

ملخص:

تأتي أهمية الدراسة من أنها تتناول تموّجات العلاقة الإيرانية مع الولايات المتحدة، وبدرجة ثانية مع “إسرائيل” في فترةٍ شهدت أحداثاً تاريخية كبيرة مثّلت نقاط انعطاف في القرنين الماضي والحالي، أبرزها: انهيار الاتحاد السوفييتي، وغزو العراق للكويت وما تلاه من تدخل دولي ضد العراق، وأحداث 11 أيلول وما تلاها من احتلال للعراق وأفغانستان، إضافة إلى البدء بـ “عملية السلام” العربية – الإسرائيلية. مع محاولة التركيز على محركات التغير في العلاقات؛ كالتغير في حالة وجود العدو والتهديد المشترك، وهو ما تمثل بتراجع كل من الاتحاد السوفييتي والعراق كتهديد مشترك لكل من “إسرائيل” وإيران، وكذلك نقطة التحول باتجاه “الحرب على الإرهاب” بعد أحداث 11 أيلول، التي مهّدت لوجود المصالح المشتركة والتنسيق بين إيران والولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق، والجدير بالملاحظة هنا أن الديناميكيات /المحرّكات ذاتها تكررت لاحقاً عندما شهدنا الصعود الكبير لتنظيم “داعش” مثلاً، الأمر الذي مهّد من جديد للتنسيق الأمريكي الإيراني المشترك في أجواء إدارة أوباما التي وقّعت الاتفاق النووي، وما نشهده اليوم أيضاً من اندفاع بعض الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها مع “إسرائيل”.

إنَّ تشابُه بعض الأحداث التاريخية يدفع البعض إلى القول “إن التاريخ يعيد نفسه”؛ والصحيح أن الأحداث التاريخية تتشابه بسبب تشابه الدوافع والديناميكيات /المحركات، وهو الأمر الجدير بالدراسة والملاحظة بهدف الاستشراف المستقبلي لأحداث المنطقة والعلاقات الدولية المعقدة فيها.

مقدمة:

شكَّلت حالة صعود الثورة الإيرانية في العام 1979م تحوّلاً مهماً في المنطقة عموماً، لاسيما بعد تبنّي النظام الإيراني الجديد استراتيجية تصدير الثورة إلى البلدان المجاورة، وهو ما مثّل تهديداً أمنياً لتلك الدول، وصولاً إلى ما نشهده حالياً من تغلغل الأذرع الإيرانية المسلحة وغير المسلحة في مختلف الدول العربية؛ ابتداءً من العراق، وليس انتهاءً بسورية واليمن[1].

وفي السياق ذاته أطلقت الثورة الإيرانية مع مجيئها شعارات أيديولوجية جاذبة، كنصرة المظلومين والمستضعفين، عزّزها ما ظهر من توترٍ مع الولايات المتحدة، وقطعٍ للعلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وتحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطين، وحدوث عدة احتكاكات إيرانية مع الولايات المتحدة (أبرزها أزمة السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران)، وذلك بالتزامن مع ممارسات ذات دلالات متناقضة؛ كالإصرار على الحرب الإيرانية العراقية، ثم لاحقاً حدوث التعاون الأمريكي الإيراني في العراق وأفغانستان، الأمر الذي أثار جدلاً حول حقيقة تعاملات النظام الإيراني مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وديناميكيات العلاقة بينهما، مع ظهور بعض المحاولات لاخترال توصيف العلاقة بتوصيفات بسيطة؛ كالعداء، أو التحالف السرّيّ، أو التبعية، وهو ما بات يُعرف بـ “نظرية المؤامرة”؛ التي تفسّر أنَّ كل ما يحدث من مواجهات أمنية وعسكرية وسياسية بين الطرفين لا تعدو أن تكون تمثيليات ضمن خطة للهيمنة على العالم العربي وتقاسم النفوذ فيه[2]. وفي المقابل يتحدث آخرون عن “صراع وجوديّ” حقيقيّ مستمدّ من الأيديولوجيا، وله أبعاد دينية تعيق إيران و”إسرائيل” تحديداً من الوصول إلى حلٍّ شامل لإنهاء حالة التوتر المعلن المستمرّ بينهما[3].

تأتي هذه الورقة كجزء من سلسلة للإضاءة على هذا الموضوع في محاولة للوصول إلى فهم واقعي موضوعي متكامل للأحداث والديناميكيات، وكشف الغموض عن العلاقة المعقّدة المتداخلة التي جمعت إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف بناء القدرات في استشراف مآلات العلاقات بين الطرفين، وفهم العوامل المحركة لها توافقاً واختلافاً، بما يساعد على وضع تصور أقرب للدقة في التعامل مع المحيط الإقليمي والدولي، وفهم التقاطعات والمصالح المشتركة التي يمكن البناء عليها للتصدي لمخاطر المشروع الإيراني في سوريا.

أعدت هذه الدراسة التحليلية بناء على استقراء وتحليل الأحداث والمنعطفات المتعلقة بالعلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية فيما بعد الحرب الإيرانية العراقية حتى فترة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، من خلال الرجوع إلى ما توفر لدى الفريق البحثي من الدراسات والتحليلات والوثائق التي كُتبت عن تلك الأحداث من مختلف الباحثين أو السياسيين، باعتبارها معلومات تحتاج التحقق والمقارنة والمعالجة التحليلية للخروج بنتائج، وهو ما سعى إليه فريق البحث للوصول إلى قراءة دقيقة قدر المستطاع.

وبعد أن استعرضنا في الجزأَين السابقَين العلاقة الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية؛ بدءاً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، مروراً بانتصار الثورة الإيرانية وصعود الخميني إلى سدة الحكم في طهران، وانتهاءً بمحاولات تصدير الثورة والتحولات التي طرأت على السياسة الخارجية الإيرانية[4]. سنركّز في هذا الإصدار على أبرز المحطات التي أثّرت بشكل مباشر في مجمل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية بعد انتهاء الحرب الباردة، وصولاً إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتصنيف إيران ضمن “محور الشرّ”، وما رافقه ذلك من ملامح تعاون وتنافر بين الولايات المتحدة وإيران.

أولاً: تأثير انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية في علاقة إيران مع واشنطن وتل أبيب:

كان لانهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991م وتحوُّل النظام الدولي من ثنائي إلى أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الأثرُ البالغ؛ ليس في مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية فحسب، وإنما في مجمل مسار مجريات الأحداث السياسية الدولية.

1.1. انهيار السوفييت، وانتهاء حقبة الحرب الباردة 1991م:

كان تربُّع الولايات المتحدة على عرش الأحادية القطبية بعد خروجها من غمار الحرب الباردة في أوج قوتها، إلى جانب تلهفها لهندسة النظام المستقبلي في المنطقة أحد المؤثرات الرئيسة التي نقلت العلاقة الإيرانية مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى مستوى جديد من التوتر وتناقض المصالح؛ فطهران التي لم تعد تعتبر روسيا تهديداً لحدودها الشمالية كما في السابق شعرت في المقابل فعليّاً بالخطر الأمريكي، ولاسيما بعد أن أسهمت حرب الخليج الثانية في تعزيز النفوذ الأمريكي في الخليج العربي[5] (الفناء الخلفي لإيران والممر المائي الاستراتيجي)، وهو ما دفعها نحو تعزيز علاقاتها بموسكو في تناسبٍ طرديٍّ كلما ازداد العداء بينها وبين واشنطن[6].

وفي الجهة المقابلة أدى زوال الخطر السوفييتي إلى انفراج البيئة الأمنية بالنسبة لـ “إسرائيل”؛ فقد قلّل من الحضور السياسي الروسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما كان محل ارتياح كبير لها، كما أنه حدَّ من قدرة الروس على تقديم الدعم العسكري للجبهة العربية، خاصة العراق؛ مما أنهى فعلياً الاعتماد العربي على قوى دولية عظمى في الصراع مع “إسرائيل”[7]، ولاسيما بعد تداعي “الجبهة الشرقية” وتقهقر الجيش العراقي بعد حرب الخليج الثانية، مما أثر على ديناميكيات العلاقات بين إيران و”إسرائيل”، إذ ضعفَ جداً العدو المشترك الذي يجمعهما.

2.1. حرب الخليج الثانية؛ تغييرات في الاصطفافات الإقليمية:

في الساعات الأولى من فجر يوم 2 آب 1990م نفّذ العراق هجوماً برّيّاً وجوّيّاً على الكويت بغرض الاستيلاء على حقول النفط فيها[8]، وبعد أن استولت القوات العراقية على العاصمة الكويت تمكنت واشنطن من بناء تحالف ضمَّ قواتٍ عربيةً وغربيةً هزمت الجيش العراقي في الكويت، مخلّفةً دماراً هائلاً في صفوف قواته[9].

أدّت هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية إلى إضعاف التهديد العراقي المشترك الذي دفع إيران و”إسرائيل” سابقاً لبناء تحالفٍ سريٍّ تعاونيٍّ، وإيجاد مصالح استراتيجية مشتركة بينهما، وسرعان ما وجدت إيران و”إسرائيل” نفسيهما على طرفين متقابلين؛ كلٌّ منهما يسعى لأن يكون صاحب الدور الأهم في هندسة النظام المستقبلي في المنطقة. ويبدو أنَّ هزيمة العراق (العدو التقليدي لكل من إيران و”إسرائيل”)، والحاجة إلى بناء نظام جديد في المنطقة؛ قد جعلت من إيران في أعين “إسرائيل” قوّةً إقليميّة يمكن أن تهددها مستقبلاً[10]، إلى جانب أنه وفّر فرصةً جديّةً لإيران قد تمكّنها من استعادة دورها الإقليمي الذي فقدته نتيجة سقوط الشاه وتبنّي منهج “تصدير الثورة”. ويبدو أنها وجدت في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي” مساراً واضحاً يمكن أن يؤدي إلى تحقيق هدفها القيادي الإقليمي في المنطقة، ولاسيّما في منطقة الخليج العربي[11]، وهو ما عبّرت عنه سياسة “الحياد الإيجابي” التي اتّبعتها طهران خلال الحرب التي شنّها التحالف على العراق لإخراجه من الكويت[12]؛ والتي لاقت ترحيباً حارّاً من الدول الخليجيّة والولايات المتحدة الأمريكية على حدٍّ سواء.

ويرى البعض أن سياسة الانفتاح الإيرانية على العالم الخارجي وعلى جوارها من الدول الخليجية التي تبنّتها حكومة (رفسنجاني)[13]، وذلك في إطار جهودها في تغيير السياسة التي حكمت إيران طوال فترة الحرب، عبر إحداث تغييرات جوهرية في الخطاب والسلوك السياسي الإيراني[14]؛ إنما هي محاولة إيرانية لبناء تركيبة أمنية تشاركيّة في الخليج العربي تمكّنها من جعل دول “مجلس التعاون الخليجي” أقل اعتماداً على الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي سحب الذريعة الأمريكية التي أوجدت لنفسها موطئ قدم في منطقة الخليج العربي من خلال الاعتماد على حاجة الدول الخليجية للحماية الأمريكية من التهديدات العراقية والإيرانية[15]؛ فهي من جهة إيران محاولة لتمكين هيمنتها في منطقة الخليج ولإزالة أي عوائق في مشروعها التوسعي. لكنّ تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، الذي أسهم غزو العراق للكويت في شرعنته وتثبيت أركانه، قد أدى عملياً إلى تقويض تلك المساعي الإيرانية، فمثّل الوجود الأمريكي حاجزاً أمام رغبتها في التمدد والتوسع في منطقة الخليج، وعائقاً أمام تطلعاتها في السيطرة على أمنه.

وعلى صعيد آخر أثار التقارب الأمريكي ـــــ العربي حفيظة وقلق “إسرائيل”، ولاسيما بعد استبعادها عن الحلف العربي ـــــ الغربي لإخراج القوات العراقية من الكويت، التي يبدو أنها كانت محاولة أمريكية لإشراك الدول العربية في حربها ضد العراق، وهو لم يكن ليتم دون إبعاد “إسرائيل” والتزامها الحياد حتى بعد تلقّيها ضربات عراقية صاروخية بالستية استهدفت “تل أبيب” ومدناً إسرائيلية أخرى[16]، ويضاف إلى ذلك سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب الضاغطة على “إسرائيل” للقبول بتجميد المشروع الاستيطاني التوسعي في الضفة الغربية وغزة، والقبول بالدخول في المفاوضات مع الفلسطينيين للدفع باتجاه عملية السلام العربي ـــــ الإسرائيلي[17]، بعد الوعد الذي قطعته إدارة بوش الأب للدول العربية المتحالفة معها في الحرب ضد العراق بمعالجة القضية الفلسطينية فور انتهاء الحرب. ويبدو أنَّ انتصار الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية وخروجها كقوة عظمى وحيدة على المسرح الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي قد أسهم في زيادة استثمار الإدارة الأمريكية في تعزيز مكانتها ونفوذها في المنطقة، وهو ما تجسد عملياً في انعقاد مؤتمر مدريد في أكتوبر عام 1991م كخطوة أولية لإعادة نسج النظام الجديد في الشرق الأوسط عبر تحقيق “سلام عربي إسرائيلي شامل”[18]، المؤتمر الذي أثّر في ديناميكيات العلاقة بين إيران والولايات المتحدة نتيجة استبعاد إيران منه، وشعورها أنه سيؤدي إلى زيادة عزلتها في المنطقة.

ثانياً: القضية الفلسطينية بأعينٍ إيرانية؛ “عملية السلام” وتأثيرها في علاقة إيران مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”:

تعود العلاقات الإيرانية الفلسطينية الرسمية إلى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإيرانية على نظام الشاه عام 1979م؛ حيث استقبل الخميني الوفد الفلسطيني برئاسة (ياسر عرفات) في طهران بعد أن قطعت القيادة الثورية الإيرانية علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وحولت السفارة الإسرائيلية في طهران إلى مقرّ لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، معلنةً عن إطلاق “يوم القدس العالمي” كحدث سنوي لـ “التضامن الواسع مع الشعب الفلسطيني”[19]، في خطوة يبدو أنها تشير إلى محاولة النظام الإيراني الجديد إعادة تموضعه الدبلوماسي السياسي على خارطة التحالفات الإقليمية، وإعلاناً منه انتهاء حقبة نظام الشاه وبدء حقبة إيرانية جديدة، من خلال لعب ورقة فلسطين باعتبارها القضية الجوهرية للشعوب العربية والإسلامية، وما تمثله القضية الفلسطينية أيضاً من أهمية استراتيجية على صعيد الصراع والتنافس الإقليمي في الشرق الأوسط.

 ويلاحظ أنَّ العلاقة الإيرانية مع القيادات الفلسطينية تأثرت بشكل فعليٍّ بالمواقف الفلسطينية من قضايا معينة أكثر من ارتباطها بالبعد الخطابي الإيديولوجي الإيراني تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ وقد ظهر هذا جليّاً في علاقة طهران بمنظمة التحرير الفلسطينية على خلفية موقف القيادة الفلسطينية في الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م الداعم للنظام العراقي آنذاك[20]. كما أنَّ تهميش طهران لاحقاً واستبعادها عن مؤتمر مدريد عام 1991م، إلى جانب تبنّي منظمة التحرير الفلسطينية خيار المفاوضات طريقاً لتسوية الصراع عقب توقيع اتفاق أوسلو عام 1993م؛ كل ذلك أدّى بدوره إلى بلورة السياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية، والاتجاه نحو التقارب مع الفصائل الفلسطينية الرافضة لاتفاق السلام مع “إسرائيل”؛ وكان هذا بداية مرحلة جديدة في علاقاتها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة.

1.2. مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو؛ التقارب الإيراني مع الفصائل الفلسطينية:

عقب طرد القوات العراقية من الكويت أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب عزم بلاده الدعوة إلى مؤتمر لإقامة سلام دائم بين العرب و”إسرائيل” في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1991م[21]، وقد كان الامتناع فيما يبدو عن توجيه الدعوة لإيران لحضور مؤتمر مدريد ومن ثم استبعادها عن محادثات أوسلو عام 1993م نكسة لسياسة الانفتاح الدولي وتلطيف حدّة السياسة الخارجية التي قادها رفسنجاني مع الولايات المتحدة والغرب؛ إذ شعرت القيادة الإيرانية بأنَّ الإيماءات البراغماتية التي أرسلتها للولايات المتحدة في سبيل الاعتراف بالدور الريادي الإقليمي الإيراني في المنطقة لم تنل اعتراف واشنطن وتقديرها، بل على العكس من ذلك؛ زادت إيران عزلةً وتهميشاً دولياً، وهو ما كان واضحاً في استبعادها عن أي ترتيبات أمنية في المنطقة، واستثنائها من محادثات “عملية السلام” العربي الإسرائيلي، ويعود ذلك في الغالب إلى استمرار التحركات الإيرانية العدائية، والتناقض بين تصريحاتها المعلنة وسياستها الفعلية؛ ففي الوقت الذي تبنّت فيه إيران سياسة الانفتاح وتحسين العلاقات مع العالم الخارجي تم اتهامها بالوقوف خلف العديد من عمليات الاغتيال لشخصيات سياسية إيرانية معارضة، والتي كان من أبرزها حادثة اغتيال رئيس وزراء إيران الأسبق (شهبور بختيار) في باريس في العام 1991م[22]، وهو ما يبدو أنه كان ذا تأثير عميق على سلوك الغرب عموماً في طبيعة تعاملهم مع إيران في تلك الفترة؛ لاسيما وأن أحداث السفارة الأمريكية وسلوك الخميني غير المرضي في التعامل مع الولايات المتحدة بعد عقده صفقة صعوده السلطة كانت ما زالت حديثة في الذاكرة السياسية.

ويبدو أنَّ الشروع في “عملية السلام” العربي الإسرائيلي كان نقطة تحوّل جذرية في العلاقة الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية؛ إذ بدأت القيادة الإيرانية لأول مرة منذ إعلان “الجمهورية الإسلامية” عام 1979م بترجمة سياستها الخطابية المعادية لـ”إسرائيل” إلى أرض الواقع، والعمل على تخريب السياسة الأمريكية في المنطقة، متهمةً الحكومات العربية التي دعمت “عملية السلام” بالخيانة، وهو ما تجسّد فعلياً عبر التوجه إلى زيادة دعم الجماعات الفلسطينية واللبنانية الرافضة لعملية السلام العربي الإسرائيلي كـ “حزب الله” اللبناني[23]وحركتَي “الجهاد الإسلامي” و”حماس” الفلسطينيتين[24]، وربما وجدت طهران في الفصائل الفلسطينية المسلحة الرهان والمتنفس الاستراتيجي الذي يمكن أن تستند إليه السياسة الإيرانية الخارجية في المرحلة القادمة في طبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”؛ فكأنّ إيران فهمت أن هدف “عملية السلام” بين العرب و”إسرائيل”، والترتيبات الأمنية بين الدول العربية والولايات المتحدة هو عزلها إقليمياً؛ وعليه فقد شكّل اجتماع “السلام العربي الإسرائيلي” مع الجهود الأمريكية الإسرائيلية لعزل إيران هاجساً لدى القيادة الإيرانية.

وبما أنَّ القضية الفلسطينية تُعدُّ حجر الأساس في “عملية السلام” وواحدة من المسارات القليلة التي يمكن لإيران إضعاف الموقف الأمريكي ومواجهة “إسرائيل” من خلالها، وهي قضية محورية في العالمين العربي والإسلامي؛ فقد سعت القيادة الإيرانية إلى تخريب “عملية السلام” والشروع في زيادة حدّة معارضتها للسياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة باعتبار أن ذلك سيدعم موقفها في العالمين العربي والإسلامي، ويحقق خروج إيران من العزلة المفروضة عليها[25]، وإثبات دورها المحوري الإقليمي في المنطقة[26]، ويكون لها خطوة نحو هدفها الاستراتيجي المتمثل بـ “تصدير الثورة”. وهكذا استثمرت القيادة الإيرانية في علاقتها مع الفصائل الفلسطينية لتكون جزءاً من المشهد السياسي الداخلي الفلسطيني، ووظّفت هذا المشهد ضمن سياساتها الإقليمية التوسعية، من خلال السعي للإمساك بأوراق عديدة تساعدها في تعزيز فرص تغلغلها الإقليمي[27]، وهو ما سيجعل من الصعوبة بمكان إقصاءها عن الشؤون الإقليمية في المنطقة مستقبلاً.

2.2. سياسة “الاحتواء المزدوج” الأمريكية، وفشل “عملية السلام” العربي الإسرائيلي:

دخلت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية طوراً جديداً يتسم بالتصادم والتوتر؛ إذ بدا أنَّ المعطيات على أرض الواقع قد تغيرت تغيّراً جذرياً بالنسبة لـ “إسرائيل”، التي بنت استراتيجيتها الإقليمية السابقة عبر تبنّي “المبدأ المحيطي” الذي رسمه (ديفيد بن غورين) لاحتواء المحيط العربي المعادي عبر تشكيل حلف محيطي من الدول الإقليمية غير العربية كأثيوبيا وتركيا وإيران[28]، ويبدو أنَّ زوال التهديد العراقي المشترك بعد حرب الخليج الثانية، وتوجه الحكومات العربية للشروع في المفاوضات وتبنّيها خيار “السلام” والحوار مع “إسرائيل” بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؛ أظهر إيران كمنافس إقليمي محتمل لـ “إسرائيل” في المعادلة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة بعد تحررها من القيود العراقية العسكرية، وهو ما دفع لاحقاً حكومة “إسحاق رابين الإسرائيلية” لتبنّي مشروع “الشرق الأوسطي الجديد”، الذي يهدف إلى تحويل “إسرائيل” لثقل اقتصادي في المنطقة؛ وذلك عبر القيام بعقد اتفاقيات سلام مع الجوار العربي، ونقل المعاملات التجارية والاقتصادية من الخليج العربي إلى البحر المتوسط؛ وهو ما يعني توجيه ضربة اقتصادية لطهران وزيادة في عزلتها الإقليمية[29]، ومحاولة الضغط على إدارة “بيل كلينتون” الأمريكية لفرض حصار سياسي واقتصادي على إيران، ومنع أي حوار إيراني أمريكي لا يأخذ المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية بالحسبان[30].

ويمكن القول: إنَّ المكانة القيادية العالمية الأحادية الجديدة التي حصلت عليها الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة كان لها دورٌ أساسي في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه التحركات الإيرانية الإقليمية، وهو ما بدا واضحاً في تحوُّل واشنطن عن سياسة “توازن القوى” التي اعتمدت عليها خلال عقد الثمانينيات، عبر اللجوء إلى ضبط الدعم المتوازن لكل من العراق وإيران ضد بعضهما البعض، إلى اعتماد دور انفرادي في إدارة شؤون الخليج واستبعاد كل من إيران والعراق عن أي ترتيبات سياسية وأمنية تخص المنطقة، ومحاولة عزلهما دولياً وإقليمياً[31]، ولاسيما بعد تبنّي إدارة كلينتون سياسة “الاحتواء المزدوج” لكل من العراق وإيران[32]، عبر فرض العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية عليهما، وتلاقي ذلك مع الجهود الدبلوماسية لـ “حزب العمل الإسرائيلي” لتشكيل نظام “شرق أوسطي جديد”، وقابله التوجّه الإيراني لتبنّي سياسات تخريبية للدور الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين وعلى رأسهم “إسرائيل”، عبر الاستثمار في القوى الرافضة لـ “عملية السلام” العربي الإسرائيلي؛ لما قد يؤدي إليه نجاح “عملية السلام” من تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ما تراه إيران خطراً على هدفها الاستراتيجي المتمثل في التمدد إقليمياً في المنطقة.

ثالثاً. أثر صعود التيار الإصلاحي في إيران على العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية الإيرانية:

دخلت العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية مرحلة جديدة بعد تصدّر التيار الإصلاحي للمشهد السياسي في إيران؛ والذي تمثّل في انتخاب محمد خاتمي رئيساً لها في العام 1997م، وما رافقه ذلك من تحولات في التركيبة السياسية الإسرائيلية التي أفضت لاعتلاء “حزب الليكود” الرافض لـ “عملية السلام” سدة الحكم في “إسرائيل”، وتشكيل الوزارة الأولى لبنيامين نتنياهو في العام 1996م[33].

ويُعد صعود التيار الإصلاحي إلى السلطة في إيران استمراراً للجهود الإيرانية الهادفة للتوجه نحو خطابٍ أكثر واقعية وبراغماتية في إدارة شؤونها الخارجية؛ إذ إنَّ سياسة الانفتاح في السياسة الخارجية الإيرانية، وتحسين العلاقات مع العالم الخارجي وخصوصاً مع الغرب، وتبنّي مبدأ “حوار الحضارات” بدلاً من رفض الحضارات الأخرى ونفيها؛ كل ذلك كان جزءاً ثابتاً في السياسة الخارجية لإيران في عهد الرئيس (محمد خاتمي)[34]، في محاولةٍ إيرانيةٍ كما يبدو لإعادة الاندماج بالمجتمع الدولي والسعي نحو كسر العزلة المفروضة عليها دولياً. وقد آتت الجهود الإيرانية ثمارها مع بداية تحسن العلاقات الإيرانية العربية؛ فقد مثّل عقد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران عام 1997م، إلى جانب الزيارات الإيرانية الخليجية المتبادلة نجاحاً للدبلوماسية الإيرانية وبدايةً لكسر عزلتها الدولية[35].

وفيما يتعلق بالغرب والولايات المتحدة ظهرت سياسة الانفتاح التي قادها الخطاب الإصلاحي من خلال الإيماءات والرسائل الإيجابية الإيرانية؛ التي هدفت لإثبات رغبة طهران في التواصل مع الولايات المتحدة ومع المجتمع الدولي، من خلال توضيح موقفها في العديد من القضايا كالإرهاب والملف النووي والسلام الإقليمي[36]، ومنها ما صدر عن الرئيس محمد خاتمي في مقابلة أجرتها معه شبكة (CNN) عام 1998م، وعبّر فيها عن أسفه حيال الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م، مبدياً إعجابه بـ “الشعب الأمريكي وحضارته”، ومؤكّداً على دعم خيارات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين[37].

وقد قُوبلت الإشارات والمحاولات الإيرانية بإيماءات مماثلة من قبل إدارة كلينتون، ولكنْ دون حدوث تغير في استمرار الحصار الاقتصادي والعزلة الإيرانية؛ وهو ما يمثّل استمراراً لوجود رغبة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إحداث خرق على صعيد العلاقات مع إيران باعتبارها دولة مركزية في المنطقة[38]. ومن ذلك إعلان جورج بوش الأب في خطابه الرئاسي “أن حسن النية يولّد حسن النية” في إشارة إلى إيران، واعتذار وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة كلينتون لاحقاً عن تدبير بلادها لانقلاب عام 1953م وعن دعم العراق في حربه ضد إيران، وذلك في مناسبة عيد النيروز “رأس السنة الفارسية” عام 2000م[39]، ما أذن بظهور بوادر انفراج سياسي في العلاقات الأمريكية الإيرانية؛ لكنه لم يكتمل بسبب المعارضة الداخلية في البلدين[40]، لاسيما مع التخوّف الإسرائيلي من نمو العلاقات بين الطرفين؛ إذ حاولت إيران أن تفصل بين علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنافسها الإقليمي مع “إسرائيل”، وذلك عبر استخدام قنوات خلفية متنوعة للحوار مع واشنطن بهدف خفض حدة التوتر معها[41]، في سبيل كسب اعتراف أمريكي بموقعها وقيادتها الإقليمية، وهو ما  تراه “إسرائيل” مُضرّاً بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة؛ لأن اعتراف الولايات المتحدة بمصالح إيران ووزنها الإقليمي سيكون على حساب التفوق الإسرائيلي في المنطقة.

ويمكن القول: إن إدارة كلينتون عملت ضمن استراتيجية مركبة من خلال تبنّي استراتيجية “الاحتواء المزدوج” لإيران والعراق؛ وهي محاولة الضغط على كلا الدولتين في الوقت نفسه بدلاً من دعم إحداهما على حساب الأخرى، مع تقديمها للعديد من العروض للتواصل مع إيران وفتح حوار معها[42]، ويبدو أنَّ تلك العروض والرسائل الإيجابية لا تعدو أن تكون أداة ترغيبية لحمل إيران على التنازل في العديد من القضايا العالقة بين البلدين، ولا سيما حول مشروعها الإقليمي في المنطقة، أو الملف النووي.

ثم جاء فوز جورج بوش الابن في الانتخابات الأمريكية عام 2001م ليعزز المخاوف الإسرائيلية من احتمال اتباعه سياسة والده جورج بوش الاب تجاه المنطقة، والتي تمثلت بالضغط على “تل أبيب” لتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف دعم “عملية السلام”، وتليين موقف الولايات المتحدة تجاه إيران، وهو ما يعني تقليص العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة كلينتون، والتي تُعد الركيزة الأساسية لاحتواء إيران، ثم جاءت أحداث 11 أيلول لتكون فاتحة جديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة.

