قراءة في مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد؛ المضامين والنطاق
تقرير صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري
الملخص:
أتى مشروع قانون مناهضة التطبيع ضد الأسد الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي، ويحتاج إقراراً من قبل مجلس الشيوخ وتوقيع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حتى يصبح قانوناً نافذاً؛ ليضع قاعدة أساسية تنصّ على حظر الاعتراف بحكومةٍ سوريةٍ يقودها بشار الأسد من قبل أية إدارة أمريكية، إلى جانب إجراءات عملية توسّع من نطاق قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019، وتحدّ -ولو نظرياً- من موجة التطبيع مع نظام الأسد، وتضغط على الأمم المتحدة لإيقاف التلاعب بها من قبل الأخير.
يأتي هذا التقرير ليشرح بشكل مفصّل مفردات القانون ومضامينه وآثاره المتوقعة؛ حيث إنه يُظهر التوجهات الجديدة لدى المشرِّع الأمريكي بعدم الاقتصار على الكيانات والشخصيات العسكرية والأمنية المرتبطة بنظام الأسد، وإنما التوجه كذلك لشمول الكيانات والشخصيات السياسية واللوجستية و”الإنسانية” التي بدأ نظام الأسد باستخدامها غطاءً لاستمرار تمويل حربه على الشعب السوري؛ فضلاً عن توسيعها لتشمل الجهات والكيانات والشخصيات الثانوية، مثل الشركات الوهمية والأطراف الثالثة غير السورية.
كذلك بيّن التقرير أن خيارات الإدارة الامريكية المعتادة في غضّ النظر عن تطبيع الدول مع نظام الأسد والاعتراف به دبلوماسياً أصبحت غير متاحة، نظرياً على الأقل؛ إذ بات من المطلوب اتخاذ تدابير فعلية واستخدام العقوبات في مواجهة الشركات التي طالما استخدمتها بعض الدول العربية لمساعدة نظام الأسد، مما يعني أن مرور هذه النصوص بالطريقة الحالية في حال إقرارها من مجلس الشيوخ سيجعل الدول تُعيد حساباتها في خطوات التطبيع بعد انتهاء الضوء الأخضر المريح من الإدارة الأمريكية.
أوضح التقرير أنه على الرغم من عدم وضع مشروع القانون أية قيود على الأمم المتحدة فيما يتعلق بتعاملاتها مع نظام الأسد؛ لكنه وفق الإجراءات التي ألزم الإدارة الأمريكية بالقيام بها قد وضع أدوات للضغط على المنظمة الدولية والعاملين فيها -خصوصاً الذين يتبنّون وجهة نظر نظام الأسد- للكفّ عن محاباته والشركات والشخصيات المقربة منه؛ في مخالفةٍ واضحةٍ وصريحةٍ لمبادئ العمل الإنساني التي يُفترض بالمنظمة الدولية أن تكون حريصة على التمسك بها.
مقدمة:
مع تغيُّر موازين القوى العسكرية على الأرض لمصلحة نظام الأسد وحلفائه منذ عام 2018 على الأقل، ووضوح معالم سياسة أمريكية وغربية سمتُها العامة التساهل مع نظام الأسد في سوريا بدأت خطوات إقليمية عدة بالتوجه نحو التطبيع منذ ذلك العام[1]، وزادت وتيرتها بعد كارثة الزلزال أوائل عام 2023، وقد وجدت فيها بعض الدول العربية فرصة مناسبة للمضيّ في مسارات التطبيع مع نظام الأسد؛ فعلى سبيل المثال: قامت مصر وتونس بالاتصالات الدبلوماسية على أعلى المستويات مع نظام الأسد[2]، وأرسلت السعودية من خلاله مساعدات إنسانية للمرة الأولى، تبعتها جهود عربية بقيادة سعودية تُوّجت بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى نظام الأسد[3]، تزامناً مع تشكيل لجنة اتصال وزارية عربية للحوار معه[4].
تزامنت هذه الخطوات الجديدة مع مواقف غربية متحفّظة، في مقدمتها مواقف أمريكية جاءت عبر محطات عديدة رسمية وغير رسمية، مثل: التأكيد على محاسبة نظام الأسد عبر فعالية شهر المحاسبة الذي خُصص في آذار من كل عام[5]، وتوقيع أكثر من أربعين مسؤولاً سابقاً في الولايات المتحدة على رسالة موجهة للرئيس الأمريكي بايدن لاتخاذ سياسة جديدة ضد التطبيع مع نظام الأسد[6]، واستراتيجيات أمريكية تنفيذية لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات التابعة للنظام، تماشياً مع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023[7].
أما فيما يتعلق بالضغط التشريعي على الإدارة الأمريكية فقد مرّ بعدة محطات؛ أولها: اعتماد مجلس الشيوخ الأمريكي في نهاية شهر آذار 2023 مشروع قرار يدعو إلى دعم جهود إعادة الإعمار في تركيا وسوريا عقب الزلزال، أكّد ضرورة عدم انتهاك قانون عقوبات قيصر[8]، وتقديم مشروع قانون مطوّر خاص بتجارة الكبتاغون أُقرّ من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النوّاب الأميركي بالإجماع، وقُدّم إلى الكونغرس تحت مسمى “قانون الكبتاغون 2” في نهاية عام2023م[9].
لتأتي آخر الخطوات تركّز بشكل مباشر وغير مسبوق على خطوات التطبيع من خلال مشروع قانون لمكافحة التطبيع مع نظام الأسد، الذي قُدّم من قبل مجموعة من أعضاء الكونغرس في شهر أيار من عام 2023 بعد جهود كبيرة بذلتها الجالية والمؤسسات السورية في الولايات المتحدة[10]، بهدف منع الاعتراف ببشار الأسد رئيساً لسوريا، وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات على الدول الأخرى الساعية إلى تطبيع العلاقة معه[11].
وهو مشروع القانون الذي شهد تقدماً رسمياً يوم 14/2/2024 بعد إقراره من قبل مجلس النواب الأمريكي بأغلبية 389 صوتاً، فيما سيُرسل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه، وأصبح رسمياً تحت مسمى” قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”[12].
يهدف مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد بشكل رئيسي لمنع أي إجراء رسميّ للاعتراف بالعلاقات أو تطبيعها مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد، وهو ما أوضحه مشروع القانون، أما لجهة مضامينه الرئيسة فقد جاءت في خمسة أقسام؛ الأول خُصص للاسم القصير للقانون، والثاني ليدرج تعديلات على قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، والثالث لحظر الاعتراف بنظام الأسد، والرابع لاستراتيجية الوكالات للوقوف ضد التطبيع مع نظام الأسد، والقسم الأخير خُصص للتقارير حول تلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة.
إذا استثنينا القسم الأول الخاص بالاسم فإن تقريرنا هذا سيتناول الأقسام الأربعة تباعاً:
أولاً: تعديلات قانون قيصر؛ توسيع نطاق العقوبات وتضييق نطاق السلطة التقديرية للإدارة الأمريكية
لعل الصفة الأساسية لمشروع قانون مناهضة التطبيع أنها وسّعت من نطاق العقوبات التي أتى بها قانون قيصر بالتحديد، ويظهر هذا الأمر في القسم الأول من مشروع القانون؛ إذ وسّع نطاق صفات الكيانات والأشخاص الذين تشملهم العقوبات، وكذلك الأعمال التي تقع تحتها، وفق ما يلي:
1- صفات الكيانات والأشخاص الذين يمكن أن تشملهم العقوبات: أضاف مشروع القانون إلى الشخص الأجنبي غير الأمريكي الذي يجب على رئيس الولايات المتحدة أن يفرض عليه عقوبات بموجب قانون قيصر[13]: أعضاء أسرته ما لم يقرر الرئيس عكس ذلك[14]، بالإضافة إلى أولئك الخاضعين لسيطرة أو ملكية هذا الشخص الأجنبي مثل شركاته أو وكلائه، ليس ذلك فحسب؛ وإنما أضاف حتى مَن يقدّمون دعماً أساسياً؛ مالياً أو مادياً أو تقيناً للشخص الأجنبي أو أحد أفراد عائلته ممن تنطبق عليهم الصفات التي تستوجب المؤيدات المفروضة بموجب قانون قيصر[15].
كذلك ضمّ مشروع القانون الجديد إلى قائمة الشخصيات المشمولة بالعقوبات أعضاء مجلس الشعب ومسؤولي حزب البعث ابتداءً بأعضاء القيادة المركزية ولجنة التدقيق والتفتيش وصولاً لقيادات الفروع[16]، وكذلك الخطوط الجوية السورية وشركة أجنحة الشام، وأي شخص أجنبي اعتباري (مؤسسة أو شركة ..إلخ) مملوك من قبلهما أو يخضع لسيطرتهما (وكيل مثلاً)، مع وضع فقرة خاصة للأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد[17]، من جهة إلزام الرئيس ببيان مسبِّب خضوعها أو عدم خضوعها للعقوبات بما لا يتجاوز 120 يوماً من إقرار القانون (الشكل رقم 1).
تشير هذه التعديلات إلى وجود توجهات جديدة لدى المشرِّع الأمريكي بعدم الاقتصار على الكيانات والشخصيات العسكرية والأمنية المرتبطة بنظام الأسد، وإنما أصبح التوجه واضحاً لشمول الكيانات والشخصيات السياسية واللوجستية و”الإنسانية” التي بدأ نظام الأسد باستخدامها غطاء لاستمرار تمويل حربه على الشعب السوري، فضلاً عن أنها لا تقتصر على استهداف الشخصيات والكيانات الرئيسة فحسب، وإنما توسيعها بحيث تشمل الجهات والكيانات والشخصيات الثانوية، مثل الشركات الوهمية والأطراف الثالثة غير السورية، التي طالما لجأت إليها الجهات المستهدفة بالعقوبات للتهرب منها، كما فعلت السورية للطيران وأجنحة الشام وغيرهما[18].
2- المعاملات التي يمكن أن تشملها العقوبات: وسّع مشروع القانون من نطاقها كذلك؛ إذ أدرج نوعين جديدين، وعدّل في صياغة أخريين كانتا موجودتين (الشكل رقم 2)، فقد شمل القانون بالعقوبات نمطين من الأعمال:
- الأول: ما يرتبط بالاستيلاء على عقارات السوريين وممتلكاتهم أو إبرام صفقة حولها؛ فقد نصّ القانون على إخضاع مَن يشارك أو يحاول أن يشارك (بشكل مباشر أم غير مباشر) -وهو يعلم- في عمليات الاستيلاء أو المصادرة أو السرقة أو انتزاع الملكية لتحقيق مكسب شخصي أو لأغراض سياسية، ويشمل ذلك العقارات الموجودة في سوريا أو التي يمتلكها مواطن سوري، ليتبعها بالفقرة الثانية شمول مَن يشارك أو يحاول أن يشارك (بشكل مباشر أم غير مباشر) -وهو يعلم- في صفقة أو صفقات تخصّ الممتلكات، التي تم الاستيلاء عليها أو مصادرتها أو سرقتها أو انتزاع ملكيتها[19].
تشير بنود مشروع القانون إلى تشدُّد المشرِّع الأمريكي في إخضاع عمليات الاستيلاء على ممتلكات السوريين للعقوبات، ويظهر هذا الأمر في شمول عمليات الاستيلاء ومجرد الشروع في ذلك بالعقوبات، وكذلك مَن يقوم بعملية الاستيلاء ومَن يتعامل مع مخرجاتها بحيث يستفيد منها، مثل شرائها أو استئجارها أو استثمارها. فمثلاً: إذا صُودر محل تجاري لأحد السوريين بقرار من القاضي (أ) ابتداءً، ثم أيّد القاضي (ب) هذا القرار، فيُفترض أن يخضع القاضيان للعقوبات بموجب هذا النص، ثم في حال أصبح العقار من الممتلكات العامة، وأعلنت مزايدة لاستثماره فيفترض أن كل مَن تقدم على المزايدة يخضع لهذه العقوبات.
- الثاني: تشمل العقوبات مَن يشارك أو يوجّه عمداً في عملية تحويل مسار المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب السوري في مناطق نظام الأسد، وكذلك التعامل مع العوائد المترتبة على بيع أو إعادة بيع تلك البضائع المحولة أو المساعدات الإنسانية الدولية[20].
تشير هذه الخطوات إلى سعي المشرِّع الأمريكي للحدّ من فعالية الخطوات التشريعية والتنفيذية التي يقوم بها نظام الأسد للاستيلاء على أموال السوريين وعقاراتهم، وكذلك سرقة المساعدات الإنسانية المخصصة للمدنيين المقيمين في مناطق سيطرته، أو إساءة استعمالها، أو توجيهها لغير مستحقيها، أو الاتجار بها[21].
أما بالنسبة للأعمال التي تم تعديلها فهي شمول العقوبات لمن يبيع أو يقدّم طائرات أو قطع تبديل للطائرات للحكومة السورية، أو لصالحها أو بالنيابة عنها، أو لأي شخص أجنبي يعمل في هذا المجال بشكل مباشر أو غير مباشر في المناطق المسيطر عليها من قبلها، مدنية كانت أم عسكرية[22]، بدلاً من اقتصارها سابقاً على المجال العسكري الذي كان يشمل: بيع الطائرات أو قطع غيار الطائرات، وبيع سلع أو خدمات مرتبطة بتشغيل الطائرات[23]؛ وكذلك أصبحت بموجب مشروع القانون الجديد العقوبات شاملة للخدمات المالية والتجارية إلى جانب الإنشائية والهندسية[24]، وأصبح أي دعم أو صفقة بخصوص الطاقة -بما فيها الغاز الطبيعي والكهرباء- مشمولة بنصّ مشروع القانون الجديد[25].
شكل رقم 2: يوضح نطاق العقوبات على المعاملات
على مستوى الإجراءات، ونظراً لحالة التراخي التي طبعت سلوك إدارة بايدن في تنفيذ قانون قيصر لعام 2019 جاء مشروع القانون ليضيّق من نطاق السلطة التقديرية للإدارات، من خلال الخطوات التالية (الشكل رقم 3):
- تعريف المصطلحات بشكل واضح، وعدم ترك الأمر لتقدير الإدارة، على سبيل المثال: عرّف مشروع القانون المقصود بالصفقات من جهة شمولها المعاملات العينية[26]، وكذلك تحديد قيمة الخدمات التجارية والمالية بمبلغ /5/ مليون دولار فأكثر، والمؤسسات المالية[27]، والصفقات المهمة.
- تحديد مدة (120) يوماً كحد أقصى للرئيس حتى يعطي تقريراً حول طلبات الكونغرس من جهة خضوع أو عدم خضوع شخص أجنبي معين لهذا القانون، وفيما إذا كان الرئيس قد فرض أو ينوي فرض العقوبات على هذا الشخص.
- تمديد انقضاء تطبيق قانون قيصر من 5 سنوات إلى عام كانون الأول 2032.
- تخصيص قسم خاص بالأمانة السورية للتنمية، من جهة إلزام الإدارة الأمريكية بتوضيح مدى خضوعها من عدمه لقانون قيصر المعدل، وتقييد سلطة الإدارة من جهة إلزامها بأن تصدر القرار خلال (120) يوماً من نفاذ القانون، وتقديم كل قرار بهذا الخصوص إلى لجان الكونغرس الموضحة في الفقرة (4) من هذا القسم، مع التبرير ونشرها على العموم؛ إذ وضع مشروع القانون ثلاثة قيود على سلطة الإدارة التقديرية: قيد زمني، وقيد سببي، وقيد مرتبط بالنشر على العموم، مع توضيح اللجان التي تُقدّم لها التقارير.
- تخصيص قسم خاص حول الخطوط الجوية العربية السورية وشركة أجنحة الشام، من جهة التأكيد على شمولها بالعقوبات، وأنها تشمل مزوّدي خدمات المطار لهذه الشركات خارج سوريا.
- النص على إمكانية فصل أي جزء أو نص من القانون عن القانون ذاته في حال الحكم بعدم دستورية هذا الجزء أو النص، وهو نصّ احتياطي يهدف إلى عدم نسف القانون كاملاً في حال الحكم بعدم دستورية بعض نصوصه.
شكل رقم 3: يوضح الإجراءات الجديدة التي نصّ عليها مشروع قانون التطبيع للتضييق من نطاق السلطة التقديرية للإدارة الأمريكية
إن السمة العامة للتعديلات جاءت لتشديد نطاق العقوبات، وتقويض جهود إنعاش نظام الأسد من بوابات عديدة، من أبرزها: الغطاء الإنساني عبر ملف المساعدات، والمشاريع الكبرى كالطاقة، والخدمات المالية، ويُعد في حال نفاذه دون تغييرات جوهرية عاملاً حاسماً في الحدّ من توظيف الأسد للمساعدات الإنسانية لتمويل نظامه، وإقفال باب التطبيع الاقتصادي معه، وإنهاء أفكار سبق طرحها من قبيل “مشروع خط الغاز العربي” عبر سوريا[28].
من جانب آخر فإن التركيز في متن القانون على تضييق نطاق السلطة التقديرية للرئيس الأمريكي في فرض العقوبات تأتي لتؤكد وجود قلق في الكونغرس الأمريكي من تراجع تطبيق أعمال قانون قيصر، خاصة من قبل إدارة بايدن، وطريقة تفسير الاستثناء الدائم للمساعدات الإنسانية من العقوبات الخاصة بقانون قيصر، التي سمحت باستمرار لنظام الأسد بسرقة المساعدات الموجهة للشعب السوري بشكل مباشر[29]، أو من خلال أدواته التي حازت على شراكات واسعة مع الأمم المتحدة كالهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية[30]، التي وُضعت تحت المجهر بشكل مباشر بموجب مشروع القانون الجديد، وهو ما سيجعل المنظمات الدولية والجهات المانحة الأخرى التي دأبت على التعامل معها في موضع محرج على أقل تقدير، فضلاً عن إثارة قضية مهمة للمرة الأولى وهي سلب ممتلكات السوريين؛ وهذا ما يرتبط أيضا بحلفاء نظام الأسد، وفي مقدمتها أدوات المشروع الإيراني في سوريا[31].
ثانياً: القسم الخاص بحظر الاعتراف بنظام الأسد؛ تضييق هوامش المناورة
تضمن هذا القسم الخطوات التي أراد المشرِّع من خلالها الحدّ من خطوات التطبيع المستمرة بين الدول الإقليمية ونظام الأسد؛ ومِن تهاون إدارة بايدن ومَن سيلحقها من الإدارات في موضوع التطبيع[32]، وهو يقيّد المساحة التي يمكن أن تناور فيها الإدارة الامريكية في تعاطيها مع نظام الأسد؛ إذ جاءت أبرز المضامين تحظر كلياً الاعتراف بحكومة في سوريا يرأسها بشار الأسد وتطبيع العلاقات معها، ولتنصّ على إجراءات “معارضة فعلية” لاعتراف بقية الحكومات بأية حكومة سورية يرأسها بشار الأسد أو التطبيع معها من قبلهم، عبر إعمال العقوبات في قانون قيصر، التي يفترض أن تُستخدم لردع أنشطة إعادة الاعمار في مناطق سيطرة نظام الأسد، إلى جانب النص على عدم جواز اتخاذ أي إجراء وتوفير أموال فيدرالية للاعتراف أو الإشارة ضمناً -بأي شكل من الأشكال- إلى اعتراف الولايات المتحدة ببشار الأسد وحكومته.
يشير ما سبق إلى أن خيارات الإدارة الامريكية المعتادة في غضّ النظر عن تطبيع الدول مع نظام الأسد والاعتراف به دبلوماسياً أصبحت غير متاحة نظرياً على الأقل؛ إذ بات من المطلوب اتخاذ تدابير فعلية واستخدام العقوبات في مواجهة الشركات التي طالما استخدمتها بعض الدول العربية لمساعدة نظام الأسد، مما يعني أن مرور هذه النصوص بالطريقة الحالية في حال إقرارها من مجلس الشيوخ سيجعل الدول تعيد حساباتها في خطوات التطبيع بعد انتهاء الضوء الأخضر المريح من الإدارة الأمريكية.
ثالثاً: إجراءات عملية للحدّ من التطبيع مع نظام لأسد؛ الاستراتيجية غير كافية
كاستمرار إجرائي للقسم السابق نصّ القسم الرابع من مشروع القانون على عدة إجراءات تهدف إلى الحدّ من جهود التطبيع مع نظام بشار الأسد؛ فتحدّث هذا القسم بشكل واضح ومفصّل عن التقرير والاستراتيجية التي يجب على الإدارة الأمريكية إعدادها لمواجهة التطبيع، من خلال تحديد شكل هذا التقرير والاستراتيجية والعناصر التي يجب أن يتضمنها ونطاقه ونموذجه ولجان الكونغرس المعنية به.
- إلزام وزارة الخارجية بالتشاور مع المؤسسات والإدارات الفيدرالية المناسبة لإعداد تقرير واستراتيجية حول الإجراءات المتخذة لمواجهة التطبيع مع بشار الأسد ونظامه، أو لتوضيح الإجراءات المتخذة والمخطط لها من قبل الدول التي تطبّع معه.
- تحديد العناصر التي يجب أن تتوفر في التقارير المفروضة في الفقرة السابقة (الشكل رقم 4)، وتشمل:
-وصف الانتهاكات الخاصة بالقانون الدولي المرتكبة من نظام الأسد وروسيا وإيران.
-قائمة كاملة بالاجتماعات الدبلوماسية من مستوى سفير وما فوق بين نظام الأسد والدول الإقليمية المشار إليها.
-قائمة بالصفقات المغطاة التي تتجاوز 500 ألف دولار دفعة واحدة، أو يبلغ مجموعها تراكمياً 500 ألف دولار خلال عام[33].
-تحديد ما إذا كان أيّ من أطراف هذه المعاملة يخضعون لقانون قيصر لعام 2019، أو قانون محاسبة سوريا، أو قانون العقوبات الشامل على إيران 2010، أو القرار التنفيذي 13894، أو قانون ماغنتيسكي العالمي للمساءلة حول حقوق الانسان، أو قانون مواجهة أعداء أمريكا، أو قانون تحديد الشبكات الأجنبية للمخدرات.
-وصف الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لردع الاعتراف بنظام الأسد أو تطبيع العلاقات معه.
-تقييمات حول مدى تأثير اعتراف حكومات أخرى بنظام الأسد أو تطبيع العلاقات معه على الأمن القومي للولايات المتحدة، والتوقعات حول تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 والتطلع للعدالة والمحاسبة. - يجب أن يشمل التقرير المدة الزمنية من 1/1/2021 حتى تاريخ سنّ القانون، ثم من فترة نهاية التقرير السابقة حتى نهاية السنة التالية.
- يجب أن يكون التقرير غير سرّيّ، مع إمكانية أن يتضمن ملحقاً سرياً، ويُنشر على معرّفات الإدارة الفيدرالية.
- تحديد اللجان المعنية بدقة في الكونغرس؛ كاللجنة المعنية بالعلاقات الخارجية، أو لجنة شؤون المصارف والإسكان.. إلخ بتلقي التقارير الخاصة بالاستراتيجية من وزارة الخارجية والوكالات الأخرى ذات الصلة.
- تقديم تفسير لمصطلح الصفقة (المعاملة) الذي يشمل المعاملة المالية التي قيمتها 500 ألف دولار، أو تراكمياً بهذه القيمة خلال سنة بين أحد الأشخاص أو الكيانات المقيمة في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد وآخر في إحدى الدول التالية: تركيا والإمارات ومصر والأردن والعراق وعُمان والبحرين والكويت والسعودية وتونس والجزائر والمغرب وليبيا ولبنان[34].
الشكل رقم 4: يتضمن توضيحاً للعناصر التي يجب على الإدارة الأمريكية إدراجها في التقارير التي تعدّها بخصوص الاستراتيجية المتخذة لمواجهة التطبيع مع بشار الأسد ونظامه
يوضح ما سبق ذكره من استراتيجيات للوقوف عملياً ضد التطبيع مع نظام الأسد وجود تغطية تفصيلية وغير مسبوقة لجهة الإجراءات العملية التي يمكن للإدارة الامريكية القيام بها، وهو ما يعكس مباشرة رغبة من مجلس النواب على الأقل حالياً وفق هذه النصوص التي تم إقرارها بممارسة أكبر قدر من الرقابة التفصيلية على أداء الإدارة التنفيذية لإعمال القانون من جهة، ولمتابعة التطورات الخاصة بالعملية السياسية وجهود العدالة وربط التطبيع من الدول الأخرى بالتأثير على الأمن القومي الأمريكي من جهة أخرى، وهو ما يفتح الباب أمام خطوات أشد عند رسوخ قناعة لدى أعضاء الكونغرس بوجود تناقض بين التطبيع والأمن القومي، وهي مؤشرات جدّيّة لإعمال مضامين العقوبات وتلافي إشكالية الفعالية في القوانين السابقة.
ينعكس ما سبق بطبيعة الحال على ممارسات الأفراد أو الشركات وحتى الحكومات في الدول المشار إليها، التي تمثل بشكل عام مجموعة الدول التي تطبّع بالفعل، كالسعودية والإمارات والأردن والبحرين، أو الدول التي لم تطبّع حتى اللحظة لكنها تُبدي مواقف ومؤشرات للتطبيع كتركيا، وهو ما يلقي بآثاره على حسابات هذه الدول ويحدّ على الأقل من الاندفاع نحو نظام الأسد، خاصة مع الممارسات العملية السابقة بعد شباط 2023 التي أشارت الى عدم تجاوب نظام الأسد وحليفته إيران لمتطلبات المقاربة الإقليمية للتطبيع[35].
رابعاً: بخصوص تقارير تلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة؛ حتى لا تكون المنظمة الدولية أداة لتمويل الأسد
جاءت هذه الفقرة تفصيلاً فعلياً لمكافحة تلاعب نظام الأسد بالمساعدات الإنسانية، وذلك عبر التركيز على العلاقة بين الأمم المتحدة ووكالاتها مع نظام الأسد، وانعكاساً لمجموعة من التقارير والدراسات التي أظهرت فعلياً مدى تلاعب نظام الأسد وسيطرته على المساعدات الدولية أداةً لتمويل حربه على الشعب السوري[36].
ألزم هذا القسم الإدارة الأمريكية بتقديم تقارير خلال 180 يوماً ودورياً لمدة خمس سنوات، تصف كيف يتلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة، وتشمل عناصر التقرير كلّاً من:
- الشروط الصريحة والضمنية التي يضعها نظام الأسد فيما يتعلق بتفاصيل عملياتية عديدة، كالشركاء المنفذين أو التوظيف وتخصيص المنح.. إلخ.
- وصف طريقة تعاطي الأمم المتحدة مع هذه الشروط من حيث رفضها أو معارضتها.
- تفحُّص هوية موظفي الأمم المتحدة وصلاتهم مع نظام الأسد، بما فيها الروابط العائلية.
- وصف كامل للقيود المفروضة من نظام الأسد على وصول الأمم المتحدة لتنفيذ مهامها الإنسانية.
- وصف طرق استفادة نظام الأسد من المساعدات الأممية.
- وصف آليات العناية الواجبة وإجراءات الأمم المتحدة للتعاقد مع الكيانات لمنع خرق العقوبات.
- تحديد الكيانات المرتبطة بنظام الأسد، بما في ذلك الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر العربي السوري، ووزارات الحكومات الأجنبية، والشركات الخاصة المملوكة أو الخاضعة لسيطرة النظام بشكل مباشر أو غير مباشر ممن تلقى تمويلاً من الأمم المتحدة.
- تقييم تلاعب نظام الأسد بأسعار الصرف للاستفادة من أموال الأمم المتحدة.
- تقييم الدرجة التي أدت بها أشكال التلاعب المختلفة إلى التنازل عن المبادئ الإنسانية للأمم المتحدة.
- استراتيجية للحدّ من قدرة نظام الأسد على التلاعب أو التأثير بطريقة أخرى في الأمم المتحدة وعمليات المساعدة الأخرى في سوريا.
يعني ذلك وضع التعاملات بين الأمم المتحدة ونظام الأسد تحت مجهر الرصد والمتابعة، بما فيها طبيعة الأشخاص الذين يتم توظيفهم، وهو ما يعني مواجهة جهود التغلغل التي يمارسها نظام الأسد وتؤدي لتوظيف مقربين من نظام الأسد في الوكالات لتحويلها إلى مكاتب تخدم الجهود الأمنية لنظام الأسد[37].
مع أن هذا القسم لم يُشِر بشكل مباشر إلى أية قيود على الأمم المتحدة فيما يتعلق بتعاملاتها مع نظام الأسد؛ لكنه يمثّل خطوة سياسية أراد المشرِّع الأمريكي من خلالها الضغط على المنظمة الدولية والعاملين فيها -خصوصاً الذين يتبنون وجهة نظر نظام الأسد- للكفّ عن محاباته والشركات والشخصيات المقربة منه، عبر جعل أموال المساعدات الدولية إحدى القنوات التي يستخدمها لدعم نظامه؛ في مخالفةٍ واضحةٍ وصريحةٍ لمبادئ العمل الإنساني التي يفترض بالمنظمة الدولية أن تكون حريصة على التمسك بها.
خاتمة:
حازت الخطوة التشريعية الأخيرة على تفاعل واهتمام كبير من السوريين بعد فترة طويلة من الأحداث التي يمكن اعتبارها تصبّ في مصلحة نظام الأسد، خاصة على الصعيد الإقليمي، وهو ما أعطى بلا شك جرعة من التفاؤل “الحذر” بتغيرات قادمة لمصلحة القضية السورية، وما انعكس أيضاً على النظرة الإيجابية لجهود السوريين في المهجر واللوبيات الناشئة للضغط والمناصرة.
يُظهر التحليل أعلاه للقانون وسياقه أن مضامينه الرئيسة تحمل مؤشرات جدية في حال إقراره لتشديد الخناق على مسارات التطبيع، أو تفريغها من آثارها الاقتصادية والسياسية على أقل تقدير، لاسيما مع التطورات في طريقة التطبيق، وتسليطه الضوء على أبعاد جديدة؛ إذ تركّز منظومة العقوبات على التوصيف في المناصب وليس على الأشخاص، وتفتح ملف سلب الممتلكات والانتفاع منها، وملف المساعدات الإنسانية والأدوار التي تقوم بها الأمم المتحدة وأدوات نظام الأسد المدنية، وجهود المحاسبة والمساءلة. كما تكمن أبرز التغيرات الكلية في مشروع القانون عن القوانين الأخرى -وأبرزها قيصر- في تقييد السلطة التقديرية للإدارة الأمريكية لإعمال النصوص القانونية، وملزمة لجهة الإجراءات الفعلية المطلوبة. إلى جانب ذلك كله يمثّل هذا القانون نموذجاً لاستهداف الشبكات العميقة لنظام الأسد، ليس الأمنية والعسكرية فحسب، بل والتجارية والسياسية التي ما تزال داعمة لسياساته العنيفة تجاه الشعب السوري[38].
من جانب آخر يكشف حجم الجهود المعاكسة لعرقلة مشروع القانون عن آثاره المتوقعة؛ فقد قامت دول عديدة بممارسة ضغوط موازية لمنع إقراره، فضلاً عن الضغوط الممارسة من قبل منظمات غربية لديها مشاريع داخل سوريا تحت ذريعة الخوف من تعطيل الجهود الإنسانية فيها[39]، رغم وضوح النصوص في تجنُّب إلحاق الأذى بالسوريين عبر معايير محددة، كسقف المبالغ في الصفقات.
أما نظام الأسد فمن المتوقع أن يوسّع شبكة الشركات والأشخاص -خصوصاً من غير السوريين- للتعامل معهم، واستخدامهم غطاءً من أجل التهرب من العقوبات[40]، مما يتطلب جهوداً أكبر من قبل المنظمات الحقوقية وغيرها لتتبُّع هذه الشبكات، لاسيما وأن بنية مشروع القانون الحالي باستهدافها الشبكات تتطلب تعاوناً وثيقاً بين هذه المنظمات والجهات الرسمية في الولايات المتحدة.
وأما مستقبلاً فيمكن التفاؤل بأن المرحلة الأشد صعوبة في تمرير القانون قد انقضت، وأن المسار القادم لمشروع القانون عبر التصويت عليه من مجلس الشيوخ الأمريكي يغدو أقل تعقيداً؛ وذلك أن العمل على إقناع مجلس الشيوخ أسرع وأقل جهداً من العمل في أروقة مجلس النواب تبعاً للمعيار العددي على الأقل؛ إلا أن وضع الاحتمالات والتجاذبات السياسية والخطوات المضادة يبقى دائماً احتمالاً وارداً.
ملحق: يوضح هيكل مشروع القانون وأبرز مضامينه
- الحكومة السورية.
- شخص أجنبي، مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية، يعمل عن عمد بصفة عسكرية داخل سوريا لصالح حكومة سوريا أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران.
- شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئ الدولي فيما يتعلق بسوريا أو أي حكم قانون آخر يفرض عقوبات على سوريا.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة