الهجرة السورية إلى تركيا: تأثيرات اقتصادية وارتدادات مجتمعية
ملخص تنفيذي:
- كان للهجرة السورية جوانب عديدة من التأثير على المجتمع التركي المضيف، ومع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا لأسباب معقدة، واستثمار هذا التراجع سياسياً من مختلف الأحزاب السياسية، وربطه بالوجود السوري بشكل أو بآخر؛ يبدو مهماً استقصاء أهم جوانب تأثير الهجرة السورية على الوضع الاقتصادي في تركيا، وبيان تداخل هذا التأثير مع الجدل المحتدم داخلياً حول التعامل مع الوجود السوري في تركيا، مروراً بتحليل البيئة السياسية والمجتمعية التي يتولد فيها هذا التأثير.
- وقد بلغت نسبة المهاجرين السوريين إلى السكان الأصليين أكثر من 3٪ في نهاية العام 2015، ونسبة 4.25% في نهاية العام 2022 بوجود حوالي 4 ملايين سوري في تركيا، مع تركز هذا الوجود في مدن معينة أكثر من أخرى، مما جعل الوجود السوري ملحوظاً، وزاد من فرص الجدل واختلاف الرؤى والتقييمات المتعلقة به.
- كان لموجات الهجرة السورية إلى تركيا تأثيرات متعددة الأوجه في الجوانب الاقتصادية المؤثرة اجتماعياً؛ كإيجارات العقارات والسكن، وأسعار السلع والخدمات، وسوق العمل بما فيه العمالة الرسمية وغير الرسمية، وما يتعلق بها من معدَّلات البطالة والتوظيف، وصولاً إلى إنتاج مختلف السلع والخدمات، وإدخال سلع جديدة أو ذات مواصفات جديدة في الإنتاج، وزيادة الإنتاج والصادرات التركية.
- يؤكد هذا على أهمية فهم التأثيرات المختلفة بشكل متكامل وغير منفصل ليكون فهماً منصفاً وعادلاً بعيداً عن التحيز، فمن المهم مثلاً قراءة التأثير على معدلات البطالة إلى جانب عوامل أخرى مثل زيادة إنشاء الشركات، وانخفاض تركيز السوق، وزيادة التنافسية، وزيادة معدلات التصدير ، فالقراءة المتكاملة والشاملة يمكن أن تكون مفيدة بهدف البناء عليها في صنع سياسات رشيدة.
- تحدثت بعض الدراسات عن تسبُّب العمّال السوريين ببطالة لفئة من العمال الأتراك نتيجة المنافسة، حيث يقوم العمال السوريون بالعمل مقابل أسعار أقل ولساعات أطول مما يجعلهم مفضلين لدى أصحاب الأعمال، في المقابل قّللت دراسات أخرى من هذا التأثير، وسلطت الضوء على نتائج معاكسة حدثت نتيجة إيجاد فرص عمل للمواطنين الأتراك؛ سواءٌ في القطاع الخاص، أو القطاع الحكومي، أو القطاع الخيري، وأوردت مثالاً بارزاً على ذلك من خلال إبراز أرقام البطالة في ولاية غازي عنتاب، حيث وصلت البطالة إلى أعلى مستوى لها في العام 2007 بنسبة مئوية قدرها 18%، ولكنها انخفضت بشكل ملحوظ في العامين 2013 و2014 إلى نسبة 7.3% بشكل عام لدى الأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة على السواء، وتزامن ذلك مع ذروة الهجرة السورية إلى غازي عنتاب، ويؤكد هذا ضرورة النظرة المتكاملة لمحصلة الوجود السوري، بما في ذلك العمال، ورجال الأعمال، والجمعيات الخيرية، والمتعلمين وما أحدثوه من نشاط اقتصادي، مع تجنب النظرة الأحادية لبعض الحالات أو القطاعات التي حدث فيها تنافس شديد في العمالة بين العمال السوريين والأتراك في أوقات معينة.
- لعل الأثر الإيجابي الاقتصادي الأبرز للوجود السوري كان تسهيل وزيادة معدلات التصدير، حيث أسهم المهاجرون السوريون في تنشيط الصادرات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص، من خلال الاستثمارات وتأسيس الشركات التجارية والعمالة، أو من خلال عملهم كميسّرين للتجارة مع تلك البلدان بحكم الروابط الثقافية والمعرفة اللغوية، حيث تلعب المعرفة حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دوراً مهماً وحيوياً في تقليل الحواجز المعلوماتية والثقافية وتوفير خدمات المطابقة والإحالة وزيادة إنفاذ العقود في التجارة.
- تميل الشركات المملوكة من قبل مواطنين سوريين للتصدير بمعدل أعلى من الشركات المملوكة للمواطنين الأتراك، حيث إن 55% من الشركات السورية ذات توجُّه تصديري، في حين أن 31% فقط من الشركات التركية ذات توجُّه تصديري ، كما لوحظ أن زيادة عدد المهاجرين إلى عدد السكان الأصليين تزيد من نسبة الشركات المصدرة.
- وقد بلغ عدد الشركات المملوكة لسوريين حوالي 20 ألف شركة في العام 2021، ويبلغ معدل التوظيف لكل شركة 7 أشخاص وسطياً، ويدخل ضمنهم مواطنون أتراك، والنسبة الأكبر غالباً هي من السوريين من أرباب الأسر أو ممن يدعمون أسرهم في تركيا وسوريا ، وتقوم هذه الشركات بالمساهمة في الضرائب والتراخيص وتأمين فرص العمل، حالها حال باقي الشركات التركية المرخصة.
- فيما يتعلق بالتأثير على الأسعار، فقد أدى تدفق المهاجرين السوريين في المراحل الأولى من عمر الهجرة السورية إلى تركيا إلى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات؛ بما في ذلك أسعار الإيجارات وبعض المنتجات الغذائية في بعض المناطق ذات الحضور الكثيف للمهاجرين السوريين، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، ولكن ومع دخول السوريين بعمالتهم منخفضة التكلفة التي دفعت عجلة الإنتاج، وعلاقاتهم التجارية مع دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وكثافة إنشائهم للشركات وزيادة المنافسة بين الشركات نتيجة زيادة عددها (ما يعرف بانخفاض تركيز السوق)، كل ذلك أدّى بدوره إلى زيادة العرض، وانخفاض أسعار السلع والخدمات المنتجة عبر تلك القطاعات كثيفة العمالة غير الرسمية بما يقارب 4%.
- أسهم السوريون من خلال استثماراتهم وعمالتهم وتأسيسهم للشركات، ومساهمتهم في التصدير في نمو الناتج القومي التركي؛ ويقدر إجمالي أثر القيمة المضافة الناتجة عن عمل السوريين في الاقتصاد التركي نحو 27.2 مليار ليرة تركية في نهاية عام 2017، وهو ما مثّل 1.96٪ من إجمالي الناتج المحلي التركي، مع توقع زيادته إلى نسبة 4.05% في العام 2028.
- فيما يتعلق بزيادة الإنفاق العام التركي على السوريين بناء على بعض التصريحات الرسمية، يظهر تتبُّع المصادر الرسمية نفسها أن هذه الأموال تشمل الإنفاق في مناطق النفوذ التركي داخل سوريا أيضاً، إضافة إلى أنها تشمل المساعدات والمعونات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، وهذه الجمعيات عملياً تأخذ الجزء الأكبر من تمويلها من المانحين، وبشكل أساسي من المنظمات الدولية والأمم المتحدة، التي تأخذ بدورها من المانحين الدوليين ، كما أن تلك الأموال تشمل حتى ما قدّمه الأشخاص المتبرعون، مما يؤكد أن غالبها لا تقع على عاتق دافعي الضرائب من المواطنين الأتراك، فضلاً عن أن المساعدات الدولية تأتي بالعملات الأجنبية التي يسهم تحويلها إلى العملة المحلية دعم الاقتصاد.
- أسهم ضعف الشفافية فيما يتعلق بمصادر ومصارف الإنفاق التركي على المهاجرين السوريين في إعطاء الفرصة لاستغلال الغموض من قبل بعض الجهات للتحريض على الوجود السوري والمبالغة في تكاليفه الاقتصادية.
- أسهمت العوامل الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية في تعقيد قضية الوجود السوري في تركيا، ويتم المبالغة في استخدام البعد الاقتصادي كذريعة للتحريض على الوجود السوري، في حين أن الأسباب الكامنة وراء التحريض تتجاوز الدوافع الاقتصادية إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية والهوياتية، لاسيما مع تزايد الاستقطاب داخل المجتمع التركي حول العديد من القضايا.
- خلصت الدراسة إلى اقتراح عدد من التوصيات للعمل عليها على المديين المنظور وطويل الأمد، فعلى المدى المنظور: ضرورة القيام بحملات مناصرة للسوريين داخل المجتمعات التركية، وتعزيز العلاقات والتعاون مع مختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الداعمة لخطاب المواطنة والعدالة وحقوق الانسان، تعزيز العلاقات والتعاون مع النقابات المهنية ونقابات العمال وغرف التجارة والصناعة، ودعم مشاركة السوريين فيها وفي انتخاباتها، ودعم إصداراتها وإحصاءاتها حول إسهامات السوريين في القطاعات التجارية والمهنية والصناعية، ودعم سياسات سوق العمل النشطة الهادفة إلى مكافحة البطالة بين المواطنين الأتراك، وإعداد الدراسات الاقتصادية والمجتمعية حول الاستثمارات والتدخلات التنموية الأنسب والأكثر جدوى اقتصادياً واجتماعياً.
- من التوصيات المقترحة طويلة الأمد: العمل على المدى الطويل على مشروع نهضوي طويل الأمد، قائم على مبادئ المواطنة والعدالة وحسن الجوار بين مختلف المكونات في المنطقة، من عرب وأتراك وأكراد وغيرهم، وصولاً إلى تكامل حضاري واقتصادي قائم على المصالح المادية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، وكذلك تعزيز الحوار والاحترام المتبادل بين الثقافات العربية والتركية والكردية وغيرها من مكونات المنطقة، من خلال دعم اللقاءات بين مختلف المراكز البحثية والمفكرين والعلماء والمؤثرين، والاستفادة من تجارب الاتحاد الأوربي وغيره من التعاونيات الإقليمية، والعمل على تجسير الهوّة العربية التركية من خلال التبادل والحوار الثقافي، والعمل على لعب السوريين والعرب في تركيا دوراً أكبر في تقارب الأتراك مع العرب عموماً.
مقدمة:
شكّلت الهجرة السورية إلى تركيا حقلاً واسعاً للدراسات والمتابعات؛ لِـمَا أثارته من جدل واسع بين شرائح واسعة داخل المجتمع التركي، خاصة الأوساط السياسية، إلى جانب كونها جزءاً من إشكاليات القضية السورية عموماً، والتي تداخلت فيها تأثيرات الفاعلين الإقليميين والدوليين مع المحليين. كما شكّلت قضايا الهجرة السورية عموماً مؤثراً رئيساً في رسم السياسات المتعلقة بالقضية السورية، لاسيما بالنسبة إلى الدول التي استقبلت المهاجرين السوريين، كتركيا والأردن ولبنان، إضافة إلى الاتحاد الأوربي.
للهجرة السورية جوانب عديدة في التأثير على المجتمع التركي المضيف، ومع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا لأسباب معقدة، واستثمار هذا التراجع سياسياً من مختلف الأحزاب السياسية، وربطه بالوجود السوري بشكل أو بآخر؛ يبدو مهماً استقصاء أهم جوانب تأثير الهجرة السورية على الوضع الاقتصادي في تركيا، وبيان تداخل هذا التأثير مع الجدل المحتدم داخلياً حول التعامل مع الوجود السوري في تركيا، مروراً بتحليل البيئة السياسية والمجتمعية التي يتولد فيها هذا التأثير؛ نظراً لأن السياق الاجتماعي والسياسي بيئة حاضنة مهمة جداً يتم فيها التأثير الاقتصادي، وكيفية قراءته وتفسيره من فئات المجتمع.
سنعتمد في الدراسة توصيف السوريين في تركيا بـ “المهاجرين السوريين”؛ وذلك لاختلاف توصيفهم القانوني |
وقد ساعد انتشار كثير من الأفكار النمطيَّة المغلوطة عن المهاجرين السوريين[1]، كحصولهم على مساعدات ماليَّة من الحكومة في تحميل المهاجرين عموماً والسوريين منهم خصوصاً والسياسات الحكومية المتعلقة بشأنهم مسؤولية تردِّي الأوضاع الاقتصادية للبلاد[2]، لِتغدو قضية وجود المهاجرين السوريين في تركيا من أكثر القضايا الساخنة في التنافس السياسي بين الأحزاب السياسية[3]؛ مما أسهم في زيادة التوتُّر والاحتقان ضدَّ المهاجرين عموماً، والسوريين خصوصاً لانتشارهم الواسع.
وفي المقابل، وفي محاولةٍ لتخفيف التوتر وسحب ورقة المهاجرين من بعض أحزاب المعارضة تواترت تصريحات لبعض المسؤولين والمستشارين الحكوميين الأتراك الحاليين أو السابقين حول الإسهام الإيجابي للمهاجرين السوريين في الاقتصاد التركي، وأنهم لا يشكّلون عبئاً على خزينة الدولية[4]؛ مما يحفّز على استكشاف تأثير الهجرة السورية إلى تركيا في الوضع الاقتصادي فيها، وإمكانية استثمار ذلك في تعزيز الوئام المجتمعي بين المهاجرين والمجتمع المضيف.
تحاول هذه الورقة استقصاء أبرز تأثيرات الهجرة السورية الاقتصادية إلى تركيا، وبعض تعقيداتها المجتمعية، وذلك من خلال الإجابة عن أسئلة رئيسة، مثل:
ما هي أبرز التأثيرات الاقتصادية لهجرة السوريين على تركيا؟ وكيف حدثت هذه التأثيرات؟
ذلك أن معرفة كيفية التأثير له أهمية كبيرة لتحليل إمكانية زيادة هذا التأثير إن كان إيجابياً، أو تقليله وتجنُّبه إن كان سلبياً.
تتألف الورقة من ثلاثة أقسام رئيسة إضافة إلى خاتمة وتوصيات؛ يقدّم القسم الأول نبذة سياقية معرفية مختصرة عن الوجود السوري في تركيا، فيما يتحدث القسم الثاني عن أبرز التأثيرات الاقتصادية وكيفية حدوثها في إجابة عن سؤال الورقة الرئيس، وأما القسم الثالث ففيه نبذة عن السياق السياسي والمجتمعي في تركيا باعتباره حاضناً مهماً ومؤثراً في التأثيرات الاقتصادية نفسها وكيفية حدوثها وتأثيرها، لاسيما فيما يتعلق بالتماسك المجتمعي؛ ولابد من محاولة فهمه.
اعتمدنا في الدراسة على مراجعة الدراسات السابقة وما نُشر في مختلف المصادر المفتوحة حول الموضوع، إضافة إلى قيامنا بمقابلات مع عدد من الخبراء ورجال الأعمال السوريين؛ إما بشكل خاص بهذه الورقة، وإما من خلال الاستفادة من مقابلات وورشات عمل حضرها الباحث الرئيسي[5] خلال عمله ونشاطاته المتعلقة بالموضوع.
وبناءً على استكشافنا إجابات الأسئلة الرئيسية السابقة، ومحاولة فهمها عميقاً من خلال ربطها بالسياق السياسي والمجتمعي – خاصة ما يتعلق بالتأثير على التماسك المجتمعي- الذي مرّت به تركيا في السنوات الأخيرة فقد اقترحنا استنتاجات وتوصيات عامة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء والحوار لتأكيدها وبحث جدواها، وتوسيع خيارات تنفيذها[6].
أولاً: نبذة سياقية معرفية عن الوجود السوري في تركيا:
كانت تركيا خلال العقد الماضي أكبر المستقبلين للمهاجرين السوريين على مستوى العالم منذ بداية موجات اللجوء بفعل الحرب التي شنّها نظام الأسد ضد الشعب السوري بعد انطلاق الثورة السوريَّة في العام 2011؛ فقد اضطر حوالي 13.1مليون سوري (ما يعادل أكثر من نصف السكان) إما للنزوح داخلياً في سوريا وإما للهجرة خارج سوريا، وبحسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR) في العام 2018 فإنه يُقدر عدد اللاجئين إلى خارج سوريا بحوالي 5.6 مليون لاجئ، كانت حصَّة تركيا منهم ما يزيد عن 3.7 مليون[7] بعد اتخاذها سياسة الباب المفتوح[8] في بداية الهجرة السورية لتركيا، وفي سبيل ذلك أنشأت الحكومة التركية المديريَّة العامة التركية لإدارة الهجرة (TDGMM-GOÇ İDARESİ) في نيسان من العام 2013، والتي أصبحت مسؤولة عن التسجيل والتنسيق العام لقضية المهاجرين[9].
ومع مرور الوقت وتوسُّع العمليَّات العسكرية في سوريا، واستخدام نظام الأسد البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي، وتعقُّد المشهد بدخول تنظيمات الغلو والتطرف (داعش والقاعدة) فقد تسارعت وتيرة تدفُّق المهاجرين السوريين إلى تركيا بعد العام 2013، فارتفع عددهم الإجمالي إلى مليون و 622 ألف بحلول نهاية العام 2014، ووصل إلى مليونين و500 ألف بنهاية العام 2015، فيما وصل إلى أكثر من 3 ملايين و700 ألف لاجئ بحسب المديريَّة العامة للهجرة التركية موزَّعين على مختلف الولايات والمدن التركية في العام 2021[10]، يُستثنى منهم مَن استمروا بالعيش في مخيمات للاجئين وكانت نسبتهم 10% في نهاية العام 2015 وفقاً للأرقام الصادرة عن مديريَّة الهجرة[11]، لتنخفض إلى نسبة 1.4% بحسب إحصائية حديثة صادرة عن جمعية اللاجئين[12].
وبعد استقرار الكثير من السوريين في تركيا وتحوُّلها من دولة عبور لطالبي اللجوء – خاصَّة من السوريين – باتجاه أوربا بين عامي 2014- 2015 إلى دولة مستقر لهم؛ بات واضحاً للحكومة التركية أن الحل المبكِّر الذي كانت تتوقعه لم يعد ممكناً[13]، إذ تنامت التهديدات الأمنية مع صعود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا (PYD)، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه أنقرة إرهابياً، إضافة إلى تنامي قدرات تنظيمات أخرى مثل تنظيم “داعش”، وفي حوالي منتصف العام 2014 بدأت الموجة الثانية من حركة اللجوء باتجاه تركيا ثم أوربا[14]، وسرعان ما تراجعت ابتداءً من العام 2016 بعد اتفاقية عقدتها تركيا مع الاتحاد الأوربي بشأن اللاجئين وسياسة الحدود التركية المفتوحة باتجاه القارَّة العجوز[15].
الشكل رقم1: يوضح تراجع أعداد الواصلين من المهاجرين إلى الأراضي اليونانية[16]
يبلغ عدد سكان تركيا أكثر من 84 مليوناً، وقد بلغت نسبة المهاجرين السوريين إلى السكان الأصليين أكثر من 3٪ في نهاية العام 2015، ونسبة 4.25% مؤخراً[17]؛ الأمر الذي أسهم في جعل السوريين المهاجرين موضوعاً ساخناً في السجالات المناكفات الحزبية التركية في الساحة الداخلية وعلى مختلف المستويات المجتمعية والشعبية والسياسية[18]، وليتم استخدام ملف السوريين في تركيا ورقة انتخابية من بعض الأحزاب السياسية في محاولةٍ لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البلدية أو البرلمانية والرئاسية، والتي يُتوقع أن يتصاعد احتدام المنافسة الشرسة عليها حتى موعد انعقادها في منتصف العام 2023، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام تلك السجالات، فازدادت سعيراً بجدلها المرافق مع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا في الفترة بين عامي 2015 و 2017، وارتفاع معدَّل البطالة العامة إلى 10.9% في العام2017، مقارنة مع نسبة 8.8% في العام 2011، وارتفاع معدَّل البطالة بين الشباب خاصة إلى 20.6%[19]، ومعاناة الليرة التركية منذ العام 2014 من انخفاض مستمر في قيمتها وعدم الاستقرار في سعر صرفها تأثراً بعوامل عديدة، وكان لأزمة كورونا تأثير اقتصادي كبير، وازدادت مؤخراً نهاية العام 2021 وبداية 2022 حالة التضخم العام في أسعار السلع، كما بدأت تأثيرات الحرب الروسية ضد أوكرانيا بالظهور في تركيا والعالم، حيث شهدت الأسعار في تركيا أعلى تضخم في عقدين من الزمن[20].
خريطة توزُّع الوجود السوري على الولايات التركية
ثانياً: تأثير هجرة السوريين في بعض الجوانب الاقتصادية:
كان لموجات الهجرة السورية المكثَّفة إلى تركيا -بالعموم- تأثيرات متعددة الأوجه في الجوانب الاقتصادية المؤثرة اجتماعياً بشكل أو بآخر؛ كإيجارات العقارات والسكن، وأسعار السلع والخدمات، وسوق العمل بما فيه العمالة الرسمية وغير الرسمية، وما يتعلق بها من معدَّلات البطالة والتوظيف، وصولاً إلى إنتاج مختلف السلع، وإدخال سلع جديدة أو ذات مواصفات جديدة في الإنتاج، وزيادة الصادرات. وكل بند مما سبق كان للهجرة السورية تأثير فيه بشكل ما، سنتناوله وفق الآتي:
1) التأثير في سوق العمل ومعدَّلات البطالة:
يُعد موضوع تأثير هجرة السوريين في معدَّلات البطالة والتوظيف الرسمي وغير الرسمي[21] في تركيا من القضايا الأكثر جدليَّة وتأثيراً على مختلف المستويات الشعبيَّة والنخبويَّة على حدٍ سواء؛ الأمر الذي يجعل قضية وجود السوريين في تركيا بكاملها محل شدٍّ وجذب واستقطاب داخل المجتمع التركي، وتكاد فكرة تسبُّب السوريين بمعدَّلات عالية من البطالة أو انخفاض معدلات الأجور للمجتمع المضيف تغدو من المسلَّمات الشائعة بشكلٍ كبير بين عموم المواطنين الأتراك[22]، باعتبار أن العمَّال السوريين يعملون بأجور منخفضة، وغالباً بشكل غير رسمي، مما يؤدي إلى تفضيل المصانع وأرباب العمل للعمَّال المهاجرين السوريين على أقرانهم من المواطنين الأتراك.
والجدير بالذكر هنا أن العمالة غير الرسميَّة في تركيا أمر شائع جداً، وكانت موجودة قبل الهجرة السورية، وتراوحت نسبتها بين 50% إلى 38%، لتتناقص نسبتها إلى 33.4% في العام2018[23]؛ وللمفارقة فإن هذا التناقص في العمالة غير الرسمية كان مع ازدياد الهجرة السورية إلى تركيا وتركز عملهم في القطاع غير الرسمي.
العمالة غير الرسمية (غير المسجلة) شائعة وموجودة في تركيا قبل الهجرة السورية، وتراوحت نسبتها بين 50% إلى 38%، وتناقصت نسبتها لتصل في العام 2018 إلى 33.4%. |
نذكر هذا لتأكيد أن العمل بشكل غير رسمي ليس مستحدثاً بسبب الوجود السوري في تركيا؛ فلم تأتِ العمالة السورية بجديد في هذا السياق، ولكن منافسة العمال والموظفين السوريين لنظرائهم الأتراك تركزت في هذا القطاع غير الرسمي من العمل، وهو ما أدى إلى حلول نسبة من العمال السوريين محل العمال الأتراك وزيادة نسبة البطالة بينهم بحسب بعض الدراسات. ولكن في الوقت ذاته قلّلت دراسات أخرى من هذا التأثير، وسلّطت الضوء على التأثير الإيجابي للهجرة السورية في إيجاد أسواق استهلاك جديدة خارجية وداخلية، أو تحدثت عن نتائج معاكسة؛ من حيث ما أدت إليه الهجرة السورية من استحداث فرص عمل جديدة للمواطنين الأتراك[24]. ولا نتحدث هنا عن تصريحات بعض السياسيين أو الإعلاميين فحسب، بل عن دراسات اقتصادية وأكاديمية حاولت تقصّي تأثيرات الهجرة السورية بشكل موضوعي علمي، ودون تحيُّز كما يُفترض[25].
تحدثت بعض الدراسات عن تسبُّب العمّال السوريين ببطالة لفئة من العمال الأتراك نتيجة المنافسة، فيما قّللت دراسات أخرى من هذا التأثير، وسلطت الضوء على نتائج معاكسة من خلال إيجاد فرص عمل للمواطنين الأتراك؛ سواءٌ في القطاع الخاص، أو القطاع الحكومي، أو القطاع الخيري. |
يختلف الطابع غير الرسمي للعمل بشكل كبير حسب المنطقة والقطاع وحجم الشركة[26]؛ حيث تزداد العمالة غير الرسمية في الشركات كلما صغر حجمها وقل عدد عمالها، وهذا ما ينعكس على التوظيف السوري بنسبة منطقية بطبيعة الحال، لأن المهاجرين السوريين يكونون في عداد العمالة غير الرسمية؛ مما يعني أنهم يعملون في الشركات الأصغر حجماً نسبياً، وقد ركزت إحدى الدراسات التركية على عمل السوريين في القطاع غير الرسمي وتأثيره في سوق العمل التركي[27]، وهي من أشهر الدراسات التي تم ذكرها والإحالة إليها في الدراسات اللاحقة كونها قدمت إطاراً نظرياً ونتائج تجريبية بدت موضوعية؛ إذ تنطلق الدراسة من فرضية أن جزءاً من المواطنين الأتراك العاملين يتم استبدال المهاجرين الجُدد بهم، ولذا فمن المتوقع أن تنخفض أجور المواطنين ومعدَّلات توظيفهم، ويشير هذا الإطار النظري اليسير إلى آثار سلبيَّة للمهاجرين السوريين في سوق العمل بالنسبة إلى المواطنين الأتراك في معدلات الأجور والتوظيف، ومع ذلك -بحسب الدراسة نفسها- تشير الدراسات التجريبيَّة إلى نتائج متضاربة ومختلفة؛ فثمّة تأثير سلبي على توظيف المواطنين الأتراك في سوق العمل غير الرسمي بالدرجة الأولى، لكنه يأتي أيضاً مع تأثير إيجابي طفيف على توظيفهم في سوق العمل الرسمي، ودون تأثير على معدَّلات أجورهم.
وتفصِّل الدراسة بنتائج إحصائيَّة؛ فتذكر أن هجرات السوريين أدت إلى خفض العمالة غير الرسميَّة للمواطنين الأتراك إلى نسبة السكان بنحو 2.2% بشكل عام، أي من أصل حوالي 37% من العمالة، والتخفيض في نسبة العمالة غير الرسمية حدث للنساء أكثر من الرجال؛ فهو بنسبة 1.9% للرجال، بينما هو بنسبة 2.6% للنساء، وتعلّل الدراسة تأثر النتائج المتعلقة بالعمل غير الرسمي أكثر من العمل الرسمي بأنه لا يُسمح للمهاجرين السوريين العمل بشكل رسمي، وهم – بحسب الدراسة – في الغالب “غير متعلمين”[28]، فلا يمكنهم الانتشار في سوق العمل التركي إلا من خلال العمالة غير الرسمية[29]؛ مما يعني أنهم ينافسون العمال الأتراك قليلي المهارة والتعليم منهم في قطاع العمل غير الرسمي.
والجدير ذكره هنا أن الدراسة تتبعت مصير العمال الذين انتهى بهم المطاف للخروج من سوق العمل (نسبة 2.2% للرجال، و2.6% النساء )، فكشفت أن حوالي 50٪ منهم خرجوا من القوى العاملة نهائياً (تركوا السعي لإيجاد عمل)، فيما بقي 32٪ منهم عاطلاً عن العمل (ما زالوا يبحثون عن عمل ولكنهم لا يعملون)، ولكنْ في المقابل تحول 18٪ إلى العمل بشكل رسمي، أي أنهم وجدوا وظيفة رسمية. بمعنى آخر يمكن القول: إن التأثير السلبي على العمال الأتراك الذين تم استبدال العمالة السورية الوافدة بجزء منهم في سوق العمل غير الرسمي قد أدى إلى تحول نسبة منهم إلى عمالة رسمية بفعل ازدياد نشاط المنظمات الحكومية وغير الحكومية بعد تدفق الهجرة السورية وفق ما تذكره الدراسة نفسها تعليلاً لذلك.
الشكل رقم2: تأثير الهجرة السورية على العمالة التركية غير الرسمية
لكنّ أموراً أخرى ربما لم تناقشها الدراسة، منها أن فرص العمل في القطاع غير الرسمي لم تكن بالمستوى نفسه قبل قدوم السوريين؛ فقد ازدادت بتوافد الهجرة السورية لأن الهجرة السورية لم تتضمن هجرة عمالة فحسب، بل مستثمرين وروّاد أعمال وأصحاب شركات كبيرة ومتوسطة وصغيرة ومتناهية في الصغر فتحوا أسواقاً داخلية وخارجية جديدة.
وهو ما تؤكده دراسات أخرى؛ فقد أشارت إحدى الدراسات[30] إلى البطالة وعلاقة السوريين بها والتهمة التي تُوجه مباشرة للسوريين بوصفهم سبباً رئيساً لارتفاع نسبتها، فبيّنت الدراسة أن البطالة في غازي عنتاب وصلت إلى أعلى مستوى لها في العام 2007 بنسبة مئوية قدرها 18%، وانخفضت بشكل ملحوظ في العام 2013م إلى 7.3% بشكل عام لدى الأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة على السواء مع بدء الهجرة السورية، والمفاجأة هنا أن نسبة البطالة في الأيدي العاملة غير الماهرة التركية تناقصت باطراد منذ العام 2004، لتشهد أدنى مستوى لها في العامين 2013 و2014، وهي الأعوام التي شهدت أكبر موجة للهجرة السورية، على الرغم من الافتراض المعروف أن السوريين ينافسون العمالة التركية غير الماهرة في القطاعات غير الرسمية ويحلون محلها.
العام | معدل البطالة (غازي عنتاب ، أديامان ، كيليس)% |
2004 | 15.1 |
2005 | 13.8 |
2006 | 15.2 |
2007 | 18 |
2008 | 16.4 |
2009 | 17.2 |
2010 | 12.1 |
2011 | 14.4 |
2012 | 11.8 |
2013 | 7.3 |
2014 | 8 |
2015 | 9.9 |
2016 | 14.3 |
2017 | 15.1 |
2018 | 12.8 |
جدول يوضح نسب البطالة المئوية حسب الأعوام[31]
يُضاف إلى ذلك أن العمال الأتراك استفادوا من قدوم العمالة السورية برفع مكانتهم في السلم الوظيفي؛ إذ أصبحوا رؤساء ورشات تضم العمال السوريين، وأسهم السوريون في إنعاش بعض القطاعات كالأحذية والنسيج[32]، الأمر الذي يؤكده أيضاً الدكتور ياسين أقطاي الأكاديمي التركي[33].
إذاً: تبدو نتائج الدراسات مختلطة ومتناقضة أحياناً، فلابد من مناقشة مختلف جوانب التأثير السوري الاقتصادية دون نزعها من سياقها؛ حيث شهدت تركيا أزمات عديدة لم يكن لها علاقة بالوجود السوري، وهو ما سنناقشه في الفقرات اللاحقة لنحاول الإحاطة بمختلف جوانب تأثير الهجرة السورية، مما يساعدنا على فهم تلك التأثيرات بشكل أكبر بهدف توظيف هذا الفهم في دعم سياسات وتوجهات الوئام المجتمعي بين السوريين ومجتمعاتهم المضيفة.
خصوصية للقوى العاملة النسائية:
أثّر تدفُّق المهاجرين السوريين بشكل مختلف على شرائح القوى العاملة بحسب العمر والجنس، ويُلاحظ هنا أن التأثير السلبي كان أعلى على النساء التركيات في القطاع غير الرسمي (بنسبة 2.6%) من الرجال (بنسبة 1.9%)، ولكن يلاحظ أيضاً اختلاف خاص بمصير النساء اللواتي فقدن أعمالهن؛ إذ خرجت الأغلبية منهن من القوة العاملة نظراً لضعف ارتباط المرأة بسوق العمل، وعلى عكس حالة الرجال فلا توجد أية زيادة أو تأثير في التحول إلى الوظائف الرسمية، ويُعزى هذا الأمر جزئياً إلى الثقافة والأعراف المجتمعية؛ فمستوى مشاركة النساء في القوى العاملة قليل، حيث تختار النساء العمل غير الرسمي في الأماكن القريبة لأماكن سكنهنّ، ولذا فإنّ بدائل مثل هذه الأعمال للنساء محدودة جداً، وعند فقدان مثل هذه الأعمال فإن الأقرب للحدوث هو خروج النساء من القوى العاملة[34]، لاسيما وأن الإناث العاملات في العمل غير الرسمي هنّ في الغالب الأقل تعليماً؛ فبلغ معدل العمالة غير المنظمة في العام 2012 حوالي 56٪ بين العاملات الإناث (المواطنات الأتراك) اللواتي لم يكملن تعليمهن الابتدائي، بينما كانت النسبة بين خريجات الجامعات 4٪ فقط[35]، مما يزيد من حدة المنافسة ويجعل الإناث أكثر عرضة لفقد العمل، لاسيما وأنهن أقل ارتباطاً به، وذلك لطبيعة الدور الاجتماعي للمرأة في الثقافة التركية؛ حيث تُعد الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال ورعاية المسنين واجبات منزلية، وتسند النساء هذه الأعمال إلى مدبرات المنازل عندما تكون أجورهن أعلى من أجور المدبرات، ومن المحتمل أن ضغط تدفق المهاجرين السوريين قد فرض منافسة في الأجور، مما جعل الأجور الجديدة غير مجدية، ففضّلن الانسحاب من القوى العاملة والقيام بالأعمال المنزلية[36]، وهو ما تشير إليه دراسات أخرى، ويبدو أن هذا مرجح، بمعنى أن دخول العمالة السورية قد فرض منافسة في الأجور أيضاً؛ فالعمال السوريون يعملون بأجور قليلة، مما يعني تأثر أجور العمال من المواطنين الأتراك سلباً[37].
أما بالنسبة إلى التأثير في الفئات العمرية فزاد احتمال خروج العمال الأكبر سناً من سوق العمل، بينما تحوَّل جزء من الشباب الى البطالة مع البقاء ضمن القوى العاملة (ما زال يطلب العمل ويبحث عنه)؛ فأرباب العمل يفضّلون المهاجرين الشباب القادرين على بذل الجهود لساعات طويلة مقابل أجور منخفضة على العمال الأتراك في القطاع غير الرسمي والمادي كثيف العمالة[38].
تزايد التأثير السلبي بازدياد الهجرة القسرية في بداياتها، ونتائج مختلطة:
كما تم توضيحه سابقاً، وبسبب العوائق الثقافية والتعليمية واللغوية كان تنافس العمال السوريين مع العمالة التركية متركزاً في سوق العمل غير الرسمي، ويتركز التأثير السلبي بالتالي في العمالة التركية غير الرسمية، والتي غالباً لا يحمل أفرادها الشهادة الثانوية، وبحسب دراسة ساركوزي فقد لُوحظ أن ازدياد الهجرة السورية ابتداءً من العام 2014[39] أدّى إلى مضاعفة التأثير السلبي في العمال الأتراك، مقارنة بالوضع الذي كان عليه في الأعوام 2012 و2013؛ إذ زاد إلى الضعف احتمال وقوع الأتراك في البطالة، ويُشار هنا إلى متوسط العدد الشهري للمهاجرين السوريين قد بلغ 55 ألفاً في نهاية العام 2014، في حين بلغ 20 ألفاً شهرياً في النصف الثاني من العام 2012[40]، في الوقت ذاته تتناقض هذه النتيجة مع ما أوردناه سابقاً من نتيجة دراسة المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، من أن الأعوام 2013 و2014 كان معدل البطالة فيها هو الأدنى في غازي عنتاب، وهي الأعوام التي شهدت ذروة الهجرة السورية إلى غازي عنتاب، وقد تكون حالة خاصة بغازي عنتاب، ولكنها تؤكد بالتالي النتائج المختلطة والمعقدة بعيداً عن التبسيط الذي يبدو مخلّاً: دخول العمالة السورية ينافس العمالة التركية دون أخذ باقي العوامل الكثيرة بعين النظر، ومنها دخول رجال الأعمال والوصول إلى أسواق جديدة، وهو ما سنوضحه لاحقاً حينما تتضح الصورة.
يمكن القول: حصلت نتائج مختلطة؛ فزادت معدلات البطالة بشكل خاص لدى فئات محددة من السكان الأصليين، من النساء والرجال الأقل تعليماً، والذين يلجؤون عادة إلى العمل غير الرسمي، وفي المقابل كانت زيادة طفيفة في التوظيف الرسمي لدى الرجال، ويمكن أن يُفسر بأنه بسبب زيادة نشاط المنظمات التي تقدم خدمات الصحة والتعليم والتغذية والأمن ورعاية الأطفال وغيرها من الخدمات للمهاجرين السوريين الموجودين في المنطقة، والذين يحتاجون توظيف كوادر من السكان الأصليين في المنطقة[41].
2) تنشيط إنشاء الشركات، وزيادة الصادرات التركية:
أسهم السوريون من خلال شركاتهم وعلاقاتهم في تنشيط الصادرات التركية زيادتها إلى عدد من الدول، خاصة دول الشرق الأوسط، ومن المعروف أن كلّاً من الصادرات وقطاع السياحة في تركيا يشكلان مصدرَين أساسيين للقطع الأجنبي والانتعاش الاقتصادي[42]، وتشكل الصادرات ما يقارب ثلث الناتج المحلي[43] التركي[44]، وقد وصلت صادرات تركيا في السنوات الأخيرة إلى أرقام قياسية بحسب التصريحات الرسمية؛ إذ بلغت 225 مليار دولار في العام2021[45]، وأسهم المهاجرون السوريون في تنشيط تلك الصادرات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص، من خلال الاستثمارات وتأسيس الشركات التجارية والعمالة، أو من خلال العمل كميسّرين للتجارة مع تلك البلدان بحكم الروابط الثقافية والمعرفة اللغوية، حيث تلعب المعرفة حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دوراً مهماً وحيوياً في تقليل الحواجز المعلوماتية والثقافية وتوفير خدمات المطابقة والإحالة وزيادة إنفاذ العقود في التجارة، وهو ما أفاد به المهاجرون السوريون من خلال شبكات علاقاتهم[46].
رفعت مساهمة السوريين في زيادة التصدير إلى مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القدرات التصديرية للشركات التركية؛ إذ ارتفع احتمال قيام شركة تركية بالتصدير من 1.1 إلى1.3[47]، وهذا منطقي ويتناسب مع حقيقة أن الشركات المملوكة لسوريين تميل للتصدير أعلى من الشركات المملوكة للمواطنين الأتراك، حيث إن 55% من الشركات السورية ذات توجُّه تصديري، في حين أن 31% فقط من الشركات التركية ذات توجُّه تصديري[48]، كما أن زيادة عدد المهاجرين بنسبة 10% إلى عدد السكان الأصليين تزيد نسبة الشركات المصدرة بنسبة 3%، وهي نسبة عالية إذا ما قُورنت بنسبة الشركات المصدّرة قبل الهجرة السورية وهي 2.6%[49].
وبحسب الإحصاءات فقد وصل عدد الشركات التي أسسها السوريون بشكل جزئي أو كامل في تركيا إلى أكثر من 10 آلاف شركة حتى العام 2018؛ يتركز نصف تلك الشركات تقريباً في الجنوب التركي، في الولايات الأكثر استيعاباً للمهاجرين السوريين مثل أنطاكيا وأورفة وغازي عنتاب وكيليس[50]. ويبدو أن عدد هذه الشركات في ازدياد ملحوظ؛ فقد بلغ عددها 13880 مع نهاية العام 2019 بحسب تصريح لوزير التجارة التركي في ردّه على سؤال داخل البرلمان[51]، وقُدّر عددها بـ 20000 شركة في العام 2021[52]، تعمل في مجالات عديدة؛ كالبناء، وتجارة الجملة الخارجية، وتجارة المواد الغذائية، وبيع وشراء العقارات، وصناعة وتجارة الملابس والأحذية.
وأوضح تقرير أجرته منظمة (بيلدنغ ماركتس – Building Markets)[53] أن الشركات المنضوية تحت شبكتها في جنوب تركيا والتي تعمل ضمن مجال التصدير تشكّل ما نسبته 56% من مجموع الشركات المصدرة المسجلة في شبكتها في تركيا، وهو ما يشير إلى أهمية المنطقة الجنوبية في التصدير؛ حيث يلعب السوريون في هذه الشركات دوراً مهماً في هذه النسبة، من خلال التصدير إلى سوريا والعراق ودول أخرى في الشرق الأوسط. فقد أسهم المصدّرون السوريون في توسيع فرص المنطقة الجنوبية خاصة، وتركيا عموماً في التصدير إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، مستفيدين من شبكات علاقتهم وتداخلاتهم الثقافية واللغوية مع عموم الشرق الأوسط والعالم العربي الناطق بالعربية عموماً؛ حيث شهدت مناطق جنوب تركيا التي يتركز فيها العدد الأكبر من الشركات والمهاجرين السوريين ازدياداً ملحوظاً في الصادرات إلى كل من العراق وسوريا وليبيا والخليج العربي في قطاعات ومجالات متعددة[54]، وهو الأمر الذي أشار إليه مسؤولون أيضاً إضافة إلى تقارير الباحثين. فعلى سبيل المثال: شهدت رئيسة بلدية غازي عنتاب بذلك بقولها: “السوريون ماهرون للغاية في عدد من القطاعات؛ نظراً لأنهم يتقنون اللغتين العربية والإنجليزية، حيث لعبوا دوراً نشطاً في التجارة الدولية وفتح أسواق جديدة للمدينة”[55]، وقالت أيضاً: إن السوريين “قد لعبوا دورا رئيساً في نمو المدينة وإنعاش اقتصادها، حيث ساهموا بـ 50% في المؤسسات الصناعية في المدينة”[56].
شهدت مناطق جنوب تركيا التي يتركز فيها العدد الأكبر من الشركات والمهاجرين السوريين ازدياداً ملحوظاً في الصادرات إلى كل من العراق وسوريا وليبيا والخليج العربي في قطاعات ومجالات متعددة. |
السوريون ماهرون للغاية في عدد من القطاعات؛ نظرًا لأنهم يتقنون اللغتين العربية والإنجليزية، حيث لعبوا دورًا نشطًا في التجارة الدولية وفتح أسواق جديدة للمدينة، كما لعبوا دورًا رئيسًا في نمو المدينة وإنعاش اقتصادها. السيدة فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عنتاب |
الشركات السورية في تركيا؛ أرقام ومفاهيم:
بالإضافة إلى تنويع منتجات التصدير ووجهاتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن لفت النظر إلى عدة نقاط فيما يتعلق بالشركات السورية في الجنوب التركي، وهي:
- 36٪ من الشركات الصغيرة والمتوسطة السورية في المنطقة الجنوبية تقوم بالتصدير، وترتفع هذه النسبة إلى 46% في غازي عنتاب، أي: أن حوالي نصف الشركات السورية الصغيرة والمتوسطة في غازي عنتاب تقوم بالتصدير، وفي بحث سابق لوقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركي تمت الإشارة إلى أن الشركات السورية أكثر توجهاً للتصدير من الشركات التركية، حيث إن 55% من الشركات السورية ذات توجه تصديري، في حين أن 31% فقط من الشركات التركية ذات توجه تصديري[57]، وتعتمد بعض الشركات التركية في غازي عنتاب على توظيف موظفين سوريين في أقسام التصدير الخاصة بها لخبراتهم التصديرية السابقة وقدراتهم على التواصل مع البلدان العربية[58].
- أسواق العراق وسوريا[59] ودول الشرق الأوسط هي أكثر الأسواق المستهدفة من قبل الشركات المملوكة لسوريين، إضافة إلى التصدير لدول الاتحاد الأوربي ودول أخرى.
في العام 2015 عادت الصادرات التركية إلى سوريا إلى مستوى ما قبل الحرب، وبحسب مكتب الإحصاء التركي فقد وصلت هذه الصادرات إلى 1.8 مليار دولار في عام 2014 ، وهو الرقم نفسه في العام 2010 ، الذي كان عامًا استثنائيًا لهذه الصادرات، فضلاً عن الكثير من البضائع التي كانت تدخل بصفتها مساعدات إنسانية، وتدخل عن طريق المنظمات الإنسانية التي تقوم بالشراء من تركيا. |
- تتصدر المنتجات الغذائية قائمة صادرات الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة لسوريين في المنطقة الجنوبية، تليها الملابس والمنسوجات معاً، وهي تشكل أكثر من 47٪ من إجمالي صادراتها، وتتوزع باقي الصادرات على منتجات أخرى عديدة، كالأثاث والأجهزة الإلكترونية والسلع المنزلية وغيرها[61].
- تحتلّ غازي عنتاب المرتبة الخامسة من حيث قيمة الصادرات على المستوى الوطني التركي، وقد غدت مركزاً للصادرات إلى سوريا والعراق ودول أخرى في الشرق الأوسط بعد الهجرة السورية وتنشيط الأعمال التجارية بفعل الاستثمارات والعمالة السورية[62].
- يبلغ معدل التوظيف لكل شركة مملوكة لسوريين حوالي 7 أشخاص وسطياً، ويدخل ضمنهم مواطنون أتراك، والنسبة الأكبر غالباً من السوريين من أرباب الأسر أو ممن يدعمون أسرهم في تركيا وسوريا[63]، وتقوم هذه الشركات بالمساهمة في الضرائب والتراخيص وتأمين فرص العمل، حالها حال باقي الشركات التركية المرخصة.
3) تأثير الهجرة السورية على الأسعار والتضخم في تركيا:
شكّل تدفق المهاجرين السوريين -بحسب بعض الدراسات- في المراحل الأولى من عمر الهجرة السورية إلى تركيا عاملاً ضاغطاً على الاقتصاد وسوق العمل التركي؛ مما أدّى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى ارتفاع معدَّلات البطالة وازدياد أسعار الإيجارات وبعض المنتجات الغذائية في بعض المناطق ذات الحضور الكثيف للمهاجرين السوريين، ويعود ذلك لارتفاع الطلب على تلك السلع على نحوٍ مفاجئ، ممَّا أخلّ بالتوازن المعتاد بين العرض والطلب في السوق التركية، وهو ما أثّر بدوره في أسعار القطاعات التي زاد الطلب عليها، ليعود التوازن النسبي للأسعار -فيما يبدو- بعد دخول الأيدي العاملة السورية إلى سوق العمل التركية، خاصة أسعار المنتجات والخدمات التي يتم إنتاجها من قبل القطاع غير الرسمي[64]، وقد أدى دخول أعداد كبيرة من المهاجرين السورين في سوق العمل التركي إلى حدوث التنافس والتشارك في الوقت نفسه بين القوى العاملة السورية والتركية، وتجلّى ذلك بشكل أكثر وضوحاً في القطاعات غير الرسمية نتيجة لتوجه أرباب العمل لتوظيف السوريين دون إذن عمل، أي العمل بشكل غير رسمي، وتقاضي أجور أقل من الحد الأدنى للأجور المفروضة في تركيا[65]؛ الأمر الذي أدّى بدوره إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات المنتجة عبر تلك القطاعات كثيفة العمالة غير الرسمية بنحو 4%، نظراً لانخفاض تكاليف الإنتاج الناتج عن انخفاض تكلفة العمالة وزيادة العرض. في حين أن الأسعار في القطاعات الرسمية كثيفة العمالة لم تتغير تقريباً[66]؛ إذ ترافقت زيادة الإنتاج والمبيعات نتيجة ازدياد الطلب المحلِّي مع تدفُّق المهاجرين وزيادة التصدير، حيث شهدت أسعار المواد الغذائيَّة وخدمات الفنادق والمطاعم والتعليم[67] وبعض المنتجات كالفواكه والخضراوات انخفاضاً جيداً بسبب اعتماد هذه القطاعات إلى حدٍّ كبير على العمال غير الرسميين[68].
4) مناقشة وتحليل لتأثيرات دخول المهاجرين:
أدى دخول المهاجرين السوريين بشكلٍ كبيرٍ في سوق العمالة غير الرسمية، وتأسيس شركات جديدة صغيرة الحجم[69] بشكل كبير إلى تخفيض نسبة “تركيز السوق”[70]، وإلى طبع الاقتصاد التركي بطابع غير رسمي[71]؛ مما أسهم في زيادة عدد منتجي السلع والخدمات الصغار، الأمر الذي أدى إلى زيادة المنافسة بين المنتجين، وانعكس هذا إيجاباً على المستهلكين والأسواق نتيجة لزيادة العرض أكثر من الطلب؛ مما أدى إلى زيادة خيارات توفر السلع بأسعار أرخص عموماً[72]، أو إنتاج سلع وخدمات بمواصفات وقيمة عالية مقابل السعر، وهذا يتناسب مع منطقية قانون العرض والطلب؛ فمن الطبيعي أن تزداد العمالة غير الرسمية بزيادة الشركات الصغيرة لأن العمالة غير الرسمية تكون نسبتها عادة أعلى في الشركات الصغيرة، حيث تتناسب العمالة غير الرسمية مع حجم الشركة بشكلٍ عكسي.
الشكل رقم 4: تأثير زيادة إنشاء الشركات في زيادة العرض
وقد أسهم عامل آخر بشكل واضح في المعادلة السابقة، وهو انخفاض تكاليف مدخلات الإنتاج من خلال انخفاض تكاليف أحد أهم المدخلات، وهي الموارد البشرية، وتوفر هذا من خلال دخول العمالة السورية إلى الإنتاج، وهو ما أكدته إحدى الدراسات التي أشارت إلى حدوث تأثيرات مختلفة؛ إذ أدت “صدمة” قدوم المهاجرين السوريين في البداية إلى ارتفاع معدَّلات البطالة وازدياد سعر الإيجارات وبعض المنتجات الغذائية في بعض المناطق ذات الحضور الكثيف للمهاجرين السوريين (مناطق الجنوب التركي خاصة)، ويعود ذلك إلى ارتفاع الطلب على تلك السلع على نحوٍ مفاجئ، ممّا أخلّ بالتوازن المعتاد بين العرض والطلب في السوق التركية؛ وهو ما أثّر بدوره في أسعار القطاعات التي زاد الطلب عليها[73].
ولكن مع دخول العمالة السورية المهاجرة إلى الأسواق أدى انخفاض أجور العاملين السوريين إلى انخفاض تكاليف الإنتاج؛ مما أثّر بشكل مباشر في انخفاض أسعار المنتجات المحلية، وبالتالي زادت قدرتها على المنافسة الخارجية والتصدير.
إذاً: أدّى دخول أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين في سوق العمل التركي إلى توفر العمالة قليلة التكلفة، وهو ما شجّع على زيادة الإنتاج الذي أدى إلى زيادة العرض بشكل يفوق الطلب، وقد ظهر ذلك بوضوح في القطاعات غير الرسمية نتيجة لتوجه الشركات والمعامل لتوظيف السوريين بشكل غير رسمي، مع تقاضي أجور أقل من الحد الأدنى للأجور المفروضة في تركيا[74] (خاصة مع زيادة عدد الشركات الصغيرة وزيادة المنافسة )، الأمر الذي أدّى بدوره إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات في تلك القطاعات كثيفة العمالة غير الرسمية بنحو 4%؛ نظراً لانخفاض تكاليف الإنتاج بسبب انخفاض تكلفة العمالة وزيادة العرض، في حين أن الأسعار في القطاعات الرسمية كثيفة العمالة لم تتغير تقريباً، فضلاً عن زيادة الإنتاج والمبيعات نتيجة ازدياد الطلب المحلِّي والخارجي مع تدفُّق المهاجرين، حيث شهدت أسعار المواد الغذائيَّة وخدمات الفنادق والمطاعم وبعض المنتجات كالفواكه والخضراوات انخفاضاً جيداً بسبب اعتماد هذه القطاعات إلى حدٍّ كبير على العمال غير الرسميين.
الشكل رقم 5: عوامل أسهمت في زيادة العرض
هذا الانخفاض النسبي في أسعار السلع والخدمات التي تعتمد على العمالة غير الرسمية في مدخلات الإنتاج أسهم في جذب العملاء من بلدان الشرق الأوسط التي تعاني أيضاً من انخفاض الدخل بسبب ظروفها؛ كالعراق، وسوريا، وليبيا، وفلسطين، وحتى العملاء من التجار في أسواق الخليج العربي فيما يتعلق بالبضائع التي تستهدف الوافدين والمهاجرين فيها من العمال وصغار الكسبة؛ لأن مستويات الوافدين الاقتصادية منخفضة، ويتم تسهيل تصديرها بوجود عوامل اللغة والثقافة العربية المشتركة، إضافة الى الأسعار المنخفضة نسبياً مقابل القيمة[75].
عملياً يتوافق هذا الوصول إلى بلدان الشرق الأوسط مع خطة التصدير الرئيسة المعتمدة من الجانب التركي حتى العام 2023، والتي تأتي ضمن خطة التنمية الـ /11/ وتستهدف 17 بلداً رئيسياً؛ اثنان منها ضمن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المغرب والعراق)، وهما يقعان ضمن دائرة الاستفادة من شبكة علاقات السوريين معهم[76]، حيث تشير بيانات العام الفائت إلى تصدُّر العراق قائمة دول الجوار التركي الأكثر استيراداً للمنتجات التركية في الأشهر الستة الأولى من العام 2021، بمبلغ إجمالي وصل إلى ما يقارب 4مليارات دولار أمريكي[77]، وهو من أهم وجهات التصدير لرجال الأعمال السوريين[78].
إن تخفيض نسبة تركيز السوق، وزيادة أعداد الشركات الصغيرة التي تعتمد العمالة غير الرسمية أدى إذاً إلى زيادة العرض والمنافسة بين الشركات، وهذه المنافسة كانت تُعد غير عادلة من قبل بعض أصحاب الشركات الكبيرة التي تلتزم بالعمالة الرسمية، وبالتالي لديها تكاليف أعلى، ولكن تلك الشركات الكبرى استفادت أيضاً من طرف آخر؛ لأنها تعتمد على تلك الشركات الصغيرة بشكل أو بآخر في إنتاجها، وهي -الشركات الكبيرة- الأقدر على القيام بالتصدير نظراً لإمكاناتها الكبيرة[79].
تأثيرات مختلطة إيجابية وسلبية في معدلات البطالة؛ مناقشة واستنتاج:
يمكننا استنتاج أن تأثير هجرة السوريين في معدلات توظيف المواطنين الأتراك محدود ومتعدد الجوانب ومختلط؛ حيث إن تأثير تدفق العمالة السورية محدود بالتأثير فقط في فئة محددة من العمالة التركية، وهي تلك العمالة الأقل مهارة التي تعمل في القطاع غير الرسمي، وهي تشكل ما يُقدر بثلث العمالة في عموم تركيا، وتصل إلى نسبة 50% في مناطق الجنوب التركي. وعليه فإنه -باستثناء العمل في القطاع غير الرسمي- لا يشكل المهاجرون السوريون عموماً بدائل للمواطنين الأصليين الأتراك، فلم ينافس السوريون العمالة التركية التي تعمل بشكل رسمي في القطاعات الخاصة أو الحكومية أو المنظمات غير الحكومية لأسباب عديدة، أهمها عوامل اللغة والمهارة، إضافة إلى الصعوبات القانونية.
يمكن تقدير أن المؤسسات التي أنشأها المهاجرون السوريون تستوعب حوالي 20% من العمالة السورية الموجودة في تركيا. |
فضلاً عن ذلك فقد أحضر المهاجرون السوريون أعمالهم وأسواقهم معهم غالباً؛ فلم تعمل العمالة السورية لدى المصانع التركية فحسب، إنما يمكن أن نقدّر أن نسبة لا بأس بها من العمالة السورية(حوالي 20% ) تعمل لدى الشركات المملوكة لسوريين؛ فقد أنشأ السوريون مختلف أنواع الشركات، خاصة المتوسطة والصغيرة، ويقارب عددها 20 ألف شركة، تقوم كل شركة بتشغيل ما يقارب 7 موظفين أو عمال (بحسب تقدير وقف الأبحاث الاقتصادية التركي)، أي: أنها تقوم بتشغيل ما يقارب 140 ألفاً من العمال أو الموظفين، وهؤلاء يمثلون تقريباً 15 – 20% من العمالة السورية في تركيا (من بين 900 ألف ومليون عامل)[80]، أي أن جزءاً كبيراً من العمالة السورية يتم استيعابهم عملياً في الشركات التي أنشأها المهاجرون السوريون، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل واضح لدى زيارة الشركات والمعامل السورية في عينتاب مثلاً.
الشكل رقم 6: تأثير هجرة السوريين في فتح أسواق جديدة واستيعاب العمالة
فماذا عن بقية العمالة السورية خارج النسبة المذكورة؟ إذا كان حوالي 15 إلى 20% منهم يعملون غالباً لدى شركات مملوكة لسوريين فهل البقية الباقية من العمالة السورية -أي حوالي (80%)- قد أخذوا أماكن العمال الأتراك في العمل لدى الشركات والمعامل التركية؟ قد يكون حدث هذا جزئياً، وهو ما تؤكده الدراسات التي أشرنا إلى بعضها[81].
ولكنّ ثمّة زاوية أخرى من المهم الإضاءة عليها؛ وهي أن دخول العمالة السورية قد ولّد فرص عمل جديدة في القطاعات الرسمية وغير الرسمية استفاد منها المواطنون الأتراك أيضاً، وهو ما أشارت إليه الدراسات أيضاً وقمنا بشرح كيفيته، ويتوافق مع ملاحظاتنا الميدانية ومقابلاتنا، ويتوافق كذلك مع نتيجة الدراسة التي أشارت إلى أن أقل نسبة للبطالة بين العمالة غير الماهرة في غازي عنتاب كانت في الأعوام الأكثر كثافة للهجرة السورية[82].
كما أن بعض مَن خرجوا من العمال الأتراك من العمالة غير الرسمية نتيجة منافسة العمال المهاجرين السوريين قد تحولوا إلى التوظيف الرسمي (أصبحوا موظفين بشكل رسمي) مع توليد فرص عمل جديدة نتيجة الهجرة السورية في القطاعات الإنسانية والحكومية أيضاً، والأهم من ذلك -وهو ما نركز عليه هنا- أنه تم توليد فرص عمل في القطاعات التجارية الرسمية وغير الرسمية؛ لعدة عوامل أشرنا إليها سابقاً، ونعيد الإضاءة عليها لارتباطها بموضوع البطالة، وتتمثل بنشاط المستثمرين ورجال الأعمال السوريين في إنشاء الشركات، وتوفر العمالة السورية منخفضة التكلفة، ووجود دورة إنتاجية جديدة تعتمد على استهلاك شرائح جديدة، وهي شرائح المهاجرين السوريين وزبائنهم في مختلف البلدان التي نشط التصدير إليها؛ وهذا ما يفسر انخفاض أسعار بعض الخدمات والمنتجات بنسبة حوالي 4% نتيجة زيادة الإنتاج الكثيف وزيادة العرض مدفوعاً بعمالة منخفضة التكلفة[83]، وذلك من خلال دخول العمالة السورية التي تعمل بأجر قليل، وهذا صحيح جزئياً؛ إلا أنه من المهم حتى تكتمل الصورة أن نقول: إن هذا ما كان ليتم لولا وجود أسواق لبيع وتصريف تلك المنتجات والخدمات بأسعار رخيصة، وتتمثل هذه الأسواق بالدرجة الأولى في أسواق المهاجرين السوريين أنفسهم في تركيا، ثم في أسواق دول الشرق الأوسط التي تبحث عن أسعار تنافسية، وهي مما يبرع السوريون في التجارة معها، كالعراق وليبيا وفلسطين ودول شمال إفريقيا.
وقد أشارت الدراسة التي أكدت انخفاض أسعار السلع التي تم إنتاجها في القطاع الرسمي إلى أن الانخفاض حدث بشكل أكبر في أسعار السلع الأساسية (الضرورية كالخبز) مقارنة بالسلع الترفيهية[84]، على الرغم من أن طلب المهاجرين على السلع الأساسية أعلى؛ فكيف يمكن تفسير ذلك؟
يمكن تفسيره بأن الطلب على السلع الأساسية من المهاجرين قد ولّد إنتاجاً متسلسلاً مكثفاً فاق الطلب؛ مما أدى إلى زيادة في العرض مقارنة بالطلب، لاسيما مع وجود مدخلات الإنتاج الرخيصة وكثرة المنافسة نتيجة كثرة العارضين الناتجة عن زيادة عدد الشركات وانخفاض تركيز السوق[85]، ويُضاف إلى الطلب المحلي ازدياد الطلب من الأسواق الخارجية التي أسهم المهاجرون السوريون في التصدير إليها، خاصة أسواق سوريا والعراق وليبيا وبقية أسواق الشرق الأوسط وحتى الدول الأوربية؛ وهي أسواق تركز على التنافسية السعرية بالدرجة الأولى، بمعنى أن أحد أهم العوامل الجاذبة هو انخفاض أسعار السلع النسبي[86].
الشكل رقم 7: انخفاض أسعار السلع والخدمات في القطاع غير الرسمي
أسواق جديدة تنشّط قطاعات عمل المهاجرين السوريين وتستوعب عمالتهم:
نحن هنا أمام افتتاح أسواق جديدة لمستهلكين جدد نتجت عن الهجرة السورية، وتستلزم هذه الأسواق الجديدة مدخلات إنتاج جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على انخفاض تكاليف اليد العاملة البشرية[87]، وهو الأمر الذي تُؤمّنه العمالة السورية، أي أن العمالة السورية عندما تعمل في الإنتاج الخاص لتلك الأسواق فإنها لا تأخذ أصلاً أماكن العمال الأتراك؛ لأنهم بالأصل غير موجودين في تلك الدورات الإنتاجية، وليسوا مستعدين للعمل فيها؛ إذ إنهم لا يقبلون العمل بأجور منخفضة كالتي يقبل بها العمال السوريون.
أدت هجرة السوريين بعمالتهم وأسواقهم ورواد ورجال أعمالهم إلى افتتاح أسواق جديدة سواء للمهاجرين السوريين أنفسهم في تركيا، أو خارجها، وتستلزم هذه الأسواق الجديدة مدخلات إنتاج جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على انخفاض تكاليف اليد العاملة البشرية، وهو ما أمنته العمالة السورية، |
وهذه النتيجة تتوافق أيضاً مع بعض ما بات يصدر عن بعض رجال الأعمال الأتراك؛ إذ صاروا يعلنون أنهم لا يجدون عمالة مناسبة تعمل لديهم، ويعانون في ذلك، بل إن أحد مستشاري الأعمال الأتراك ممن كان ضد انخراط العمالة السورية في المصانع التركية أرسل لاحقاً يطلب تعميم إعلان توظيف لإحدى الشركات بين السوريين للحصول على عمال[88]، وقد نشرت إحدى الصحف التركية عن “إركان هاردال” نائب رئيس جمعية لاليلي الصناعية ورجال الأعمال في إسطنبول قوله: “إن الصناعة التحويلية في مأزق، ولاسيما في ورش العمل الصغيرة، بسبب عدم وجود الكثير من العمال المحليين؛ لذا توجه الطلب للمزيد من العمّال الأجانب” (في إشارة إلى اليد العاملة السورية[89])، كما أشار أحد رجال الأعمال والاقتصاديين الأتراك إلى وجود أزمة في العمالة؛ فهناك مهندسون وخريجو جامعات، لكن العمالة قليلة، وأيّد تصريحات بعض السياسيين الذين قالوا: إن ترحيل السوريين سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد[90].
وهنا لا نريد أن ندخل في جانب آخر من الموضوع، وهو الحديث عن عدالة الأجور واستغلال أصحاب الأعمال للعمال؛ فليس مبحثه هنا وإن كان جديراً بالنقاش[91]، لكن الجدير بالذكر أن الشركات الأمريكية مثلاً تقوم بإقامة مصانع لها في الصين أو المكسيك بهدف الحصول على العمالة الرخيصة ورفع القدرة التنافسية، فهنا نستطيع القول: إن الهجرة السورية قد شكلت فرصة للعديد من رجال الأعمال الأتراك دون ذهابهم للاستثمار في بلاد أخرى[92]؛ وهذا المعنى هو ذاته ما أشار إليه وزير الداخلية التركي عندما صرّح بأن رجال الأعمال سيعارضون ترحيل اللاجئين السوريين[93]، وفي سياق متصل صرّح رئيس غرفة التجارة والصناعة في أنطاكيا بولاية هاتاي جنوبي تركيا “حكمت سينشين” بأن الزراعة والعديد من قطاعات العمل في تركيا معرّضة لـ”الخطر” من دون العاملين السوريين[94].
وزير الداخلية التركي: رجال الأعمال سوف يعارضون إعادة اللاجئين السوريين. |
الشكل رقم 8: مساهمة هجرة السوريين في تلبية احتياجات الأسواق الداخلية والخارجية الجديدة
يُذكر هنا أن استهلاك هذه المنتجات والسلع الرخيصة نسبياً لا يقتصر على المهاجرين وأسواق التصدير؛ إنما يتعدى إلى المجتمع المضيف من المواطنين الأتراك، لاسيما مع دخول تركيا في أزمات اقتصادية مؤخراً بسبب تأثير جائحة كوفيد19 وتراجع سعر صرف الليرة؛ مما يدفع شرائح عديدة للبحث عن الأسعار المنخفضة[95]، وعليه فمجموع العوامل المذكورة (مدخلات إنتاج رخيصة من خلال عمالة منخفضة التكلفة، ومعرفة ثقافية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستثمارات الشركات السورية) أسهم في زيادة التصدير والمبيعات عموماً للشركات التركية، وهو ما أكدته دراسة حديثة نسبياً للبنك المركزي التركي، حيث تستفيد تلك الشركات في زيادة المبيعات وهامش الربح؛ إذ إن كل زيادة بنسبة 10% من المهاجرين إلى نسبة السكان الأصليين تؤدي إلى زيادة بنسبة 4.2% في مبيعات الشركات، وهذه الزيادة أكثر وضوحاً في قطاعات التصنيع والبناء، حيث تكثر فيها نسبة عمل المهاجرين[96].
نخلص للقول في النهاية: لا يمكن فصل موضوع البطالة عن التأثير في الإنتاج وتنشيط الاقتصاد وفتح أسواق جديدة؛ فمن الطبيعي أن تكون هنالك آثار مختلطة سلبية وإيجابية للوجود السوري في موضوع البطالة على المواطنين، فإن كان العمال السوريون يعملون بشكل منافس للعمال الأتراك فإنهم في الحقيقة كثيراً ما يعملون في وظائف ما كانت لتوجد أصلاً لولا الوجود السوري في تركيا، وبالتالي لم يأخذ هؤلاء العمال السوريون أمكنة المواطنين الأتراك.
كل زيادة بنسبة 10% من المهاجرين إلى نسبة السكان الأصليين تؤدي إلى زيادة بنسبة 4.2% في مبيعات الشركات التركية |
وما يجب أن يتم التركيز عليه في هذا السياق هو النظرة المتوازنة والمنصفة لتأثيرات الهجرة السورية، دون أن يكون ثمّة تركيز على جوانب معينة دون أخرى لأهداف سياسية.
والإنصاف يقتضي أن نذكر أيضاً أننا لا ندّعي الإحاطة بمختلف جوانب التأثير، ومنها التأثيرات السلبية على المجتمع التركي المضيف[97]، من ذلك مثلاً: زيادة التوتر بين الطبقة العاملة التركية ورجال الأعمال؛ إذ يرى بعض العمّال أن رجال الأعمال الأتراك يقومون باستغلال العمال السوريين لمصالحهم الخاصة، وبما يضرّ بالعمال الأتراك. ولا شك في أن الدولة التركية والمجتمع المضيف تحملوا أعباء كبيرة مع زيادة الهجرة السورية، ومنها زيادة الإنفاق العام على المرافق العامة والصحية، فضلاً عن الأعباء الأمنية؛ وهو ما سنناقشه في الفقرة القادمة باعتبارها إحدى القضايا الجدلية.
الشكل رقم 9: مساهمة الهجرة السورية في زيادة التصدير وإدخال القطع الأجنبي
5) التأثير في الإنفاق العام للدولة:
في سياق متصل جداً بموضوع تأثيرات هجرة السوريين الاقتصادية ثمّة قضية ذات أهمية وتأثير خاص في الجدل الدائر المتزايد داخلياً في تركيا حول مسألة المهاجرين السوريين وتشكيلهم عبئاً اقتصادياً؛ وهي قضية إنفاق المال العام التركي على السوريين، لاسيما وأن الحديث عنها صدرت من أعلى الجهات الحكومية التركية؛ فقد صرّح الرئيس التركي أن بلاده أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين حتى العام 2019[98]، وينصرف الذهن غالباً عند سماع هذه التصريحات إلى أن هذه المبالغ قد تم إنفاقها من خزينة الدولة التركية على المهاجرين السوريين في تركيا تحديداً، وهو ما يعزّز قلق المواطن التركي من أعباء استضافة تركيا للمهاجرين السوريين. إلا أن تتبُّع المصادر الرسمية نفسها يُظهر أن هذه الأموال تشمل الإنفاق في مناطق النفوذ التركي داخل سوريا أيضاً[99]، إضافة إلى أنها تشمل المساعدات والمعونات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، وهذه الجمعيات عملياً تأخذ الجزء الأكبر من تمويلها من المانحين، وبشكل أساسي من المنظمات الدولية والأمم المتحدة، التي تأخذ بدورها من المانحين الدوليين[100]، كما أن تلك الأموال تشمل حتى ما قدّمه الأشخاص المتبرعون[101]؛ فالجزء الأكبر من هذه الأموال عملياً ليس من خزينة الدولة التركية، فضلاً عن أن الأموال تأتي للمنظمات والجمعيات الخيرية بالعملات الصعبة من المانحين الأوربيين والأمريكيين والعرب[102]، ويتم تصريفها إلى الليرة التركية غالباً، وتتم عمليات الشراء من الأسواق التركية عموماً؛ الأمر الذي يسهم في دعم الاقتصاد التركي، وليس الإضرار به.
الشكل رقم 10: بنود الإنفاق العام التركي على السوريين
تصريحات من مصادر أخرى تؤكد غموض مصادر الإنفاق:
مما يؤكد عدم دقة الأرقام التي يتم الحديث عن إنفاقها على المهاجرين السوريين أيضاً: تصريحات وزير الاقتصاد التركي الأسبق (بين 2002 – 2015) علي باباجان[103]؛ إذ أشار الوزير الذي شغل أيضاً منصب رئيس هيئة إعداد الميزانية لمدة 11 عاماً إلى أن الأموال التي أُنفقت على المهاجرين السوريين من الخزينة التركية محدودة نظراً لوجود مساعدات خارجية كبيرة، وصرّح باباجان بقوله: “إن النفقات المتعلقة بالسوريين واضحة في ميزانيتنا؛ هنالك دعم خارجي واضح، لذا عند النظر إلى الميزانية لا نرى أرقاماً كبيرة”، وقد علّل الحديث عن الأرقام الكبيرة من قبل الحكومة بقوله: “إلا أنه عند قدوم السوريين تم التحدث عن أرقام كبيرة من أجل التفاخر أمام العالم”[104].
بشكل مشابه أشارت زهراء زمرد سلجوق وزيرة العمل والخدمات الاجتماعية والأسرة في الحكومة التركية إلى أن الأموال التي يتم فيها مساعدة اللاجئين السوريين تأتي من الاتحاد الأوربي؛ وذلك في ردّها داخل البرلمان التركي على نائب من حزب الشعب الجمهوري[105].
تأتي إشكاليات تصريحات الحكومة التركية عن الإنفاق الكبير على المهاجرين السوريين من كونها تسهم في تعزيز الأوهام والإشاعات المنتشرة بين عموم المواطنين الأتراك عن إعطاء الدولة رواتب للسوريين، أو إعفائهم من دفع تكاليف الخدمات[106]؛ مما يسهم في زيادة احتقان المواطن التركي ضد المهاجرين عموماً، والسوريين منهم خصوصاً. ويتضافر ذلك مع كونه يأتي بالتزامن مع مزاحمة المهاجرين السوريين للمواطنين الأتراك في قطاع الصحة والمشافي خاصة؛ لاسيما بعد تعرُّض هذا القطاع لضغط كبير مؤخراً بعد جائحة كورونا بحكم الواقع، ثم في التعليم وفرص العمل، خاصة في المناطق ذات الكثافة في الوجود السوري.
ولذا لابد من تطبيق الشفافية والوضوح فيما يتعلق بالأموال المنفقة على السوريين؛ حتى لا يتم تحميلهم أسباب الأزمات الاقتصادية[107]، لاسيما وأن بعض المساعدات الخارجية لم تُصرف فقط على المهاجرين السوريين، وإنما أسهمت في دعم البنية التحتية، حيث تم إنشاء المدارس والمستوصفات الطبية[108] وتأمين تجهيزاتها، فضلاً عن استهداف الكثير من المشاريع للمستفيدين مناصفة بين السوريين والأتراك.
وفي السياق ذاته ينتقد الباحث التركي مصطفى سنونماز[109] المختص في الشؤون الاقتصادية التركية الأرقام المعلنة؛ معتبراً أن رقم 40 مليار دولار رقم مُبالَغ فيه وغامض، وليس له توثيقات، مشيراً إلى أن جهات مدقِّقة عليا مختصة في تركيا أشارت إلى الغموض فيه وضعف التوثيق، لاسيما وأن الغالبية العظمى من المهاجرين السوريين يعملون ويقومون بكفاية أنفسهم، ويقدّر الباحث المبالغ المنفقة بناءً على حسابات منضبطة لسنوات سابقة بـ 24 مليار دولار، بما فيها المساعدات المقدمة، أي: أقل بـ 16 مليار من المبلغ الذي يتم الحديث عنه[110].
حسابات مختلفة للإنفاق تبعاً للتوجه السياسي:
في مثال واضح على تسيس حساب تلك الأرقام شكّك كمال كليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري في الحديث عن إنفاق 30 مليار دولار قبل سنتين من إعلان الرئيس التركي عن إنفاق 40 مليار دولار، وفق ما نقله عنه الباحث مصطفى سونماز[111]، ولكن لاحقاً ادّعى كبير مستشاري حزب الشعب الجمهوري “أردوغان توبراك” أن تكلفة المهاجرين السوريين 250 مليار دولار، في تناقضٍ واضحٍ بين الموقفَين؛ فالحديث عن الرقم الأخير يعني أكثر من خمسة أضعاف الرقم الذي تحدث عنه الرئيس التركي سابقاً، مدعياً أن الوجود السوري في تركيا وحده كلّف 50 مليار دولار، أي: أكثر بـ 10 مليار من الرقم المعلن من الرئيس التركي قبل عامين، وأضاف إليهم 50 مليار أخرى للتعامل مع المشاكل الأمنية والعسكرية في المنطقة، و150 مليار دولار بسبب تدهور التجارة مع سوريا[112]. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن السوريين لا يتحملون نتائج الحرب التي شنّها نظام الأسد على شعبه وما تبعها من نتائج كارثية؛ فالسوريون هم الأكثر تضرراً من هذه الحرب.
ولا شك أن تركيا قد تحملت أعباء ومخاطر كثيرة بسبب ما حصل في سوريا؛ إذ يرى بعض الخبراء أن التهديدات الأمنية بعد صعود تنظيم “داعش” ثم ما حصل من سيطرةٍ لقوات “قسد” في سوريا من أكبر التهديدات الأمنية التي تعرضت لها تركيا بعد الحرب العالمية الثانية[113]، ولكن في المقابل يرى بعض الخبراء الاستراتيجيين أيضاً أن القضية السورية فتحت الباب لتركيا لتصبح قوة إقليمية وتنشط في مناطق أخرى مثل ليبيا[114]، ولا يمكن أن يتم ذلك دون ثمن؛ وهنا تزداد إشكالية الوجود السوري من ناحية كونه قضية مختلفاً عليها بين الأحزاب والتوجهات السياسية، مما يجعل السوريين في مركز الاستقطاب السياسي في تركيا، والذي ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وهو ما يأخذنا إلى مناقشة البيئة المجتمعية التي حدثت فيها التأثيرات السابقة، وتأثيرها في التماسك المجتمعي.
ويبدو مهماً الإشارة إلى أن السوريين باستثماراتهم وعمالتهم قد أسهموا في نمو الناتج القومي التركي؛ فقد كان قدر إجمالي أثر القيمة المضافة الناتجة عن عمل السوريين في الاقتصاد التركي نحو 27.2 مليار ليرة تركية في نهاية عام 2017، وهو ما مثّل 1.96٪ من إجمالي الناتج المحلي التركي، مع توقع زيادته إلى نسبة 4.05% في العام 2028[115]، وهو ما يعني أن السوريين منتجون يسهمون في الناتج القومي التركي، وما ينفي أنهم عالة على الاقتصاد التركي.
ثالثاً: نظرة على انعكاسات هجرة السوريين على التماسك المجتمعي؛ محاولة لفهم السياق:
من الطبيعي أن يحدث نوع من التنافس على الموارد بين المهاجرين والمجتمعات المضيفة إلى جانب حدوث التعاون وتبادل المصالح، لتأتي عوامل السياق المجتمعية والثقافية (كالتقارب اللغوي أو الديني ومستويات التسامح)، والسياسية (كتركيبة النظام السياسي، وطبيعة الأحزاب، ووجود فئات ترى نفسها مهمشة أو غير ممثلة في النظام السياسي)، والاقتصادية (كمستوى الرفاهية، وعقلية التعاون وبناء شبكات الأعمال) لتلعب دوراً في تغليب التوجه نحو المنافسة أو التعاون؛ فلابد من فهم السياق السياسي والهوياتي والثقافي داخل تركيا للوصول لفهم كيفية تفاعل المجتمع التركي مع الهجرة السورية.
1) السوريون والمجتمع المضيف؛ الانطباعات عن الآخر والاندماج:
بينما تظن نسبة 80% من السوريين أنهم يمكنهم أن يندمجوا مع الأتراك يرى 80% من الأتراك أن السوريين لا يستطيعون ذلك، وفي دراسة أخرى تؤكد المعنى ذاته؛ إذ يشعر 63% من الأتراك أنهم إما “بعيدون” أو حتى “بعيدون جداً” عن السوريين، في حين يشعر 72% من السوريين أنهم “قريبون” أو “قريبون جداً” من المجتمع التركي[116]، ويبدو أن هذه النظرة إلى السوريين تزداد في المدن الكبرى، كإستنبول وأنقرة، خاصة مع وجود حاجز اللغة، الأمر الذي لا يبدو عليه الوضع في المناطق الحدودية وجنوب تركيا، حيث يتكلم بعضها العربية والكردية، ويشعرون فيها بتقارب ثقافي مع السوريين[117].
2) اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية خارجياً وداخلياً؛ عقبات عديدة:
تفرض الجغرافيا أجندتها على تركيا؛ فموقع تركيا من حيث جوارها لمناطق الشرق الأوسط المضطرب، وكونها جسراً بين مناطق الشرق الأوسط وأوروبا يجعلها وجهة للهاربين من الاضطرابات وطالبي اللجوء؛ لكنّ الأمر بات أكثر شدة مع استعار نار الحرب في سورية ولجوء أعداد كبيرة من السوريين إلى تركيا ابتداءً من العام 2014، حيث صعد تنظيم “داعش” وسيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، الأمر الذي مهّد لتدخل التحالف الدولي ودعم وحدات الحماية الكردية “قسد” التي طالما عدّتها أنقرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، والتي سيطرت على مساحات واسعة بدعم من التحالف الدولي بعد طرد “داعش”، وهو ما رأته أنقرة تهديداً لأمنها القومي ووحدة أراضيها، مما أسهم في دفعها -مع عوامل داخلية- إلى إعطاء الأولوية للمقاربات الأمنية على حساب المقاربات الأخرى، وازداد الأمر سوءاً مع صعود الموجات القومية اليمينية عالمياً، ومحاولة إقليم كردستان العراق الاستقلال عن العراق، الأمر الذي حفّز التيار القومي على الصعود في تركيا، خاصة مع عودة الاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني بعد إنهاء العمل بالهدنة[118]، وبعد أن تحالف الحزب الحاكم مع حزب الحركة القومية لحاجته للدعم وتمرير التعديلات الدستورية المتعلقة بالنظام الرئاسي.
وبحسب دراسات وتقارير فإن التحول إلى النظام الرئاسي الذي كان محلّ استقطاب داخلي كبير[119] بحد ذاته يعني تحولاً نحو مزيد من المركزية، ليزداد هذا التوجه زخماً مع زيادة تغليب المقاربة الأمنية (الأمننة) بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016؛ إذ يؤدي الإفراط في المركزية والأمننة إلى تغليب الإجراءات المبنية على المخاوف الأمنية، وتقليل مشاركة السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في التخطيط للمبادرات التي تهدف إلى تعزيز التماسك المجتمعي، لاسيما وأن ذلك ترافق مع حملات تم من خلالها إغلاق حوالي 1500 من منظمات المجتمع المدني[120].
ازداد التوتر والاستقطاب بين الحكومة التركية والمعارضة، لاسيما بعد التحول إلى النظام الرئاسي وعواقب محاولة الانقلاب[121]، واستخدمت بعض أحزاب المعارضة وأنصارهم ملف السوريين للتحريض ضد الحكومة من خلال تزوير الحقائق وتشويهها، الأمر الذي انعكس احتقاناً شعبياً تركياً ضد السوريين[122]، وقد شكّل تأثير العمال السوريين سلباً في مستويات بطالة العمال الأتراك في القطاع غير الرسمي، إلى جانب الأزمات الاقتصادية أرضيةً صلبةً لزيادة التحريض وشيوعه وفعاليته ضد السوريين[123].
في المقابل، ومع خسارة الحزب الحاكم بلديتَي استنبول وأنقرة شعرت الحكومة أن السوريين هم أحد أسباب هذه الخسارة؛ مما أدى لردود أفعال تمثلت بالقيام بترحيل السوريين بشكل عشوائي من إستنبول، والتشدد في منح الأوراق الرسمية، خاصة إذن العمل[124]، مع برود في التعامل وغضّ للنظر عن حالات التنمُّر والعنصرية ضد السوريين في مختلف الملفات والحوادث[125]، ليغدو السوريون الطرف الأضعف الذي ترى كل الأطراف فيه إمكانية تفريغ غضبها دون تكاليف كبيرة. ومع ازدياد الأمننة في الشارع التركي يصعب على فئات تركية ترى نفسها مظلومة انتقاد الحكومة[126]، فتلجأ الى تفريغ غضبها بالسوريين، وهو ما حدث بشكل مشابه أيضاً بالنسبة للحكومة بعد خسارة بلديتَي إستنبول وأنقرة.
يلقي ما سبق الضوء على تأثير الهجرة السورية في الانقسامات والاستقطابات المجتمعية التركية الموجودة أصلاً، لاسيما مع تزايد الاستقطاب على المسائل الهوياتية داخل المجتمع التركي[127]، وشعور بعض الفئات بزيادة مظلومياتها.
خاتمة وتوصيات:
تختلط التأثيرات الثقافية والاقتصادية والهوياتية معاً في تشكيل النظرة المجتمعية والسياسية إلى ملف الهجرة السورية والوجود السوري في تركيا، وقد تعزّز هذا بما مرّت به تركيا ومحيطها الشرق الأوسطي من أحداث جسام في السنين العشر الأخيرة.
مع الأسف لا تستند الموجة المتصاعدة الرافضة للمهاجرين عموماً -والسوريين منهم خصوصاً- في تركيا إلى محاكمات عقلية وحجج منطقية، بل تستند إلى معلومات مضللة ومبالغات مفرطة؛ مما يقلل من أهمية سرد الحقائق التي تحدثنا عنها في هذا المقال والمقالات السابقة في التأثير على الشارع، لأن ذلك يحتاج ضخّاً إعلامياً كبيراً. مع ذلك فإنّ تسلُّحنا بالوعي ومعرفة الحقائق يؤهّلنا لحمل رسالة موحدة بهدف بناء جسور الحوار والثقة مع المجتمع التركي المضيف، لاسيما وأن التأثير والتداخل التركي في القضية السورية أصبح معقداً، وسيكون غالباً طويل الأمد، وامتزح الدم السوري مع الدم التركي في الدفاع عن الأمن القومي والمصالح المشتركة بين السوريين وإخوانهم الأتراك على تراب الشمال السوري؛ الأمر الذي يلقي بالمسؤولية على السوريين من الأجيال الشابة، خاصة ممن تعلموا اللغة التركية، وباتوا قادرين على فهم المجتمع التركي لإيصال الرسائل المناسبة إليه، بما يؤدي إلى تخفيف الاحتقان والغضب ضد المهاجرين السوريين، والمهاجرين عموماً؛ فتركيا بلد كبير وعظيم، ويستحق أن يكون حاضناً للمهاجرين والمظلومين، وهو ما كان عليه طوال السنوات الماضية، لولا بعض الشوائب والإشكاليات التي زادت مؤخراً لأسباب كثيرة ومعقدة، أبرزها عوامل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة.
ويمكن لنا أن نقترح التوصيات العامة الآتية:
- ضرورة القيام بحملات مناصرة للسوريين داخل المجتمعات التركية، مع مراعاة ما يتطلب ذلك من إعداد خبرات ومؤسسات متخصصة في إعداد الإعلاميين القادرين على خطاب المجتمع التركي، مع ضرورة تكاتف مختلف قطاعات وشرائح المجتمع السوري في تركيا، وفي الداخل السوري والمهجر.
- دراسة خطاب المناصرة وتنقيحه وتحديثه وتطويره بحسب السياق والفئات المستهدفة، ومراكمة الدروس المستفادة فيه، مع استحضار بعض القضايا الأساسية المبنية على مزيج من المصالح والأخلاق الإنسانية، وتخصيصها بحسب السياق والشرائح المستهدفة، كالتأثيرات الإيجابية الاقتصادية للسوريين، والتاريخ المشترك، خاصة المعارك التاريخية واشتراك السوريين فيها (مثل جناق قلعة)، وتضحيات السوريين في المعارك التي تخصّ الأمن القومي التركي (كالعمليات داخل سوريا).
- تعزيز العلاقات والتعاون مع مختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الداعمة لخطاب المواطنة والعدالة وحقوق الانسان.
- تعزيز العلاقات والتعاون مع النقابات المهنية ونقابات العمال وغرف التجارة والصناعة، ودعم مشاركة السوريين فيها وفي انتخاباتها، ودعم إصداراتها وإحصاءاتها حول إسهامات السوريين في القطاعات التجارية والمهنية والصناعية.
- الاستثمار في الأجيال السورية والعربية المتعلمة في تركيا، والتي تفهم الثقافة واللغة التركية؛ فهي قادرة على إيصال الرسائل بسلاسة للمجتمع التركي، من خلال تثقيفها وتدريبها وتوعيتها وتجذير الانتماء للقضية السورية والقضايا العادلة فيها.
- العمل على المدى الطويل على مشروع نهضوي طويل الأمد، قائم على مبادئ المواطنة والعدالة وحسن الجوار بين مختلف المكونات في المنطقة، من عرب وأتراك وأكراد وغيرهم، وصولاً إلى تكامل حضاري واقتصادي قائم على المصالح المادية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية المشتركة في المنطقة، والاستفادة من تجارب الاتحاد الأوربي وغيره من التعاونيات الإقليمية.
- تعزيز الحوار والاحترام المتبادل بين الثقافات العربية والتركية والكردية وغيرها من مكونات المنطقة، من خلال دعم اللقاءات بين مختلف المراكز البحثية والمفكرين والعلماء، وإقامة المؤتمرات العلمية فيما بينهم لوضع الأطر والمبادئ والسبل الأفضل للتعايش والتعاون المشترك، والتوجيه الإعلامي بناءً على ذلك.
- العمل على تجسير الهوّة العربية التركية من خلال التبادل والحوار الثقافي، والعمل على لعب السوريين والعرب في تركيا دوراً أكبر في تقارب الأتراك مع العرب عموماً، والاستثمار في تعزيز انتماء المجنسين السوريين لقضيتهم ودعمهم لأبناء وطنهم.
- التوجيه والمناصرة لدعم الأشقاء العرب لإخوانهم السوريين في تركيا، من خلال ضخّ الاستثمارات الاقتصادية والتنموية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الوئام المجتمعي، بما ينعكس إيجاباً على العلاقات العربية التركية عموماً.
- إعداد الدراسات الاقتصادية والمجتمعية حول الاستثمارات والتدخلات التنموية الأنسب والأكثر جدوى اقتصادياً واجتماعياً، على سبيل المثال: يبدو الاستثمار في القطاع الزراعي في شرق تركيا وجنوبها فرصة في ظل تصاعد أزمة الغذاء العالمية، خاصة مع التغيرات المناخية وازدياد الجفاف، وما تلاه من تأثيرات الحرب الأوكرانية الروسية، لاسيما وأن الجنوب والشرق التركي أكثر قبولاً مجتمعياً للسوريين وأنشطتهم.
- دعم سياسات سوق العمل النشطة الهادفة إلى مكافحة البطالة بين المواطنين الأتراك، خاصة من الفئات التي تتنافس مع العمالة المهاجرة، ويمكن توجيه الدعم الخارجي لزيادة التوظيف لمختلف الفئات.
- قيام الدولة ومنظمات المجتمع المدني بتشجيع رجال الأعمال الأتراك والعرب والسوريين على إقامة المشاريع في المناطق الريفية والشرقية، بعيداً عن مناطق المدن الكبرى التي يزداد فيها التوتر، وذلك من خلال تقديم مختلف أنواع التسهيلات المالية والإعفاءات الضريبية.
- التركيز الإعلامي على أدوار الاستثمارات العربية والسورية في تنشيط الاقتصاد، وتشجيع الشراكات السورية والعربية مع رجال الأعمال الأتراك بهدف زيادة التماسك المجتمعي.
- تكثيف دعم المنظمات التنموية لمشاريع المهاجرين السوريين والمجتمعات المضيفة؛ بما يؤدي إلى مساندتهم الاقتصادية، وتعزيز التماسك المجتمعي.
- تحسين البيئة الاستثمارية لروّاد ورجال الأعمال السوريين الناجحين خصوصاً، من خلال تسهيل وصولهم للتمويل والمرافق، وتقليل العوائق البيروقراطية، كقيود السفر والجنسية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أهمية تقرير صدر حديثاً عن غرفة التجارة في إستنبول يتحدث عن دور المهاجرين السوريين في الاقتصاد في إستنبول، وقد أثنى التقرير بعمومه على إسهامات السوريين في الاقتصاد، كما دعا إلى إعادة النظر في كثير من القيود البيروقراطية، كإذن السفر لحاملي بطاقات الحماية المؤقتة، واقترح إعطاءهم جوازات سفر مؤقتة ورفع قيود السفر عنهم، وإلغاء قاعدة توظيف خمسة مواطنين أتراك مقابل كل أجنبي، وتسهيل آليات نيل الجنسية، بما في ذلك التجنُّس عن طريق تملُّك العقارات بحيث يشمل السوريين[128].
لمشاركة البحث:
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
2 تعليقات