رابعاً. تأثير أحداث 11 أيلول عام 2001م وما تبعها من الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق في العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية:

مثّلت أحداث 11 أيلول عام 2001م تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وأمنها القومي[43]، وشكّلت نقطة تحوُّل مهم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ التي اعتمدت في سياساتها السابقة على استراتيجية “الردع والاحتواء” لخصومها، كالعراق وإيران، لتتحول إلى استراتيجية “الهجوم الوقائي” والتدخل العسكري المباشر لحماية مصالحها الاستراتيجية الكبرى[44]؛  والذي جاء مع إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2001م “الحرب على الإرهاب”[45]، وما تبعه من غزو أمريكي لأفغانستان والعراق، والذي أدى بطبيعة الحال إلى سياسة جديدة وفصل جديد في العلاقات الأمريكية والإسرائيلية مع إيران.

1.4. التعاون الأمريكي الإيراني في أفغانستان وتصنيف إيران ضمن “محور الشرّ”:

إن توجُّه القيادة الإيرانية في عهد الرئيس خاتمي نحو تحسين العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي عبر الانفتاح السياسي على العالم، وتبنّيها مبدأ “حوار الحضارات” والرغبة بالحوار مع واشنطن والجلوس على طاولة المحادثات؛ قد تلاقى فيما يبدو مع الجهود الأمريكية الهادفة إلى حشد الدعم الدولي ضد طالبان في أفغانستان[46]، عدو إيران اللدود آنذاك[47]. ومع بدء الولايات المتحدة عملها العسكري في أفغانستان بدأت جولات التعاون بين البلدين مع عقد وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكيين الاجتماعات مع الدبلوماسيين الإيرانيين في جنيف للحوار ومناقشة تفاصيل التعاون في أفغانستان[48]، وقد لعبت إيران دوراً مهماً في تحقيق نصر أمريكي سريع في أفغانستان ضد طالبان و”القاعدة”؛ ليس على الجانب العسكري فحسب، وإنما على الجانب السياسي أيضاً؛ حيث لعب الفريق الإيراني حينها دوراً محورياً في المساعدة في تأسيس أول حكومة أفغانية بعد طالبان في مؤتمر بون عام 2002م[49].

ولعلَّ طهران وجدت في التحرك العسكري الأمريكي في أفغانستان فرصة سانحة تساعدها على التخلص من نظام طالبان على حدودها الشرقية، إضافة إلى أنَّ التعاون مع الولايات المتحدة في أفغانستان قد يؤدي إلى تقليل التوترات وحل الأمور العالقة بين البلدين؛ ما يعني كسر العزلة الدولية المفروضة عليها. والأهم من ذلك أن مشاركة إيران أعطتها فيما يبدو ورقة إضافية تساعدها على توسيع نفوذها في أفغانستان، ومنع الولايات المتحدة من الانفراد بالساحة الأفغانية وإنشاء قواعد أمريكية على حدودها الشرقية تكون قادرة فيما بعد على ضرب وتهديد النظام الإيراني في طهران[50]، وهو ما أثبته لاحقاً دعم إيران لطالبان مالياً وعسكرياً ومدّها بالسلاح والعتاد وتدريب عناصرها في معسكرات للحرس الثوري لزعزعة الأمن واستنزاف الفواعل الغربية وتسريع انسحابها، ومنعهم من إيجاد موطئ قدم طويل الأمد لهم، والعمل على ضرب الوجود الأمريكي في أفغانستان[51].

ويمكن القول؛ إنَّ الاستثمار الإيراني في تبادل المصالح مع تنظيم “القاعدة”، عبر إيواء قيادات التنظيم وعوائلهم في إيران للإقامة فيها بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان، واستخدامهم ضد مصالح الولايات المتحدة في أفغانستان والمنطقة[52]؛ كان فيما يبدو محدداً رئيسياً في طبيعة العلاقة الأمريكية مع إيران، وعائقاً كبيراً أمام حدوث تقاربٍ إيرانيٍّ أمريكيٍّ محتملٍ آنذاك.

يضاف إلى ذلك المشاكسات الإيرانية في محاولتها الاستثمار في القضية الفلسطينية والتشويش على “عملية السلام”، كحادثة اعتراض “إسرائيل” للسفينة “كارين أيه” في المياه الدولية في البحر الأحمر محملة بأسلحة وذخائر إيرانية، واتهام طهران بالسعي لخرق الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع “إسرائيل” عبر إرسالها أسلحة إلى السلطة الفلسطينية، والعمل على منع حدوث “سلام عربي إسرائيلي”[53]؛ كل ذلك كان مفيداً في دعم “إسرائيل” والقوى الأمريكية المعارضة للحوار الأمريكي الإيراني للضغط على إدارة جورج بوش الأمريكية لمنع الجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران[54]، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى تصنيف الولايات المتحدة لإيران ضمن “محور الشرّ” خلال كلمة ألقاها بوش عام 2002م[55].

وقد شكّل خطاب “محور الشرّ” فشلاً ذريعاً لحكومة محمد خاتمي “التيار الإصلاحي” و”سياسته الانفتاحية”، وردت إيران بقطع قناة جنيف تعبيراً عن احتجاجها على تصنيفها ضمن “محور الشرّ”، ولكنها سرعان ما وجدت نفسها بحاجة إلى طريقة للعودة إلى جنيف بعد عزم الولايات المتحدة غزو جاراتها الغربية “العراق”.

2.4. عودة التنسيق الأمريكي الإيراني، الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م:

في مستهل العام 2002م أعلن الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً “إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها”، وأضاف: أن بلاده “لا تريد غزو العراق؛ وإنما تحرير الشعب العراقي”، متهماً صدام حسين بـ”تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لمفتشي المنظمة الدولية”[56].

ومع بدء الغزو عام 2003م اتخذت إيران موقفاً سياسياً استراتيجياً مركباً تجاه الغزو الأمريكي للعراق؛ فقد عارضت إيران الحرب نظرياً، متهمةً الولايات المتحدة بشنّها الحرب “لخدمة مصالحها الخاصة والسيطرة على العراق ونفطه وتأمين وضع آمن لإسرائيل”[57]، حيث خشيت طهران فعلياً من تحقيق الولايات المتحدة لنصرٍ سريعٍ في العراق على غرار نصرها في أفغانستان، وتنصيب نظام عراقي موالٍ لها، ما يعني تطويق الولايات المتحدة لها وجعلها عرضة للضغوطات الأمريكية، وربما الهدف الرئيسي القادم بعد الانتهاء من العراق. وعملياً استفادت إيران من الحرب؛ وذلك بالعمل على تحقيق نصر أمريكي في العراق للتخلص من النظام العراقي المعادي لها، حيث سارعت طهران بتقديم عرض لإعادة فتح قناة جنيف للتنسيق وتقديم الدعم للأمريكيين خلال عملية الغزو[58]، وهو ما يبدو أنه لاقَى قبولاً من الإدارة الأمريكية بعد تعهد إيران بتسهيل غزو العراق للإطاحة بالنظام العراقي، وذلك بفتح المجال الجوي أمام الطائرات الحربية الأميركية، وتقديم معلومات استخباراتية نوعية متعلقة بالعراق، إضافة إلى استخدامها لنفوذها على الجماعات الشيعية العراقية المعارضة لنظام صدام لمنعها من مقاومة الغزو الأمريكي[59]، مع الحرص على عدم تمكين الولايات المتحدة من العراق بما يكفي لضرب إيران، وذلك عبر التشويش على السيطرة الأمريكية بدعمها الانتقائي للحركات المناهضة للاحتلال الأمريكي للعراق[60]، مستغلة حالة الفراغ الأمني والسياسي في العراق من أجل ترسيخ نفوذها فيه، ومنع نشوء عراق قوي من جديد، عبر الاستثمار في القوى السياسية الشيعية التابعة لها ودعم الميليشيات سياسياً وعسكرياً[61].

وعلى جانب آخر أدت الهجمات التي تعرضت لها العاصمة السعودية الرياض، والتي تسببت بمقتل العشرات بينهم عدد من الرعايا الأمريكيين والغربيين، إلى إيقاف قناة جنيف وإلغاء المحادثات الأمريكية الإيرانية بعد توجه أصابع الاتهام إلى تنظيم “القاعدة” الموجود في إيران[62]، وهو ما أحدث نكسة كبيرة لسياسة “التيار الإصلاحي” المتمثل بالرئيس الإيراني “محمد خاتمي” المنفتحة على الغرب لحساب “التيار الأصولي” المتمثل بـ “أحمدي نجاد”؛ والذي كان يرى في التقارب مع الولايات المتحدة خروجاً عن مبادئ “الثورة الإسلامية”، ويمارس نقداً صريحاً لمحاولات البعض فتح باب الحوار معها، ويرى أن خط الإمام لا ينسجم مع التفاوض معها لأنها “عدو الثورة الإسلامية، ولن تتوقف عن نسج المؤمرات ضد الجمهورية الإسلامية”[63]، وهو ما مهّد بدوره لفصل جديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية، بعد وصول “التيار الأصولي” بقيادة أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في إيران، وهو ما سيتم استعراضه في الجزء الرابع من هذه السلسة.

الخاتمة:

شكّل صعود الولايات المتحدة لهرم النظام العالمي كقوى عالمية عظمى وحيدة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي تحوُّلاً استراتيجياً للسياسة الأمريكية في طريقة تعاملها مع القضايا الإقليمية المستجدة في الشرق الأوسط، وفي طبيعة علاقتها مع إيران؛ التي تميزت بالتوتر والتصادم أحياناً، والتعاون والتقارب أحياناً أخرى. فقد مثّل تحوُّل الإدارة الأمريكية بداية لاستخدام رأس مالها السياسي بعد حرب الخليج الثانية في تعزيز مكانتها ونفوذها في المنطقة عبر تحقيق “سلام عربي إسرائيلي شامل” نقطة تصادم مع إيران؛ التي اعتبرت أن هدف الجهود الأمريكية في إحلال سلام بين العرب و”إسرائيل”، واجتماع ذلك مع التقارب بين الدول العربية والولايات المتحدة، هو عزلها إقليمياً، وهو ما شكّل هاجساً لدى القيادة الإيرانية التي بدأت بترجمة سياستها الخطابية المعادية لـ”إسرائيل” إلى أرض الواقع، والعمل على تخريب السياسة الأمريكية في المنطقة، متهمةً الحكومات العربية التي دعمت “عملية السلام” بالخيانة، والتوجه إلى زيادة دعم الجماعات الفلسطينية واللبنانية الرافضة لـ “عملية السلام”.

وقد أدّى تقهقر العراق بعد حرب الخليج الثانية إلى حدوث فراغ إقليمي جعل كلّاً من إيران و”إسرائيل” تتنافسان على ملء هذا الفراغ، ووجدت “إسرائيل” في إيران قوةً إقليميةً صاعدة يمكن أن تتمدد مستقبلاً ضمن مجالها الحيوي، وهو ما قد يهدد بدوره التفوق الإقليمي الإسرائيلي في المنطقة، هذا إلى جانب أنه قد وفّر فرصة لإيران لكي تستعيد الدور الإقليمي الذي فقدته بعد سقوط الشاه.

وانطلاقاً من اعتبار إيران أن “عملية السلام” العربية الإسرائيلية ستؤدي إلى  زيادة عزلتها فقد سعت إيران إلى تخريب “عملية السلام”، والشروع في زيادة حدة معارضتها للسياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، مع محاولة الاستفادة من ذلك في الدعاية لنموذجها في العالم الإسلامي؛ في محاولةٍ للخروج من عزلتها، وإثبات دورها المحوري الإقليمي في المنطقة، وخطوة نحو هدفها الاستراتيجي المتمثل بـ “تصدير الثورة”، وهو ما تمثل في استثمار إيران علاقتها مع الفصائل الفلسطينية لتكون جزءاً من المشهد السياسي الداخلي الفلسطيني، ووظفت هذا المشهد ضمن سياساتها الإقليمية التوسعية، من خلال السعي للإمساك بأوراق عديدة تساعدها في تعزيز فرص تغلغلها الإقليمي.

وعلى جانب آخر استطاعت إيران انتهاز فرصة التحول باتجاه الحرب على الإرهاب، وما تلاه من غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق في سبيل تحقيق مصالحها الاستراتيجية وتوسيع نفوذها في كلا البلدين الجارين؛ حيث وجدت في التحرك العسكري الأمريكي في أفغانستان فرصة سانحة تساعدها على التخلص من نظام طالبان، وفتح قناة تنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة تستطيع من خلالها تقليل حدة التوتر معها، في محاولة منها لكسر العزلة المفروضة عليها، وحل الأمور العالقة بين البلدين، تحقيقاً لسياسة الانفتاح التي قادها الخطاب الإصلاحي،  ويبدو أن مشاركة إيران في عملية الغزو أعطتها ورقة إضافية تساعدها على توسيع نفوذها في أفغانستان، ومنع الولايات المتحدة من الانفراد بالساحة الأفغانية وإنشاء قواعد أمريكية على حدودها الشرقية تكون قادرة فيما بعد على ضرب وتهديد النظام الإيراني في طهران، وهو ما أكده لاحقاً دعم إيران لطالبان مالياً وعسكرياً ومدها بالسلاح والعتاد وتدريب عناصرها في معسكرات للحرس الثوري، لزعزعة الأمن وضرب الوجود الأمريكي في أفغانستان.

وفي العراق اتخذت إيران موقفاً سياسياً استراتيجياً مركباً تجاه الغزو الأمريكي؛ فعارضت إيران الحرب نظرياً، واستفادت منها عملياً، لأنها خشيت فعلياً من تحقيق الولايات المتحدة نصراً سريعاً في العراق على غرار نصرها في أفغانستان، وتنصيب نظام عراقي موالٍ لها؛ ما يعني تطويق الولايات المتحدة لها وجعلها عرضة للضغوطات الأمريكية. لكنها ساعدت بالعمل على تحقيق نصر أمريكي للتخلص من النظام العراقي المعادي لها، مع الحرص على عدم تمكين الولايات المتحدة من العراق بما يكفي لضرب إيران، وذلك عبر التشويش على السيطرة الأمريكية بدعمها الانتقائي للحركات المناهضة للاحتلال الأمريكي للعراق، مستغلة حالة الفراغ الأمني والسياسي في العراق من أجل ترسيخ نفوذها فيه، ومنع نشوء عراق قوي من جديد، عبر الاستثمار في القوى السياسية الشيعية التابعة لها ودعم الميليشيات سياسياً وعسكرياً.

وبعد الوقوف على أبرز المحطات التي مرت بها العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” خلال تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب ما شهدته العلاقة من عوامل جذب ودفع في ظل سياسة الانفتاح التي قادها الخطاب الإصلاحي؛ يجدر بنا الانتقال إلى دراسة الأحداث التاريخية بعد صعود التيار الأصولي بقيادة أحمدي نجاد في العام 2005م، والملف النووي الإيراني، وما رافق ذلك من تأثير في مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما سنخصص له الجزء الرابع من هذه السلسة.

لمشاركة الصفحة: https://sydialogue.org/wnh8

لتحميل الإصدار:

” تموج العلاقات وسط أحداث اقليمية ودولية كبرى ” تقرير تحليلي


[1] فيما يتعلق بالوضع في سورية، ونظراً لما تشكّله السياسة الإيرانية في التغلغل الثقافي داخل النسيج السوري من مخاطر كبيرة على الهوية الوطنية السورية، وفي إطار  الجهود للمساهمة في تعزيز الهوية الوطنية السورية الجامعة، ورصد الأخطار المحدقة بها؛ نشر مركز الحوار السوري دراسة كاملة في أربعة اصدارات متتالية بعنوان “التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا: أدواته، مخاطره، سبل مواجهته“، 10/5/2020، وهي متابعة لأوراق سابقة أصدرها المركز بعنوان: “ميليشيات المشروع الإيراني في سوريا” في ثلاثة إصدارات بين 11/2019 ــــــ 1/2020.
[3] ثمة نظرية تتحدث عن “صراع وجودي” بين الفريقين مستمد من الأيديولوجيا وله أبعاد حضارية ضاربة في العمق؛ فإسرائيل لم تعد ترى تهديداً لكيانها خارج إيران ومعسكر حلفائها، وإيران ترى أن مشروع تمددها “الحضاري” ككيان “امبراطوري” ليس له من معيق خارج إسرائيل، المدعومة من مراكز دولية وإقليمية عدة. من مقال: عريب الرنتاوي، إيران وإسرائيل… محاولة للفهم، الدستور، 23/02/2020.
[4] للاطلاع على الجزء الأول من سلسلة “إضاءات على العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة وإسرائيل” يُنظر: كواليس دعم الولايات المتحدة للخميني، مركز الحوار السوري، 04/11/2020. وعلى الجزء الثاني يُنظر:  التقرير التحليلي “تصدير الثورة والتحولات في السياسة الإيرانية”.
[5] يُذكر أن الإيرانيين من مختلف التوجهات العقائدية والسياسية يُبدون حساسية تجاه تسمية هذا الممر الاستراتيجي بـ”الخليج العربي”؛ إذ تستخدم إيران تسمية “الخليج الفارسي”، وقد شهدت الفترة الماضية العديد من المواقف التصعيدية على خلفية إطلاق تسمية “الخليج العربي”، حيث انتقدت إيران بشدة شركة “Google” لما وصفته بـ” التجاوز المسيء الذي مارسته في خدمة خرائطها الشهيرة “خرائط غوغل” بسبب حذفها اسم ما تصفه بـ”الخليج الفارسي” من خريطة الممر المائي”، كما حذرت شركات الطيران الأجنبية بأنها ستمنعها من الطيران في مجالها الجوي في حال وصفت الخليج الذي يفصل بينها وبين جاراتها جنوب البلاد بـ “الخليج العربي”، وهو ما يدل على تأثير الاعتزاز القومي الإيراني في فكر  وتوجهات النخبة السياسية الإيرانية وفي جمهور غفير من الشعب الإيراني. يٌنظر: حسن منيمنة، هل هو ‘الخليج العربي’ أم ‘الخليج الفارسي’؟، الحرة، 2017، و إيران ستمنع شركات الطيران من دخول مجالها اذا لم تستخدم عبارة” الخليج الفارسي”، BBC NEWS، 2010.
[8] عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية اتهم العراق الكويت بشنّ حرب اقتصادية عليه عبر التلاعب بأسعار النفط، ورفض إسقاط الديون، والتعدي على الآبار النفطية المشتركة بين البلدين؛ ويبدو أنَّ الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعراق بعد الحرب كانت أحد أهم الأسباب التي دفعت العراق بالتفكير الجدّي في التحرك عسكرياً للسيطرة على آبار النفط لإنعاش الاقتصاد العراقي المنهار. يُنظر: خالد الخالدي، العلاقات الكويتية العراقية بعد 28 عاماً من غزو صدام: الجغرافيا سيدة الموقف، العربي الجديد، 2018.
[9] أدت الحرب إلى تدمير القدرات العراقية العسكرية والاقتصادية، حيث دمّر القسم الأعظم من الجيش العراقي، كما انخفض الإنفاق السنوي العراقي من 26.5 مليار دولار في العام 1990م إلى ملياري دولار في العام 1991م، وانخفض حجم قواته من 1.4 مليون جندي في العام 1990م إلى 475 ألف جندي في نهاية الحرب. يُنظر: حرب الخليج الثانية.. الزلزال الذي عصف بمنطقة الخليج، الجزيرة، 07/11/2016.    
[10] يقول تريتا بارزي: إن “الخوف الإسرائيلي تعزّز بعد شروع إيران في برنامج لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، قادرة على ضرب “إسرائيل”، إضافة إلى استئناف إيران بوتيرة بطيئة برنامج الطاقة النووية؛ الذي كان بدأه الشاه كان أيضاً محل قلق بالنسبة لإسرائيل”. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص75.
[11] وهو ما جاء على لســان الرئيس الإيراني هاشــمي رفسنجاني سريعاً عقب حرب الخليج الثانية، إذ يقــول: “إن إيران هــي البلــد الوحيد الــذي يمكن للعالــم الاعتماد عليه للدفاع عن أمــن منطقة الخليج ومواردها النفطية”، وهو ربما يؤكد تطلعات إيران للعب دور مهم في المنطقة. يُنظر: د. ضيف الله الضيعان، العلاقات الأمريكية الإيرانية ــــ الوجه الآخر: ص12.
[12] حيث رفضت إيران طلبات العراق بشــأن الحصــول علــى تســهيلات إيرانية فــي مجال تصدير النفط العراقي وتســويقه، كما رفضت أيضاً تســليم طائرات مدنية عراقية أرسلها العراق لإيران عشية بدء الهجوم الأمريكي بغرض حمايتها من القصف، كما سمحت لسلاح الجو الأمريكي باستخدام الأجواء الإيرانية. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص76. ويُنظر أيضاً:
R.K. Ramazani, “Move Iran Outside the Axis” Christian Science Monitor, August19, 2002
[13] Haleh Esfandiari and Shaul Bakhash, The Long Career of Ali Akbar Hashemi Rafsanjani, January 10, 2017.  
[14]  يمكن الرجوع إلى الجزء الثاني من هذه السلسة في فصل “التحول من الخطاب الإيديولوجي إلى الخطاب الواقعي”؛ فقد أشرنا إلى التحول الذي طرأ على الخطاب السياسي الإيراني مع رحيل الخميني وقدوم “هاشمي رفسنجاني” إلى سدة الحكم في إيران. يُنظر: التقرير التحليلي “تصدير الثورة والتحولات في السياسة الإيرانية”، مركز الحوار السوري: ص15. 
[15] يعرض (غاري سيك) في كتابه “العلاقات الخليجية الأمريكية” تسارع وتيرة دخول الولايات المتحدة إلى منطقة الخليج العربي بعد الغزو العراقي للكويت، ويقول سيك: إن “الولايات المتحدة الأميركية مهيمنة في دول الخليج العربية اليوم، إلا أن تاريخ ارتباطها بالمنطقة موسومٌ بالنفور والريبة والسياسات المتقلّبة. أما التحول في سياستها تجاه دول الخليج فطرأ في خضمّ الركود طويل الأمد الذي امتد إلى الحرب العراقية – الإيرانية، ولا سيما بعد كارثة مبيعات الأسلحة السرية إلى إيران، فبات بعض الدول العربية، مثل الكويت التي كانت تمانع تنامي الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، يُطالب بالحماية الأميركية لناقلاتها النفطية”. يُنظر: “العلاقات الخليجية الأمريكية ــــ هواجس السياسة والاقتصاد والأمن” القسم الأول، “قراءة في خلفيات العلاقة وتحدياتها”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018.
[16] تشير دراسات عربية وأجنبية عديدة إلى أنَّ استهداف العراق لـ “إسرائيل” بعشرات الصواريخ البالستية كانت محاولة عراقية لجرِّ “إسرائيل” إلى الحرب، في مسعى من النظام العراقي لتخريب التحالف المناوئ للعراق الذي بنته الولايات المتحدة، والضغط على الحكومات العربية المنخرطة في التحالف من خلال الفوز بتعاطف الجماهير العربية، وهو ما سيتم في حال دخول “إسرائيل”. يُنظر:
Furkan Halit Yolcu, An Assessment of Israel’s Position in the 1991 Gulf War, Turkish Journal of Middle Eastern Studies, Türkiye Ortadoğu Çalışmaları Dergisi, 2016, p.175. And Aharon Levran, “Israeli strategy after Desert Storm: Lessons of the Second Gulf War”, 1997, London: Frank Cass, BESA studies in international Security, p. 6.
[17] أدى التعنّت الإسرائيلي في القبول بتجميد العملية الاستيطانية والدخول في حوار شامل مع العرب إلى قيام الولايات المتحدة بتأجيل منح “إسرائيل” ضمانات لقروض بقيمة 10مليارات من الدولارات، كانت “إسرائيل” طلبتها لمساعدتها في استيعاب المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي. يُنظر: مفاوضات السلام: الموقف الإسرائيلي عشية مؤتمر مدريد، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1991م.
Sheryl Gay Stolberg, Bush and Israel: Unlike his father – Americas – International Herald Tribune, The New York Times, 2006.
[19] تشير الباحثة فاطمة الصمادي المختصة في الشأن الإيراني إلى وجود حالات معارضة في الشارع الإيراني لا توافق على السياسة الرسمية الراهنة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتعتقد الباحثة أنَّ هناك ستة اتجاهات حول الموضوع: 1. الاتجاه الرسمي السياسي: الداعم لحركات المقاومة ويتسم بـ “العداء” مع “إسرائيل”، 2. دعاة الواقعية: ويحمل أنصار هذا التوجه نظرة سياسية واقعية تجاه “إسرائيل” ويؤمنون بخيار التسوية، 3. التوجه القومي المعادي للعرب: يناصب أنصاره حركات المقاومة العربية بالعداء ولا يتخذون موقفاً معادياً من “إسرائيل” ويرون أن إيران ليس لديها مشكلة معها؛ وإنما العرب من لديهم هذه المشكلة، 4. أولوية الدخل: يأخذ هذا التوجه بُعداً اقتصادياً، ويفضّل أصحابه أن يقتصر الدعم الإيراني على الجانب السياسي، وأن يوجه لحركة “فتح” كونها منخرطة في عملية التسوية، 5. الحداثيون وبعض العلمانيين: الذين يناصبون “الجمهورية الإسلامية” العداء، وينظرون إلى حركات “المقاومة الإسلامية” على أنها تحمل فكراً دينياً متحجراً، 6. التوجه الطائفي المعادي للسنّة: يتخذون موقفاً معارضاً للقضية الفلسطينية من موقف مذهبي سني/شيعي.
يُنظر: دراسة قدمتها الباحثة بعنوان “إيران والمقاومة: تحولات السياسة والمجتمع تقاوم شعارات الثورة وتفرض أولويات جديدة” ـــ الفصل السادس من كتاب: “العرب وإيران، مراجعة في التاريخ والسياسة“، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: ص132.
[20] حاول ياسر عرفات وقف حرب الخليج الأولى عام 1980 التي اندلعت بين العراق وإيران عبر لعب دور الوسيط؛ ما أدى لحدوث توتر في العلاقات بين المنظمة وإيران، إذ لم يستطع عرفات الوقوف مع إيران وإدانة العراق، فقد كان من شأن ذلك أن يفقده دعم العرب، وخاصة دول الخليج الغنية التي دعمت صدّام حسين، وتعمق هذا التنافر بتقارب القيادة الفلسطينية من القيادة العراقية آنذاك. يُنظر: روكسانا سلامة، إيران والقضية الفلسطينية: ما بين الأيديولوجيا والمصلحة القومية، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث.
[21] يُنظر: مؤتمر مدريد للسلام، مركز الجزيرة للدراسات ـــ وثائق وأحداث، 23/03/2016.
[22] يجادل (تريتا بارزي) “أنَّ إيران لم تثبت حسن نواياها بالشكل الفعلي؛ فقد جاءت حادثة اغتيال (شهبور بختيار) التي أفيد أنها كانت من تدبير عملاء إيرانيين في الوقت الذي كانت إيران تسعى إلى تحسين علاقاتها مع واشنطن، وهو ما أظهر سلوكًا إيرانيًّا متناقضًا رفع التكلفة السياسية في الانفتاح عليه”. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص79.
[23] عند الحديث عن تنظيم “حزب الله” لا بد من استحضار   تأثر “حزب الله” بـ “الثورة الإسلامية” من خلال النموذج الشيعي، إذ تُعد “ولاية الفقيه” من الخصائص الأساسية التي تحكم العلاقة بين “حزب الله” وإيران مقارنةً بالحركات الأخرى؛ حيث يقبل هذا “الحزب” “ولاية الفقيه” وقيادة الخميني قبولاً كاملاً، فقد جاء في الرسالة المفتوحة الصادرة عن “حزب الله” في 16 شباط 1985م أن الحزب “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”. يُنظر: كتاب “العرب وإيران”، ص117- 118، ونعيم قاسم، حزب الله: المنهاج والتجربة والمستقبل، 2002: ص78، و علي حسين باكير، حزب الله تحت المجهر ـــ رؤية شمولية مغايرة للعلاقة مع إيران وإسرائيل: ص19.
[24] تُعد حركة “الجهاد الإسلامي” الحليف التقليدي الأقرب لطهران، وهذا يعود لمحاولة قادة الحركة دمج الفكر “الإخواني الإصلاحي” مع الفكر “الثوري الخميني”، ولهذا لا يمكن إغفال وجود مرجعية تعود بجذورها إلى حركة الإخوان المسلمين إلى جانب مرجعية “ثورية خمينية”، ولعل ذلك يعود إلى القراءة المختلفة التي قدمها مؤسسها والأمين السبق لها “فتحي الشقاقي” للفكر الشيعي في كتابه “الخميني … الحل الإسلامي والبديل”؛ حيث كان لنجاح الثورة الإيرانية بأبعادها الإسلامية أكبر الأثر في حركة الجهاد التي كانت تبحث عن بديل إسلامي ثوري لتحرير فلسطين. وهذا بخلاف العلاقة بين حركة “حماس” وإيران؛ وتُعد أكثر حداثة من حركة “الجهاد الإسلامي”، وقد شهدت العلاقة بين الجانبين تحسناً ملحوظاً وبصورة متسارعة، وانعكس ذلك في دعم مالي ولوجستي كبير قدَّمته إيران للحركة التي عانت من التضييق والمحاصرة عربياً. وتعود حركة حماس أيضاً في جذورها وأطرها المرجعية إلى حركة “الإخوان المسلمين”. يُنظر: كتاب “العرب وإيران”: ص119- 120، وفتحي الشقاقي، “الخميني … الحل الإسلامي والبديل“: ص87 -88.
[25] هنا لا بد لنا من التنبيه على أنَّ فك العزلة السياسية لإيران كان أحد أهم الأولويات الرئيسية للنهج البراغماتي الإصلاحي بعد الخميني، والتي تمثلت أولًا: بإعادة البناء داخليًّا من خلال تنشيط الاقتصاد وترميم البنى التحتية والإنسان، وثانيًا: إعادة إدماج إيران بالنظام الدولي والإقليمي. يُنظر: الواقعية الإيرانية والاتفاق النووي بحث في الدوافع والمسارات، مجلة رؤية التركية، 2015.
[26]سارعت إيران إلى عقد مؤتمر دولي للقوى الرافضة لعملية السلام في طهران تحت عنوان: “المؤتمر الدولي لدعم الثورة الإسلامية للشعب الفلسطيني” في العام 1991م بحضور رؤساء ووُفود البرلمانات الوطنية والاستشارية والفصائل الفلسطينية وقوى وأحزاب عربية وإسلامية، وحشد من العلماء والمفكرين والوجوه العلمية والثقافية والسياسية من مختلف دول العالم، ويمكن إدراج عقد إيران لمثل هذه المؤتمرات ضمن سياق محاولاتها المتكررة في تسلم زمام قيادة محور “المقاومة” في المنطقة لمواجهة “الإمبريالية الغربية” و”الاستكبار الأمريكي” على حد توصيف قيادتها الثورية. يُنظر: “حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص91.  
[27] يُنظر: إيران والقضية الفلسطينية: ما بين الأيديولوجيا والمصلحة القومية، منظمة التحرير الفلسطينية، مرجع سابق.
[28] المبدأ المحيطي الذي يُعبّر عنه أيضاً بمقولة “أعداء أعدائي هم أصدقائي”، والذي طوّره رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون في الخمسينيات: كان يركز على فرضية أن على “إسرائيل” إقامة علاقات وثيقة مع دول المنطقة غير العربية لحماية نفسها من جيرانها العرب المعادين لها، وكانت إيران توصف كـ “جوهرة تاج التحالف مع المحيط”. يُنظر: في الصفحة الثالثة من المرجع أدناه:
[29]تمثلت استراتيجية “إسرائيل” لشيطنة إيران في الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لتبنّي سياسة خشنة ضد طهران، مع إطلاق حملة إعلامية غير مسبوقة للترويج “للخطر الذي باتت تمثله إيران؛ ليس على أمن المنطقة وحسب، بل على أمن العالم ككل، وذلك بتطويرها لأسلحة الدمار الشامل”، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك (شمعون بيريز) للقناة التلفزيونية الفرنسية الثانية عام 1996م بأنه “يتعين على الغرب أن يوقف التودد إلى الإيرانيين، لأن إيران هي مركز الإرهاب والأصولية، وهي أشد خطراً من النازية لأن هتلر لم يكن يمتلك قنبلة نووية، في حين أن طهران تسعى إلى تحسين خيارهم النووي”. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص83- 84. ويُنظر:
John Mearsheimer and Stephen Walt, The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy (New York: Farrar, Strauss and Giroux, 2007), p. 40.
[30] ينقل تريتا بارزي تصريحات لمستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك حول الامتعاض الإسرائيلي من المحادثات الأمريكية الإيرانية، حيث يشير إلى أنّه: “ساد الكثير من القلق في “إسرائيل” حول موقع “إسرائيل” في هذا الحوار، وهل ستتشاور الولايات المتحدة معنا (أي مع “إسرائيل”) لمعالجة حاجاتنا ومخاوفنا؟ وهل سنكون جزءاً من صفقة شاملة مع إيران؟ وما هو هذا الجزء؟” يُنظر: حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص115.
[32] اعتقدت إدارة كلينتون أن نظام صدام حسين “نظام لا سبيل لإصلاحه”، ومع هذا كانت تنتظر شيئاً ليحدث تغييراً فيه، وتضمن ذلك زيادة دعمها لحركات المعارضة لحزب البعث، وأما إيرانياً فشرح “انديك” الناطق باسم إدارة كلينتون بأن “الإدارة الأمريكية ستكون أكثر صرامة نحو إيران، ولا سيما تجاه ما يقلق أمريكا من محاولة إيران تطوير أسلحة هجومية ونووية ودعمها للإرهاب”. يُنظر: يوسف فخر الدين، غريب ميرزا، وهمام الخطيب، العلاقات الامريكية الإيرانية: بين الاحتواء والفوضى الخلاقة، تقدير موقف، مركز حرمون للدراسات.
[33] أدّى مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين “الأب الروحي” لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” على يد يهودي يميني متطرف إلى صعود حزب الليكود (الرافض لمشروع السلام)، والذي عارض عملية أوسلو، كما عمل على تبنّي المبدأ المحيطي من جديد؛ والذي يقوم على التعاون مع المحيط غير العربي (إيران وتركيا وأثيوبيا) لموازنة المحيط العربي المعادي. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص101.
[34] وذلك على الرغم من أن التيار الإصلاحي الإيراني له جذور يسارية؛ حيث كان له مواقف متشددة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وشارك كثير من رموزه في اقتحام السفارة الأمريكية. وتشير الباحثة (فاطمة الصمادي) إلى “أنَّه وخلال ابتعاد اليسار عن السلطة قام بمراجعة سياسته الخارجية؛ ففي وقت كان اليسار التقليدي ينادي بقوة بتصدير الثورة ومواجهة أمريكا تحدث اليسار الحداثي (وصولاً إلى ما يُعرف بالتيار الإصلاحي) عن نقد الحضارة الغربية، لا رفضها ونفيها، ووجد أن التعامل مع هذه الثقافة من شأنه أن يقوي الثقافة الوطنية، ويحفظ الهوية الدينية، ويصون المجتمع في وجه الغزو. ودعا اليسار الحداثي إلى معرفة المدنيات الأخرى ومدارس المعرفة الغربية، وهو ما نظّر له محمد خاتمي في أكثر من كتاب؛ فهو يقول: إن مشكلة المجتمع الإيراني اليوم ليست في ” الابتلاء بداء التغريب، وإنما الابتلاء بداء العوام”، فالمشكلة اليوم لا تكمن في المواجهة بين الكفر والإسلام؛ لأن العالم اليوم يشهد كثيراً من المدارس الفكرية التي يتعين على الإسلام أن يجيب على أسئلتها”. يُنظر: فاطمة الصمادي، كتاب التيارات السياسية في إيران، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012: ص132- 133.
[35] يُنظر: تاج الدين جعفر الطائي، استراتيجية إيران تجاه دول الخليج العربي، 2013: ص150.
[36] Douglas jehl, IRANIAN PRESIDENT CALLS FOR OPENING DIALOGUE WITH U.S.  the New York times, 15.12.1997.
[37] يشير “تريتا بارزي” إلى أنَّ خاتمي نأى بنفسه عن إحراق العلم الأميركي في التجمعات والتظاهرات التي ينظمها المحتجون في طهران، حيث قال خاتمي: إنه “يتعين النظر إلى حرق العلم والشعارات المعادية لأميركا بإيران في السياق الأشمل “لجدار انعدام الثقة ” القائم بين الولايات المتحدة وإيران”. كما أصرّ خاتمي على أنه “لا يقصد من هذه الشعارات إهانة الشعب الأميركي، وأنها في الواقع بيانات تخدم في التعبير عن رغبة الإيرانيين بإنهاء نمط العلاقة بين إيران والولايات المتحدة”. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص105. ويُنظر أدناه: نص مقابلة قناة CNN مع الرئيس الإيراني محمد خاتمي:
[38] Patrick Clawson, Michael Eisenstadt, Eliyahu Kanovsky, and David Menashri, IRAN UNDER KHATAMI A Political: Economic, and Military Assessment, The Khatami Paradox, 7. THE WASHINGTON INSTITUTE FOR NEAR EAST POLICY.
[39] ABDULLAH YEGİN, THE US IRAN RAPPROCHMENT: Real or Dream.11. SETA, 2014.
ولم تقتصر الإشارات الأمريكية على وزيرة الخارجية؛ إذ عبّر الرئيس الأمريكي كلينتون خلال مؤتمر صحفي عن تفهمه للاستياء الإيراني من الولايات المتحدة ومن الغرب عموماً، مجادلاً بأنَّ” إيران تتعرض بحكم أهميتها الاستراتيجية الفائقة للكثير من الإساءات من جانب الدول الغربية”. يُنظر نص المؤتمر الصحفي على الرابط أدناه:
The White House, Office of the Press Secretary, “Remarks at the Millennium Evening the Perils of Indifference Lessons Learned from a Violent Century,” released April 12, 1999.
[40] على الرغم من محاولات خفض حدة التوتر بين البلدين فقد لاقت تلك المحاولات معارضة كبيرة من الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون، ومن أنصار التيار الأصولي في إيران الذين كانوا ينظرون إلى التقارب الأمريكي الإيراني باعتباره محاولة للإطاحة بأحد ركائز “الثورة الإسلامية الإيرانية” عام 1979 (معاداة “الشيطان الأكبر” والإمبريالية الغربية). يُنظر:
[41] يوسف فخر الدين، غريب ميرزا، وهمام الخطيب، مرجع سابق.
Patrick Clawson IRAN UNDER KHATAMI A Political: Economic, and Military Assessment, The Khatami Paradox, 7. THE WASHINGTON INSTITUTE FOR NEAR EAST POLICY.
[43] مروة محمد عبد الحميد عبد المجيد، التغير والاستمرار في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، المركز الديمقراطي العربي، 2016.
[44] أصدر البيت الأبيض في العام 2002م وثيقة بعنوان “استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية”، وتضمنت رؤى الولايات المتحدة لأمنها الداخلي والخارجي ولعلاقاتها الدولية، وقد أكدت الولايات المتحدة من خلال تبنّيها استراتيجية “الضربات الوقائية” أو التحرك الاستباقي حقها في الدفاع عن النفس بشكل استباقي، وأن لها الحرية أيضاً في اتخاذ إجراءات وقائية ضد أي دولة قد تشكل تهديداً بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر تحديد مكامن الخطر ودرئها قبل حدوثها، كما وأعطت لنفسها الحق بالتصرف في إطار “الشرعية الدولية” أو بشكل منفرد؛ أي دون موافقة من المؤسسات الدولية، ورأت بأنه من الإمكان إنجاز أي مهمة عبر العمل الانفرادي دون الحاجة إلى الرجوع لحلفاء الولايات المتحدة، وهو ما بات يُعرف لاحقاً بـ “مبدأ بوش”.  يُنظر:
George W. Bush, The National Security Strategy of the United States of America The Whitehouse, Washington, May 2010 pp14.
[45] أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب أمام جلسة مشتركة للكونجرس والأمة أنه: “لن يتم التفريق بين الإرهابين والحكومات التي تدعمهم”، وأكد أنَّ “على كل دولة أن تأخذ قراراً إما أن تكون معنا أو ضدنا، وأن الولايات المتحدة ستعتبر أي دولة تستمر في إيواء أو دعم الإرهاب نظاماً معادياً”. يُنظر نص الخطاب كاملاً في الرابط أدناه:
George W. Bush, “Address to a Joint Session of Congress and the American People,” Washington, DC, 20.9.2001.
[46] حمّلت الولايات المتحدة تنظيم “القاعدة” وزعيمه أسامة بن لادن مسؤولية هجوم 11 سبتمبر، وطلبت من حركة طالبان تسليم جميع قيادات “القاعدة” للولايات المتحدة وعلى رأسهم (أسامة بن لادن)، وإطلاق سراح جميع السجناء الأجانب وتسليمهم للولايات المتحدة، وقد رفضت طالبان تسليم أسامة بن لادن لما وصفته “عدم تقديم الأدلة التي تثبت تورطه”. وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ التحركات العسكرية الأمريكية في تركمنـستان، وأوزبكستان، وأفغانستان، وباكستان، ومن قبلها في أذربيجان، جورجيا “مناطق بحر قزوين” بُعيد أحداث 11 سبتمبر لم تكن فيما يبدو مجرد ردة فعل تلقائي على تلك الهجمات؛ بل يبدو أنَّ الاهتمام الأمريكي في التموضع الاستراتيجي في قلب منطقة آسيا الوسطى ومناطق بحر قزوين سبق ضربات 2001، وإن كانت تلك الضربات سبباً دافعاً لبدء تحركاتها تجاه تلك المنطقة والتي توّجت بغزو أفغانستان. للاطلاع أكثر على التحركات الأمريكية تجاه مناطق بحر قزوين بعد 11 سبتمبر 2001 يُنظر: حنان دريسي، السياسة الأمريكية في منطقة قزوين: الاهداف والمحددات: ص17.
[47]  في حقبة التسعينيات ومع سيطرة طالبان على كابل اتسمت العلاقات الإيرانية مع طالبان بالعدائية، بعد أن هاجمت طالبان الشيعة الهزارة في أفغانستان. وكانت ذروة المواجهة عند استيلاء طالبان على القنصلية العامة لإيران في مدينة مزار الشريف الأفغانية عام 1998م، حيث قتلت طالبان العديد من أفرد الهزارة في المدينة، وتسعةَ مواطنين إيرانيين وثمانيةَ دبلوماسيين وصحفياً. يُنظر:
Alireza Nader, Ali G. Scotten, Ahmad Idrees Rahmani, Robert Stewart, Leila Mahnad. Iran’s Influence in Afghanistan: Implications for the U. S.p5. 2014. And, Douglas Jehl, “Iran Holds Taliban Responsible for 9 Diplomats’ Deaths,” The New York Times, September 11, 1998.
[48] يُنظر: حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص116.
[49] المرجع السابق: ص116. ويُنظر أيضاً:
[51] وهو ما تحدثت عنه عدة تقارير عربية وأجنبية؛ ففي العام 2011 اكتشفت القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان أن إيران كانت تقدم أسلحة إلى حركة طالبان، بما في ذلك قذائف عيار 122 ملم، بالإضافة إلى التدريب والتمويل. وهو ما أشار إليه أيضاً تقرير للبنتاغون عام 2014؛ حيث ركّز التقرير على أنَّ “إيران حرصت على الحفاظ على العلاقات الودية مع الحكومة المركزية الأفغانية، ومنع عودة طالبان إلى السلطة، وتقليل الوجود والنفوذ الغربي في أفغانستان. وفي الوقت ذاته وفّر فيلق الحرس الثوري الإيراني مساعدات مالية وعسكرية لطالبان لاستنفاد قوة الفواعل الدولية وتسريع انسحابها، والحرص على عدم إنشاء قواعد أمريكية دائمة في أفغانستان”. يُنظر:
[52] استفادت إيران من خلال استثمارها في دعم “تنظيم القاعدة” من عدة جهات؛ فالقاعدة كسرت نبرة خطابها الهجومي التحريضي ضد إيران، ثم ضغطت إيران على مَن صاروا عندها فكسبت تعميماً من القاعدة لكافة عناصرها بعدم استهداف إيران ومصالحها داخل إيران وخارجها. تُنظر دراسة سابقة أعدها مركز الحوار السوري حول العلاقة غير المعلنة بين إيران وتنظيمات الغلاة المتطرفين تحت عنوان: “استثمار إيران في جماعات الغلوّ والتطرّف“، 21/01/2021. ويُنظر:
 the United States Department of Defense, Progress Toward Security and Stability in Afghanistan. P98. October, 2014.
[54] انقسمت وجهات النظر ضمن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش حول الدخول في المحادثات مع إيران بين فريق وزير الخارجية “كولن باول” الذي اعتقد أن قناة جنيف قد تقود إلى حوارات إستراتيجية في موضوعات أخرى عالقة بين البلدين كالملف النووي، من أجل ترميم العلاقات بين البلدين بشكل نهائي، وفريق من “المحافظين الجدد”، وهي مجموعة سياسية وتيارات فكرية أمريكية تميل إلى اليمين المسيحي المتطرف، وتُـنظّـر للهيمنة الأمريكية في “العالم الجديد”، وقد عارضت الحوار الأمريكي الإيراني، كما و تعتبر أيضاً حماية “إسرائيل” واجباً دينياً مقدساً، وكان لها دور مؤثر في سياسة الحزب الجمهوري الأمريكي الحاكم آنذاك، يُنظر: موسى يوسف الغول، تأثير العامل الديني في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش تجاه منطقة الشرق الأوسط، 2011: ص147- 164، ويُنظر أيضاً:
 [55] يُنظر خطاب جورج بوش الذي وصف فيه إيران والعراق وكوريا الشمالية بـ “محور الشر” في الرابط أدناه:
George W. Bush, “state of the union address” delivered at the U.S. Capitol, Washington, D.C., January 29, 2002.
[57] دعا مرشد الجمهورية “آية الله علي خامنئي” إلى وقف فوري للحرب التي قال عنها: “إن الولايات المتحدة تشنّها لخدمة مصالحها الخاصة”، وجدّد التأكيد على “مبدأ إيران الثابت في عدم مساندة النظام الحالي في العراق، وأنَّ معارضة إيران للحرب لا تعني مساندتها لنظام صدام حسين”. يُنظر: علي الموسوي، غزو العراق يطغى على احتفالات الإيرانيين بالنوروز، الجزيرة،21/03/2003.
[58] كشف ترتيا بارزي أنَّ طهران قدّمت مقترحاً شاملاً للولايات المتحدة يعالج كافة القضايا المتنازع عليها بين البلدين بعد سقوط العراق، وقد عرضت إيران “وقف دعمهم لحماس والجهاد الإسلامي، وسحب السلاح من حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي، وفتح البرنامج النووي بالكامل أمام عملية التفتيش الدولية غير مقيدة، والتوقيع على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة عدم الانتشار، والتعاون الكامل مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بمواجهة التنظيمات الإرهابية، وفيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي ستعترف إيران رسمياً بالحل القائم على دولتين”. يُنظر: حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق: ص123.
[59]بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن كتاب “المبعوث” لـ “زلماي خليل زاده” السفير الأمريكي السابق في العراق؛ فإن اجتماعات عُقدت في جنيف بين السفير الإيراني بالأمم المتحدة آنذاك محمد جواد ظريف ومسؤولين أمريكيين بينهم زاده، مشيراً إلى أن “أمريكا طلبت من إيران التزاماً بعدم إطلاق النار على أي طائرة أمريكية تحلق دون قصد فوق الأراضي الإيرانية”، مبيناً أن “أمريكا كانت تأمل أن تسهم إيران بعد ذلك في تشجيع الشيعة العراقيين للمشاركة البنّاءة في تشكيل الحكومة”. يُنظر التقرير في الرابط أدناه:
[60] تورطت إيران بدعم قوى وتيارات يُفترض أنها معادية لإيران نفسها إيديولوجياً كـ “تنظيم القاعدة” مثلاً، ضمن علاقة براغماتية نفعية في سبيل تحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة، بغض النظر عما تعلن من شعارات ومبادئ. يُنظر: استثمار إيران في جماعات الغلوّ والتطرّف، مرجع سابق.
[61] يُنظر: العرب وإيران، مراجعة في التاريخ والسياسة“، العرب وإيران ملاحظات عامة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: ص14. وسيتم تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل في الجزء القادم من هذه السلسلة.
[62] Justine Blau, Iran A Safe Haven For Al Qaeda? CBS News, 2003.
[63] ينظر: فاطمة الصمادي، التيارات السياسية في إيران: ص73.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى